السبت, نوفمبر 23, 2024
مقالاتأثر العقوبات الأميركية على النظام الإيراني

أثر العقوبات الأميركية على النظام الإيراني

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

لقد انسحبت الإدارة الأميركيّة من ” خطّة العمل الشاملة ” أو ما يُعرف بالإتفاق النووي مع إيران في 8 مايو/ ماي 2018، واصفةً إيّاه بالإتفاق السيئ الذي عزّز نمو الإقتصاد الإيراني، وساعد نظام ولاية الفقيه في تمويل الإرهاب، وبثّ الدمار والقتل في المنطقة، وتطوير إيران صواريخ بالستيّة قادرة على حمل الرؤوس النوويّة.

وقد فرضت إدارة الرئيس ترامب عقوبات إقتصاديّة صارمة، وُصِفَت بأنها الأقسى والأشد على إيران، كانت قد رُفعت عام 2015 نتيجة إبرام الصفقة النووية. وقد هدّد المسؤولون الأميركيون بفرض عقوبات وجزاءات إضافية على إيران، من أجل حرمان نظامها من الموارد المالية التي يستخدمها لنشر الفوضى وتمويل الإرهاب و زعزعة الإستقرار و تقويض الأمن في منطقة الشرق الأوسط، داعين النظام الإيراني إلى تغيير سلوكياته.

هذه الدراسة تسلّط الضوء على قضيّة العقوبات المفروضة على إيران، لمعرفة مدى تأثيرها وفاعليّتها على النظام الإيراني. وذلك من خلال دراسة و تقييم الأوضاع السياسيّة والأمنيّة و العسكريّة والإقتصاديّة في إيران، بعد إعادة تطبيق العقوبات الأميركيّة.

أولاً- التداعيات السياسية و الأمنيّة 

تهدف الإدارة الأميركيَة من خلال فرض العقوبات المشدّدة على النظام الإيراني، الحدّ من نشاطاته العسكريّة و سياساته التوسّعيّة وتأثيراته السلبيّة التي تشجّع الإرهاب، وتقوّض السلم و الأمن في الشرق الأوسط. وذلك عن طريق عدم تمكّن إيران دعمَ حلفائها، والميليشيات المسلّحة التابعة لها، وعدم قدرتها على تسليحها، ودفع رواتبها، وتأسيس صناعة دعائيّة تساهم في إنجاح و تثبيت أجندتها الإقليميّة، وتحقيق سياساتها الإستعماريّة ( هاشم، 2019 ).

وحسب دراسة قام بها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في سبتمبر/ كانون الأول 2018 فإنّ عودة تطبيق العقوبات الأميركيّة في حقيقة الأمر، تبتغي تغيير سلوك إيران من خلال تغيير نظامها السياسي. ويُفترضُ أن يتحقق ذلك من خلال تضعيف بنية النظام الإيراني، وتآكل مشروعيّته السياسيّة، وتضاؤل حاضنته الشعبيّة، وتعميق الأزمة الإقتصاديّة في البلاد التي يكون مؤدّاها التظاهرات و الإحتجاجات والعصيان المدني و تصميم الشعب على تغيير واقعه المرير بواسطة الإطاحة بالنظام الإيراني و قادته ( ن بوست، 2018 ).

كذلك يُلاحَظ أنّ مخططات إدارة الرئيس ترامب تهدف إلى تشديد العقوبات، و تضييق الخناق على النظام الإيراني بصورة متدرّجة، خاصةً فيما يتعلق بالقطاعات الإستراتيجيّة التي تتجاوز في شموليّتها المصارف و البنوك و النفط، بغية إتاحة الفرصة للنظام الإيراني تغيير سياساته و سلوكيّاته و توجّهاته. وإلّا ستعمل هذه العقوبات المتدرّجة على إحداث أزمة حقيقيّة في بنية النظام الإيراني من خلال ازدياد درجة توتر الأوضاع الداخليّة، واتّساع دائرة الإحتجاجات و التظاهرات لتشمل دخول شرائح جديدة تنتمي إلى الفئات السياسيّة و الإجتماعيّة المؤيّدة للنظام. وقد تزداد منظومة المحتجّين كلّما فُرضِت عقوبات جديدة على قطاعات صناعيّة أخرى، يصبح معها آلاف الموظّفين عاطلين عن العمل. ما تُوجّه ضربات مُوجعة للنظام الإيراني الذي ما فتئ يناور في مساحة ضيّقة، ولا يغادرها (فهمي، 2018 ).

من ناحية أخرى، يخشى النظام الإيراني أن يكون الهدف الأساسي من وراء فرض العقوبات الأميركيّة  هو تغيير النظام بشكل كامل. ويعتقد المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنه اي أنّ الإستسلام لمطالب و ضغوطات الولايات المتحدة الأميركيّة سوف يؤدّي إلى ضغوط أكثر وأخطار أكبر، تهدد بقاء نظام ولاية الفقيه. لذلك، لابدّ من مقاومتها مهما كانت النتائج ( Yee, 2019 ). وفي السياق ذاته، قد حثّ الرئيس الإيراني حسن روحاني القوى السياسيّة الإيرانيّة على التكاتف والوحدة ونبذ الخلافات، لأنّ النظام الإيراني والثّورة الإسلاميّة يواجهان حرباً غير مسبوقة، وضغوطاً إقتصاديّة، هي الأقسى والأشدّ منذ تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة (  2019عربي BBC NEWS ).

وعليه، تسعى إيران إلى تطبيق ” سياسة الصبر” و ” نظريّة الإقتصاد المقاوم ” عن طريق التقشف، وتحمّل الضغوطات الإقتصاديّة الهائلة، ومواجهة تراجع النموالإقتصادي، وتقليل الإعتماد على النفط ( هاشم، 2019 ).

