مع إعادة تأسيس سلطة بشار الأسد في سوريا، وتعزيز حزب الله في لبنان، وأخيرًا الانتصار السياسي والعسكري للقوات الموالية لإيران في العراق، يتضح أن المحور الإيراني يسود الآن في بلاد الشام. قوة هذا المحور الجيوسياسي تعززها الاستمرارية الإقليمية بين طهران وبيروت عبر دمشق وبغداد: “الجسر البري الإيراني” أو “الممر الإيراني” الذي تسيطر عليه قوات إيرانية مباشرة ومن خلال وكلاء. منذ انضمام المليشيات الشيعية إلى الحدود السورية العراقية في مايو/ آيار 2017، استمر [1] في التوسع، على الرغم من وجود القوات الأمريكية على كلا الجانبين، في جيب التنف وفي شمال شرقي سوريا. بدا الغرب مرتبكًا حول هذا الواقع حتى ربيع 2017، ومع ذلك، في ذلك الوقت، كان الوقت فات بالفعل لمنع المليشيات الشيعية في شرقي سوريا، وأصبح الجسر البري الإيراني حقيقة.
يعيدنا بناء الجسر البري إلى الماضي، إلى نظريات ﻓﺮﻳﺪرﻳﻚ راﺗﺰل والصراع الفرنسي-البريطاني في أفريقيا الاستعمار: الجسر البري الفرنسي “داكار – جيبوتي” ضد البرنامج الإنجليزي “كيب تاون – القاهرة”، والذي بلغ ذروته في أزمة فاشودة [2] في عام 1898. اليوم، في عالم عولمي، يزعم أن مبدأ الشبكة انتصر ضد الأرض، بما في ذلك في الجغرافيا السياسية. لذلك يجب أن تنهزم الاستراتيجية الإيرانية القائمة على الأرض بقوة الشبكات والتي كان النموذج الأصلي لها هي الاستراتيجية الأمريكية خلال الحرب الباردة، هكذا يشرح العالم الفرنسي بيرتراند بديع[3] الانتصار الأمريكي على الاتحاد السوفياتي، وهو قوة إقليمية بامتياز. هل ستحصل المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران على ذات النتيجة في الشرق الأوسط؟ هل بناء المحور الإيراني محكوم عليه بالفشل بطبيعته؟ قد يعتقد المرء ذلك، ولكن هل سيكون من الضروري الانتظار نصف قرن كما كان الحال مع نهاية الكتلة السوفياتية؟ تبدو إيران اليوم في نفس وضع الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب العالمية الثانية. طهران وحلفاؤها المحليون يدعون بغير حق النصر ضد تنظيم الدولة الإسلامية ويحاولون احتلال الأرض السابقة للتنظيم الإرهابي.
- المحور الإيراني في الشرق الأوسط: بناء جيوسياسي
مع نهاية داعش في سوريا، بدأت القضايا الجيوسياسية الإقليمية في الظهور من جديد. تتولى إيران بناء ممرها الذي يربط بيروت بطهران عبر بغداد ودمشق. المحور الإيراني الذي يطلق عليه أيضًا الهلال الشيعي هو الهدف الرئيسي لإيران في بلاد الشام وربما في الشرق الأوسط على نطاق أوسع. يبدو أن دعم التمرد الحوثي في اليمن أشبه بحرب تضليلية لإجبار السعودية على الخروج من سوريا ولبنان سياسيًا. يعود تاريخ مشروع المحور الإيراني إلى السنوات الأولى للجمهورية الإسلامية. أراد الخميني كسر حصار إيران وتصدير الثورة الإسلامية، وأجبرته حرب صدام حسين مع إيران على التركيز على جبهته الغربية.
تحالف الخميني مع سوريا حافظ الأسد سمح لإيران بتحدي عراق صدام حسين من الخلف. في ذلك الوقت، لا ينبغي أن نعتبر العامل الديني بين العلويين والشيعة الاثنا عشرية قام بدور رئيسي في هذا التحالف الاستراتيجي. في المقابل، في لبنان مكنت الروابط الدينية الخميني من العثور على دعم في المجتمع الشيعي. أنشأت إيران حزب الله في 1982 واستخدمته لفتح جبهة جديدة ضد فرنسا والولايات المتحدة التي دعمت العراق.
المعركة ضد إسرائيل
جسد بناء المحور الإيراني أحد العقائد الأيديولوجية في طهران: المعركة ضد إسرائيل. من المسلم به أن الجمهورية الإسلامية تواجه إدانة من البلدان الغربية وتحرج حليفها الروسي الذي لم يعد يُبقي على نفس السياسة المناهضة لإسرائيل كما كان يفعل خلال زمن الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك فإن النظام الإيراني ليس مستعدًا للتخلي عن هذا الركن من أركان ثورة 1979، ربما هو الوحيد المتبقي. في الواقع، منذ 2005 بدأ يعلو أكثر صوت الخطاب المناهض لإسرائيل في طهران، ولا سيما بصوت الرئيس المحافظ الاسبق أحمدي نجاد. يواجه النظام تحديًا متزايدًا من جيل جديد ولد بعد الثورة والذي يطالب بمزيد من الحرية. ردًا على ذلك، قام نجاد “بتكثيف الكلام” ضد إسرائيل وحشد الإيرانيين الموالين كأدوات لضمان الوحدة الوطنية. هذا المَعلم الأيديولوجي لا يقل أهمية عن تطوير البرنامج النووي الإيراني، وهو موضوع آخر لـ”الفخر” والوحدة الوطنية للنظام. امتداد النفوذ الإيراني إلى الغرب يعني أن خطابه المناهض لإسرائيل يمكن أن يكون أكثر تهديدًا من الخطابات والرسوم الساخرة البسيطة والمعادية للسامية. [4]
خطاب نجاد المناهض لإسرائيل عززه المرشد الأعلى علي خامنئي المؤيد القوي لإثارة الخلاف بين فلسطين وإسرائيل وليس فقط بسبب غترته الفلسطينية. علي خامنئي معجب ومترجم لسيد قطب [5]، مُنظّر الجهادية، الذي تعتبر معاداته للسامية قوية للغاية. [6] أحدث تصريحات علي خامنئي عن إسرائيل لا لبس فيها: “إسرائيل ورم سرطاني بحاجة للاستئصال”.[7] ويبرر تصريحاته بوصف إسرائيل كممثل للاستعمار وعدوة الإسلام. لذلك من واجب الجمهورية الإسلامية أن تقاتل الدولة الإسرائيلية، لكن ما برز طول هذه الفترة لم يخرج عن مجرد تصريحات فارغة.
