الأربعاء, ديسمبر 25, 2024
دراساتمجزرة النار: محرقة مقهى النوارس ٢٠١٨ م

مجزرة النار: محرقة مقهى النوارس ٢٠١٨ م

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

التمهيد

الكتابة عن المحرقة صعب جدا وذلك عندما تتصور وترى وتشاهد حجم الظلم والطغيان الاجتماعي والسياسي والديني يتشظى هنا وهناك لمزيد من التدمير والتعتيم والإهانة في جغرافيا ما يسمى بجمهورية ولاية الفقيه، أي النظام المؤسّس على أسّ مقولة الدين في السياسة كما يعرفها الاتجاه الأصولي الفقهي أو الإسلام السياسي كما يعرفها علم السياسة أو نظام الحكم الديني في أدبيات الغرب. بكل تأكيد، من وجهة نظري في فهم الأديان  ليس للإسلام خطة شاملة سياسية واجتماعية واقتصادية لإدارة مجتمعات الإنسان، أجل باعتباره دين من الأديان الإبراهيمية له مبادئ معينة تعنى بالأخلاق والبناء الاجتماعي والإنساني والروحي كما لسائر الأديان، فمثلا الأديان الإبراهيمية تركز على أخلاق الفضيلة فيها جنوح نحو العدالة ونبذ الاستبداد.. إلا أن هذا لا يكفي ل كي تتكوّن دولة ونظام حكم سياسي باسم الأديان أو تصادر حرية الإنسان بين وضع أحكام دينية ( حرام وحلال ومكروه ومستحب..)، وهي أحكام يتقبلها المتدين التقليدي وتسوغ له بكل تأكيد، بينما لا يمكن تحجيم حرية العلماني أو ذي النزعة الإنسانية الصرفة بالأديان وإجباره على قبول التدين أو مشايعة الديننة.. وتقييده بالأحكام أساسا. ولو حصل بواسطة قوة قاهرة اجتماعية يدعمها نظام الحكم أو الدولة فعندها نحن أمام شكل من أشكال النظام الديني السياسي الأصولي وتاريخه غني عن التعريف في أوربا عصور الوسطى وبعض الشرق الراهن. والأهم أن النموذج الموجود في إيران حاليا باعتباره من أبرز أشكال النظام الديني السياسي لقد أثبت طوال أربعة عقود ( ١٩٧٩…) فشل إمكان تكوين نظام الحكم بأحكام فقهية! وأصولية! ومنبر خطابة دينية! وفتوى وعمامة! ولذلك يبقى البديل في إدارة المجتمعات وخطط الأمن والحماية والتنمية ونشوء الدولة أساسا هي النماذج التي يتعمدها الإنسان بالمواضعة )الأعراف الإنسانية( أولا وتحظى بالتصويت والاختبار ثانيا من قبل الشعوب كما في الديمقراطية مثلا. والآن إن عدنا إلى نظام الحكم الديني وتكرس البحث على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولو أنني اعتبرها قضية متناقضة كما نسميها في المنطق الرمزي بـ( Contradiction  ) حيث كيف يمكن وضع مفهومين متناقضين في مقولة، ولا تنتهي بالتهافت والبطلان؟

الجمهورية: حكم الشعب وحرية اختيار نظام الإدارة، ونقض إرادة الشعب في اختيار نظام؛ والإسلامية: تطبيق إرادة الل الإدارة!

ولا أدرى كيف نفهم صدق المسألة المتناقضة على أنها منطقية أولا ثم أنها موضع قبول الإسلام ثانيا؟ وهل الإسلام متناقض في ذاته أم طبيعة الاستنباط (المنهجية ومقدمات الاستنباط) غير سليمة؟ وعليه إن يصر أتباع الإسلام السياسي على صحة ما يطرحونه من هرطقات: فهل الإسلام يوافق على اللامعقول واللامنطقي والمتناقض كما نفهمه من خلال الإداء والتطبيق والعمل في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ ومن أبرز عينات التناقض القول بالحر ية نظريا ونقضها عمليا في ممارسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نقض حرية التعبير وحرية اختيار الأديان والمذاهب والأوطان والاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. وقد جعلتها الجمهورية بنظامها الديني الشمولي الغريب في قبضة الحوزة العلمية والفتوى والمرجع الديني؟ ومهما يكن من الأمر تكفي نظرة عابرة على فهم طبيعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثلا في انتهاكاتها في أثناء التعامل مع حقوق حرية الشعوب غير الفارسية مختلف الشعوب وهي تمارس القمع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي على الموجودة في جغرافياها وتصطبغ القمع بجواز من أحكام الإسلام للأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الاعتقال والاختطاف والاغتيال وإيجاد المحرقات. وفي الطارئ عن المحرَقَات في الأحواز العربية لنا شواهد: ( محرقة سينما ركس عبادان ١٩٧٩.٠٩.١٨ ) وأخيرا محرقة ( مقهى النوارس ٢٠١٨-٠٤-٠٤) وكلتاهما بفضل الإسلام السياسي والفتوى الدينية..[1]

