السبت, نوفمبر 23, 2024
دراساتتوظيف ثقافة المقاومة: قراءة نقدية وتحليلية تجاه المقاومة في الأحواز (١)

توظيف ثقافة المقاومة: قراءة نقدية وتحليلية تجاه المقاومة في الأحواز (١)

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

إذا سكت الزمان عن المظالم قاوم ثم قاوم ثم قاوم

اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه.[1]

في هذه اللحظة التاريخية التي يشعر الشعب الاحوازي بامتهان الكرامة ويرى بأم أعينه ما حل بالطبيعة والمدن والاهم من هذا كله، الإنسان العربي نفسه، من كوارث جراء احتلال اقل ما يقال عنه، انه أسوا أنواع الاحتلال على مدى التاريخ، إذ يوظف فيه المحتل كافة أنواع الأساليب المتاحة لديه للتنكيل بهذا الشعب وإرغامه على مغادرة أرضه، أساليب قديمة وحديثة بفضل التقنيات التي منحته الهيمنة على كل شيء وان كان عاجزا فيما سبق؛ أقول في ظل كل تلك القضايا مجتمعة، لا يجد العربي إلا المقاومة بوجه الاحتلال، المقاومة بوجهها العام ردة فعل واعية تجاه ما يتعرض له الإنسان والطبيعة بكل ما يحملانه من معنى من ممارسات تريد الحط من شانه أو الهيمنة عليه أو تريد إبادته.

نريد في هذا البحث المكون من عدة أجزاء دراسة مفهوم المقاومة وثقافة المقاومة عند الاحوازي وكل ما يتعلق بهذه القضية من مواضيع أردنا بها الإحاطة بهذا الموضوع الذي يشكل برأينا أهم القضايا الملحة التي على كل احوازي الاهتمام بها ومناقشتها على نار هادئة للخروج من أزمة بل أزمات نواجهها في حياتنا اليومية.

المقاومة مفردة واصطلاحا

إن نظرنا في المعاجم بحثا عن معنى المقاومة نجد التالي: مُقاومة: (اسم) مصدر قاومَ وتعني صُعوبة تواجهُها قوَّة معيَّنة. والمعارضة ورفض الخضوع لإرادة الغير وفي علوم النفس انها تعني معارضة غريزيّة لأيَّة محاولة لنقل موضوع من اللاّشعور إلى الشُّعور كما تعني مُقَاوَمَةُ العُنْفِ بِالعُنْفِ أما قاوَمَ: (فعل) قاومَ يقاوم ، مُقاومةً وقِوامًا ، فهو مُقاوِم ، والمفعول مُقاوَم قَاوَمَ أَعْدَاءَ بِلاَدِهِ : نَاضَلَ ضِدَّهُمْ ، عَارَضَهُمْ بِالْقُوَّةِ.[2]

اصطلاحا المقاومة، إنما هي: مفهوم إنساني، وحق مشروع، معروف في القوانين الدولية، والأعراف الإنسانية، وله ضوابطه وروابطه وآدابه وثقافته وأخلاقه. والمقاومة، في مفهومها العام، هي ردة فعل مجتمعية واعية، ضد واقع مرفوض، أو غير مشروع، أو لمواجهة استبداد، أو استعباد أو ظلم أو تمييز أو احتلال…. الخ.[3]  اختلفت مفاهيم المقاومة وفقا لنوعها ومنظار الباحث، لكن الجميع يتفق على انها مواجهة قوة معينة. التركيز على مفهوم المقاومة لا ينتهي عند هذا الحد، إنما يقودنا إلى إلقاء الضوء على المعاني المحيطة بها إذ تأتي في مقدمتها الثورة وهي أعنف أساليب المقاومة وصولا إلى الإصلاح وهو ذلك النوع من المقاومة الذي قلما يتم اللجوء إلى العنف بل يؤيد ما هو سائد ويريد إصلاحه بأساليب متاحة تحمل اقل الأضرار في طياتها.