بفضل جماعات حزب الله في جنوبي لبنان والاستيلاء على جنوبي سوريا في ربيع 2018، يمكن لإيران أن تدعي أنها تحتكر تقريبًا المواجهة مع إسرائيل والدفاع عن القضية الفلسطينية لكن يبدو كانت مهمة هذه الجيوش الإيرانية وخلافها ليس إلا بناء خطوط حدودية أمنة فحسب. أيضًا الأمر الآخر، شعبية القضية الفلسطينية في الشارع السني تتخطى الانقسام السني الشيعي وسمحت لإيران بالخروج من طوقها الشيعي والفارسي للعثور على حلفاء بين السكان العرب السنة. وبالتالي يمكنها استخدام القضية الفلسطينية ومعاداة السامية لإضعاف بلدان العربية، وسيما الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية. لذلك فإن القتال ضد إسرائيل هي مصدر ممتاز للانقسام داخل العالم السني، في حين يمكن لإيران أن تعتمد على وحدة الشيعة، لذلك فإن القتال ضد إسرائيل جزء لا يتجزأ من الصراع الإقليمي بين الشيعة والسنة.
من سقوط صدام حسين إلى إعادة تأسيس نظام الأسد
بعد سقوط صدام حسين والانتصار غير المفاجئ للأحزاب السياسية الشيعية في الانتخابات البرلمانية في 2004، كان العراق جاهزًا ليصبح محمية إيرانية. كان كافيًا لطهران أن تنتظر بصبر لرحيل القوات الأمريكية، الذي عجلت به إيران من خلال دعم التمرد الشيعي لمقتدى الصدر وتنظيم القاعدة. -على غرار لينين الذي عبر ألمانيا من سويسرا في عربة قطار للعودة إلى روسيا في عام 1917-، عبر إرهابي القاعدة أيمن الظواهري إيران من أفغانستان في عام 2004 بإذن من طهران لتنظيم حرب العصابات ضد القوات الأمريكية في العراق. رفع الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 العقبة الأخيرة أمام تشكيل المحور الإيراني في بلاد الشام، لكن التمرد في سوريا ثم تمرد داعش أحبط الخطط الإيرانية.
من عام 2011 إلى عام 2016 أعطت طهران الأولوية لحماية النظام السوري، ولكن بمجرد أن استعادت وتأكدت من النجاح بعد فوزها في حلب في ديسمبر/ كانون أول 2016، عادت إيران إلى هدفها الأساسي: إقامة تواصل إقليمي بين طهران والبحر الأبيض المتوسط. أصبح إنجاز هذه العملية ممكنًا بفضل التحليل الضعيف الذي قام به الغربيون حول نتائج الصراع السوري والمشهد الجيوسياسي الدولي. قلل معظمهم من صمود النظام السوري وإرادة وقدرة روسيا وإيران على دعمه. أظهرت التطورات العسكرية في شرق سوريا في ربيع 2017 أن الولايات المتحدة لم تعتقد بعودة النظام السوري إلى تلك المنطقة. [8]
عمومًا يبدو الغرب غير مؤمن بقدرة إيران الشيعية على فرض نفسها في بلاد الشام، حيث يشكل السنة الأغلبية السكانية، ويبدو أن الأكراد حلفاء موثوقين للولايات المتحدة. ومع ذلك،[9] فإن التفوق السني كان مبالغًا في تقديره في كلا الجهتين المطلقة والنسبية، لأنه في حين أن الشيعة متحدون، فإن لدى السنة القدرة على تقسيم وإضعاف أنفسهم. أما بالنسبة للأكراد، فهم بالكاد يعتقدون أن الولايات المتحدة يمكن أن تضمن حكمهم الذاتي بعد استيلاء تركيا على منطقة عفرين الكردية (شتاء 2018)، دون أي رد فعل أمريكي، والتخلي عن كركوك للجيش العراقي (أكتوبر/ تشرين أول 2017) . الآن يتوقع الأكراد السوريون انسحابًا قريبًا للقوات الأمريكية من منطقتهم. وكذلك الأمر بالنسبة للأكراد العراقيين الذين يعتقدون أن حكمهم الذاتي سينكمش مرة أخرى لأن الولايات المتحدة لم تعد تحميهم من أعدائهم بما في ذلك كل من إيران وحكومة بغداد. [10]
المليشيات الشيعية تشكل آخر قطعة من الجسر البري الإيراني
في مارس/ آذار 2017 انتقلت المليشيات الشيعية العراقية إلى سنجار ووصلت إلى الأراضي السورية تحت سيطرة وحدات حماية الشعب، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. السرعة التي استولت عليها المليشيات الشيعية العراقية على تلعفر، وهي مدينة تركمانية سنية شيعية في غرب الموصل، قبل بضعة أسابيع أشارت إلى أن القضية كانت أكثر من مجرد استعادة الموصل. أدرك المحللون أن إيران لديها الآن طريق محتمل بين البحر المتوسط وطهران، حيث أعاد الجيش السوري فتح الطريق بين منبج وحلب[11] إلى الغرب. وحدات حماية الشعب ليست سوى حليف تكتيكي للولايات المتحدة ضد داعش. وبالتالي يمكن أن تشكل تحالفات مع طهران ودمشق إذا تطلبت الظروف ذلك وتفتح أراضيها رسميا.
