مقدمة
في ظل محاولات التوسع الإيراني الخارجية في العديد من دول الشرق الأوسط، لم تتوقف إيران عند محاولات التغلغل في هذه الدول فقط، بل إنها ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك في إفريقيا، وتحديدًا في دول شمال غرب القارة، في دول المغرب العربي. في ظل الصراع الذي تعيشه عدد من دول الشرق الأوسط، والذي تغلب عليه النزعة الطائفية، ترغب إيران في توسيع مدى ومجال جغرافيتها السياسية التي تريد لها أن تقوم على تعميق العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول المغرب العربي، كالجزائر والمغرب.
تتميز العلاقات الإيرانية مع دول المغرب العربي إلى حد كبير بطبيعة مختلفة عن تلك التي تسيطر على علاقة إيران بدول في المشرق العربي مثل العراق وسوريا ولبنان؛ حيث إن الانخفاض الكبير والواضح في أعداد الشيعة في هذه البلاد يدفع إيران إلى اتخاذ خطوات حذرة إلى حد كبير واعتماد سياسة الاستخبارات والسرية إلى حد ما بدلًا من سياسة الدعم العلني، إلا أن العلاقات بين الجانبين تُعد بشكل عام حديثة العهد.
فعلاقة طهران بدول المغرب العربي تشمل خصائص تختلف إلى حد كبير عن علاقاتها بدول المشرق العربي؛ حيث إن الأخيرة تنظر إليها إيران على أنها عدو تاريخي لها، كما تنظر كذلك دول الشرق إلى إيران على أنها خطر وتهديد كبير تاريخي لم تهدأ المعارك والسجالات بينهما منذ ما قبل الميلاد.(1)
وعليه، سنحاول خلال الدراسة الإجابة عن سؤال رئيسي وهو:
إلى أي مدى وصل حجم النشاط الشيعي الإيراني في دول المغرب العربي؟
والإجابة عن ذلك السؤال سيكون من خلال تناول العناصر البحثية التالية:
- ما هي ركائز السياسة الخارجية الإيرانية بوجه عام؟
- طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية في منطقة المغرب العربي.
- تناول طبيعة العلاقات الإيرانية مع الجزائر وتونس والمغرب كل على حدة.
ثم تحاول الدراسة وضع توصيات ومقترحات للتصدي لما سنتناوله من طبيعة العلاقات الإيرانية وأنشطتها في هذه الدول، وذلك في ظل المخاوف من تنامي أنشطة طهران في هذه الدول خلال السنوات الأخيرة:
الف: ركائز السياسة الخارجية الإيرانية:
اتخذ النظام الإيراني الجديد، الذي جاء إثر ثورة 1979، من الإسلام والقومية الفارسية مرتكزات وشعارات تقوم عليها علاقاته مع الدول الخارجية، سواء الدول المجاورة أو الدول الغربية. كما اشتملت هذه السياسة الجديدة على مبدأ تسبب في اضطراب العلاقات ما بين إيران والدول المجاورة، خاصة دول الشرق الأوسط. جعل ذلك المبدأ من السياسة الخارجية الإيرانية في دول الشرق الأوسط مصدر إزعاج وفوضى، مما جعل دول المنطقة تشعر بأن إيران تعمل على استعادة الدور الذي كانت تلعبه الإمبراطورية الفارسية القديمة ولكن بشكل وأدوات جديدة.
وكانت السنوات الأولى لحكم الخميني مخلوطًا لدى الدول المجاورة بالكثير من القلق من حقيقة الأهداف التي يرمي إليها النظام الإيراني الجديد في المنطقة. اتهمت العديد من دول المنطقة النظام الإيراني بأنه يهدف إلى المخاطرة السياسية وقلب أنظمة الحكم فيها، وذلك في محاولة من طهران للسيطرة على المنطقة.
