مقدمة
يقوم القانون الدولي الإنساني على مبدأ المعاملة الإنسانية الذي يهدف إلى صيانة عرض ودم وكرامة الإنسان أثناء المطالبة المشروعة بحق تقرير المصير، وما يتخللها من مندرجات قد تصل إلى النزاع المسلح.
تأخذ الحالة الأحوازية وضعاً قانونياً متمايزاً، بسبب تداخل القضية الأحوازية كقضية احتلال، بين أولئك المدنيون الذي يرزحون تحت نير السلطات الإيرانية، ويشكلون في غالبيتهم الحراك السلمي الداخلي، إلى جانب أولئك الذين يعملون في إطار حق تقرير المصير واستخدام كافة الوسائل المتاحة في سبيل هذا الحق في إطار القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وفي هذا الإطار تبرز من الناحية القانونية أهمية التفريق بين مفهوم المعتقل الأحوازي و مفهوم الأسير الأحوازي ، حيث تجد السلطات الإيرانية من خلال هذا الخلط بين المفهومين فرصة لتنفيذ سياساتها القمعية بحق القضية الأحوازية، وبالتالي الدمج في إطار اختلاف التعريف والوضع القانوني والحقوق التي يتمتع بها كل منهما في إطار القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وتعتبر ظاهرتي الأسر والاعتقال حالتين تتلازمان بشكل طبيعي مع جميع النزاعات، حيث يرتبط مفهوم الأسر في القانون الدولي الإنساني بالشخص المسلح في إطار حق تقرير المصير، حيث يوجب القانون الدولي أن تتوفر له شروط محددة دفعته لحمل السلاح، وبالتالي معاملته كأسير حرب إذا ما وقع في أيدي العدو. ويعرف القانون الدولي الإنساني الأسير بأنه الشخص الذي يقع في قبضة العدو من أفراد القوات المسلحة المعادية أو الأفراد التابعين لها.
بينما يُعرف المعتقل، استناداً لفقه القانون الدولي الإنساني، هو الشخص المدني الذي يقع في قبضة العدو على أن لا يكون مشاركاً في العمليات العسكرية. ولا يعتبر أسير الحرب خاضعاً لسلطة الجنود الذين يقع في أسرهم، وإنما لسلطة الدولة التي أسرته، ويتعين على الدولة الآسرة احترام الأسرى الخاضعين لسلطتها، وأن توفر لهم الحماية والمعاملة الإنسانية.
أولاً – الأوضاع القانونية للمعتقلين الأحوازيين في سجون السلطات الإيرانية:
تكفل اتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩ والبروتوكول الإضافي الأول كذلك حماية واسعة النطاق للمعتقلين المدنيين خلال النزاعات المسلحة الدولية. فلا يجوز لأحد أطراف النزاع وضع أشخاص مدنيين تحت الإقامة الجبرية أو اعتقالهم. وبالتالي، فإنّ الاعتقال يجب أن لا يتعدى كونه إجراءً أمنياً، أي انتهاء الاحتجاز بانتهاء الحالة الأمنية التي استوجبت ذلك، وهو ما ينطبق على الحالة الأحوازية، وبالتالي لا يمكن اللجوء إليه كشكل من أشكال العقوبة. ما يعني أن كل شخص معتقل يجب الإفراج عنه إذا لم تعد الأسباب التي استلزمت اعتقاله موجودة. وتتشابه القواعد التي تنظم معاملة المعتقلين المدنيين وظروف احتجازهم بموجب القانون الدولي الإنساني كثيراً مع القواعد التي تنطبق على أسرى الحرب.
ففي إطار النزاعات المسلحة غير الدولية، تنص المادة ٣ المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩ والبروتوكول الإضافي الثاني على أن الأشخاص الذين حرموا من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع يجب أيضاً معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأحوال. وهم يحظون بالأخص بالحماية من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة. وفي هذا الإطار سنتطرق – على سبيل المثال لا الحصر – لنموذجين بارزين في القضية الأحوازية أحدهما تتعلق باعتقالات جماعية وهي احتجاجات نيسان / أبريل ٢٠١٨، وثانيهما تتعلق بحالة فردية، وهي حالة الشاب بنيامين البوغبيش، الذي قتلته السلطات الإيرانية تحت التعذيب.
