الخميس, ديسمبر 19, 2024
دراساتقراءة من الهامش في احتجاجات 2022-23: تحليل موقف الشعب الأحوازي منها

قراءة من الهامش في احتجاجات 2022-23: تحليل موقف الشعب الأحوازي منها

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

انطلقت الاحتجاجات الأخيرة إثر مقتل مهسا أميني (التسمية الفارسية) أو جينا أميني (التسمية الكردية)، على يد شرطة الأخلاق، في طهران. بدأت بوادر الاحتجاجات في شبكات التواصل الاجتماعي -على وجه التحديد- بعد انتشار صور هذه الفتاة ملقيةً على سرير المستشفى، لتكون شرارة لاندلاع سلسلة احتجاجات شبابية في طهران وكردستان وأذربيجان الجنوبية التي سرعان ما تراجعت هذه الأخيرة عن استمرار المشاركة رغم أهمية نزول الأذريين بسبب ثقلهم الديموغرافي وتأثيرهم في المشهد السياسي، بينما جاءت مشاركة الكرد بسبب أن جينا أميني تنتمي إلى الشعب الكردي، أما طهران فلأن أجواءها الاجتماعية والثقافية مؤاتية ضد “فرض الحجاب” أو بصورة عامة ضد “شرطة الأخلاق” التي تقلص من مساحة الحريات الفردية، لذا رحبت أكثر بالاحتجاجات، إلى درجة الحصول على دعم الرياضيين والممثلين والمشاهير لها علانية.

تزامنت احتجاجات الشعب البلوشي في بلوشستان، مع الاحتجاجات في كل من طهران وكردستان وأذربيجان، لكن سبب اندلاعها لم يكن السبب ذاته، إنما كان بسبب اغتصاب قاصرة بلوشية على يد عقيد في سلك الشرطة، الحدث الذي لا يمكن أن يمر مرور الكرام في بلوشستان، خاصة أن الشعب البلوشي محافظ جدًا ويصطبغ بطابع ديني أصولي، لكن بغض النظر عن طبيعة الشعب البلوشي وثقافته، فإن هذه  الجريمة بحق تلك القاصرات، هي في واقع الأمر جريمة تؤلم الضمير.

   في الوقت نفسه، هنالك غيابٌ تام للشعب الأحوازي في الشوارع في المحافظات الأحوازية الثلاثة بالإضافة الى موسيان في محافظة عيلام منذ اندلاع هذه الاحتجاجات، الأمر الذي أثار استغراب المحللين والمتابعين للشأن السياسي في المنطقة، كما أن نداءات المعارضة الإيرانية والتيار الملكي ولا حتى بعض المجموعات والناشطين الأحوازيين لم تنجح في إدخال الشعب الأحوازي في بوتقة الاحتجاجات، الذي له تاريخ حافل وبالوقت ذاته مرير في مجال الاحتجاجات في التاريخ المعاصر، منذ بدايات الربع الثاني من القرن العشرين وإلى اليوم. كما يبدو أن هناك أسبابًا استدعت عدم المشاركة، سيتم التطرق لها.

 

تراكُم الحنق السياسي

تراكَم الحنق السياسي والاقتصادي من السلطة منذ بدايات الثورة، لكن الحرب الإيرانية العراقية، حالت دون أي ظهور لهذا الحنق، لذا فور انتهاء الحرب التي طالت ثماني سنوات، بدأت الاحتجاجات تظهر على السطح، لكن، هل هذه الاحتجاجات أو المطالب بمستوى واحد في جغرافية إيران السياسية الحالية؟ أكيد لا، لأن لكل شعب مطالبه وهواجسه وأولوياته، ليس بالضرورة تتفق مع باقي الشعوب، خاصة مع الشعب الفارسي بصفته المهيمن والغالب منذ تأسيس الدولة الإيرانية المعاصرة على يد رضا البهلوي بمباركة بريطانيا وبمساعي النخب الفارسية التي انبثقت من البلاط القاجاري والذي تمت تصفيته على أيديهم لاحقًا والإتيان برضا خان الذي نفذ مشاريعهم القومية والعنصرية بحذافيرها.