وكان النظام الإيراني الجديد، بقيادة الخميني، قد حرّض شيعة المنطقة في البداية ضد أنظمة حكمهم. وكان من بين هذه الدعوات تلك التي وجّهها الخميني إلى شيعة العراق آنذاك، حيث قام بتحريضهم على الفوضى ضد النظام العراقي القائم في ذلك الوقت والذي كان يقوده الرئيس العراقي صدام حسين. وكان لهذه التحريضات وغيرها من قِبل النظام الإيراني الجديد أثرها الكبير في اندلاع حرب الخليج الأولى (1980-1988)، حيث إن النظام العراقي شعر بأنه إذا ما صمت أمام هذه الدعوات التحريضية فإن العراق من الممكن له أن يغرق في الفوضى.
وليس العراق فقط، بل إن النظام الإيراني الجديد تبنى سياسات دعم علنية للحركات الشيعية التي تنشط في عدد من الدول الأخرى بمنطقة الخليج العربي، والتي منها عدد من الدول مثل الكويت، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، وحتى لبنان، التي أنشأ فيها حزب الله اللبناني الذي يُعد جزءًا من الحرس الثوري الإيراني.
إلا أنه وعلى الجانب الآخر، لم تختلف كثيرًا السياسة الإيرانية، وحتى الآن، تجاه الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص، حيث تبنت إيران سياسة معادية للغاية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بل ونعتتها بـ”الشيطان الأكبر”.
ويرجع ذلك العداء تجاه الولايات المتحدة إلى اعتقاد النظام الإيراني بأن واشنطن كان لها الدور الأكبر في السيطرة على المناحي السياسية في إيران أيام حكم الشاه محمد رضا بهلوي وأنها كانت المدبر للانقلاب ضد رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق الذي يلقى شعبية غير عادية بين الشعب الإيراني حتى من مؤيدي النظام الإيراني الحالي.
وكانت نتيجة هذه السياسات الخارجية الإيرانية هي العزلة الدولية المفروضة عليها منذ عشرات السنوات وحتى الآن، والتي تتمثل بعضها في العقوبات الدولية التي تواجهها من العديد من الدول والمنظمات الدولية التي من أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بات النظام الإيراني يعاني منها داخليًا في أزمة محلية أدت أواخر العام الماضي إلى اندلاع تظاهرات ضخمة في العديد من المدن والمحافظات الإيرانية.
ب: السياسة الخارجية الإيرانية في منطقة المغرب العربي:
ترتبط إيران في الوقت الحالي بعلاقات ليست هشة مع دول المغرب العربي، وتتمتع تلك العلاقات بخصائص معينة مختلفة عن تلك العلاقات أو الصفات التي تحملها السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، تختلف طبيعة العلاقة ما بين دول المغرب العربي وإيران عنها ما بين دول الشرق الأوسط وإيران من حيث مدى خطورة المشروع الإيراني في هذه المنطقة وتلك، كما أن مسألة قِدَم العلاقات ما بين إيران ودول المنطقة أكثر بروزًا عنها ما بين إيران ودول المغرب العربي.
فالعلاقات ما بين الدول المذكورة آنفًا وإيران لم تكن على ما هي عليه اليوم أيام النظام الإيراني السابق، إذا ما استثنينا من ذلك خصائص العلاقات المغربية الإيرانية.
ومن ناحية أخرى، تنظر إيران إلى دول المغرب العربي من ناحية تاريخية أخرى، ألا وهي قيام الدولة الفاطمية هناك منذ مئات الأعوام. ويُعد هذا الرابط منطلقًا يحاول النظام الإيراني أن يعتمد عليه ويروج له في علاقاته مع دول هذه المنطقة. ومن ناحية أخرى، تختلف النظرة المغربية، أي دول المغرب العربي، تجاه إيران عن تلك التي تنظر بها دول منطقة الشرق الأوسط تحديدًا؛ حيث إن دول المغرب الغربي لا ترى في إيران نفس الخطر الذي تمثله للشرق الأوسط، مما ساعد النظام الإيراني كثيرًا على محاولة التغلغل داخل هذه الدول المغاربية.
