الخميس, ديسمبر 19, 2024
مقالاتالأحوازيون يرقدون موتى بلا قبور

الأحوازيون يرقدون موتى بلا قبور

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

وفقًا لتعريف إدارة إساءة استخدام العقاقير وخدمات الصحة النفسية الأمريكية فإن “الصدمة النفسية”: “غالبا ما تكون نتيجة كمية هائلة من الإجهاد تتجاوز قدرة المرء على التأقلم أو دمج العواطف المرتبطة بتلك التجربة”*.

على مر التاريخ كانت منطقة الشرق الأوسط مليئة بالأحداث والبيئات الصادمة، ولايزال العديد من المناطق متورطة في كوارث دامية وفواجع مأساوية حصدت أرواح العديد من الأشخاص الأبرياء. عانى المدنيون العاديون في مناطق الصراعات والحروب، ولا سيما النساء والأطفال، من أحداث مرهقة للغاية تركتهم يشعرون باليأس ويفقدون الأمل، حيث صدمتهم تجاربهم المزعجة عاطفيًا وغالبا جسديًا.

الأحواز، بلد تحتله إيران، يعاني فيه العديد من العائلات من درجة مرتفعة وغير عادية من الصدمة النفسية بسبب الأساليب الإرهابية للنظام الإيراني. تبنّى هذا النظام سياسة غير إنسانية تجاه أي أحوازي يسعى جاهدًا للدفاع عن نفسه ووطنه ويطالب بحقوقه الإنسانية.

تستخدم إيران بشكل منهجي ممارسةً وحشيةً تتضمن أفعالاً منتظمة من التهديد والاعتقال والتعذيب والسجن والإعدام ضد أي رجل أو امرأة أو طفل أحوازي يعبِّر عن آرائه معارضًا النظام أو مطالبًا بالحقوق المدنية.

الصدمة النفسية التي أصابت الشعب الأحوازي نتيجة هذا الاضطهاد الإيراني كان لها تأثير عميق على نفسية وذات المجتمعية. تركت هذه الصدمة الشعب الأحوازي في صراع حول الوجود بينما بات يعاني من الحالات العاطفية والذكريات اليومية المحزنة.

غالبًا ما تستغرق التجارب المؤلمة الكثير من الوقت للشفاء منها، والعديد من التأثيرات لا تختفي بشكل كامل، بالنسبة للعديد من الأحوازيين لا تزال الصدمات التي عانوا منها مغروسة في ذاكرتهم إلى الأبد، وتتردد أصداء الألم الناتج عنها عبر الزمن.

فالنظام الإيراني أعدم عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين عبروا عن آراء معارضة أو أشادوا بشدة بالمشاعر المعادية للنظام أو حتى من نهجوا منهجًا يدافع عن حقوقهم الإنسانية أو الثقافية، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن معدل عمليات الإعدام في إيران سنويًا يفوق ثلاثة إعدامات يوميًا، بما في ذلك إعدام الرجال والنساء والقُصَّر.

بعد عام 1979 عندما استولى حكم الخميني على السلطة، أصبح الشنق الأسلوب الأكثر شيوعًا لمعاقبة معارضي النظام ونشطاء حقوق الإنسان، حدث هذا في جميع أنحاء جغرافية إيران، وتحصل الإعدامات السياسية بشكل خاص وموسع في الأقاليم غير الفارسية، الكثير من منظمات حقوق الإنسان العالمية (بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش) كثيرًا ما تحث النظام الإيراني على وقف عمليات الإعدام، وتطالبه بإلغاء عقوبة الإعدام، إلا أن النظام الفارسي استمرأ هذه السياسة الوحشية المتمثلة في قتل النشطاء.

في عهد الخميني أصبح العقاب بالموت للناشط السياسي هو القاعدة، وعلى إثر ذلك أعدم النظام المئات من الشعوب غير الفارسية في أماكن وأوقات مجهولة ودفنوا بعد ذلك في مقابر مجهولة أيضًا، وغالبًا في مقابر جماعية لا يعرف أحدٌ لها مكانًا.

العقاب بالإعدام، رغم انتشاره والذي يختلف من شعب لآخر في إيران، ليس النوع الوحيد الذي يطبقه النظام، لدرجة أصبح الإعدام ظاهرة، فهناك أيضًا العقاب الجماعي (أي معاقبة عائلة شخص ما مصنف على أنه مجرم حسب زعم النظام) برز بقوة في المحافظات الأحوازية.

