الخميس, ديسمبر 19, 2024
مقالاتسقوط النظام الإيراني يدعم السلام العالمي

سقوط النظام الإيراني يدعم السلام العالمي

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية مقالًا تحت عنوان “إذا سقطت إيران سوف ينهض داعش مرة أخرى” بقلم محرر الشؤون الخارجية “توم أوكونر”، في العاشر من ديسمبر ٢٠١٩. تحدث الكاتب عن تحديات ما بعد سقوط نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وقد استوقفني في مقال الكاتب المبالغة حول مخاطر سقوط النظام الإيراني. ذكر في المقال “أن سقوط النظام في طهران قد يؤدي إلى ظهور جماعات إرهابية في مناطق الشعوب غير الفارسية” مثل الأحواز وكوردستان وبلوشستان وغيرها، وأكد الكاتب على إقليم الأحواز حيث قال “سوف ينهض داعش مرة أخرى في مناطق حدودية بين إيران والعراق إذا ما سقط النظام في طهران”. وحضر في مكان اخر مدافعًا على النظام الإيراني في مقابلة أجرتها معه محطة بي بي سي الفارسية.

هذه الرؤية المنتقصة نوعًا ما، ووجود الانحياز في هذا الحديث، الأمر الذي أثار استغراب أوساط واسعة من الرأي العام من بين أبناء الشعوب في إيران ومتابعي الشأن الإيراني. وقد تبين بعد ذلك ان هذا الكاتب أبى ان يتواصل مع الكتاب أو اصحاب الرأي أو أي جهة تختلف معه في الرؤية وقد دوّن هذا المقال بناء على المقابلات التي اجراها مع عدد من أعضاء اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة (ناياك) وبلدان أخرى. الجدير بالذكر في هذا الصدد التقى الكاتب بعدد من الصحفيين السابقين، ومنهم من كان يعمل في وكالة تسنيم الإخبارية التابعة للحرس الثوري الإيراني. وبطبيعة الحال أن آراء هؤلاء ليست مستقلة وإنما تابعة الى مشاربهم الأيديولوجية وتتأثر بالعمل السياسي والفكر القومي الإيراني وتنتج عن علاقاتهم بالنظام في إيران. هذا الأمر هو الذي يقلل من موضوعية المقال الذي نشرته مجلة نيوزويك. في نفس السياق، يبدو أن استغل نظام إيران جهل الكاتب بتاريخها الحافل بالأحداث والمصادمات، حيث بعد مرور أسابيع على نشر المقال التي ذكر آنفًا، نشرت وسائل اعلام إيرانية وكذلك منها مقربة للنظام الإيراني في أوروبا تقريرًا يتحدث عن تواجد عناصر من داعش في جبال حمرين الواقعة على الحدود ما بين العراق وإيران!

في محاولة للنقاش حول هذا المقال والادعاءات الأخرى التي لحقت به من قبل وسائل إعلام ربما مرتبطة بجماعاتٍ ممولة إيرانياً في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، بدايةً يبدو أن الكاتب لم يأخذ بالحسبان الظروف الموضوعية التي أدت الى تفشي الإرهاب منذ مجيء نظام الجمهورية الاسلامية في إيران. أيضًا، تجاهل الكاتب دور إيران في تعقيد الأمور ومحاربة الحلول السياسية في الشرق الأوسط خاصة في قضية فلسطين، ما أدى بنشوء جماعات عقائدية متطرفة للغاية. كما تجاهل التطرف السياسي والمذهبي الإيراني ودعمه للفوضى في شرق الأوسط التي أدت الى نشوء جماعات إرهابية معروفة. وحصلت هذه الجامعات على مقرات تدريب عسكري، ودعم لوجستي واستخباراتي ومالي وسياسي من السلطة في طهران.

نحاول هنا وبشكل مختصر، كي نستعرض لمحة تاريخية عن الظروف التي مهدت إلى خلق بيئة ساعدت على صناعة الإرهاب في الشرق الأوسط، وبشكل خاص دور نظام إيران في صناعة تلك الظروف.

تمهيدًا لخلق ظروف مؤاتيه مع تطلعات الأنظمة الإيرانية المتعاقبة حول التوسع القومي الإيراني في الشرق الأوسط، استخدمت إيران منذ أربعة قرون التوسع العقائدي وأخذت تهتم بالمزارات الشيعية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، طامحة بخلق تكتلات بشرية تخدم مصالحها التوسعية. على سبيل المثال،  كان يعيش السنة في العديد من مناطق جنوب العراق ولكن عملت الدولة القزلباشية في عهد حكم الأسرة الصفوية في القرن الـ ١٦ م وما بعد ذلك على تشييع الناس، وعلى إثر تلك التقلبات العقائدية قدم ولاة مدينة البصرة العثمانيين في جنوب العراق عدة تقارير وشكاوى إلى السلطان العثماني في حينها، مطالبين بوقف الدعاية المذهبية الإيرانية في المنطقة ووضع حد للتشييع الذي يتعرض له سكان تلك المناطق، وكذلك استمرت الدولة البهلوية على نفس النهج حتى وصل الأمر الى تغيير البنية الاجتماعية-المذهبية في تلك المناطق كي تصبح موالية لسياسات إيران.

