المقدمة
عادة ما يعرف عن الأطفال في كل مجتمع، أنهم طلائع المستقبل، والتغيير المنشود، ولا شك أن ترجمة هذا الأمر على أرض الواقع مرتبط ارتباط مباشر بالمستوى الثقافي والاجتماعي لدى المجتمعات التي تُهيئ أطفالها نفسيًا وتربويًا وثقافيًا ليكونوا على مستوى جيد ورصين يؤهلهم أن يشاركوا بشكل إيجابي في بناء مستقبل واعد. رعاية الأطفال في العهود الأخيرة اتخذت منحى أكثر منهجي من سابق عهدها، حيثُ أن الاهتمام بتأهيل الأطفال ازداد أكثر من ذي قبل وخاصة في البلاد التي شهدت نموًا وتطورًا وتقدمًا ملحوظًا على صعيد الرعاية الصحية والتعليم.
لا شك أنَّ الطفل بالدرجة الأولى يحتاج إلى رعاية الأسرة حتى أن يصل إلى مرحلة من العمر يخرج إلى دائرة أرحب من دائرة الأسرة وهي دائرة المؤسسات التعليمية؛ من روضةٍ ومدرسةٍ ومؤسسات رعاية الأطفال من موهوبين وغيرها من الدوائر والمؤسسات.
الطفل الأحوازي وبواكير حياته
تبدأ معاناة الطفل الأحوازي منذ ولادته حيث أنَّ بسبب الوضع الاقتصادي المتدني للأسرة الأحوازية بشكل عام؛ يتم الاعتماد بإكراه على المستشفيات الحكومية للإنجاب، والتي تعاني من قلة الإمكانات الطبية وسوء المعاملة من قبل الكوادر الطبية، على العكس مما يحدث في المستشفيات الحكومية في المحافظات الإيرانية/الفارسية. وعلاوةً على هذا فإن المعاملة السيئة التي تتلقاها المرأة الأحوازية أثناء الولادة هي أولى جرعات الاضطهاد التي يتجرعها الطفل الأحوازي منذ ولادته. ناهيك عن الأذى من قبيل بعض الاستفزازات العنصرية الذي تتلقاه الأم أثناء الولادة من قبل كوادر المستشفيات من غير الأحوازيين.
وأما الاضطهاد الآخر الذي يلحق الطفل الأحوازي هو عدم توفر الاختيار الحر لتسجيل الاسم الذي يتفق عليه الأبوين، حيث أن الأسرة تواجه مشكلة في دائرة النفوس في تسجيل الاسم المطلوب لمولودِها، لأن دائرة النفوس ترفض أغلب الأسماء الأحوازية وهذا الإجراء جزءً من عملية المحو الثقافي التي تعتمدها السلطات الإيرانية منذ الاحتلال.
برزخ الروضة والمدرسة
قبل أن يدخل الطفل إلى الروضة أو المدرسة يعيش في بيئة ثقافية آمنة بين أسرته، ولكن فور دخوله الروضة يتعرض لهزِّات في شخصيته، حيث يتم تلقينه اللغة الفارسية تلقينًا، وإذا ما تحدث مع أقرانه الأطفال باللغة الأم حتى يتم تأنيبه أو إقناعه أنَّ فِعلَته واغله في الإثم وإضافة إلى هذا؛ قبل التسجيل للسنة الأولى في المدرسة؛ مراكز التربية والتعليم تختبر قدرات الطفل ومهاراته في اللغة الفارسية وإذا كان الطفل لم يكن بالمستوى المطلوب سيتم رفض تسجيله، بل صرّحت رضوان حكيم زادة المسؤولة في وزارة التربية والتعليم؛ أن الطفل الذي لا يتقن التحدث بالفارسية سيعد الأمر عجزًا لسانيًا له. وهذا التصريح يتجاوز كل الأعراف الإنسانية، وتأثيره سيكون سلبيًا على الأسرة والطفل معًا.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة أنَّ الجو العام في الروضة والمدارس يسعى إلى تحطيم الطفل الأحوازي نفسيًا وثقافيًا ولغويًا ليتم إعادة هيكلة شخصيته وفق رؤية تجعله ينسلخ عن هويته الأصلية. ومن ضمن هذه العملية المنهجية هي جعل الطفل الأحوازي أن يخضع إلى اللغة المهيمنة. وهذا يولد الشعور بالدونية وعقدة النقص أمام متحدثي اللغة الفارسية وسيبقى جاثمًا على مستقبله الاجتماعي. وأيضا قد تحدث حالات نقيضة، أي بعض الأطفال يتخذون مواقف مناوئة لما يجري لهم من اضطهاد منهجي. وقد يصل إلى حد كره المتحدثين بهذه اللغة.