- احتجاجات نيسان / أبريل ٢٠١٨: أقدمت السلطات الإيرانية على شن حملة اعتقالات واسعة في الأحواز، حيث طالت الاعتقالات عشرات العاملين في قطاع الفولاذ، الذين لطالما اشتكوا من سوء أوضاعهم المعيشية، إلا أنّ سلطات الأمن الإيراني، وجدت في ممارسة حق التظاهر السلمي المكفول في المواثيق الدولية، فرصة لممارسة استمرار النهج القمعي من جانب النظام الإيراني ضد الاحوازيين العرب، وعلى خلفية هذه الاحتجاجات السلمية، التي خرجت مطالبة بوقف التمييز والعنصرية ومحاولة طمس الهوية العربية، أقدمت السلطات الإيرانية على اعتقال أكثر ٥٠ عاملاً أحوازياً يعملون في ” الشركة الوطنية الإيرانية لصناعة الصلب” بالأحواز، وقامت بتهديد العمال المحتجين بالفصل التعسفي. وقد أكدت هذا الانتهاك العديد من المواقع الإيرانية ومنها ” اتحاد العمال الحر”، التابع للحركة العمالية في إيران، معترفة أن ” العمال المعتقلين أغلبهم من النشطاء المدافعين عن حقوق انتهاك حقوق العمال، وبسبب عدم حصولهم على رواتب لعدة أشهر. إلا أنّ السلطات الإيرانية كانت في كل مرة تربط أي احتجاج أو مظاهرة سلمية للمدنيين بالقضية الأحوازية، في محاولة لقمع كل أحوازي، بدمج مفهوم المدني أو الناشط الأحوازي أو المطالب بحق تقرير المصير في خانة واحدة، جعلت من كل معتقل أحوازي أسير حرب بدون أية ضمانات قانونية أو إنسانية. وخلال احتجاجات نيسان ٢٠١٨ وسعت السلطات الأمنية الإيرانية من هذه الحادثة، لتترافق مع اعتقالات تعسفية قامت بها مؤسسة الحرس الثوري الإيراني في ” حي الثورة” بمدينة الأحواز طالت أحوازيين شباب دون سن الأهلية القانونية، حيث وصل عدد المعتقلين إلى ٥٠٠ معتقل أحوازي، ولم تنفع مطالبة أهاليهم الذين أصدروا بياناً مشتركاً طالبوا فيه بإطلاق سراح المعتقلين، حيث رفضت السلطات الإيرانية حتى الكشف عن أماكن اعتقالهم، كما طريقة الاعتقال التي تمت بشكل عشوائي من بيوتهم ومقار عملهم دون أي سند قانوني أو حماية قانونية، وقد أبدت منظمات حقوقية عديدة منها منظمة العفو الدولية عن قلقها لأوضاع المعتقلين الأحوازيين، بسبب الانتهاكات المستمرة للنظام الإيراني وأجهزته الأمنية في سياسات تعذيب المعتقلين والوحشية التي يرتكبها في الحصول على اعترافات بالقوة، في الوقت الذي لم تتوقف فيه الاحتجاجات التي استمرت لأكثر من ١٠ أيام ضد سياسات تهميش الأحوازيين والتمييز العنصري ومشاريع التغيير الديموغرافي المرتكبة بحقهم (١).
- حالة عائلة الشاب بنيامين البوغبيش : في ١٥ مارس/ آذار ٢٠١٨ اعتقلت السلطات الإيرانية الشاب الأحوازي” بنيامين البوغبيش، لأول مرة مع أخيه، محمد علي، وأمهما مريم زبيدي، واتُهموا جميعاً حينها بتهم تتعلّق بالأمن القومي الإيراني، وأن لهم علاقة مباشرة مع قريب لهم يعيش خارج إيران، حيث اعتقلتهم السلطات الإيرانية لصلتهم الوثيقة – على حد زعمها- بمجموعات تدعو للانفصال عن الدولة الإيرانية.
وحسب حيثيات القضية التي تابعتها تفصيلاً منظمة العفو الدولية، فقد ” اُفرِج عن بنيامين البوغبيش وأخيه بكفالة بعد عدة شهور من الاعتقال بينما نُقِلت أمهما إلى سجن سبيدار في الأحواز ثم أُطلِق سراحها بكفالة لاحقا في شهر ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٨ تقريباً. ثم أعيد اعتقال الاخوين البوغبيش في أوائل عام ٢٠١٩ وأُفرِج عنهما بكفالة بعد مرور شهرين على اعتقالهما. وفي ٢٦ مايو/أيار ٢٠١٩، أُعيد اعتقالهما برفقة أمهما إذ نُقِل بنيامين البوغبيش إلى مركز احتجاز يُعتقد أنه يخضع لسيطرة قوات الحرس الثوري، بينما نُقِل أخوه إلى سجن شيبان في الأحواز، وأحيلت أمهما إلى سجن سبيدار في ظروف مجهولة.