الأحوازيون، والترك، والكرد، والبلوش، والجيلانيين، والتركمان، كلها شعوبٌ تشعر بالوحدة والاندماج الداخلي بين أفرادها، بينما تنظر إلى الفرس من خلال علاقة الغالب والمغلوب، لذا نجد المطالب السياسية والأولويات المحرِّكة تختلف اختلافًا شديدًا بين الشعب الفارسي من جهةٍ وبين باقي الشعوب غير الفارسية من جهةٍ أخرى، كما أن النخب الفارسية، تسعى جاهدة، أن تؤطر الاحتجاجات في مجالين فقط: الاقتصاد والحريات الفردية، دون أي اعتراف بحقوق باقي الشعوب أو مطالبها، ولا تألوا –هذه النخب- جهدًا في تهميش أو قمع أي صوت لا يتوافق مع المركزية الفارسية الصلبة والمحافظة، إلى درجة أنها ترفض أي حوار يناقش أوضاع هذه الشعوب المضطهدة، بل تثني على مؤسس الدولة، رضا بهلوي، وتعده الأب الروحي، بينما تاريخه يعج بالمجازر والإبادات الجماعية والثقافية بحق الشعوب المضطهدة. كل هذا ودون أي إعادة نظر في الخطاب السياسي لدى التيارات والأحزاب الفارسية، بل كلما زاد الحنق من السلطة الحالية، زادت يمينية المركزية الفارسية مما يخلق مخاوف جمة لدى الشعوب المضطهدة من التغيير إلى الأسوأ وضياع فرصة الحصول على مطالبهم المشروعة رغم التضحيات والنضال المستمرين، بقدر مخاوف المركزية الفارسية من تجزئة الجغرافيا السياسية الحالية.

عاشت الشعوب المقاومة للاستعمار الفارسي  تجربة مريرة بعد انتصار الثورة عام 1979م، إذ تبخرت آمالهم في الحصول على أبسط حقوقهم القومية والثقافية والسياسية، خاصة الشعب الأحوازي، الذي لعب دورًا رياديًا في الإطاحة بنظام الشاه، وقد دفع الشعب ثمنًا باهضًا لأجل هذا الدور التاريخي، بينما لم يقطف أي ثمار إن لم يكن دفع ثمنًا لا يقل مرارة مما تجرعه من النظام السابق.

 

المركزية الفارسية والشعوب المقاومة

تأسست إيران المعاصرة سياسيًا مع صعود نجم رضا بهلوي بمساعدة بريطانيا على أنقاض حكم القاجاريين التي كانت تدار على نمط “الممالك”، إن لم تكن حكومات مستقلة أو شبه مستقلة، إذ لم يكن للبلاط القاجاري إلا النفوذ الاسمي أو التدخل بسبب القوة، في عدة أقاليم، منها اقليم الأحواز حيث كانت تحكم امارة المرازيق في الجنوب وامارة عربستان في شمال الأحواز.

منذ هذا التأسيس واستلام السلطة من قبل رضا خان، بدأت المركزية الفارسية الثقافية والسياسية تتشكل بشكل صلب، وبدأت تتسع فجوة نمو الطبقات الثقافية والعلمية والقيادية وجميع الأصعدة الأخرى، بين الشعب الفارسي من جهةٍ وباقي الشعوب المضطهدة، من العرب والترك والكرد والبلوش والجيلك من جهة أخرى، بسبب سياسات التفقير والتهميش الممنهج الذي مارسه النظام إبان حكم رضا بهلوي، كما كان يتعامل مع كل اعتراض أو رفض لسياساته بكل وحشية وعنف، إضافة إلى السياسة التعليمية التي تركز على الفارسية بشدة مبالغ فيها حد الضرب المبرح لأي طفل ينطق بلغته الأم في المدرسة ولو بكلمة واحدة.

أما على الصعيد الوظيفي، فكانت الوظائف المهمة مخصصة للفرس أو للمستفرسين فقط، بل حتى الوظائف البسيطة لم تكن من نصيب أبناء الشعوب المضطهدة، إلا بعد مرور عقود من الهيمنة المشددة، في الوقت الذي اتسعت الفجوة إلى درجة من الصعب أن يتنافس العربي أو التركي أو الكردي أو البلوشي مع الفارسي الذي أخذ فرص غير متكافئة مقارنة بأولئك المهمشين، في التطور الثقافي والاجتماعي والعلمي، وكذلك السياسي.