رغم ذلك، يعتقد بعض المراقبين أنّ النظام الإيراني سوف يتراجع تحت الضغوطات السياسيّة والماليّة التي تمارسها الإدارة الأميركيّة عليه، وسوف يغيّر سلوكيّاته وسياساته بشكل جذري، إذا أيقن أن ليس ثمّة من سبيل للخروج من هذه الأزمة ( Yee, 2019 ). وقد لُوحِظ أنّ العقوبات الأميركيّة التي فُرضت على قطاع إيران النفطي عام 2010، والعقوبات المفروضة على إيران من قبل الإتحاد الأوروبي عام 2012، قد نتج عنهما انهيار شديد في صادرات النفط، وانخفاض الدخل الإقتصادي الإيراني إلى الثلث. وكان مردّ ذلك، تغيير سلوك إيران السياسي الذي أدّى إلى عقدها الإتفاق النووي مع مجموعة دول خمسة زائد واحد عام 2015 ( ن بوست، 2018 ).

لقد كان النظام الإيراني قبل توقيع الإتفاق النووي عام 2015 يعتمد على إحداث الثغرات في برنامج العقوبات الأميركيّة، من خلال التعامل مع الشركات الأوروبيّة متعددة الجنسيّة، لكنّ إدارة الرئيس ترامب قد استفادت من التجارب السابقة، ومنعت حدوث أيّة ثغرات جديدة، تترك للنظام الإيراني حرية الإلتفاف على العقوبات أو المناورة. ويتجلّى ذلك، عن طريق اعتماد خيارات أحاديّة، وعدم التنسيق مع الجانب الأوروبي، وقيام الإدارة الأميركيّة بتهديد وتوعّد الشركات الأوروبيّة إذا ما استمرّت بالتعامل التجاري مع إيران. ما أدّى إلى إغلاق باب الإفلات من العقوبات الأميركيّة الراهنة على إيران، ولم تعد قادرة على الفكاك منها. أضف إلى ذلك، أنّ أيّة آليّة أوروبيّة جديدة للتعامل الإقتصادي مع إيران سيُحكم عليها بالفشل، لأنها مرفوضة بشكل قاطع من قبل الإدارة الأميركيّة التي ستعمل على إفشالها قبل أن تبدأ. ذلك أنها تمتلك نظاماً رقابيّاً حقيقيّاً قائماً على التبادلات و التعاملات الدوليّة، يشمل أسواق النفط والقطاعات البنكيّة والإستثماريّة والإقتصاديّة ( فهمي، 2018 ).

ولقد أشار بعض الخبراء أنّ السياسات الإيرانيّة المُتّخذة بهدف مواجهة العقوبات الأميركيّة يمكن أن تؤدّي إلى إنفصال إيران عن دائرة الإقتصاد العالمي، وتزايد الأعباء الثقيلة التي تتحمّلها الدول الداعمة للإتفاق النووي. وسيكون للعقوبات الأميركيّة انعكاسات سلبيّة على علاقات الدول الداعمة للإتفاق النووي مع إيران، وستواجه الدول المذكورة صعوبات جمّة في تعاملها و تبادلها التجاري مع إيران. كذلك، قد يشتدّ الصراع داخل النظام الإيراني حول جدوى الحفاظ على الإتفاق النووي، والتفاوض مع الغرب وإبرام الإتفاقيات معه ( هاشم 2019 ).

يتبيّن أنه رغم زعم إيران عدم تأثّرها بالعقوبات الأميركيّة، هنالك العديد من المؤشّرات التي تدلّ على التأثير العميق لهذه العقوبات على النظام الإيراني و وأمنه و مشروعيّته. فقد استمرت الإحتجاجات الشعبية في إيران طوال عامي 2017 و2018، و رُفِعت شعارات مناهضة للمرشد الأعلى خامنه اي و الرئيس حسن روحاني. ما شكّل تهديداً جدّياً للأمن الإيراني، واستدعى استنفار الحرس الثوري و قوات التعبئة ما تسمى الباسيج و أجهزة الأمن والمخابرات الإيرانيّة ( رؤوف، 2019 ).

ويُلاحظ أنّ الضغوطات الأميركيّة قد وسّعت هوّة الخلافات السياسيّة بين تيّارَي المحافظين و الإصلاحيين في إيران، وباتت الإتهامات المتبادلة سائدةً في الوسط السياسي الإيراني. فقد بات المتشدّدون لاسيما الحرس الثوري وأعوانه، أكثر تصلّباً في مواقفهم، و زاد ضغطهم على الحكومة حيث أدّت هذه الضغوطات إلى استقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف التي عدل عنها لاحقاً. وإذعان الأخير أنّ عمليات غسيل الأموال في إيران حقيقة دامغة لا يمكن إنكارها، وثمّة أشخاص في النظام الإيراني قد ربحوا أكثر من 30 ترليون تومان، نتيجة عمليات غسيل الأموال. كذلك، قد باء سعي حكومة روحاني الإنضمام إلى “الإتفاق الخاص بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب” بالفشل، بسبب رفضه من قبل المحافظين ( المرجع ذاته ).

الأهم من ذلك، يتضح أنّ حالة الغضب العارم المنتشر في أوساط الشعب الإيراني، والذي يُترجَم من خلال التظاهرات والإحتجاجات العامة في المدن الإيرانية وأسواقها، لم تقتصر على توجيه اللوم للحرس الثوري والمحافظين، بل هاجمت جميع المعسكرات السياسيّة للنظام الإيراني التي تتلخّص بالإصلاحيين والمتشدّدين أو المحافظين، بغضّ النظر عن حقيقة وحجم الخلافات القائمة بين مراكز القوى التابعة للنظام الإيراني. وقد توسّعت رقعة الإحتجاجات لتشمل جميع الشرائح و الفئات الإجتماعيّة في إيران ( فهمي، 2018 ).