وفي ذات السياق، وبغية التوسع القومي استغلت الدولة البهلوية الحرمان والضعف الاقتصادي في المناطق التي تقطنها الشيعة في لبنان وعملت على تأسيس مراكز إغاثة، حيث دعمت إيران العديد من عوائل الشيعة. كما ارتبطت طهران بالزيود في اليمن والعلويين في سوريا. وقد أشرف على هذا العمل جهاز المخابرات الإيراني السافاك آنذاك. وأما في لبنان وبموازاة التقارب الإيراني – الإسرائيلي، فتحت إيران مراكز إغاثية في البقاع وجبل عامل والتحق في ذلك، عدد من الإيرانيين المقيمين في لبنان، ومعظم هؤلاء كانوا متأقلمين مع البيئة الثقافية اللبنانية. من ثم أسس هؤلاء “حركة المحرومين” في عام ١٩٧٤ الذي خرجت فيما بعد من رحمها “حركة أمل” اللبنانية. ثم سقط نظام البهلوي في إيران بعد مرور خمس سنوات من تأسيس هذه الحركة. لكن الوضع تغير تماما مع مجيء رجال الدين واستيلاء نظام جمهورية إيران الإسلامية على السلطة حيث دعم الخميني مشروع السافاك في لبنان وأسس تيارًا متشددًا من بطن حركة أمل، واستخرجه كتشكيلة سياسية حديثة الولادة عرفت بتنظيم “حزب الله”. ويعرف جميع متابعين شؤون الإرهاب وشؤون شرق الأوسط دور جماعة حزب الله في دعم الإرهاب واثارة الفوضى والنعرات الطائفية على الساحة اللبنانية والسورية وفي الشرق الأوسط وصولًا الى أوروبا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. كما لم تترك إيران البحرين بشكل وأخر ودعمت قلة صغيرة من المحسوبين على الشيعة، أي العدد الذي يؤيد مشروع ولاية الفقيه ومعظم هؤلاء من أصول غير بحرينية مقيمين في هذا البلد ومكتسبين جنسيته.

هذه اللمحة المبسطة من ماضي علاقات إيران بالأقليات الشيعية في المنطقة العربية، دون شك أنها تساعد متابع الشأن الإيراني في فهم الوضع السياسي الحالي، وما يحدث في هذه المنطقة، والذي قد لا يعرف عنه محلل نيوزويك والكاتب للمقال الذي ذكر سالفًا.

يتطرق الكاتب في مقال “إذا سقطت إيران سوف ينهض داعش مرة أخرى” إلى الظروف التي أدت بظهور تنظيمات إرهابية لكن يتناسى عن الدور الإيراني في دعم الإرهاب والفوضى والذي تم تأييده في البرلمان الإيراني وصادق عليه الخميني في بداية الثورة. على سبيل المثال: تشرع إيران رسمياً وعبر المادة ١٥٤ من دستورها التدخل في شؤون الدول الأخرى بحجة الدفاع عن حقوق المستضعفين والمظلومين وتدعم هؤلاء بالسلاح والمال والتدريب العسكري والاستخباري واللوجستي، ومن ثم تستغلهم لغرض تنفيذ مخططاتها في المنطقة العربية والعالم أجمع. يدعي النظام الإيراني أن الشيعة مظلومين في بلادهم فيجب دعمهم بالسلاح كي يحصلوا على حقوقهم، لكن القصد من وراء ذلك ليس الا دعما للتمدد الإيراني عبر اثارة الفوضى في الدول الأخرى والإطاحة بأنظمة الدول المجاورة، ومن ثم بناء الدولة الشيعية الكبرى بقيادة ولي الفقيه التي من شأنها التسلط على جميع انحاء العالم الإسلامي وربما أبعد من ذلك حتى إقامة الدولة الإسلامية العالمية بقيادة الإمام الغائب حسب المعتقد الشيعي الاثني عشري.

