الخميس, ديسمبر 19, 2024
دراساتاحتلال الأحواز واتفاقية عدم  تغيير الحدود 1941 : مدى مشروعية الاعتراف بالحدود...

احتلال الأحواز واتفاقية عدم  تغيير الحدود 1941 : مدى مشروعية الاعتراف بالحدود الراهنة لإيران في القانون الدولي.

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

شكلت اتفاقية ” عدم تغيير الحدود”، التي تمخضت عما يعرف بـ “ميثاق الأطلسي Atlantic Charter “، الأساس الإيديولوجي لترسيم الحدود الراهنة التي تبنتها منظمة الأمم المتحدة، إذ أسس ميثاق الأطلسي لأهداف القوى المنتصرة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في الحرب العالمية الثانية. وقد كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فرانكلين روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرتشل، قد أقرَّا إعلانًا للحرب في أغسطس/ آب 1941 في مؤتمر عقد على ظهر سفينة على مقربة من ساحل المقاطعة الكندية من نيوفاوندلاند.

شكل ميثاق الأطلسي تعبيراً واضحاً لبداية انسحاب بريطانية عن منطقة الشرق الأوسط، وتنازلها للولايات المتحدة الأمريكية لتحل محلها  في المنطقة، في رغبة عبر عنها كل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ايزنهاور، ورئيس الوزراء البريطاني تشرتشل، بتبني المبادئ المشتركة في السياسات الوطنية لبلديهما، ويبنيان آمالاً عريضة لمستقبل أفضل للعالم، ومن أهم ما تضمنه ميثاق الأطلسي، هو الإفصاح الواضح لحكومة البلدين تبادل المصالح، دون الالتفات إلى الرغبة الحقيقة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، أو تصحيح الأوضاع القانونية للحدود الجغرافية، التي نتجت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وفي مقدمتها ما أقدمت عليه بريطانيا،عندما تنازلت لإيران عن أمارة الأحواز.

أولاً – التناقضات البنيوية بين اتفاقية ” عدم تغيير الحدود” والحدود الأحوازية في القانون الدولي

تضمن البند الثاني ميثاق الأطلسي ” عدم رغبة البلدين في إجراء أيِّة تغييرات لا تنسجم مع رغبات الشُّعوب التي يهمها الأمر”(١)، في تجاوز واضح لرغبة الشعب الأحوازي، الذي لم تنقطع رغباته المتكررة في إعادة رسم حدوده التاريخية، والتي تمثلت بالثورات الأحوازية، التي لم تنقطع من الأيام الأولى للاحتلال وحتى يومنا هذا، وبالتالي فإن اتفاقية عدم تغيير الحدود شكلت انتهاكاً صارخاً لحق الملكية، كما انتهاكاً لأهم قواعد القانون الدولي، التي أكدت احترام سيادة الدول كبيرها وصغيرها.

1-اتفاقية عدم تغيير الحدود وانتهاك مبدأ حق الملكية: بالعودة إلى نصوص ميثاق الأطلسي الذي أسس لحدود إيران السياسية في إطار منظمة الأمم المتحدة اليوم، فقد تضمن الميثاق – بالإضافة إلى الرغبة بعدم تغيير الحدود- ” إن حكومتي البلدين لا تسعيان إلى تحقيق توسّع إقليمي أو غيره” (٢). وهو ما يتعارض مع البند الثالث من ميثاق الأطلسي الذي نص على ” ” إنهما يحترمان كُلّ الشعوب في اختيار نوع الحكومة، التي تعيش تحت حكمها ويودَّان رؤية حقوق الملكية، والحكم الذَّاتي عند أولئك الذين حُرموا منها”. هو ما يتعارض تعارضاً بيناً وواضحاً مع رغبة الشعب الأحوازي في رفض الاحتلال الإيراني وممارسات الحكومة الإيرانية، كما يتعارض تعارضاً واضحاً مع ما أكده ميثاق الأطلسي باحترام ” حقوق الملكية”، إذ تجاوز البلدان ( الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية)، الوقائع التاريخية التي تثبت حق ملكية الشعب الأحوازي وحدوده التاريخية، منذ نشأت الدولة المشعشعية ١٤٣٦ – ١٧٢٤ م (٣)، واعتراف الدولتان الصفوية والعثمانية باستقلالها. كما تجاوزهما للوجود التاريخي للدولة الكعبية 1724-1925م، التي حافظت على استقلالها، وهو ماتثبته الممارسات المادية للدولة الكعبية التي قامت بتأهيل ” نهر كارون”، وإعادة فتحه للتجارة وإنشاء خطوط سكك حديدية، مما جعل دولة الأحواز نقطة تقاطع تجاري، لاسيما بعد شق قناة السويس في مصر، مما انعكس على  زيادة النشاط التجاري في المنطقة ككل، قبل أن يحكمها بين أعوام ١٨٩٧ و١٩٢٥ الامير خزعل بن جابر.