ثانياً- التداعيات العسكريّة :

إنّ العقوبات الأميركيّة المفروضة على النظام الإيراني بعد انسحاب الإدارة الأميركيّة من الإتفاق النووي، قد سبّبت لإيران خسائرجمّة على الصعيد العسكري، لاسيّما تلك المتعلّقة بوضع الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب العالميّة ( علّام، 2019 ). فلقد عزّزت الولايات المتحدة ترسانتها العسكريّة في منطقة الشرق الأوسط، ساعيةً إلى تحديد و محاصرة تحرّكات إيران في المنطقة، ومواصلة الضغط عليها، بغية إخضاعها للشروط التي أعلنتها إدارة الرئيس ترامب، غداةَ انسحابها من الإتفاق النووي الذي وصفته بالسيئ ( قيس 2019 ).

وفي إطار تصعيدها العسكري، وتطبيق العقوبات المتدرّجة، قد أرسلت الولايات المتّحدة حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” إلى منطقة الخليج العربي، بعد يوم من فرض عقوبات جديدة، طالت صناعة المعادن في إيران (المرجع ذاته ). وكذلك، قد أرسل الجيش الأميركي قاذفات B-52 العملاقة، بهدف مواجهة مؤشّرات التهديدات الواضحة التي تشكّلها إيران للقوات الأميركيّة بحسب ما يقوله المسؤولون الأميركيّون ( DW 2019 ).

في المقابل، قد استهجنت إيران تصرّفات الإدارة الأميركيّة، مدّعيةً أنّ العقوبات التي تفرضها، تخالف الإلتزامات والأعراف الدوليّة، محمّلةً إدارة الرئيس ترامب مسؤوليّة الخسائرالتي تتكبّدها ( قيس، 2019 ). وقد صرّح اللواء حسين خانزادي قائد القوات البحريّة الإيرانيّة، أنّ العقوبات الأميركيّة كانت مفروضة على القوات العسكريّة الإيرانيّة منذ سنوات، لكنّها لم تُعق التقدم الذي وصلت إليه هذه القوات. وقد زعم أنّ القوات الأميركيّة لم تعد تشكّل تهديداً بالنسبة لإيران، إنما ستتفاجأ بإطلاق إيران غوّاصةً من الجيل الجديد، لا تتأثّر بالأمواج المغناطيسيّة، وتخترق الرادارات بسهولة، حيثُ سيُذهَل العالم بتطوّرها وتقنيّاتها. مضيفاً أنّ القوات البحريّة الإيرانيّة قد صنعت فرقاطات مجهّزة بصواريخ حربيّة بعيدة المدى، قادرة على حمل مروحيّات، ستتبع لأسطول “إيران-سهند” ( شبكه العالم، 2018 ).

وفي الإطار ذاته، قد أعلن اللواء حسين سلامي في جلسة برلمانية، أنّ الولايات المتّحدة قد بدأت حرباً نفسيّة في منطقة الشرق الأوسط، زاعماً أنّ إيّاب وذهاب الجيش الأميركي، وإعادة انتشاره في المنطقة، يُعدّ مسألةً طبيعيّة. كذلك، قد أعلن قائد القوّة الجوّية التابعة للحرس الثوري اميرعلي حاجيزاده، أنّ تواجد القوات الأميركيّة يشكّل فرصةً لإيران لابدّ من اغتنامها، وسنضرب أميركا في رأسها، إذا ما تحرّكت ضدّنا ( DW 2019 ).

إلى جانب ذلك، قد شدّد الحرس الثوري على أنّ النظام الإيراني لن يتفاوض مع الولايات المتّحدة، ولن يتراجع عن مواقفه بسبب الضغوط التي تُمارَسُ عليه. وفي إطار الضغط على الإتحاد الأوروبي، قد أمهلت الحكومة الإيرانيّة الدول الداعمة للإتفاق النووي 60 يوماً، من أجل التحرّك لحماية الإقتصاد الإيراني، مهددةً بشروعها تخصيب اليورانيوم لمستوى أعلى من الشروط المنصوص عليها في الإتفاق، وهو ما قُوبِلَ برفضٍ واضحٍ من قبل الإتحاد الأوروبي ( قيس، 2019 ).

وتعتقد المحلّلة الإستراتيجيّة مها علّام، أنّ الخطوات العسكريّة التصعيديّة التي قامت بها الولايات المتحدة الأميركيّة تجاه إيران، تحتوي أربعة إحتمالات هي: “إستمرار التصعيد اللفظي بين طهران واشنطن، رضوخ إيران للمطالب الأميركية وتنازلها عن مواقفها المتشدّدة، سقوط النظام الإيراني، والتصعيد العسكري واندلاع الحرب”. مرجّحةً تحقّق الإحتمال الثاني، لأنّ كلّاً من الطرفين يريد تحقيق أهدافه دونما مخاطرة. ذلك أنّ التصعيد العسكري مؤدّاه خسارة الجميع، واشتعال المنطقة في أتون الصراعات، ودخولها في مرحلة جديدة من العنف طويل الأمد و شديد الوطأة ( علّام، 2019 ).

