الأربعاء, ديسمبر 25, 2024
دراساتالأحواز والأمن القومي العربي

الأحواز والأمن القومي العربي

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

تمهيد:

لا تزال القضية الأحوازية مفتقدة للدعم العربي، ولا تزال الدول العربية تقدم خطوة وتؤخر الأخرى في دعم هذه القضية ورفع الظلم والقمع الذي يتعرض له الشعب الأحوازي على يد النظام الإيراني. وقضية الأحواز بقدر أهميتها لشعبها، فهي أيضا مهمة للشعوب والدول العربية، فالأحوازيون شعب معتز بعروبته وله تاريخ كبير في حماية ودعم الأمن القومي العربي.

إن ثمة حقيقة مهمة وجديرة بالدراسة والاهتمام وهي أن عوامل القوة الاستراتيجية التي يملكها العرب في صراعهم مع ايران كثيرة جدا ومن ابرزها في الداخل الإيراني العمق الأحوازي العربي، ولكن للأسف الشديد لم يستثمر العرب هذه العوامل ولم يوظفوها برؤية سياسية صحيحة. وافتقرت الدول العربية لرؤية استراتيجية تتيح لهم تحجيم الخطر الإيراني الذي أطل على المنطقة بعد احتلال الفرس للأحواز العربية وهيمن على أجزاء حيوية منها.

ومنذ احتلال الأحواز بات أمن الدول العربية في الخليج مهدد بصورة مستمرة من جهة الشرق، واصبح اقتصاد المنطقة مهدد بشكل مستمر نظرا لوجود إقليم الأحواز في قلب منظومة الأمن القومي العربي، وهذا الأمر يجب أن يكون داعيا لمساندة الشعب العربي الأحوازي في حق تقرير مصيره وحريته من الاحتلال الايراني.

الكلمات المفتاحية : الأحواز، عربستان – الأمن القومي العربي – نفط الأحواز

لمحة تاريخية:

ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد كانت مياه الخليج تغمر الأرض حتى انحصرت المياه وظهر إقليم ( عربستان )  وتلك هي النقطة الأولى التي بدأت عندها الحياة، وبدأت تتوافد على المنطقة بعض قبائل العيلامين وأسسوا بها حضارتهم ثم تتابعت بعد ذلك الممالك على الإقليم – الآشوريين ثم الأخمنيين والسلوقيين حتى غزاها الساسانيون ٢٢١م وفتحها العرب عام 637م بقيادة أبي موسى الأشعري ).  تشكل الأحواز جزء من القسم الشرقي من الوطن العربي ، واقعة بين خطي عرض  ٣٣.٣٠ شمالا وخطي طول ٥١.٤٨ وبهذا يكون امتدادها من الشرق إلى الغرب يساوى امتداده من الشمال إلى الجنوب تقريبا.[1]

يحدها من الشمال سلسلة جبال كردستان ( لرستان ) و بشتكوه، ومن الشرق امتداد جبال البختيارية وهي جزء من جبال زاجروس، والتي تفصل هضبة ايران عن الأحواز لتكون امتدادا طبيعيا لسهل العراق الرسوبي.[2]

تبلغ مساحة الأحواز – المساحة المشار إليها في هذه الدراسة تشمل فقط الجزء الشمالي من الأحواز-٢١٠٠٠٠ كيلومتر مربع، لكن الاحتلال الفارسي اقتطع أجزاء واسعة من هذه المساحة وضمها إلى المحافظات الفارسية فأصبحت اليوم ٦٥٠٠٠ كيلومتر مربع.

