السبت, نوفمبر 23, 2024
دراساتالعقد الاجتماعي والإطار المعرفي للحقل الدلائلي في قضية الحراك الجماعي - الشعبي...

العقد الاجتماعي والإطار المعرفي للحقل الدلائلي في قضية الحراك الجماعي – الشعبي في الأحواز: دراسة حراك ديسمبر ٢٠١٨

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

ضرورة البحث

حظي المجتمع المدني في جميع انحاء العالم باهتمام الباحثين والسياسيين والمثقفين على حد سواء، لا سيما في إطار النظام العالمي الجديد والعولمة. وبالرغم من الحديث عن هذا الامر في أوساط الشعب الأحوازي وسيما المهتمين بالشأن السياسي والثقافي والاكاديمين بكثرة، فإن هذا المفهوم ما زال يتسم بالكثير من اللبس والغموض. لتحديد مفهوم المجتمع المدني على المستويين النظري والعملي، فإن هذه الدراسة ستصف وتحلل هذا المفهوم في إطار تحليلي يأخذ في الحسبان موقف أدبيات ونظريات العلوم السياسية والاجتماعية بشكل دقيق. إذن، الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه هذه الدراسة يتجسد في وصف وتحليل المجتمع المدني في إطار الحراك الاجتماعي الفعال في الأحواز ودراسة مفهومه، وأبعاده، وواقعه.

غالبا ما تتحرك الشعوب وتلجئ الى حركات تعبويه تعبر من خلالها عن مطالبها وتسعى للدفاع عن حقوقها وذلك يعني ان الحركات الاجتماعية المدنية أصبحت من ملزمات المعرفي للمجتمعات وتأتي ضمن الاستقرار المجتمعي والرقي الجماعي والسياسي.

يطرح “الحراك الجماعي – الشعبي” بشكل جدي في الإطار النظري حسب ما جاء في كتاب هانك جونستون “الدول والحركات الاجتماعية.” الحراك الجماعي – الشعبي كان طوال عقود لا يصنف ضمن ماهية محددة أو هوية ثابتة لكنه طالما كان يعتبر الخطوة الأولى تجاه إعادة الاعتبار للمجتمع. ومثل هذه الحركات الاجتماعية اخذت مكانتها في اوساط علماء الاجتماع والسياسة واصبحت ظاهرة يعتمد عليها النشطاء كي يعبروا عن الهوية والإطار المعرفي للمجتمع التي يشكلونه بمنعزل عن السلطة أو الاحزاب السياسية.

حركة ديسمبر أي حركة النخوة – الوطنية التي حدثت في الأحواز والتي سعت الى إطلاق سراح “جبار على العبود” تصنف ضمن الحركات الاجتماعية الجديدة وسوف تنتج اذما اخذت طابعا منظما وشكلت حركة شعبية منتظمة تعمل على حذف أو محو الانماط الاجتماعية السائدة التقليدية وتستبدلها بأخرى. من اهم ميزات هذا الحركة انها تتفق مصالحها الفعلية مع تطلعات المجتمع الاحوازي في المستقبل أي بعبارة أخرى ترسم خارطة طريق في المدى المتوسط والبعيد في الحراك الشعبي ومن جهة أخرى تتجاوز هذه الحركات الانشطة الاجتماعية غير المنتظمة التي طالما تجلت في شكلها التقليدي – العشائري او المناطقية في الأحواز، والتي تعمل ضمن قاعدة تبتنى على اساس علاقات دموية أو مناطقية. وأما المطلوب من هذه الحركات بشكل عام وما متفق عليه هو الرقي بالمجتمع ثقافيا. هذه النوع من الحراك يختلف من حيث قدرته في الاستيعاب والاهداف ويصبح عملا وحراكا اجتماعيا وطنيا يتميز بقوته وتأثيره على مستقبل المجتمع ويعطي الشارع ديناميكية أكثر في حراكه، وعادة ما تظهر في حالات تختص بقضايا وطنية – الاجتماعية أو سياسية فتأتي معبرة عن معاناة المجتمع.

الكمات الرئيسية: الحراك الجماعي، الحراك الشعبي، الأحواز، جبار علي العبود، حراك ديسمبر.