هناك من يرى ان المقاومة تعني مقاومة الذات من الداخل. حيث لا بد في كل مقاومة ان نخضع الى الشروط الموضوعية للامة. اما ساحة المقاومة فهو محاربة كل من يشكل تهديدا للذات والأرض والوطن ومنها هنا يمكن تصنيف المقاومة الى عدة اقسام.

أنواع المقاومة: الثقافية والسياسية والمسلحة

كما هو معروف فان المقاومة في معناها العام هي اعتراض ورد الهجوم وذلك أما لصد العدوان أو الغزو أو للحفاظ على الهوية في مواجهة الغزو الثقافي،[4]  كما انه يمكن اعتبارها ذلك الفعل الصادر عن مجموعة من الشعوب أو القبائل التي انتهكت حدودها وترابها من طرف الغزاة الدخلاء وقد تتخذ أشكالا متعددة من حمل للسلاح لصد العدو إلى الفعل الدبلوماسي والمفاوضات في إطار المؤسسات إلى أشكال أخرى تعبيرية تلقائية وذلك كالتعبير عن رفض الواقع الراهن عن طريق الأشعار أو الأغاني أو الرقصات  أو التمثيليات أو التعليم ولهذا ظهر ما يعرف بأدب المقاومة. فيما يلي نريد الخوض في إحدى أكثر أنواع التصنيفات للمقاومة إذ تنقسم إلى ثلاثة: الثقافية والسياسية والمسلحة ونرى كيف تجلت تلك الأنواع عند الاحوازي:

المقاومة الثقافية

غني عن القول بانه إذا ما تعرض شعب ما لهجوم أجنبي فانه يتخذ ثلاثة حالات: إما المواجهة والدفاع عن الذات وإما التقوقع في الذات والحفاظ على الذات والهوية، وإما الانصهار في الآخر حتى تتحول هويته رأسا على عقب، كلما مرت الأيام. اما فيما يتعلق بالثقافة فأن الحديث عنها حديث ذو شجون، لا نريد الولوج في ممرات تعريفات الثقافة، إنما يكفينا هنا النظر في هذا القول للفنان الفرنسي الكبير جان مونّيه “إذا ما كان علينا إعادة بناء كل شيء، فإنه يتحتم علينا أن نبدأ بالثقافة”. أن المقاومة الثقافية في ظروف الاحتلال هي فعلٌ اجتماعي عميق وفعلٌ سياسي نافذ من شأنه أن يخلق موازنة صحيحة في ظروف ناتجة عن معادلة غير طبيعية في الواقع الاجتماعي. فأن المقاومة الثقافية تظل إحدى أنواع المقاومات التي كان لها الفضل الكبير في الدفاع عن أركان وثوابت الشخصية الوطنية، باعتبارها لعبت دورا كبيرا خلال مرحلة عصيبة عايشها الشعوب. ان ثقافة المقاومة لا تكون بإعلان الحرب وحمل السلاح ضد جبهة ما. المقاومة هي أن ترفض الخضوع للعادات والتقاليد السائدة حتى تصبح مقاوما ثقافيا! يكفيك أن تحمل قلمك وتكتب لمحاربة السلطة، أي سلطة كانت وخاصة سلطة الاحتلال فحينها أنت مقاوم.

الاحتلال وهو يواجه مقاومة مسلحة متوقعة يستطيع أن يسلك سلوكاً ضارياً إزاءها، وخاصة سلطة الاحتلال الاستبدادية التي ترمي كل أشكال المقاومة في سلة الإرهاب وتقمعها بيد من حديد وتبحث في ذلك عن أدلة وهمية ان لم تمتلك أي دليل على ارض الواقع. لكنها وكما هو واضح إزاء الكلمة العارية من فعل النار المباشر لا تملك غير الإنصات لها مهما حاولت المراوغة والالتفاف عليها، والمثقفون العزّل عادة لا يملكون غير شرار الكلمات وحرائق السطور والوعي القوي إزاء مشكلة المحتل الدخيل، ولعلنا نكنّ الاحترام المتين لتجربة (غاندي) في اللا عنف واللا سلاح حينما حرر الهند من سطوة الاحتلال البريطاني بالعقل المستنير والحكمة البليغة وهو يواجه جيوش الاحتلال بقامة نحيلة ورأس صغير وثوب يشبه الكفن.