يستحضر النظام الإيراني ممارسات غير مكتوبة تعاقب تلقائيًا أفراد عائلات الأشخاص الذين انتهكوا سلطة النظام حسب الدستور الإيراني، لكن واقع الأمر أن هؤلاء ليسوا إلا نشطاء إعلاميين وحقوقيين وسياسيين وثقافيين.

وتفرض السلطات الإيرانية هذا النوع من العقوبة العائلية كتعديل للقوانين المتعلقة بمعارضة النظام. فيفرض عقوبات صارمة على أفراد العائلة التي يثبت مشاركتها في أي أعمال معارضة للنظام، بما في ذلك الاحتجاجات السلمية والدعوة السلمية.

يمكن فرض هذه العقوبة على أي فرد من أفراد عائلة ناشط ما، بما في ذلك الوالدان والأبناء والعمات والأعمام وأبناء وبنات الإخوة والأجداد وآباء الأجداد والأحفاد أو حتى أبناء الأحفاد، فالنظام الإيراني لا يفرق بين رجل وامرأة ولا بين مسنٍ أو طفل، ضاربًا عُرض الحائط بالقانون الدولي الذي يحظر على البلدان صراحة معاقبة الأشخاص بناء على علاقة الدم أو العلاقات الأسرية.

ورغم أن النظام الإيراني أعلن صراحة أنه سوف يلتزم بهذه التوجيهات الدولية، إلا أنه يستمر في تفعيل الانتهاكات ضد أفراد عائلات المعارضين السياسيين.

وتشمل هذه الانتهاكات أيضًا حالات الاختفاء القسري التي يختفي فيها أفراد العائلة ويتظاهر النظام بعدم معرفة مكانهم، في حين يقبع الفرد وحيدًا في السجن.

حاولت بعض منظمات حقوق الإنسان لفت الانتباه إلى انتشار معاقبة العائلات بموجب قانون إيراني ينص على أن أفراد العائلة مذنبون تلقائيًا، من خلال الارتباط بمعارض سياسي، بنفس الانتهاك. وهذا يتعارض مع القانون الدولي الذي يتطلب عدم حرمان أي شخص من الحياة أو الحرية أو الممتلكات دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.

نفذت السلطات الفارسية حكم الإعدام في ناشطين أحوازيين وهم: هادي راشدي وهاشم شعباني، من مدينة الخلفية في الأحواز، في 16 ديسمبر / كانون أول 2014. وقبل تنفيذ الحكم تم نقلهما إلى مكان مجهول لأكثر من 50 يومًا. وتحدث مهندس حبيب راشدي، شقيق هادي الأكبر، مصدومًا عن الاختفاء والإعدام قائلاً: “اتصلت بي إدارة المخابرات الإيرانية وقالت إنها أعدمتهما قبل ثلاثة أو أربعة أيام، وتابعت قائلة: سنخبركم بمكان وجود قبريهما في المستقبل”. لم يزهق النظام الإيراني روحي هذين الرجلين فحسب، بل حرم عائلتيهما من القدرة على إقامة مراسم دفن ذويهما بكرامة. هذا من شأنه أن يترك أثرًا سيئًا في نفوسهم.

سجنت إيران بعض أفراد عائلتي هادي وهاشم، كالعديد من العائلات الأحوازية وتعرضت العوائل أثناء الاحتجاز لضغط كبير وتهديدات شديدة. وقال عبدالكريم دحيمي، المدافع الأحوازي عن حقوق الإنسان: يتبع النظام الإيراني عملية غير قانونية عند التعامل مع هذه العائلات الأحوازية العربية. وتنطوي الانتهاكات على أربع مراحل:

  1. “لا أنباء عن تنفيذ أحكام الإعدام”. فتنفذ عمليات الإعدام سرًا ودون إبلاغ المحامين وعائلات السجناء.
  2. “لم يتم تسليم جثتي هادي وهاشم وسجناء آخرين ممن تم إعدامهم” إلى عائلاتهم.
  3. “لا جنازة ولا إظهار أي شفقة للضحايا”. هدد مسؤولو النظام الإيراني عائلاتهم وحظرهم من إقامة أي مراسم تذكارية أو مراسم جنازة. كما حذروا الناس من التجمع في منازل الذين أعدموا.
  4. “هددت المخابرات عائلات الضحايا بشأن أي اتصال مع وسائل الإعلام أو الرد على منظمات حقوق الإنسان”.

هذه عملية شائعة تمارس بحق عائلات جميع النشطاء السياسيين الأحوازيين الذين أعدمهم النظام الإيراني.

