السبت, نوفمبر 23, 2024
دراساتزواج القاصرات في المجتمع الأحوازي.. الأسباب والأضرار وآليات الحماية

زواج القاصرات في المجتمع الأحوازي.. الأسباب والأضرار وآليات الحماية

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

ظاهرة بدأت تأخذ منحنيات واسعة في المجتمع الأحوازي، ألا وهي زواج القاصرات، هذه الظاهرة التي كانت في السنوات الماضية تقتصر على الريف والمجتمعات القبلية، لكنها أضحت اليوم تزحف نحو المدينة لتكون من الأعراف السائدة التي راح يتقبلها المجتمع الأحوازي على مضض، وفي الوقت ذاته أفرزت كما هائلا من المشاكل الاجتماعية التي تجلت في زيادة حالات الطلاق، مما يهدد البنية المجتمعية الاحوازية التي تعج بهموم وتحديات جسيمة.

ان ظاهرة زواج القاصرات في الأحواز من الموضوعات الجديرة بالدراسة والاهتمام نظرا لتزايد معدلاتها في الفترات الأخيرة في ظل اختراق قانوني من جانب المشاركين والقائمين على هذه الجريمة التي تنتهك حقوق الفتاة الاحوازية، وتمتد آثارها إلى المجتمع الاحوازي والبناء الاجتماعي بأكمله. ان هناك العديد من أنواع العنف الواقع على الفتيات والنساء في المجتمع الأحوازي بشكل عام، ولعل زواج القاصرات أحد أهم هذه الأنواع الواجب مجابهتها والقضاء عليها، لما تخلف من مشكلات ومخاطر على المجتمع الأحوازي وتهدد سلامته اجتماعيا، وصحيا، ونفسيا، واقتصاديا. تميل العديد من الأسر الاحوازية نحو تزويج بناتهن في مرحلة الطفولة بسبب الفقر الاقتصادي المدقع سعيا إلى تقليل نفقات الأسرة.

ومن المؤسف أن هذه المأساة تنتهي بارتفاع عدد الأطفال المطلقات. وما يزيد الطين بلة هو أنه إذا لم تتم بعض حالات الطلاق هذه بشكل قانوني، فإنها تسفر عن هروب الفتيات من المنازل أو انتحارهن، وهذا الأمر سوف يؤدي إلى أضرار خطيرة. أصبحت القاصرات في الأحواز أكثر الفئات العمرية تعرضا للأضرار الاجتماعية، تحت وطأة حكم النظام الإيراني المناهض للمرأة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. حيث إن النظام لا يبادر على الإطلاق بالترويج لحقوق هؤلاء القاصرات والمحافظة عليها.

ان ظاهرة زواج القاصرات في الأحواز ظاهرة استجدت في الآونة الأخيرة وبتزايد مستمر ومن المؤسف بأن هذه الظاهرة لم تشبع بالدراسات اللازمة للحد من تفشيها في مجتمعنا الأحوازي لان هذا الأمر يخص المرأة الاحوازية بصورة مباشرة حيث إنها تعتبر نصف المجتمع ويجب ان تنشأ بصورة صحيحة وبعد زواجها تكون الأم والمربية التي لا يمكن الاستغناء عنها ولكن كيف تتم معالجة هذه الحالة؟  تهدف الدراسة الحالية إلى التعرف على أسباب الدافعة للزواج المبكر من القاصرات في الأحواز وكذلك التعرف على التداعيات الاجتماعية والنفسية والصحية لهذا الزواج، وتقديم حلول مقترحة للتخفيف من حدة انتشار ظاهرة الزواج المبكر في مجتمعنا الاحوازي.