في حزيران / يونيو ٢٠١٩، علمت منظمة العفو الدولية بمقتل الشاب بنياميين البوغبيش، فطالبت السلطات الإيرانية بشكل عاجل، بفتح تحقيق فعال ونزيه في الظروف المشبوهة التي أحاطت باعتقاله، وقالت منظمة العفو الدولية أنّ الشاب البالغ من العمر ٢٨ عاماً في السجون الإيرانية، قتل على أيدي الحرس الثوري الثوري الإيراني في معتقله، بعد مرور شهر على اعتقاله التعسفي، وتم إخبار عائلته بأنه تُوفي في مركز للاحتجاز في الأحواز. وفي حيثيات القضية التي ناقشتها منظمة العفو الدولية تفصيلاً، توصلت منظمات حقوقية ومنظمة العفو الدولية إلى ” استخدام التعذيب الممنهج في مرافق الاحتجاز الإيرانية، وإن الشاب الأحوازي تتعرض للاضطهاد على نطاق واسع، بالرغم من أنه كان يتمتع بحالة صحية جيدة قبل الاعتقال، وأنه توفي بعد وقت قليل من اعتقاله، الأمر الذي يثير مخاوف جدية بشأن تعرضه للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة، وأن هذا الأمر ربما تسبب أو ساهم في وفاته (٢)”. وفي هذا الخصوص يقول فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، ” كان بنيامين البوغبيش شاباً في كامل صحته عند القبض عليه. وأنّ وَفاتُه المثيرة للقلق بعد مرور ما شهر تقريباً على اعتقاله، يثير مخاوف جدية بشأن معاملته وظروف احتجازه، بما في ذلك احتمال تعرضه للتعذيب. وبالتالي يجب على السلطات الإيرانية أن تأمر فورا بفتح تحقيق فعال ونزيه في ظروف وفاته، بما في ذلك تشريح جثته من قبل جهة مستقلة، وإنّ تقاعس الدولة عن فتح تحقيق، بشكل كاف، في احتمال حدوث وفيات غير قانونية أثناء الحجز يُعتبر خرقا للحق في الحياة. أن أي شخص يُثبت أنه مسؤول عن موته، يجب أن يُحاسب على ذلك (٣)”. معتبراً أن ” للسلطات الإيرانية سِجل مُروِّع في إخضاع المحتجزين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. وغالباً ما يتم هذا الأمر بهدف انتزاع اعترافات بالإكراه، وإن “السلطات الإيرانية يجب عليها أن تتخذ إجراءات ملموسة لضمان حماية جميع المعتقلين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك منح المحتجزين حق الوصول الفوري إلى محام يختارونه بأنفسهم منذ اللحظة الأولى للاحتجاز وخلال الاستجواب (٤)”.
الجدير ذكره، أنّ منظمة العفو الدولية قامت بتوثيق العديد من الوفيات أثناء الحجز في ظل ظروف مريبة في إيران، بحيث رصدت ١١ حالة من هذه الحالات منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٧. وتقاعست السلطات الإيرانية مرارًا وتكرارًا عن إجراء تحقيقات فعَّالة في حالات التعذيب والموت أثناء الحجز، الأمر الذي يتسق مع نمط قديم من حالات الإفلات من العقاب في هذا البلد (٥).
وفي ٢٢ أكتوبر/تشرين الأول، تم اعتقال السيدتين زودية عفراوي وقيسية عفراوي، وهما امرأتان من الخفاجية، كل على حدة في منزليهما. والجدير ذكره أن أطفال كل من تلك المرأتين اعتقلوا في وقت سابق من ذلك اليوم. ثم رجعت قوات الأمن إلى منزليهما لاحقًا في نفس اليوم واعتقلتهما أيضًا. وقد اتصلت كلٌّ منهما هاتفيًا بأقاربها بعد أسبوع من اعتقالهما، وأخبرتاهم بأنهما محتجزتين لدى وزارة الاستخبارات. ولم يسمع أقاربهما منهما شيئًا منذ ذلك الحين.
