ثانياً: الفكر القومي الإيراني: عنف الدولة
قلنا في نهاية الجزء الأول- المحاور الثلاث إلتي أستهدفتها الدولة الايرانيه كل محور له نماذج تدل و تشخص الأستهداف والمقاصد منه.
المحور الأول الثقافي –النظام التعليمي
و هذا المحور له نماذج عده تم أستهدافها- نأخذ هنا نموذج يعد أساس “الثقافة” حسب وجهة نظرنا، وهو ” نظام التعليم”- وذلك لأهمية دوره ،حيث يعتبرهوالقيمة الكبرى للثقافات المجتمعية الحديثة ، والمقياس الذي يحدد مستوى تقدم كل ثقافة، لذلك له الأولوية من ناحية سلم الأهتمام عند الدول الحديثة ؛ و قد أشتغلت على تقوية و أنسجام نظام التعليم في العصر الحديث وفق خطط و برامج تنموية و علمية كل الدول الطامحة و الساعية نحو التقدم(1) .
وأما الدول السائره عكس “التقدم”، و”التنمية”، و متجهه نحو “التخلف”،كما هو وضع الدولة الإيرانية (2) ،تعمل على أهمال و تأزم هذا الحقل؛و التأزم بأعتباره تدهور و توقف مصاب به المجتمع الاحوازي بشكل خاص ، و أحد دلائل هذا المصاب تأكدها الأمية المنتشره و بنسبة عالية جداً، و أرتفاع نسبة الأمية تعد من أهم بواعث التجهيل لأبناء هذا المجتمع .
تجهيل تقف وراءه عدة عوامل نحددهما- في عاملين أثنين:
الأول : فرض نظام التعليم باللغة الفارسية، و هذا وحده حمل معه عدة صعوبات للإنسان الأحوازي الرجل و المرأة معاً ، و فرض هذا النظام أنتج أمرين مهمين نبرزهما –
الأمرالأول: تعلم لغة غير لغة الأم،وهي اللغة الفارسية- وهذا بحد ذاته مصدر مشاكل تربوية و نفسية حيث الدارس الأحوازي لهذه اللغة يجهل كثير من مضامينها أضافة إلي إن اللغة الفارسية الحديثة و تحديداً النصوص التربوية التعلمية حامله عداء و تمزيق للهوية العربية ( 3) .
الأمر الثاني: محاربة و تهميش اللغة العربية (4)، و منع تعليمها، وهذا الفعل شكل عقبة أساسية أمام ظهور وعي حديث أحوازي –أثر فقدان أسس الوعي الحديث ،و في مقدمة هذه الأسس “ثقافة القراءة و التدوين وأنتاج التفكير” التدوين في مجال نقد الفكر، وهذ يقال بشأن حقول الأدب و الفن، وإلتي من طبيعتها تزدهر و تنمو من خلال الأبداع وتقوية المواهب لا قتلها كما هو حاصل في ثقافتنا، لذلك نرى الشفوية تبرز و تسود ،وهذا التسيد وراء الوعي المتدني بين أبناء الشعب .
وهذين الأمرين وراء أزمة الهوية (5) إلتي تعرض لها أبناء هذا الشعب، و ظواهر الأزمة شاخصة عند الجيلين الجيل- الذي تعلم اللغة الفارسية حصلت له أزمة هوية- تجاه ذاته و تاريخه، و تحديداً نأخذ نموذج الجيل الأخيرمن المتعلمات في مجتمعنا .
أما الجيل الأمي وضعه يختلف حيث أصبح يعاني أضافة إلي أزمة الهوية يعيش في “جهل مركب”.
العامل الثاني : الفقر وهو عامل أساس وقف سداً أمام الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الشعب إلتي- تراجعت أمامه عن مواصلة الدراسة،وأذا أضفنا عاملا الأهمال و عدم الاهتمام بالمناطق السكانية ذات الأغلبية العربية، و تحديداً ما يخص العمران من بناء المدارس و الطرق يصبح أمر التراجع عن التعليم “يملك” و مكتفي شروطه الأساسية.