تتقارب الأرقام المتعلقة بمساحة الأحواز في غالبية المراجع العربية التي تناولت تاريخ وجغرافية الأحواز بالبحث، فكتاب “الصراع العربي الفارسي” الصادر عن “منشورات العالم العربي”، يبيّن أن مساحة الأحواز ١٨٥ ألف كلم مربع. وقد اقتطعت منها السلطات الإيرانية، بحجّة التنظيم الإداري عام ١٩٢٥، مساحة ٤٠٠٢٥ ألف كيلومتر مربع، ضمتها إلى محافظاتها: فارس في الجنوب، أصفهان في الغرب، لرستان في الشمال، وبذلك تكون مساحتها الآن ١٥٩٠٠٠ ألف كيلومتر مربع، بطول ٤٢٠ كلم وعرض ٣٨٠ كلم. ويؤكد الكاتب “علي نعمة الحلو” مؤلف كتاب “الأحواز-عربستان” أن مساحة الأحواز، تبلغ ١٥٩٦٠٠ ألف كم مربع في الوقت الحاضر (يقصد سنة ١٩٦٩)، حيث أن طولها ٤٢٠ كيلومتر وعرضها ٣٨٠ كيلو متر.[3]

ويبيّن الكاتب “عبد المجيد حقّي إسماعيل”، في كتابه “الوضع القانوني لإقليم عربستان في ظلّ القواعد الدولية”، إن المساحة الحقيقية للأحواز هي ١٨٥٠٠٠ ألف كيلومتر مربع، ولكنها أصبحت الآن ١٥٩٠٠٠ ألف كيلومتر مربع بعد أن اقطعت إيران مساحات واسعة من أراضي الأحواز وضمّتها إلى المحافظات الإيرانية المجاورة للأحواز، وهي فارس وأصفهان وكرمانشاه. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الباحث قد أصدر كتابه سنة ١٩٧٤، أما في الوقت الحاضر فإن مساحة الأحواز اقل بكثير ممّا كانت عليه (راجع: – عبد المجيد اسماعيل حقي : الوضع القانوني لاقليم عربستان في ظل القواعد الدولية، مطبعة المدني القاهرة).

تتضارب الأرقام عند الكتّاب الإيرانيين الفرس حول مساحة الأحواز، ويذكر الكاتب “علي نعمة الحلو” في الصفحة ٢٤ من كتابه “الأحواز (عربستان)” أن السيّد “محمد علي أمام شوشتر” يبيّن في كتابه “تاريخ جغرافيائي خوزستان”، أن مساحة الأحواز تبلغ “35 ألف ميل مربع”. أما السيّد “إيرج أفشار سيستاني” صاحب كتاب “خوزستان وتمدن ديرينه آن”، فيقول: أن خوزستان التي تقع في الجنوب الغربي من إيران، تبلغ مساحتها ٦٦٥٣٢ كيلومتر مربع. وهذا التقلص والانكماش الذي تعاني منه الأحواز يرجع إلى سياسة التفتيت والتقسيم التي تمارسها إيران بغية تفريس الشعب العربي الأحوازي وتطهيره عرقياً.[4]

ظلت الأحواز دولة عربية موحدة في الفترة ما بين ٦٣٧م وحتى الربع الأول من القرن الماضي  إلا في لحظات ضعف عابرة مثل احتلال المغول للإقليم وانتهت هذه الكبوة بقيام الدولة المشعشعية العربية بزعامة ” محمد بن فلاح ” عام ٤٣٦م ، وحافظت على بقائها دولة عربية موحدة نحو ثلاثة قرون بين قوتين عظيمتين هما الدولة العثمانية والدولة الفارسية. وكانت تسمى آنذاك ب” امارة المحمرة “.[5]. أطلق الفرس على هذه الإمارة بعد احتلالها وتمزيقها وضم كثير من مناطقها لولايات ومحافظات مجاورة، اسم “خوزستان” (أي بلاد الجنوب أو بلاد القلاع بالفارسية )، وتوقفت المؤسسات الرسمية الفارسية عن استعمال تعبير عربستان الذي كان شائع استعماله إلى جانب اسم “الأحواز” العربي لأكثر من خمسة قرون.[6]

خريطة الأحواز التاريخية

وفي عام ١٩٠٧م وقعت معاهدة بين المملكة البريطانية وروسيا الاتحادية لتقاسم النفوذ على إيران ، ولم تشمل هذه المعاهدة منطقة عربستان ( الأحواز ) باعتبارها امارة عربية مستقلة ولم تتبع إيران بأي حال من الأحوال.