وفي ٣٠ سبتمبر/أيلول، اعتقل الناشط في المجتمع المدني محمد مؤمنى تيماس. وكان قد ذهب إلى المحكمة الثورية في الأحواز ليسأل عن مصير اثنين من أطفاله، اللذين كانا محتجزَيْن، عندما تم اعتـُقِله هو أيضاً. ولم يسمع ذووه منه شيئا منذ ذلك الوقت. كما يواجه كل من الاحوازيين عبد الله كرم الله كعب وقاسم عبد الله، عقوبة الإعدام بعد محاكمة صورية، ترافقت مع أجبارهما على اعترافات قسرية انتُزعت منهما تحت وطأة التعذيب وغيره من سوء المعاملة لإدانتهما؛ وقد تضمنت صنوف التعذيب الصعق بالصدمات الكهربائية، والتعريض لعمليات الإعدام الوهمي. وتنظر المحكمة العليا في قضيتيهما (٦).
ثانياً- الأوضاع القانونية للأسرى الأحوازيين في سجون السلطات الإيرانية:
تتيح اتفاقيات جنيف طائفة واسعة من أنماط الحماية لأسرى الحرب فيما يتعلق بالمعاملة غير الإنسانية والمهينة. وتُعرف الاتفاقيات حقوقهم وتضع قواعد مفصلة تحكم معاملتهم والإفراج المحتمل عنهم. ويمنح أيضا القانون الدولي الإنساني الحماية للأشخاص الآخرين الذين حرموا من حريتهم بسبب النزاعات المسلحة. وهناك ثمة قواعد محددة تكفل حماية أسرى الحرب وُصفت بتفاصيلها لأول مرة في اتفاقية جنيف لعام ١٩٢٩، ثم نُقحت في نص اتفاقية جنيف الثالثة لعام ١٩٤٩، على إثر الدروس المستخلصة من الحرب العالمية الثانية (٧)، وفي نص البروتوكول الإضافي الأول لعام ١٩٧٧.
وينطبق وضع أسير الحرب في حالة النزاع المسلح الدولي فقط، الذين يقعون في قبضة العدو. وتصنف اتفاقية جنيف الثالثة لعام ١٩٤٩، فضلا عن ذلك، فئات أخرى من الأشخاص الذين يحق لهم التمتع بوضع أسرى الحرب أو يمكن معاملتهم باعتبارهم أسرى حرب، ويضمن القانون الدولي الإنساني عدم ملاحقة أسرى الحرب بسبب مشاركتهم المباشرة في العمليات العدائية. أي تلك التي وضعتهم في ظروف ممارسة حق الطبيعي في إطار الشروط المقررة لحق تقرير المصير (٨)، كما أن احتجازهم – استناداً لاتفاقية جنيف ١٩٤٩- لا يعتبر شكلاً من أشكال العقوبة، وإنما يهدف فقط إلى منع استمرار مشاركتهم في النزاع. وبالتالي يجب إطلاق سراحهم دون إبطاء فور انتهاء العمليات العدائية. كما ضمنت اتفاقية جنيف الثالثة لعام ١٩٤٩ معاملة أسرى الحرب بطريقة إنسانية في جميع الأحوال. وتكفل لهم الحماية من كل أعمال العنف والترهيب والشتائم وفضول الجمهور. وقد عرف أيضا القانون الدولي الإنساني الشروط الدنيا التي تنظم الاحتجاز وتشمل مثلا المسائل المتعلقة بمكان الاحتجاز والغذاء والملبس والنظافة والرعاية الطبية (٩).
وفي هذا الخصوص سنعرض – على سبيل المثال لا الحصر- لحالة استهداف الموكب العسكري الإيراني في ٢٢ سبتمبر/ أيلول في الأحواز، والتكييف القانوني لحالتي الأسر والاعتقال في هذا الخصوص.
- تداعيات الهجوم المسلح في ٢٢ سبتمبر أيلول ٢٠١٨: الذي استهدف موكبًا عسكريًّا للحرس الثوري الإيراني في الأحواز، حيث أعلنت السلطات الإيرانية أن المسلحين الأربعة، الذين كانوا متنكرين بزي عناصر الحرس الثوري وقوة الباسيج شبه النظامية، قتلتهم قوات الأمن خلال الهجوم. وفي الأيام اللاحقة أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية أنها اعتقلت ٢٢ مشتبها فيهم، وبثت قناة التلفزيون الحكومية مقطع فيديو يظهر بعض المشتبه بهم مقيدي الأيادي ومعصوبي الأعين وهم يقفون قبالة جدار.