          وكم من أناس حُرموا الحياة الجميلة بمثل هذه الهرطقات؟

وفي محرقة مقهى النوارس رغم كل ما لدي مما يصرفني عن الكتابة رأيت أن أقوم بواجبي الإنساني والحقوقي في مناهضة جريمة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الذي دبر المحرقة ل كي يتضح للرأي العام أن الأعمال الإجرامية للجمهورية الإسلامية تفوق تصور الأشكال الاعتيادية في الإجرام أولا، وأن الحرس الثوري المدرج على قائمة المنظمات الإرهابية بفضل قرارات الولايات المتحدة الأمريكية لا يأبى من ارتكاب أية جريمة في تصفية معارضي ومناهضي ثورتهم البائسة. ومن هذا المنطلق فإن حصيلة الكتابة العاجلة والتحقيق في محرقة النوارس هذه الدراسة، وعلى أمل يكون قادرا على تنوير التصورات المغلوطة عند بعض حيث التقديس لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي الوقت ذاته إظهار اضطهاد الشعب العربي الأحوازي من قبل الجمهورية الإرهابية نفسها.

لا شك أن النظام الإيراني يعد القضية الأحوازية، (أولا: التأكيد على الهوية العربية المغايرة له؛ ثانيا: تثبيت حجم جغرافيا الأرض الأحوازية؛ ثانيا:  إعادة الإمارة المحتلة ) قضية قومية تُنشئ ما يهدد الأمن والاستقرار القومي الفارسي الإيراني.

وفي التركيز على مفهوم القومية لا بد من قول أن دستور النظام الإيراني لم يبين ماهية (الأمن والاستقرار القومي)، وهذه فقرة  دستورية مغلطانية يجب أن تناقش من حيثية حقوقية، على أن ماذا تعني تهمة: تهديد الأمن القومي؟ وكيف تعمم وتخصص بمدلولها الحقوقي لصالح شعب ( القومية الفارسية) وفي الوقت ذاته أداة قمع ضد قومية أخرى؟ ولماذا لا يعد موضوع انتهاك حقوق الشعوب غير الفارسية في إيران) حظر التعليم بلغة الأم والحرمان من العدالة في القضاء وممارسة التمييز والعنصرية الفارسية وعدم التوظيف لسكان الأرض الأصليين في المناصب المحلية.. من قبل مؤسسات الدولة ومجالس تقنين ثوابت النظام شكلا من أشكال التهديد لأمن البلاد، واختصر المقننون عام ١٩٧٩ م بداية الثورة على أن  تهديد الأمن القومي يدل على ما لا يتفق مع قومية الشعب الفارسي، ولو أنه لا يوجد تصريح على ذلك، لكنه موجود ويمارس عمليا، ومن الأشكال التي تعتبر تهديدا للأمن القومي بحسب الرصد والإحصاء والتجربة، هي: عدم تعلّم اللغة الفارسية، والتظاهر بالعادات والتقاليد والكتابة بغير الفارسية، وتأسيس مراكز ومؤسسات المجتمع المدني والأعمال الثقافة التي لا صلة لها بالقومية الفارسية..(!! ويضاف على فقرات مسألة التهديد للأمن القومي؛ نظرا لأن القومية الفارسية انطلاقا من الدولة الصفوية الشهيرة (١٥٠١- ١٧٢٢ ) اتخذت المذهب الشيعي الإمامي السياسي (٢ الاتجاه الأصولي الفقهي ) مذهبا رسميا لها، وصار من معالم الثقافة الفارسية، اعتبرت الحريات الشخصية في الإيمان بالخالق كتعدده وتجسيمه وأشكال الاقتناع بالمعبود كحرية العقائد والأديان والمذاهب والنِحَل والفِر َق الصوفية والروحية! من الأشكال المهددة للأمن القومي.