أ- الحرس الثوري في لائحة الإرهاب :

لقد قامت الولايات المتّحدة في 8 إبريل/ نيسان 2019 بتصنيف الحرس الثوري منظّمةً إرهابيّة، وقد وضعته في القائمة السوداء التي تتضمّن المنظّمات الإرهابيّة التي تحاربها الإدارة الأميركيّة. هذا القرار المهم والإستثنائي يعني مطاردة قيادات الحرس الثوري والميليشيات والخلايا الإرهابيّة التابعة له على المستوى الدولي. كذلك، سيضيق الخناق ويقلّ هامش الحركة بالنسبة للنظام الإيراني، في الشرق الأوسط و الساحة الدوليّة ( بهزادي *، 2019 ).

يُخمّنُ أنّ الحرس الثوري يتحكّم بالأوضاع السياسيّة والإقتصاديّة في إيران، من خلال الشركات والمؤسسات والوكالات التابعة له. زد إلى ذلك، إنّه يدير عمليّاته الإرهابيّة في شتّى نقاط العالم، لاسيّما أنشطته المزعزعة للسلم والأمن الدوليين في الشرق الأوسط، عن طريق الأموال الطائلة التي تُدرّها عليه شركاته ومؤسساته و وكالاته العديدة. لذلك، قد صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ المؤسسات والشركات الدوليّة التي تتعامل مع الحرس الثوري تجاريّاً، هي في الواقع تساهم في دعم الإرهاب. إضافةً إلى ما سبق، يُلاحظ أنّ وزارة الخزانة الأميركيّة و وزارة الخارجيّة قد أكّدتا على أنّ مسؤوليّة تشخيص ما إذا كان الشركاء الإيرانيّون تابعين للحرس الثوري أم لا، تقع على عاتق الشركات الدوليّة، ما يعني تصعيب المهمّة والعمل على الشركات المذكورة ( بهزادي *، المرجع السابق ).

بناءً على ما تقدّم، يزعم بعض الخبراء الإقتصاديّين أنّ تصنيف الحرس الثوري منظّمةً إرهابيّة، لا يؤثر كثيراً على وضعه الإقتصادي. ذلك أنّ الحرس الثوري والمؤسسات و الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين التابعين له، قد طالتهم العقوبات الأميركيّة في السابق. رغم ذلك، يعتقد أغلب المراقبين أنّ هذا القرار سوف يزيد عزلة إيران الدوليّة، ويقوّض اقتصادها و قوّتها العسكريّة، بسبب خشية الشركات الدوليّة من الإستثمار في إيران، أو التعامل التجاري معها. وفي هذا المضمار، يقول العالم الإقتصادي فريدون خاوند أنّ هذا القرار الأميركي يستهدف قوّة وأنشطة الحرس الثوري، ومن ورائه النظام السياسي الإيراني في الصميم. وسوف يسبب لهما مشكلات خطيرة في المستقبل ( بهزادي *، المرجع السابق ).

ب- الحرس الثوري وأزمة الوقود في سوريا :

إنّ وضع الحرس الثوري في قائمة الإرهاب، قد أحدث أزمةً حادّةً في عملية توزيع البنزين والوقود في سوريا. ومردّ ذلك، اعتماد النظام السوري إلى حدّ كبيرعلى الحرس الثوري، في إيصال النفط و دعمه بالبنزين والوقود. فقد أعلن رئيس الشركة السورية للنفط مصطفى حمورية أنّ سوريا تستهلك حوالي 100 ألف برميل نفط في الشهر. إنها تنتج ما يقارب 24 ألف برميل، وتستورد معظم ما تبقّى من احتياجاتها من إيران. وإنّ الأخيرة تصدّر ما بين 2 إلى 3 مليون برميل نفط إلى سوريا كلّ شهر. لكنّ هذه الصادرات النفطيّة التي يقوم بها الحرس الثوري قد توقّفت منذ أكتوبر الماضي، بسبب العقوبات الأميركيّة، ومنع مصر مرور ناقلات النفط الإيرانيّة من قناة السويس ( بهزادي **، 2019 ).

وعطفاً على ما تقدّم، يشير الخبير الإقتصادي مهرداد عمادي إلى أنّ الحرس الثوري يقود عمليّة تصدير النفط إلى سوريا منذ عامين، وكان له حضور مؤثّر وقويّ في مجال التكرير والإمدادات النفطية. لكنّ دوره قد تراجع وتقيّد كثيراً، بسبب الضغوط القصوى التي تمارسها الولايات المتحدة على الحرس الثوري والأجهزة التابعة له ( بهزادي **، المرجع السابق ).

عموماً، يُتَوقّع أن تقود الضغوط الأميركيّة النظام الإيراني إلى العزلة الدوليّة، وفشله في إنجاح تطوير مشروع الصواريخ البالستيّة والقوّة النوويّة، ودعمه الميليشيات الإرهابيّة، إيجاد دول داعمة له، قادرة على إخراجه من مأزقه. فرغم أنّ الإتحاد الأوروبي ما يزال داعماً للصفقة النوويّة المبرمة مع إيران، غير مؤيّد لتحرّكات الإدارة الأميركيّة، فإنّه في الوقت ذاته، ممتعض من السياسات والسلوكيّات الإيرانيّة، وقد أبدى تخوّفه العميق من تطوير إيران برنامجها المتعلق بالصواريخ البالستيّة مراراً وتكراراً. أمّا بالنسبة للصين، فقد تُؤثِر تخفيضَ استهلاكها من النفط الإيراني، باحثةً عن بدائلَ أخرى، خاصّةً في ضوء العلاقة الودّيّة التي تجمعها مع دول الخليج ( علّام، 2019 ).

