السبت, نوفمبر 23, 2024
دراساتالمرأة الأحوازية العنصر المكافئ للرجل الأحوازي

المرأة الأحوازية العنصر المكافئ للرجل الأحوازي

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

الثورة ليست صاروخا، إنما هي نهر سيّال يتدفق. أحيانًا يقل الإمداد ويشحّ المطر ولا يهطل، ويمر النهر بوقت عصيب، ويبدو رفيعًا مهزوزًا كخيوط الحرير. وأحيانًا يندفع كبركان هائج يكسح ويضجّ ويتكسّر؛ هكذا هي الثورة الذي تحتاجها المرأة حتى تحارب العالم وتسترجع دورها القيادي وتحارب تهميشها في المجتمع. لدى كل امرأة تلك اللحظة الإبداعية، وذلك الميل نحو الإبداع، ولكن البعض منهن وبالتحديد اللواتي يتعرضن للتهميش والإقصاء، لا يبحثن عنه، ربما جزعا، وربما خجلا، وربما يسيطر عليهن ظرف اللاجدوى الزمني داخل الواقع الذكوري. لطالما تساءلت مع نفسي، ومع زميلاتي المؤمنات بالنسوية في أماكن التواجد والحوار، عن التحرر ومن أين يبدأ.

كنا نسأل أنفسنا دائما هل تشعر المرأة الاحوازية بأنها مكبلة، وهل تعي حقا معنى أن تكون حرة، تلك الحرية بمعنى أن تشارك في التحكم في الموارد، والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية، وأن تكون جزءا حقيقيا من المنظومة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. لماذا تطرح قضايا المرأة الاحوازية من زاوية نقاط الاختلاف والشقاق، والعداء المفترض، من منظور التنافر وليس التكامل؟ والمصيبة حين يضعونها في موقف حربي ضد الرجل، وكأن البنت والولد لم يهبطا من رحم واحد، أو كأنهما من سلالة داحس والغبراء ولا ينقصهما إلا تجريد السيوف بمنطق هي غير ملزمة به، وهو غير مطالب به، بينما تنمو العلاقات في المجالات كافة على أساس من الالتزام الطوعي المتبادل بين الطرفين.

 باختصار لماذا لا نبحث في العلاقة بين الرجل والمرأة الاحوازية من منظور البناء وليس المشاحنات والكراهية. قضية المرأة العربية الاحوازية لا يمكن فصلها عن البيت والأسرة لأنها جزء من المجتمع، ومن يحاول فصلهما يسعى إلى تحويلها إلى دمية أو تحفة أو صورة فولكلورية أو موديل يتغير حسب المصمم والفصول. ان التقليد الأعمى لكل ما هو قريب وخارج عن القيم يذكرني بالمثل الشعبي الشهير الذي يقول” غراب البين ضيع المشيتين “وقصة المثل تعود إلى محاولة الغراب أن يستخدم الحيلة في تقليد العصفور في مشيته فما استطاع أن يعود غرابا ولا أن يصبح عصفورا كما تمنى. وهو يقصد ان تحاول تقمص شخصية غير شخصيتك أو تلبس ثوب غير ثوبك وتنسلخ خارج ثقافتك.

أن حقوق المرأة الاحوازية لا خلاف عليها من حيث المبدأ، وإنما الخلاف في بعض الأفكار الخاطئة، وآليات المطالبة بهذه الحقوق، وآليات تنفيذها. هذه النظرة بعيدة عن فهم واقعنا وفهم الظروف الاجتماعية والتاريخية لهذا الواقع في المجتمع الاحوازي، سواء كان على المستوى الفردي أو الجماعي.

في هذه الدراسة نحاول ان ندرس أسباب تهميش دور المرأة الاحوازية والعوامل المؤثرة في هذا التهميش وأيضا تمهيد الطريق لإطلاق حريتها في المجتمع من زوايا مختلفة ومن مفهوم جديد يأتي بالحلول من الداخل دون ان يمس بمكانتها في المجتمع الاحوازي.

 

المرأة الأحوازية والتهميش

ان الموقف الذي يمر به الفرد أو المجموعة الاجتماعية عندما لا يتم اعتبارها جزءا من المجتمع من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو المهنية أو الاجتماعية يعد ويترجم بالتهميش. يمكن أن تحدث هذه الظاهرة لأن السكان يتبعون المثل العليا المقبولة اجتماعيا أو بسبب إتباع مصالح أقلية تناصر السلطة. كما يتم التعبير عن عمليات التهميش الاجتماعي من حيث الرفض أو اللامبالاة أو القمع أو العزلة. بغض النظر عن درجتها، فإن السمة المشتركة هي الافتقار إلى الفرص والحرمان وعدم إمكانية الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية للرفاهية الاجتماعية.

إذن في إطار هذا التعريف الكلي المتفق عليه ما هو نوع التهميش الذي تواجهه المرأة الاحوازية في مجتمعها العربي وما هو دور الرجل الأحوازي في هذه المعادلة الاجتماعية. إذا كانت المرأة الاحوازية تعد نفسها ضحية للمجتمع وضحية للرجل، فإن الرجل هو ضحية مجتمعه كذلك، ويمكن أن يكون ضحية للمرأة أيضا، وتوجد حالات كثيرة تؤكد هذا. وهكذا نكون قد دخلنا في دائرة بدايتها ونهايتها في يد الإنسان وليس القدر، كما يعتقد كثيرون. إن أكثر شيء يؤذي المرأة الاحوازية ويلغي دورها هو أن تشعر بالضعف والانكسار أمام الصعوبات العديدة التي تواجهها، ويجب أن تعلم أن الضعف يصيب الرجل والمرأة على حد سواء، ولا بد لها أن تتغلب على هذه الحالة. ليس على المرأة أن تنظر إلى نفسها كفرد، بل إن معاناتها تعني أن المجتمع كله يعاني، وكل من فيه يشكو الشيء ذاته، نظرا لمكانتها المؤثرة في الأسرة.