وهكذا فالدستور المدوّن بيد فقهاء السلطة أباح بفقراته الفاقدة للعدالة جانب الانتفاع لشعب معين (الشعب الفارسي / القومية الفارسية) ومنحه مصلحةً عليا ومنافع أكثر وحظرها على شعوب أخرى بتمييز قومي وعرقي وعنصري. و بعد هذه الشواهد والمعطيات يحاول النظام الإيراني في التعامل مع القضية الأحوازية على أن مطالبها قومية صرفة، وأن الشعب الأحوازي لا يعاني من معضلات زجّهُ النظام فيها، ولا مشكلات معيشية وبيئية.. ولا انتهاكات تجري بحقه وأن الدولة ومؤسساتها والنظام وأركانه ( أجهزة الأمن ومجلس شورى التخطيط الثقافي ومجلس شورى الأمن القومي..) لم تنتهك في حق الشعب الأحوازي ويعبر عنه بالاتجاه الأصولي قبالة الاتجاه الأخباري في فهم الوضع الاجتماعي والسياسي والاجتهاد بحسب المتطلبات والمتقلبات. الأحوازي أيّ شيء مما فيه قوام الحياة الكريمة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، بينما المتابعة لسياسات النظام تكشف الواقع المرير الذي أشرتُ إليه في أن النظام الإيراني وجرائمه لا تتوقف ولا يأبي من استعمال أية طريقة في تنفيذ مخططه الإجرامي ولو مثلما قام به في محرقة مقهى النوارس وهي موضوع الدراسة بالتحديد.

 

الى أين أيتها الطيور النوارس؟

طيور النوارس..

نادرا ما تعبت من لعبة القفز بالماء بين الشواطيء والسفن العائمةْ

تركز أحوالها على جناحين من فضة يهفهفان

بين حداء صيادها وأجوائه الغائمةْ

وفي الطيران تدور على ذاتها،

الزمان خرافي في بلديْ

وفي بلدي تهاجرنا الدمعة النائمةْ

ولو كنت تدري بماذا أحل بجنح نورسة في جنوب البلاد لشاب الولدْ

 لكل امرئ ماسك الغيم جذوتهْ

ولي نغمة من تصاوير أحبابنا الراقصينْ

إلى مَ الحديث عن الوهن؟

فالنورس الآن كفّ وهاجر أحبابه الراحلينْ[2]

دور (مقهى النوارس) في الاحتجاجات والانتفاضة

في الثالث من نيسان ٢٠١٨ تعرض مقهى النوارس  الشهير في حي الثورة في مدينة الأحواز إلى عملية إحراق مدروسة في ساعات الفجر السوداء فأغلق الباب من الخارج، وتم استعمال مادة شديدة الاحتراق بسحب الشهود العيان الذين هرعوا للإنقاذ؛ إذ شوهت ألسنت نيران ترتفع بشكل مرعب؛ تحول المقهى إثرها إلى محرقة غيّبت أربعة عشر ناشطا وتعرض عشرين آخرين إلى حروقات لم نطلع على مصيرهم. ويعدّ المقهى موضع تجمع النشطاء المدنيين والشعراء والتنويريين الأحوازيين الرافضين لسياسات النظام والمعضلات القبائلية ومظاهر التأخر الثقافي وملتقى مهما يسند باستمرار المسيرات والاحتجاجات السلمية عبر التخطيط لها. و بدأت المحرقة النكراء ب ُعَيْد انطلاق مسيرات احتجاجية من حي الثورة بأداء عال شهد له الإعلام الأحوازي والعربي، ونظرا لأن الحي هو السبّاق في كل مسيرة واحتجاجية وانتفاضة، فإنه يشهد باستمرار أجواء أمنية ورصد متواصل للنشطاء، ولذلك بين المحرقة في الرابع نيسان ٢٠١٨ و بين الانطلاقة الاحتجاجية من الحي ليلة واحدة في الثالث من نيسان ٢٠١٨ وذلك على خلفية برنامج تلفزيوني للقناة الرسمية التي نقضت الوجود الأحوازي وتقصدت طمس الهوية العربية من خارطة الأحواز؛ إذ أن البرنامج أشار إلى القوميات في جغرافيا إيران وأهمل العرب، وأكد على افتعال وجود قومية اللّور بدلا من العرب أصحاب الأرض والسكان الأصليين في جغرافيا الأحواز.

