الخميس, ديسمبر 19, 2024
دراساتمنظمة هيومن رايتش ووتش والقضية الأحوازية: بين التزامات المنظمة وواجبات النشاطيين الأحوازيين

منظمة هيومن رايتش ووتش والقضية الأحوازية: بين التزامات المنظمة وواجبات النشاطيين الأحوازيين

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

تعد منظمة ” مراقبة حقوق الإنسان” Human Rights Watch، أحد أهم المنظمات الدولية غير الحكومية، التي  تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها، ويتواجد مقرها في مدينة نيويورك الأمريكية. وكان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تأسيسها عام 1978 ، هو التحقق من أن الاتحاد السوفياتي يحترم اتفاقات هلسنكي1، وكانت منظمات أخرى قد أنشئت لمراقبة حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، ثم تم دمج هذه المنظمات باسم Human Rights Watch (هيومن راتس ووتش )، الأمر الذي جعل من أهم مهامها تغطية انتهاكات حقوق الإنسان في جميع بقاع المعمورة.

حملت المنظمة في البداية اسم “هلسنكي ووتش ” وذلك من أجل مراقبة تصرفات الحكومات وتتبعها من خلال وسائل الإعلام كما سعت -خلال تلك الفترة- إلى التأثير على صناع القرار في مجموعة من الدول لضمان حقوق الإنسان. وينضوي تحت عضوية هيومن رايتس ووتش كمنظمة دولية، أكثر من 180 شخصاً من المهنيين الذين يُكرسون جهدهم للعمل على مراقبة حقوق الإنسان في شتى بقاع العالم؛ وفيهم المحامون والصحفيون وأساتذة الجامعات والخبراء المختصون في شؤون بلدان العالم، وهم من مختلف الجنسيات ويقيمون علاقات مع جماعات حقوق الإنسان في العالم.

ويجري كثير من الخلط بين مهام منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، فمنظمة العفو الدولية هي منظمة على شكل حركة عالمية تضم أكثر من 7 ملايين شخص، في ما يزيد عن 150 بلداً وإقليماً، يناضلون من أجل وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان، وبالتالي فهي عبارة عن ” كتلة عضوية” تقوم على حشد الرأي العام العالمي من قبل أعضاء المنظمة المركزية وأعضائها المنتشرون في كل أنحاء العالم، الذين يرصدون الانتهاكات ويتواصلون مع المنظمة عن طريق بريدهم الالكتروني، كما تقوم على الدعاية من أجل التنبيه بمخاطر انتهاك حق من حقوق الإنسان ضمن موضوع بعينه، غالباً ما يتعلق بقضية واحدة تخص شخص واحد، وتعمل بالضغط على حكومة الدولة التي يتواجد فيها من اُنتهكت حقوقه. بينما تُركز هيومن رايتس ووتش في عملها على الضغط على حكومة الدولة باستنهاض القوى الدولية المؤثرة، عن طريق كتابة بحوث و تقارير طويلة، لكن وفي المقابل تعمل منظمة العفو الدولية على كتابة تقارير مفصلة متوسطة الحجم، كما تقوم بتنظيم حملات لإطلاق سراح الأفراد باعتبارهم “سجناء ضمير” وتضغط على الحكومات من أجل الإفراج عنهم. وبالتالي فإن  هيومن رايتس ووتش تقوم بالضغط علناً على الحكومات القوية من أجل فرض واتخاذ إجراءات محددة على غيرها من الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان؛ بما في ذلك تلك التي تعتقل الأفراد، فهي تحاول فرض عقوبات على بلدان معينة، كما تدعو إلى فرض عقوبات ضد كبار القادة الذين اضطلعوا بحملات القتل الجماعي كما حصل في دارفور.