ثالثاً- التداعيات الإقتصاديّة :

لقد تراجعت المؤشرات الإقتصاديّة والإستثمارات الأجنبيّة، وباتت الشركات الدوليّة تخرج من إيران، جرّاء العقوبات الأميركيّة التي شملت فرض القيود على النفط و السياحة و التحويلات الماليّة والنقد الدولي. ونتيجةً لذلك، قد تقوّضت إمكانية التبادل التجاري بين إيران والإقتصادات الدوليّة الكبرى كالإتحاد الأوروبي. وقد انسحبت عدّة شركات دوليّة عملاقة، أبرزها شركة “توتال” الفرنسية وشركة “إيرباص” اللتان كانتا قد وقّعتا إتفاقيات تجاريّة مع إيران ( رؤوف، 2019 ).

ويتضح أنّ العقوبات الإقتصاديّة قد أثّرت بشكل كبيرعلى الإقتصاد الإيراني، حيث حذّر صندوق النقد الدولي أنّ مستوى التضخّم في إيران يمكن أن يتجاوز ال %50 (2019 FARSI, BBC NEWS ). وتتوقّع المؤسسات الماليّة الدوليّة أنّ الإقتصاد الإيراني سيعاني من انكماش إقتصاديّ شديد، وانخفاضٍ حادّ في الإنتاج ( سودايى، 2019 ). وقد أدّى التدهورالإقتصادي، و التضخّم المتزايد، وغلاء المعيشة، إلى اندلاع احتجاجات واسعة في عموم إيران ( 2019 FARSI, BBC NEWS ).

يُلاحَظ أنّ العملة الإيرانيّة قد فقدت ثُلُثَي قيمتها التجاريّة، بعد مرور عام على عودة العقوبات الأميركيّة. وقد واجهت إيران أزمةً أساسيّةً فيما يتعلّق باستيراد المواد الخام والسلع الأساسيّة، بسبب انهيار الريال وارتفاع التضخّم ومشكلة توفير العملة الأجنبيّة. وبحسب التقديرات، قد بلغ مستوى التضخّم في ايران أكثر من %30. إضافةً إلى ذلك، قد أدّت هذه الأزمات الماليّة إلى ارتفاع كلفة المنتجات الداخليّة، حيث تجاوزت كلفة اللحم الأحمر والدجاج ال %57، وقد ارتفع سعر البيض والألبان والأجبان أكثرمن %37. كذلك، قد تزايدت أسعار الخضروات أكثرمن %47 في العام المنصرم، وإنّ تقلّبات الأسعارمستمرّة، والتضخّم في ارتفاع مضطرد ( 2019 FARSI, BBC NEWS ).

يُذكرأنّ الطبقة الفقيرة باتت تعاني أكثر من ذي قبل، وهي تُعدّ أكثر الشرائح الإجتماعيّة تضرراً وتأثراً من تطبيق العقوبات الأميركيّة. وقد كثرت الإحتجاجات والتظاهرات في أوساط هذه الطبقة واسعة الإنتشار، لاسيّما بعد ارتفاع تكاليف السكن والعلاج والقضايا الصّحيّة أكثر من %20 ( المرجع ذاته ).

فيما يلي، سيتم التركيز على مدى تضرر القطاعات الصناعيّة الأساسيّة التي تشكّل أعمدة الإقتصاد الإيراني.

أ- قطاع النفط :

يُلاحظ أنّ عملية إنتاج النفط الإيراني بعد رفع العقوبات الأميركيّة جراء إبرام الإتفاق النووي كانت قد بلغت 3.8 مليون برميل في اليوم، وكانت إيران تصدّر ما يناهز 2.3 مليون برميل يوميّاً. أمّا بعد عودة تطبيق العقوبات الأميركيّة، فقد انخفضت نسبة تصدير النفط الإيراني إلى 1.1 مليون برميل يوميّاً، في مطلع مارس/آذار 2019. وقد قُدّر أنّ النظام الإيراني قد خسر أكثر من 10 مليار دولار بسبب تطبيق العقوبات الأميركيّة. في الوقت الذي كانت الإدارة الأميركيّة قد أعفت مؤقتاً،- لمدة ستة أشهر-، ثماني دول رئيسيّة تستهلك النفط الإيراني من العقوبات المفروضة، هي: الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبيّة، تايوان، تركيا، اليونان وإيطاليا ( 2019 FARSI, BBC NEWS ).

كانت هذه الدول تستطيع أن تتعامل ماليّاً مع البنك المركزي الإيراني، وتحوّل المبالغ الماليّة دون أن تشملها العقوبات المالية الأميركيّة. رغم ذلك، قد توقّفت تايوان و اليونان و إيطاليا عن شراء النفط الإيراني بشكل كامل، في حين أنّ الموّردَين الأساسيَّين للنفط الإيراني أي الصين و الهند، قد خفّضتا نسبة شرائهما على التوالي إلى %39 و %47 (المرجع ذاته).

الجدير بالذكر أنّ دخل إيران من تصدير النفط قد كان حوالي 50 مليار دولار في عام 2018. في الوقت الذي كانت أميركا قد أعفت أهم مستوردي النفط الإيراني من عقوباتها. لذلك، يُتَكهَّنُ أنّ هذا المبلغ سينخفض كثيراً بعد إلغاء الولايات المتحدة الإعفاءات النفطيّة للمستوردين الأساسيّين، وعزمها تخفيض صادرات إيران النفطيّة إلى الصفر (سودايى، 2019 ).

وتشير الإحصائيات أنّ تصدير النفط الخام الإيراني قد انخفض إلى اقلّ من مليون برميل في شهر إبريل/نيسان 2019، وقد ترافق هذا التراجع المستمر في تصدير النفط مع النمو السلبي للإقتصاد، وارتفاع أسعار الصرف و التضخّم ( Euronews, 2019 ).

