المقدمة
لقد بينت تجارب التاريخ الأحوازي أنه قادر على الحافظ على هويته أو التصرف بمساراتها وممايزتها عن غيرها من نظريات مرت ولا زالت النظرية الصفوية والنظرية البهلوية ونظرية ولاية الفقيه وكلها صور لمادة واحدة وإن تعدد الأسماء إلا أن الإنسان الأحوازي في مثل هذه النظريات المعادية للهوية الاحوازية المتميزة عن الهوية الإيرانية الأسطورية أو حتى المقولبة بالأوهام، وفي النهاية علينا أن نقتنع أن الهوية ليست سوى رباط الأحوازي مع ذاته! ولا يوجد مواطن أحوازي يريد العداء مع ذاته بل صفة الإنسان هذه هي أن يحب الذات ويدافع عنها.. هذا ما لا يغفل عنه الأحوازي طيال تسعة عقود في صراعه مع الدولة الإيرانية. والمعلوم لنا أن إيران بنظاميها القومي البهلوي والإيراني الإسلامي-الشيعي دشنت مشاريعها انطلاقا من الاحتلال العسكري للأحواز والشعوب الأخرى لمجاورة لها.
واطراد على مفهوم الهوية أنها كالصورة نوعية التي لا تحتاج إلا الاختيار والفعل المناسب لإنشاءها لأنها بناء على اعتبار فلسفي ميتافيزيقي هي: (هوية صدورية لا تنفصل عن مبدأ الذات ولا تتحقق إلا بالإرادة) (١) والفعل الجماعي، أجل أن هذه الهوية لها بني متعددة بحسب القومية والجغرافيا. وقد تبرز البنية التاريخية والبنية الاجتماعية والبنية اللغوية والبنية القومية والبنية الثقافية في الواجهة الفكرية أكثر من غيرها ومن دونها فالهوية إمر لا يتحقق في الخارج لأنها ليست وجودا ذاتيا محضا. ومن هذا المنطلق تسعى الدراسة أن تقدم بالإجمال والإيجاز والتحليل بينة الهوية الأحوازية بالاكتفاء على مر ذكره لكي يدرك المواطن الأحوازي ــ الإنسان الأحوازي أن الهوية الأحوازية تتطلب منه العمل والتطبيق لممانعة نظريات إيران الخطيرة علينا كالفارسيزم والإيرانيزم وغيرها من الهرطقات التي لا أساس لها بل يدونها كتّاب توظهم مؤسسات الدولة لضرب عمق الهوية العربية الأحوازية والتي بحسب مواقفي الوطنية أن هذه الهوية هي خليجية بامتياز. وبناء على هذا فالمواطن الأحوازي ملزم بالاهتمام بمسألة الحفاظ على الهوية الأحوازية المتمايزة عن الهوية الآرية ــ الإيرانية وهي من أهم أولوياته في المنظور الوطني، بل يفترض عليه أن يعيش في هوية معينة إن كانت مفهوم الوطن لمثل له أكثر من مستوى الاستقرار والأمان.
المفاهيم المفتاحية: البنى الأحوازية، الغزو الإيراني، الهوية الأحوازية، الهوية الإيرانية.
البنية التاريخية
الأحواز أو إقليم الأحواز الواقع في شمال الساحل الشرقي للخليج العربي، ولا نقول: (جنوب غرب إيران) (٢) أو (جنوب غرب الدولة المركزية) (٣) أو حتى عربستان كما أسمته الدولة الصفوية منذ ما يقرب من خمسة قرون، كانت تسمى أرض عيلام ولها حضارة وثقافة منذ عام ٤٨٥ ق.م ، وحتى الآن ما يعني قدمة تاريخية بـ ٦٠٠٠ الاف عام من أقدم وأهم حضارات الشرق.