بعد أكثر من ثلاث سنوات على تنفيذ أحكام الإعدام، رفضت أجهزة الأمن والقضاء الإيراني إعطاء أي معلومات حقيقية لعائلتي هادي وهاشم. لكن عائلتي هذين الضحيتين لم تكونا الوحيدتين اللتين تحرمان من المعلومات. ظهرت العشرات من العائلات الأخرى التي تؤكد أن النظام قام بممارسات مماثلة تجاهها. ولا تزال جثث العديد من النشطاء الذين تم إعدامهم مدفونة في أماكن مجهولة، ولم تعرف عائلاتهم شيئًا عن مصيرهم. هذا في الواقع أمر صادم لعائلات الضحايا.

يهدف النظام مما يقوم به ضد النشطاء الأحوازيين كالإعدام السري والدفن الخفي وعدم إبلاغ عائلات الضحايا – هو جعل العائلات تعيش في صدمة عميقة، يحدث هذا الانتهاك لحقوق الإنسان في الأحواز في كثير من الأحيان على الرغم من أنه وفقًا للوائح المتعلقة بتنفيذ أحكام الإعدام تلتزم السلطات القضائية بإصدار إخطار إلى المحامين والعائلة قبل 48 ساعة على الأقل من الإعدام. من المفترض أيضًا أن يكون الشخص المحكوم عليه بالإعدام قادرًا على المطالبة بحقه، كما يكفل القانون له الحق في الاجتماع بعائلته للمرة الأخيرة قبل الإعدام، ومع ذلك لم يتم تنفيذ هذه الأحكام على السجناء الأحوازيين.

في الثالث من نوفمبر/ تشرين ثان 2013، نقل كل من غازي عباسي وعبدالرضا آل خنفر وعبد الأمير مجدمي وجاسم مجدم من مدينة الفلاحية في الأحواز من سجن  كارون إلى مكان مجهول، ثم أعدموا في وقت غير محدد، وثم دفنوا في مكان مجهول. أعدم عبد الرحمن حيدريان وطه حيدريان وعباس حيدريان (ثلاثة أشقاء) وعلي شريفي في مدينة الملاشية في الأحواز في 18 يونيو/ حزيران 2012 بعد نقلهم إلى مكان مجهول، ولم تتلق عائلاتهم حتى الآن أي معلومات حول مكان دفنهم، كما حكم على الاخ الرابع للإخوة حيدريان بالسجن طويل الأمد.

انتقدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة علانية النظام الإيراني بشأن “الغموض الذي يحيط بالتاريخ الدقيق للوفاة ومكان الدفن وكذلك رفض منح الجثث )للعائلات( لدفنها، كمثال على الترهيب الذي يعكس بشكل واضح ممارسة العقاب ضد والدي الضحايا”. وأضافت: إن “العائلات لا تزال في حالة من عدم اليقين والصدمة”. أعلنت اللجنة أن هذا التصرف “غير إنساني ومهين لأفراد العائلة”، وأكدت على أنه ينتهك الفصل السابع من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

على الرغم من نفي السلطات الإيرانية وجود عمليات إعدام سرية ودفن خفي بقصد معاقبة عائلات الضحايا العرب، إلا أن المزيد من الأدلة تثبت عمليات إعدام جماعي سرية في الأحواز وغيرها من الأعمال غير القانونية التي ترتكب ضد الأقليات العرقية من الشعوب غير الفارسية  في إيران وتشير هذه الحقائق إلى خلاف ذلك.

وأخيرًا، رغم أنه تم اتخاذ خطوات كبيرة على الصعيد العالمي في عام 2015، وأوقفت 169 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة المكونة من 193 دولة عمليات الإعدام، إلا أنه من المحتم ألا نتجاهل القسوة المستمرة التي تفرضها إيران على الشعوب غير الفارسية من خلال عقوبة الإعدام والصدمات التي تترك أثرها على ذوي الضحايا، ويجب علينا رفع مستوى الوعي بشأن هذا البلد الذي تتدهور فيه حالة حقوق الإنسان باستمرار ويستمر فيها تطبيق عقوبة الإعدام.

*** أعدم هادي راشدي وهاشم شعباني في عام 2011، بينما  يقبع كل من: محمد علي وسيد مختار وسيد جابر في السجن منذ أكثر من سبع سنوات، لأنهم ينتمون إلى منظمة حقوقية تسمى “مؤسسة الحوار”، بينما حكم على رحمان عساكرة بالسجن لمدة 20 سنة.

 

* “تعريف الصدمة” على https://www.samhsa.gov/، تم حفظها في الأرشيف بتاريخ 5 أغسطس / آب 2014 وفقا ل: https://en.wikipedia.org/wiki/Psychological_trauma#cite_note-1

 

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!