لقد أسس ميثاق الأطلسي الذي أقر مبدأ عدم تغيير الحدود ، لقسرية التلازم الوثيق بين واقعية العلاقات الدولية ومبادئ وقواعد القانون الدولي العام. فالاتفاق الذي وضع حجر الأساس لميثاق الأمم المتحدة، الذي تضمن في مادته الثانية التأكيد على أن “تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها، و لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية، يقومون في حسن نية ‏بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق. وأن يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر. وأن يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. وليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق” (٤).

وعلى هذا الأساس، شكل ميثاق الأطلسي الذي ثبت الحدود الجغرافية لإيران بوضعها الحالي، انتهاكاً صارخاً للمبادئ والقواعد التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة، الذي منع على الأعضاء في الأمم المتحدة في علاقاتهم الدولية، ” التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي  لأية دولة”. الأمر الذي يعكس تعارضاً مع مبادئ القانون الدولي، ويكشف الغايات التي كانت تضمرها بريطانيا. و هو ما تؤكده الوقائع التاريخية، حيث باتت بريطانيا تخشى – بعد عام 1920- من قوة الدولة الخزعلية، لذلك اتفقت مع إيران على إقصاء أَمير الأحواز، وضم الإقليم إلى إيران. حيث منح البريطانيون الفرس الاذن لانضمام الإمارة الغنية بالنفط إلى إيران، بعد اعتقال الأمير خزغل، كما أدى اكتشاف النفط في الأحواز، وعلى الأخص في مدينة عبادان الواقعة على الخليج العربي مطلع القرن العشرين إلى  تنافس القوى للسيطرة عليها بعد تفكك الدولة العثمانية.

2- ميثاق الأطلسي والتعارض بين ” مراعاة الأوضاع الراهنة”، الاعتراف بالدول ” صغيرة أم كبيرة، مهزومة أم منتصرة” : 

تضمن البند الرابع من ميثاق الأطلسي 1941، أن الدولتان الموقعتان ” سيبذلان جهدهما مع مراعاة الالتزامات الراهنة لتحقيق السعادة لجميع الدول صغيرة كانت أم كبيرة، مهزومة كانت أم منتصرة. وتكون لها حقوق متساوية في التجارة وفي الخامات الأولية التي تحتاج إليها لازدهارها الاقتصادي. وهو ما حصل بالفعل حيث أقرت الدولتان الموقعتان بـ ” الأوضاع الراهنة”، استناداً للمصالح السياسية والاقتصادية التي تربطهما، وهو ما تضمنه البند الخامس من ميثاق الأطلسي، الذي عبرا فيه أنهما ”  يودَّان أن يدعما التعاون والتآزر لأقصى حدٍّ ممكن في المجال الاقتصادي، مع مراعاة ضمان الأمن للجميع، وتحسين مستويات العمالة والتقدم الاقتصادي والأمن الاجتماعي5″.

