تفاصيل وسياق الكتاب:
قام بإعداد هذا الكتاب “هال براندز”، الباحث في معهد أمريكان إنتربرايز، الذي تولى سابقًا منصب المساعد الخاص لوزير الدفاع للتخطيط الاستراتيجي. ويسلط هذا الكتاب الضوء على الأزمة الأوكرانية والدوافع الجيوستراتيجية لهذه الأزمة ومحاولة معالجتها ويستشرف المستقبل القريب لهذه الأزمة مع مدى تأثيرها على النظام الدولي، وهذا الكتاب هو نتاج لمؤتمر عقد في كلية الدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنز، في ظل الذكرى الثانية للهجوم الروسي على أوكرانيا.
عناصر الكتاب: أوكرانيا وروسيا والصين والعالم
يشير المؤلف في الفصل الأول من هذا الكتاب لإنتصارات أوكرانيا في عام 2022، أولاً، نجحت أوكرانيا في الدفاع عن سيادتها واستقلالها، ومنعت القوات الروسية من الاستيلاء على عاصمتها أو قلب حكومتها المنتخبة. وثانياً، حقق أعضاء التحالف الغربي درجة أعلى من الوحدة والعزيمة، وثالثاً، هزمت روسيا استراتيجياً بل فُضحت بسبب العجز الشديد للسيطرة الكاملة.
ويخشى المؤلف أن تكون أوكرانيا الجبهة الأولى لحرب أكبر في أوروبا والتي ستتوسع في النهاية إلى مولدوفا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وحتى بولندا، وبالتالي تجر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى حرب مع روسيا.
يوضح المؤلف أن ثلاثة عوامل ــ القوة، والأنظمة، والأفراد ــ تفاعلت ــ لتتسبب في هذه الحرب. وعلى وجه التحديد، إدراك التوازن غير المتكافئ للقوة وفر شرطاً ضرورياً ومسموحاً لبدء هذه الحرب. فلو كانت أوكرانيا أكثر قوة وروسيا أقل قوة لكان من الممكن أن تجعل الحرب أقل احتمالاً. وثانياً، لعبت أنواع الأنظمة دوراً أيضاً.. وقد أدت مسارات الأنظمة المتباينة هذه إلى تأجيج التوترات المتزايدة بين البلدين.
ومع ذلك، كانت موازين القوى المتغيرة وأنواع الأنظمة المتغيرة أسباباً ضرورية ولكنها غير كافية لبدء هذه الحرب. وكان العامل الثالث ــ بوتن وأفكاره ــ أساسياً. وبفضل أفكاره المتنامية حول دور روسيا العظمى، لعب بوتين ونظرته المتميزة إلى العالم دوراً سببياً مباشراً في إطلاق هذا الغزو.
يشير المؤلف إلى أننا يمكننا أن ننظر إلى الصراع بين روسيا وأوكرانيا، على أنه طويل الأمد، باعتباره عملية مرحلية وديالكتيكية. ومن حيث المبدأ، يمكن أن يعود هذا إلى المناقشات التي يحب بوتين الانخراط فيها حول الأصول المبكرة للدولتين، فضلاً عن الصدمات التي تعرضت لها الدولتان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.
يتناول المؤلف في الجزء الثالث من هذا الفصل بورقة لتوضيح العلاقة بين روسيا وأوكرانيا في هذا القرن، وخاصة الفترة منذ صيف عام 2013. وتنظر في الكيفية التي حددت بها التحركات الاستراتيجية المتعاقبة شروط التحركات التي تلتها. وأتناول خمسة قرارات ــ في صيف عام 2013 للضغط على فيكتور يانووفيتش، رئيس وزراء أوكرانيا، في محاولة لفرض ضغوط على حكومته.
الحرب بين روسيا وأوكرانيا: العمليات العسكرية وديناميكيات ساحة المعركة
يوضح المؤلف في هذا الفصل بشكل مفصل سبل المواجهة العملياتية بين روسيا وأوكرانيا ويؤكد أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي دخلت عامها الثالث حاليًا، مع وجود القليل من علامات التراجع، هي أكبر صراع مسلح تقليدي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن أهداف الحرب ونطاق الغزو الروسي كانا متوافقين إلى حد كبير مع افتراضات ما قبل الحرب، فإن التفاعل بين القوات الروسية والأوكرانية خلال المرحلة الافتتاحية للحرب لم يتماشى مع توقعات ما قبل الحرب من حيث استخدام القوات الروسية، ومفهوم العمليات، وإجراء الضربة الأولية، وغياب حملة التفوق الجوي الروسية، فضلاً عن الدفاع الذي حشدته أوكرانيا. بعد الشهر الأول من القتال المكثف، بدأ مسار الحرب يتماشى مع الأنماط التاريخية للحروب التقليدية واسعة النطاق، والتي تضمنت فترات طويلة من القتال.