وتاريخيًا، كانت النزاعات التي تظهر إلى السطح ما بين الدول المغربية وإيران تنحدر دائمًا من انعكاسات للأزمات القائمة في المنطقة العربية، أي أن هذه النزاعات كانت صدى للأزمات المتعددة ما بين دول منطقة الشرق الأوسط وإيران. أي أن هذه الخلافات المغربية الإيرانية لم تمثل اهتمامًا أو اعتراضًا صريحًا من دول المغرب تجاه السياسات الإيرانية؛ وذلك انطلاقًا من أنها لا ترى في إيران خطرًا كبيرًا عليها، وهو ما ثبت عكسه خلال السنوات القليلة الماضية من تغلغل واضح للنشاط الإيراني في بعض دول هذه المنطقة.
ج: نماذج من العلاقات الإيرانية المغربية
نحاول فيما يلي، وبناءً على ما سبق قوله، استعراض بعض التجارب وطبيعة العلاقات ما بين إيران وعدد من دول المغرب العربي، وذلك على النحو التالي:
-
طبيعة العلاقات الإيرانية الجزائرية:
يمكن القول: إن أكثر العلاقات ديناميكية ما بين دولة مغربية وإيران هي تلك التي ما بين إيران والجزائر، حيث تُعد الجزائر نقطة محورية في منطقة المغرب العربي بالنسبة للسياسة الإيرانية في هذه المنطقة، وليس ذلك فحسب، بل إن الجزائر تمثل نقطة انعطاف في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه إفريقيا.
تميزت العلاقات الإيرانية الجزائرية خلال العقود القليلة الماضية بتحولات كبيرة، كانت بداية هذه العلاقات تتمثل في الوساطة التي عرضتها الجزائر ما بين العراق وإيران أيام نظام الشاه محمد رضا بهلوي حول مياه شط العرب. وقد أتت هذه الوساطة ثمارها في التوقيع على اتفاقية الجزائر لعام 1975.
وبعد ذلك، وفي عام 1981 توسطت الجزائر في النزاع الكبير ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران إثر تفجر أزمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين في السفارة الأمريكية بالعاصمة طهران. وهنا ساعدت الجزائر على إيجاد حل وسطي في النزاع مما جنّب الصراع العديد من التطورات غير المرغوب فيها. (2)
ومن ناحية أخرى، جعل موقف الجزائر أيام الحرب العراقية الإيرانية، والذي لم تنضم على إثره إلى الموقف العربي الموحد آنذاك مع العراق، حيث استهدفت طائرة إحدى الوزراء الجزائريين في ذلك الوقت بصاروخ يُعتقد أنه عراقي، مما غير من الموقف الجزائري إلى حد ما وبشكل نسبي.
إلا أن هذا الموقف بين البلدين لم يستمر إيجابيًا فترة كبيرة، حيث إنه تبدل بشكل كبير مطلع عقد تسعينيات القرن الماضي، وذلك عندما حل النزاع الحزبي في الجزائر وتم تأسيس العديد من الأحزاب الدينية التي عملت إيران من خلال دبلوماسييها هناك في الجزائر على الالتقاء، والذين كان من بينهم جبهة الإنقاذ، بهم مما أثار استياء الحكومة الجزائرية.
وهنا، تغير الموقف والعلاقات بين البلدين بشكل نسبي أدى في النهاية إلى قطع العلاقات ما بين الجزائر وطهران عام 1993. ولم تتحسن العلاقات بين البلدين إلا في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي الذي التقى بالرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عام 2000. وقد أخذت العلاقات على هذا المنوال في التصاعد الإيجابي والتحسن المستمر من الجانبين، وصل إلى حد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين عام 2003. وبذلك استكمل الطرفان كافة العلاقات ووصل التعاون إلى مرحلة غير مسبوقة من التعاون في العديد من المجالات التي لم تشتمل فقط على المجالات السياسية، بل الثقافية والتعليمية كذلك. وقام الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بعدة زيارات إلى الجزائر توقتها الدولتان بعد ذلك بعدد من الاتفاقيات المشتركة.