ومن نافلة القول أنّ قانون موازنة إيران في العالم الحالي، قد ألزم الحكومة بأن تكسب أكثر من 158.5 ألف مليار تومان من خلال مبيعات النفط ومنتجاته. ويُلاحظ أنّ هذا المبلغ يمكن توفيره إذا بقي سعر النفط الإيراني حوالي 64 دولار، واستطاعت إيران تصدير ما يقارب 1.48 مليون برميل نفط يوميّاً، وحصلت على دخل سنوي بقيمة 33.8 مليار دولار في العام الجاري. وتحقيق ذلك يبدو بالغ الصعوبة في ظلّ انخفاض تصدير النفط الإيراني، وإلغاء تراخيص الدول المستهلكة للنفط الإيراني، وسعي إدارة الرئيس ترامب منع إيران من تصدير نفطها حتى تصل كميته إلى الصفر ( المرجع ذاته).

وإذا ما افتُرضَ أنّ إيران استطاعت تصدير 400 إلى 500 ألف برميل نفط يوميّاً، عن طريق الإلتفاف على العقوبات الأميركيّة، عندها ستحصل إيران على 11 مليار دولار، ما يمكّنها ضخّ 7 مليار دولار منها في ميزانيّة الحكومة. ولكن في هذه الحالة، ينبغي على الحكومة الإيرانية أن ترفع سعر صرف الدولار في الأسواق الرسميّة إلى مبلغ 22.600 ألف تومان. ما يعني إمكانيّة تنفيذ هذه العمليّة من خلال فرض تضخّم بنسبة %100 على الإقتصاد الإيراني ( المرجع ذاته ).

ويرى بعض المراقبين أنّ الإقتصاد الإيراني يعتمد بشكل كبير على النفط. لذلك، فإنّ الصدمات الإقتصاديّة السلبية كالعقوبات و الأزمات السياسيّة تؤثّر على النمو الإقتصادي بشكل ملموس. وبالتالي، تؤدّي إلى انخفاض الدخل الحكومي حتى من الضرائب و الرسوم الجمركيّة، بسبب تعمّق الإنكماش الإقتصادي. ويمكن ملاحظة ذلك، من خلال مراقبة تراجع نمو الإقتصاد الإيراني بنسبة %3.8 منذ عودة تطبيق العقوبات الأميركيّة. فلقد بلغ عجز الموازنة الحكوميّة 45 مليار تومان، وهو مبلغ غير مسبوق. وقد تحقّق جزء من هذا العجز بسبب انخفاض الدخل المكتسب من عائدات الضرائب بنسبة %28 ( المرجع ذاته ).

ب- قطاع صناعة السيارات و قطع غيارها :

تواجه صناعة السيّارات في إيران، والتي تأتي في المرتبة الثانية بعد قطاع النفط، من ناحية الأهمية الإقتصاديّة و الربحيّة، أزمة حادّة، بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي. فإنّ عودة تطبيق العقوبات الأميركيّة على إيران، قد سبّبت التقلّبات المستمرّة والإنخفاض الشديد للعملة الوطنيّة الإيرانيّة. ما أحدث أزمات عميقة و جدّية للقطاعات الصناعيّة المختلفة في إيران، خاصةً صناعة السيّارات و قطع غيارها ( بهزادي، 2018 ).

لقد كانت إيران تنتج أكثر من مليون سيّارة كلّ عام، قبل إعادة فرض العقوبات الأميركيّة عليها. ما جعلها تتبوّأ المرتبة الأولى في الشرق الأوسط، في قطاع إنتاج السيّارات. ومع إبرام الإتفاق النووي، والعودة التدريجيّة للشركات الدوليّة المختصّة في صناعة السيّارات إلى إيران، لاسيّما شركات صناعة السيّارات الفرنسيّة “رينو و بيجو”، وسعيها تأسيس شركات إنتاج مشتركة مع شركات صناعة السيّارات الرئيسيّة في إيران مثل “إيران خودرو و سايبا”، كان يتوقع خبراء و تجّار السيّارات أن تنمو هذه الصناعة، وتصل إلى إنتاج أكثر من 2 مليون سيّارة في عام 2010. وهكذا، سوف تصبح إيران أحد أهم أقطاب إنتاج السيّارات في العالم ( المرجع ذاته ).

إنّ هذه الصناعة الحيويّة تواجه تراجعاً مضطرداً منذ عودة العقوبات الأميركيّة. فلقد أعلنت وزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية أنّ إنتاج السيّارات في إيران قد انخفض عموماً بنسبة % 57 في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. ومقارنةً مع عمليّة إنتاج السيّارات قبل إعادة فرض العقوبات الأميركيّة في الشهر ذاته عام 2017، يتبيّن أنّ إنتاج السيّارات قد انخفض على التوالي:

إنتاج سيّارة الأجرة مثل “بيكان” %58.2، إنتاج شاحنة بيك اب ( وانت ) %46، إنتاج أنواع الشاحنات %52.6، وإنتاج أنواع الباصات قد تراجع %100 ( المرجع ذاته ).

كذلك، يُلاحظ أنّ العقوبات الأميركيّة قد أثّرت بشكل كارثي على قطاع إنتاج “قطع غيار السيّارات” في إيران. فقد أُعلنَ أن 200 ألف موظف، من أصل 550 ألف يعملون في هذا القطاع قد أصبحوا عاطلين عن العمل، وقد تمّ إغلاق أكثرمن 100 شركة إنتاج قطع غيار، و120 مصنع سيارات. هذا وقد توقّع أمين جمعيّة مصنّعي قطع غيار السيّارات آرش محبي نجاد أنه قريباً سيتمّ طرد 100 ألف موظف آخر( المرجع ذاته ).