 فأنا أرى وأؤمن بأن مكانة المرأة الاحوازية مثل مكانة الوطن، وأي أزمة تعصف بهما تترك تأثيرها المباشر على الجميع. فالمرأة الاحوازية لأنها الأقدر والأقوى، وهي تملك قدرة هائلة من التحمل والصبر وحسن التصرف والمداراة، فإن استخدمت كل إمكانياتها بالشكل الصحيح فهي تستطيع أن تعمل المستحيل إذا وفرت لها الظروف. ينتابني ما يشبه الصدمة وانزياح الواقع، حين أرى سيدات احوازيات أنيقات، يتمتعن بالكثير من الحريات السطحية: التنقل، العمل، التبرُّج… يمثِّلن قضايا القهر لدى المرأة الاحوازية الغائبة. كيف تتحدث امرأة تحتقر في أعماقها صورة المرأة التي تتحدث عن مشاكلها، فتمثلها، وهي رافضة في العمق فكرة التساوي معها، بل تنظر إليها باستعلاء؟

أريد أن أؤمن بحقيقة كبيرة وهي إننا لا نريد ان نسلب الرجل حقا أعطاه إليه الشرع. ولا نريد أن نقود حملة ضد الرجل كجنس أو كما يصور البعض أن الرجل هو عدو المرأة الأوحد حينما تريد أن تحرر أو تطالب بحقوقها. فالواقع أن قضيتنا ليست ضد الرجل الأحوازي فالرجل الاحوازي هو الأب والأخ والزوج والحبيب والصديق والجار وفوق هذا فهو لم يسلبنا حقوقنا. فمع رفضي المطلق لهذا المفهوم حول قضية المرأة الاحوازية ودورها المهمش أذهب إلى أبعد واعتبر أنه في هذا الإطار يشكل مفهوما متخلفا وعاملا أساسيا من العوامل التي تؤخر مسيرتنا نحو الحياة الأفضل. قضية المساواة بين الجنسين تهم الرجل أيضا ولا تقتصر على المرأة. النضال يجب أن يكون مشتركاً.

 المجتمع الأحوازي يعيش مفاهيم اجتماعية مختلفة وضعه فيها النظام الحاكم الإيراني وقام بعملية التشويه الكبيرة وألحقها بالشرائع الإسلامية حول معنى خروج المرأة للحياة العامة وإسهامها فيها وكان قد سخر بعض رجالات الدين الإيراني للوقوف أمام أي خطوة أو تطلع للأمام باعتبار إنها خروج عن الدين والتقاليد. وفي هذا التخلف الاجتماعي الذي يعاني منه الإنسان الأحوازي، للمرأة نصيب الأسد من الظلم والاضطهاد فهي تعاني الاضطهاد كجنس. إذن من الجانب الثاني القول مثلا، بأن المرأة الاحوازية إن أرادت الثورة على حياتها، لفعلت، إلا أنها هي التي ترغب بتمثيل دور الضحية، هو استلاب لإرادة المرأة الأحوازية، التي تحول العادات الاجتماعية من ناحية، والجهل بالحقوق من ناحية ثانية، والخوف من العقاب والعنف من ناحية ثالثة، والقلق من النبذ الاجتماعي والوحدة في مواجهة المصير من ناحية إضافية، وتفاصيل كثيرة ومخاوف تقف في وجه المرأة الاحوازية لتحول بينها وبين صرخة التمرد، لا يمكن ردها جميعًا وحبسها ضمن قالب: عدم إرادة المرأة الاحوازية بالتغيير.

دور المرأة الأحوازية في تهميش قريناتها في المجتمع الأحوازي

ان الذكورية ليست حكرا على الرجال، بل هي توليفة من الأفكار والسلوكيات التي يؤمن بها الرجال والنساء على السواء، وقد تعزّزها المرأة أكثر من خلال استسلامها أمام الأفكار الذكورية، وزرعها في الأجيال التي تنشّئها، ومن خلال ممارستها للقمع الذكوري ضد بنات جنسها. فكثير من النساء في مجتمعاتنا أكثر ذكورية من الرجال، فتراهن يربّين أبنائهن على ذلك فتطبع شخصية أولادها بشخصية الذكر الذي يبرهن رجولته عبر اضطهاد المرأة وتهميش دورها، وتعوّد بناتها على الخنوع والرضا بظلم المجتمع.

فكم من أمّ شابة ومثقفة، ما زالت تربي أبناءها الذكور على السلبية داخل المنزل والاتكالية على أخواتهم الإناث. وكم من معلّمة حين تريد معاقبة الطلاب الصغار لا يُسعفها عقلها إلا بإجلاسهم في مقاعد الإناث مع إطلاق سيل من السخرية. وكم من أم حنون لا تُشفق على ابنتها بعد ولادتها لطفلة، فتدعو لها “الله يجبرك بصبي” وكأن أم البنات ناقصة وكم من قريبة ناصحة، تدعو لصبية بقولها “الله يستر عليكِ بعريس” وكأن عدم الزواج فضيحة لا تُستر إلا برجُل.