وعلى هذا الأساس، توثق كلا المنظمتان انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش تنشر تحليلات مطولة ومفسرة، وتحاول فيها التطرق للخلفية التاريخية للصراعات المعنية، ثم يقوم أعضائها فيما بعد بنشر تلك المقالات في مجلات أكاديمية. أما  منظمة العفو الدولية فهي تقوم بكتابة تقارير، لكنها تميل إلى أن تحتوي على تحليل أقل، وبدلا من ذلك تركز على انتهاكات حقوق الإنسان بشكل فردي، دون أن تركز على خلفية الصراعات وتاريخيتها، وبالتالي فإن منظمة هيومن رايتش ووتش يمكنها أن تقدم حلولاً وأدلة تتعلق بقضية الشعب الأحوازي، وذلك من خلال مهمتها في تقديم الأدلة والوثائق القانونية، التي تشكل مقدمة لآليات التقاضي والمحاسبة الدولية، إذ لا جريمة بدون أدلة. بينما قد تخدم منظمة العفو الدولية الحالات الفردية للانتهاكات التي ترتكبها السلطات الإيرانية بحق شخص معين.

أولاً- دور منظمة هيومن راتس ووتش في تقصي الحقائق، وموقع القضية الأحوازية:

تنشر منظمة هيومن راتس ووتش سنوياً أكثر من 100 تقرير وتقرير ملخص عن أوضاع حقوق الإنسان في 90 دولة، وتحظى بتغطية موسعة وشاملة في وسائل الإعلام المحلية والدولية. ومن أهم أهداف المنظمة الدفاع عن حرية الفكر والتعبير، والسعي لإقامة العدل والمساواة في الحماية القانونية، وبناء مجتمع مدني قوي، ومتابعة الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان في سبيل كسب تأييد الرأي العالمي والمجتمع الدولي بأسره؛ ووضع حد لمرتكبي جرائم الحرب، والدفاع عن حقوق الإنسان واحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك احترام جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومتابعة الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان. وتنشط المنظمة في العديد من المجالات منها: أنشطة العمل المجتمعي، والتعليم الصحة، حقوق المرأة، حقوق اللاجئين، المهاجرون، البيئة، الأسلحة، حرية التعبير، العدالة الدولية، حقوق المعاقين، التعذيب2.

سلّطت المنظمة الأضواء على انتهاكات حقوق الإنسان في الاتحاد السوفيتي وأوروبا، في محاولة منها لصنع و تثبيث الديموقراطية في أواخر 1980. وقد تأسس فرع للمنظمة حمل اسم أمريكا ووتش في عام 1981، وذلك خلال الحروب الأهلية التي اجتاحت أمريكا الوسطى. فاعتَمدت المنظمة بشكل مكثف على مراسلين على الأرض من أجل تقصي الحقائق كما حاولت توثيق كل الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية، وحاولت أيضا تطبيق القانون الدولي الإنساني للتحقيق وفضح جرائم الحرب والانتهاكات التي تُرتكب بحق الجماعات والأفراد، ولم يقتصر عمل المنظمة منذ بدايات تأسيسها على تقصي الحقائق، لكنها ركزت أيضاً على رفع المخاوف بخطورة انتهاك حقوق الإنسان في البلدان، إذ أصبحت تقدم بياناتها ودراساتها حول دور الحكومات التي ترفع شعارات نشر الديمقراطية والدول الكبرى، وخاصة حكومة الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري والسياسي إلى الأنظمة المسيئة والاستبدادية، وخاصة تلك التي ترعى للإرهاب. وفي سبيل ذلك نجحت المنظمة – بشكل نسبي- منذ بداياتها في تأسيس فروع أخرى مثل  منظمة آسيا ووتش عام 1985 وأفريقيا ووتش عام 1988، ثم الشرق الأوسط ووتش عام 1989، وكل هذه اللجان أو الفروع تم دمجها لتُشكل ما يعرف اليوم باسم هيومن رايتس ووتش.

وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن هيومن رايتس ووتش، التي عُرفت اختصارا برمز HRW، والتي أصبحت تضطلع بمهام معارضة انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهذا يشمل عقوبة الإعدام، والتمييز على أساس العرق وغيرها. في مهمة رئيسية تقوم على ربط الحرية مع باقي حقوق الإنسان الأساسية مثل حرية الدين وحرية الصحافة. و تسعى في سبيل ذلك إلى الضغط علناً على الحكومات وصانعي القرار للحد من انتهاكات حقوق الإنسان، كما تسعى إلى إقناع الحكومات “الأكثر قوة” إلى استخدام تأثيرها على الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان3.