“سيمتد هذا الحصار

إلى أن نُعلّم أعدائنا نماذج من شعرنا الجاهلي

سيمتد هذا الحصار

إلى أن يحس المحاصِر مثل المحاصَر أن الضجر صفةٌ من صفات البشر”.[5]

بعد احتلال الاحواز، شرعت سلطات الاحتلال في تطبيق سياستها الثقافية لتحطيم قيمنا الثقافية والحضارية والقضاء على أسس ومبادئ الهوية الوطنية من لغة ودين وتاريخ وثقافة، بتطبيق مختلف السياسات أبرزها سياستها اتجاه الانشطة الثقافية ومحاربتها للغة والثقافة العربية إضافة إلى سياسة التفريس، وهو ما ترتب عنه ردود فعل أولية في مواجهة الاحتلال.

المبحث الأول: السياسة الثقافية الفارسية في الاحواز بعد الاحتلال

تجلت السياسية الثقافية الفارسية في الاحواز في نشر الأمية، وكان ذلك طبيعيا لان نهب الثروات لا يتم إلا بوجود شعب أمي نائم في سبات عميق، قلما كانت هناك مدرسة إلا في المدن الكبرى، فكان على العربي الانتقال إلى مدينة أخرى للتعلم، وأي تعلم هذا؟ تعلم باللغة الفارسية! كما ركزت كل جهودها على توطين الفرس واللور في كافة انحاء الوطن وخاصة المدن الغنية بثرواتها، وعلى امتداد الأنهار الاحوازية وما أكثرها. وبهذا جعلت المستوطن يدير أمور الوطن ويطبق سياسات الاحتلال الهادفة إلى القضاء على الثقافة العربية. أضف إلى هذا ويجب ان نفتح قوسين كبيرين لها، على أمل دراستها في مقال آخر، وهو مناهضة العرب في عهد رضا شاه وابنه تحت شعار العودة إلى الماضي السحيق حيث الإمبراطورية الفارسية ومحاربة الإسلام بكل ما كان لديهم من قوة، إذ تم ذلك بتحالف مع اليهود وخرج ما خرج من أوهام حول تلك الإمبراطورية التي قضى عليها العرب، هذا الخطاب المعادي للعرب استهدف اول ما استهدف عرب الاحواز إذ كانوا الضحية الكبرى، لأنهم يمثلون آباءهم الذين شنوا هجوما على الفرس والقوا بهم الهزيمة النكراء، قدمت أطروحات كثيرة حول عرب الاحواز على رأسها انهم مهاجرون فاختلفوا في تاريخ هجرتهم و… كل ذلك ترك تأثيره على نفسية العرب جعلهم يبتدعون أساليب لمواجهة الهجوم الثقافي للمحتل، أضف إلى ذلك سياسة التهجير التي تبنتها حكومة البهلوي وان كانت تندرج في الاحتلال الصلب وليس المرن. لكن لما كان قد قطع الصلة الثقافية بالوطن يمكن دراسته في إطار الاحتلال الناعم.