هذه السلوكيات اليومية نمارسها بشكل عفوي ومن باب العادة، لكنها تكشف لنا عن الذكورية المعششة في عقول السيدات قبل الرجال. المؤسف أن كثيراً من النساء الاحوازيات التي تشتكي من تهميش المجتمع لها، تمارس التهميش ذاته ضد بنات جنسها فهذه تريد تعلّم قيادة السيارة، لكنها تصرّ على أن يكون المدرّب رجلا، وتطلق بكل بساطة حكما عاما بأن السيدات “لا يفهمن بالقيادة “وتلك تختار أن تراجع طبيبا لأن “الطبيبات فاشلات” وأخرى تُتاح لها فرصة التصويت لسيدة في البرلمان لكنها تختار الرجل لأنه “أقوى” أو أكثر شهرة ومع أن كل ما سبق هي خيارات شخصية لا يحق لأحد أن يصادرها، فإن التعميمات التي تنطلق لتبرير الخيارات هي ما يُسيء للنساء لا الخيار بحد ذاته. فقدان المرأة للثقة بنفسها وببنات جنسها، يعود عليها في نهاية المطاف بمزيد من التهميش والإقصاء فكم من السيدات المتخصصات يملكن أضعاف الخبرة والكفاءة أكثر من نظرائهن الرجال، لكن إنجازاتهن لا يُحتفى بها وتبقى حبيسة الأدراج.

 ففي مجتمع ذكوري؛ يبقى ما تقدّمه المرأة تحت دائرة الشك على يد الرجال، أو تحت نيران الغيرة والحسد من قبل نظيراتها النساء. وتتلقي الفتاة منذ طفولتها جرعات مكثفة من التربية المشوّهة. فهنا أمّ تحفزّ طفلتها لتكبر وتصبح “عروساً” جميلة، ويبقى الفستان الأبيض أكبر الأمنيات حتى تكبر وهنا قريبات يقنعونها أن شهادتها مصيرها لوحة على جدران المطبخ. وفي آخر النفق أخصائية أسرية تنهال عليها بنصائح الصبر على الزوج السيئ وإهاناته، أو دورات تربوية تقدّمها نساء مريضات تعلّم المرأة كيف تجذب زوجها إلى المنزل بعد اكتشاف خياناته الزوجية، بينما ينبذ المجتمع المرأة الخائنة ويصفها بأقذع الأوصاف. هذه التربية المشوّهة أبطالها نساء وضحاياها أيضا نساء. هن إناث وقعن ضحايا لذكورية المجتمع، لكنهن لم يسعين للتغيير وإنقاذ طفلاتهن وبنات جنسهن من الظلم الاجتماعي الكبير الذي يلفهن جميعا.

ان المديرة في العمل حين تحتفي بإنجازات موظفاتها فهي توطّن المجتمع على قبول المزيد من النساء الناجحات وأن الفتاة الناجحة حين تأخذ بيد صديقتها نحو الإنجاز لن تقلّص من حظوظها الشخصية؛ بل ستخلق مجتمعا أفضل يتّسع للجميع وأن ثقة السيدة في منزلها بنفسها وببنات جنسها، أفضل ألف مرة من الشكوى من ظلم المجتمع وإعادة إنتاج هذا الظلم ضد من هم أضعف منها من النساء. وإن كان الرجل مُلاما في ممارساته الذكورية فإن اللوم الأكبر يقع على عاتق المرأة فهي نصف المجتمع والطرف المسئول عن زرع الأفكار والقيم في وجدان النصف الآخر، ومن غير المنطقي أو المفهوم أن تشارك المرأة في الترسيخ لظلم وتهميش بنات جنسها. فإن كان جيلنا ما زال يعاني من وطأة ذكورية الأفكار والقيم، فلماذا لا تربّي أمهات اليوم أطفالهن على المساواة، وتزرع في نفس طفلها أن رجولته تكتمل في رعايته لإخوته الإناث، وأن الحرص على نظافة وجمال البيت مسؤولية يؤديها كل قاطنيه، وأن الأم حين تعامل زوجة ابنها كابنة فهي تبرّ أولادها وتستثمر في سعادتهم.

 إذن هناك عقبة واحدة كبيرة: الطبيعة التي كلّفت النساء بالولادة. هكذا هي الطبيعة فعلا، غير أن عملية الولادة لا تستغرق أكثر من بضع ساعات من حياة الإنسان. أما الباقي فهو ثقافة، وبالتالي قابل للتصحيح، وأعني هنا كلّ النتائج المرتبطة بالولادة والتي تمتد مدى الحياة. يتعين علينا نزع القناع عن «الطبيعة»، أي الخروج عن الجبرية، والكشف عن التكيّف الثقافي وتعرية الآليات الاجتماعية التي ترسّخ عدم المساواة. باختصار، يجب أن نبني جسراً من الأيديولوجيا إلى الواقع. عندما ننجح في ذلك، لن يصعب علينا إقناع الناس، لأنهم سيفهمون أفكارنا كتجسيد لأيديولوجيتهم الخاصة.

 

كيفية طرح مسألة حقوق المرأة الأحوازية وتهميشها في المجتمع

للأسف حقوق المرأة الاحوازية ومساواتها وعدم تهميش دورها في المجتمع قد أزيحت من موقعها لتغيير وضع النساء المقهورات، لتتحول إلى ألكليشيهات تتمتع بمزاياها نساء -مقهورات دائما، لكنهن قاهرات بنفس الوقت لنساء في مراتب اجتماعية أقل منهن. ان الفرق شاسع، بين المرأة التي تعاني، وتلك التي تنقل معاناتها. الأولى تدفع حياتها مقابل لحظة حرية أو تحقيق لذاتها، والثانية تحصل على استحقاقات نقل وجع الأولى. من هنا يمكن الحديث عن مفهوم الاستغراق، للفصل بين الحقيقي والمزيف، بين نساء موجوعات فعلا من مصير المرأة الاحوازية وتدهور وضعها، وبين أخريات، لا تشكل المسألة بالنسبة لهن أكثر من ظهور إعلامي، ومجد شخصي.