 

خلفية البحث

ربما تلعب مثل هذه الحركات الاجتماعية الدور الرئيسي في انتقال المجتمع العشائري (ولا نعني القبلي) في الأحواز الى مجتمع مدني متناغم ومتناسق وتعطي هذه الحركات الفرصة لممارسة الشعب دوره الحقيقي في مطالبة حقوقه بعد ذلك، حيث تعمل على تثقيف المجتمع من خلال تبنيها العديد من المبادرات مثل المبادرة الرمزية التي أطلقت في اوائل ديسمبر لأطلاق سراح أحد الأحوازيين وانقاذه من المشنقة.

كاد ان يطلق على هذه الحركة عنوان “حركة النخوة” لقيام المواطنين الأحوازيين من جميع المدن والقرى والاصناف بمبادرة غير مسبوقة لدعم عملية إطلاق سراح مواطن أحوازي والتي عرفت بـ “النخوة الأحوازية.” اجتذبت هذه الحركة الأجتماعية المشاعر العامة للمساهمة في القضايا الوطنية ولعبت دورا تثقيفيا وتوعويا، كما اعتبرت عاملا رئيسيا في التحشيد والتعبئة الاجتماعية بشكل واسع جدا في التكاتف الذي حصل فيما بعد في ازمة السيول المفتعلة والتي اعتبرها “قمة الحراك الشعبي الأحوازي طوال تسعة عقود”. اعتبرها البعض انها تكون المبادرة الاولى البارزة لأهميتها وفاعليتها في العملية الاجتماعية – الثقافية في ظل الاجواء الامنية في المدن والقرى في الأحواز وتأتي في مرتبة ما بعد التجمعات السياسية التي اجتذبت أكبر عدد من المواطنين للمساهمة والاشتراك في الاحداث اليومية في الأحواز.

تساعد مثل هذه الحركات على تشجيع وصنع حالة من الحراك الجماعي في جميع انحاء الأحواز وتساعد على ازاحة عنصر الخوف والقلق، كما ترتقي بمستوى المواقف الشعبية المطلوبة للمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الأحوازي، وبتبع ذلك تطلق يد الناشط الأحوازي في تحشيد أكبر عدد ممكن من المواطنين في المناسبات والمطالبات الشعبية في جميع اشكالها بهدف التعبير عن حالة عدم الرضا وعدم قبول واقع المفروض من السلطات الإيرانية والمطالبة بالتغيير.

 

المشكلة البحثية

الحديث حول المشكلة البحثية في هذه الدراسة يدور حول قياس مدي فاعلية وقدرة الحركات الاجتماعية في التحشيد والتعبئة الجماهيرية على جميع الاصعدة في الشارع الأحوازي في كل المدن وفي كل مناسبة وخاصة في الامور السياسية والهوياتية وكيفية بناء خطاب يعمل على معرفة مدي انعكاس هذا النوع من الحراك على مخاطبة الشعب بمختلف كياناته واختلاف أعماره وتنوعه العقائدي والتركيبة السكانية.

وانطلاقا من هذه الاشكالية يكون السؤال العام للدراسة:

ماهو مدي فاعلية الحركات الاجتماعية والجماعية على عملية التعبئة السياسية والهوياتية في جميع انحاء الأحواز؟

وينبثق من هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعية وهي:

-ماهي علاقة الحراك الاجتماعي والوضع السياسي القائم في الأحواز؟ ما هي العوامل المؤثرة في طبيعة هذه العلاقة؟

– ماهو أثر الحراك الجيلي في الحركات الاجتماعية على فاعليتها وكيفية دعم المجتمع للعبور من الوضع العشائري الى مدني؟

– ماهو أثر التفاعلات بين هذه الحركات على المستوي الثقافي والهوياتي والسياسي وما مدى تأثيرها على الحراك السياسي في المنفى؟

 

الأهمية النظرية للدراسة

بالرغم من كثرة الحركات الاجتماعية في الساحة الداخلية في الأحواز الا ان هناك فارق كبير بين ما حصل مسبقا من نشاط وتحرك مقارنة بالحركة الاجتماعية الاخيرة. هذه الاخيرة تعتبر ظاهرة نادرة حيث اجتمع فيها المشاركين من جميع الاجيال، المدن، الساحات الداخلية والمنفى، من مختلف القبائل والعشائر، التيارات المدنية والثقافية والسياسية والبازارين ونفخت روحا جديدا في العشب. ربطت هذه الظاهرة بين عملية التعبئة الجماهيرية الأخيرة والحراك الشعبي بشكل عام والتي كان محدودا على افراد ونشطاء ومجاميع واحياء معينة تطالب بحقوق الشعب الأحوازي. تعتبر الدراسة ذات اهمية عالية حيث أنها تتناول “ظاهرة التحشيد الجماهيري” بشكل عام في قضية إطلاق سراح المواطن الأحوازي جبار على العبود ولا تنحسر على فئة او جيل محدد او جنس معين.

