الخميس, ديسمبر 19, 2024
مقالاتالنمو السكاني في الأحواز… الى أين؟

النمو السكاني في الأحواز… الى أين؟

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

يتضمن هذا البحث عرضاً من المنظور الديمغرافي للتغييرات التي طرأت على اقليم الأحواز  على امتداد سبعين عام. فقد شهدت الأحواز  تغييرات عديدة  على المستوى الاجتماعي – الديمغرافي منذ الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥.

تعرض هذه الدراسة حقائق مؤلمة تهدف إلى معرفة الحقيقة المجردة من خلال الأدلة والإحصائيات الرسمية الإيرانية التي توضح تمادي سلطات الاحتلال الإيرانية في غيِّها ومشاريعها الاجتثاثية ضد الشعب الأحوازي والوجود العربي في إقليم الأحواز.

إن الحقائق الرقمية المجرّدة في هذه الدراسة تبرهن -لمن يريد الاطلاع على ما هو واقع وحاصل على الأرض في إقليم الأحواز- العمل المنهجي المتواصل في القضاء على وجود الإنسان الأحوازي استنادًا للمعلومات الرسمية الإيرانية والتي استُقيت من الأجهزة الوزارية ذات الشأن الخاص بعملية استهداف المرأة الأحوازية بالصميم، وثبتت هذه الحقيقة الؤلمة من خلال دعم النظام الإيراني مشاريع انخفاض الإنجاب وعقم النساء المتعمد في الإقليم.

يلاحظ القارئ التفاصيل المذكورة والتي تدعم وجهة نظر الباحث والتي يستخلصها من خلال المعطيات الرقمية الإيرانية، وهي معلومات معتمدة عند السلطات التنفيذية الإيرانية.

عدد السكان والنمو السكاني في العقود الماضية

أخذ النمو السكاني في إقليم الأحواز خلال القرن الماضي منحنى تصاعديًا، ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية وشهد ارتفاعًا ملحوظًا، حيث وصلت نسبته إلى ٣.٦٪ ، وساعد هذا النمو السكاني في ارتفاع نسبة المواطنين الأحوازيين وتضاعف العدد بشكل ملحوظ. تاريخيًا، وفي عام ١٩٤٥ إن عدد المواطنين في الأحواز قد تجاوز ١.٥ مليون نسمة حسب الرسالة التي بعثها شيوخ القبائل إلى اجتماع الدول العربية السبع حين تأسيس جامعة الدول العربية. وقد ذكر في الرسالة أخرى تم ارسالها مجددا الى جامعة الدول العربية في عام ١٩٤٦، ان عدد سكان الاحواز ارتفع الى مليونين بعد مشاركة قبائل أخرى التي غابت عن المساهمة في الرسالة الاولى.

بعد فترة من الزمن نتيجة القفزات التنموية التي شهدتها الأحواز والعالم، برزت تغيرات سكانية كثيرة في الاقليم تستحق الرصد والتأمل ومنها ارتفاع ملحوظ في اعداد السكان في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وهبوط حاد للنمو في العقد الاول والثاني من القرن الحالي في الأحواز.  وأبرز هذه التغيرات حصلت في النمو السنوي السكاني ومعدلات الإنجاب (الولادة).

مقارنة النمو السكاني المتوقع ونسبة الخصوبة في العالم مع الأحواز

الفترة الزمنية الذهبية التي حصل فيها التضاعف في الأحواز كانت قصيرة جدا حيث لا تتعدي العقدين في السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي واستطاع المجتمع الأحوازي الحفاظ على نسبة النمو السنوي بشكل ايجابي يعادل ٣.٢٪ وتتفوق هذه النسبة على معدل ١.٢٪ الرقم الادني المطلوب  للحفاظ على عدد السكان في جميع البلدان الاخرى. ومن الجانب اخر، لوحظ تباين كبير في مستويات الخصوبة في الأحواز يشير الى انخفاض معّدل الخصوبة بدرجة كبيرة في الاقليم  خلال السنوات العشرين الماضية بينما لاتزال معدل  الخصوبة في ايران مرتفعة في افضل حالة مقارنة مع الأحواز.