 

زواج القصر في الأحواز

ان زواج الأطفال أو زواج القصر هو زواج رسمي أو غير رسمي للأطفال دون سن البلوغ 18 عام. وغالبية العظمى من المتضررين في هذا الزواج هم من الفتيات، ومعظمهن يعشن في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية متدنية. لابد من التأكيد على أن ارتفاع معدل زواج القاصرات في الأحواز ليس قضية ثقافية، بل إن هذه الظاهرة أصبحت كارثة اجتماعية بسبب سياسات نظام الإيراني. وتجدر الإشارة إلى أن إحجام النظام الإيراني عن منع زواج القاصرات وتجريمه، فضلا عن الفقر المتفشي الناجم عن نهب النظام للثروة الوطنية في الأحواز يشجعان على تفشي هذه الظاهرة إلى أبعد حد. وفي غياب سبل انتصاف قانونية قابلة للاستمرار على يد نظام الحاكم، فإن الممارسات الثقافية التمييزية المستندة إلى العادات والتقاليد والآراء النمطية المتعلقة بأدوار النساء تتسع في المجتمع الاحوازي.

وفقاً لقوانين النظام الإيراني المناهضة للنسوية، “المادة 1041 من القانون المدني الإيراني” فإن الحد الأدنى لسن الزواج القانوني للفتيات في إيران هو 13 عاماً، وحتى يمكن للفتيات دون سن 13 عاماً الزواج بإذن من القاضي ومن الأب وإذا قال الأب للقاضي إن ابنته تصلح للزواج، يحكم بتزويجها على الفور، حتى لو كان عمرها 9 أعوام. ومع ذلك، فإن العديد من حالات زواج الأطفال في إيران وفي الأحواز غير مسجلة، كما يحدث في المناطق الريفية وبين الأسر القبلية والفقيرة. الحقيقة ان النساء في إيران بشكل عام وفي الأحواز بشكل خاص تعيش أوضاعا مأساوية على كافة الأصعدة، سواء على صعيد القوانين التي تحرم المرأة أبسط حقوقها، أو على صعيد العادات والتقاليد الرجعية. وخلاصة القول إن قضية زواج القاصرات في الأحواز تزداد معدلاتها بفضل العادات والتقاليد الموروثة حتى وان كانت خاطئة، وكذلك المعتقدات الدينية والتقاليد العرفية، الأمر الذي يجعل الفتاة بمثابة وسيلة مملوكة لسلطة الأبوية يستطيع التصرف فيها وقتما يشاء وحيثما يشاء، دون مراعاة لصغر سن الفتاة وما يعقبه من مشكلات نفسية وصحية، مما يمثل انتهاك لقيمة الرمزية للمرأة الاحوازية.

 

الأسباب الدافعة لزواج القاصرات في المجتمع الاحوازي

إن ظاهرة الزواج المبكر للقاصرات في الأحواز ليست بقضية جديدة وإنما هي قضية قديمة ولكن الحديث فيها هو تزايد المعدلات سواء في الريف أو المدينة، مما جعل منها أزمة اجتماعية مستدامة في حاجة إلى ضرورة الحد من معدلاتها الأمر الذي يتطلب تكاتف العديد من الجهات الأهلية في ظل غياب الدور الحكومي لتقديم كافة آليات وبرامج الحماية الاجتماعية لهذه الفئة وخاصة أن زواج القاصرات يعد نوعا من أنواع الاتجار بالبشر تواجهه شرائح اجتماعية واسعة، ويمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق المرأة وكرامتها، بل ويشكل تهديدا لبنية المجتمع الأحوازي، ويعتبر الأطفال بشكل عام، والفتيات بشكل خاص هم الفئات أو الشرائح الأكثر تضررًا وذلك لصغر سنهم وممارسة السلطة الأبوية عليهم.

 

الفقر

يرتبط نمو الزواج القصر في الاحواز ارتباطاً مباشراً بارتفاع معدلات الفقر. فان الفقر الاقتصادي الذي يطحن مزيد من العائلات بشكل يومي هو العامل الرئيسي للزواج المبكر أو زواج القاصرات في الاحواز. بحيث تشتد حالات الفقر في بعض المناطق الريفية ومناطق الضاحية في الأحواز مما يضطر الآباء بتزويج بناتهم للحد من النفقات الزائدة من مأكل وكساء وتعليم.