  • انتهاكات النظام الإيراني ومواقف منظمة هيومن راتس ووتش:

بموجب القانون الدولي، لكل شخص الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، على النحو المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تشكل إيران أحد أطرافه. وعلى هذا الأساس فقد شكلت الحالة الأحوازية – وبسبب حراكها الشعبي المستمر داخل إيران- حالة ماثلة للعيان لإنفاذ قوة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وذلك بسبب الانتهاكات اليومية التي تقوم بها السلطات الإيرانية، في استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، وحالات الإعدام السري، حيث تنص المبادئ الأساسية بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، التي وضعتها الأمم المتحدة على أنه ” يجب على قوات الأمن تطبيق الوسائل غير العنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة، و ينبغي على موظفي إنفاذ القانون ضبط النفس، والتصرف بما يتناسب مع خطورة الجريمة، وتقليل الإصابات4″.

وعلى هذا الأساس، يُحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة في جميع الأوقات، كما يضمن العهد الدولي الحق في محاكمة جنائية عادلة، بما يشمل إخطار المعني على وجه السرعة بطبيعة وسبب التهم؛ وذلك بأن يتم تقديم كافة التسهيلات الكافية لتحضير الدفاع، وفي مقدمتها التواصل مع محام من اختيار الشخص الذي تم انتهاك حقوقه، وأن يقوم الأخير بحضور المحاكمة، كما يحق له تقديم شهود، وهي الإجراءات التي لا يمكن لأي أحوازي تقديمها داخل النظام الإيراني بسبب شموليته المفرطة، الأمر الذي يستقضي من منظمة هيومن راتش ووتش أن تتجاوز الإجراءات الداخلية للدولة صاحبة الانتهاكات، على اعتبار وحيد مفاده، أن القواعد الآمرة والمتأصلة في القانون الدولي العام، تعتبر قواعد إلزامية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة،  كما أنّ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية صاحبة قوة قانونية تسمو على القوانين المحلية، عندما يتعلق الأمر بحفظ السلم والأمن الدوليين. الأمر الذي يرتب – استناداً للقانون الدولي العام- على الدول التي تتعامل مع إيران الضغط على السلطات من أجل إجراء تحقيقات مستقلة في  الانتهاكات المتزايدة التي ترتكبها أجهزة المخابرات والأمن القمعية الإيرانية.

  • مدى تحقيق المساءلة لإيران، وإحقاق العدالة الدولية للشعب الأحوازي: ظاهرة الإعدامات السرية (قضية الأكاديميين هادي راشدي وهاشم شعباني إنموذجاً).

ثمة سؤال مهم يثور في معرض القضية الأحوازية، خصوصاً فيما يتعلق بظاهرة الإعدامات السرية، التي أصبحت قضية من مهام منظمة هيومن رايتس ووتش، على اعتبار أنها تتجاوز العمل الفردي لمرة واحدة. وإلى أي مدى استطاعت منظمة هيومن راتس ووتش والدول المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين في تحقيق المساءلة لإيران، وإحقاق العدالة الدولية للشعب الأحوازي، في معرض مهامه المنظمة الرئيسية بالضط على الحكومات القوية؟.

في بداية عام 2014 أفاد نشطاء أهوازيون، نقلاً عن شهود عيان، أن أهالي قرية “جوبجي” التابعة لمدينة رامز شرق الأحواز، أن قوات الأمن دفنت جثماني الناشطين الأكاديميين هادي راشدي وهاشم شعباني في الصحراء بالقرب من هذه القرية. وفي معرض ملابسات القضية فإن الكشف عن محل دفن هذين الناشطين و إعدامهما سراً في بداية شهر يناير 2014، مازال مجهولاً، بالرغم من التكهنات التي تحدثت عن مكان دفنهما دون الوصول إلى تأكيد حقيقة ذلك، الأمر الذي يجعل من قضية الناشطين قضية مفتوحة ومستمرة.