كانت تنجب المرأة الأحوازية بمعدل ٧ أو ٨ أطفال في العقود الماضية مقارنة بمعدل العالمي ٢.١. لكن بتبع سياسة نظام ايران في حربها السكاني في مواجهة الشعب الأحوازي، اخذ معدل الانجاب المرأة الأحوازية سياقا نزوليا حادا اقل من المعدل العالمي حس ببيانات المسح الديموغرافي الذي نفذه مركز الاحصاء الوطني، بينما في عام ٢٠١٤ سجلت البيانات بلوغ معدل الخصوبة الاجمالي في العالم نحو ٢.٥ طفل لكل امرأة (إدارة الشئون الاقتصادية الاجتماعية، ٢٠١٤).

الصراع الديمغرافي

بناء على نظرية “الصراع الديمغرافي” التي تحاول دراسة مقاومة الاحتلالات في الأقاليم التي تئن تحت وطأة انظمة اجنبية، وإذا أخذنا فلسطين نموذجًا، سوف نشاهد كيف يتبع الفلسطينيون سياسة “الخصوبة” و”النمو السكاني” في الحرب الدائرة مع إسرائيل على الأراضي الإسرائيلية.

دخلت العوائل الفلسطينية الحرب الديمغرافية مع إسرائيل بعد ما منحت إسرائيل نحو ١٥٠ ألف عربي (مسلم – مسيحي) الجنسیة الإسرائيلية عام ١٩٤٨، ويمكن للمتابع أن يشاهد نسبة ارتفاع معدل الإنجاب لدى المرأة الفلسطينية التي وصلت في بعض الأحيان إلى ١١ حملًا.

لعبت هذه السياسة دورًا بارزًا في الحرب القائمة بين الطرفين بعد ٧٠ عامًا من قيام إسرائيل، استمر هذا الصراع الديمغرافي لصالح الفلسطينيين، حيث ارتفعت نسبة السكان العرب (عرب ٤٨) ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى مليونين، وحسب الدراسات سوف يتساوى عدد السكان في إسرائيل بين اليهود والعرب حتى عام ٢٠٥٠.

ومن جهة أخرى، قال جهاز الإحصاء الفلسطيني: “إن عدد الفلسطينيين تضاعف نحو تسع مرات منذ عام ١٩٤٨”، وأضاف الجهاز في بيان له: “إنه قدر عدد الفلسطينيين في العالم نهاية عام ٢٠١٥ بحوالي ١٢.٤ مليون نسمة، وهذا يعني أن عدد الفلسطينيين في العالم تضاعف ٨.٩ مرة منذ أحداث النكبة” بحسب رويترز (الأسدي، ٢٠١٦).
في السياق نفسه، وخلافًا للوضع الديمغرافي في فلسطين، تشير المعلومات والاستبيانات إلى أنه كان من المتوقع انخفاض معدل النمو السنوي للسكان في الأحواز وحصل ذلك بسبب سياسات النظام الإيراني في القضاء على الشعب الأحوازي ومطالباته في الإقليم، إلى جانب انخفاض معدل المواليد بسبب التغيرات الاقتصادية والعمليات القيصرية التي أدت إلى تغيير عميق في منحنى النمو السكاني في الأحواز مما أدى ذلك الى “تحول ديمغرافي” ملحوظا في جميع امدن والقرى في الاقليم، في المقابل ازدادت نسبة الاستيطان والتفريس، وتركت اثرا سلبيا في الوضع الديمغرافي في المجتمع الأحوازي.

تشير الإحصائيات ان عدد المستوطنيين في ازدياد مستمر في الاقليم وسوف يشكل المهاجرون أكثر من ثلثي السكان، حيث ازداد عدد المستوطنين والمهاجرين الباحثين عن العمل بشكل ملحوظ في إقليم الأحواز. هنا يمكن الذكر ان أسباب ازدياد التغيير السكاني في الاقليم يكمن في توفير النظام الإيراني مساعدات أكثر سخاء للأمهات والآباء في الحصول على فرص العمل و”الولادة” بهدف زيادة معدل المواليد من غير الأحوازيين.

تشكل حصة المحافظات الأحوازية (خوزستان، بوشهر و بندر عباس) من إجمالي الهجرة في جغرافية إيران عام ٢٠١٦ أكثر من ٨.٥٪ من إجمالي الهجرة في إيران (مركز الإحصاء الوطني في إيران، ٢٠١٦).

معدل النمو السكاني ومعدل الخصوبة

تكشف موشرات مكتب الإحصاء الإيراني انخفاض معدل النمو السنوي في إقليم الأحواز عام ٢٠١٦ حيث بلغت نسبة ٠.٧٨٪ في شمال الأحواز (خوزستان)، ٠.٨٠٪ في موسيان (دجه عباس)، ٢.٤٪ في أبوشهر ونسبة تعادل ٢.٣٩٪ في بندر جرون (هرمزكان)، (مركز الإحصاء الإيراني، ٢٠١٦).