 

العادات والتقاليد

قد تستند بعض الأسر في المجتمع الاحوازي على حوادث تاريخية حدثت فيها حالات زواج بسن مبكر لدوافع مختلفة لا يمكن مقارنتها في العصر الحالي، وفي الوقت الذي تعامل فيه المرأة الاحوازية على أنها جزء من تنمية المجتمع من خلال مشاركتها في جميع المجالات المختلفة، إلا أن الحقيقة تقول إن الأعراف الاجتماعية تهزم كل القوانين المدنية والاتفاقيات الدولية. مازالت هناك بعض الأسر الاحوازية الذين يلزمون بناتهم على الزواج مبكرا دون السماح لها ان تقرر مصيرها أو حق اختيار شريك حياتها، أو قد يترقب ولي أمرها تحقيق أهداف أو مأرب خاصة مثل تقارب الأسر أو في بعض الحالات يعتبر رفضها للزواج من هذا شخص معين من المقربين خروجاً عن عادات وتقاليد الأسرة.

 

محدودية التعليم أو انخفاض مستوي التعليم

عندما تستمر المرأة الاحوازية في التعليم وخاصة الجامعي، يرتفع عندها الوعي كما يرتفع سن الزواج فتقل نسبة الزواج المبكر، وتتحدد سنوات الحمل لديها. الزواج المبكر يسبب إضاعة فرص مهمة لدى الزوج والزوجة لاسيما المستوى التعليمي الجيد.

 

التمييز بين الذكور والإناث

يعلب هذا العامل الدور السلبي الآخر في مصير الفتاة. تعتبر الكثير من الأسر الأحوازية أن وجود الفتاة يشكل عبئاً عليها من النواحي الاجتماعية وأنها متى بلغت سن العاشرة أصبحت بالغة وتبدأ القيود بإحاطتها من كل الجهات تحت عنوان الحفاظ على شرف العائلة، ويصبح هم الأسرة الوحيد تزويجها لأول طالب الزواج بحجة سترها وستر العائلة، كما أن هناك اعتقاد سائد بأن تزويج البنات في سن مبكرة تأتي من باب المحافظة عليها.

 

التنشئة الاجتماعية الأسرية

الأسرة هي أسمى وأبدع ثمرات الحضارة الإنسانية وهي الأعظم في تكوين العقل والأخلاق. الأسرة هي التي تؤثر في حياة القاصرة من ناحية تنشئتها ومدى صلاحيتها أن تكون زوجة صالحة، وان كانت الأسرة متصدعة ويسودها الصراع وتخفي روح المحبة فإن الفتاة تتمسك بأي خيط للخلاص من هذه الأجواء فتقبل الزواج في سن مبكر حتى وان لم تكن مستعدة نفسيا لهذا الزواج. وتدعم التقاليد الاجتماعية في الأحواز زواج القاصرات، وهذا عرف قديم يعزز الزواج المبكر من أجل حماية الشباب والبنات من ارتكاب الفواحش، وكثرة الإنجاب عن الزواج في سن مبكر، فيما يدعم ذلك العامل الديني الذي يسمح بزواج القاصرات بعمر صغير، بالإضافة إلى دور رجال الدين في مجتمعنا الأحوازي الذين يعقدون للمتزوجين القاصرين، فضلا عن الثغرات القانونية الموجودة في منظومة الحاكمة في إيران الذي تدعم وبشكل علني من زواج القاصرات.

 

عوامل ثقافية

هذا وترتبط ظاهرة تزويج الفتيات القصر في المجتمع الأحوازي بعوامل ثقافية اجتماعية تتعلق أساسا بالوضع الاقتصادي للأسرة وخاصة الفقـر وعدم التحاق الفتيات بالمدارس وخروجهن المبكر منها حيث يكون تزويج الفتيات المبكر وسيلة لضمان الاكتفاء الاقتصــادي خاصة اللواتي ليس لديهن إمكانية الوصول المسـتقل للموارد الاقتصادية واللواتي يعشـن فــي فقـر شـديد.