ج- قطاع المعادن :

لقد ارتفعت صادرات إيران المعدنيّة، لاسيّما فيما يتعلق بالفولاذ والحديد أربعة أضعاف في العقد الماضي. وقد تبرز أهمية تصدير المعادن بشكل جليّ بعد التراجع الشديد التي تواجهه صادرات إيران النفطية، بسبب العقوبات الأميركيّة. وقد شكّل انخفاض قيمة الريال الإيراني عاملاً مساعداً لصالح مصدّري المعادن الإيرانيين في الأسواق العالميّة ( سودايى، 2019 ).

وقد لوحظ أنّ تصدير الفولاذ الإيراني قد نما بشكل ملفت في العقد الأخير، حيث قد شكّل %1.5 من إجمالي تجارة الفولاذ العالميّة، وكان بمثابة ركيزة أساسيّة لازدهار صناعة المعادن في إيران. فقد ارتفع تصدير الفولاذ الإيراني إلى الأسواق العالمية من نسبة عشر الإنتاج المحلّي في عام 2000، إلى ثلث إجمالي إنتاج الفولاذ في إيران عام 2017. مما تقدّم يتضح أنّه لم يعد بإمكان إيران تجاهل العقوبات الأميركيّة المطبّقة على هذه الصناعة، والقيود المفروضة على إمكانية وصول صناعة المعادن الإيرانيّة إلى الأسواق الدوليّة ( المرجع ذاته ).

وعليه، فإنّ الهدف الأساسي وراء فرض العقوبات على صناعة المعادن، هو خفض الدخل الإيراني من تصدير المعادن. فإنّ قطاع المعادن الذي شملته العقوبات الأميركيّة، يتضمّن صناعات الفولاذ و الحديد و الألمينيوم و النحاس التي تشكّل قيمتها الماليّة  حوالي %10 من إجمالي صادرات إيران حسب ما أعلنته إدارة الرئيس الأميركي ترامب ( Yee, 2019 ).

لذلك، قد حظرت الولايات المتحدة أيّ معاملات و مدفوعات مع الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين الذين يعملون في صناعة المعادن الإيرانيّة، وقد أوقفت أصولهم الماليّة. هذه العقوبات تشمل الوكلاء الرئيسيين الذين يتعاملون مع صناعة الصلب الإيرانيّة. وكذلك، جميع الأشخاص الذين ساهموا في نقل و تسويق منتجات هذه الصناعة، أو شاركوا في توفير المواد الأساسيّة، والتكنولوجيا اللازمة لهذه الصناعات ( سودايى، 2019 ).

ومن الأسباب التي تعمق الأزمة، هو أنّ الإنكماش الإقتصادي السائد في القطاع الصناعي و سوق الإسكان، إلى جانب خفض الإنفاق الحكومي، يؤديّان إلى عدم التمكّن من احتواء إنتاج المعادن في السوق الداخليّة. ونتيجةً لذلك، قد انخفض مستوى الإنتاج، وأصبح هنالك شغور كبيرفي الطاقة الإنتاجيّة. ما سبّبت انفجار أزمة عدم دفع أجور العاملين في هذا القطاع لشهور عدّة، أبرزها أزمة عمال “المجموعة الوطنيّة لصناعة الفولاذ في الأحواز” ( المرجع ذاته ).

ويُلاحظ أنه حسب إحصائيّات عام 2015، هناك أكثر من 600 ورشة و منشأة صناعيّة إيرانيّة، كانت تعمل في مجال إنتاج المعادن الأساسيّة، ويعمل أكثر من 100 ألف عامل في ورش و مصانع إنتاج المعادن. علاوةً على ذلك، هنالك أكثر من 90 ألف شخص يعمل في المناجم التي توفّر المواد الخام للصناعة المعدنيّة. من هنا يُستَنتَج أنَ العقوبات المفروضة على صناعة إيران المعدنيّة، تهدد أعمال هؤلاء الأشخاص بشكل مباشر.

الخاتمة :

بناءً على ما تقدّم، يتّضح أنّ العقوبات الأميركيّة الشديدة المفروضة على إيران، لها بالغ الأثر على النظام الإيراني و مؤسساته السياسيّة و الأمنيّة والعسكريّة والإقتصاديّة. ويتبدّى ذلك من خلال تراجع النمو، وانكماش الإقتصاد، والإنخفاض الحاد للعملة الوطنيّة التي فقدت أكثر من ثلثَي قيمتها حتى الآن، وتقلّب الأسعار، وارتفاع مستوى التضخّم المستمر الذي يمكن أن يبلغ %50، وعدم قدرة التجار على استيراد المواد الخام والسلع الأساسيّة، وتزايد كلفة المنتجات الداخليّة، وخفض الإنفاق الحكومي، والإنكماش السائد في سوق السكن و…إلخ.

كذلك، يظهرأنّ القطاعات الصناعية الأساسية التي تشكّل شريان الحياة بالنسبة للإقتصاد الإيراني، كالنفط و صناعة السيّارات و المعادن، قد انخفض مستوى إنتاجيّتها، وتكبّدت خسائرماديّة جسيمة، وتأثّرت بشكل كارثي بالعقوبات الأميركيّة. ما أفضى إلى إفلاس و إغلاق مئآت الورش و الشركات و المصانع، وطرد مئآت الآلاف من العمال والموظفين، واندلاع أزمات تتعلق بعدم دفع الأجور والمستحقات لليد العاملة التي تضاءلت قدرتها الشرائية، وزادت معاناتها المعيشيّة، وتفاقمت أوضاعها الصحية.