هل بدا الفصل واضحا بين نساء عظيمات يقفن في الظل، أو في الضوء، خلف نساء ورجال، ليدعمن حرية الإنسان، وحرية النساء كذلك، يقودنهم ويقودونهن نحو الضوء، وبين نساء متواطئات مع أنظمة القمع والاستبداد، حتى ولو في طريقة الهمس السرِّية، ليشرعنَّ ركل النساء نحو الحضيض، أو المزيد من الحضيض؟ ما لا يجب السكوت عنه، هو نرجسية الانفراد بسبق الموقف المخالف للمجتمع، بحيث تتحول هذه المرأة إلى نموذج فرداني، يحقق إنجازات شخصية، تتعلق بسياق ذاتي، من دون أن يضيء في نفس الوقت، على النساء الأخريات العالقات في الظل. الكثير من الناشطات الاحوازيات في قضية المرأة الاحوازية، بالرغم من بعض الأخطاء، بقين يعملن من أجل حل قضايا المرأة وعدم تهميش دورها في المجتمع الأحوازي ويسعن لرفع الغبن الاجتماعي عنها ولكن الجديد ان الموضوع يطرح الآن في ظروف جديدة وفي مناخ سياسي مشبع بالصحة والعافية في فهمه وتصوره لقضية المرأة في حجمها الطبيعي ومعناها الموضوعي. خلال الثلاثين عام الأخيرة تغيّر وضع المرأة الاحوازية بشكل جذري، واستبدلت مكانتها المتدنية بالدور الرئيسي. واللافت أنه في الفترة نفسها حصل تحوّلٌ من نوعٍ آخر في مجتمعنا الاحوازي، إذ تنحّى الأب القاسي المُعترَض عليه في السابق شيئاً فشيئاً لصالح شخصية «الأم الخانقة». الحقيقة فتاة اليوم لا تتلهّف إلى الزواج للأسباب نفسها. فموضة العصر صارت تحت أمرها، وبات يحق لها أن تروح وتجيء وتتكلم كما يحلو لها. وإن أرادت الاستقلالية، كلّ ما عليها فعله أن تستأجر غرفة! هنا لا نسعى ان نعمم هذا الواقع لكل نساء مجتمعنا الاحوازي بل الوضع غالب في كثير الأحيان.

 

العوامل المؤثرة في تقليص تهميش دور المرأة الأحوازية 

المسألة الأولى التي تواجهنا هي مسألة تربوية في المجتمع الاحوازي، تبدأ من البيت وتمر بالمدرسة والمنتدى الثقافي والنقابة والحزب والشارع وتنتهي بالإعلام والفضائيات وإعلاناتها… وهنا تتحول المسألة إلى مشكلة تعود إلى عدة أسباب. ان السبب الأساسي أن مجتمعنا الاحوازي لم يتشكل تماما على أساس المواطنة والمساواة أمام القانون، ولم يحصل المواطن الاحوازي، سواء الرجل أو المرأة، على حقوقه الإنسانية التي كفلتها الشرائع والقوانين. ان مجتمعنا الاحوازي ما زال يرزح تحت سلطة العشيرة بالمعنى القديم المتخلف، والأحياء ما زالت تحت سلطة العائلة والعشيرة السائدة والمهيمنة. وحتى في القرية والمدينة أو الحارة الواحدة، نجد اختلافا في مستويات الوعي والتربية والتعليم والتحصيل الثقافي يختلف من بيت إلى آخر. والسبب في رأيي أن الموروثات والتقاليد البعيدة عن العلم، والمحشوة بالخرافة في أحيان كثيرة، ما زالت هي المسيطرة. وهذا يعني أن العلوم لم تدخل بعد في بنية مجتمعنا الاحوازي، ولكنها بقيت محبوسة في بطون الكتب ولا يستفيد منها إلا قلة من المتعلمين.

المسألة الثانية: انه بدل التركيز على الصراع المفتعل والتركيز على ثنائية “الذكر والأنثى” وفصل قضايا حقوق المرأة والمساواة عن بقية القضايا الاجتماعية والاقتصادية، يجب التركيز على أن الطرفين من الرجل والمرأة الاحوازية يواجهان معا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كما يتم التمويه على قضايا المرأة النوعية الحقيقية وفي مقدمتها ارتفاع نسبة الأمية بين النساء لدينا وهي ضعف النسبة بين الرجال. وقضية العبء الواقع على المرأة نتيجة أن خمس عشرة بالمائة من الأسر الاحوازية تعيلها الأم، وأن أجور المرأة المنخفضة قياسا بأجر الرجل تزيد بهذا العبء.

المسألة الثالثة: يجب أن نرى الطرفين وحدة إنسانية تتكامل وتنمو بالحب والتعاطف والالتزامات المتبادلة لأن الرجل الاحوازي نفسه سيتحرر إذا تحررت المرأة الاحوازية وأصبح بإمكانها القيام بعمل ما في هذا العالم. الواقع انه ليست الأفكار والشعارات هي التي ستؤدي إلى تحرير المرأة الاحوازية، بل العمل الجاد والسعي نحو تغيير القيم من الداخل. أن أغلبية النساء الاحوازيات يرضين بحظهن دون أن يقومن بأية محاولة لتغيير الواقع، فالإنجازات الشخصية تكاد تكون مستحيلة لدى الفئات النسائية المقيدة، ولا تزال الفتاة الاحوازية تربى في سبيل تحقيق الهدف المجتمعي في الزواج، وينجم عن ذلك أنها تكون أقل اختصاصا من إخوتها الذكور وأقل اهتماما بمهنتها.