-
حقيقة التشيع الإيراني في الجزائر:
اتضحت خلال السنوات الماضية في وسائل الإعلام الجزائرية أخبار مختلفة حول محاولات إيرانية متعددة لنشر التشيع في الجزائر. لاحظ العديد من المراقبين انتشار كتيبات شيعية في العديد من المساجد بالعاصمة الجزائر، بل إن بعض هذه الكتيبات مكتوبة باللغة الفارسية.
ولم يعد الكثيرون يخالفون الحقيقة القائلة بأن هناك أنشطة شيعية إيرانية في الجزائر، تشيع على إثرها المئات من الجزائريين، بل إن البعض يقول إن هناك الآلاف من المتشيعين الجزائريين نتيجة الأنشطة الإيرانية المختلفة، والذين كان من بينهم بعض أساتذة الجامعات والطلبة. ولا يمكن تجاهل أن بعض المواقع باتت تخاطب الجزائريين والشيعة هناك.
وتتركز الأنشطة الشيعية الإيرانية في الولايات الجزائرية الغربية، وذلك مثل باتنة، بسكرة، وخنشلة، بالإضافة إلى بعض الولايات الغربية من البلاد مثل تلمسان ووهران.
-
طبيعة العلاقات الإيرانية التونسية:
لم تتمتع العلاقات بين تونس وإيران بنفس الخصائص التي تمتعت بها العلاقات الإيرانية الجزائرية، وذلك لأن سمة العلاقات ما بين النظامين في تونس وإيران كان يشوبها التحفظ كثيرًا خلال فترة حكم الرئيس الأسبق الحبيبي بورقيبة؛ وذلك انطلاقًا من الأهداف التي يسعى إليها النظام الإيراني بشكل عام من تصدير الثورة للدول المختلفة، خاصة دول المنطقة. حتى الرئيس السابق زين العابدين بن علي كان يتعامل بدبلوماسية شديدة مع النظام الإيراني.
تغيرت طبيعة هذه العلاقات ما بين البلدين بعد عام 2011، حيث واجهت تونس مشاكل ومصاعب اقتصادية استفادت منها طهران في الدخول إلى المجتمع التونسي من خلال عقد العديد من الاتفاقيات في مجالات السياحة والتجارة والصناعة.(3) اشتملت بنود هذه الاتفاقيات على الاستثمار المتبادل وتسهيل إجراءات السياحة بين البلدين. وعلى إثر ذلك، استقبلت تونس العديد من السياح الإيرانيين إثر عقد هذه الاتفاقيات، وتبادل الطرفان الزيارات.
ولم تتوانَ طهران عن التغلغل في المجتمع التونسي مثلما حدث في نظيره الجزائري، في محاولة من إيران لاستغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس بعد عام 2011، حيث عمل النظام الإيراني على استغلال الفراغ السياسي والأمني والتغلغل في تونس من خلال التقرب إلى الأحزاب وعناصر المجتمع المدني، وكذلك من خلال عرض المنح الدراسية.
ووصل حد هذا النشاط إلى أن حذّرت الرابطة التونسية لمناهضة الانتشار الشيعي، التي تأسست عام 2012، من الأنشطة التي يقوم بها المركز الثقافي الإيراني في تونس، مطالبين بضرورة إغلاقه فورًا. وأوضحت التقارير أن المركز الثقافي يعمل مع بعض المنظمات على محاولة نشر التشيع داخل الأراضي التونسية انطلاقًا من مبادئ ثقافية إلا أنها تهدف لنشر التشيع. وكانت تونس نتيجة لذلك قد شهدت منازعات ما بين سلفيين وبعض الشيعة في مدن مثل بنزرت وقابس.