الأطفال والخطط الإيديولوجية للأيرنة
الطفل الأحوازي يدخل صراعًا غير متكافئ مع مخططات النظام الإيراني لدمج أبناء الشعوب غير الفارسية في القومية الفارسية، وهذا الصراع يكون على أشده في الكتب والمناهج الدراسية؛ فاللغة الفارسية تُعرَض على أنها لغة العلم والحداثة والأدب، وبالوقت نفسه يتم التعامل مع باقي اللغات ومنها العربية على أساس أنها لهجة متدنية وليس لغة!
والأمر الآخر هو محاولة خلق تاريخ فارسي مثالي وأساطيري وكذلك إبراز العصور القديمة للتاريخ الفارسي، بالأخص الحقبة الإخمينية لإدماج الأطفال في بوتقة التفريس، فيتم التركيز على أن إيران شعبًا موحدًا منذ آلاف السنين وأن اللغة الفارسية هي اللغة المعتمدة منذ آلاف السنين على الرغم من أن الحقائق مغايرة تمامًا لما تحاول الحكومات الإيرانية المتتالية ترويجه؛ فاللغة الفارسية تم اعتمادها لغة رسمية بعد مجيء شاه رضا البهلوي إلى سُدة الحكم وانتزاع الحكم من الشعب الأحوازي وضمه إلى نظام طهران.
وعملية التشويه الثقافي تصل إلى درجة أن هذه المنظومة الإيديولوجية ترى كل من يهتم بحقوقه القومية عنصريًا وكذلك عدوًا لها.
هذه العملية استعمارية بامتياز، بل وعلى النمط الفرنسي الذي تم تطبيقه في الجزائر، الفرض الثقافي واللغوي هما في الواقع عملية إبادة لا تقل سوء من الإبادة الجماعية بالسلاح الفتاك.
ونرى أن الفرض الثقافي واللغوي يتم اعتماده لدى الأنظمة الإيرانية في الأحواز منذ القضاء على السيادة في الأحواز وبالوقت نفسه أن الشعب الأحوازي يحاول أن يدافع عن هويته وكيانه من هذه المخططات اللاإنسانية والعنصرية. وفي مقدمة المتضررين من هذه العنصرية؛ هم الأطفال حيث أنهم أقل مقدرة على تحمل الضغوط النفسية والاجتماعية اللذين تستخدمهما الأنظمة الإيرانية لإبعاد الإنسان الأحوازي عن هويته.
المساجد ومراكز التعبية التابعة للحرس الثوري
بعد المدرسة يواجه الطفل تحديًا آخر يتمثل بالمشروع الطائفي الذي يعتمده النظام الإيراني منذ عام ١٩٧٩م لجعل كل الشعوب متجانسة طائفيًا وهذا كما يصرح كثير من مُنَظري الفرس؛ أن إيران تتميز عن باقي شعوب المنطقة بواسطة المذهب الشيعي الاثني عشري وعلى هذه الفكرة تم تأسيس مراكز للتعبية والتدريب، وهذه المراكز تعتمد على تعبية الأطفال والمراهقين في الاحواز لأنهم أكثر جاهزية للتلقي وكذلك لا يمكنهم تمييز مدى خطورة الأمور التي يتم تلقينها لهم.
الأمر الغريب أنه في الأحياء التي فيها مستوطنين يندر أن تكون مراكز التعبية هناك نشطة ولكن عكس هذا يحدث في الأحياء المهمشة والتي تعد مخالفة للنظام الإيراني وسبب هذا هو الفقر المدقع الذي تعيشه هذه الأحياء؛ فهذه المراكز لديها خطط لجذب الأطفال والمراهقين من خلال إقامة الحفلات الطائفية وجولات سياحية وتدريبية تملأ الفراغ الثقافي الموجود، وهذا الفارغ هو نتيجة المنع الصارم لأي نشاط ثقافي أحوازي للمثقفين.