من التأسيس في الربع الأول من القرن العشرين، إلى إزالة رضا خان عام 1941م بإيعاز من استالين وتشرشل في مؤتمر طهران، عاشت الشعوب الستعمرة في ايران، مرحلة من أسوأ مراحلها في التاريخ، لكثرة القمع والتهميش والمجازر التي لم يتم التطرق إليها في التاريخ السياسي، لأن معظم المؤرخين المعاصرين كانوا من النخب الفارسية القومية أو الوطنية التي مبنية على أسس قومية فارسية بحتة، أي مبنية على (اللغة الفارسية، التاريخ الفارسي، والمذهب الإثني عشري).

بعد مجيء محمد رضا بهلوي، إلى سدة الحكم خلفًا لأبيه الديكتاتور، واستمرار الحرب العالمي الثاني، حصلت فرصة لظهور طبقة ثقافية وسياسية ولو ضئيلة من وسط الشعوب غير الفارسية، تمكنت أن تقلل من الفجوة أو تسعى لنيل الحرية، بل تشكلت جمهورية أذربيجان وجمهورية مهاباد (الكردية)، بمساعدة من الإتحاد السوفيتي، لكنهما لم تدوما إلا بضعة شهور فقط، كذلك كانت هناك محاولة في الأحواز، لم تنجز أي ثمار بسبب ضعف التنسيق والقيادة وغياب الأرضية سياسيًا وثقافيًا وتنظيميًا، ومن جهة أخرى بسبب سياسة القبضة الحديدية التي حولت الأحواز بأكملها إلى ثكنة عسكرية.

سرعان ما تمكنت النخب الفارسية السيطرة على المشهد السياسي وإحكام القبضة على الأمور، وعادت الخطط الممنهجة لتذويب هذه الشعوب لغويًا وثقافيًا وديموغرافيا، إلى أن حلت الثورة وأطاحت بالحكم الملكي العنصري، عام 1979م، علمًا إن سبب إزالة رضا شاه عام 1941م من الحكم، كان اقترابه وتعاونه مع ألمانيا النازية، لأنه كان يعتقد وباقي حاشيته بأن الشعب الفارسي ينتمي إلى العرق الآري، وإلى اليوم هذه الرؤية تسيطر على المشهد الثقافي الفارسي وتتبناه تيارات وأحزاب فارسية فعالة، مما يسبب قطيعة بينهم وبين الشعوب المضطهدة ونخبها.

 

السلطة والمعارضة: المصلحة المشتركة في قمع الشعوب المنتفضة

هنالك مصلحة مشتركة أو مخاوف مشتركة تجمع السلطة الحالية والمعارضة الفارسية بأنواع تياراتها في جبهة واحدة، خلف خط: الحفاظ على وحدة الأراضي ومواجهة التجزئة، على حد وصفهم، وتختبئ وراء هذه المادة فروع أخرى تشمل أبسط الحقوق الثقافية للشعوب التي تطالب بسادتها في ايران التي تعدها المركزية الفارسية تهديدًا للأمن القومي ووحدة الأراضي، لذا تندفع آلة السلطة والمعارضة في آن واحد وبطرق مختلفة لقمع أو كبت أصوات هذه الشعوب مهما كان نوعها أو مستواها.

يظهر تأثير هذه الرؤية الصلبة وغير الإنسانية في أشد الحالات السياسية توترًا وحرجًا، كما حصل أثناء احتجاجات سابقة, وكذلك الاحتجاجات الأخيرة التي انطلقت في عدة محافظات وأقاليم، إذ استولى هاجس وحدة الأراضي على معظم المحتوى الذي نُشر أثناء الاحتجاجات الأخيرة، بل كانت المعارضة بشتى تياراتها، وخاصة دعاة عودة الملكية، يتواطئون ضمنيًا مع السلطة من خلال إعلامهم في قمع أي مبادرة من الشعوب المضطهدة خارج نطاق خطاب المركزية الفارسية.

وبهذا تمتد آلة قمع السلطة للفتك بأي محاولة مستقلة لهذه الشعوب أن تعلن عن وجودها، وفي الوقت نفسه، تغض المعارضة النظر عن هذا القمع بعدم تسليط الضوء عليها إعلاميًا وحقوقيًا لكي لا تلتفت إليه الأنظار والرأي العام العالمي.

إن أشد مخاوف المعارضة والسلطة معًا، أن يرتقي الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي في أوساط الشعوب المضطهدة، مما يمكنهم من التنافس مع المركزية الفارسية أو مواجهتها وبالتالي تفكيكها، وفرض مطالبها من خلال التأثير المباشر في الرأي العام العالمي والإقليمي، وحتى على صعيد الشعوب المضطهدة والشعب الفارسي نفسه.