ومن المشهود أن الأحواز بغض الاهتمام عن التموقف السياسي حول التسمية تحوي في أراضيها على نسبة عالية من موارد الاقتصاد التقليدي العالمي، أي: ٨٥ ٪ من النفط والغاز الطبيعيين، إلى جانب أراضيها التي من أخصب الأراضي الزراعية في الخليج العربي حتى قبيل ثورة ١٩٧٩ م. ومع كثرة أنهارها مثل كارون والكرخة والجراحي التي تدفق على الأحواز كثروة مياهية وذلك قبل أن تُبنى السدود عليها ضمن الخطط التدميرية لبنية هذه الثروة العظيمة من جهة إيران. ومع وجود هذه الثروات إلا أن الشعب الأحوازي يعيش كأفقر شعب فوق أغنى تراب في الساحل الشمالي الشرقي للخليج العربي والذي يتكون مجتمعه من قبائل عربية باعتبارها العامل الرئيسي في التكوين الاجتماعي لهذا الشعب. ومن هنا ربما تطرح الشبهة التي اختلقها القوميون الفرس وهي نظرية الإيرانيزميون والفارسيزميون حول المهاجرة على أن هذه الصلة بين شعب الخليج العربي والشعب الأحوازي تثبت أن الشعب الأحوازي قد هاجر إلى الأحواز.
والإجابة باختزال: شعب الأحواز هو الساكن الأصلي لأرضه وقبل الاحتلال بحسب الرحالة الفرس إلى الأحواز لا تواجد فيها للعرق الفارسي، ثم بعد أن احتلت إيران الأحواز بدأت الشبهة بالظهران، وقبل ذلك لا وجود لها.
كما يلزم التنوير أن نظرية إيران (البهلوية والجمهورية الإيرانية) قبل عام تولى رضا بهلوي الحكم لم تكن مطروحة لدى حكام فارس، وإنما طرحت فترة ١٩٢٥- ١٩٤١، وكانت تسمى قبل ذلك أرض فارس، لا إيران.
البنية المجتمعية ــ الاجتماعية
المنظور منها أن النظام الاجتماعي والتكوين الاجتماعي الأحوازي يتكون من عدة أنظمة جوهرية وعرضية بتعبير فلسفي، وهي: الأعراف والقبائل والسياسة.. ولكل من هذه المفاهيم ما بإزاءها من بنية، بمعنى أننا لو اكتفينا بالقول: البينة الاجتماعية الأحوازية، فيكون المنظور هو بنية كليانية وإن فككنا هذه الكليانية فكل عنصر هو يصنف بنية أحوازية جزأنية. ثم البنية مفهوم بالإمكان توظيفه لكي يشمل أوجه الوجود البشري ــ الإنساني في سياق المكان والأنشطة في سياق الزمان، كما لو تدرس المختصات الديموغرافية للشعب الأحوازي في التوزيع السكاني والتعدد الطبقاتي والمكانة والمنزلة مثلا. ولعل تنظير المفكر الأكاديمي أنتوني جيدنز في نظرية الأنبناء يعدل لنا الفهم عن البنية والانبناء والمجتمع، ففي: البنية يتبادر معنى الثبات، وفي الانبناء التفاعل والتآلف) (٤). وبناء على هذا فإننا عندما ندرس البنية الأحوازية فإننا ندرس الثبات الأحوازي البنيوي.
وبنية الأحوازي الاجتماعية تقليدية، وينتشر فيها الخطاب الديني والخطاب القومي والأعراف التريباليزمية (القبلية – العشائرية الأحوازية) والخرافات المذهبية الشيعية ــ السنية أكثر من غيرها؛ وذلك لأن الأنظمة الإيرانية القومية طيال فترات الاحتلال ففترة الجمهورية الإيرانية في أربعة عقود بخطاب ديني ـ قومي، سعت إلى منع تبني غير البنية التقليدية وأساسا إبعاد المجتمع الأحوازي عن أحداث العالم الحديث وخطاباته الحديثة التي أثبتت بالتجربة نجاحها كخطاب العلمانية والديقراطية في تحقيق مطالب الإنسان. ثم إن تحليل الخطاب والسياق الاجتماعي الموجود يكشف عن نمطية البداوة واتباع الحالة الفطرية ولا نعدم الموانع التي تخلقها المنظومة الأمنية الإيرانية لإبقاء المجتمع على هذا المستوى من الترادي. وأما عن المجتمع الأحوازي في نظرية الانبناء أن هذا المجتمع مثلا في عهد الإمارة الكعبية الثانية يكشف لنا التفاعل بين البنية العشائرية وقبلية ــ التريباليزيمية كالعشيرة والشيخ وكذا بنية الرعي والفلاحة. ما يعني أن الانبناء الأحوازي الاجتماعي وحتى قبيل احتلال الملالي الجديد قائم على ثقافة الرعي والفلاحة والقبلية والقبائلية.