تناقل الناشطون الأحوازيون خبر الحكم على الناشطين هادي راشدي وهاشم شعباني بالإعدام من قبل محكمة الثورة الإيرانية في الأحواز في يناير سنة 2013 بتهم تهديد الأمن القومي و” محاربة الله”، والدعاية ضد النظام الإيراني، وذلك بعد أشهر من التعذيب الجسدي والنفسي وانتزاع اعترافات قسرية منهما، في تعارض واضح مع معاهدة إلغاء التعذيب، الصادرة في عام 1984 عن طريق الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، والتي تم التصويت عليها فأيدتها 39 دولة، و انضمت إليها بعد ذلك 19 دولة أخرى، لتصبح 59 دولة موقعة. حيث نصت هذه المعاهدة على ” منع السلوك غير الإنساني و التعذيب للموقوفين و المتهمين بالعمل الإجرامي”، و أكدت هذه المعاهدة تأكيداً شديداً على ذلك، ثم سميت هذه المعاهدة باسم آخر هو ” المعاهدة الدولية لمنع التعذيب وسائر العقوبات و السلوك الظالم غير الإنساني بحق المتهم5″. و نصت المعاهدة ” إن كل دولة تؤيد ذلك يجب أن تعمل بكل مقررات هذه المعاهدة و بدون استثناء” ، وبالتالي لم تنص على منع الإعدام وحسب، إنما نصت على منع استخدام التعذيب لنزع الحقائق من المتهم، كما حرمت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب، المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة6 “، التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1984، والتي دخلت حيز التنفيذ في  26 حزيران/يونيه 1987، حيث عرفت المادة الأولى من الاتفاقية التعذيب بأنه” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه، أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب، لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه، أو يوافق عليه، أو يسكت عنه موظف رسمي، أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية، أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها7″. لاسيما وأنّ النظام الإيراني يستخدم أشد أنواع التعذيب بحق المتهمين السياسيين الأحوازيين.

لقد أخذت قضية الناشطين الأحوازيين هادي راشدي وهاشم شعباني ضجة عالمية، إلا أنها لم ترقى إلى مستوى فتح أبواب المساءلة القانونية لإيران، كما أنها لم ترقى إلى مستوى مناقشة القضية الأحوازية كقضية شعب سواء أمام محكمة العدل الدولية، أو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالرغم من إشارة المفوضية السامية لحقوق الإنسان حينها لعبارة ” الأقلية العربية الأحوازية”. فقد أعربت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان ، وخلال مؤتمر صحفي في 21 فبراير 2014 في جنيف “عن القلق بوجه خاص إزاء الإعدام السري الذي طبق ضد هادي راشدي وهشام شعباني المنتمين للأقلية العربية الأحوازية في إيران8″. وأكدت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان” إن التقارير تفيد بأنهما أعدما في شهر يناير عقب إجراءات لم ترق إلى المعايير الدولية للمحاكمات العادلة9 “. وأضافت ” أن تزايد عمليات الإعدام، بما في ذلك المطبقة ضد المعتقلين السياسيين والأفراد المنتمين للأقليات العرقية، كان ملحوظا في النصف الثاني من عام 2013. ونأسف لأن الحكومة الجديدة لم تغير نهجها بشأن عقوبة الإعدام، ولمواصلتها تنفيذ العقوبة على نطاق واسع من الجرائم”. وهذه ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها دفن النشطاء الأحوازيين في مقابر سرية مصبوبة بالإسمنت وفي مدن بعيدة عن مناطق سكناهم، حيث قامت السلطات بدفن ثلاثة أخوة في مدينة “باغملك” شمال الإقليم في منطقة جبلية، وهم: طه وعبد الرحمن وعباس الحيدري، وزميلهم علي الشريفي، وهم من أبناء حي الملاشية بالأحواز، وأعدموا سراً في يونيو عام 2012″. كما قامت السلطات بدفن اثنين من النشطاء السياسيين العرب الأحوازيين من مدينة الشوش في الصحراء بالقرب من رامز أيضاً، وهما علي جبيشات و خالد الموسوي 10، وذلك بعد إعدامهما سراً في يونيو 2014.

من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني، تشكل هذه الحوادث ” سوابق جنائية”  في قضية واحدة، وهي الإعدام السري، الذي جرمته قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أصدرت مراجع دينية إيرانية معروفة، فتاوي تجيز التبرع بالأعضاء البشرية للمعدومين أو المحكوم عليهم بالإعدام، بينما الهدف من وراء هذه الفتاوى إيجاد الغطاء الشرعي والديني لسرقة الأعضاء البشرية لأجساد النشطاء السياسيين المحكوم عليهم بالإعدام، ما يرتب جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية التي تعاقب عليها القوانين الداخلية والدولية، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرمته الجسدية. وكانت جهات أحوازية حقوقية ناشدت زيد بن الحسين المفوض السامي لحقوق الإنسان، بالضغط على الحكومة الإيرانية لوقف الإعدامات، وتسليم جثامين المعدومين لذويهم وفتح تحقيق حول احتمال التبرع بأعضائهم.