الأهمية الاقتصادية للإقليم

في عام ١٩٠٨ م كان اكتشاف أول بئر للنفط في مدينة ” مسجد سليمان ” وكان أول آبار النفط في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ ذلك الوقت أصبح مصير الإقليم مرتبط ارتباطا وثيقا بالنفط، وبعد اكتشاف البئر الأول تلته اكتشافات اخرى كثيرة في الإقليم وتأسست للنفط أول وأضخم مصفاة له في الشرق الأوسط في ” عبدان ” ١٩١٣م . وحتى اليوم يمثل نفط الأحواز شريان الحياة الرئيسي والأهم لإيران اذا يصدر الإقليم قرابة ٨٠٪ من نفط ايران وغازها، كما أن الاحتياطات النفطية بالأحواز تشكل ١٠ بالمئة من احتياطات النفط العالمية، و١٨8 بالمئة من احتياطات الغاز عالميا.[7]

جدير بالذكر أن بريطانيا حاولت الانفراد بتلك الثروة الهائلة من خلال سيطرتها على المنطقة بكاملها ، ثم تطور الصراع ودخلت أطراف أخرى لمحاولة حجز حصتها النفطية ، ولم تكن إيران غائبة عن هذا الصراع بل كانت ولا زالت أحد اللاعبين الأساسيين فيه فعرضت خدماتها لمن يريد السيطرة على المنطقة بشرط السماح لها بالمشاركة ونيل حصتها ، وتقاسمت إيران في عهد الشاه ثروات الأحواز النفطية مع الاحتلال البريطاني، كما ساعدت الأمريكان في احتلال العراق عام ٢٠٠٣ م ثم شاركتهم في نهب ثروات العراق.[8]

بعد احتلال إيران آخر إمارة أحوازية في عام ١٩٢٥ والقضاء على السيادة العربية في الساحل الشرقي من الخليج العربي، سيطرت إيران على كافة حقول النفط والغاز في الأحواز، وتكفلت في هذا الأمر الشركة الوطنية لنفط إيران(NIOC). حيث تم تأسيس هذه الشركة في مارس ١٩٥١، وباتت تشرف على كافة الحقول والمنشئات والمصانع وجميع مصادر الإنتاج والتكرير والنقل إلى المصافي المحلية ومحطات تصدير النفط الخام.[9]

تحتوي أرض الأحواز على أكثر من ٨٨٪  من النفط، و ٩٥٪ من الغاز ومشتقاته في جغرافية إيران. وقد قامت شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC)، ببناء وتشغيل مصفاتين في عامي ١٩٦٨ و١٩٧٥ بالقرب من العاصمة طهران، وذلك عن طريق ضخ النفط الخام عبر خطوط الأنابيب من الأحواز إلى هاتين المصفاتين. وعن طريق حقول النفط في الأحواز تم إنشاء مصفاة شيراز في عام ١٩٧٣ بطاقة إنتاجية بلغت ٤٠ ألف برميل يوميا لتوفير المشتقات البترولية إلى الأجزاء الجنوبية والشرقية من إيران.