في مايو/ آيار 2017 أقامت المليشيات الشيعية نقطة اتصالها على الحدود السورية العراقية بين قاعدة التنف الأمريكية ومدينة البوكمال، ما فتح أول طريق مباشر بين بيروت وطهران. [12] بالإضافة إلى ذلك، قاموا بمنع تقدم المتمردين السوريين إلى الشمال، مبقين على البوكمال. تحرير البوكمال من داعش في أوائل نوفمبر/ تشرين ثان 2017، بفضل الجيش السوري وحزب الله القادم من الغرب والمليشيات الشيعية العراقية القادمة من الشرق، كان له نتائج مهمة بالنسبة لمستقبل بلاد الشام، بقدر ما كانت أهمية هزيمة الفرنسيين في فاشودة في 1898 لأفريقيا الاستعمار، الجسر البري بين العراق وسوريا، وعلى نطاق أوسع إيران والبحر الأبيض المتوسط، مؤسس الآن بشكل راسخ. تحتل المليشيات الشيعية الموالية لإيران الأرض، وتحاول إيران الآن التقرب للسكان العرب السنة المحليين. [13] الهدف التالي هو استعادة السيطرة على كامل الحدود السورية العراقية وطرد الولايات المتحدة وحلفائها.
كانت واشنطن متشككة بشأن إقامة الممر الإيراني لفترة طويلة من الزمن. ربما لم تعتبر الاتصالية الإقليمية التي تسعى إليها إيران مهمة من الناحية الاستراتيجية بما يكفي للتسبب في تهديد إضافي لإسرائيل والمملكة العربية السعودية. في نهاية الأمر لا تحتاج إيران إلى طرق برية لإرسال أسلحة إلى حزب الله: فقد قامت بعمليات النقل حتى الآن جوًا عن طريق دمشق وبواسطة القوارب عبر اللاذقية أو طرطوس. ومع ذلك فإن وجود مسارات أرضية يجعل عمليات النقل أقل قابلية للاكتشاف، حيث يصعب رصد آلاف الكيلومترات من الطرق من رصد ميناء أو مطار. ومع ذلك في حالة حرب مفتوحة مع إسرائيل في سوريا ولبنان أو تمرد جديد في سوريا فإن الطريق البري سيسهل على إيران نشر قوات في المشرق وجلب المعدات العسكرية لحلفائها. تَحرك الجمهورية الإسلامية لن يكون عرضة لاحتمال حصار جوي وبحري. إيران قبل كل شيء قوة برية، وطيرانها وبحريتها غير مهمين. هي تعتمد أكثر على الاتصالية الإقليمية أكثر من شبكة قواعد، بخلاف الولايات المتحدة التي لديها شبكة قوية من القواعد الجوية والبحرية بما يسمح لها بتحرير نفسها من ضرورات السيطرة الإقليمية. هنا مجددًا نجد التناقض الاستراتيجي القديم بين النموذج الإسبارطي (إقليم الأرض) والنموذج الأثيني (شبكة القواعد والتحالفات). وبالمثل، اصطدم الأول الخاص بفرنسا لصالح الأخير الخاص ببريطانيا، ثم الاتحاد السوفياتي لصالح الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.
حماية الجبهة الغربية إلى البحر (للبحر)
إصرار وتماسك إيران وحلفائها اللذين تكافح بهما لبناء محور جيوسياسي نحو البحر المتوسط، بالإضافة إلى دافعها الأيديولوجي المعلن عنه في الإعلام المعادي لإسرائيل، يرتبطان بمفهومها للأخطار التي تهددها. تضررت إيران من الحرب الإيرانية- العراقية (1989-1980) كما تعتبر حدودها الأخرى أقل حساسية. لذلك يجب عليها بناء منطقة نفوذ باتجاه البحر المتوسط لمنع أي خطر مستقبلي. وجود إسرائيل يضيف بعدًا أيديولوجيا لسياسة نفوذها. في أوائل 2011، كانت إيران في طريقها لتحقيق هدفها بفضل الانسحاب المزمع للقوات الأمريكية من العراق. لم يعد هناك أي عائق أمام إنشاء المحور الإيراني والجسر البري إلى بيروت. ومنعت الثورة في سوريا هذا الهدف وتغيرت طبيعة دعم طهران السري لبشار الأسد ضد الثورة عندما رأت دول الخليج وتركيا أنها فرصة لكسر المحور الإيراني. كانت هذه الدول السنية أكثر قلقًا مما كانت عليه الولايات المتحدة بشأن تقدم النفوذ الإيراني في سوريا والعراق.
لذا كان على إيران أن تمنع الثوار من الانتصار بأي ثمن، لأن حزب الله كان سيُعزل، وبإمكان بغداد أيضًا أن تتحول إلى معسكر أعدائها. ولم يرغب القادة الإيرانيون في رؤية إعادة تطويق بلدهم، وهو أمر غير مقبول لأمن إيران بعد ثماني سنوات من الحرب (1980-1988) التي دمرت النظام تقريبًا. على الرغم من الاستثمار الإيراني القوي في بشار الأسد، فإن نظامه كان يعاني في ربيع 2015، فقد فقد النظام السوري السيطرة الكاملة على محافظة إدلب وتدمر. وخاطر بخسارة كلية أو على الأقل تقليص سيطرته ليكون على جنوب غربي سوريا فحسب، وهو ما كان سيقوض الاستراتيجية الإيرانية، ومع ذلك فإن المحور الإيراني لم يكن ليتحقق على الأرجح في نهاية المطاف إذا لم تتلق إيران المساعدة من روسيا.