وخلال ذلك، تحاول إيران في سبيل نشر أهدافها في تونس إلى الترويج لتاريخ الشيعة في تونس، من خلال تاريخ الحكم الشيعي في المنطقة الذي يعود لمئات السنوات، إلا أن نشاط الدعوات التوعوية للمنظمات الداخلية يقلل من آثار ذلك.(4)
-
العلاقات الإيرانية المغربية:
تملك إيران نشاطًا ثقافيًا ليس بالقليل داخل الساحة المغربية خاصة خلال السنوات العشر الماضية. يتركز هذا النشاط في المجالات الثقافية بالمغرب والتغلغل داخل دور النشر والسينما وتبادل الطلبة ما بين البلدين وإلحاق الطلبة المغربيين بالجامعات الإيرانية.
الجدير بالذكر أن العاهل المغربي الملك الحسن الثاني أعلن صراحة معارضته لقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وزار الشاه محمد رضا بهلوي المملكة عام 1979. وفي العام التالي قطعت العلاقات بشكل كامل بين الدولتين؛ لاعتراف إيران بالجمهورية العربية الصحراوية.
وفي بداية العقد الأخير من القرن الماضي عادت العلاقات بين البلدين إلى التحسن والتطور وارتفع مستوى التمثيل الدبلوماسي لمستوى السفراء. إلا أن التوترات السياسية بين البلدين عادت للظهور مرة أخرى حينما أعلنت المغرب قطع علاقاتها مع إيران بسبب دعم المغرب للبحرين في أزمتها، وعلى إثر ذلك التصعيد اتهمت الرباط البعثة الإيرانية المتواجدة على أراضيها بنشر التشيع.
وعاد التمثيل الدبلوماسي مرة أخرى بين البلدين عام 2016، إلا أنه لم يدم طويلًا وذلك بعدما اتهمت الرباط إيران وحزب الله اللبناني بالوقوف وراء تدريب وتسليح عناصر من جبهة البوليساريو من خلال بعثتها الدبلوماسية بالجزائر.(5)
وبشكل عام، لا يختلف النشاط الإيراني في المغرب وطبيعة العلاقات معها عنها مع تونس والجزائر، حيث إن النشاطات الثقافية الإيرانية هناك لا تختلف كثيرًا عنها في هذه البلدان، وذلك من حيث استخدام المراكز الثقافية الإيرانية في التغلغل في المجتمع لمحاولة نشر أهدافها.
النتائج التي توصلت إليها الدراسة
بعد تناول طبيعة السياسة الإيرانية تجاه دول المغرب العربي وتسليط الضوء على بعض هذه النماذج نستنتج ما يلي:
إنه عند رصد التحركات والنشاطات الإيرانية في منطقة المغرب العربي، فإننا نتفهم جليًا أن السياسة الإيرانية تتفهم جيدًا طبيعة هذه المنطقة وأهميتها بالنسبة لطهران في المنطقة وأفريقيا. كما أن المشروع الإيراني القومي، الذي يصبغ بالصبغة المذهبية، يرى منطقة المغرب العربي مخرجًا في الوقت الحالي لطهرن للخروج من العزلة الدولية، فضلًا عن أن هذه المنطقة تمثل أهمية كبرى في المشروع الإيراني الأكبر في الشرق الأوسط.
وبعد الاطلاع على ما سبق يمكن القول إن إيران تستخدم في تغلغلها ونفوذها داخل دول المغرب العربي الوسائل التالية:
- المراكز الثقافية: يمكن القول: إن هذه المراكز الثقافية تلعب الدور الأكبر في محاولة نشر إيران للمذهب الشيعي في هذه المنطقة من إفريقيا، ويتم ذلك عن طريق استغلال الأموال في دعم الجمعيات التي تركز أنشطتها على المجالات التعليمية والتثقيفية إلى جانب الفنية. ولذا، فإن هذه المراكز تُعد هي أهم الوسائل الناعمة في هذا الصدد من حيث نشر إيران لأيديولوجيتها في دول المغرب العربي، كما لا ينبغي أن ننسى أن طهران تستغل التجمعات الثقافية المختلفة كمعارض الكتب وما شابهها في عرض أفكارها وأهدافها.