 

الإطار النظري للدراسة

اولاً، الإطار المفاهيمي

في البحث حول موضوع الحركات الإجتماعية في الأحواز هذا البعد يزخر بالعديد من المفاهيم التي تبلورت بشكل جلي على الساحة الداخلية في الاحواز مثل الثورات والمظاهرات السياسية والاحتجاجات الشعبية، الحركات الهوياتية، سلسلة حلقات بشرية للدفاع عن المياه، الحركات العمالية، والحركة الاجتماعية الجديدية التي حشدت الشارع للدفاع عن مواطن الأحوازي.

 

ثانيا، منهاجية الدراسة

تكتب هذه الدراسة بناء على نظرية “Group Theory “، والتي تعتمد على التفاعل بين مجموعة من الافراد في المجتمع واحد يعملون في غالب الجسم الواحد يبحثون عن الوصول الى هدف معين يتميزون بالعمل الجماعي بشكل وسيع ويتخطون الحدود النسبية أو الانتماءات المناطقية أو التيارات الفكرية أو العقائدية ويشكلون شاكلة معقدة غالبا ما تحصل على النتيجة المطلوبة (عبدالعال، ٢٠١٤). من اهم ميزات هذه الحركات الجماعية بشتى انواعها – السياسية، الهوياتية، العمالية، الاقتصادية أو الثقافية – أنها تأخذ طابع جماعي توثر بشكل ايجابي على اخلاق افرادها كما تترك اثرا بالغا على الاخرين وتجلب عادة ما تعاطف واسع وتنعكس على الرؤى والافكار وتصورات افرادها بشكل واسع. في هذا البين وسيما حراك ديسمبر ٢٠١٨ في الأحواز، كان له اثرا بالغا في الشارع العام حيث اجتذب المواطنين من جميع الاعمار والاجيال والتيارات ممن ليس لهم توجه سياسي خاص.

 

مقاربة سوسيولوجية

“الحركات الاجتماعية، حراك شعبي متعدد المصالح والأفراد ويكون اهدافه وبرامجه محسوبة تماما وغالبا ما تأتي ثمارها حسب العلاقة بين اعضاءها مع البيئة الاجتماعية والسياسية الموجودة. وأحد اهم شروط هذا الحراك هي تبعية النظم والقوانين المتجددة، ذلك أن البناء الاجتماعي متعدد التغيرات وما قد يفعله الأفراد من تحركات في زمن ما، قد لا يحدث بالضرورة في زمن آخر، وهو ما يفسر نمو وتوسع الحركات الاحتجاجية في المجتمعات. وقد كانت بذلك تعتبر الحركات الاجتماعية إحدى وسائل المواجهة والنضال، فنشاط الحركات الاجتماعية المستمر في زمن العولمة قد تواجهه قضايا المجتمع الدولي المعقدة وتتطلب دائما وباستمرار تضحيات في سبيل تحقيقها والدفاع عنها وتكثيف عمليات التعبئة لنشر قيمها ومبادئها” (صوارية، ٢٠١٦).

بناء على ما أسلفنا، حركة الإصلاح في الأحواز وهي عبارة عن حركات تشجع تغيير بعض القوانين والمعايير في النضال تتطابق مع الأنظمة المستبدة الحاكمة في إيران وتعتبر الوجه الاخر للحراك التحرري الذي طالب بتغيير فوري للأنظمة والقيم جذرياً. على سبيل المثال يكن ذكر بعض من هذه النماذج ومن اهمها: حراك الهوية في الأحواز الذي دعي إلى استرجاع الأسماء المدن والقرى الأحوازية، حراك الدفاع عن مياه كارون، الحراك العمالي، المؤسسات والنشاط النسوي يعتبر حراك اصلاحيا وأخيرا حراك ديسمبر الأخير.