- المحور الإيراني متوافق مع المصالح الروسية في الشرق الأوسط
منذ بداية الحرب في سوريا كان المحللون يتتبعون الخطب الروسية والإيرانية بحثًا عن علامات على حدوث أي انقطاع في العلاقة. يواصل الغرب المراهنة على هشاشة التحالف بين روسيا وإيران والصراع المحتوم الذي ينبغي أن ينشب بينهما، ومع ذلك فإن التاريخ ليس بداية أبدية، ولا تعني العداوة الطويلة بين إيران وروسيا، بما في ذلك بتر الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر لجزء من بلاد فارس آنذاك، أن البلدين لا يمكنهما التوصل لمصالحة. كانت فرنسا وإنجلترا عدوتين منذ زمن طويل، ولكنهما توصلتا للاتحاد ضد ألمانيا في القرن العشرين، لأن الجغرافيا السياسية تغيرت. تستند العديد من التحليلات حول ما يسمى بالنزاع الروسي – الإيراني الأساسي إلى حتمية تاريخية لم يعد لها أي علاقة.
لم تتدخل روسيا في سوريا لمجرد الحفاظ على القاعدة البحرية لطرطوس، التي كانت مقتصرة على رصيف بسيط في الميناء العسكري السوري منذ 2008. لديها طموحات جيوسياسية أكبر بكثير. بطبيعة الحال يشكل الإرهاب تهديدًا لأمنها بسبب أهمية رعايا روسيا وآسيا الوسطى في صفوف الجهاديين، كانت روسيا قلقة من أن تصبح سوريا قاعدة جهادية، ومع ذلك كل هذا ثانوي مقارنة بتطلعاتها الجيوسياسية.
يريد بوتين أن يجعل روسيا قوة عظمى مرة أخرى، وهو بالتالي يستفيد من الانسحاب النسبي للولايات المتحدة. يمنحه هذا التدخل الفرصة لإضعاف حليفين رئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة هما تركيا والمملكة العربية السعودية، واللتان تهددان أيضًا الأسس الاقتصادية للقوة الروسية المتنامية.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي كان لدى تركيا طموحها في توسيع نفوذها إلى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وهي منطقة ثقافية تركية. وكان الهدف أيضًا هو توجيه الهيدروكربونات في المنطقة إلى تركيا والتي ستصبح مركزًا للطاقة. ومن المرجح أن يتنافس اكتشاف حقول الغاز في مصر وشرق البحر المتوسط مع مبيعات الغاز الروسي في السوق الأوروبية، من خلال تفضيل المحور الإيراني، تستكمل روسيا تطويق تركيا.
خلال الحرب الجورجية في 2008 وضعت روسيا الساحل الجورجي تحت وصايتها، [14] مما أجبر دول آسيا الوسطى وأذربيجان على التفاوض معها في نقل الهيدروكربونات الخاصة بهم.[15] إذا كانت تركيا تريد أن تصبح مركزًا للطاقة فعليها الآن التفاوض مع موسكو مثلما حدث في قمة أردوغان – بوتين في سان بطرسبرغ في 9 أغسطس/ آب 2016. أعلن بوتين مرور خط أنابيب الغاز ساوث ستريم الروسي عبر تركيا في مقابل وقف الدعم التركي للتمرد السوري، بينما حصلت تركيا أيضًا على إذن بالتدخل مباشرة في سوريا ضد مشروع حزب العمال الكردستاني لإنشاء دويلة كردية في شمالي سوريا من عفرين إلى نهر دجلة.
هدف روسيا الآخر هو المملكة العربية السعودية، المنظم العالمي لأسعار النفط، كان الخيار السعودي لزيادة الإنتاج في سياق هبوط الأسعار كارثة بالنسبة لروسيا. يمثل النفط والغاز كل على حدة 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الروسي، ويمثلان ثلثي عائدات النقد الأجنبي ونصف إيرادات الميزانية، ومع ذلك فإن إنتاج النفط الروسي يكلف على الأقل ضعف إنتاج النفط السعودي (9 دولارات للبرميل).[16] ستضطر المملكة العربية السعودية إلى خفض إنتاجها النفطي لكي ترتفع الأسعار. لا يمكنهم الوصول إلى ذروات أسعار عام 2014، حيث زاد سعر البرميل على 140 دولارًا لأن السوق العالمية مشبعة. بالإضافة إلى ذلك حقق استخراج النفط غير التقليدي في أمريكا الشمالية مكاسب إنتاجية هائلة في السنوات الأخيرة، مما يحد من ارتفاع أسعار النفط، ومع ذلك فإن سعر برميل النفط فوق 60 دولارًا يكفي للاقتصاد الروسي وتجديد احتياطيات العملة الأجنبية للدولة، ولإقناع السعودية بتخفيض إنتاج النفط لا شك أن روسيا وإيران هددتا المملكة بزعزعة الاستقرار.