ثانياً- مدى إلزامية منظمة هيومن رايتس ووتش وطبيعتها القانونية وطرق اللجوء إلى الإلزامية:

ما يؤخذ على ميثاق الأمم المتحدة عدم النص على إلزامية التدخل الدولي من أجل حماية حقوق الإنسان إلا في حالة واحدة يكون فيها التهديد بالأمن والسلم الدوليين، وهذه الأخيرة أصبحت مسألة فضفاضة ومرهونة بالمصالح الذاتية بين الدول.

  • الطبيعة الأدبية غير الملزمة لمنظمة هيومن رايتس ووتش:

بالرغم مما جاء ميثاق الأمم ليؤكد على حقوق الإنسان وكرامة الفرد، و أضفى صفة القواعد الدولية على حقوق الإنسان وحمايتها منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة، حيث أشارت العديد من مواد الميثاق إلى حقوق الإنسان، ووضعت العديد من النصوص، ومنها ما نصت عليه ديباجة الميثاق بقولها: ” نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا.. وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية وبكرامة الفرد وقدره”، كما نصت المادة 55 من الميثاق تقضي بوجوب أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وكذلك في المادة 76 من أهداف نظام الوصاية، التي نصت على التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بل يميز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين النساء والرجال.

وبالرغم من ذلك فقد ظلت  قرارات وإدانات وبيانات المنظمات العاملة في حقوق الإنسان بما فيها منظمة هيومن رايتس ووتش غير ذات قوة إلزامية، ولكنها تبقى ذات قيمة أخلاقية، ووثيقة تؤسس لحصول الانتهاكات أمام الرأي العام العالمي. وبالتالي يصبح أمام الناشطين الأحوازيين مهام جديدة تتعلق بقدرتهم في توثيق هذه الانتهاكات، والعمل على وضعها في إطار تكييفها القانوني الذي يرتب المساءلة القانونية أمام المحاكم الدولية، أي اللجوء إلى إجراءات التقاضي التي حددتها الهيئات العاملة في المحاسبة الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، والدور الذي تلعبه الجمعية العامة للأمم المتحدة في قدرتها برفع الدعوى، حيث يتم توثيق هذه الانتهاكات بشكل قانوني، ليصار إلى تقديمها إجرائياً إلى الجهات المختصة، ووضعها في إطار قضية شعب يبحث عن استعادة دولته السليبة. فعلى سبيل المثال، تنشر هيومن رايتس ووتش بحوثاً وتقارير دورية عن انتهاكات المعايير الدولية لحقوق الإنسان كما حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتُستخدم هذه التقارير كأساس للفت الانتباه الدولي إلى الانتهاكات والضغط على الحكومات والمنظمات الدولية إلى الإصلاح.

وتقوم منظمة هيومن رايتس ووتش بإرسال باحثين وبعثات لتقصي الحقائق، وذلك بهدف التحقيق في الحالات المشتبه في انتهاكها لهذه الحقوق، كما تستخدم الدبلوماسية للبقاء على اتصال مع الضحايا ثم توفرهم لهم الأمن والعلاج أو الحماية في الحالات الحرجة، وهذا ما يجعل الملفات عن المجموعات والأفراد تحظى بتغطية محلية ودولية من قبل وسائل الإعلام.