 

الإفلات من العقاب

لم يتم معاقبة المخالفين للقانون، خاصة المكاتب المرتبطة بالزواج والتي توقع العقود بحجة عدم مخالفة الشرع. كما أن الدستور النظام الإيراني أتاح التصرف وفق العقيدة والمذهب، وهو ما يستغل لتزويج الفتيات انطلاقا من أنه لا يخالف المذهب، رغم مخالفته للقانون. وينتج هذا الأمر انعكاسات وآثار سلبية لا تعد ولا تحصى على مجتمعنا الاحوازي، من أبرزها حرمان الفتاة من عيش مرحلة الطفولة والمراهقة، وفرض مسؤوليات كبيرة عليها وهي لا تعرف شيئا عن الحقوق والواجبات الأسرية، وحرمانها من التعليم وإجبارها على الحمل والإنجاب خضوعا للبيئة الاجتماعية المحيطة بها.

 

آليات الحماية الاجتماعية من الزواج المبكر في المجتمع الاحوازي

هناك ثلاثة اليات تساعد على حماية الاطفال الاناث من الزواج المبكر وهي تغيير العادات الثقافية الضارة وتوفير التعليم للفتيات الضحايا الأكبر لهذه الآفة ودعم تنمية ومشاركة المراهقات وحماية حقوقهم.

 

تغيير العادات الثقافية الضارة

يعد الزواج المبكر أحد القضايا المتأصلة بعمق في الثقافة والتقاليد المجتمع الأحوازي التي من الصعب تغييرها وتمت محاربتها في الآونة الأخيرة وتغيير أفكار المجتمع بشأنها، فيمكن أن تتغير سلوكيات المجتمع عند تثبيط ووقف الممارسات الموحشة والضارة وهنا يأتي دور المثقفين والمتعلمين والنخب في المجتمع الأحوازي من اجل إضافةً برامج مخصصة متعددة الأوجه تعمل على تثقيف العائلات وأفراد المجتمع حول المخاطر المترتبة على الطفل عند تزويجه مبكرًا، وتزويد الفتيات خصوصًا بالتعليم وتعريفهن بالمهارات الحياتية.

 

توفير التعليم للفتيات الضحايا الأكبر لهذه الآفة

إن توفير الفرص التعليمية للفتيات خصوصا في الأرياف والقرى الاحوازية يعد أمرًا بالغ الأهمية لتأخير الزواج المبكر قدر الإمكان، فالفتيات اللواتي يترددن إلى المدرسة وقطعن 8 سنوات من الدراسة تعد فرص زواجهن المبكر أقل احتمالًا من الفتيات اللواتي لم يدرسن أو من كانت سنوات دراستهن لا تتعدى الثلاث سنوات وزيادة على ذلك فإنه من الضروري تثقيف آباء الفتيات ونخبة المجتمع وتوعيتهم لتسجيلهن في أنظمة التعليم ودعمهن في المدارس، وكذلك تشجيع الفتيات المتزوجات على إكمال ومواصلة تعليمهن.

 

دعم تنمية ومشاركة المراهقات وحماية حقوقهم

من الضروري زيادة الوعي واستثمار على قدرات الفتيات الاحوازيات ودعمهن ومؤازرتهن، وتعزيز الخدمات التي تساعد المراهقين المعرضين لخطر الزواج المبكر أو المتأثرين به ونشر الآراء والأفكار المستنيرة حول مخاطر الزواج المبكر من خلال وسائل الإعلام الأحوازية السوشال ميديا والقيادات النسائية وخاصة في القرى، والعمل على توفير ثقافة مجتمعية رافضة لهذه القضية وذلك على المستوي الاجتماعي في المجتمع الأحوازي.