إن بقاء نخب الشعوب المقاومة للاحتلال في نطاق الانفعال سيكبد هذه الشعوب خسائر فادحة على الصعيد السياسي والثقافي، خاصة بسبب غياب قوة إعلامية تفرض وجودها وخطابها وتفكك الأحادية الإعلامية التي تتمتع بها المعارضة الفارسية منذ عقود متعاقبة. على سبيل المثال؛ إن التضحيات والمعاناة التي تقع على عاتق الشعب الأحوازي، يتم التعتيم عليها وتهميشها من قِبل المعارضة، أو بأفضل صورة يتم الحديث عنها مشوهة، إلى درجة يخرج الحدث عن إطاره الطبيعي والأصلي ويصطبغ بخطاب ترتضيه المركزية الفارسية، لذا تتولد مخاوف لدى الشعوب المضطهدة من الانخراط في أي احتجاجات تنبثق من دائرة الخطاب الفارسي، لأن الانخراط يتطلب تضحيات جسيمة دون نتائج مُرضية، إن لم تكن خسائر فادحة، بينما المكتسبات تكون من نصيب المركزية الفارسية فقط، كما حصل للمحتجين الأتراك في الاحتجاجات الأخيرة، إذ تمت مصادرة احتجاجاتهم لصالح أهداف المعارضة الملكية وشطب مطالب أو خطاب الأتراك، مما تسبب في شعورهم بالخذلان والذي بدوره دفعهم للتراجع عن استمرار مشاركتهم الفاعلة.

لكن، الشعب الأحوازي لم يشارك في الاحتجاجات منذ انطلاقها، بل كان يتوجس من المشاركة، رغم محاولات الإعلام الناطق بالفارسية في إثارة الشعب الأحوازي وتحفيزه للالتحاق بالاحتجاجات، كما ناور الإعلام ذاته في الاهتمام الملحوظ لمقتل الفتاة الأحوازية (عاطفة نعامي)، التي لقت مصرعها في احتجاجات طهران، لكن مع كل هذا، لم يحرك الشعب الأحوازي ساكنًا نظرًا لقراءة الوضع السياسي الراهن وما يمكن أن تؤول إليه في حال التحق الشعب الأحوازي بالاحتجاجات.

إضافة إلى محاولات الإعلام الفارسي المتمثل بقنوات متعددة، أبرزها؛ بي بي سي الفارسية، وإيران انتر ناتشيونال، وحسابات المشاهير والإعلاميين الفرس، هنالك محاولات من السلطة ذاتها ظهرت في استفزاز الشعب الأحوازي، من خلال تعذيب بعض السجناء حتى الموت، مثل (عماد حيدري)، أو اعتقال بعض الناشطين. لكن السؤال المثير، لماذا تحاول السلطة دفع الأحوازيين للمشاركة في هذه الاحتجاجات التي تحاول إخمادها في طهران أو أقاليم أخرى؟ التجربة السياسية أثبتت أن السطلة الإيرانية دائمًا تريد كبش فداء لإخماد أو تخويف الآخرين بهم، إذ لا يمكن تنفيذ مجازر في طهران أو في المدن الفارسية، لذا الخيار يكون من الشعوب الأخرى، لكن مع ذلك الخيار يكون صعبًا من بين الأتراك والأكراد، لهذا الخيار المناسب هو الشعب الأحوازي، لأن إذا شارك الأحوازيين وتم قمعهم بشدة، ستكون عدة نجاحات للسلطة في هذه الخطوة، منها:

  1. إخماد وحذف أي قوة ثورية-سياسية-ميدانية محتملة في وسط الشعب الأحوازي، أثناء فوضى الاحتجاجات.
  2. تخويف الشعوب الأخرى، بالأخص الشعب الفارسي من الاستمرار بالاحتجاجات.
  3. علم السلطة بصمت المعارضة الفارسية إزاء قمع السلطات للشعب الأحوازي.
  4. الكراهية المشتركة بين الشعب الفارسي ضد العرب التي تتمثل عمليًا ضد الشعب الأحوازي، الذي في متناولهم فعليًا.
  5. غياب دعم حقيقي من قبل الإعلام العربي لأي حدث يقع في الأحواز، وكذلك عدم التفات الأنظمة العربية للقضية الأحوازية، مقارنة بدعم الدول التركية للشعب التركي، ودعم الدول الغربية للشعب الكردي.
  6. غياب ملحوظ لوجود مؤسسات ومنصات إعلامية أحوازية في المنفى، أو غياب أحزاب وتيارات أحوازية فعالة أو مؤثرة أحوازيًا أو إقليميًا، هذا إذا يصح تسميتها بالأحزاب والتيارات والحركات.