وهذين العاملين بما لهما من عوائق شكلا واقع الأمية ، والهبوط في مستوى الدراسة المرتفعة جداً في المجتمع الأحوازي(6)، وهي نسبة تعد مرتفعة جداً اذا ماتم قياسها مع عدد السكان الذين تتوافر فيهم شروط التعليم من كلا –الجنسين.
المحور الثاني: الأقتصادي/ الأجتماعي:
في هذا الجانب نشيرإلي نقطتين نحدد في الأولى – بأختصار الثروة الاقتصادية في الأحواز؛ و الثانية- نسبة ما يحصل عليه أبناء هذا الشعب من هذه الثروة الهائلة.
النقطة الاولى:الثروة الأقتصادية:
أذا تقسم جغرافية الأحواز وفق ما عليها من ثروات تكون جغرافية أقتصادية- بأمتياز حيث المصادر الأقتصادية الرئيسية الثلاث موزعة على الجغرافية-
1- النفط و الغاز 2-الاراضي الزراعة مع وفرة المياه ، 3- مراكزالأقتصاد و المشاريع إلتي تم أنشاءها- لمزيد من التفاصيل مراجعةهذا المصدر( 7).
النقطة الثانية: نسبة ما يحصل عليه أبناء الأحواز من هذا الأقتصاد:
أذا أطلقنا مقولة : أغنى ارض و أفقر سكان- هي مقولة: تحمل معها كثير من المصاديق و المعطيات لناخذ جانبين فقط نستدل بهماعلى هذه المصاديق-
الجانب الأول: ما يصدر من تصريحات بشأن الهيكل الأقتصادي الكبير إلتي تحتضنه هذه الجغرافية كما أشار لهذا مختص في الشأن الأقتصادي الإيراني أشارة تحدد حجم وسعة الثروة الأقتصاديةالمحتويه عليها هذه الأرض( 8) ، كذلك ما أكده أحد مسوؤلي السلطة التنفيذية(9) من عملية أهمال و تقصد للمنطقة رغم أنها تغذي و تشكل 80/00 من القوى الأقتصادية لكل إيران، أما ما يصدر من دراسات من بعض الدوائر العمرانية( 10) ،و إلتي تأتي على شكل أحصائيات فأنها واضحة في نقل الواقع المتدني لحياة المواطن العربي الأحوازي في شتى مرافق الحياة من التغذية إلي الرفاهية في المناطق و المدن إلتي يسكنها.
حيث المدن ذات الأغلبية السكانية العربية الفقر يعشعش فيها- والأعمال إلتي يمتهنها و يشتغل فيها أبناء العرب أصبحت رغم أنها لا تسد الأحتياجات الأولية مع هذا نرى السلطة تطاردهم عليها ( 11) . .
و كل مدينة لها شواهد تأكد عمق الفقر فيها لنأخذ مدينة الأحواز- رغم موقعها المركزي الا أنها معروفة بمدينة الأطراف المكونة لها- أطراف تعاني من الفقر والأحتياج إلي أبسط الأمكانات و تعد الاولى في إيران حسب “تقرير مبعوث الأمم المتحدة للسكن”( 12) .
و هذه المدينة أثر الحرب الإيرانية العراقية إزدادت الهجرة اليها بكثافة حيث في غرب المدينة يسكن المهاجرين من مدن “الرفيع- البستين و الحويزة”، و في جنوب شرق المدينة الطرف الأخريسكن المهاجرين من مدينتى “المحمرة و عبادان” ، وأذا أخذنا أيضاً عامل الهجرة اليها من الفلاحين إلتي صودرت اراضيهم الزراعية من جانب مشروع ما هو معروف ب”قصب السكر”- فأن هذه المدينة تضم كل هولاء المهاجرين الذين ليس لديهم لا مهنة تخصص ولا ثروة مالية يعتمدون في معيشتهم عليهما لذلك أصبح مصدر معيشتهم يعتمد على البيع في شوارع المدينة، و يقدرعدد الباعة في هذه المدينة فقط 20000- بانع مع 6500- سائق أجرة تاكسى .