إن هذه المراكز تبث الكراهية والعداء في عقلية الأطفال، وكذلك تروج لمعاداة الذي يختلف معهم، وفي الواقع هذه المراكز هي لغسيل أدغمة هؤلاء الأطفال، وتحويلهم إلى أدوات بيد المؤسسات الدينية التابعة للمرشد الأعلى في إيران.
الإعلام الإيراني الموجه للأطفال
الإعلام الإيراني منذ بدايته كان سلاحًا للقضاء على الشعوب غير الفارسية وبذل كل طاقاته وتمويل حكومي مستمر لإنجاح هذه الخطة التي لا يمكن تسميتها إلا بخطة استعمارية الشاملة.
الإعلام الإيراني الموجه للأطفال يتحرك ضمن أطر وسياسة ثقافية واحدة تجاه جميع الشعوب غير الفارسية ومن ضمنها شعب الأحواز، فكل اهتمام هذا الإعلام هو دمج الطفل في الثقافة الفارسية والأيرنة التي تصب لصالح هذه الثقافة، من خلال الأناشيد والأفلام الكرتونية والبرامج المباشرة التي تُعرض في القنوات الإيرانية وهذه القنوات تتبع سياسات صارمة تجاه موادها التي تُنشر. وحتى القناة المخصصة للجمهور الأحوازي تخلو من مواد عربية تبث للطفل الأحوازي، بل تقتصر المواد المخصصة للطفل على اللغة الفارسية.
وأغلب الأوقات يحاول الإعلام الإيراني تنميط المجتمع الأحوازي وأحيانًا تسايره القنوات المعارضة في الخارج في هذه النقطة! وكل هذا بغية تفكيك الثقافة الأحوازية وضعضعتها وإدماج المجتمع العربي الأحوازي في المجتمع الفارسي.
فالإعلام الإيراني يشوه بشتى الطرق صورة الشعب الأحوازي وثقافته ويظهر المجتمع العربي على أنه مجتمع تقليدي، بينما يظهر المجتمع الفارسي حضاريًا وحداثيًا، ولا شك أن هذه الدعايات تؤثر في شرائح معينة من الشعب الأحوازي ومنها الأطفال لأنهم أكثر عُرضة لهذه الدعايات المستمرة.
الدعايات الإعلامية المخصصة للأطفال تسعى لترسيخ بعض المفاهيم التي تربطه بالثقافة الفارسية وتبعده من ثقافته الأصلية وهذا يتم بشكل ضمني أحيانًا وبشكل واضح وجلي أحيانًا أخرى، وبكل هذا يتم التعتيم لأي صوت ينادي بالتعليم باللغة الأم!
يحدث كل ما ذكرت في هذا المقال في إطار الدستور الإيراني الذي يصرح في المادة الـ ١٥ على حرية الطبع والنشر وتعليم اللغات غير الفارسية بجانب الفارسية. تبقى إيران بلد التناقضات وهي المعتدية منذ قرن على حقوق عامة الشعوب غير الفارسية، ولكن هل يبقى هذا الظلم والتهكم والتلاعب والتعدي قائم إلى الأبد؟
فالجواب: كلا، هناك اليوم نرى صحوة عميقة في أوساط الشعوب غير الفارسية، فتحت هذه الصحوة معركة سياسية وحقوقية واجتماعية ضد الحكم الفارسي المهيمن. إيران حبلى بالمفاجئات والمستقبل واعد بكشف صراعات الهويات غير الفارسية ضد الحكم المهيمن الذي يمثل الشعب الفارسي دون غيره.
إلى ذلك نرى أطفال أمس وشباب اليوم الذين طالما ظلموا من قبل الدولة الفارسية وجربت بحقهم نظريات علم النفس والتعليم بغية تجهيلهم وانسلاخهم عن هوياتهم، نراهم اليوم في مقدمة المعركة ضد الظلم والاستعمار الفارسيين.