وعلى هذا الأساس دخل الجیش الإیراني مدینة المحمرة عاصمة الأحواز (عربستان أنذاك)- التي كانت تشكل مركز الحكومة- سنة 1925 لإسقاطها ، وإسقاط آخر حکام الأحواز، وهو الشيخ خزعل بن جابر، وکان قائد القوات الإيرانية حينها رضا خان.و تعود الدوافع الأصلية  لاحتلال إيران لهذه المنطقة إلى كونها غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز،  والأراضي الزراعية الخصبة حيث يتواجد فيها أحد أكبر أنهار المنطقة، وهو نهر كارون الذي يسقي سهلاً زراعياً خصباً تقع فيه مدينة الأحواز.  كما أن الأحواز كانت ومازالت هي المنتج الرئيسي لمحاصيل مثل السكر والذرة في إيران إلى يومنا هذا. إذ تساهم الموارد المتواجدة في هذه الأحواز بحوالي نصف الناتج القومي الصافي لإيران وأكثر من 80% من قيمة الصادرات في إيران. ولعل ما يؤكد ذلك المقولة الشهيرة  للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي ” إيران تحيا بخوزستان (شمال إقليم الأحواز)” (٦).

3– ردود الأفعال تجاه ميثاق الأطلسي واتفاقية عدم تغيير الحدود: فسرت قوى المحور الاتفاقيات الدبلوماسية على أنها تحالف محتمل ضدهم،  ففي طوكيو، فقد ساعد ميثاق الأطلسي 1941 على ازدياد أعداد مؤيدي الحلول العسكرية في الحكومة اليابانية، فطالبوا بإجراءات أكثر عدوانية تجاه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. كما أثبت ميثاق الأطلسي الذي تضمن في أهم بنوده ” اتفاقية عدم تغيير الحدود”  أنه واحد من الخطوات الأولى باتجاه تشكيل الأمم المتحدة (٧)، التي رسمت حدود إيران السياسية حسب أوضاعها الراهنة اليوم. وبالتالي أصبحت الحدود السياسية لإيران مجرد خطوط من صنع التجاذبات الدولية والمصالح بين الدولتيين العظميين بريطانيا ( التي بدأت بالانسحاب من المنطقة)، والولايات المتحدة ( التي بدأت تحل محلها).

ثانياً- فكرة الحدود السياسية للدول في القانون الدولي

يؤكد فقه القانون الدولي العام، أن الحدود السياسية للدول، التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة، لا تخرج عن التفسير السياسي لماهية الحدود، كخطوط متصلة أو مقطعة، تم رسمها على الخرائط.وبالتالي فإنّ التوصيف القانوني لـ ” حدود” إيران، يتجاوز المعنى الحقيقي لماهية الحدود، بحيث تبدو الخارطة الأحوازية ” تخوماً” لحدود إيران. استناداً للفروق الجوهرية بين الحدود والتخوم. فكلمة تخوم توصف بأنها الواجهة المتقدمة لحضارةً ما، وهي الحضارة العيلامية للشعب الأحوازي كجزء من الأمة العربية، أما الحدود فهي توصف بأطراف الأراضي أو الإقليم الذي تحده. وبذلك تقوم التخوم في اتجاه الخارج، والحدود في اتجاه الداخل بالنسبة للدولة (٨) بينما الحد السياسي ظاهرة بشرية لأغراض سياسية، بينما التخوم ظاهرة طبيعية ارتبطت بالمواقع الوعرة غير الصالحة للاستيطان البشري، كالصحاري والجبال الشاهقة الارتفاع (٩)، وهو ما تؤكده الطبيعة الجغرافية والديموغرافية للأحواز. ففي ظل الإمبراطوريات الكبرى القديمة، كانت مناطق التخوم تقع ما بين إمبراطورية وأخرى (١٠)، تماماً كما كانت بين حدود الدولة العربية والفرس، أو كانت مناطق تجَاور مع كيانات خارجية أقل حجماً. وفي العصور الحديثة قد استبدلت التخوم بالحدود السياسية في كل أرجاء الأرض.