تشير الإحصائيات التابعة الى مركز الإحصاء الرسمي الإيراني إلى تراجع “معدل المواليد للمرأة” في الأحواز إلى مستوى ١.٧ في عام ٢٠١٨، بينما ارتفعت هذه النسبة في المحافظات الفارسية الى ٢.١، وتذكر الإحصائيات أن “معدل النمو السنوي” في الإقليم تراجع إلى اقل من ١.٢٪ في العقد الثاني من قرن ٢١ (مركز إحصاء إيران، ٢٠١٦).

اسباب و عوامل انخفاض الخصوبة

يعتمد النظام الإيراني على سياسة تقليل نسبة الخصوبة في إقليم الأحواز، فأصبح انخفاض معدل الخصوبة وبالاً على الوضع الديمغرافي في الإقليم، فمع ارتفاع نسبة البطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع كلفة العوائل أصبح من الصعب إنجاب أكثر من طفلين لكل أسرة. وتعتبر هذه احدى العوامل السلبية والآثار الديمغرافية الطويلة الأجل المترتبة والموثرة على مستويات الخصوبة المنخفضة. هناك العديد من العوامل التي تسببت في هذا الانخفاض في اقليم الأحواز، ومنها تلك التي أثرت في العالم كله، مثل: الخصوبة، الوفيات، عدد السكان، بالإضافة إلى عوامل رئيسية أخرى شكلت العامل الرئيسي في الانخفاض متوسط النمو السنوي السكاني في الأحواز ومعدل انجاب، ومن أهمها: الفقر، تدمير قطاع الزراعة، ارتفاع نسبة الوفيات،الجراحة القيصرية، ولادة اطفال مشوهين، العقم المشكوك فيه، ثقافة الرفاهية الخاطئة وزيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة.

-الفقر:

الفقر يصنف ضمن اهم الأسباب في انخفاض النمو السكاني في الأحواز، حيث عمل الاحتلال على إفقار الشعب وقطع كل سبل العيش الكريم، فقد كان الأحوازي يتزوج دون سن العشرين عامًا، بينما ارتفع سن الزواج حاليًا فوق الثلاثين، ومن يتزوج لا ينجب إلا طفلاً واحدًا بسبب الفقر وصعوبة الحياة في الإقليم. ويشّكل السّن عند الزواج في المجتمعات عاملاً رئيسياً يحّدد وقت بدء المرأة في الإنجاب.

-تدمير قطاع الزراعة:

كان المجتمع الأحوازي يعتمد بشكل كبير على الزراعة وتربية المواشي، وهذه الأعمال تتطلب الكثير من الأيدي العاملة. وساعدت الزراعة العوائل على انجاب اكبر عدد ممكن من المواليد، لا سيما في السبعينيات والثمانينيات، لكن النظام الإيراني تعمد بتدمير الأراضي الزراعية متعللاً بأسباب واهية، خاصة في المدن الحدودية وتهجير أهاليها إلى ضواحي المدن الأخرى لعدة اسباب منها:

أ: الحرب الايرانية – العراقية.

ب: تنفيذ مشروع قصب السكر حيث استولى النظام الإيراني على مئات الآلاف من الهكتارات من الأراضي الزراعية، بحجة تنفيذ هذا المشروع.

ت: استولى الحرس الثوري على الأراضي الأحوازية بحجة تنفيذ مشاريع الري وأدى ذلك الى تدمير مئات الالاف من الأرضي الزراعية، أو تسليمها للمستوطنين.

ث: أصيبت الأراضي الأحوازية بالجفاف، بسبب تجفيف الأنهار الأحوازية ونقل مياهها إلى العمق الإيراني، حيث فقد القطاع الزراعي اهميته ومكانته في المجتمع الأحوازي وترك اثرا سلبيا مباشرة في ارتفاع نسبة الخصوبة.

-ارتفاع نسبة الوفيات:

سجلت الأحواز للمرة الأولى، منذ أربعينيات القرن الماضي، أعلى نسبة في الوفيات، بحسب أرقام أصدرها المعهد الوطني للإحصاءات في إيران (مركز الإحصاء الوطني الإيراني، 2016).

