يعيش شعبنا الأحوازي، وخاصة الناشطون منه، كل لحظة من حياتهم بمشاعر ممزوجة بالفرح والحزن، بالقلق والتطلّع، وكأنهم متصلون بخيط غير مرئي مع نضال الآخرين في جميع أنحاء العالم.
وفي هذه الأيام، نجد أنفسنا نتماهى بعمق مع لحظات انتصار الشعب السوري، مع آلامه التي عاناها أيضاً، نسير بجانبهم روحياً من خلال دموعهم وانتصاراتهم. ومع ذلك، هناك تجربة معينة، عميقة للغاية ومُرهقة إلى حد لا يمكن لأي كتاب أو رواية أن تنقل وزنها الحقيقي، تجربة لا يفهمها إلا من عاشها: لحظة العودة إلى الحياة مجدداً، بعد الخروج من سجون النظام الخانقة.
وهنا تعيدني الذاكرة إلى قضبان الاحتلال الفارسي الباردة والقمعية. كانت الجدران تهمس باليأس، والسلاسل التي قيدتني بدت وكأنها امتداد طويل للاضطهاد الذي سيطر على شعبنا. ولكن حتى في غياهب ذلك الظلام، كان بصيص أمل يتسلل إلي في كل مرة كنت أسمع فيها عن حركات جماهيرية، أو مظاهرات تجوب شوارع الأحواز الحبيب. كانت نبضات قلبي تتسارع بين الأمل والخوف. كنت أجلس على الأرض الصلبة وغير الرحيمة لزنزانتي وأتساءل: هل ستكون هذه الحركة هي التي ستكسر قيودنا؟ هل ستكون الشرارة التي تفتح أبواب سجوننا؟ في تلك اللحظات، كانت لمحة الحرية تبدو قريبة بشكل مغرٍ وبعيدة بشكل مؤلم في ذات الوقت.
ومع الحدث السوري الآني، أشاهد مقاطع مصورة الأسـرى محرّرين من السجون الشهيرة في حلب، حماة، عدرا، وصيدنايا، الموصوف بالسمعة المخيفة، وكأن سواه ذو سمعة حسنة. أشاهد أياديهم المرتعشة تمتد لمعانقة أحبائهم لأول مرة منذ سنوات أو عقود، ووجوههم التي تحمل آلام سنوات ضائعة وارتياح لحرية مستعادة، كانت توقظ داخلي سيلاً من المشاعر.
كل وجه رأيته ذكّرني بأسرانا الأحوازيين—الأبطال الذين نُقشت أسماؤهم في قلوب شعبنا الأحوازي: حمزة الساري، ناظم البريهي، زهير الهيليجي، يحيى الناصري، عبدالإله الزايري، الأخوين جابر و مختار البوشوكه، محمد علي العموري، حسن الناصري(ودايي بور)، جابر صخراوي ومهدي حلفي ومئات غيرهم ممن لا يزالون خلف القضبان، يتحملون معاناة لا يمكن تصورها، وينتظرون اليوم الذي ستنكسر فيه قيودهم. هؤلاء ليسوا مجرد أسماء؛ إنهم رموز للمقاومة، منارات للأمل، وشهادات حية على روح نضالنا التي لا تعرف الانكسار.
لا أستطيع أن أجد الكلمات التي تعبر حقاً عن وزن هذه الذكريات أو عمق مشاعري. لكن يمكنني أن أقول هذا: هؤلاء الأسرى يستحقون أكثر من مجرد إعجابنا—إنهم يستحقون التزاما يجب أن لا يتزعزع. لقد قدموا كل شيء، تحملوا ما لا يُطاق، فبات من واجبنا، الآن وقبل الغد، أن نضمن عدم نسياننا تضحياتهم، وأن أصواتهم لن تُسكت، وأحلامهم بالحرية ستتحقق.
كل أسير أحوازي ما يزال محاصراً في الظلام، كل عائلة مزقتها المظالم، وكل روح تشتاق إلى التحرر… لا تسعفني الكلمات للتعبير عن مشاعري، لكنني أقول جملة واحدة: إنهم يستحقون، ويتوقعون منا الكثير. ومثلما أنعم الله على أخوتنا السوريين بالحرية وتحطيم قيود طغيان النظام الأسدي البائد، بعد سنوات طوال من مقارعة هذا النظام المجرم، وهو أحد أذرع النظام الإيراني المجرم، فإن الله سُينعم علينا قريباً بالخلاص من إجرام طغمة الملالي الحاكمة في طهران.
هذا أملنا بالله، ومن الله لا يقطع الأمل. وهذا من سنن التاريخ أيضاً، حيث أن بداية تحطم الإمبراطوريات وتشظيها غالبا ما يتم بهزيمة عسكرية خارجية أو بانكسار أحد حلقات المشروع الإمبراطوري خارج حدود المركز. وبالنظر لانكسار النظام الإيراني المجرم في سوريا، مقروناً بما يعادل هزيمة عسكرية أيضاً، فإن ارتداد هذا الانكسار والهزيمة سيطال الجغرافيا الإيرانية الحالية وشعوبها، وكما قال معممهم مهدي طائب، “إذا خسرنا سوريا سنخسر الأحواز”. وها هم قد هزموا في سوريا، ولم يخسروها فقط، فالبشرى البشرى القريبة لأحوازنا الحبيب، والبشرى والحرية للأسرى الأحوازيين، سواء كانوا في غياهب السجون، أو في سجن الهواء الطلق الذي أقامه النظام الإيراني المجرم حول أحوازنا الغالية.
يعلم النظام الإيراني المجرم أنه دخيل غير مرغوب به في الأحواز، كما علم أنه دخيل غير مرغوب على سوريا. فعلى الرغم من الكم الهائل للترغيب والترهيب الذين يقوم بهما هذا النظام في الأحواز، بهدف إطالة أمد بقاءه وسلب ثرواتها لأطول مدة ممكنة، إلا أن ما جرى في سوريا يشعل شموع الأمل بانهيار كل جهود الترغيب والترهيب التي عمل عليها هذا النظام بين ليلة وضحاها. لذلك ما علينا إلا أن نعزز صفوف جبهتنا في مواجهة هذا النظام، وبتسخين التواصل بين الأطراف الأحوازية في الخارج، بكافة اتجاهاتها وأطيافها الفكرية والأيدولوجية التحررية، وبين الساحة الأحوازية في الداخل، التي تنتظر ساعة الصفر، بعد أن بات المشروع الإيراني الإقليمي يتداعى عضوا تلو آخر. ولن يطول الوقت حتى يتداعى في المركز. فتهيأ يا أحوازنا الحبيب لكسر قيود المحتل الإيراني، وتهيؤ يا أخوتي الأحوازيين لاسترداد بلادكم من براثن الغاصب الفارسي، والتحرير أبناءكم من سجون المحتل البغيض.
غازي مزهر، سجين سياسي أحوازي سابق