تتعارض اتفاقية عدم تغيير الحدود، التي تمخض عنها ميثاق الأطلسي 1941، الذي أسس لإنشاء منظمة الأمم المتحدة، التي تعاملت مع الحدود السياسية لإيران كوضع راهن، مع المعايير التي أقرها القانون الدولي العام بشأن الاعتراف بالحدود السياسية للأحواز. وفي هذا الخصوص يحدد القانون الدولي العام ثلاثة معايير لترسيم الحدود بين للدول، وهي: المعيار الطبيعي، والمعيار القومي، ومعيار القوة والقهر أو ما يسمى بـ ” الاتفاقيات غير المتكافئة”.

1- المعيار الطبيعي لترسيم الحدود الأحوازية: استناداً للمعيار الطبيعي لترسيم الحدود في القانون الدولي. الذي يأخذ بتخطيط الحدود حسب التضاريس الجغرافية، تبدو الأحواز جغرافياً داخل الحدود العربية وامتداداً لها،. وبالتالي فهي حدود أحوازية متاخمة للدولة الفارسية ( مع التفريق بين فكرتي الحدود والتخوم). إذ يحد الأحواز من الغرب محافظتا البصرة و ميسان (العمارة) العراقيتان ، ومن الشرق والشمال سلسلة جبال زاغروس التي تعتبر الحاجز الجغرافي الطبيعي، الذي يفصل بين الأحواز وايران، ويجعل منهما منطقتين مختلفتين تماماً في الخصائص الجيولوجية و الطوبوغرافية والحياتية، اذ أن إيران عبارة عن هضبة تحيط بها حافات من السلاسل الجبلية الضخمة. ويعتبر القانون الدولي أنّ هناك عوائق وعقبات تواجه عملية تخطيط حد سياسي في الجبال، لأن الجبال تشغل مساحات؛ بينما الحدود تمثل خطوط. لذلك فإن الأمر يتطلب اتفاق الدولتين الطرفين في الحد السياسي على خط سير الحد عبر السلسة الجبلية أو الجبل، ومدى اتفاق الحد السياسي مع خط تقسيم المياه، أو سيره عند أقدام الجبل. إذ تمتاز الجبال بأنها ظاهرة بارزة ووعرة وصعبة العبور، مما يجعلها لتكون حدود فاصلة بين الدول.

وهناك أمثلة كثيرة على الحدود مع الجبال، كالحدود بين الصين والهند مع جبال الهيمالايا، والحدود بين تشيلي والأرجنتين مع جبال الإنديز( ١١). وتتميز الحدود الجبلية بالمنعة القادرة على عدم قدرة الدول في تجاوز ترسيم حدودها على حساب دولة أخرى. (للحصول على معلومات اكثر حول جغرافية الأحواز تابع الرابط التالي : https://www.dusc.org/ar/article/1337 )

ومن خلال دراسة الظواهر الجغرافية للأحواز ، يتضح لنا أن الأحواز أرض منبسطة، ومتشابه في جميع  أجزائها ، كما تشقها عدة أنهار، وتتخلل بعض أقسامها أهوار ومستنقعات . أما الأراضي البعيدة عن الأنهار فهي صحراوية قاحلة تغمرها سبخات في بعض أجزائها. في اختلاف واضح عن التكوين الجغرافي لإيران، حيث ترتفع الأراضي فجأة من الشرق إلى ارتفاعات شاهقة في جبال زاغروس، ومن الشمال في لرستان، وليس في الأحواز- ما عدا ذلك – سوى سلسلة من التلال طولها نحو 30 ميلاً وارتفاعها نحو  300 قدم  في مدينة الأحواز العاصمة.