أثارت هيومن رايتس ووتش – منذ نشأتها- عشرات القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة بما في ذلك التعذيب، والفساد السياسي، وانتهاكات العدالة الجنائية، واستغلال الأطفال في الصراعات المسلحة، وتشكل الأخيرة أحد انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي تحصل خلال الحروب، بما في ذلك تلك التي تحصل في الدول العربية، حيث تجند إيران في ميليشياتها الطائفية الأطفال في سورية والعراق واليمن، ومن هذه النقطة بالذات يجب أن لا يتوقف عمل الناشط الأحوازي ووسائل الإعلام الأحوازية، ومراكز البحوث والدراسات عند رصد انتهاكات إيران في الأحواز وحدها، كون المساءلة في نهاية المطاف انتهاكات للسلطات الإيرانية التي تحتل الأحواز، كما يشكل رصداً لسلوك دولة مارقة سواء داخل الأحواز أو خارجها. فالعبرة تتأتى من تدوين انتهاكات هذا النظام في كل مكان، وليس في الأحواز وحدها، خصوصاً فيما يتعلق بالحالة الإيرانية التي أصبحت شأناً دولياً يهدد العالم بالإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، فقد  أصبح النظام الإيراني نظاماً مقلقاً للنظام الدولي برمته. ومن هذه النقطة بالذات، تصبح أولى مهام الناشط الأحوازي هو العمل على فضح عدم مشروعية هذا النظام، الذي أصبح ظاهرة تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين، وبالتالي تصبح هذه المهمة من مهام مجلس الأمن الدولي، الذي يمتلك وحده السلطات التنفيذية في تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بالرغم من أن حقوق الإنسان ليست من اختصاصات مجلس الأمن الدولي، إلا أنّ المادة 24/2 التي نصت على تحقيق أهداف الأمم المتحدة التي تضمنتها المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، ومن بين تلك الأهداف العمل على تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتشجيع على ذلك دون تمييز، وعليه يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يتخذ بعض التدابير المنصوص عليها في المادة 41 و42 بسبب انتهاك حقوق الإنسان داخل دولة ما. ويتوقف التدخل في هذه الحالة على مدى التهديد للسلم العالمي. ونجد الفقرة الثانية التي تحتوي على نظام التقارير والشكاوى المتعلقة بانتهاكات لحقوق الإنسان، ومنها تقديم التقارير وفحصها وإبداء الملاحظات عليها، وتقديم الشكاوى من دولة ضد دولة، وتقديم الشكاوى من الفرد ضد الدولة، وعرض النزاع على محكمة العدل الدولية.لاسيما وأنّ النظام الإيراني أصبح اليوم متفقاً عليه كراعٍ للإرهاب، الذي يشكل أحد أهم الجرائم التي تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين، خصوصاً وأنّ إيران تعاني اليوم من خلافات بينية حتى مع حلفائها، كما هو حاصل في علاقتها مع روسيا في سورية الآن. الأمر الذي يمهد لفعالية حقيقية داخل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وهو ما يجعل من آليات العمل في توثيق الانتهاكات الإيرانية، ورفعها أمام المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وفي مقدمتها منظمة هيومن رايتس ووتش، وثيقة تشرعن إدانة النظام الإيراني.

  • دور إلزامية حقوق الإنسان في المواثيق الإقليمية 11 :

يمكن للناشط الأحوازي اللجوء إلى مقاضاة إيران في إطار منظمات حقوق الإنسان في المواثيق الإقليمية، التي جاءت لإضفاء طابع الإلزامية في مجال حقوق الإنسان بحكم افتقار ميثاق الأمم المتحدة إلى الإلزام القانوني، ومنها الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تم التوقيع عليها في نوفمبر 1950 من طرف أعضاء المجلس الأوروبي بروما، ودخلت حيز التنفيذ في 3سبتمبر1953 ، وهي مفتوحة أمام جميع الدول الأعضاء في مجلس أوروبا للتوقيع، وقد وقع عليها 10 دول تميزت بإنشاء أجهزة قضائية تضمنت ديباجة و66 مادة مقسمة على 5أبواب، تضمنت أهم الحقوق والحريات حق الحياة والحرية والأمان، وتحديد الأجهزة الدائمة المكلفة بحماية وضمان الحقوق والحريات، مثل اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان، و المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، اللتان تتبعان إجراءات تحقق الإلزامية لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان.