من المرجح أن ينجح مشروع الجسر البري الإيراني لأنه يتقارب مع الاستراتيجية الروسية، ومنذ صيف 2016 استفاد من الحياد الخيِّر لتركيا. بالنسبة للأخيرة تبدو إيران كضامن أفضل ضد الأكراد من الولايات المتحدة التي اعتمدت عليهم في قتالها ضد داعش متجاهلة العواقب التي يمكن أن تترتب على ذلك على أمن تركيا. لدى طهران وأنقرة مصلحة مشتركة في الحد من التمدد الإقليمي الكردي والرغبة في الاستقلال في سوريا والعراق من أجل تجنب العدوى في بلديهما. لا تزال السعودية وإسرائيل تعارضان بشدة هذا المحور الإيراني. إنهما تراهنان على مقاومة السكان السنة خاصة في سوريا حيث هم الأغلبية، ويفترض أنهم مترددون في العيش في دولة تابعة لإيران الشيعية. من ناحية قدرة السوريين السنة على الإطاحة بنظام بشار الأسد. ومن ناحية أخرى ستحرص إيران وحلفاؤها الآن على عدم منحهم فرصة ثانية، يمكنهم في هذا الاعتماد على المليشيات الشيعية التي أثبتت فعاليتها مؤخرا في العراق وسوريا.
- المليشيات الشيعية هي أداة طهران المميزة
المليشيات الشيعية هي المفتاح لتوسع إيران في الشرق الأوسط. بدأت المليشيات في لبنان بإنشاء حزب الله في 1982 وفي العراق أثناء الاحتلال الأمريكي وخاصة بعد هجوم داعش في عام 2014. وتضاعفت المليشيات الشيعية في سوريا خلال الحرب الأهلية، لكنها في الأساس المليشيات الشيعية الأجنبية التي تتدخل في الأرض السورية بسبب ضعف السكان الشيعة في سوريا. ميزة المليشيات على الجيوش النظامية هي أنها يمكن أن تتدخل خارج بلدها الأصلي دون إعلان عسكري رسمي. أكدت هذا البعد العابر للحدود الحرب الأهلية السورية والصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ومع ذلك لا تملك المليشيات طيرانًا ولا أسطولا بحريًا، مما يجعل التواصل الجغرافي أكثر أهمية.
إيران تستخدم حزب الله اللبناني كمثال يحتذى
تأسس حزب الله في لبنان عام 1982 بمساعدة إيران، وهو الآن القوة العسكرية والسياسية الأولى في البلاد، كان القصد منه الكفاح ضد إسرائيل، لكن تغيرت الاستراتيجية وأصبح الحزب أداة لاحتلال لبنان، كان ينبغي على حزب الله أن يلقي سلاحه، بمجرد أن أخلى الجيش الإسرائيلي جنوبي لبنان، لكنه رفض، واستمر بتهديد المواطنين وقتل السياسيين.
حرب صيف عام 2006 أعطت حزب الله المبرر المثالي للإبقاء على أسلحته، فأصبح دولة حقيقية داخل الدولة، مع شرطة خاصة به وأيضًا مؤسسات تعليمية وصحية وخيرية، لا يمكن للشرطة والجيش اللبنانيين التدخل في الأراضي الشيعية الخاضعة لسيطرته، في المناطق غير الشيعية يعتمد على الحلفاء كالحزب السوري القومي الاجتماعي في شمالي لبنان وبيروت.
خلال الحرب الأهلية الصغيرة في مايو/ آيار 2008، استولى حزب الله على بيروت الغربية في أقل من 24 ساعة على حساب مليشيات وليد جنبلاط الدرزية ومليشيات الزعيم السني سعد الحريري. بعد ذلك، عهد حزب الله بالسيطرة على الأحياء المحتلة إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، لأن هذا الحزب العلماني، المكون من مجتمعات مختلفة، مقبول بشكل أفضل في بيروت الغربية متعددة الطوائف من المليشيات الشيعية من الضواحي الجنوبية.
في الأراضي السنية نجح حزب الله في إنشاء مليشيات تقوم على شخصيات يدفعها الجوع للسلطة والمال أكثر من تحرير فلسطين، على سبيل المثال في منطقة طارق الجديدة السنية المحافظة، دعم حزب الله من عام 2008 إلى عام 2012 حزب التيار العربي بزعامة شاكر البرجاوي، بيد أنه طرد من الحي على يد مسلحين من حزب تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري. ليس من الصعب تجنيد رجال مليشيات سنية على استعداد لمحاربة إخوتهم في الدين بسبب البطالة الهائلة التي تضرب الطبقات الشعبية اللبنانية. الحرب ضد إسرائيل بمثابة ستار دخان أيديولوجي لمزيد من الدوافع المادية.
تدخل حزب الله في سوريا في 2012. أراد في البداية حماية القرى الشيعية حول حمص، [17] قبل الالتزام بالنظام السوري على جميع الجبهات. استمر حزب الله في القيام بدور نشط في جميع المعارك الرئيسية. استولى في مايو/ آيار 2013 على مدينة القصير، وشارك بقوة في المعارك في حمص وحلب ودير الزور. الوظيفة الأخرى لحزب الله كانت تدريب “الدفاع الوطني”، وهي المليشيات المحلية التي تسيطر على المنطقة من أجل تفريغ الجيش النظامي للعمليات هجومية، ومع ذلك تولت هذه المليشيات الهجوم بسرعة لعدم وجود قوات نظامية ولمعرفتهم الأفضل بالأرض. كان لحزب الله في ذروته الآلاف من الجنود في سوريا، تم تعويض الخسائر من خلال إحلال دائم لمقاتليه، ويمكنه الاعتماد على احتياطيه السكاني في جنوب لبنان وضواحي بيروت، بيد أن الإمداد ليس غير محدود، يقدر عدد السكان الشيعة في لبنان بـ1.5 مليون نسمة، وخصوبتهم قريبة من المعدل اللبناني، وهو طفلان لكل امرأة، ويبدأ هذا في خلق نقص في التجنيد.[18]
المليشيات العراقية لديها قوة الديموغرافية
ظهرت أول ميليشيات شيعية في إيران مع مليشيا بدر في ثمانينيات القرن العشرين، حيث قاتلت مع الجيش الإيراني ضد قوات صدام حسين. تضاعفت المليشيات في عام 2003 بمساعدة إيران للقتال ضد الوجود الأمريكي. تحولت معظم المليشيات في 2008 إلى أحزاب سياسية، مثل مليشيا المهدي التابعة لمقتدى الصدر، وأصبحت مندمجة في اللعبة السياسية. قرر جزء من ميليشيا المهدي الإبقاء على أسلحته ونتج عنه كتائب حزب الله التي قامت بدور قيادي في سوريا. أعيد تشكيل المليشيات الشيعية العراقية أولاً لصالح الحرب في سوريا، وانخرطت المليشيات بعد ذلك مع حزب الله والجيش السوري في مختلف العمليات، وخاصة في حصار حلب.