وعلى إثر ذلك، شنت القوات الأمنية الإيرانية حملة قمع واسعة النطاق على الأحوازيين، فاعتقلت المئات منهم. وفي حيثيات الحادث، اعتبرت منظمة العفو الدولية، ” إنّ نطاق الاعتقالات يبعث على الانزعاج الكبير. ويشير التوقيت إلى أن السلطات الإيرانية تستخدم الهجوم في الأحواز ذريعةً لإلقاء اللوم على أفراد الأقلية العرقية العربية الأحوازية (حسب المنظمة)، ويشمل ذلك المجتمع المدني والناشطين السياسيين، بغية سحق المعارضة الأحوازية (١٠)”. وهو ما يشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة الرابعة من البروتوكول الإضافي الأول الملحق في اتفاقيات جنيف في العام ١٩٧٧، التي نصت في فقرتها الرابعة على أن مكانة أسرى الحرب تمتد لتنطبق على “النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب فيها ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير (١١)، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة”.
وقد وثقت منظمة العفو الدولية أنه تم اعتقال أكثر ١٧٨ شخصًا في الأسابيع الأولى التي تلت الهجوم، بينما تعتقد أن السلطات الإيرانية اعتقلت في مراحل لاحقة أكثر ٦٠٠ شخصاً، بينهم ناشطين سياسيين وناشطون في مجال حقوق الأقليات. كما أدت الاعتقالات التعسفية الجماعية إلى خلق حالة من الخوف والذعر بين العرب الأحوازيين الذين يواجهون بالفعل الاضطهاد والتمييز في إيران. وفي هذا الخصوص قال فيليب لوثر مدير الأبحاث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: “إن سجل إيران المفزع في الاضطهاد والتمييز ضد العرب الأحوازيين يثير الشكوك بأن هذه الاعتقالات تتم على نحو تعسّفي ولها دوافع سياسية، وأن منظمة العفو الدولية تدعو السلطات الإيرانية إلى الإفراج فورًا و دونما قيد أو شرط عن أي شخص يجري احتجازه، لا لشيء إلا لمجرد ممارسته السلمية لحقوقه في حرية التعبير، أو تشكيل الجمعيات، أو التجمع السلمي، أو لسبب وحيد هو الهوية العرقية، ولم تقدم السلطات الإيرانية أوامر توقيف، ولم يخبروا المحتجزين بسبب اعتقالهم. ومعظم المعتقلين محتجزون في الحبس الانفرادي، دون اتصال بالمحاميين ولا بعائلاتهم، في ظروف قد ترقى إلى حد الاختفاء القسري، وهم عرضةٌ لخطر كبير في أن يتم تعذيبهم أو يلاقوا غيره من ضروب المعاملة السيئة، وأن سجل إيران المفزع في الاضطهاد والتمييز ضد العرب الأحوازيين يثير الشكوك بأن هذه الاعتقالات تتم على نحو تعسّفي ولها دوافع سياسية (١٢).” ويضيف فيليب لوثر: ” رغم ادعاءات محافظ خوزستان (شمال الاحواز)، رضا شریعتی، بأنه لا وجود لناشطين من المجتمع المدني بين المعتقلين، إلا أنّ منظمة العفو الدولية تلقت معلومات موثوقة بأن طلبة وكتابًا، وناشطين من المجتمع المدني، وناشطين في مجال حقوق الأقليات، وناشطين سياسيين هم مِن بين الذين تم إلقاء القبضُ عليهم في منازلهم، أو أماكن عملهم، أو في الشوارع، ومن بين المعتقلين لمياء حمادي، وهي ناشطة في المجتمع المدني حامل بمولودها. وقد اعتقلت في ٦ أكتوبر/ تشرين الأول في منزلها في مدينة الخفاجية. وقد اتصلت بأسرتها يومَ اعتقالِها، لكن عائلاتها لم تسمع منها شيئًا منذ ذلك الحين.