المسألة الرابعة: التحرر الاجتماعي للمرأة الاحوازية الذي نرفع راياته لا يعني التحرر بمفهومه السطحي الفارغ، اللاهث وراء قشور المدنية المتفسخ المتنصل من مفهومه الأخلاقي. فالتحرر الذي نريده للمرأة الاحوازية ونعمل من اجله لا يخرج عن كونه تحرر من الجهل والفقر والمرض والدجل والخرافة والشعوذة وفوق هذا تحرراً من المفهوم الخاطئ لقضيتنا وهي عدم تهميش دور المرأة الاحوازية ونحن فعلاً جنس لطيف وناعم كما تصفنا وتعاملنا بعض العقليات. ولا نريد ان نتنصل من طبيعتنا ولا من وظيفتنا الأزلية والعظيمة وهي وظيفة الأمومة ولكننا نريد أن نكون إنسانيات قبل أن نكون أنثويات ونريد من الرجل الاحوازي أن يفهمنا كذلك وان يعمل معنا في رفقة نضالية ساعية لتحقيق التحرر الاجتماعي الذي نريد وبالطبع لا ذاك التحرر اللا مسئول والذي تزخر به عقليات المجتمعات الرأسمالية. وبالمختصر أن النساء الاحوازيات هن الأكثر قدرة على التعبير عن قضايا غيرهن من النساء، ويمكن أن يلعبن دورا حيويا في زيادة الوعي المجتمعي وتعزيز حقوق المرأة الاحوازية.

المسالة الخامسة: تتمثـل إحـدى المعوقات الأساسية فـي إطـار القانوني غيــر المتطور بالحــد الكافـي والمتناقض أحيانــاً للنظام الإيراني الــذي ّ لا ينــص علــى ضمانــات كافيــة تكفــل إعمــال حقــوق ّ المــرأة الاحوازية. إذن تطوير المدونات القانونية التي تُعزّز حقوق المرأة وتُعبّد طريقها نحو المساواة والمواطنة الكاملة هو أمر ضروري، حتى وإن لم يكن له تأثير آني، وحتى إن لم ينبع من إرادة شعبية جماعية. فالقوانين تبقى حبراً على ورق، وأن التغيير يأتي عبر التطوّر التاريخي للمجتمع.

المسالة السادسة: أهمية الدراما التلفزيونية باعتبارها سلطة ثقافية مؤثرة في بناء الصورة الذهنية للمرأة، وإن كانت غلبت الصورة السلبية في تقديمها، ومالت إلى التحيز ضدها. وعن الصورة الذهنية للمرأة الأحوازية بشكل خاص والمرأة الإيرانية بشكل عام  تراوحت بين الإيجابية والسلبية، ولئن ركزت على المرأة كأم وزوجة كصور إيجابية، فإنها على مستوى الصورة السلبية، أبرزت أن المرأة قلقة بشأن الزواج من الرجل؛ لذا تركز دوما على الجوانب الأنثوية كعنصر إغراء وجذب للرجل، وبالنسبة إلى المرأة في الحاشية والريف، فالتركيز كان على العادات والتقاليد، ودائما دور المرأة في الدراما والسينما ترفيهي وليس مؤثرا، وإن استحوذت على دور البطولة فهي دوما متسلطة وقوية لها رأيها الذي لا يخالفه الجميع، كما غابت المرأة المستنيرة المتعلمة التي تسهم في تنمية مجتمعها، والخلاصة أن المرأة الاحوازية بشكل خاص والإيرانية بشكل عام ، كما أبرزتها الدراما، تبرز التناقض الذي تعيشه، فالقوة مقابل القهر الذي تعاني منه.

 

 المرأة الأحوازية ليست بالضرورة ضد الرجل

ان قضية المرأة الاحوازية ليست ضد الرجل وإنما هي رغبة صادقة وثائرة من اجل الاستقرار ورفع القهر الاجتماعي الذي خلفته في الأول ظروف النظام الإيراني غذته من بعد وبعناية العقول الرافضة للتقدم والخير. ومن خلال وقفة عابرة على حياتنا الاجتماعية وعبر دراسة قاصرة لظروف الأحداث تتبين لنا حقيقة واضحة وهي ان استعمال حق الطلاق وتعدد الزوجات بالصورة الراهنة في مجتمعنا الاحوازي هو السبب الأساسي لجنوح الكثير من الأحداث نحو الجريمة والانحراف.

 أما سبب تفكك الأسرة أو فقدان العاطفة أو الدافع الاقتصادي المهم ان المجتمع يدفع الثمن تفككا وجريمة، وإيمانا بالخرافة والدجل. ونحن نعلم ان جميع النساء عندما يلجأن للفلكي والرمال والزار يكون ذلك بدافع المحافظة على الزوج أو إلحاق الضرر (بالضرة) أو خلال ميزانية الزوج خوفا من الزوجة الثانية. عند طرح قضايا المرأة في الأوساط العامة وحتى الخاصة، نهاجم ونتهم بالنسوية المفرطة، ويتحول الموضوع تدريجيا إلى مهاجم ومدافع، لم نطالب أبدا بأن تحل المرأة الاحوازية محل الرجل الاحوازي، أو أن تزيحه عن الطريق، المنافسة ليست بين الرجل الاحوازي والمرأة الاحوازية، والقضية ليست صراع بين حقوق المرأة الاحوازية وحقوق رجل الاحوازي، لكن ما يحدث في مجتمعنا، أنها تقع بين خيارين، فهي أما ان تختار الدور الذي يرتضيه لها المجتمع كأم صالحة وزوجة صالحة وراعية صالحة ، أو الدور الذي ترتأيه لنفسها في الشراكة والاستقلالية وتكون النتيجة بأن تتهم بالاسترجال والتسلط، ولا تجد الرجل الذي يتفهم فكرها ، وهذا ليس رفضا منه بقدر ما هو ضغطا من المحيط عليه ، وقد تختار أن تبقى بدون زواج . لقد آن الأوان رجالا ونساء للخروج من دائرة الأدوار النمطية، وقبول أدوارا أخرى تلعبها المرأة بكل جدارة وإتقان، وأن نعتاد على أن نراها بحلة جديدة، فتندمج في المجتمع الاحوازي وتشعر بالانتماء إليه وتنقل هذه القيم لأبنائها. لم يتوقف الحيف يوما ضد المرأة الاحوازية، بل أخذ أشكالا متعددة وصلت إلى تهميشها وتشويه صورتها. والأغرب أن من مارس هذا عليها، هو بعض قريناتها من النساء اللاتي يعملن في مجال الصحافة والإعلام وغيرها من الوسائل التي تهتم بتقديم صورة المرأة الاحوازية للآخر. كما ساعدت الدراما الإيرانية على تكريس هذا التنميط المشوه لصورتها السلبية، دون التركيز على النماذج الإيجابية والأدوار المهمة التي لعبتها تفوقت فيها على الرجل، وهو ما ساهم في تقوية مكانتها التي جردت منها بغير إرادتها.