 – العقم:

ربما كان هناك بعض الأفراد يعانون من العقم في كل عائلة يشار إليهم بالبنان، أما اليوم فقد أصبح العقم شائعًا ومنتشرًا في إقليم الأحواز، حسب التعريف العالمي للعقم ، بالإنجليزية (Infertility): “حالة تؤثر في الجهاز التناسلي بحيث لا يستطيع الأزواج الإنجاب، وعادةً ما يتم تشخيص العقم عند محاولة الأزواج الإنجاب لمدة سنة واحدة على الأقل دون نجاح “(محمد، ٢٠١٨).

 -ثقافة الرفاهية الخاطئة:

وهي ثقافة خاطئة عند الطبقة الوسطى والمرفهة من الشعب الأحوازي بعدم الإنجاب أكثر من طفل أو طفلين.

-الجراحة القيصرية:

واحدة من الطرق التي يتبعها النظام الإيراني في تحديد النمو السكاني في الأحواز، حيث تشير الإحصائيات العالمية إلى أن معدل هذه العملية يتراوح ما بين ١٠٪ الى ٢٠٪ عالميًا، وتؤكد الإحصائيات أن نسبة الجراحة القيصرية في مستشفيات الأحواز تبلغ ٦٠٪، أربعة أضعاف المعدل العالمي، وضعفي المعدل في عموم جغرافية إيران.

الجراحة القيصرية تؤثر سلبًا على المجتمع الأحوازي من عدة أوجه:

أولاً: التأثير السلبي على صحة المولود والأم.

ثانيًا: دفع تكاليف مالية باهظة على حساب العائلة الأحوازية.

ثالثًا: لا تستطيع المرأة الأحوازية الإنجاب أكثر من مولودين بعد أول عملية قيصيرة، وبهذا النمط يحدد سقف مرات الإنجاب للمرأة في هذه الحالة بثلاثة مواليد فحسب.

 -زيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة:

أسهمت السياسات الرامية إلى زيادة توفير وسائل منع الحمل المأمونة والفعالة والاستفادة من برامج تنظيم الأسرة ورعاية الصحة الإنجابية بشكل أساسي في انخفاض معدل الخصوبة. وفي عام ٢٠١٣، قّدمت نسبة تفوق ٩٠٪ من الحكومات بما فيها إيران دعما مباشرا أو غير مباشر لبرامج تنظيم الأسرة.

النتيجة

وأخيرًا، وفق تلك الأرقام الصادمة يمكن التأكد من أن الشعب الأحوازي يُصنف ضمن الشعوب التي تتجه بسرعة نحو الانقراض، هذا إذا أضفنا تلك الأرقام على مشاريع التفريس والتهجير القسري والاستيطان وتجريف الأنهار في الإقليم، حينئذ يمكن أن يصل الاستنتاج العلمي والموضوعي إلى أن الوضع “كارثي وصادم” ونتائجه ستكون ملموسة وبارزة في المستقبل القريب.

 

 غازي الحيدري

 

المصادر:

– محمد، أحمد. (٢٠١٨، ابريل ٢٤). ما هو العقم. موضوع أكبر موقع عربي، https://mawdoo3.com/%D9%85%D8%A7_%D9%87%D9%88_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%85

– مركز الإحصاء الوطني الإيراني. (٢٠١٦). نتائج إحصائية عدد النفوس ٢٠١٦. الرابط https://mail.google.com/mail/u/1/#inbox/FMfcgxvzMBrSXTxkmPlzlFVtHzPdlBCV?projector=1&messagePartId=0.1

– الأسدي، مروة. (٢٠١٦، كانون الاول ٢٢ ). النمو السكاني في العالم وأهمية استثمار رأس المال البشري. شبكة النبأ

– أزمة الموارد. (٢٠١٠، مايو ١٥). النمو السكاني عبر التاريخ البشري. الرابط https://resourcecrisis.com/population-growth/10-5/

(من كتاب فان دير بلوم . استاذ علوم الأرض والبيئة، جامعة ميتشغن. (١ ابريل، ٢٠٠٦).

– إدارة الشئون الاقتصادية الاجتماعية. (٢٠١٤). رصد السكان في العالم ٢٠١٤. الأمـم المتحـدة نيويورك، الرابط  http://www.un.org/en/development/desa/population/publications/pdf/trends/Concise%20Report%20on%20the%20World%20Population%20Situation%202014/ar.pdf

– وكالة انباء جمهوري إسلامي محافظة اصفهان. (٢٠١٨). وضعیت قرمز اصفهان در شیوع فوت بر اثر سرطان، الرابط  http://www.irna.ir/esfahan/fa/News/82827104

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!