البنية اللغوية
تعتد اللغة بناء على الدراسات الأكاديمية اليوم من أبرز شواخص التناسق والائتلاف بين آحاد الشعب وشرائحه، أو بتعبير ثانوي الفهم: أن الشعوب تعرَّف على أساس اللغة في العصر الحديث. واللغة كأداة أصلية شأنها الترابط بين الثقافة الإنسانية تمكن أفراد شريحة أو فئة أو المجتمع أو الشعب من إيجاد الترابط الحر فيما بينهم كأول أداء لها. وفي العكس من ذلك إن وظفت لغة ما ضد مجتمع ما فإنها عند ذلك مانع خطير ورادع عسير، وعلى نخبة أو مفكري المجتمع البحث عن حلول لهما كما في مانع اللغة الفارسية المدروسة للوقوف أمام تقدم اللغة العربية في الأحواز (لغة الأكثرية المطلقة ما عدى الأحوازيين من غير العرب في كل من ارجان وتستر والقنيطرة). وعليه فاللغة تتعدى مستوى الوظيفية التعبيرية والوظيفة التواصلية ــ الاتصالية (٥) ومن هذه الوجهة المنظورية التي نحن فيها، أي أنها وإن أدت دور التعبير عن التفكير البسيط والمركب أو التبيين والتبليغ عن المعرفة والعلم، فهي تكشف عن الوجود الصنفي البشري ومتعلقاته الإنسانية، كمتعلق التراث العربي الأحوازي في اللغة والفقه لدي كل من أبي الطيب اللغوي وأبي هلال العكسري الأحوازيين. ومن منظور آخر أداء اللغة في إقليم الأحواز أو “دولة الأحواز مستقبلا” تعد مشكلة كبيرة بحسب معايير الإيرنة الوطنية القومية المزعومة؛ كون النظام الإيراني يراها ذريعة تفكيكية لبنية النظرية اللغوية الفارسية أو تضادا فيما يهدف إليه النظام ضد الشعب الأحوازي، الشعب الناطق بالعربية والمنتمي إلى الهوية العربية.
ومن المعلوم أن اللغة الأحوازية فيما بعد الاحتلال بخاصة فترة الخمينية تراجعت مقارنة مع ما قبل الاحتلال، وفي المقابل تصاعد ضريب الفارسية لأسباب ومفروضات كثيرة، مثلا حرب عام ١٩٨٠م الإيرانية ــ العراقية كانت كأداة مدمرة للغة العربية في الأحواز حيث نزوح المواطن الأحوازي خارج الإقليم ونزول الملايين من مدن ومحافظات الفارسية إلى الأحواز وفُرض على النازح الأحوازي الحياة خارج بيئة الأحواز والتعليم بالفارسية وهو غير مرغوب فيه ولا مرضي قبال لغة الأم اللغة العربية التي درس فيها مثلا في عهدي الإمارة المشعشعية والكعبية.
واستطرادا على بنية اللغة والمخاطر التي تحيط بها يلزم أن نشير على أن مؤسسات الدولة الإيرانية تعد اللغة العربية في الأحواز مانعا أمام سياسة التفريس والتطميس للهوية العربية، وبالمستوى نفسه نخن نرى أن الفارسية في الأحواز خطرا على مجتمعنا ومانعا في ردع التفريس والحفاظ على اللغة الأحوازية.