وعلى هذا الأساس أقيمت علاقات خطيرة ما بين دولة إيران وتنظيمات مسلحة بتوجهات أيديولوجية مختلفة. هنا يمكن التذكير بعلاقات إيران بتنظيم القاعدة التي كشفت عنه الولايات المتحدة ونشرت عنه وسائل الاعلام العالمية المئات من المقالات والتقارير الاستقصائية.   وفي هذا الصدد، لعب عماد مغنية القيادي السابق في حزب الله اللبناني دور المنسق بين القاعدة وإيران. وتمكن مغنية ان يهيئ إلى اجتماع سياسي جمع بين كل من اللواء محمد باقر ذوالقدر رئيس الأركان في الحرس الثوري الإيراني آنذاك وأسامة بن لادن زعيم القاعدة وحسن الترابي القيادي في حزب الأمة السوداني. وأدى هذا اللقاء إلى علاقات قوية ما بين إيران والقاعدة في فترة ما بين ١٩٩٢ حتى عام ٢٠١١ وكان الهجوم على أبراج التجارة العالمية ذروة التوافق بين القاعدة ونظام إيران وبتبع ذلك أصدرت محكمة نيويورك يوم ١٣ يناير ٢٠١٩ حكما حمل إيران المسؤولية الكاملة عن العمل الإرهابي في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الذي راح ضحيته المئات من الأبرياء.

وبناءً على التوافقات ما بين الحرس الثوري والقاعدة، استخدمت جماعة القاعدة أراضي إيران بصدد تدريب أعضاءها في معسكرات تابعة للحرس الثوري. بالإضافة الى ذلك، أصبحت إيران ممر أمن لجميع أعضاء القاعدة للتردد ما بين سوريا – إيران – أفغانستان والعكس. كما تبين ان عملية التنسيق لتنفيذ عمليات القاعدة مجملها كانت قد انطلقت من إيران. وكشفت المخابرات الأمريكية وذلك عبر الوثائق التي حصلت عليها في مخبئ بن لادن بعيد قتله عن طبيعة العلاقات الخطيرة والمستمرة لسنوات عدة ما بين القاعدة وإيران. ولا يمكن أن ننسى علاقات إيران بحركة طالبان الأفغانية التي مستمرة حتى يومنا هذا حيث نعت طالبان قبل أيام مقتل الإرهابي قاسم سليماني وهاجمت الولايات المتحدة عبر بيان نشر على شبكة الإنترنت، ما يؤكد دعم إيران المستمر للإرهاب في دول عديدة.

بالإضافة الى ذلك، كتبت صحيفة إينديا تايمز الهندية INDIA TIMES الناطقة بالإنجليزية عن علاقات إيران بتنظيم داعش وتحدثت عن انضمام العديد من المتطرفين من الجنسية الهندية الى داعش وذلك بمساعدة إيران وتدريبهم ومنحهم أوراق ثبوتية إيرانية لتسهيل التردد ما بين الدول وهناك انضم المزيد من هؤلاء الى داعش في العراق وسوريا.

هذه امثلة بسيطة توضح دعم إيران للإرهاب وكيف دعمت إيران تنظيم داعش الإرهابي عبر قوات مدربة كي يستمر في القتال. كما حققت إيران العديد من المكتسبات جراء هذه اللعبة ومنها التوسع الإيديولوجي – المذهبي عبر تغيير التركيبة السكانية في مناطق معينة في العراق وسوريا.

علاوة على ذلك، هيجت إيران تنظيم داعش على إزالة أثار الحضارة الأشورية ومن ثم تحطيم المتاحف العراقية في المناطق التي خضعت لسيطرة داعش، كي تزيل الحضارة العراقية وتمهد إلى نسيان العراقيين حضاراتهم التاريخية عبر إزالة الأثار وإمحاء الذاكرة التاريخية الجماعية للعراقيين. وبنفس الوقت حاولت إيران أن تغير اسم مدينة “بابل” الحضارية التاريخية الى مدينة “الامام الحسن” مستخدمة مشاعر الشيعة الموالين لها ولكن الهدف ليس الا محاولات نحو تشويه تاريخ العراق كي توسع من التمدد العقائدي من ثم التوسع القومي الفارسي.

من خلال قراءة مبسطة والبحث عن علاقات نظام إيران بالتنظيمات الإرهابية نظير القاعدة وداعش وحزب الله لبنان وحزب الله الحجاز والحشد الشعبي وعصائب أهل الحق العراقيين، وميليشيا الحوثي اليمنية، ولواء زينبيون الباكستاني، ولواء فاطميون الأفغاني وعشرات من التنظيمات الأخرى ومافيا الجرائم المنظمة في العديد من الدول، يتضح ان مقال مجلة نيوزويك يفتقر الى الموضوعية. ومن جهة أخرى، أن المهتم في شؤون السياسة وسيما الاخصائيين في العلاقات الدولية أدركوا تمامًا أن مع سقوط النظام في طهران سيتوقف الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي التي وفرته طهران منذ عقود للمنظمات الإرهابية، وبالتالي سيترك هذا الأمر تأثير إيجابي على السلام والاستقرار في العالم وليس العكس.

 نـوري حمـــزة

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!