 

الحراك الاجتماعي من منظور نظريات علم الاجتماع

يرى الباحث هنا ان هذه النوعية من الحراك الشعبي تصنف ضمن التغيرات السياسية الجسيمة التي تمس الانسان والمجتمع ويوضح هذا البعد من العلوم الاجتماعية مكانة هذا الحرك كنمط اجتماعي يعمل على تعبئة الجماهير المفاجئة والغير متوقعة والذي طالما قاد المرحلة الانتقالية للمجتمعات الى مستوى أوسع وأعلى وعمل هذا النوع من الحراك على تفكيك المجتمعات الابتدائية والروح القبلية والانتماءات المناطقية واستبدلها بمجتمع مدني موحد.

بينما غالبا ما يسمع أو يقرأ القارئ الدور السلبي للحركات الاجتماعية من منظور بعض من العلماء حيث تجلت هذه الافكار في أراء العديد من علماء الاجتماع والفلاسفة ويمكن أن تجد أثر هذه الأفكار في نظريات ماكس فيبر عن القيادة الكاريزمية، وعند إيميل دوركيم عن الضمير الجماعي. حيث يصف هؤلاء هذا النوع من الحراك ب “سلوك جماعي يحتوي في طياته الغوغاء والذعر كظاهرة مدمرة وغير عاقلة، يتمخض من خلاله أفراد ينتمون الى مجموعات يفتقدون الشخصية الفردية ويصبحون عرضة للسلوك اللاعقلاني. يعتقدون هؤلاء العلماء رغم ان الفرد يتحلى بسلوك محمودة كالشجاعة والتضحية من أجل المجتمع الا انه في نفس الوقت يتضمن عنف غير منضبط تجاه من هم خارج الجماعة (Gustave Le Bon,1913) .

كما يعتبر دوركيم إن التغير الاجتماعي السريع في المجتمعات يؤدي إلى انهيار الروابط والقيم الاجتماعية التقليدية وفي إطار البحث عن إعادة البناء الاجتماعي الجديد يعتقد ان عامة الناس من الفئات الضعيفة و المهمشة من الكتلة المجتمعية أهداف سهلة للحركات الاجتماعية، وتكون هذه الحركات عامل جذب للشخصيات السلطوية (Adorono et Al. 1950) ، وفي ظل التأكيدات على النظم المعيارية المتكاملة يبدو ترتبط الحركات الاجتماعية بالصدع الهيكلي والذي يمهد الطريق لنشر اللاعقلانية والتجزئة حسب روية دوركيم.

ويرجع السبب في غلبة النظريات التي تؤكد على جوانب العنف واللاعقلانية في الحركات الاجتماعية ـ ووصف مشاركيها بأنهم أهداف سهلة للجذب من قبل الحركات الاجتماعية المسيطرة- فمعظم هؤلاء المفكرين لم يكن لديهم تعاطف مع الحركات في المجتمعات وينتج عن كراهية ونفور هؤلاء الأكاديميين من الدراسات الشعبية. .(Heitmeyer et al.1992)

الحراك الاجتماعي من منظور المدني

قبل الحديث عن الحراك الاجتماعي يطرح السوال التالي، هل نحن نعيش في مجتمع مدني في الأحواز أم لا؟

يلتصق مفهوم المجتمع المدني في أغلب الحالات بدلالات معيارية وأيديولوجية. فوفقاً للرؤية الليبرالية التقليدية، يتسم المجتمع المدني بأنه مجال تطوع الاختيار، الحرية الشخصية والمسئولية الفردية تجاه المجتمع الذي يعيش فيه المرء ويريد العطاء له بما لديه من إمكانيات معرفة أو أمكانيات مادية. أي أن المجتمع المدني يتيح للأفراد المجال لتشكيل مصائرهم الخاصة ومساعدة الآخرين (Alagappa، 2004).

إذا نظرنا الى المدارس الفكرية التي بدأت تبرز وجودها من خلال القليل من الروي والتنظير يمكن ان نصنف ” الحراك الاجتماعي في الأحواز بمثابة الوجه الاخر لمفهوم المجتمع المدني” أو ربما الوجه الاخر للمجتمعات التي تنوي الرقي بالمجتمع الأحوازي الى مستوى المجتمعات الحديثة والمدنية. هنا، في دراسة المجتمع الأحوازي بالتحديد لا يمكن الخوض في المدارس المتقدمة أو الاعتماد عليها كالمدرسة الليبرالية، لكن لهذا المجتمع خصوصيته ويمكن ان نراها فيما ذكره هانك جونستون، “أن المجتمعات المدنية هي عبارة عن الإطار النظر والفكر المعرفي والذي يترجم على ارض الواقع ضمن النشاط الإنساني الخارج عن إطار السلطة او الدولة” (جانستون، ٢٠١٧). يتميز هذا العمل بالاستقلالية ويعبر عن التوجه الشعبوي نحو الحرية والعمل المستقل للمواطنين في المجتمعات.