تشير آخر المعلومات إن إيران تملك حالياً ٩ مصافي للتكرير بطاقة تبلغ حوالي ١.٥ مليون برميل يومياً من النفط، وتعتبر مصفاة عبادان أكبر هذه المصافي، بطاقة إنتاجية تبلغ 420 ألف برميل يوميا أي ثلث المنتجات المكررة في إيران. وتقوم إيران بتوسيع مصفاة عبادان ليتم إضافة ٥٠ ألف برميل في اليوم إلى طاقتها الإنتاجية، وتخطط إيران لإنشاء مصفاة جديدة في جزيرة قسم الأحوازية بطاقة إنتاجية مقدارها ١٢٠ ألف برميل في اليوم. أما صادرات إيران من المشتقات النفطية فيتم تصديرها عبر محطات عبادان وميناء معشور وجزيرة خارک حيث كلها تقع في الأراضي الأحوازية.[10]

بعد ثورة عام ١٩٧٩ م في إيران، تم تحويل جميع الأنشطة النفطية في الأحواز لـ”الشرکة الوطنية لنفط الجنوب” (شرکت ملي نفت خيز جنوب) وهي فرع من الشرکة الوطنية لنفط إيران (شرکت ملی نفت إيران)، ثم في عام ٢٠٠٤ م تأسست شرکة نفطية جديدة في الأحواز باسم” شرکة نفط وغاز اروندان “، ومُنحت حق الاستثمار في الحقول النفطية الجديدة التي تم اكتشافها بعد عام ٢٠٠٤ م.[11].

كذلك تتمتع أرض الإقليم أنها غنية بمعادنها الكثيرة، ومع انه لم يتم إجراء مسح جيولوجي كامل، إلا أنه من المؤكد وجود لخام النحاس والزئبق  في الجهات الشرقية من إقليم الأحواز. إضافة إلى وجود كميات من الحديد والحجر الأحمر والرصاص والمنغنيز والكبريت وحجارة الكلس والسليلات والأسمنت الأسود والأبيض والذهب والملح وغيرها.[12]

وتصب في الإقليم ثمانية أنهار، وهو ما جعل ٦٥ في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في إيران، متركزة في تلك المنطقة. وجعل تواجد هذه الأنهار في “الأحواز” من المنطقة المركز الأهم لإنشاء المفاعلات النووية، في إيران، وأشهرها مفاعل “بوشهر”.

يقع أكثر من نصف الساحل الإيراني على الخليج العربي في محافظة الأحواز، مما يمنحها امتيازات اقتصادية وتجارية وجيوسياسية كبيرة. ودأبت الأنظمة الإيرانية المتعاقبة على جعل الأحوازيين يعانون من التمييز في فرص العمل والرتب الوظيفية، ومنعتهم من العمل في المنشآت النفطية في مناطقهم. وتسعى طهران باستغلال سلاح الضغط الاقتصادي على سكان الإقليم إلى تهجير الأحوازيين من مناطقهم من أجل تغيير ديمغرافيتها، وهو مخطط فضحته وثيقة رسمية تسربت من مكتب الرئاسة في عام ٢٠٠٥، وكشفت عن توطين ممنهج لعرقيات في الأحواز أبرزها الفرس واللور والبختيار. وتعد هذه الممارسات غيض من فيض الاضطهاد الذي يعانيه العرب في إيران، من تهميش وعنصرية ممنهجة.  [13]

موقع الأحواز الجغرافي والأمن القومي العربي

أدت الأحواز دورا مهما في التجارة لما تحتله من موقع استراتيجي على مدخل الخليج العربي، اذ انها تحتل سواحله الشمالية وتسيطر سيطرة كاملة على موانئه ولا سيما في العصر العباسي، لأن  قناة السويس لم تكن قد فتحت بعد ، أما موقع الأحواز العسكري فلا يقل أهمية عن مكانتها الاقتصادية ، فقد وصفه العسكريون بأنه في غاية الأهمية لأنه يقع ضمن الجسر الأرضي الذي يوصل القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا بعضها ببعض.[14].

( خريطة توضح الموقع  الجغرافي والاقتصادي والعسكري المهم لإقليم الأحواز العربي )

بنظرة سريعة على خريطة إيران يمكن ملاحظة سلسلة جبال زاجروس التي تفصل بحدود طبيعية واضحة إيران عن العالم العربي، وبالتالي كان احتلال إيران للأحواز يعني فصلها عن محيطها العربي وهو ما يعني أن ذلك بمثابة تهديد للأمن القومي العربي،  فالأحواز ثغر الأمة العربية وبوابتها الشرقية ، ولا يمكن تحقيق الأمن العربي وبوابتها مخترقة ومحتلة .