 

الأضرار الجسدية والنفسية للزواج المبكر وآثاره السلبية

يشير ارتفاع عدد حالات زواج القاصرات في الأحواز إلى انتشار واسع لهذه الظاهرة في مجتمعنا الأحوازي. يتم تحديد السن القانوني للزواج على أساس النضج الجنسي بينما وفقا للخبراء، فإن النضج الجنسي ليس سوى جزء من النضج الكامل للإنسان. يعتبر النمو الجسدي والمعرفة والتعليم وحرية الاختيار من بين المتطلبات الإنسانية الأساسية للزواج والحياة الأسرية.  أما المشكلة لا تتوقف فقط على عمر الفتاة أو عدم بلوغها سن الرشد، بل تكمن الصعوبة بما تتعرض له الفتيات خلال هذه الفترة من تحديات ومسؤوليات قد تكون أكبر من قدرتها على التحمل، وتوجد العديد من الآثار السلبية التي لا تعد ولا تحصى لهذه الآفة، ومن هذه العواقب نذكر بعضها كما يلي:

  • يقضي الزواج المُبكر على طفولة الفتاة الأحوازية تماما، ويحدّ من توسع عمليتها التعليمية، ويقلل من فرصها الاقتصادية مستقبلًا.
  • يزيد من تعرض الضحية الأحوازية للعنف الأُسري، كما يعرض الفتيات للحمل المبكر والمتكرر والذي يعرضها للخطر.
  • قد يتعرضن الضحايا اللواتي لم يبلغن سن 15 سنة للوفاة أثناء الولادة أكثر بخمس مرات من النساء اللواتي بلغن سن العشرين وأكثر من العمر، كما يواجهن مخاطر أكبر وإصابات مرتبطة بالحمل والولادة كناسور الولادة. يعتبر ناسور الولادة من أخطر إصابات الولادة وأكثرها مأساوية في الزواج المبكر. وينتج عن المخاض المطول والمتعسر ويجعل المرأة تعاني من مشاكل جمة، وغالبا ما تؤدي إلى مشاكل طبية مزمنة، والاكتئاب، والعزلة الاجتماعية. ويمثل ناسور الولادة 8 % من وفيات الأمهات في الاحواز، وتؤدي 90 % من الحالات إلى ولادة جنين ميت.
  • يتعرض أطفال فتيات الزواج المبكر للموت في سنتهم الأولى بنسبة تقدر بـ 60% مقارنة بالأطفال المولودين من قبل الأمهات اللواتي تزيد أعمارهن عن 19 عامًا.
  • تكون الأُسر الأحوازية التي نشأت من هذه الظاهرة أكثر عرضة لإنشاء روابط أُسرية غير صحية، وأكثر عرضة للفقر والحاجة.
  • ظاهرة الإقدام على الانتحار ضرر آخر من أضرار زواج القاصرات وكارثة كبيرة يواجهها المجتمع الأحوازي.
  • الفتيات القاصرات المتزوجات الأحوازيات يتعرضن أكثر من غيرهن للعنف من الشريك، سواء من خلال المعاملة اليومية أو الحياة الجنسية التي تعيشها والتي كان من الممكن تجنبها لو تزوجن بسن أكبر.
  • تحرم الفتيات القاصرات الأحوازيات من فرصة التعليم والعمل جراء الواجبات المنزلية والزوجية فإن تطلعاتها وطموحاتها تصبح بعيدة المنال، وهذا يعتبر انتهاكًا لحقها.

قصص حية من داخل المجتمع الأحوازي حول مآسي الزواج القصر

لابد من الذكر، ان الأسماء التي تم إدراجها في القصص مستعارة بينما القصص واقعية تم كتابتها من خلال مقابلات تم إجراءها عبر الاتصال الهاتف مع عدد من المعنيين وعدد من الضحايا من زواج القاصرات.

“عندما أتى رجل من إحدى قرى الأحوازية ليسجل عقد زواج ابنته التي كانت تبلغ 11 عاما، رفضتُ لأن ذلك يخالف القانون. وحين أجازت المحكمة الزيجة، عاقبني المدير بالفصل من العمل لمدة أسبوع بحجة إعاقة سير العمل”. هكذا يروي لنا خالد الموظف في مصلحة توثيق عقود الزواج، إحدى الوقائع التي حدث فيها انتهاك واضح للقانون.