لدى المقارنة بين حال المرأة الاحوازية بالأمس، في القرن العشرين، وحالها اليوم، في القرن الحادي والعشرين، سنجد تقدّما ملحوظا في الوضع، يتمثل في زيادة إدماجها في المجتمع: ازديادا في المشاركة السياسية، وازديادا في نسبة النساء المتعلمات، وازديادا في النساء المساهمات في الإنتاج الثقافي الإبداعي، بشكل لم يسبق له مثيل، وازديادا في مشاركة المرأة الاحوازية في مواقع صنع القرار، خاصة على المستوى الثقافي، وتراجعاً في نسبة الأمية الأبجدية بين النساء الاحوازيات. اليوم لدينا الكثير من الماجدات الاحوازيات الذي كسرن الحاجز…. وخضن نضالاً عنيداً من أجل حقوقهن، وأثبتن كفاءة متميزة في ميادين عديدة؛ ما جعل النساء الاحوازيات بعد ذلك يحصدن نتيجة ما زرعت النساء الرياديات في مجالات عديدة: الكتابة، والصحافة، والسياسة، والطب، والفن، والفكر.

 

انجازات المرأة الأحوازية والعراقيل التي تواجهها في المجتمع 

رغم التقاليد التي كانت تقيد المرأة الاحوازية، وتحصر دورها داخل أسوار البيت؛ إلا أن عددا من النساء تمكنَّ من الوقوف إلى جانب الرجال، في التعبير الأدبي، عن الواقع الاجتماعي والسياسي، فبرزت كاتبات سياسيات، وكاتبات اجتماعيات، قمن بدور الريادة، وفتحن الأبواب أمام من يملكن الموهبة في كل أنواع الفنون والآداب، حتى بات للمجتمع الاحوازي، عدد من النساء، اللواتي يقفن في الصف الأول مع الرجال، في مجال الإبداع الأدبي والفني.

 ورغم التقدم النسبي الذي أحرزته المرأة الاحوازية، في مجالات متعددة؛ إلا أنها تعاني معاناة مزدوجة: معاناتها كمواطنة احوازية، تحمل هموم شعبها العربي، وآلامه وآماله، ومعاناتها كامرأة احوازية، تعاني التمييز بسبب جنسها؛ الأمر الذي ينعكس من خلال قوانين غير منصفة، تضعها في موقع التابع لا الشريك، الأمر الذي يضعف إمكانية استفادة المجتمع الاحوازي من خبراتها وطاقاتها. وحين تحصل، من خلال نضالها الدءوب، على بعض الحقوق، تتعرض لنقد شديد، من القوى المحافظة. وما زالت المرأة تناضل على جبهات عديدة: جبهة الفقر والتخلف، وجبهة الحريات التي لا تتجزأ، والتي تشتمل على حريتها كامرأة. أما إذا نظرنا إلى تقدم وضع النساء الأحوازيات، كنضال عنيد تخوضه النساء، مع الرجال الاحوازيين، المؤمنين بأهمية إشراك المرأة في مناحي الحياة جميعها؛ ندرك أن تقدم أوضاع المرأة لا يمكن أن يكون صاعداً على طول الخط.

وإذا نظرنا إلى أهمية أن تأتي مكاسب النساء، نتيجة وعي مجتمعي، ورغبة في التغيير؛ لا منَّة وهبة من المجتمع أو النظام الحاكم الإيراني؛ ندرك سبب التراجع في بعض المكاسب التي أحرزتها النساء، والذي يمكن أن يتبعه صعود، أو أن يكون تراجعا يحتاج وقتا أطول، كي يترسخ في الحياة الاجتماعية. من هذا المنطلق، نستطيع فهم ما يبدو متناقضا، في وضع المرأة الاحوازية أحيانا. نرى التقدم والتراجع يتصارعان معا، حيث الغلبة للنضال في سبيل تثبيت المطالب أحيانا، ولتوازن قوى المجتمع أحيانا أخرى. علينا ان نفرِّق بداية بين الثقافة الاحوازية ككل، التي احترمت النساء، ووثقت إنجازاتهن، عبر العصور وبين الثقافة الاحوازية، التي رسَّختها مفاهيم شعبية، لم يجر الوقوف لديها بشكل نقدي جدي وشجاع، تحت عنوان: تقديس التراث؛ الأمر الذي ثبَّت كثيرا من هذه المفاهيم، في الثقافة الشعبية الجماعية، وساهم في تكريس صورة نمطية للمرأة الأحوازية، يصعب التخلص منها.

من الضروري أن تجري غربلة الموروث، ضمن نظرة نقدية للتراث، تضع الإيجابي منه في الصدارة، وتعيد امتلاكه، على أساس معرفيّ علمي معاصر وتستبعد صورة الأحوازي مسلوب الإرادة، وتستحضر المشرق والمبدع من تاريخه العربي وثقافته، وفي القلب منها المساهمة الفاعلة للمرأة الاحوازية في مناحي الحياة كافة. وبعد، لن تستطيع المرأة الاحوازية أن تساهم بشكل فاعل، في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ في غياب القانون، وغياب العدالة الاجتماعية، وحين يسود الأمان؛ وتتحقق العدالة الاجتماعية؛ تتمكن النساء الأحوازيات من المساهمة الفاعلة في المجتمع الاحوازي.