أولا-سياسة الاحتلال تجاه الانشطة الثقافية 

عملت الحكومة الفارسية منذ احتلالها للاحواز على فرض سيطرتها وتثبيت وجودها بمختلف الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية، وخاصة من خلال محاولتها تغيير هوية الاحواز وربطها ربطا لغويا وثقافيا بثقافتها الفارسية. قد كانت أغلب تلك المشاريع موجهة للجانب الثقافي، نظرا لأهميته ودوره في مقاومة الاحتلال فسعت للقضاء على ثقافة المجتمع الاحوازي. وتركزت سياسة الاحتلال في هذا الجانب في الهيمنة على علماء الدين أو من يسمون في العامية الملالى من يعتلون المنابر وينشرون الثقافة الشيعية بالدرجة الاولى، ان جاز لنا تسمية ما يقومون به بالعمل المؤسساتي ذلك انه يتسم بالتنظيم إلى حد ما، فان الاحتلال بسط هيمنته عليهم. وخاصة يتجلى لك الأمر في فترة ما بعد الخميني، وان كان الملالى والواقع انهم لم يتبنوا أطروحات عروبية أو محاربة الاحتلال إلا ما قل وندر، وأول ما كان يهمهم ويؤسفنا القول وحتى يومنا هذا هو نشر التطرف.

  ثانيا-محاربة اللغة والثقافة العربية

ولتطبيق سياسة الاحتلال على اللغة العربية، بذل الاحتلال جهودا لإنجاح ما يرمي إليه، لعل أبرزها لجوءه إلى الجانب التعليمي باعتباره أهم ركائز السياسة الثقافية والتي من خلالها يمكنه محاربة اللغة العربية والقضاء عليها كونها أحد المقومات الأساسية للشخصية الوطنية وإحلال اللغة والثقافة الفارسية محلها. كما عمل أيضا في إطار هذه السياسة على تغيير كل ما له علاقة باللغة العربية وبما فيها أسماء المدن والقرى وحتى الشوارع والساحات إلى أسماء فارسية، فحملت بعضها أسماء لعسكريين معاديين للعرب[6] والحكام المدنيين وهذا في إطار سياسة التفريس التي لم تسلم منها حتى أسماء الأشخاص والأسر حيث سميت بعضها بأسماء فارسية كانت في بعض الأحيان إما مهينة أو مضحكة وهو ما أدى إلى اختلاف الأسماء في العائلة الواحدة بهدف تفكيك المجتمع الاحوازي وضرب كل ما يساهم في ترابط وانسجام المجتمع.[7]

ثالثا-سياسة التشيع:

أما بالنسبة للوسائل غير السلمية التي اعتمد عليها الاحتلال في سياسته التشيع، فتمثلت في هدم الكثير من مساجد أهل السنة وهو الذي انعكس على الطابع الديني الإسلامي الذي كان يميز الاحواز إذ كان الشيعة والسنة يعيشون إلى جنب البعض وخاصة في مدينة عبادان. هذا وقد تحولت بوصلة التشيع بعد ثورة الخميني الى سياسة معاداة العرب وبناء الإمبراطورية الفارسية بتبني اطروحات الغلاة من الشيعة او الصفوية، وقد ظهرت عدة اتجاهات لا هم لها سوى شتم السنة والخلفاء ليلا ونهارا وقد عدت ذلك جزءا لا يتجزأ من العبادة، وشهدت انتهاج هذه السياسية في المناطق العربية التي نادى المصلحون إلى اصلاح هذه الاطروحات وعدم العزف على أوتار الخلافات، فأولا اتهم هؤلاء المصلحين بتبني اطروحات معادية للشيعة ثم تم تمويل الغلاة فنشروا أفكارهم، وبلغ الامر درجة شعرت الحكومة نفسها بأخطارهم وخاصة اتباع الشيرازي، فخففت من حدة لهجتها.

المبحث الثاني: ردود الفعل الأولية

صاحبت سياسة الاحتلال الثقافية ردود فعل أولية تمثلت في توظيف الثقافة الشعبية في الشعر والمسرحية على سبيل المثال ما قام به الراحل الكبير احمد كنعاني الذي كان له السبق في هذا المجال وتمكن من بث أفكاره المناهضة للاحتلال في إطار الفكاهيات وبقت أقواله إلى يومنا هذا حديث المجالس. إضافة إلى الفكر الوحدوي لمواجهة الاحتلال ونريد بالوحدوي توحيد صفوف القبائل ويمكن اعتبار هذه الردود هي جذور للمقاومة الثقافية في الاحواز فيما بعد.