وواصلت الاحتجاجات السلمية والمدنية مسيرتها حتى وصلت مبنى وكالة الإذاعة والتلفزيون الرسمي في مركز الأحواز وماثلتها احتجاجات في المدن الأحوازية، ولم يبد النظام القمعي أي اعتذار عن الإهانة المدروسة. ويبدو من خلال تحليل عمل الأجهزة الأمنية التي تحاول تقليب الاحتجاجات السلمية والمدنية من خلال عدم الاستجابة لأي مطالب فقد اشتدت الاحتجاجات في أسبوع، ثم بدأ التطويق ومفاجئة بالاعتقالات للمحتجين من قِبل القوى القمعية ( وزارة الأمن واستخبارات الفرقة المدرعة ٩٢ العسكرية وجهاز الأمن للحرس الثوري وفرقة مكافحة كارون والشرطة العامة وفريق ولي الفقيه لمكافحة الانتفاضة ) باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي مما أدى إلى اعتقال نشطاء بارزين ومحتجين ومطاردة بعض وتجريح آخرين، ويقدّر حتى اللحظة أن الاعتقالات وصلت إلى ما يزيد على ٥٢٠ معتقلا بينهم قصّر أعمارهم أقل من ١٨ عاما ومن هنا رُفعت هتافات: بالروح بالدم نفديك يا أحواز) و (أنا عربي وافتخر والذي لم يعجبه ينتحر)، وسرعان ما تحولت إلى انتفاضة سميت بانتفاضة ال كرامة  أي في ٢٧  مارس ٢٠١٨ وصارت حلقة انتفاضية مجيدة اتصلت بما سبقها من انتفاضات للشعب الأحوازي طيلة أربعة عقود من حكم النظام الديني  الذي واصل نهج النظام الفارسي القومي السابق، بل الحكم الديني مارس عمليا الآتي:

مصادرة مياه نهر وتعطيش الأرض وسكانها: الإنسان والحيوان والنبات؛

تدهور أحوال البيئة الفاتكة جراء الانتفاع المفرط من خيرات الأرض وإهمال الرعاية والوقاية وعدم الاهتمام بالعواصف الرملية التي تهدد سلامة الأحوازي؛

 سياسات الدولة في تحفيز غير سكان الأحواز العرب في النزوح إلى الأحواز والمن ُح السكنية والمالية بأعلى أشكالها والإكثار من المقاولات والمشاريع لصالح النازح تحت ذريعة المشاريع الوطنية بغية تفويت فرص العيش على الأحوازي ومواصلة سياسة التوطين المبدوءة منذ عام ١٩٢٥ م بغية تفريس المجتمع الأحوازي، وبالتالي ضرب بنية المجتمع العربي؛

 إلصاق تهمة لكل ناشط مدني وثقافي وتهامهم بالردة والبغي ومحاربة الله لاعتقاله والتخلص منه وتغييبه؛

 التعامل مع كل أحوازي في المراكز الأمن على أنه تهديد لمسألة الأمن القومي؛

تهجير السكان الأصليين الأحوازيين بمقدمات مدروسة لتقليل التواجد للسكان

وتصنف كل هذه الفقرات وفق أعراف دولية انتهاك لحقوق السكان الأصليين الأصليين العرب.

 

صورة قبيل المحرقة بلحظات لجانب من مقهى النوارس

ساعة الصفر لمحرقة مقهى النوارس

لقد مرت الإلماعة على أن مقهى النوارس أدى أدوارا عديدة في الاحتجاجات ودعم تحرك الانتفاضة في الأحواز فلا شك نتيجة ذلك، سوف يكون على مرأى ومسمع القوى الأمنية، وبخاصة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري. وبناء على تجربتنا والمعطيات في فهم منهجية العمل عند الحرس الثوري الإرهابي من الرصد والمطاردة والاعتقال والتعذيب.. فإن المقهى كان تحت رصد فريق استخبارات الحرس الثوري بلا أدنى شك، كونه بقى حجر عثرة أمام الضباط العملاء الذين تصر عليهم الأجهزة الأمنية من خارج الأحواز على تصفية رواده وهم النخبة من النشطاء.