 

دور الإعلام في قضية تهميش المرأة الأحوازية

قد عجزت الوسائل الإعلامية الاحوازية عن مواكبة الواقع الحقيقي للمرأة الاحوازية، وعن تناول إنجازاتها وقضاياها والتحديات التي تواجهها برسالة إعلامية جادة وهادفة. ولذلك تكمن المشكلة الحقيقية ليس فقط في التركيز على الصورة النمطية للمرأة، ولكن في غياب الصورة الأخرى لها. فصورة المرأة العاملة في المهن التخصصية المختلفة، وواقع المرأة الاحوازية المكافحة في الريف وأطراف المدن، وما تعانيه من فقر وتهميش والعمل في بيئة صعبة من أجل توفير قوت أسرتها؛ نادرا ما تظهر في وسائل الإعلام. لذلك وفي محاولة لفهم النموذج السائد للمرأة الاحوازية وغياب الصورة الأخرى لها في أجهزة الإعلام الاحوازية؛ لا بد من رؤية تحليلية ثاقبة للمؤثرات أو السلطات التي تمتلك تأثيرا وسطوة كبيرة في تشكيل هذا المفهوم ومن أهمها:

1-سلطة الثقافة: من غير الممكن أن نتناول قضية تهميش المرأة الاحوازية في الإعلام بمعزل عن وضعها في المجتمع الاحوازي؛ وذلك لأن وسائل الإعلام عادة ما تكون خاضعة في محتواها للثقافة المجتمعية السائدة، وبالتالي تقوم بتأييد وترسيخ التقاليد والمفاهيم المجتمعية وخاصة تلك المرتبطة بالنساء. لذلك فإنه من الضروري -عند الحديث عن تأثير السلطة الثقافية على الأداء الإعلامي-أن تتم الإجابة على السؤال الذي يفرض نفسه بقوة، وهو: هل الإعلام هو مجرد مرآة لثقافة المجتمع كما يقال دائما؟ أم إن الإعلام هو العجلة التي تحرك المجتمع والقوة التي تؤثر في صياغة ثقافته؟ لذلك عند وصف العلاقة بين الإعلام والثقافة لا بد من الإقرار بأن للثقافة عادة سطوة وسيادة في تشكيل الحياة المجتمعية، ولكن مع ذلك يكتسب الإعلام أهمية متزايدة لما له من حضور محسوس في المجتمع المعاصر، وبما يمتلكه من قدرة على تغيير أفكار الناس وتوجيه سلوكياتهم ويأتي هنا موضوع الغربلة الثقافية، لخلق واقع أكثر إيجابية للمرأة الاحوازية والتأكيد علي ضرورة العمل من خلال الوسائل الإعلامية لتحدي التنميط المجتمعي للمرأة الاحوازية، وإيجاد سبل لتعزيز التكاملية بين الثقافة والإعلام بوصفهما محركيْن أصيليْن لأي عملية تغيير منشودة، مع ضرورة قيام الإعلام بوظيفته التنويرية ومسؤولية الغربلة الثقافية، لخلق واقع أكثر إيجابية للمرأة الاحوازية.

2-سلطة السياسة: وكما أن وضع المرأة الاحوازية في الإعلام لا ينفصل عن الظرف الذي تعيشه في الحياة الثقافية؛ فإن وضعيتها في الإعلام مترافقة -إلى حد بعيد-مع السياسات العامة للدولة أي النظام الحاكم الإيراني. ومن هذا المنطلق لا بد من الحديث عن كيفية تأثير السياسات الحكومية على الطرح الإعلامي لقضايا المرأة الاحوازية. والواقع يقول إنه عندما تكون الأجهزة الإعلامية مملوكة للدولة، أو حتى للقطاع الخاص في الأنظمة غير الديمقراطية فهي في كلتا الحالتين تعمل وفق الضوابط الحكومية.

إن الفضاء الاجتماعي الخارجي لم يعد حكرا على الذكورة، بل صار فضاء مختلطا، مشتركا بين الذكورة والأنوثة، وبالتالي اتسع مجال النشاط الفضائي الاجتماعي للمرأة الاحوازية الذي كان من قبل مقصورا على فضاء البيت، ليشمل اليوم الاثنين معا، وذلك انعكاسا إلى حدّ كبير لتحوّل دورها في الحياة الاجتماعية من منتجة بيولوجية بالأساس، تتمثل في الإنجاب، إلى منتجة للثقافة ولغيرها من الحاجات الاجتماعية. ان المجتمع الاحوازي الذي نعيش فيه يحتاج إلى ثورة فكرية وثقافية واجتماعية عارمة في جميع أرجائه، لإسقاط مجموعة من المفاهيم الخاطئة التي تحد من تقدم المرأة. وضرورة تخلص المرأة من شخصية الضحية وتجديد الثقة بنفسها كي تقود المجتمعات بقوة ورصانة أكبر.