أولا-رفض القبيلة للاحتواء الإيراني:

مهما كثرت الأقوال وتناقضت فيما بينها فان القبيلة تبقى ذلك الإطار الذي حافظ على الهوية العربية في مواجهة الكثير من العواصف التي أرادت تدمير الهوية العربية، وأدت دورها في عدة أشكال منها مواجهة الاحتلال بالحفاظ على الأرض ومواجهة التفريس بتكوينها الملاذ للعربي. فالقبيلة كانت كالأسرة يرجع إلى أحضانها العربي كلما أراد الحياة الاجتماعية والصون بذاته أمام الآخر.

ثانيا-الثقافة الشعبية وانبعاث الفكر الإصلاحي:

على إثر السياسة الثقافية الفارسية، برز توجهان ثقافيان بعد الاحتلال يتعلق الأول بالثقافة الشعبية من خلال بروز الأشعار الشعبية، أما التوجه الثاني، فيتعلق ببروز مجموعة من المثقفين عملوا على لم شمل العرب وان كان بروزهم لأسباب معروفة نتحدث عنها لاحقا متأخرا، لكن مع هذا قد حققوا نجاحات باهرة.

  • الثقافة الشعبية:

شكلت الفئات الشعبية أشكالا أخرى من ردود الفعل الثقافي من خلال قنواتها التقليدية الأعراس ومراسم التأبين والفاتحة، وفي هذه القنوات تجلى الشعر الشعبي تجليا بارزا وأصبح أحيانا المنصة الأولى للشعراء، وهذا الأمر مستمر إلى يومنا هذا، كما أحدث دخول الاحتلال تغييرا في مضمون الشعر الشعبي، بظهور مواضيع جديدة تدعو إلى رفض الاحتلال إما مباشرة أو غير مباشرة. وقد تحدى الشعر الشعبي سياسة الاحتلال القائمة على تفكيك البنية الاجتماعية والثقافية من خلال التأكيد على الإخوة، وما ان تنظر إلى الأشعار الشعبية حتى يظهر بوجهك الكم الهائل لهذه الأشعار التي تدعو إلى الإخوة ولم الشمل إضافة إلى العتب الموجه للإخوة. فعلى الرغم من القمع والاضطهاد المسلط، لم يمنع الشعراء من إنتاج فن أدبي شعبي استطاع أن يعبر على مختلف نواحي الحياة على اختلاف أنواعها، وان لم نشاهد تلك الآثار في مجال الفكر والأدب التي ترقى إلى المستوى المأمول مقارنة بالشعوب الأخرى التي تعاني الاحتلال، لكن تلك المحاولات كانت ناجحة وراقية إذا ما نظرنا إلى الظروف المحيطة بها وهل يجوز لشعب حرم النعم التي وهبها الله إياه أن يطمح إلى إنتاج معرفة عميقة المضمون؟ وقد عمل الشعراء إلى إنتاج هذا الشعر لأغراض متعددة، كالتذكير بالقيم العربية والاخوة والحفاظ على اللحمة العربية.

  • انبعاث الفكر الإصلاحي:

الفكر الإصلاحي قد بدأ متأخرا لظروف معروفة للجميع منها القمع الشديد الذي واجهه الاحوازي عشية الاحتلال على يد المجرم رضا شاه أولا، ومن ثم ظهور الأفكار الشيعية على يد الخميني واهتمام الشارع العام بهذه الأفكار ثم الحرب الإيرانية العراقية التي راح ضحيتها الاحوازي بالدرجة الأولى وكأن نيرانها موجهة له، فمنهم من هاجر ولم يعد إلى أرضه ومنهم فقد كل شيء وعاش فقيرا؛ وأسباب أخرى، جعلت الأفكار الإصلاحية تظهر متأخرة وبالتحديد في العقدين المنصرمين، لكنها حققت مكاسب تاريخية.