- التكييف القانوني للأسرى والمعتقلين الاحوازيين: لقد عمل القانون الدولي الإنساني على توفير الحماية القانونية للأسرى والمعتقلين، وذلك من خلال تأكيده على حقوقهم بدءاً من لحظة وقوع الاعتقال أو الأسير في يد الدولة الحاجزة وأثناء العملية، مع ملاحظة أنّ اتفاقيات جنيف لم تطبق – حتى هذه اللحظة- على أوضاع الأسرى والمعتقلين الأحوازيين من حيث المعاملة والحصول على الحقوق التي من المفترض أن يتمتعوا بها، بالإضافة إلى أن سلطات الاحتلال الإيراني ما انفكت تمارس انتهاكات جسدية ونفسية على الأسرى والمعتقلين في تعارض واضح مع قواعد القانون الدولي الإنساني، التي ضمنت قانون الاعتقال الإداري، وقانون الإطعام القسري، وقانون اعتقال الأطفال دون سن الرابعة عشر. وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة مدى انتهاك السلطات الإيرانية لحقوق الأسرى والمعتقلين.
وفي هذا الخصوص، يقر الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع للأمم المتحدة بأن ذلك يؤدي إلى المزيد من المعاناة والأسى لدى ذوي الأسرى والمعتقلين، بسبب استمرار عدم معرفتهم بشأن مصيره ومكان وجوده، وهذا بحد ذاته يرقى إلى درجة التعذيب، وقد أكدت ذلك ” لجنة حقوق الإنسان” التابعة للأمم المتحدة التي اعتبرت التغييب في السجون والمعتقلات، والسرية بموعد الإعدام ومكان الدفن، ورفض تسليم الجثمان لدفنه، له أكبر الأثر في إخضاع عائلات الضحايا للعقاب والتسبب بالاضطراب النفسي، الذي يرقى إلى مرتبة انتهاك الحظر المفروض على التعذيب وعلى غيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة (١٣).
صحيح أنّ القانون الدولي الإنساني لم يقر قواعد ملزمة أو صارمة لحماية حقوق السجناء والمعتقلين، إلا أن هناك العديد من القواعد القانونية والاتفاقات التي تعهدت بحماية حقوق السجين أو المعتقل، حيث تنص المادة ٧ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه لا يجوز تعريض أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. كما بينت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، في تعليقها العام على المادة، أن الغاية من هذه المادة هي حماية كرامة الفرد وسلامته البدنية والعقلية في آن واحد. كما أوصى مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في جنيف عام ١٩٥٥ وأقرَّها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه المؤرخين ١٩٥٧ و١٩٧٧ ومجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، حيث طالبت ألا يكون السجناء والمعتقلون بعيدين بأي شكل من الأشكال عن المجتمع الذي يعيشون فيه، بل يبذل المسؤولون كافة المحاولات لضمان وتأكيد إحساسهم بأنهم مازالوا جزءاً من هذا المجتمع إيمانًا منهم بأنهم يستطيعون أن يكونوا عاملاً مهماً ورئيسياً في بنائه. لذلك نصت القاعدة ٦١ من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء على أنه ” يجب أن تؤكد معاملة المسجونين على أنهم مازالوا جزءاً من المجتمع وليسوا منبوذين منه ولا معزولين عنه، ولذلك يجب تجنيد هيئات المجتمع- كلما أمكن ذلك- لمساعدة موظفي المؤسسة في مهمة التأهيل الاجتماعي للمسجونين، وفى كل مؤسسة يجب أن يعهد إلى مساعدين اجتماعيين بمهمة المحافظة على كل الصلات المرغوب في قيامها وتنميتها بين المسجونين وأسرهم، وكذا الهيئات الاجتماعية التي يمكنها إفادتهم، ويجب اتخاذ الخطوات لحماية الحقوق المتعلقة بالمصالح المدنية للمسجونين، وحقوق الضمان الاجتماعي وغيرها من مزايا اجتماعية، إلى أقصى حد يطابق القانون وتنفيذ العقوبة، و أن يُعامل جميع الأشخاص الذين يتعرَّضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن معاملة إنسانية وباحترام لكرامة الشخص الإنساني الأصلية، والتمتع بالحقوق المتعارف عليها في المواثيق دولية، ولا يجوز التذرع بأن الدولة تعترف بها بدرجة أقل. لاسيما تلك الحقوق المتعلقة بحق التظلم من ممارسة السلطة لصلاحيات غير مخول لها قانوناً، وحق التبليغ بسبب إلقاء القبض، وحقّ الإدلاء بالأقوال في أقرب وقت والدفاع والاستعانة بالمحامي، والحق في الحصول على المعلومات وأسباب الاحتجاز بسرعة والحق في الحصول على المعلومات عن حقوقه، وتفسير هذه الحقوق وكيفية استعمالها.