كل هذه الأسباب، تطلق يد السلطات لممارسة العنف غير المحدود تجاه أي مشاركة أحوازية في الاحتجاجات المناقَش أمرها.

 

الأسباب الاجتماعية والثقافية لعدم المشاركة

ما تم مناقشته آنفًا كان يرتبط بالأسباب السياسية والخارجية لعدم مشاركة الشعب الأحوازي نخبة وشعبًا في الاحتجاجات المناقش أمرها، لكن هنالك أسباب اجتماعية وثقافية لعبت دورًا مهمًا في عدم لحاق الشعب الأحوازي بهذه الاحتجاجات، من المهم أن نتوقف لتحديد هذه الأسباب الداخلية وتحليلها، بغية معرفة المنظومة الثقافية الأحوازية معرفةً دقيقة وشاملة، خاصة معالجة التعامل الحذر مع الحريات الفردية، إذ أسباب انطلاق الاحتجاجات المناقش أمرها، يعود إلى مسألة الحريات الفردية، وهو الموضوع الذي لم تتم مداولته في الفضاء الثقافي الأحوازي، وليس موضوعًا مفكرًا فيه على مستوى النخب، فضلا عن عموم الشعب.

إن موضوعًا بهذه الأهمية، ليس من الحكمة أن يبقى مسكوتًا عنه إلى يومنا هذا، لأن الهويات التي تعاني من الهيمنة الأجنبية يتساقط أفرادها بسبب تخلف الهوية المضطهدة وتطور الهوية المهيمنة، إذ كلما كانت الهوية معاصرة ومواكبة للتغيرات ستخلق فضاء يُشعر الغالبية بالأمان فيه، ويقلل من هروب الأفراد إلى هويات أخرى، خاصة الهوية المهيمنة.

المجتمع الأحوازي بشكل عام، ينظر إلى الحريات الفردية نظرة ريبة وتوجس، لأسباب كثيرة، أبرزها:

  1. إن الشعب الأحوازي محافظ وتقليدي حتى الآن، وتسيِّر أفعاله الأعراف الثابتة نوعًا ما، والتي في مجملها أكثر تحفظًا من قوانين الدين.
  2. يفتقد الشعب الأحوازي إلى نخب ثقافية جريئة تقوده إلى التطور الثقافي والانفتاح الاجتماعي تجاه الحريات الفردية.
  3. يتخوف الإنسان الأحوازي من الحريات لأسباب ذكورية-أبوية، بذريعة أن الحريات الفردية من الممكن أن تقود إلى وقوع المرأة في فخ التفريس.
  4. التخوف النفسي من سقوط هيبة الرجل إثر توسع نطاق الحريات الفردية.
  5. غياب التفكير ببديل حداثي أحوازي مقابل الحداثة التي يطرحها الخطاب الفارسي والذي من خلاله يجتذب إليه جيل المراهقين، وخاصة المراهقات.

إن الأسباب المذكورة أعلاه، من أهم الأسباب التي تعيق الشعب الأحوازي عن تجديد خطابه الثقافي والاجتماعي ورؤيته تجاه الحياة، وكذلك تجعل المجتمع حبيس الأعراف والخطاب التقليدي المحافظ الذي لا يمكنه أن يواجه بوعي، العواصف التي تعصف به من قبل الخطاب الفارسي، بشقيه السلطوي والمعارض، لذا يتحتم على النخب الثقافية أن تناقش مسألة الحريات الفردية وتطوير الهوية بكل جرأة وموضوعية بعيدًا عن التحفظ الذي لا ينتج منه سوى استمرار التخلف ومزيد من هيمنة الثقافة الغالبة.

 

محمد بنين

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"

1 COMMENT

  1. احسنت
    آخی ابوجاسم نسیت ذکر عامل الخارجی فی عدم رتبه فی تحریک شارع الاحوازی لعده اسباب

Comments are closed.



error: Content is protected !!