وصول داعش في العراق وسقوط الموصل وتقدمه السريع إلى بوابات بغداد أعطى دفعة جديدة للمليشيات الشيعية. في يوليو/ تموز 2014 أطلق السيستاني دعوة للتعبئة العامة، استجاب عشرات الآلاف من المتطوعين لدعوته، بينما كان الجيش العراقي يكافح للعثور على مجندين، عدد المليشيات في عام واحد تجاوز 100 ألف رجل. [19] سكان العراق الشيعة أكبر عددًا بعشر مرات من نظرائهم في لبنان. الشباب الشيعة يفضلون المليشيات على الجيش العراقي لأنهم يحصلون على رواتب أفضل، ويمكن لأي شخص اختيار مليشيا تناسبه بشكل أفضل. توفر قوة القدس الإيرانية بقيادة قاسم سليماني مستشارين عسكريين ومعدات، وهي في قلب نظام المليشيا الإيراني، في حين لا تعترف المليشيات الموالية لمقتدى الصدر والسيستاني بوصاية قوة القدس وتقنع بالقتال في العراق، لدى المليشيات الأخرى بعد عابر للدول وتطيع التوجيهات الإيرانية. وبالتالي تختلف استراتيجيتهم عن السيطرة البسيطة على الأراضي العراقية، حيث يشاركون في بناء المحور الإيراني. تقدم معركة الموصل مثالاً ممتازًا.
كان الجيش العراقي يميل إلى ترك الباب لخروج داعش غرب الموصل، وكان يمكن للجهاديين أن يفروا من المدينة، وبهذا سيتجنب الدمار ويفضل الاستيلاء السريع على الموصل، ومع ذلك تجاوزت المليشيات الشيعية الموصل من الغرب وألغت أي إمكانية للتراجع. سيطرت المليشيات الشيعية في مارس/ آذار 2017 على مطار تلعفر، وهي مدينة تركمانية غرب الموصل، وانضمت إلى حزب العمال الكردستاني في سنجار على حساب مليشيا الحزب الديمقراطي الكردستاني الموالية للولايات المتحدة.
اتخذت إيران خيارًا على الحدود السورية العراقية على حساب الجيش الاتحادي العراقي، الذي كان أقل مرونة من المليشيات، لا شك أن طهران كانت تخشى أن يتراجع آلاف الجهاديين إلى سوريا، في محافظة دير الزور، حيث كانت الرقة محاصرة بالفعل. مثل هذا التطور كان من شأنه تعقيد مهمة الجيش السوري في وادي الفرات المنخفض، لأن دير الزور كانت مهددة بالوقوع تمامًا في يد تنظيم الدولة الإسلامية في تلك المرحلة.[20] سمحت مناورة المليشيات الشيعية في شمالي العراق للجيش السوري والمليشيات الشيعية في سوريا بأخذ البوكمال وقوات سوريا الديمقراطية من الجانب الشمالي لنهر الفرات، كان هذا دليلا آخر على أن المليشيات الشيعية العراقية تخدم استراتيجية طهران الإقليمية.
المليشيات السورية ليست أدوات إيرانية
في سوريا تفتقر إيران إلى خزان هام من الشيعة الاثنا عشرية، على النقيض من لبنان أو العراق. يقدر عدد السكان الشيعة الإثنا عشرية في عام 2015 بنسبة 1٪ من السكان، أما بالنسبة للعلويين (13٪)، والدروز (5٪)، والإسماعيليين (1٪) وهم من الشيعة البدعيين، [21]، فهم أبعد ما يكون عن التمسك بأيديولوجية حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية. مقاتلو حزب الله لديهم هالة بين الشباب العلوي بسبب صفاتهم الحربية، لكن ذلك لا يهم كثيرًا.
تضم منظومة “الدفاع الوطني”، وهي المظلة التي تغطي جميع المليشيات السورية الموالية للحكومة، أكثر من 100 ألف عضو. تقوم بالتجنيد في جميع المجتمعات، لكن الأقليات بالطبع تحظى بتمثيل زائد. واحدة من أشهر المليشيات هي صقور الصحراء التي يمولها رجل الأعمال أيمن جابر تتألف بشكل رئيسي من العلويين من المنطقة الساحلية، حتى لو كان مجال عملها المفضل هو الصحراء السورية، حيث استولت على مصادر الهيدروكربونات من داعش. ومع ذلك فإن ولاءه لبشار الأسد له قيمة حقيقية: فهو يحصل على نسبة مئوية من استغلال حقول الهيدروكربونات فيها. من ناحية أخرى، فإن مليشيا القاطرجي في حلب سنية بالأساس. اشتهرت في فبراير/ شباط 2018 بالمشاركة في معركة عفرين إلى جانب وحدات حماية الشعب، القاطرجي ليس مسلحًا يسعى للاستقلال الكردي، بل هو مجرد شريك تجاري لوحدات حماية الشعب، تشكلت العديد من المليشيات في محافظة السويداء الدرزية منذ عام 2012 للدفاع عن أراضي الدروز ضد المتمردين. رفض الدروز الشباب الاندماج في الجيش السوري، لكنهم وافقوا على الانضمام إلى مليشيا محلية. سمح هذا الحل لنظام بشار الأسد بالتعبئة من طوائف أخرى بجانب الطائفة العلوية. علاوة على ذلك فإن الراتب في المليشيات أكبر منه في الجيش والنظام أقل صرامة، ومع ذلك فإن فرص أن يتم قتل المرء متساوية.