لابد من القول، ان الحراك الجماعي او الاجماع المدني الأخير في الأحواز يبدو ناتج عن ماهوية العلاقات بين افراد المجتمع كالانتماءات الوطنية او الهوياتية، وتختلف تماما عن التشكيلة الطبيعية التي تبنى على اساس العلاقات الدينية، اثنية، او القبلية او المناطقية. وبالرغم ان يصنف هذه النوع من الحراك الاجتماعي في دائرة خارج عن نطاق الفكر والعمل السياسي لكنه في نفس الوقت لا يمكن ان نختزله في صيغة أو وصفة بمنعزل عن الفكر السياسي للإنسان الأحوازي الا ان وجود هذا الحراك يعتبر البنية الاساسية لمفهوم العمل السياسي الحديث والفكر السياسي الفعال بحيث يقدم زاوية اوسع مقارنة بالتعريف التقليدي الذي يقتصر على التنافس على القوة والسيطرة بين مجموعة محددة من البشر.

هنا يطرح سؤال اخر حول مساهمة المجتمع الأحوازي من جميع الاطياف لانقاذ رجل اعتبره البعض ” ايقونة النخوة الأحوازية” نظرا لدفاعه عن امراة أحوازية بعد ما تعرضت للتحرش من قبل أحد المستوطنين والسؤال، ما ماهية هذه الظاهرة وما هي اسباب والدلالات التي ادت الى المساهمة الشعبية ماديا واعلاميا في المجتمع الأحوازي في ظل مجتمع عشائري تقليدي – مدني حديث العهد؟

 هذه الظاهرة خلقت مفهومًا جدليا تحول الى مفهوم يتسع ليكون ظاهرة تستحق البحث. لعلّ من اهم نتايج هذا البحث يمكن الوصول الى رؤية واسعة تحتوي على افكار نقدية وتساعد في تقدم المجتمع من خلال الحصول على اليات يمكنها ان تجدد هذا الحراك في مناسبات اخرى أولا وثم تدعم ديناميته وتوثق العلاقه بين الفرد والمجتمع الأحوازي.

لكن هناك عدة امور لابد التركيز عليها قبل الخوض في البحث وهي ان هذه النوع من التعاون والتحرك خلافا للحركات السياسية او المدنية التقليدية لا تهدف الى مبتغى أكثر مما تنوى اليه. فمثل هذه الظاهرة كانت هدفها انقاذ الانسان الاحوازي ولاتنوي ان تستمر لانها ترجمت الكلام الى العمل من خلال انجاز المهمة بنجاح، حسب التعريف العام للقيم الاجتماعي اي ” القيم ما بعد المادية” وحسب الواقع الفروض على الفرد الأحوازي المشارك في هذا الحراك اخلاقيا ودينيا ووطنيا.

اذن يبقى السؤال، كيف يمكن ان نجد الية لدفع العجلة واستمرار الحراك دون توقف؟ وكيف يمكن الوصول الى استراتيجية مستدامة تكفل دعم جميع التحركات في المجتمع الأحوازي على تلك الشاكلة؟

كما اشارنا في بداية الحديث لا توجد دراسة حول الحركات الجماعية في الأحواز ويفتقر هذا المجتمع الى الدراسات التي تتناول التطور التاريخي للمجتمع المدني. حدثت منذ ٢٠٠٥ العشرات من الحركات الجماعية في الأحواز، لكن مع الاسف الشديد لا توجد كتابة او بحث طرح هذا مسبقا، بينما تعد هذه البحوث من ضروريات قيام الدولة في المستقبل ومن اساسيات النهوض بالشارع نحو الشعور بالانتماء الوطني ويكون المغزى منها انتقال الوضع المجتمعي من النمط التقليدي الى مجتمع مدني حديث.

 

الإطار النظري في موضوع الحركات الاجتماعية في الأحواز

اذن، يناقش في هذه الدراسة بعض العناصر الهامة في الإطار النظري لموضوع الحركات الإجتماعية في الأحواز مثل:

أول: مفهوم الحركات الإجتماعية،

ثانيا: علل أسباب تطور وظهور الحركات الاجتماعية،

ثالثا: ماهية آليات عمل الحركات الإجتماعية،

رابعا: ماهية الحركات الاجتماعية الجديدة،

خامسا: مكانة الشبكات الاجتماعية والإلكترونية في التعبئة العامة.