المبحث الثالث: وسائل المقاومة الثقافية وإسهامات النخبة فيها

تأخذ المقاومة من حيث الوسائل المستخدمة عدة أشكال، المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية، ومن أنواع المقاومة السلمية نجد المقاومة الثقافية الفكرية، المتمثلة في تلك المؤسسات الثقافية والأفراد صناع الثقافة[8]، وموزعيها على مختلف مستوياتهم، الذين ساهموا بوسائلهم في مقاومة المحتل ومن بين هذه الوسائل نجد الصحف والمجلات والمنشورات. وكما هو معروف للمقاومة الثقافية اسلحتان: القلم واللسان. وأما ان يكونا صريحين وأما غير صريحين. النخبة تحمل راية القلم وتقاوم والعامة تحمل راية اللسان. لا سلاح في مواجهة الاحتلال أكثر فتكا من القلم وخاصة إذا ما تمكن صاحبه من معالجة الأمر خير معالجة فانه يمكنه ان ينقل بقضية سنوات وسنوات إلى الامام.

الصحف والمجلات:

تأخر الاحوازيون في إصدار صحف وطنية، وهذا عائد لمحاربة الاحتلال أي نشاط صحفي حتى تسلم “خاتمي” مقاليد الحكم فمنح الصحفيين الحرية واستغل الاحوازيون هذا الحدث خير استغلال ونشروا صحف ومجلات أدت ما عليها من أدوار لكن لعدم استمرارها حرمت نفسها من النقد البناء. فظهور هذه الصحف هو بحد ذاته مقاومة ثقافية وان لم تصل الصحف إلى كل طبقات المجتمع وتبقى حكرا على طبقة دون غيرها.

إسهامات النخبة في المقاومة الثقافية

أولا _ مفهوم النخبة ودورها الثقافي

قد أشار معجم المصطلحات السياسية والدولية إلى ان elite يقابلها بالعربية الصفوة أي علية القوم وهم أقلية ذات نفوذ تحكم الأغلبية وتلعب هذه الصفوة دورا قياديا وسياسيا لإدارة جماعاتهم من خلال الاعتراف التلقائي بهم.[9]  وقد عرف العرب تراثيا مفهوم النخبة ووظفوه في أشعارهم وأناشيدهم بكلمات مختلفة منها سادة القوم والخاصة والأعيان وكبار القوم وشيوخ القبيلة وعلى العموم قيل انهم أشخاص يمتلكون القدرة على التأثير الفكري والاجتماعي والسياسي.

إذن لا نريد بالنخبة تلك الفئة التي سمتها حمل الشهادات العليا بل نريد بها سادة القوم أو شيوخ القبائل، لا شك في انها تؤدي أدوارا كبيرة في تاريخنا الماضي منه أو الحاضر، وان مدلول النخبة يختلف حسب اختلاف العصور، ففي حين كان شيخ القبيلة سابقا يحمل المفهوم بلا منازع اما اليوم أصبح للشعب نخب كثيرة على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وان كان البعض يجمع بين كل تلك السمات.

   ثانيا_ الحركة الثقافية وبروز تيارات سياسية

ان جاز لنا استخدام مصطلح الحركة الثقافية عند الحديث عن الساحة الاحوازية، فنقول بان النخبة ومن خلال العمل في المجال الثقافي قدمت أكبر الخدمات للجانب السياسي إذ نتحدث حوله في الجزء الثاني من هذا البحث، لكن هنا نقول بان النخبة سواء كانت سادة القوم أو بالمفهوم الراهن النخبة العلمية ومن خلال الحفاظ على الهوية العربية، أدت دورها التاريخي في المقاومة. وان تم ذلك بمختلف الذرائع، حتى تلك الفئة التي حافظت على هويتها بدوافع شيعية.