وهنالك من المواطنين وصل بهم الأمر أثر فقدان كل أبواب الرزق التوجه نحو جمع النفايات لأنقاذ أنفسهم من الجوع ، وسجلت أفلام وثائقية عن هذه الأحداث غير الإنسانية إلتي يعيش في ظلها أبناء هذا الشعب الذي يسكن على أغنى ارض.
الجانب الثاني: الذي يحمل جانب من مصاديق مقولة: أغنى ارض و أفقر سكان،هو تحليل ما يمكن رصده من جوانب الحياة العامة المجتمعية و الأقتصادية إلتي يستطيع كل متابع و مختص إن- يحدد عمق ماساة الفقر في أعماق و جوانب كل المجتمع ،و درجات ما وصل له من وضع حمل معه امراض و مشاكل نفسية و توترات مزقت العلاقات المجتمعية ، وأنعدمت أثرها الثقة و انفقدت حالة الأمن و الأستقرار ، وهي مؤشرات أجمالاً تأكد تصدع وأنهيارأسس المجتمع وركائزه الأساسية
المحورالثالث: السياسي/ الأمني.
عنف الدولة- وهو(ممارسة أستخدام القوة المنظمة بأسلوب التجاوزعلى حرمة الإنسان و كرامته)- و هذا العنف أصبح ملأزم للتاريخ السياسي للشعب الأحوازي – و يعبر عن هذا العنف في الخطاب الإيراني بمقولة: “الحفاظ على الأمن” وهي المقولة إلتي يستخدمها أصحاب العنف و هم يمارسونه بأليآت الدولة و قوتها العسكرية .
و نأخذ هنا حدثين فقط من تاريخنا السياسي- تم ممارسة عنف الدولة فيهما – تبعاً لمقولة الحفاظ على الأمن-
الحدث الأول: العمل العسكري الذي أستخدم من جانب الدولة في مدينة المحمرة عام 1979- ميلادي ضد أبناء هذا الشعب، حيث كان المركز طهران مطمئن( 13) من قوة رجله “مدني”-على فرض الأمن و الحفاظ عليه بأستخدام العنف .وهذاالأطمئنان مع التفويض و الموافقة دفعت مدني ألي أنجاز مهمته وفق رؤيته( 14) في ممارسة العنف .
الحدث الثاني: هو الأستخدام للقوة و العنف المشرعة في أنتفاضة عام 2005- حيث دخلت القوة النظامية العسكرية مباشرة في التصدي مستخدمة الرصاص ضد المتظاهرين. و سقط أثر هذا الأستخدام للعنف كثيرمن الضحايا، و هذا العنف لم يكن فقط يستخدم من أفراد القوة النظامية في الشوارع بل أستخدم في السجون و مراكز الأعتقال و بشكل عنيف نال جسد و نفسية المعتقلين و بطرق مختلفة . و نفس الأمر حصل بالنسبة للمراكز الناشطة الثقافية و المسيرات السلمية و المراسم و الأعياد – حيث يتم مطاردة و
متابعة الناشطين فيها وأستخدام وسانل العنف ضدهم، وضد عوائلهم خصوصاً أثناء مداهمة منازل الأشخاص لأعتقالهم لوقف نشاطاتهم .
هذا العنف الذي يفرض بأساليب مختلفة أنتج ما يلي:
الف- أضطهاد مضاعف ضد الشعب العربي الأحوازي حيث وضعه متدهور إلي اقصى الحدود و في شتى مناحى الحياة- والأزمات أصبحت أكثر من أن تحصى في ظل تعميقها و عدم البحث عن حلول لها- مما أنتج صراعا خطرا جداً في المجتمع منه الظاهري و يمارس بأشكال عده أما الخفي يبحث عن الفرص ليظهر و سيحمل المستقبل كثير من ظواهره .