البنية البشرية ــ القومية
المنظور من البنية البشرية الوجوه المشتركة في Ethnic التي تخص السلالات العرقية التي تختلف بين جمهور وآخر في متسع الثقافة والموروث واللغة والنماذج الاجتماعية؟ وتخصيص البحث حول البنية البشرية الأحوازية يعني من وجهتي الاستنباطية الفكرية أن يُتبنى المنظور الأنثروبولوجي في دراسة تيك البنية، ليبرز أمامنا النسب الانتماء السلالي العربي والأساس القومي. وبتعبير أكثر تكرسا: ذلك الاهتمام السلالي ــ القومي أي دراسة مجموعة شواخص القبيلة – الجمهور ـ الشعب. بغية الكشف عن القوام الجوهري في التحولات الحاصلة في البنية السلالية) (٦). وبناء على هذا الاعتبار فإن البنية الأحوازية البشرية في إقليم الأحواز يمكن رصدها بالرؤى الانثربولوجية الواردة في الأدبيات الكتابية واللسانية واستمرت حتى اللحظة. فيمكن مثلا بالتعريج إلى الأدبيات الأنثربولوجية اللسانية أن نقف على طبيعة التحول السلالي في عهد الأمير خزعل وأن نقارنه مع ما حصل لبنية اللغة العربية كما تقدم في البحث السابق.
ومن الصعب إمكان الإمام بأصول وفروع البنية البشرية بهذه الفقرات إلا أن التخصيص لدرستها فإنه الموضوع الأكثر اهتماما لنا، وفي الوقت ذاته الأشد عداء من قبل مؤسسات النظام الإيراني لتزويره لصياغته وكأنها بنية عرقية ــ فارسية ولم يحصل له من التحول إلا موضوع اللغة! بزعم هذه المؤسسات أن شعب الأحواز في الأصل غير عربي!! إلا أن لغته عربية لا أكثر!! إلى غير ذلك من هرطقات والإسفافيات التي لا صحة لها يمكن إبطالها في دراسة البنية الأحوازية البشرية نفسها بكل تأكيد.
وباختزال مطلوب فإن البنية المنظورة تبرز في ديمومة نظام (الحاكم ــ القبيلة) لما بعد العصر العيلامي (عهد الميسانيين وقبل الإسلام) وما بعده (الأموي ــ العباسي ــ المشعشعي ــ الكعبي الأول والثاني) ويجب أن لا يتغيب عن الوعي والإدراك الأكاديمي أن هذا النظام العرفي العربي الأحوازي منذ تسعة عقود كان في تعارض وتضاد مع المحتل الإيراني وتهديدا لمنظومته الأمنية بين فترة وأخرى يجرها إلى حدود الانفلات أو التضعيف ما يجعل التصرف أو الموجهة معه إلى حد ما صعبة جدا. وكما بينا في محله فإن هذا النظام العربي السلالي ــ القومي نتفق معه بنسبة معينة لطالما الاحتلال متواجد في أرض الأحواز، وأعني أن يوظف بهذه الفترة كأداة لا أكثر إلى جانب سائر الأدواة التي تؤدي أثرا إيجابيا مطلوبا ضد المحتل. ولا أشك أن شعب الأحواز عليه التوكأ أيضا على النظام القبائلي (٧) كأداة في الحفاظ على الوجود العربي ومتعلقاته كاللغة والثقافة والانتماء العربي.. للمضي قدما.
ومن توافق الظرف الحالي وتناسقه أننا لا نرى دلالات تشير إلى إمكانية المحتل في إزالة هذه النظام التقليدي الصارم في المجتمع الأحوازي؛ وأما فيما بعد الاحتلال فالترشيد والتخطيط لاستلاب هذه النظام نحو فضاء المجتمع المدني والديمقراطي أمر ضروري.