وبحسب المعلومات الواردة من نشطاء الداخل الأحوازي فإن النشطاء فور دخول المقهى يقوم أكثرهم بإغلاق الهواتف وإجراء احترازات جزئية مما يعرقل عمل الرصد والاستماع بما يدور في المقهى أحيانا. ومن هذا المنطلق ي أتي دور العملاء بالبحث عن عميل سري لزرعه في المقهى، فيصادف أن أحد عمال المقهى المدعو حامد الكناني من أسرة مستعرب ودعي على قبلية بني كنانة كما صرح وجهاء القبيلة. في خلاف مع مدير ومالك المقهى وتم طرده. ويبدو أن الطرد جاء نتيجة شك  الناشطينِ هما محمد الحيدري وعادل العفري بسلوكه الغريب ومنها أسئلة لا تبدو أليفه. والحقيقة أنها تم اختيار المدعو حامد الكناني عميلا بعد طرده.

 

من هنا يبدو أن المقهى كان تحت الرصد الأمني المشدد للتخلص منه وأن الرصد لا يغادر كل صغيرة وكبيرة، إذ اعتبر فريق استخبارات الحرس الثوري المتابع لنشاط مقهى النوارس وجود الخلاف فرصة ثمينة لكي يبدأ مخططه الإجرامي. وبحسب المعلومات أن في ليلة الجريمة قام النظام بإرسال المدعو حامد الكناني إلى المقهى إلا أنه وُجِهُ بالمنع من قبل المدير، ويذهب وبعد ساعة ويعود ويهدد بالقتل. والمعلوم أن التهديد بالقتل كان جزءا من مخطط المحرقة لتتم أمام المحاضرين والشهود العيان على أن هناك تهديد سبق الجريمة. ونحن كنشطاء في الساحة الأحوازية نعلم جيدا كيف تعمل الأجهزة الأمنية القمعية في وضع المخطط والتمهيد له وتحريف الحقائق. ومهما يكن فإن التهديد سبق المحرقة بقليل، وبحسب إفادة الراحل حمزة عباس شايع الطرفي الذي هرع للإنقاذ، ولما دخل المقهى أغلق الباب عليه من ثم تم التصفية لكليهما في المحرقة ونالا الشهادة.  وقد أدلى بالشهادة على سرير المشفى للنشطاء، وكان يمتع بصحة كاملة أن هناك عدة تحركات مشبوهة كانت تجري على باب المقهى، وكأنّ هناك تحضير لأمر ما، ومنها وضع برميل لمادة كيمياوية شديدة الاشتعال ( البنزين) في الباب . وجدير بالذكر أن التأكيد على المادة المذكورة هو أيضا جزء من المخطط الإجرامي ولا يمكن القبول بتبرير عقلي سليم أن يفعل برميل هذه المادة بالمقهى وفيه المواصفات الآتية:

 

ــ خمسمائة متر مربع مساحة المقهى كافة

ــ أرضية المقهى سراميكية والجدران سراميكية ولا مفروشات سوى الأسرة

ــ وجود حوض مياه صغيرة بمساحة أربعة في أربعة

 وفي السياق نفسه أسئلة:

أ: كيف اشتعل المقهى بالنار دفعة واحدة حتى أنه تحول إلى رماد؟

ب: كيف أن برميل المادة وصل حتى أقصى الحيطان وأحرق النشطاء بمستوى ٧٠٪.

المرجح أن وضع البرميل هو لتزييف الحقائق على أن المحرقة تمت نتيجة غضب المدعو حامد الكناني بينما آثار المحرقة تشير إلى وجود مادة أشد اشتعالا وانفجارا في إيجاد المحرقة استخدمتها الأجهزة الأمنية

ج: لماذا تأخرت الإطفائية التي هي على مقربة من المقهى وفي ساعات الفجر وقد خلت الشوارع، لكنها وصلت بعد قرابة ساعة؟

 

المحرقة كما في الإعلام الإيراني[3]

 

وفي السياق نفسه تطرح الاحتمالات الآتية:

أ: التأكيد على البرميل من قبل الإعلام وأجهزة الأمن إنما هو من أجل التضليل

ب: استعمال مادة غير البنزين.