لقد أثبتت التحريات الجيولوجية أن التاريخ الجيولوجي لأراضي كل من الأحواز والسهل الرسوبي من العراق متماثل، وأن أراضيهما تكونت في وقت واحد من ترسبات دجلة، والفرات، وكارون وتفرعاته ، فأدى ذلك إلى ظهور الأراضي الحديثة على جانبي شط العرب، الذي يتكون من ضفتين أحدهما أحوازية وثانيهما عراقية. لذلك فان سهل الأحواز والسهل الجنوبي من العراق يشكلان امتداداً طبيعيا لبعضهما (١٢). كما تفصل الحدود في شط العرب بين مجموعات عربية أصلها في العراق و مجموعات عربية أخرى امتدادها في الأحواز ( إيران الحالية).

2- المعيار القومي أو الإثنوغرافي للحدود الأحوازية: وقد أخذ القانون الدولي هذا المعيار لترسيم الحدود بين مجتمعين سياسيين متجاوريين، يتحدث كل منهما بلغة مختلفة، أو يدين كل منهما بدين مختلف، أو يميز بينهما عوامل ثقافية أخرى. وظهر هذا النوع من الحدود بعد الحرب العالمية الأولى. ويعده بعض الجغرافيون من أفضل أنواع الحدود السياسية لقلة المشكلات الحدودية به. ومن أشهر الأمثلة على الحدود الحضارية هي الحدود في قارة أوروبا، خصوصاً في وسط أوروبا، فقد رسمت على أساس اختلاف اللغات بين شعوب أوروبا (١٣).

وبتطبيق هذا المعيار على الحالة الأحوازية، فتتحدد الحدود الأحوازية في إطار انتماءه  للشعب العربي بجغرافيته المعروفة، إذ تشكل الحضارة العيلامية أحد الحضارات القديمة، التي انتشرت بمنطقة الأحواز، وامتدت من الجنوب إلى مناطق الأحواز، والمحمرة، ومن الغرب إلى البصرة والكوت في العراق. وبالتالي فهي أحد الحضارات العربية التي سادت في بلاد الرافدين. فقد كان الشعب العيلامي أَول من استوطن الأحواز، وهو من الشعوب السامية التي يعود إليها أجدادهم العرب، بينما يشكل الفرس خليطاً من الأجناس الهندو أوروبية، وقد خضع الشعب الأحوازي في بادئ الأمر لسلطان المملكة الأكّادية في العراق. واستطاع العيلاميون عام ٢٣٢٠ ق.م اكتساح المملكة الأكّادية واحتلال عاصمتها أور، وأنشأوا على أنقاضها المملكة العيلامية التي بسطت سلطانها على الأقوام السامية التي كانت تستوطن إقليم الاحواز.

وفي عهد الملك حمورابي خضعت الأحواز للبابليين في ٢٠٩٤ ق.م ثم الآشوريين، وبعدهم اقتسمها الكلدانيون والميديون. ثم غزاها الأَخمينيون عام ٥٣٩ ق.م وتركوا للسكان حرية اتباع قوانينهم الخاصة. ثم خضعت المنطقة للإسكندر المقدوني. وبعد موته خضعت للسلوقيين منذ عام 311 ق.م، ثم للبارثيين ثم الأُسرة الساسانية، التي لم تبسط سيطرتها على الإقليم إلا في عام ٢٤١ م. وقد قامت ثورات متعددة في الإقليم ضد الساسانيين، مما اضطر هؤلاء إلى توجيه حملات عسكرية كان آخرها عام ٣١٠ م ، حين اقتنعت المملكة الساسانية بعدها بصعوبة إخضاع الساميين (العرب)، فسمحت لهم بإنشاء إمارات تتمتع باستقلال ذاتي مقابل دفع ضريبة سنوية للملك الساساني (١٤).

ساعدت الظروف الدولية منذ القرن التاسع عشر على انتهاء استقلال إمارة الأحواز، فقد حددت اتفاقية أرضروم الثانية، التي وقعت في 31 مايو/ أيار ١٨٤٧ بين الحكومتين العثمانية والفارسية، بتوسط من القوى الكبرى في حينها بريطانيا وروسيا لأول مرة الحدود في شط العرب التي وصفت في عبارات عامة دون تحديد دقيق، وقد تنازلت الحكومة الفارسية للحكومة العثمانية عن مطالبتها بمدينة السليمانية إلى جانب جميع الأراضي المنخفضة – أي الأراضي الكائنة في القسم الغربي من منطقة “الزاب”. مقابل سيادتها على مناطق على المحمرة والضفة الشرقية من النهر (١٥).