هذه الأزمات المستعصية والعواقب الوخيمة، قد أدّت إلى عدم الرضا، وبروز حالة السخط الشعبي العام، وتآكل مشروعيّة النظام، وتململ وانزعاج بيئته الحاضنة التي أمست شرائح و فئات سياسية و إجتماعية منها، تنضمّ للحراك الشعبي المناوئ للنظام السياسي الإيراني و مراكز قواه، بمختلف تصنيفاتهم المعتدلة والمحافظة و المتشدّدة. وقد انطلقت تظاهرات و احتجاجات في مختلف أنحاء إيران، تعبّر عن غضب الشعب بكلّ طبقاته وأطيافه، وتستهدف رموز النظام و صنّاع القرار، لاسيّما المرشد الأعلى خامنه اي و الرئيس روحاني.

ويتبيّن أنّ النظام الإيراني الذي تأثّر بشكل ملموس بتبعات العقوبات الأميركية، لم يستطع إيجاد حلول ناجعة وعاجلة للخروج من أزمته، وقد خاب ظنّه من التعويل على الصين والإتحاد الأوروبي لحماية إقتصاده ومصالحه، وبات يتخوّف على بقائه وديمومته. وقد تصاعدت الخلافات داخل النظام، وتجلّت عن طريق الإتهامات المتبادلة بين المتشددين و الإصلاحيين التي خرجت إلى العلن.

ختاماً، يمكن القول أنّ النظام الإيراني بات أمام خيارَين أحلاهما مر، فيما يتعلق بمعالجة الأزمة. فإمّا أن يستسلم للمطالبات الأميركيّة، و يرضخ للشروط و الإملاءات، وإمّا يواجه انهياره و تبدد سلطته. ويبدو أنّه سيغيّر سلوكيّاته، و يستجيب للضغوط والعقوبات الأميركيّة كما فعل عام 2015، رغم مكابرة مسؤولي النظام وتأكيداتهم على عدم تغيير مواقفهم و منهجهم المقاوم.

 

 

 

قائمة المراجع :

أ- المراجع العربية :

قيس، وائل (2019)، “بعد تعزيز واشنطن ترسانتها العسكرية هل ينتظر الشرق الأوسط حرباً شاملة ؟”، صوت Ultra، https://www.ultrasawt.com

علّام، مها (2019 )، “السيناريوهات المحتملة لما بعد التصعيد الأميركي-الإيراني”، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجيّة،  https://www.ecsstudies.com

هاشم، علي (2019)، “العقوبات الأميركية على إيران: هل تغيّرخارطة التأثير الإيراني في الشرق الأوسط ؟”، عربي BBC NEWS،  http://www.bbc.com/arabic/middleeast-48070054

(2019) عربي BBC NEWS، “العقوبات الأميركية على إيران : روحاني يدعو القوى السياسية في بلاده إلى الوحدة”،  http://www.bbc.com/arabic/middleeast-48242135

فهمي، طارق (2018)، “التأثيرات الموجعة للعقوبات الأمريكية على إيران”، العين الإخبارية،   https://al-ain.com/article/usa-iran-economic-sanctions

رؤوف، هدى (2019)، “هل حقّاً تأثرت إيران بإعادة العقوبات ؟”، عربية  INDEPENDENT، https://www.independentarabia.com

ن بوست (2018)، “إيران نموذجاً : ما مدى فاعليّة العقوبات في تغيير سلوك الدول ؟”،

https://www.noonpost.com/content/25402

ب- المراجع الفارسية :

بهزادي، شاهرخ (2018)، “بحران در صنعت خودرو سازى ايران، سقوط 57 درصدى توليد در آبانماه”، مجله دنياى اقتصاد، اقتصاد دنيا Player FM.

بهزادى، شاهرخ (2019)، ” قراردادن سپاه پاسداران در فهرست گروه‌های تروریستی چه تبعات اقتصادی برای سپاه و اقتصاد ایران دارد”، مجله دنياى اقتصاد، اقتصاد دنيا Player FM.

بهزادى، شاهرخ (2019)، “ورود سپاه به فهرست گروه‌های تروریستی آمریکا، سوخت‌رسانی و توزیع بنزین در سوریه را مختل کرده است”، مجله دنياى اقتصاد، اقتصاد دنيا Player FM.

(2019) Euronews ، “تبعات اقتصادی تحریم نفتی کامل ایران؛ دلار تا چه نرخی گران می‌شود؟”،

https://fa.euronews.com/2019/04/22/iran-complete-oil-sanctions-effects-deficit-dollar-rate-inflation

سودايى، على (2019)،”تحريم فلزى آمريكا با اقتصاد ايران چه مى كند”، فارسى BBC NEWS،

http://www.bbc.com/persian/business-48217602http://www.bbc.com/persian/business-48217602

شبكه العالم (2018)، “تحريمها تاثيرى بر قدرت ايران ندارد”،  https://fa.alalamtv.net/news/3890341/

(2019) فارسى BBC NEWS، “ضربه تحريمهاى آمريكا به اقتصاد ايران به روايت شش نمودار”،  http://www.bbc.com/persian/business-48137083

ج- المراجع الإنجليزيّة :

DW (2019), ‘Iran’s Revolutionary Guard: US has started ‘psychological war’,  < https://www.dw.com/en/irans-revolutionary-guard-us-has-started-psychological-war/a-48709098>

Yee, V. (2019), ‘U.S. sanctions cut deep, but Iran seems Unlikely to Budge’, The New York Times, < https://www.nytimes.com/2019/05/12/world/middleeast/us-iran-sanctions-rouhani.html>

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!