الدور التاريخي للأحواز في دعم الأمن القومي العربي:

عبر التاريخ الطويل ظلت ولا تزال جبال زاجروس سدا طبيعيا منيعا ضد أي اختراق يحدث من جهة الشرق وكان التهديد الإيراني حبيسا خلف سلسلة جبال زاجروس .

لعبت هذه الإمارات العربية الأحوازية الواقعة على شرق وشمال الخليج العربي، دور الدولة الرائدة والمهيمنة والكيان السياسي المؤثر في المحيط ودول الجوار. لقد شكلت إمارات الأحواز في حقبة الغزو البرتغالي للمنطقة، القلعة الصامدة ، والقوة العربية المقاتلة في صد الأعداء عن منطقة العراق والخليج العربي .

لأكثر من قرنين من الزمن قادت امارات الأحواز كيانات سياسية ساهمت في حماية عروبة الخليج في المناطق الشمالية كما ساهم وقاد عرب القواسم مشروع حماية عروبة ضفتي الخليج العربي في المناطق الجنوبية. في عام ١٩٢٤ زار “الحاج أمين الحسيني ” مفتي القدس الأحواز والتقى الأمير خزعل، وطلب منه العون والمساعدة، واستجاب خزعل بتقديم المساعدات المالية للشعب . لقد وصف الرحالة اللبناني المعروف “نجيب الريحاني ” أمير اكبر إمارات إقليم الأحواز الأمير خزعل، بعد زيارته للإمارة العربية على الساحل الشمالي للخليج العربي، لقائه الأمير خزعل في مدينة المحمرة في العشرينات من القرن العشرين، “بالعربي الأبي “. لقد جسد هذا الأمير صورة الإباء والسؤدد العربيين وصمد في حربه الضروس ضد الغزاة الفرس الطامعين ولم تنل من عزيمته الصلبة كثرة الأعداء وتعداد جيوشهم، بل خرج في أآثر معاركه العسكرية منتصراً ظافراً على جيوش الفرس المعتدية وطردهم إلى ما خلف جبال زاجروس.[15]

دخلت جيوش الشاه رضا خان بهلوي عام ١٩٢٥ ، وبتواطؤ إنجليزي مكشوف مع الفرس ، مدينة المحمرة، عاصمة هذه إمارة عربستان في شمال الأحواز، وأسرت آخر أمرائها، “الأمير الشيخ خزعل”، وأودعته السجن حتى مات فيه مسموماً عام ١٩٣٦ . هذا الأمير العربي كان مرشحاً لارتقاء عرش العراق والأحواز مع الأمير فيصل ابن الشريف حسين، الذي أصبح ملكاً على العراق بعد أن احتل الفرنسيون سوريا، وأسقطت حكومة فيصل ملك البلاد السورية وتم نفيه من هناك إلى العراق . كان الأمير خزعل بنظر الفرس يمثل عنوانا ورمزا من رموز حركات القومية العربية الناشئة بعد الحرب العالمية الأولى. وأصبحت مدينة المحمرة مقصد أعلام حركات القومية العربية في تلك الحقبة من الزمن.[16]

كان التواطؤ الغربي مع الحاكم الجديد في طهران، رضا خان بهلوي والسماح له باحتلال الساحل الشرقي للخليج وإمارة المحمرة في شمال الخليج يهدف بالدرجة الأولى إلى:[17]