ومن خلال المتابعة لحديث مصور له في لقاء وكالة الأنباء الإيرانية مع حمزة وهو على سرير المشفى، اتضح وجود تقطيع لشريط الفيديو وتحريف لشهادته بشأن المحرقة يبدو أن الاستخبارات حرفته بما يتفق مع إفادة المدعو حامد الكناني في الوكالة نفسها لاحقا بعد سيناريو إلقاء القبض عليه، أي الكناني. و بحسب شهود عيان من خارج المقهى أن البرميل نقله أكثر من ثلاثة شخوص ووضع في باب المقهى.

 

تصفية الناجين من المحرقة بيد استخبارات الحرس الثوري:

لقد غيّبت المحرقة أربعة عشر ناشطا بارزا وعرضت منهم إلى حروقات بنسبة٦٠ بالمئة بحسب المعلومات، والوحيد الذي تعرض إلى ٣٠ بالمئة هو حمزة عباس شايع الطرفي.

وقد اعتبرناه الشاهد الأهم، ومن المرجح أنه شهد التحضيرات كونه عندما دخل إلى المقهى للإنقاذ أغلق الباب بعده بلحظة عاجلة، وبعد إطفاء المحرقة عثر عليه في جانب من المقهى ونقل مع المحروقين إلى المشفى. و بعد نقل المحروقين، ومنهم حمزة عباس، ظنت الاستخبارات أنه أيضا قد أصيب لا محالة بحروقات بالغة الخطورة كالآخرين بحسب تخمينهم لمستوى المحرقة ولا ينجو منها حتى ولو كان في العناية المركزة، والحال أنه وضع في جناح المشفى العام نظرا لعدم ثبوت مرحلة الخطر في حقه. ومنها كانت الفرصة الوحيدة لزيارته هي الساعات الأولى من العناية العامة في المشفى، وكما يظهر في الصور أنه كان بحالة صحية جيدة، ويبتسم، ويرفع يده ولذلك استبشر النشطاء والأصدقاء له بالخير والسلامة والتقطوا معه صورا. ولكن تتبع أحوال الجرحى من قبل الأجهزة الأمنية فقد أدى إلى العثور على حمزة، ومن هنا و بعيد ساعات قليلة جدا يصل فريق من قبل الأجهزة الأمنية بزي مدني ويعلن بعد اللحظة عن عدم إمكان اللقاء به حتى أن والديه مُنعا من الحضور في غرفته.

ولما علمت الاستخبارات أنه ينجو قامت بتصفيته في العاشر من نيسان ٢٠١٨ وهكذا غيّبت الشاهد الأهم عن مسرح الحقيقة. أما من نجى من الموت وهو بحالة شبيهة بالموت كحمزة المهاوي، فإن شدة الحروقات فيه هي ٦٠ بالمئة ولا يرجى منه البقاء لذلك هو والآخرون لم تهتم بهم الأجهزة ما لم تعلم بالتحديد أنهم لا يفارقون الحياة بعد ذلك.

 

تداعيات المحرقة في الإعلام العربي   

لقد شهدت الأحواز في العقدين الأخيرين انفتاح بعض الإعلام الرسمي العربي على المشهد الأحوازي والأحداث الدامية من المجازر والمحرقات التي التي جرت على الشعب وفقا لسياسات مدروسة تحاول تدمير كل ما له صلة بالأحواز من منظور اجتماعي وثقافي وعربي..

وفي هذا السياق لقد وثقت بعض وسائل الإعلام هذه المحرقة لكي تخلدها في الأرشيف الإجرامي لنظام الجمهورية الإسلامية نختار منها هذه المقتطفات:

صحيفة الاتحاد الإمارتية: قتل ٢٠ شخصاً وأصيب العشرات بجروح نتيجة حريق كبير شب في مقهى بحي “الثورة” بمدينة الأحواز، فيما اتهم ناشطون أحوازيون أجهزة الأمن الإيرانية بالوقوف وراء الحريق نتيجة خروج أهالي هذا الحي بمظاهرات معارضة لطهران للمطالبة بحقوقهم المغتصبة. واتهم ناشطون أحوازيون السلطات الإيرانية بافتعال الحريق في حي الثورة الذي يعتبر مهد المقاومة الأحوازية منذ انتفاضة أبريل ٢٠٠٥. واتهم الناشطون عاملاً تابعاً للنظام الإيراني بإضرام النار في المطعم بعد إغلاق بابه من الخارج ورش البنزين على أطرافه. [4].