أقدمت سارة ​​، البالغة من العمر 11 عاماً من الأحواز، على الانتحار بتناول حبوب من أدوية أخيها الذي كان يعاني من المتلازمة الكُلوية قبل إجبارها على الزواج. كانت قد كتبت في رسالة إلى والدتها التي كانت حينها قد تركت البيت بسبب المشاكل الزوجية آنذاك: “أتعرض للضرب كثيراً هنا والآن يريدون تزويجي”.

تقول سارة: “حينها نجوت من الموت، ولكن انتحاري لم يمنع أبي من تزويجي لابن عمي الذي كان يكبرني ب 20 سنة. ولم تستطيع أمي مساعدتي لان لم يكن لها أي رأي في زواجي وحتى في الحياة الزوجية مع أبي. تزوجت أبن عمي حين بلغت الثانية عشر من العمر. لم أعرف شيئا عن الزواج سوى أن العروس ترتدي فستانا أبيض وتذهب إلى بيت زوجها”.

لم يكن أي انسجام بيننا كزوجين، وبالتالي حصلت مشاكل كثيرة منذ الأسابيع الأولى وتطورت لتشمل الأسرتين والأهل، حينها حملت وتغيير كل شيء. وقتها تغيير موقف عائلتي وفقدت دعمهم من أجل الطلاق والكل كان يشجعني على الاستمرار بالزواج وتحمل المسؤولية ومن جانب آخر غريزة الأمومة جعلتني أتحمل كل المصاعب والمآسي. وتضيف زهرا وعلامات الندم واضحة عليها: “استمريت بهذا الزواج الفاشل 30 سنة من اجل أطفالي، ولكن في كل يوم أتمنى موتي لتنتهي بؤسي في الحياة.”

حكاية سارة هي واحدة من آلاف الحكايات المأساوية التي حصلت في مجتمعنا الأحوازي وتحت أنظار الجميع وكثيرا من هؤلاء النساء أو بالأحرى الأطفال القاصرات التي لم يحالفهن الحظ وانتهت حياتهن في عنفوان شبابهم.  في الفري والأرياف الأحوازية تسمع الكثير من قصص لنساء أضرمن النار في أنفسهن بعد الزواج المبكر والقسري. خلود، البالغة من العمر 13 عاماً، أحرقت نفسها بالزيت بسبب العنف المنزلي من أجل الزواج بأحد أقاربها في إحدى القرى الأحوازية وأحرقت فتاتان تبلغان من العمر 14 و17 عاماً نفسيهما في قرية أخرى من قرى الاحواز في حين أعدمت فتاة تبلغ من العمر 15عاماً نفسها بوشاحها في إحدى مناطق الضاحية في الاحواز. كان سبب واحدا لجميع هؤلاء الفتيات وهو الزواج المبكر والقسري.

هكذا تصف مريم إحساسها، بعد أن أكملت عامها الثامن عشر منذ أشهر قليلة، لكنها أم لثلاثة أطفال. وقد تزوجت بعمر الثانية عشر من أحد أقارب أبيها. تقول مريم: «في العام الماضي زرت مدينة الأحواز. كنت أسير في الشارع ومعي أطفالي الثلاث، ووقعت عيني على فتيات جميلات في مثل عمري، يرتدين ملابس أنيقة، ويبدو أنهن ذاهبات إلى الجامعة. حينها أردت الهروب، أن أترك أطفالي وأفر بعيدًا، أرتدي ملابس ملونة وأخرج إلى الشارع مع أصدقاء دون أي مسؤولية».

 

 

ليلى حسن، باحثة في معهد الحوار للأبحاث والدراسات. يمكنك متابعة الكاتبة على حسابها على تويتر LayaliHamede@

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!