خاتمة
لقد واجه الأسرى والمعتقلون الأحوازيون أبشع أشكال المعاملة التي تشكل انتهاكاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والاتفاقيات الدولية الناظمة في هذا الخصوص، وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف ١٩٤٩ والبروتوكولين الإضافيين، فقد أثبتت الوقائع التي حصلت منذ وصول الملالي إلى سدة الحكم في إيران، وتنصلهم عن الوعود التي قطعوها للأحوازيين، والتي أدت منذ يوليو/ تموز ١٩٨٨ إلى إخضاع آلاف السجناء السياسيين المعارضين للاختفاء القسري. حيث جرى استدعاء العديد من العائلات دون سابق إنذار وإخطارهم بوفاة أبنائهم من خلال تسليمهم ما كان لدى أبنائهم من مقتنيات في السجن، ودون إعطائهم أية تفاصيل حول كيفية إعدامهم ولماذا، أو إبلاغهم بمكان دفن جثثهم. وفي بعض الحالات، لم تبلّغ العائلات بأية صورة من الصور فيما إذا كان الأسرى أو المعتقلين قد توفوا أم لا.
إنّ القضية الأحوازية، هي قضية تاريخية مازالت محل نزاع مستمر من وجهة نظر القانون الدولي، فقد نصت المادة ٣ المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩ والبروتوكول الإضافي الثاني على أن الأشخاص الذين حرموا من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع يجب أيضاً معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأحوال. وهم يحظون بالأخص بالحماية من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة.
إنّ أوضاع الأسرى والمعتقلين الأحوازيين في سجون الاحتلال الإيراني، تشكل من وجهة نظر القانون الدولي، نموذجاً حياً وحاصلاً ومستمراً، إذ مازال معتقلو وأسرى الأحواز يحرمون من صفتهم سواء كأسرى حرب، ومقاتلين من أجل الحرية، أو كمعتقلين مدنيين. وبالتالي حرمانهم من الحماية المقررة لهم وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بينما مازالت سياسات الحرس الثوري الإيراني، تعاملهم وفق غايات سياسية وطائفية وعرقية خاصة، في غاية من السلطات الإيرانية مؤداها انتزاع الشرعية عن نضال الأسرى والمعتليين وقضيتهم العادلة، وبالتالي هدر حقوقهم التاريخية من خلال هدر إنسانيتهم وكرامتهم.
الهوامش:
1- العين الاخبارية الأحواز.. اعتقالات جديدة وتظاهرات مرتقبة في بروكسل. على الرابط: https://al-ain.com/article/ahwaz-arrests-demonstrations-expected-in-brussels
2- انظر : تقرير منظمة العفو الدولية ” إيران: على السلطات التحقيق في موت محتجز من عرب الأحواز”. على الرابط: https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2019/06/iran-authorities-must-investigate-death-in-custody-of-ahwazi-arab-detainee/.
3- المرجع ذاته.
4- المرجع ذاته.
5- المرجع ذاته.
6- ايران: رجلان من عرب الأهواز يواجهان الإعدام، 10 أيار / مايو 2019، على الرابط: https://www.amnesty.org/ar/documents/mde13/0321/2019/ar/
7- انظر: اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977.
8- للاستفاضة انظر: عبير بكر، ” تعريف السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية كـ “سجناء أمنيين – الدلالة أمنية للتمويه على الممارسة السياسية”. مجلة دفاتر عدالة، “العدد الخامس، 2009 .
9- انظر: اتفاقية جنيف الثالثة لعام1949.
10- انظر:تقرير منظمة العفو الدولية، ” إيران: اعتقال المئات في حملة قمع شرسة على العرب الأحوازيين” 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2018, https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2018/11/iran-hundreds-arrested-in-vicious-crackdown-on-ahwazi-arabs/
11- انظر: أحكام المادة الرابعة من البروتوكول الإضافي الأول الملحق في اتفاقيات جنيف في العام 1977، الفقرة 4.
12- انظر: تقرير منظمة العفو الدولية، ” إيران: اعتقال المئات في حملة قمع شرسة على العرب الأحوازيين، مرجع سابق.
13- انظر: عبد الرحمن علي إبراهيم غنيم ، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية الحماية القانونية للأسرى وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني دراسة تطبيقية على وضع الأسرى الفلسطينيين 2018، ص 22 ومابعدها.