يشير المؤلف أيضًا إلى السياسة الأمريكية تجاه روسيا، حيث كان لدى الإدارة الجديدة ” إدارة بايدن” أولويتان عاجلتان فيما يتعلق بروسيا. كانت الأولى هي تمديد معاهدة ستارت الجديدة، كوسيلة لتعزيز ضبط الأسلحة الحالي وخلق أساس لمزيد من التعاون المحتمل. وكانت الثانية هي محاسبة روسيا عن سلسلة من الإجراءات التي لم يتم الرد عليها. وكان من أبرز هذه الأولويات تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية لعام 2020، والتسمم الكيميائي لزعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني، والمؤشرات على أن روسيا دفعت مكافآت لطالبان لقتل أفراد الخدمة الأمريكية في أفغانستان، وكان الهدف هو استعادة الردع مع ضمان أن تكون الاستجابة الأميركية مدروسة بشكل كافٍ لتجنب بدء دورة تصعيدية جديدة. وكان هذا مصحوبًا بدعوة إلى بوتن لحضور قمة في وقت لاحق من ذلك العام.
يبرز المؤلف هدف إدارة بايدن على وجه الخصوص وسياسة الحزب تجاه الحرب والذي تم نقله مرارًا وتكرارًا علنًا وهو: مساعدة أوكرانيا في منع نجاح الغزو الروسي دون استفزاز روسيا لتوسيع الحرب خارج أوكرانيا – وخاصة دون جر الولايات المتحدة بشكل مباشر. كان تقليل مخاطر التصعيد مع تقديم المساعدة المباشرة وتنظيم الجهود السياسية والاقتصادية والعسكرية الدولية لدعم أوكرانيا هو سياسة إدارة بايدن خلال العامين الأولين من الحرب.
نقطة اللاعودة بالنسبة لبوتين
يحلل المؤلف في هذا الفصل حرب أوكرانيا والانقسامات العالمية، ويؤكد أن الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في فبراير/شباط 2022 ويستمر حتى يومنا هذا، يعد بأن يكون أكثر ضرراً بالنظام الدولي بعد الحرب الباردة حتى من هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية المروعة على الولايات المتحدة والغزو الأميركي للعراق الذي أعقب ذلك في نهاية المطاف.
وفي هذا الصدد يعقد المؤلف مقارنة بين غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وغزو بوتين لأوكرانيا من حيث الأهداف ويقول: أطلقت حملة الرئيس جورج دبليو بوش في العراق على أساس أحكام خاطئة بشأن أسلحة الدمار الشامل التي كان يمتلكها صدام حسين، فإنها كانت تهدف مع ذلك إلى تعزيز النظام الدولي من خلال منع انتشار مثل هذه التهديدات.
وعلى النقيض من ذلك، تمثل حرب فلاديمير بوتن ضد أوكرانيا عدوانًا سافرًا يهدف إلى استئصال دولة مستقلة من خلال ضم أراضيها. وعلى هذا النحو، فإنها تنتهك المبدأ الأساسي المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة: وهو أنه لا يمكن استخدام القوة العارية لتغيير الحدود الإقليمية بغض النظر عن المظالم المعنية، ناهيك عن القضاء على دولة قائمة ومعترف بها دوليًا. وعلاوة على ذلك، فإنها تمثل هجومًا من جانب قوة استبدادية ضد الديمقراطية، مهما كانت هذه الديمقراطية غير كاملة. والأسوأ من ذلك أنها تجسد الانتقام بقدر ما تهدف حرب موسكو إلى إعادة استيعاب أوكرانيا كجزء من طموحها لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية التي تفككت مع نهاية الحرب الباردة.
ينبه المؤلف أنه على الرغم من أن الحرب تدور في المقام الأول حول السيطرة على أوكرانيا وخياراتها، فإن الهدف النهائي لبوتين هو تفكيك حلف شمال الأطلسي مرة واحدة وإلى الأبد، وبالتالي دفع الولايات المتحدة إلى الخروج من أوروبا.
ويشير المؤلف أن بوتين يحسب أن هذا من شأنه أن يوجه الضربة النهائية القاتلة للنظام الأمني في أوروبا وربما النظام العالمي الذي يسعى إلى مراجعته. ورغم أن بوتن كان يحمل هذه الأهداف منذ فترة طويلة، فإن غزوه لأوكرانيا عزز من عزيمته وضيق خيارات موسكو. لقد تزايدت رغبة بوتين في قبول المخاطر في السعي إلى هذه المواجهة بمرور الوقت، ومن غير المرجح أن يترك المهمة الصعبة المتمثلة في مراجعة النظام العالمي لصالح روسيا لخليفته، وذلك في إطار نيته في تشكيل إرثه كزعيم روسي عظيم.
محمد نبيل البنداري، باحث في العلوم السياسية