الخميس, ديسمبر 26, 2024
دراساتأسباب التخلف الثقافي الأحوازي (١)

أسباب التخلف الثقافي الأحوازي (١)

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

ينقسم البحث الى قسمين، ففي الدراسة الاولى يتم التركيز على القبلية، الفكر القومي الفارسي والفكر الشيعي وأما الدراسة الثانية تتناول الفكر القومي الإيراني الحديث.

الجزء الأول: 

في البداية نشير أن موضوعنا هذا ينقسم إلى نقطتين أساسيتين – نشرح بهما اثر الفكر القومي الإيراني في تخلف الثقافة الأحوازية، مثلما شرحنا في الموضوع الأول اثر القبلية في هذا التخلف.

النقطة الأولى : لا نتطرق إلي بداية تاريخ تشكل الفكر الإيراني الحديث الذي يؤرخ له من – لحظة ولي العهد القاجاري “عباس ميرزا”- المتوفى عام 1832 ميلادي (1)، بل نبدأ من لحظة انتهاء الحرب العالمية الأولى1917- م، و ذلك لأهمية أحداثها و أثرها(2) ، و في المقدمة منها الحدثين الأساسيين في هذه المرحلة و هما- تثبيت الخطاب الأيديولوجي العنصري “خطاب الهوية” ، و فرض “وحدة إيران” الجديدة بعد تأسيس “الدولة القومية الفارسية ” ، وهذين الحدثين يقفان بشكل مباشر وراء التخلف الثقافي الأحوازي.
النقطة الثانية: لا نتناول كل مكونات الفكر القومي الإيراني – لأن مكوناته عديدة منها إلتي لا ينفع ذكرها لأنها لا علاقة لها في موضوعنا، ومنها إلتي تم درسها و إشباعها فلا حاجة لتكرارها هنا ، لذلك نتناول محور من هذا الفكر نطلق عليه- (الروح الاستعمارية)- و هي الروح التي تشبع بها و حملها هذا الفكر،و تمثلت في جانبين أساسيين- نركز عليهما:

الأول: “خطاب العرق- الهوية” (3 ) و الثاني: “عنف الدولة “(4) ،

الاثنين معاً شكلا هجوماً واحداً منسقاً تعرض له الشعب العربي الأحوازي – هجوم تنوعت أشكاله طوال ثمانية عقود ،و قد شهدت العقود الثمانية الماضية منذ عام 1925 م حتى يومنا هذا- تنفيذ مشاريع عديدة وفق برامج و خطط منسقة نالت- ( ثلاث محاور)- أساسية تشكل هوية و حياة الشعب الأحوازي .
وتبعاً لهذا التصنيف نبدأ من الجانب الأول و هو “خطاب الهوية”، نشرح مضمونه و غاياته منذ لحظة حضوره المتصلب في الفكر القومي الفارسي ، و تحديداً في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى ،و هو الحضور الذي يشكل أحد أهم أحداثها، وهي أحداث تعد مصيرية و مفصلية معاً في تاريخ إيران الحديث، و إذا هناك مفصل كبير في تاريخ إيران تعد الوحدة هي ذلك المفصل دون منازع لها.
الوحدة إلتي أنتجها “خطاب الهوية” بأمتياز، و التي صبت فقط في (مصلحة الشعب الفارسي)- حيث وفرت له هذه الوحدة السيطرة و الوصاية المطلقة على باقي الشعوب غير الفارسية،الشعوب التي دون رغبة منها خضعت إلي هذه السيطرة(احتلت) التاريخية.
و أهم ما أبرزته هذه السيطرة من معطيات هو – تغييب و تهميش ثقافات الشعوب غير الفارسية ،مقابل تعالي ثقافة الشعب الفارسي – التعالي المصحوب بالروح العنصرية، وقد هيمنت الروح العنصرية على هذه الثقافة في الجانبين المكونين لها المدون- المكتوب و الوعي الشفوي ، و بروز”التعالي الثقافي الفارسي والتمكين له ” – مع تهميش ثقافات الشعوب غير الفارسية- لم يأت أي منهما من فراغ بل جاءا من خلال مشروع تم الاشتغال عليه بجدية.
والجدية تمثلت في ذلك الحضور حول هذا المشروع من جانب كل الشخصيات (5) والقوى القومية المتشددة منذ لحظة الجيل المؤسس- الأول إلي الجيل الثاني حيث تصلب الجميع على مقولة “العرق الآري” ،وشكلت هذه المقولة القيمة المركزية في المشروع القومي الفارسي برمته.
وهذه المركزية و الأهمية التي حظي بها العرق الآري في الفكر آلأيديولوجي الفارسي لها أسبابها و دوافعها منها التي تم تدوينها و الدعوة لها و الدفاع عنها في الماضي (6) أو التي لا يزال الحاضر يشهد التصريح بها (7) ،وهذه-النصوص و التصريحات المكونة للخطاب القومي الفارسي إجمالاً هي التي كان دورها فاعل في تغيب هويات الشعوب غير الفارسية كما كان دورها في تشكيل هوية الأمة الفارسية الحديثة التي نرى هيمنتها اليوم، حيث اعتمدت في تشكيلها على ذلك التعريف لمفهوم “الأمة”( 8) الذي أعطى العرق الدور الأساس في بناء هوية أية أمة تريد أن تتميز عن غيرها و تشكل ذاتها و تتحرر من سيطرة الآخرين عليها، وهو إجمالاً تعريف أوروبي ، تمسك به كل القوميين الفرس ليكون لهم الروح التي تربط الأبناء بالآباء و الأجداد ربط مادي و معنوي، و هذا الربط أخذ العمل به من جانب القوميين الفرس أثر اتصالهم بأوروبا اتصال شكل لهم الرؤية و الموضوعية معاً ( 9) .
و الدور الأوروبي في تبلور الوعي و تحديد الرؤية القومية عند الفرس كان مهماً و واضحاً ، وهنا لا نقصد وضع تعريف عن مفهوم “الأمة” لأن ذلك التعريف لم يوضع من أجل الفرس بل الدور المهم عائد أثر الاكتشافات التي ظهرت على يد علماء أوروبا الذين كشفوا الآثار الصخرية (10) المتعلقة بالعهدين “الساساني”، و “الأخميني” – إضافة للنصوص المكتوبة التي ترجمت إلي بعض اللغات الأوروبية الحية (11) ، عن حضارة الفرس في الماضي ، و قد تزامنت هذه الاكتشافات مع فترة انتشار نظرية ” تفوق العرق الآري” على باقي الأعراق للعالم الفرنسي جوبينو 1817-1882 ، وهي نظرية أصلاَ وهمية لا يعد بها علمياَ (12).
وكل من نظرية تفوق العرق الآري مع الاكتشافات حددا بوضوح الطرق التي سار عليها الفرس نحو بلوغ غاياتهم المهمة، و التي في سبيلها بذلوا كل الجهود و تمثلت في :
أولا:إخراجهم من الأزمة التي كانت تعصف بهم على صعيد الهوية القومية .
ثانياً: شكلت وحدتهم آلأيديولوجية و تثبيتها من خلال استنهاض و يقظة الوعي.
ثالثاً: ظهور الدولة الفارسية التي تشكلت وفق متطلبات القومية الفارسية .
رابعاً: فرض قبضة السيطرة على الحاضر الإيراني و تشكيل وحدة سياسية وجغرافية قومية.
خامساً: تصفية و احتواء الشعوب غير الفارسية من خلال فرض منهج التناسي ضدهم.و هذه (الإنجازات الخمس) تعد هي الأساس و ركيزة ما جاء في مضمون “خطاب القوميين” الفرس من طموح و دعوة في تجاوز الثلاثية- ألف: السلطة الاستبدادية ،و كانت تمثلها السلطة القاجارية،ب:الاستبداد الديني الذي يقف أمام تطور كل من “العقل”، و”العلم”، ت:الهجوم الأجنبي المهدد الدائم للهوية الفارسية ويمثله الخطر الأخضر العربي (13) .
و هذه الرغبات والمضامين انبثقت منها الروح الاستعمارية، الروح التي نجاحها و انتشارها جاء على حساب طموحات و رغبات الشعوب الأخرى ، ومنها الشعب العربي الأحوازي .التي قد اشتدت و ازدادت حدتها تجاه هذا الشعب في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى ( 14) ، و تمثلت في البداية في ذلك الاستهداف الذي تصدى لإنجازه “رضا خان” (15) ،القادم إلي طهران و هو حامل طموح السيطرة، و الذي تم تقوية و تعزيز هذا الطموح من جانب القوميين لإنجاز مهمته، و تمثل ذلك في ما صدر من جانب أعضاء مجلس الشورى من تغيير نصوص (36،37،38) من مواد دستور(16) المشروطة الضعيف لينصب بموجبها “رضا خان بهلوي”- من رئيس وزراء و قائد الجيش إلي ملك على إيران خلفاً للشاه أحمد قاجار؛ وهذا التمهيد نحو التنصيب الشرعي- القانوني بعد السيطرة التي فرضها رضا خان على مؤسسة كل من “الجيش” و مجلس “الشورى” عجل كثيراً في تحركه نحو ذلك الاستهداف الذي أصبح مباشر و سار على اتجاهين :

الأول: الصراع الذي نشب ضد وجود الأمير “خزعل بن جابر” للقضاء على سلطته السياسية , الصراع أبتدأ منذ لحظة وصول رضا خان إلي طهران قاصداً منه أن يتخلى الأمير خزعل عن كافة الأمور لصالحه .