  • عدم إعطاء العرب ميزة السيطرة الكاملة على الخليج العربي من آل أطرافه وسواحله والذي تسكن مدنه وقراه وواحاته وموانئه وجزره الممتدة على سواحل الخليج الشرقية والشمالية والغربية مواطنون عرب من قبائل عربية تربطها ببعضها البعض وشائج القربى الثقافية والعرقية.
  • تعزيز النفوذ البريطاني داخل الدولة الفارسية مقابل النفوذ الروسي المتزايد في المناطق الإيرانية الشمالية بعد انتصار الثورة البلشفية الروسية في عام ١٩١٧ وبناء الاتحاد السوفييتي في بداية أعوام العشرينات من القرن العشرين.
  • غضب البريطانيين من الأمير خزعل من عدم منع القبائل العربية في الأحواز ومنطقة البصرة في جنوب العراق من المشاركة في ثورة العشرين العراقية ضد الوجود الإنجليزي على أرض العراق، هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى نجاحهم في إيصال صنيعتهم، رضا خان، في حكم بلاد فارس وإمكانية استغناء بريطانيا عن الخدمات التي كان يقدمها لهم أمير المحمرة في المنطقة من جهة ثانية.

تشكل الأحواز من الناحية الاستراتيجية مفتاح الضعف والقوة بالنسبة للكيان الإيراني، وهي في نفس الوقت تشكل بالنسبة لدول الخليج العربي والعراق السد المنيع في وجه الأطماع العدوانية الإيرانية في تلك الدول . وفي دعم وتبني قضية العرب الأحوازيين مصلحة قومية عربية مشتركة تساوي في أهميتها القضية الفلسطينية على اكثر من صعيد . فحجم الخطر الإيراني يعادل عشرات الاضعاف مقارنة بحجم الخطر الدولة الإقليمية الأخرى على المنطقة العربية. والتصدي لإيران وإفشال مشاريعها التوسعية يبدأ من خلال العمل على استرداد أرض وشعب الأحواز إلى الوطن الأم وإلى المحيط العربي الطبيعي لذلك الشعب .[18]

إضعاف إيران من خلال إعادة الأحواز إلى المحيط العربي سيكون عاملاً أساسيا في درء الأخطار الإيرانية، ولجم عدوانية حكام طهران، ووقف التدخل الإيراني الفج في شؤون أكثر من قطر عربي، وزعزعة الأمن والاستقرار في الوطن العربي. شكل الوعي القومي العربي المنتشر على نطاق واسع بين صفوف الأحوازيين تحدي كبير للقوى الدينية الحاكمة في طهران، والتي تحكم باسم الدين الإسلامي وباسم المذهب الشيعي المنصوص عليه في دستور حكم الدولة الإيرانية .[19]

مع احتلال ايران للأحواز العربية أصبحت بوابة العرب الشرقية تحت سيطرة إيران، ومن خلالها سيطرت إيران على الجهة الشرقية للخليج العربي بالكامل. ولم يكن لإيران منفذ على الخليج العربي إلا بعد احتلالها الأحواز وأصبحت إيران تطلق على الخليج العربي ” الخليج الفارسي “،  وكانت تلك أولى الضربات التي تلقتها الدول العربية جراء احتلال الأحواز.

واصبحت الأحواز بعد ذلك منطلقا يهدد الدول العربية ومن خلالها نجح الغرب في دخول العراق. ومثلت الأحواز الثغرة التي دخل منها الخطر الإيراني إلى بلدان الخليج العربي .

بعد احتلال الأحواز بات الخليج العربي من جهة الشرق خاضعا للهيمنة الإيرانية وأصبح اقتصاد الدول العربية في الخليج مهددا بشكل مستمر، الأمر الذي حدا بكثير من الخبراء العسكريين للحديث عن ضرورة اخراج ايران من المعادلة السياسية في المنطقة، وأن الطريق الوحيد لذلك هو دعم الثوار في الأحواز العربية كخطوة شديدة الأهمية عن طريق مكافحة الخطر الإيراني في المنطقة واعادة ايران لحدودها التاريخية.