مع نهاية الصراع القادم، يُطرح السؤال: ما الذي سيحدث لهذه المليشيات؟ تخلت الحكومة في العراق عن أي خطط لحلها، وتشكل الآن كيانًا موازيًا للجيش الوطني، لكن بعض المقاتلين اختاروا الانضمام إلى الجيش الوطني العراقي. تصر روسيا في سوريا على دمج المليشيات في الجيش السوري. على سبيل المثال، أصبحت صقور الصحراء جزءًا من الفيلق الخامس منذ يناير/ كانون ثان 2017. وهدفها تحسين التنسيق بين الوحدات المختلفة لتجنب الهزيمة، كما حدث في تدمر في ديسمبر/ كانون أول 2016 عندما استولى تنظيم الدولة الإسلامية على تدمر بسبب ضعف تنسيق القوات الموالية والتي كانت متفوقة عدديًا بشكل كبير. لكن روسيا، التي بدأت دمج المليشيات في الجيش، تواجه معارضة إيران التي ترغب في الاحتفاظ بسلطتها على هذه القوة المسلحة شبه العسكرية، وباستثناء المليشيات الشيعية البحتة،[22] فإن أفراد الدفاع الوطني ليسوا متصلين دينيًا وأيديولوجيًا بالجمهورية الإسلامية. إذا لم يعد الراتب والترقية يعتمدان على القرب من حزب الله اللبناني أو الحرس الثوري، فلن تكون لدى طهران السلطة على أعضاء المليشيا السابقين. سيكونون أكثر ميلاً إلى اتباع روسيا التي تقدم بالفعل معظم المعدات العسكرية والتي هم أقرب إليها ثقافيًا.
قوة المليشيا هي قوة سياسية وعسكرية لا غنى عنها لطهران. إنها تسمح لطهران باحتلال الأراضي والتأثير على الحكومات المحلية. لذا فإن لإيران مصلحة قوية في وجود مليشيات قائمة على نموذج حزب الله. من المسلم به أن الاندماج في الجيش النظامي يمكن أن يكون فرصة لإنشاء جماعة ضغط من العسكريين الموالين لإيران، ومع ذلك فإن لم تكن الدولة خاضعة بالكامل لطهران فإنهم سيعودون في نهاية المطاف إلى الصفوف ويتحررون من الوصاية الإيرانية، خاصة أن معظم الإمدادات العسكرية تأتي من روسيا. ورغم أن روسيا حليف لإيران، إلا أنها تعتزم الاستفادة من تفوقها العسكري والدبلوماسي في الأزمة السورية للتوسع على حساب طهران. يسمح التدخل الروسي في سوريا بتشييد المحور الإيراني، ولكن في الوقت نفسه يقلل من أهمية إيران الاستراتيجية.
إيران تتقدم بخطوة في لعبة الشطرنج الشامية
وفقًا لخطاب ألقاه وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الحين ريكس تيلرسون في ستانفورد في 18 يناير/ كانون ثان 2018، [23] يبدو أن واشنطن تأخذ مشروع الجسر البري الإيراني على محمل الجد. وافق الرئيس ترامب على بذل جهد عسكري غير محدد ودفعة دبلوماسية جديدة في سوريا في سبتمبر/ أيلول 2018.[24] والآن بعد هزيمة داعش، يصبح الحد من النفوذ الإيراني أولوية للولايات المتحدة، ومع ذلك فهل لدى الولايات المتحدة، وعلى نطاق أوسع الغرب، فهم واضح للعبة الشطرنج في بلاد الشام؟ في لعبة الشطرنج، يخسر اللعبة اللاعب الذي يقنع بالرد على هجوم الخصم. لعبة الشطرنج التي تُلعب في بلاد الشام أكثر تعقيدًا بالنسبة للغرب، لأنها تُلعب على لوحة شطرنج لها ديناميكية تسمى “الطائفية”.
هذا الجهل الغربي أو سوء الفهم لهذه التفاصيل “القواعد” سمح للإيرانيين بالهيمنة على العراق بعد سقوط صدام حسين، ولحزب الله بفرض نفسه في لبنان، ولبشار الأسد بالبقاء في السلطة في سوريا. من خلال تصور رؤية غربية حول مجتمعات المشرق العربي وإهمال الطائفية والعلاقات القبلية لصالح مجتمع مدني متصنع، [25] يمكن للغرب أن يخسر اللعبة فحسب ضد الإيرانيين الذين يتقنون الهندسة المعمارية الاجتماعية والسياسية.
تحرك طهران قطعها على رقعة الشطرنج دون أن ينتهي بها المطاف على الأرض، ويمكنها بدلاً من ذلك أن تضع الألغام في مربعات خصمها.
لم يكن الانتصار على الاتحاد السوفياتي بسبب الاختلاف في استراتيجية الشبكة مقابل الأرض فقط، فقد كان النظام الاقتصادي والسياسي للاتحاد السوفياتي هو نقطة الضعف الرئيسية في البلاد، ولم يكن لدى الاتحاد السوفياتي الوسائل اللازمة للحفاظ على سياسته الجيوسياسية على المدى الطويل، بدون إهانة لنيكيتا خروتشوف الذي تم إقناعه بالفوز النهائي بالنموذج السوفياتي، كما قال خلال رحلته الشهيرة إلى الولايات المتحدة في عام 1959.