ب: الكراهية و العداء بين الشعب العربي الأحوازي و الشعب الفارسي بدء يتوسع و الكراهية في أزدياد،و الأختلاف يتسع يوماً بعد أخر،و تحول العداء إلي وعي ثقافي- تعمقه و تشجعه الدولة الإيرانية غيرالمسؤولة من خلال عدم تغير منطقها الموروث، و هو أستخدام العنف وتطبيق خططها أن كان بشأن فرض خطاب الهوية و التعالي أو بشأن تهميش هذا الشعب،و بشكل علنى ضد هذا الشعب و عدم البحث عن بديل له.
الخلاصة:
خطاب الهوية الذي أنتج ثقافة التعالي، وعنف الدولة الإيرانية المنظم قصدا وبشكل مباشر تنفيذ مشروع التهميش ضد شعبنا، وذلك من أجل ترسيخ التخلف في كل نواحي الحياة حيث، الأستبداد والعنصرية الفارسية تجاوزت كل الحدود و هي تمارس عنفها و تنتهك كل القيم الإنسانية ضد كل فرد يدافع عن هويته و حقوقه و يرفض خطط الدولة الإيرانية المستهدفة وجوده.
ومن وجهة نظرنا نرى مواجهة الدولة الإيرانية و تحديداً الروح الأستعمارية يعد كفاح فرض علينا تاريخياً، و الكفاح يجب أن ينال هذه الروح من الفكر الفارسي، وهو كفاح لابد إن ينخرط فيه كل أبناء شعبنا، وهذا الأنخراط ليس عملية سهلة بل تحتاج بناء مشروع وطني تخطط له الكتلة الوطنية الواعية إلتي لم تتبلوربعد ،ولم تظهر لأسباب نتطرق لها في مقال قادم تحت عنوان-“المانع الرابع”، و هذا المشروع – يبداء من الثقافة الأحوازية إلتي لأبد من تحريرها من الوعي المتخلف الذي يتحكم بها وعي- تشكله ثلاث مضخات تطرقنا إلي الأولى و هي”القبلية” و الثانية “الفكر القومي الإيراني “، و الثالث”الفكر الشيعي الآيديولوجي”- وهوما نتطرق له في الجزء القادم.
المصادر:
1- تقرير سنوي عن منظمة التعاون و التنمية الأروبية –نظرة على التعليم 2007- جريدة الشرق الأوسط العدد-10532- سبتمبر 2007.
2-جامعه انديشه- شماره-30- ص23،24 – سال1382
3- ندوة العلاقات العربية الإيرانية الأتجاهات الراهنة و آفاق المستقبل – قطر الدوحة– أصدار مركز – دراسات الوحدة العربية- بيروت 1995.
4- ضعف اللغة العربية في الأحواز الأسباب و النتائج- الندوة الثالثة- مركز دراسات -الفكر المعرفي – الأهواز 25-3-2005.
5- بحران هويت قومي در ايران- على الطا ئي نشر شادكان .
6-دراسة للكاتب الأحوازي يوسف عزيزي – التنمية و مسألة القوميات في ايران شارك بها في ندوة -مركز دراسات الفكر المعرفي – الاحواز- 26-3-2003 –
7- تاريخ جغرافيائى عرب خوزستان- موسى سيادت- نشرآنزان جاب اول 1374
8- دراسة منشورة للباحث الأقتصادي الأيراني –حسين عظيمي.
9- روزنامه فجر- حياة مقدم استاندار خوزستان-18 دى1384 سال 11- شماره-895-
10- تقرير صادر عن بلدية مدينة الأحواز عام 1384.
11- جريدة الحديث اسبوعية عربية –فارسية تصدر في الأحواز الأحد 7 نوفمبر العدد 10- 2004.
12- روزنامه شرق يكشنبه 9- مرداد-1384 سال دوم شماره 537- ص18.
13- مجله جشم انداز ويزه نامه كردستان 1- فروردين 1382- مصاحبه با هاشم صباغيان وزير كشور حكومت موقت بازركان .
14- مصاحبه با مدني استاندار خوزستان- مجله جوان – دوشنبه 2 مهر 1358-شماره 660- سال 14 –ص 6،7،52،53.