النتائج:

  • لعبت الأحواز عبر تاريخها دورا مهما في الحفاظ على الأمن القومي العربي، وكان لها دورا مهما في مكافحة الاستعمار في المنطقة ودعم الحركات التحررية والقضية الفلسطينية
  • اصبحت الأحواز بعد الاحتلال الإيراني منطلقا يهدد الدول العربية ومن خلالها نجح الغرب في دخول العراق. ومثلت الأحواز الثغرة التي دخل منها الخطر الإيراني إلى بلدان الخليج العربي.
  • لقد تسبب تغافل العرب عن احتلال إيران للأحواز في تبجح إيران وتغولها في المنطقة حتى طالبت بالبحرين بعدما احتلت الجزر الاماراتية وسيطرت على العراق.
  • كان الأحواز هو الجزء المكمل للهلال العربي الخصيب، وبضياعه فتحت ثغرة تسلل منها الإيرانيين إلى باقي البلدان العربية، وهو ما ضرب نظرية الأمن القومي العربي في صميم قوتها.
  • منذ عام ١٩٦٣ وحتى اتفاقية الآن حاول الكثير من رجال السياسة الأحوازيين عبر جبهاتهم وتنظيماتهم العمل على بث الوعي الثوري والتحرري لتحقيق حق تقرير المصير للشعب الأحوازي، ولكنه للأسف يفتقد الدعم العربي المادي والمعنوي لقضيتهم، كما أن الشعب الأحوازي يفتقد لدور الجامعة العربية التي لم تناصره عبر تاريخها. ولهذا بقي الأحوازيون وحدهم أمام الدولة الإيرانية.

د. مسعود إبراهيم حسن

 

المصادر والمراجع:

[1] –  علاء الدين نورس : السياسة الإيرانية في الخليج العربي ، بغداد 1982، ص 23.

[2] –  مصطفى النجار : التاريخ السياسي لامارة عربستان العربية، دار المعارف- 1972.

[3] – قيس بني تميم : الأحواز قطر عربي يمتلك ثروات كبيرة ، شبكة بصيرة.

[4] –  د. عباس عسكرة : القضية الأحوازية – رسالة دكتوراه – دار الحكمة لندن – 2003/2004م- ص 12.

[5] – ابراهيم بديوى : الأحواز- قصة الدولة التي احتلتها ايران ، اضاءات.

[6] –  مصطفى النجار : التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية، دار المعارف- 1972.

[7] –  ايمان متعب يحيى، التنافس الأجنبي على الاحواز- الجامعة المستنصرية.

[8] – ابراهيم بديوي : الأحواز – قصة الدولة العربية التي أحتلتها ايران

[9] –   ابراهيم بديوى : الأحواز- قصة الدولة التى احتلتها ايران ، اضاءات.

[10] – أحمد شعبان : الأحواز : خاصرة الخليج ، شبكة البصرة.

[11] – گزارش رویدادهای شرکت نفت در سال -1388-مركز المزماة للدراسات والبحوث14/11/2013

[12] – د. عباس عسكرة : القضية الأحوازية – رسالة دكتوراة – دار الحكمة لندن – 2003/2004م.

[13] –   د. عباس عسكرة : القضية الأحوازية – رسالة دكتوراة – دار الحكمة لندن – 2003/2004م.

[14] – مصطفى عبد القادر النجار التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية – دار المعارف مصر ص 30

[15] –  د. حالد المسالمة: الأحواز الارض العربية المحتلة، بوخوم – المانيا ، 2003م،ط2.

[16] – – د. حالد المسالمة: الأحواز الارض العربية المحتلة، بوخوم – المانيا ، 2003م،ط2.

[17] – علي نعمة الحلو : الاحواز – عربستان أدوارها التاريخية، ج2، دار البصري – بغداد، ط1.

[18] –  خالد المسالمة، الاحواز الارض العربية المحتلة.

[19] – . أحمد شعبان : الأحواز خاصرة التاريخ – شبكة البصرة -22/6/2015م

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!