- المشروعات الثقافية:
تتخذ إيران من العوامل الاقتصادية منفذًا مهمًا لها في محاولة استغلال الفقر والبطالة لصالحها. حيث تقوم طهران بتقديم مساعدات مالية تتمثل في عمليات إقراض مثل تلك التي منحتها لتونس بعد عام 2011 ومعاناة الاقتصاد التونسي. كما ترمي طهران إلى الدخول في مشروعات مع الحكومات المختلفة في دول المغرب العربي لتثبيت أقدامها في تلك الدول.
- دعم الجماعات الدينية المختلفة:
وذلك من خلال قيام المستشاريات الثقافية بدعم الجماعات الدينية خاصة الشيعية منها حتى تصعد من نفوذها داخل المجتمع وتستطيع في وقت لاحق الدخول في مجال الحياة السياسية وتكوين أحزاب شيعية طائفية.
توصيات ومقترحات الدراسة
بعد التطرق إلى طرق وأساليب اختراق إيران للمجتمعات في دول المغرب العربي، يمكن القول إنه يمكن اتخاذ بعض الإجراءات لمواجهة مثل هذه المحاولات، وذلك على النحو التالي:
أ – مراقبة عمل وتقييد المستشاريات الثقافية الإيرانية:
لأن هذه المستشاريات اتضح أنها تلعب الدور الأكبر في محاولة نشر التشيع الإيراني والتمهيد لفرض نفوذ إيران داخل الدول المختلفة، والتي كانت هنا دول المغرب العربي، فلا ينبغي أن تعمل هذه المستشاريات على نشر التشيع بطرق مختلفة وأن تصمت الدولة في مقابل ذلك؛ لأن هذا يمثل انتهاكًا لسيادة الدولة وأمنها القومي.
ب – تقييد عمليات دخول عناصر أمنية إيرانية بأشكال مختلفة:
تشكل السياحة الإيرانية في عدد من الدول قلاقل لها؛ وذلك لأن النظام الإيراني يستغل مثل هؤلاء السياح في عمليات استخباراتية مختلفة يكون بعضهم على علاقة مباشرة بأجهزة أمنية واستخباراتية مثل الحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات.
ولذا، فإنه إذا ما كانت السياحة بشكل عام تشكل مصدرًا للدخل القومي، فإنها من ناحية أخرى لا يجب أن تشكل تهديدًا أمنيًا للدولة. وعليه، فإن تنظيم العملية السياحية أمر ضروري.
- تحقيق النمو والتنمية الداخلية:
يمثل الفقر والبطالة مدخلًا أساسيًا لأي دولة في العالم من أجل أن تتغلغل فيها وأن تحقق أهدافها فيها. وعليه فإن التنمية الدائمة لمدخلات الدولة ومواردها تمثل درعًا قوية أمام أية محاولات خارجية لاختراق الدولة ومحاولة تغيير طبيعتها الدينية أو الطائفية أو ما شابهها.
علي عاطف حسان
المراجع والمصادر:
- فرزاد رمضانی بونش، فرزاد رمضانی بونش، “نگاهی انتقادی به پتانسیل های روابط ایران با آفریقا گفتگو با جعفرقناد باشی کارشناس آفریقا”، 3 فبراير 2012.
- “روابط دیرینه ایران و الجزایر؛ زمینه ساز افق روشن مناسبات دو کشور”، خبرگزاری جمهوری ایران، ایرنا 18 یونیو 2017.
- ثائر الزعزوع، “ماذا تفعل إيران في تونس”، العربية. نت، 29 ديسمبر 2015.
- محمد بن رجب، “مخاوف في تونس من احتدام الصراع بين الشيعة والسلفيين”، إيلاف، 24 أغسطس 2012.
- “مراکش با ایران قطع رابطه میکند”، بي بي سي فارسي، 2 مايو 2018.