خاتمة

لقد استطاعت منظمة هيومن رايتس ووتش الوصول إلى 90 دولة وإعداد التقارير فيها حول حقوق الإنسان ومئات المقابلات من خلال توظيف أفضل الباحثين والخبراء الذي توفدهم إلى الميادين، وكافة الأماكن التي توجد بها انتهاكات لحقوق الإنسان، مثل مناطق الحرب والقمع والتدمير. وبالتالي فإن من أهم نجاعة عمل المنظمة هو قدرة الناشطين في التواصل معها وقدرتهم في رصد الانتهاكات وتوثيقها، فقد حصدت المنظمة جائزة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان عام 2008 اعترافاً بدورها الهام في حركة حقوق الإنسان، ووضع حد للانتهاكات على مدار سنوات بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما حصلت على جائزة نوبل لسلام عام 1997، وساعدت هيومن رايتس في الترويج لاحترام حقوق الإنسان، كونها أصبحت تجمعاً دولياً يعمل على الضغط من أجل تبني معاهدة تحضر استغلال الجنود كالأطفال. واستطاعت توثيق الانتهاكات لقوانين الحرب في مختلف المناطق منها، مثل أفغانستان، العراق، لبنان، الصومال، السودان، وانتهاكات تنظيم الدولة الإسلامية المعروفة باسم داعش. كما رصدت حالات العنف الديني، والاغتصاب والتعذيب.

وبالرغم من تلك النجاحات التي حققتها المنظمة إلا أنها لم تسلم من الانتقادات، وأبرزها تركيزها في تقريرها على مناطق دون سواها، وتبرر المنظمة ذلك بدور النشطاء على الأرض الذي يضطلعون بمهام توثيق الانتهاكات في دولهم، إلا أن ذلك لا يعفيها من المسؤولية، لأنها تمتلك الأدوات والآليات التي تمكنها من تقصي الحقائق في أي مكان في العالم. ففي إطار القضية الأحوازية، يؤخذ على منظمة هيومن رايتس ووتش عدم تخصيصها معاناة الشعب الأحوازي، إذ تأخذ في تقاريرها مواضيع الانتهاكات بحق إيرانيين دون أن تتطرق لتخصيص الحالة الأحوازية كقضية شعب، الأمر الذي يُظهر التقرير أو الإدانة خارج مطالب الشعب الأحوازي، كقضية احتلال أولاً، ومن ثم قضية انتهاك لحقوق الإنسان الأحوازي.

بالنهاية، لقد نجحت منظمة هيومن رايتس ووتش بالتنسيق مع المنظمات التابعة للأمم المتحدة والتعاون مع المحاكم الدولية، كما نجحت بتسليم أدلة بشأن الانتهاكات، كما حصل معها في يوغسلافيا وروندا. وبالتالي فيمكنها من خلال وثائق رصد الانتهاكات، أن تقدم أهم ما تحتاجه الدعوى القضائية، وهي الأدلة الجنائية، فلا لا عقوبة بدون جريمة، ولا جريمة بدون دليل.

الهوامش__________

  1. للاستفاضة انظر: اتفاق هلسنكي وثيقة صدرت عن مؤتمر هلسنكي 1975 الذي انعقد لخلق أسس جديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية وهو من أهم المؤتمرات الدولية في تاريخ الدبلوماسية الأوروبية ضم الكتلتين الشرقية والغربية وبقية الدول المحايدة.
  2. انظر: شعار منظمة هيومن رابتس ووتش ” شعار المنظمة: نحمي حقوق ننقذ الأرواح نسلط الضوء على الانتهاكات ونضع الجناة أمام العدالة”
  3. Historical Dictionary of Human Rights and Humanitarian Organizations; Edited by Thomas E. Doyle, Robert F. Gorman, Edward S. Mihalkanin; Rowman & Littlefield, 2016; Pg. 137-138
  4. للاستفاضة: راجع المبادئ الأساسية بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين .
  5. https://www.unicef.org/arabic/crc/files/C_Against_torture.arabic.pdf
  6. اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة”، التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1984، والتي دخلت خيز التنفيذ في 26 حزيران/يونيه 1987.
  7. انظر: المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب، المرجع السابق.
  8. إيران: الكشف عن مقابر لنشطاء أحوازيين أعدموا سراً، قناة العربية، على الرابط: https://www.alarabiya.net/ar/iran/2014/11/16/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D9%86-
  9. المرجع ذاته.
  10. المرجع ذاته
  11. للاستفاضة انظر: نجيب بيطام، ” حماية حقوق الإنسان بين المواثيق الدولية ومبدأ السيادة”، رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، 2002/2003، ص28.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!