البنية الثقافة
لا يزال البحث عن مسألة الثقافة موضع الاختلاف، وهذا الاختلاف حصيلة المواقف الثقافية نفسها، حيث نشهد إدوارد تايلور، يتقدم بتعريف على أنها “مفهوم معقد مكون من العلم والمعتقد والفن والأخلاقيات والقانون والرسم وكل قابليات الإنسان في المجتمع” (٨) بينما يرى أرنولد “البحث عن أفضل الأشياء والآثار والمحكيات” (٩) ويرى آخرون أن الثقافة بمفهومها ومدلولها الجديدين في موضع الاجتماع البشري الحديث إنما تتعلق أساسا بالسياسة. ونظرية الثقافة تبدي بوضوح اشتقاقها من مادة مفردة: ثَقُفَ وثَقِفَ (١٠) يفهم منها “الحذلقة والتفطن والذكاء (١١)، أي: دلالاتها مطلقة تصلح لكل شيء دونما تقييد لمعنى تعييني، إلا أن مفهوم الثقافة (١٢) كمصدر في سياق التحليل الفلسفي يدل على الصفات المختصة بالإنسان التي تدل على فعل الشيء والانفعال بواسطته، أي: تحصّل معنى ما في النفس. وعلى هذا يكون مفهوم الثقافة صالح للتوظيف في وصف “العلم والمعتقد والفن والأخلاقيات والقانون والرسم وكل قابليات الإنسان في المجتمع (١٣). وأما في البحث عن بنية الثقافة الأحوازية الممتدة من الثقافة العيلامية منذ ٤٨٥ ق.م والتي شهدت صراعات دائمة مع ثقافات ما بين النهرين كالسومرية والبابلية. حتى الوصول بالعهد الميسانيين والعهود الإسلامية ثم عهود الإمارات الأحوازية يلزم دراستها في ضوء الأساب والمبررات والوساطات الموجودة بين الإنسان والمجتمع الأحوازي والبنية الثقافية نفسها، لكي نخرج بمحصلة قادرة على أن تقاوم الغزو الإيرانيزمي الثقافي المعادي لنا، وأن نحافظ على الحاجات الثقافية والاستجابات الثقافية الأحوازية كأساس حيوي لإمكانية الترابط بين البنية الاجتماعية والبنية الثقافية لخلق التوازن والاستقرار الاجتماعي الأحوازي والانضباط الاجتماعي كشرط للوجود العربي الأحوازي واستمراريته وهذا يعني أن أداء الثقافة الاحوازية يتطلب الأسس والأنساق الاجتماعية التي تتحكّم بسلوكات الفرد الأحوازي والشرائح الأحوازية أيضا.
ومن الأنساق والأسس القيم التقليدية وعدم التغير عن المواقف المصالح الوطنية الأحوازية تجاة الغزو الثقافي لكي لا تضعف أو تستبدل المرجعيات السائدة بمرجعيات الإيرانيزم الهادفة إلى تحطيم البنية الثقافية في مستويات الفرد والجماعات وتفكيك النظام الاجتماعي التقليدي الأحوازي، فإن هذه النظرية المعادية لا شأن لها بغير هذا. ومن هنا يحاول النظام الإيراني أن يوجد الاختلال في المعايير والقيم الاجتماعية الأحوازية السائدة واستبدالها التام أو النسبي بقيم متناقضة ومتصارعة ومتناحرة بشكل بنيوي في النماذج والمرجعيات التي يقدمها في بيئتنا الأحوازية الحاضرة في التعليم والإعلام.
ومن البديهي أن الأنظمة الإيرانية دشنت منذ تيعة عقود مشاريع ضرب البنية الثقافية الأحوازية في إطار التنمية الثقافية القومية وهذا يعني أن الثقافة الأحوازية عمليا كانت ولا تزال تقاوم وقد وقفت مانعا أمام المشروع بالعادات والتقاليد والمراسيم وأيضا القبلية تريباليزم وهذه البنيات الجزئية تعمل تقليديا بمنأى عن صناعة الثقافة وتنميتها وقد بحثنا هذه المسألة في دراسة مستقلة.
المحصلة
إن الإبانة المتقدمة عن أهم البنى الأحوازية التي تقع في طول قوام الهوية الأحوازية إن قمنا برصدها على ضوء البنى الجزئية فإن التصرف فيها كالتأسيس والمحافظة والتنمية يكون تطبيق هذه المفاهيم في المجتمع الأحوازي شبيها بعدم الإمكان وفي الوقت ذاته يسهل لنظرية الإيرانيزم المعادية للهوية الأحوازية مواصلة مشاريع وخطط تحطيم الهوية.