إن رسالة المرأة الاحوازية في أسرتها تتعدّى مهمّة التّربية إلى مهمة إعداد جيلٍ من الأبناء يحسن التّعامل مع مجتمعه ويحسن العطاء فتزوّده بالمهارات الاجتماعية اللازمة لذلك كما تبيّن حقّ المجتمع علية. تجلّى أهميّة المرأة الاحوازية حين تؤدّي رسالتها بالمجتمع بما تحمله من شهادات علميّة تمكّنها من تعليم الأجيال، وكم نرى من معلّمات يربّين طلابنا على الأخلاق الحميدة ويزوّدونهم بالعلم النّافع في حياتهم، وبالتّالي فإنّ دور المرأة الاحوازي حيوي في محاربة الجهل والتّخلف وتنوير المجتمع بالعلوم والمعرفة والثّقافة في كلّ مجالات الحياة. المرأة هي المدرسة الأولى التي يتخرج من بين أحضانها العقول فهي تمثل الجذور الأساسية التي تدير كفة النجاح أو الفشل في المجتمعات فإذا كانت المرأة الاحوازية مهملة ومحتقرة، وتعيش وضعية الدنية والجهل والقهر والسحق لشخصيتها وعدم الاعتبار، فلا غرابة أن ينشأ الأبناء أيضاً على الجهل وضيق الأفق وضعف الشخصية وتذبذبها.

 

آخر الكلام

ان المرأة الاحوازية هي العنصر المكافئ للرجل الاحوازي في الحياة فليست هي دونه وليس هو بمتسلط عليها، بل كلاهما مطالبان القيام بواجباته بإحسان وإتقان. ان نضال المرأة الاحوازية من أجل تحررها لا يمكن أن يكون نضالا ضد الرجل الاحوازي. لقد أمكن لهذه المرأة الاحوازية “العالمة” أن تحقق خلاصها على الصعيد الفردي، وأن تتخلص من وضعية المرأة الاحوازية التقليدية “ناقصة العقل والدين”، لكن دون أن تحقق معها خلاص مجتمعها، ذلك أن هذا يقتضي تغييرا عاما في المجتمع، أو بالأحرى مراجعة عامة يتجاوز نطاقها حدود إشكالية الذكورة والأنوثة. خلاص المجتمع لا يتأتى من خلال تحرير جزء واحد. إن الخلاص ينبغي أن يكون من الاستبداد ومن عقل القبيلة والعشيرة والطائفة ومن ذاكرة الماضي والتاريخ المتكلّس. وبداية البداية أن يتحرر المثقف الاحوازي نفسه، مهما كان نشاطه الإبداعي، ذكرا كان أو أنثى، من تناقضاته التي ورثها من تاريخ أمته وثقافته. إن مجمل التحديات التي تواجه المرأة الاحوازية كالفقر والجهل والتعصب، والبطالة، وظروف الحرمان يجب أن يتم العمل معها من منظور تنموي وبتعاون كامل من كافة الجهات القيادية وصناع القرار ومؤسسات المجتمع المدني الاحوازي لمعالجة تلك التحديات كافة، وتوسيع الدور التنموي للمرأة الاحوازية داخل المجتمع، وعليه بإمكان المرأة الاحوازية النهوض بشكل أكثر فاعلية وتأثيراً إذا ما أُعدت بصورة صحيحة للقيام بدورها المناط بها، لأجل المساهمة في بناء المجتمع بشكل قوي قادر على معايشة الواقع والعصر في كل حال. لم يعد يوجد اليوم في المجتمع الاحوازي مجال ثقافي، أيّا كان نوعه يخلو من حضور المرأة الاحوازية، مما يعني أن الاعتبارات الأخلاقية التقليدية المرتبطة بالفعل الثقافي لم تعد تمارس سلطتها اليوم. وهذا يعني أنه إلى جانب أن المرأة الأحوازية أصبحت حاضرة في الفضاء العام الخارجي، فقد أصبحت، بعدما اكتسبت حق الممارسة الثقافية بشتّى تجلياته، تملك كذلك حق التعبير عن ذاتها وبالتالي عن عواطفها ورغباتها وعالمها الداخلي، وعليه حق التكلم، وحق إسماع صوتها، وحق مخاطبة المجتمع. إذن يمكن القول بأن ولوج المرأة الاحوازية اليوم للفضاء الثقافي العام عبر مختلف أبوابه ومجالاته يعني، في إطار التعريف الجديد لها، بأن العقل ليس من نصيب الرجل الاحوازي وحده، بل هو من نصيب المرأة الاحوازية. وبالتالي لم يعد الجمال رأس مال المرأة الاجتماعي الوحيد، بل صار هذا الأخير يتشكل أيضا من مواهبها العقلية والذهنية. ولم تعد المرأة الاحوازية نتيجة لكل ذلك مجرد موضوع، بل ذات أيضا. ويمكن القول إنّ هذه التطورات التي حدثت نتيجة اكتساب المرأة الاحوازية للكتابة وممارستها على الصعيد الإبداعي الروائي وغيره، قد أدّت في نهاية المطاف إلى تقليص الفروق الاجتماعية بين الذكر والأنثى، أي إلى تشابه أدوارهما الاجتماعية والثقافية، على الأقل بالقياس إلى ما كانت عليه في الماضي. وفي تقديري، ان المرأة الاحوازية مطالبة أكثر من أي وقت مضى للوقوف إلى جانب المبدعين الرجال من أجل التصدي لحالة الفوضى الثقافية التي يعاني منها مجتمعنا الاحوازي وأن صمودها بجانب الرجل الاحوازي يشكل ملحمة كبري في استعادة مجتمعنا لهويته العربية الأصيلة والحفاظ عليها من الانقسام والتشظي الراهن. يظل صمود المرأة الاحوازية وقدرتها على التحدي والنجاح أكبر رادع لقوى التخلف والظلام، وأن الحق لابد وان يعرف طريقه لكل من يبدع بصدق وإخلاص وأكبر دليل على ذلك صعود الكثير من الماجدات الاحوازيات في مهن كانت حكرا للرجال مثل الغناء وكتابة الشعر والرواية.

 

 

ليلى حسن، باحثة في معهد الحوار للأبحاث والدراسات. يمكنك متابعة الكاتبة على حسابها على تويتر LayaliHamede@

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!