لقد كان مثل تراجع المشروع الإيراني ذروته في المنطقة في العام 2024 م، وكان سقوط النظام في سوريا أهم تجليات هذا التراجع ، ليس هذا فحسب بل أن الأطراف العراقية الفاعلة وعلى راسها رئيس الوزراء شياع السوداني والقيادي الشيعي مقتدى الصدر رفضوا أن يكون هناك أي تدخل للعراق في سوريا وهم يضغطون بشكل مستمر حول وقف التدخل الإيراني في الشأن العراقي، ولكن ما حدث في هذه الأيام قد يعيد الى الأذهان القضية الأحوازية المنسية لدى العرب ، ويحرك الشعور القومي العربي ولو من حيث المبدأ اتجاه هذا الشعب المحتل و اتجاه هذه القضية، وهذا ليس منة أو صحوة عظيمة ، ولكنه موقف يصب في خانة المواجهة والمبادرة المسبقة، ورغم التخلي العربي عن هذه القضية العادلة إلا أنها لازلت حية وعظيمة في نفوس أبنائها المدافعين عن عدالة قضيتهم والمطالبين بحقوقهم العادلة في كافة المحافل الدولية.
إن غياب قضية الأحواز العربية المحتلة عن أجندة السياسات العربية في الشرق الأوسط وعن جدول أعمال القمم العربية ، كان بسبب التماهي من بعض الدول العربية مع السياسات الإيرانية وخاصة بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003م، وغياب الموقف المعلن أو التصريح الشكلي أو المعنوي بالاهتمام بقضية الأحواز العربية المحتلة طرح الكثير من علامات الاستفهام حول الأسباب في عدم وقوف الجامعة مع الشعب الأحوازي المحتل مع أنه صاحب قضية عادلة ويطالب بأبسط الحقوق الإنسانية التي يطالبها أي شعب في العالم .، هذا الموقف ولد لدى الشعب الأحوازي شعور اتجاه العرب عامة واتجاه النظام العربي الرسمي وجامعة الدول العربية خاصة بأنهم وحيدون في الميدان وقد تخلى عنهم القريب والصديق وتركوا فريسة للاحتلال الإيراني ليستفرد بهم ويسيطر عليهم ويغير ملامح دولتهم وينفي وجودهم .
ولكن الشعب الأحوازي اليوم على موعد جديد من النضال نحو الحرية والاستقلال بعد أن نجحت ثورة الشعب السوري في تحقيق حتمية التاريخ في حق الشعوب في تقرير مصيرها والانتصار على الاحتلال أيا كان شكله ولونه ولغته وجنسه ، فاستمرار تمسك إيران باحتلالها للأحواز يعود الى الكثير من العوامل السياسية والاقتصادية والجيو استراتيجية ومن أهمها وقوعها على طول الخليج العربي وامتدادها الإقليمي لحدود الهند وايران والعراق إضافة الى أنها تقع على بحر من الثروات الطبيعية كالنفط والغاز ، والاهم من ذلك أنها تحتوي على أراضي زراعية خصبة ، إذ تشكل الأحواز ما مجموعه 90% من الصادرات في إيران ، وتشكل موردا اقتصاديا حيويا لإيران.
تلك الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع به دولة الأحواز العربية جعلها على مر التاريخ مطمعا للغزاة والمحتلين ، ولن نطيل في الحديث عبر التاريخ عن دولة الأحواز في هذا المقال ، ولكننا سوف نركز على الفترة التي جاءت بعد أن منحت بريطانيا الأحواز لإيران في العام 1925م ، وقام الجيش الإيراني باحتلال الأحواز بالقوة وإخضاعها واحتلال مدينة المحمرة عاصمة الإقليم ، وبذلك تم إنهاء حكم الدولة الكعبية التي تأسست عام 1724 – وبقيت حتى عام 1925م.
وبقي الموقف العربي الرسمي التقليدي صامتا اتجاه قضية الأحواز إذا استثنينا موقف العراق في عهد الرئيس صدام حسين ، فقد كانت الأحواز الممتدة على طول الخليج العربي منذ معركة القادسية بين العرب والفرس تتبع ولاية البصرة العراقية ، وبعد هذا التقديم لا بد لنا أن نتحدث عن الواضع السياسي لهذه الدولة المحتلة ، فهي تقع تحت الاحتلال المباشر من إيران ، وهي قضية العرب المنسية.
وبعد تراجع المشروع الإيراني في المنطق وسقوط النظام السوري ، قد يبدأ عهدا جديدا لقضية الأحواز في الاهتمام والظهور في المحيط العربي الرسمي والشعبي ، ولكن هذا بحاجة إلى خطوات عملية من قبل الدول العربية باتخاذ قرار سياسي رسمي بمنح العضوية الكاملة للأحواز في الجامعة العربية ومؤسساتها ، وتبني موقف المعارضة الأحوازية ، وتبني مطالب الشعب الأحوازي بالحرية والاستقلال وحق تقرير المصير.
حسين الديك: صحفي مستقل وباحث في معهد الحوار للبحوث والدراسات