قناة الحرة: إن الحادث في مقهى النوارس بحي الثورة نفذ بشكل متعمد..  واتهم أحوازيون السلطات الإيرانية بالوقوف وراء الحريق، لا سيما وأن المنطقة تشهد احتجاجات شعبية ضد النظام منذ خمسة أيام.  ويشعر الأحوازيون بالتهميش من قبل الحكومة وخصوصا في وسائل الإعلام الحكومية، بعد أن بث التلفزيون الحكومي في آذار/مارس الماضي برنامجا للأطفال بعنوان “القبعة الحمراء” استعرض فيه الهويات العرقية في إيران دون أن يذكر العرب[5].

قناة العربية فارسي: شبه العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي النار بـ “Rex Cinema Burning” في عام ١٩٧ م حيث قتل ٤٢٠ شخصًا في حريق في السينما. الحريق الذي تزامن مع بداية الثورة الإيرانية. نسب الثوار المؤيدون للخميني النار إلى سافاك في سبعينيات القرن العشرين ، لكن لا يوجد دليل على تورط سافاك في هذه القضية بالذات. في ذلك الوقت ، اتهم البعض ، كما هو الحال اليوم ، الثوار المؤيدين للخميني[6].

 

 مؤامرة القوى الأمنية في إضرام البعد القبلي

لقد بينا في دراسات عديدة أن المجتمع الأحوازي لا يزال على طبيعة القبيلة وهذا الأمر يسوغ لدى غالبية شرائح المجتمع الأحوازي كظاهرة مقبولة، والقبلية هي: ( عصبيات متعددة  استطاعت عصبية قوية من بينها أن تغلب على الجميع ما يعنى هذا انضمام كل العصبيات إليها لتكّون عصبية واحدة كبيرة ([7]).

وبديهي أن مقبولية القبيلة في المجتمع الأحوازي مردودها طبيعة الإنسان العربي أولا بصفة عامة، حيث الأحوازي من صميم نسب هذا الإنسان العربي، ويحمل الطبيعة العربية نفسه، إلى جانب الحالة السايكلوجية والسوسيولوجية ثانيا، وهي تتغاير من قبيلة إلى أخرى ومن جغرافيا إلى أخرى في الخليج العربي بشكل وآخر في غير الطبيعة الجوهرية، إلا أن ثمة مشتركات موحدة في اللغة والشيم.. والهبة والنجدة في حال العدوان ولا تزال الطبيعة القبلية الأحوازية على حالها على صلة لا أقل بما قبل الاحتلال فلا أرى أي تطور مشهود كاللظلم والعصبية.

ويكشف المفكر السوسيولوجي العربي الأول إبن خلدون (١٣٣٢ – ١٤٠٦ م) عن هذه الطبيعة: (أخلاق البشر فيهم الظلم والعدوان بعض على بعض، فمن امتدت عينه إلى متاع أخيه، امتدت يده إلى أخذه إلا أن يصده وازع ([8]) والمعلوم أن كشف إبن خلدون على ترابط بسايكلوجيا النفس وقوامها وهي الطبيعة الفطرية ــ البدائية والتي نراها حاضرة في بينة المواطن  الأحوازي إن أردنا وصفها برصادة أنثروبولوجية وصفية. أعني دراسة الإنسان بوصفه كائنا عضويا لديه صفات يكتسبها نتيجة التغييرات الوراثية، وتبعا للتغييرات هذه تلاحقها تغييرات المجتمع وخصائصه بما فيه السلالات الإنسانية فيكون موضوعها الإنسان الأحوازي وما مرّ عليه من تطورات سوسيولوجية وتناميات سايكلوجية.

ولنا موقف أفرزت فيه بين محصلات هذه الطبيعة كالحالة القبلية والقبائلية ومنظوري الاستنباطي من القبائلية: المنظومة ذات البنية أولية والنوعية القادرة على المحافظة على الشمائل والملامح والهيئة العربية الأحوازية عند شرائح متعددة في مجتمعه.