ثانياً: استهداف ثقافة و تراث الشعب العربي الأحوازي، و هذا الاستهداف الثاني تصدى للاشتغال عليه و إنجازه ليس فرد خاص و جهة محددة بل تحملت الدولة الإيرانية كل المسؤولية لتنفيذ ذلك الطموح و بأساليب شتى و طرق مختلفة جميعها قصدت سلب إرادة هذا الشعب و تصفية هويته العربية و بمنهج واحد هو “عنف الدولة” .

و منهج عنف الدولة الذي نعرفه بأنه (استخدام القوة المنظمة ضد الأفراد و الجماعات قصد سلب إرادتهم و تخويفهم و عنف الدولة إضافة إلي دوره في أضعاف جسد و نفسية الإنسان يطال الهوية و الوجود الاقتصادي- المجتمعي)- و هذا النوع ما تمارسه الدولة الإيرانية ، و قد أنجزت من خلال هذا “العنف” كثيرا من طموحاتها السياسية، و رغباتها العنصرية القومية الهادفة جميعاً إلي إبقاء الشعب العربي الأحوازي يعيش في قعر التخلف- التخلف الذي قد عملت إلي تثبيته و تعميقه طوال 80 عاماً في شتى نواحي الحياة .

حيث بواعثه و مصادره التي يعاني منها شعبنا كثيرة منها التي يمكن الاستدلال عليها بالإحصائيات، ومنها التي ممكن الإشارة لها بالتحليل، و تقسم على ثلاث محاور:

(المحور الثقافي/الاجتماعي،المحور الاقتصادي/الاجتماعي ،المحور السياسي /الأمني)، و هذه المحاور قد نفذت على شكل مشاريع كل مشروع له قوانين و ضوابط خاصة به تم تكليف الوزارة المختصة التابعة للدولة على تنفيذ مضمون المشروع بأسلوب الترهيب و الترغيب.

و كل مشروع من هذه المحاور الثلاث له نماذج تدل عليه نبدأ من المحور الأول- الثقافي .

للحديث بقية…

المصدر: موقع احوازنا

المصادر:

1.مبانى فكرى ادبيات مشروطه-حسن اكبرى بيرق- الطبعة الاولي 1379تاريخ إيراني انتشارات بابا.

2. التاريخ السياسي لإمارة عربستان 1897- 1925مصطفى عبد القادر النجار-دار المعارف بمصر.

3. مجلة كاوه الدوره الجديده بعد الحرب العالمية الاولي عام 1920 .

4. عرب الأهواز- واقعهم طموحهم نحو تقرير المصير – جابر أحمد الطبعة الاولى 2006 بيروت.

5. زرسالاران يهودى و بارسى،استعمار بريتانيا و ايران- عبدالله شهبازى – موسسه مطالعات و بزوهشهاى سياسى جلد اول- (مقدمه) تهران 1382.

6. ناسيوناليسم و تجدد در فرهنك سياسى بعد از مشروطيت- نادر أنتخابى/نكاه نو بهمن اسفند1371.

7. تحولات قومى در ايران- علل و زمينه ها / د مجتبى مقصودى – الطبعة الاولي طهران-1380. ينظر أيضاً إلي- مجلة إيران مهر-آبان وآذار1384- برفسور فاروق صفى زاده ص 104-106 – تبار آرياى خوزستان .

8. قراءات في الفكر القومي العربي الكتاب الثاني – أصدار مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة الاولى 1993 .

9..إيران بين الثورتين يرواند آبراهميان- ترجمة أحمد محمدى و محمد فتاحى الطبعة الثانية 1377 .

10. ايران از اغار تا بيش از اسلام – كيرشمن ترجمه محمد معين-1348 طهران.

1 1. آرتو كريتنسن المستشرق الدنماركي وضع تسعة مولفات باللغة الدنماركية و سبع باللغة الفرنسية حول تاريخ إيران القديم.

12. آينده نمره مسلسل 24- صص 930- جلد دوم – محمود أفشار.

13. فرضّيه ها نجادى آريا و سامى نادرست شابور رواسانى- مجله اطلاعات سياسى اقتصادى ش

14 . تاريخ بيست ساله ايران جلد سوم – حسين مكى انتشارات امير كبير تهران .

15.تاريخ خوزستان از دوره افشاريه تا دوره معاصر- موسى سيادت جلد دوم جاب اول قم- 1379 .

16.تجديد نظرهاى جند كانه در قانون اساسى مشروطه- على اكبر جعفرى، حسن زارعى، محمود آبادى – مركز اسناد انقلاب أسلامى جاب اول 1382 .

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!