المبحث الرابع: مظاهر المقاومة الثقافي

الأدب الاحوازي: الشعر والنثر

الأدب هو تعبير إبداعي عن تفاعل الأديب مع نفسه ورؤاه للمجتمع، ووسيلة اتصال بين الأديب ومجتمعه، يصون قيمه وعاداته، وليس بالضرورة أن ينتمي إلى حزب حتى يصبح أدبا وطنيا، فلم يكن الأدب الاحوازي بعد الاحتلال بعيدا عن الأحداث، فكان في تأثير وتأثر، فقد ساهم في المقاومة الثقافية وهو مظهر من مظاهرها سواء الأدب الفصيح (باللغة العربية الفصحى) أو الأدب الشعبي [10](العامية). وان زاد الاهتمام بالفصحى في العقود المنصرمة نتيجة ظهور فئة حاملة للشهادات. وبقي أكثر التركيز منصب على الأدب الشعبي، إضافة إلى ترحيب العامة بهذا النوع لسهولة الفهم وبعده عن المدارس الأدبية العالمية. فعند الحديث عن الأدب الاحوازي نرى بان الشعر له نصيب الأسد.

هناك مقولة تقول “إن النثر أشدُ التصاقا بالأرض من الشعر” ومرد هذا عندنا ملامسة النثر الواقع أكثر من الشعر حيث مجال الخيال، وقد تجلت هذه الحقيقة في النثر الاحوازي بعامة والرواية خاصة، إذ يعتبر النثر أشد التصاقا لأنه يحكي الواقع المعاش بكل صدق خاصة الرواية الاحوازية التي تطورت في السنوات المنصرمة. فمعظم الكتاب توجهوا لمعالجة أوضاع الاحواز كالفقر والهجرة، وغير ذلك من الحالات التي يشكوا الشعب منها تحت ليل الاحتلال.

أخيرا وليس آخرا علينا القول بان المقاومة الثقافية تتجلى إضافة إلى ما فات في كتابة تاريخ الاحواز والمسرح الذي ازدهر بفضل ظهور شباب مخلصين ومتمكنين، في هذا المجال، وفي جانب الآخر اتخذت حكومة الاحتلال مختلف المواقف تجاه كل نشاط فكري وفني وعمل صحفي والأنشطة الجمعوي، ما ان شعرت بانها تشكل تهديدا لوجودها على أرضنا.

نهاية الجزء الأول. للحديث تتمة

المصادر

[1] . سورة الحج 39-40.

[2] . نقلا عن معجم المعاني

[3] . https://www.alittihad.ae/article/9523/2017/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9

[4] . claud lianzu, resistances et cultures; enjeux de savoirs, in partiqeset resistance culturelles au maghreb, edition cnrs, paris, 1992, p 28

[5] . قصيدة حالة حصار لمحمود درويش

[6] . لعل أبرز الأمثلة تسمية شارع بهلوان في منطقة كيانبارس والمعروف بانه كان ضابط معادي للعرب ما ان يرى العرب بالزي العربي حتى يمزقه بعنف ويقول لهم هنا ليس عربستان بل هنا إيران.

[7] . ومازالت تتابع سلطة الاحتلال تشجيع هذه السياسية المتمثلة في تغيير الاسم العائلي خاصة الموظفين بذريعة الحصول على المناصب الإدارية العليا.

[8] . تشمل الثقافة المعلومات والمعتقدات والفن والأخلاق والعرق والتقاليد والعادات وجميع القدرات الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يكتسبها بوصفه عضوا في المجتمع كما أعطى مالك بن نبي عدة تعاريف للثقافة، من بين تعاريفه، أنها مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته وبالتالي، فالثقافة ذلك المحيط الذي يشكل الفرد طباعه وشخصيته: (أنظر: مالك بن نبي: مشكلة الثقافة، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر، ط4، لبنان،2000، ص 74).

[9] . احمد زكي بدوي معجم المصطلحات السياسية والدولية، دار الكتاب المصري، القاهرة 1989 ص 53

[10] . الأدب الشعبي هو العبارات والجمل والأمثال الشعبية والأشعار والخطب والقصص والحكايات الشعبية والأغاني والألغاز

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!