3- معيار القوة والقهر أو ما يسمى بـ ” الاتفاقيات غير المتكافئة”: وقد ارتبط هذا المعيار بفكرة تقليدية ترتبط بمفاهيم بحقبة القوى الاستعمارية وتنافسها العسكري (١٦)، كما هو حاصل في الحالة الأحوازية. حيث كانت ترسم حدود المستعمرات بالتعاقد بين القوى الاستعمارية، عندما كانت تتلاقى نفوذ القوى الاستعمارية، وذلك دون الاستناد لأي معيار طبيعي أو معيار قومي وبشري. وبالتالي فالحدود التي تشكلت على أساس معيار القوة أو القهر، أو الاتفاقيات غير المتكافئة (١٧)، لا  تعتبر حدوداً سياسية متأصلة للدول التي استحوذت عليها، تماماً كما حصل في اتفاقية عدم تغيير الحدود التي تمخض عنها ميثاق الأطلسي 1941، إذ عُقدت الاتفاقية في حالة من عدم التكافؤ بين القوتيين العظميين ( الولايات المتحدة وبريطانيا) من جهة، ودولة الأحواز من جهة أخرى.

وبناءً على ذلك نجد أن العديد من الجماعات العرقية الواحدة أو الشعب الواحد على سبيل المثال، قد قطع أوصاله وشتت على دول مختلفة، وفق تجاهل لكل ما هو قومي أو طبيعي، وبالتالي استحوذت إيران على الأحواز، وجعلتها داخل حدودها السياسية استناداً القهر والقوة والاتفاقيات غير المتكافئة، الذي يتعارض ومبدأ ” السيادة بين الدول كبيرها وصغيرها”، كما تعارضه مع نص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة ( كما مرّ معنا سابقاً).

خاتمة

لقد أخذ ميثاق الأطلسي الذي أسس لاتفاقية عدم تغيير الحدود ، مكانة مهمة في معاهدات الصلح التي عقدت من أجل تأسيس منظمة الأمم المتحدة؛ لكنهُ – حتى هذه اللحظة- لا يكتسب أية قيمة قانونية في إطار القانون الدولي العام، أو القواعد القانونية الإلزامية في القانون الدولي، خصوصاً وأنه أحد الاتفاقيات التي عقدت بين حكومتين، وحسب فقه القانون الدولي تعتبر الاتفاقية أقل قيمة من المعاهدة الدولية، لاسيما وأن إنشاء الأمم المتحدة هو وليد معاهدة دولية بين الدول الأعضاء فيها. وبالتالي تعتبر الاتفاقيات التي قادت إلى معاهدة إنشاء منظمة الأمم المتحدة، أقل قيمة قانونية منها، بل وتعتبر باطلة إذا تعارضت مع بنود المعاهدة، وهو ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة، الذي تضمن احترام سيادة الدول، وعدم التهديد باستخدام القوة أو استعمالها.

وبالتالي، فإن ميثاق الأطلسي و ما نتج عنه، لا يكفي لاعتباره من قواعد القانون الدولي العام،  وهو الوضع القانوني ذاته الذي ينسحب على أمارة الأحواز أبان تلك المرحلة، والتي أعطى من خلالها ميثاق الأطلسي لإيران، الحجة في ترسيم حدودها حسب الأوضاع السياسية الراهنة ، واستناداً لمعيار القوة والقهر والاتفاقيات غير المتكافئة، وفي إطار التحالفات الدولية أبان تلك المرحلة.