من الواضح أن الاقتصاد الإيراني لن يكون قادرًا على التنافس مع اقتصاد الولايات المتحدة في النهاية، لذلك سوف تجد الطموحات الجيوسياسية الإيرانية حدودها في نهاية المطاف، وفي المدى المتوسط وربما في السنوات العشر القادمة، يمكن لإيران أن تنجح في السيطرة على بلاد الشام، تمامًا كما فعل الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية. في إعادة التنظيم الجيوسياسي الحالي في أوراسيا يمكن لهذا المحور الإيراني أن يجد مكانه في المشروع الصيني “طريق الحرير” و”الطوق الصحي” الروسي الجديد في مقابل النفوذ الغربي، وبالتالي يمكن لإيران الحصول على دعم خارجي قادر على الحفاظ على وجودها في بلاد الشام، لأن استراتيجيتها الإقليمية تتوافق مع الاستراتيجيات الإقليمية الروسية والصينية كذلك. عودة مبدأ الأرض في الجغرافيا السياسية هو حقيقة على المستوى العالمي وليس في بلاد الشام فحسب.
ملاحظات:
- المحور الإيراني هو بناء جيوسياسي يتضمن لبنان وسوريا والعراق وإيران. الممر الإيراني هو جسر بري يسيطر عليه مباشرة الجنود والوكلاء الإيرانيون.
- في عام 1898 تنافس الجيش الفرنسي والبريطاني في فاشودة من أجل السيطرة على منطقة أعالي النيل. كانت فرنسا وبريطانيا قريبتين من الحرب بسبب هذا النزاع الاستعماري.
- برتراند بديع، La fin des territoire، (باريس: دار نشر فايار، 1995).
- في عام 2006 نظمت إيران مسابقة كاريكاتير دولية في طهران حول المحرقة. في عام 2016 تم تنظيم طبعة ثانية.
- “المستقبل في إقليم الإسلام” (آینده در قلمرو اسلام)، “سلام الإمام الحسن”، و”نقد للحضارة الغربية”.
- هو مؤلف كتاب صغير بعنوان “كفاحنا ضد اليهود”، مقتبس في كتاب رونالد ل. نتلر، “المحاكمة السابقة والمحن الحالية: وجهة نظر الأصولية الإسلامية لليهود” (أكسفورد ونيويورك، مطبعة بيرغامون، 1987)، ص 30-67
- تمار بيلغي، “خامنئي: إسرائيل “ورم سرطاني” “يجب استئصاله”، تايمز أوف إسرائيل، 4 يونيو/ حزيران 2018
- فابريس بالونش، “الأسد بحاجة أيضاً إلى ‘سوريا غير المفيدة'”، معهد واشنطن، 4 يناير/ كانون ثان 2017
9- فابريس بالونش، “من الممر الإيراني إلى الهلال الشيعي”، مجموعة العمل المعنية بالإسلام والنظام الدولي، مؤسسة هوفر، 17 أغسطس/آب 2018
- مقابلة في أربيل مع مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني، يناير/ كانون ثان 2018.
- فابريس بالونش، “روج آفا تسعى إلى الانفتاح على سوريا”، معهد واشنطن، 12 أبريل/ نيسان 2017.
- فابريس بالونش، “فرصة للنظام السوري في دير الزور”، معهد واشنطن، 12 يوليو/تموز 2017.
- مشروع رسم خرائط المليشيات المؤيدة لإيران التابع لشركة “الشعب يريد التغيير”، “الشعب يريد التغيير”، 24 أغسطس/آب 2018.
- بالإضافة إلى أوسيتيا الجنوبية، تدعم روسيا استقلال أبخازيا وأدجاريا على البحر المتوسط. يمكن للقوات الروسية التدخل متى رغبت في أبخازيا لمنع وصول جورجيا إلى البحر وإغلاق منشأة سوبسا النفطية.
- ليانا جرفاليدزه، “La Géorgie et le transit énergétique après le conflit armé avec la Russie en août 2008,” Outre-Terre27,، رقم 1 (2011): 303-12.
- موقع ريستاد إنرجي، https://www.rystadenergy.com/products/EnP-Solutions/ucube/
- كلستا مارتن، ““Le Hezbollah en Syrie: la Résistance redéfinie?,” Maghreb-Machrek218, no. 4 (2013): 85–98. (2013): 85-98.
- كورباج، يوسف و تود، إيمانويل، Le Rendez-vous des Civilizations، (باريس، منشورات سويل، 2008).
19- هبة الله طه وكليمنت تيرمه: “Les groupes chiites en Irak: enjeux nationaux et dimensions transnationales,” Politique étrangère,، فصل الشتاء، رقم. 4 (2017): 29-40.
- بالونش، “فرصة للنظام السوري”.
- فابريس بالونش، “الطائفية في الحرب الأهلية السورية: دراسة جيوسياسية”، معهد واشنطن، فبراير/شباط 2018.
- فيليب سميث، “كيف تنشئ إيران «حزب الله» ثاني في سوريا؟”، معهد واشنطن، 8 مارس/آذار 2016.
- اليكس شاشكيفيتش، “الولايات المتحدة تريد السلام والاستقرار في سوريا ، وزير الدولة ريكس تيلرسون يقول في خطاب سياسة في ستانفورد”، ستانفورد نيوز، 18 يناير/كانون ثان 2018.
- كارين دي يونغ، “ترامب يوافق على جهد عسكري لأجل غير مسمى ودفع دبلوماسي جديد في سوريا، يقول مسؤولون أمريكيون”، واشنطن بوست، 6 سبتمبر/أيلول 2018.
- آمي تشوا، “القبائل السياسية: الغريزة الجمعية ومصير الأمم” (نيويورك: مطبعة بنغوين، 2018).