وقد أدركت الأنظمة الإيرانية المتتالية منذ البهلوية أن هذه البنى التي تمت الإبانة عنها على أنها المانع الأصم أمامها ولذلك تعمل على كل أداة واسطة يمكنها أن توظف لتستعين به ضد الشعب الأحوازي. ولكن في حال قمنا بوضع هذه البنى: التاريخية والاجتماعية واللغوية والبشرية ــ القومية والثقافية في سياق مترابط وغير منعدم العلاقات فسوف نستمر في المقاومة أمام النظام الإيراني الأجنبي عن الهوية الأحوازية بالتفصل. وبناء على هذا الاعتبار يتطلب من المجتمع الأحوازي أن يضع هذه البنى في سياق الأولوية والسبق وأن يبدأ الاهتمام بها والرعاية لها إنطلاقا من أصغر بنية الهوية الأحوازية والأسهل في التصرف بها وهي اللغة ثم التاريخ ثم الثقافة وهكذا تصطف ما بقي منها. ومن المفروض أن نحمل قلقين بحسب التحليل لواقع الشعب وهما قلق المحافظة وقلق التنظير الثقافي، والمعلوم أن الاحتلال يستولي عليهما معا نظرا لأن الأرض تم اغتصابها ولا نملك دولة ولا مؤسساتها ونحن مع وجود هذه القيد القابض على أسس الهوية العربية الأحوازية نقدم ببطئ وهو قليل عن كثير باق يلزم أن نقدمه للحفاظ على الهوية في المتسع الإقليمي والخليجي العربي، لأننا من واقع الشعوب التي لا تزال تواصل مسارها في التخلص من الاحتلال وطبيعة العمل مختلفة عما وهو موجود في باقي الدول أو البلدان.
كمال بن سلمان
المصادر
١) انظر: محمد صدر الدين، الحكمة المتعالية: السفر: 1/3، الصفحة: 262، طبعة إيران 1384م
٢) رؤية المعارضة الأحوازية لنظام الحكم في إيران!
٣) رؤية المعارضة الأحوازية قبال للأنظمة ذات نظرية الأيرنة!
٤) http://uregina.ca/~gingrich/319m606.htm
٥) عبد القادر شرشال، ” اهمية اللغة و وظائفها في عمليات التواصل قراة في كتاب مدخل الى التحليل اللساني: اللفظ، الدلالة، السياق،” انسانيات، ع17-18، (2002)، ص ص59-68.
٦) قمت بتعريف المنظور بالابتناء على تعريف معجم لاروس، انظر:
https://www.larousse.fr/dictionnaires/francais/ethnologie/31415
٧) انظر دراستنا المفصلة التي أفرزنا فيها بالتنظير بين القبائلية والقبيلية: ( مفهوم القبلية = Tribalism والسيدية الأحوازية )
٨) انظر، تايلور، مفهوم الثقافة: 25، ترجمة : الدكتور قاسم المقداد منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2002م.
٩) Arrnold, Maattew (1950). Culture and Anarchy,PP:8 Cambridge: Cambridge University Press.
١٠) إبراهيم أنيس – عبد الحليم منتصر – عطية الصوالحي – محمد خلف الله أحمد، المعجم الوسيط: 98، الناشر: مجمع اللغة العربية – مكتبة الشروق الدولية سنة النشر: 2004
١١) المصدر نفسه: 98.
١٢) يوظف ابن سلامة مقهوم الثقافة ويستخدمه بالحرف والهيئة اللفظية، لكنه ايضا يريد منه ما أشرنا له. انظر: محمد بن سلام الجمحى، طبقات فحول الشعراء : 1/5 ، ترجمة، تحقيق: محمود محمد شاكر، طبعة 1، الهئية العامة لقصور الثقافة، القاهرة 1998م.
١٣) انظر، تايلور، مفهوم الثقافة: 25، ترجمة : الدكتور قاسم المقداد منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2002م.