بعد هذا التاريخ حدث تغييراً آخراً في النظام الدولي، انعكس سلباً مرة أخرى على أمارة الأحواز، عندما انضم الاتحاد السوفياتي لميثاق الأطلسي المعقود بين الحكومتين الأمريكية والانكليزية الموقع بين الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في ١٤/ آب/١٩٤١، في أيلول عام ١٩٤١. وقد نصت المادة الثانية من الميثاق على إن:” الحكومتين لا ترغبان في أي تعديل إقليمي لا يتفق مع الرغبة التي يعربُ عنها السكان المعنيون بحرية تامة”. كما نصت المادة الثالثة منه:” باحترام حق جميع الشعوب في اختيار شكل الحكومة التي تريد أن تعيش في ظلها”.  ثم جرى تأكيد هذا المبدأ في تصريح الأمم المتحدة الصادر في ١/كانون الثاني/١٩٤٢، وتصريح يالطا الصادر في ١١/شباط/١٩٤٥، دون الأخذ بعين الاعتبار لبند ” الرغبة التي يعرب عنها السكان المعنيون”، حيث تجاهلت القوتين العظميين الثورات الأحوازية، التي لم تنقطع منذ الأيام الأولى للاحتلال.

لقد شكل الحراك الثوري الأحوازي، و الرغبة الجماهيرية في رفض الاحتلال الفارس، إلى بطلان مقررات ميثاق الأطلسي، إذ شكلت الثورات والانتفاضات الأحوازية – التي لم تنقطع – دليلاً قانونياً قاطعاً على مشروعية الحق الأحوازي في ترسيم حدوده، و بطلاناً لمقررات ميثاق الأطلسي، الذي استند على الرغبة الجماهيرية في تقرير هذا الحق، الأمر الذي يؤكد أنّ احتلال الأحواز جاء في إطار المصالح والصفقات السياسية في نأي واضح عن التوصيف القانوني، الذي يشير إلى تأكيد فكرة ” الاحتلال الإيراني” و يتجاهل حق الأحوازيين في تحرير بلادهم، كحق متأصل في فقه القانون الدولي، الأمر الذي يؤكد عدم مشروعية الأساس القانوني لفكرة ” عدم تغيير الحدود التي اتفقت عليها القوى العظمى حينذاك. وتدليلاً على ذلك يمكننا أن نعدد البعض من ثورات الشعب الأحوازي.

 

 

الهوامش:

  1. ‘The Atlantic Charter’Declaration of Principles issued by the President of the United States and the Prime Minister of the United Kingdom .
  2. https://www.nato.int/cps/en/natohq/official_texts_16912.htm
  3. المرجع ذاته.
  4. للاستفاضة انظر: محمد حسين الزبيدي، أمارة المشعشعين، أقدم أمارة في عربستان، 1982.
  5. انظر: المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، الفقرات من 1- 7.
  6. انظر : البند الخامس من ميثاق الأطلسي 1941.
  7. استقلال الأحواز عن إيران: الفرص والتحديات. على الرابط:

https://afaip.com/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B2-%D8%B9%D9%86-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%B5-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF/  –

  1. انظر: ميثاق الأطلسي، قاموس المورد، منير البعلبكي، بيروت،1991.
  2. بيتر تايلور و كولن فلنت، الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر، ترجمة: عبد السلام رضوان وإسحاق عبيد، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2003، ص 162.
  3. بيتر تايلور وكولن فلنت، مرجع سابق، ص 279.
  4. Jones, S S.P, Boundary Concepts in the Setting of place and Time, AAG, 1959, NO. 44, PP 241 – 255
  5. https://www.marefa.org/%D8%AC%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A7_%D8%A7%D9%84
  6. Thomas, B.L., International Boundares: Lines in the sand (and the sea), Oxford, 1994, P. 87.

14.https://www.marefa.org/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD

  1. المرجع ذاته.
  2. Weigert, H., Principle of Political Geography, New Yourk, PP. 92 – 93.
  3. الجغرافيا السياسية، مجلة المنهل، العدد 538، مارس 1997، ص 113.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!