ومن منظور نقدي لو استثنينا الشرائح المثقفة التي تجيد التعامل مع ظاهرة القبيلة فإن الغالبية على الطبيعة القبلية وهنا يمكن الإشارة إلى أن جهات الأمنية تعرف جيدا دور القبيلة في إضرام النزاع والشجار بين عشيرة وأخرى ولذلك بعد التنفيذ بادرت الجهات الأمنية في إظهار مراهق يبلغ السبعة عشرة عاما وقدمت له سيناريو مفبرك على أن يعلن عن نفسه من قبيلة كنانة وأنه قام بفعل الحادث نتيجة خلافات أسرية عشائرية ([9]) لكي تبدأ لعبة الصراع العشائري أولا ثم التعتيم على أصل حادث المحرقة ثانيا لمزيد من التفكك الاجتماعي الأحوازي.

 

 المحصلة:  

وفي ضوء المعطيات والشواهد التي بين أدينا يبدو أن المحرقة البشعة ومخططها الإجرامي والعمل المدروس لها من تحضيرات ومعدات تفوق مستوى الانجاز بواسط شخص واحد كحامد الكناني الذي استغلته الأجهزة الأمنية (استخبارات الحرس) نّفذت باحتراف وهذا أولا، ويثبت إنجازها بواسطة فريق عمل وبما أن وقوعها فجرا المعروفة لدينا بسويعات الصفر لشنّ المداهمات من قبل الأجهزة الأمنية ضد النشطاء يظهر أنها لم تكن عمل مواطن اعتيادي وهذا ثانيا، ثم إعادة السيناريو الم كشوف والفاشل بافتعال الأجهزة الأمنية سببا موهوما وهو الخلافات الانتقامية العشائرية العشائرية.

فكل هذه المعطيات والشواهد وإضافة إلى المعرفة بكيفية عمل الأجهزة بسحب التجربة في تصفية نشطاء القضية الأحوازية: فالمحرقة قامت بها الأجهزة و بالتحديد (استخبارات الحرس الثوري الإيراني – ولي العصر) وأخيرا أن التصفية بالمحرقة طريقة مكشوفة، وقد مورست قبلا ً في عبّادَان بصالة عرض الأفلام الشهيرة المعروفة سينما ركس عبّادَان في ١٩٧٩ م والتي راح ضحيتها العرب السكان الأصليون أنذاك.

ثم أن الشواهد الدالة على مطاردة الناجين، ومنهم حمزة عباس شائع الطرفي البالغ من العمر ٢٣ عاما حيث تمت تصفيته وهو على سرير المشفى لكونه مصاب بحروقات خفيفة بنسبة ٣٠ بالمئة تثير الأسئلة تلو الأخرى ومنها:

لمَ قامت الأجهزة الأمنية بتصفية الناجي من المحرقة ولم تجعله يتعافى لكي يجري الإعلام معه مقابلة للكشف عما شاهده من المحرقة؟

كما أن شريط الفيديو يظهر أن المدعو حامد الكناني، وهو يقول: أنا طلبت من القناة لتلتقي بي[10]! ولكي أقول: أنا فعلت المحرقة شخصيا وأن المحرقة خلافات عشائرية وبناء على ما فات فإننا نحمل النظام حكم الديني الداعم لكل أشكال العنف والإرهاب في الأحواز ومنطقة الشرق الأوسط وأوربا والولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية المحرقة لمقهى النوارس.

 

كمال بن سلمان

 

 

المصادر

[1] يستدل الفكر الأصولي والإسلام السياسي مثلا بهذه الآية, وغيرها: )وَنَ زّلْنَا عَلَيْ َك الْكِتاَ َب تِبْيَانًا لِّكُ ِّل شَ ْيء

[2] منصور الريكان شاعر عراقي ، ديوان: النوارس المتعبة، باختزال.

[3] https://nodud.com/incidents/others/1522754375.008708

[4] صحيفة الاتحاد، ٤ نيسان ٢٠١٨

https://www.alittihad.ae/article/25070/2018/20-قتيلاً-بحريق-في-الأحواز-وناشطون-يتهمون-النظام-الإيراني

[5] https://www.alhurra.com/a/ahvaz-fire-iran/429091.html

[6] http://ara.tv/rma5j

[7] ابن خلدون، المقدمة: 1/ 245.

[8] مقدمة ابن خلدون: 236، دار الكتب العلمية, بيروت 2013م

[9] http://www.iribnews.ir/008mLG

[10] انظر فبركة وكالة فارس : نقلا عن اقتصاد نيوز:

https://www.eghtesadnews.com/بخش-ویدئو-86/206506-اعترافات-عامل-آتش-سوزی-مرگبار-قهوه-خانه-اهواز-فیلم

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!