 

مفهوم الحركات الاجتماعية

في تعريف الحركات الاجتماعية على الجانب السلوكي، يعتبر النشاط الجماعي ذلك النوع الذي يستخدم جميع الوسائل المتاحة الشرعية وغير الشرعية، السلم والعنف لتحقيق والحصول على الاهداف والغايات المطلوبة حسب تعريف شامل اتفق عليه غالبية مفكري الحركات الاجتماعية.

إن المتابع للشان الأحوازي يمكنه ان يلمس تدفق الحراك الاجتماعي في الأحواز منذ أكثر من خمسة عقود والذي تجلى في المظاهرات والثورات الاحوازية المختلفة والتي برزت في أفضل حالتها في المجال السياسي – الهوياتي بداية الثورة ١٩٧٩ في إيران.  فلما نكس الخميني بالعهود التي عهد بها الشيخ محمد طاهر الخاقاني الزعيم الروحي الأحوازي أبان الثورة وعلى إثر ذلك احداث الاربعة السوداء في مدينة المحمرة في الأحواز، تجلت الحركات الاجتماعية في أفضل اشكالها وبرزت مختلفة تماما حيث رفعت شعارات دافعت عن حقوقها السياسية والمدينة وشهدت المدن حراكا واسعا كان يوكد على حق الشعب الأحوازي بتقرير مصيره.  وبعد ذلك بقليل تلته مظاهرات ومسيرات اعتراضية كبيرة توكد على الهوية العربية بعدما نعت الرئيس الاسبق الايراني أكبر هاشمي رفسنجاني الشعب الاحوازي “بالغجر” وهي سياسة يراد بها تنفيذ مخططات خفية تهدف الى تزوير الحقائق حول حقيقة “ان الاحوازيين هم أصحاب الأرض” بينما كان الأخير ينوي دحض هذا الواقع وزعم ان الاحوازيين هاجروا من بلاد اخرى الى هذه الارض بهدف تنفيذ سياسة التغيير الديمغرافي. لكن واجهت هذه الادعاءات الباطلة حراك اجتماعي – هوياتي قل نظيره.

يعتقد العديد من المتابعين ان الحركة الاصلاحية في إيران في عهد الرئيس الأسبق خاتمي، رغم انها كانت تعتبر “صمامة الامان” للنظام الفارسي في هذه الجغرافية كما نشرها لويس كوزر عام ١٩٥٦ في كتابه تحت عنوان “وظائف الصراع الاجتماعي” حيث يقول ” إن وجود الصراع يمكن أن يكون علامة على درجة عالية من استقرار النظام وحيويته وفعاليته. فإن بناء الجماعات في المجتمع المفتوح لابد أن يسمح بدرجة من الصراع التي هي بمثاية صمامات أمان ضد نوع من الصراع يمكن أن يجعل الاتفاقات الأساسية والقيم الرئيسة في خطر فالاعتماد المتبادل بين الجماعات المختلفة وتبادل الارتباط بطريقة الصراع يؤدي وظيفة نسج النظام الاجتماعي مع بعضه وهذا في حد ذاته يمنع تفكك النظام الاجتماعي.” (القريشي، ٢٠١١).

في ظل حكم الرئيس الإيراني محمد خاتمي سعت الشعوب غير الفارسية وعلى راسها الشعب الأحوازي ان يستثمر ويستغل الوضع الراهن آنذاك للعمل على توعية المواطنين بحقوقهم وتاريخهم وهويتهم.  وبعد فترة دامت ما يقارب ستة سنوات من حكم الرئيس خاتمي أنتج الحراك الاجتماعي ثماره وترك اثرا بالغا في سيكولوجية الشارع ومهد الطرق للحراك الشعبي الجماهيري حيث اجتاحت المظاهرات المدن والقرى في الأحواز عام ٢٠٠٥، واعتبر الحراك الأفضل والاوسع نطاقا منذ تسعة عقود على الاحتلال. كانت هذه الحركات تصنف باعتبارها الذروة في الحراك الأحوازي واستمرت الى ابعد الحدود وطالت لعدة أشهر وشملت العديد من المدن في الاقليم واستولت على عدة احياء في بعض الأوقات. كانت هذه الفترة لا تخلو من الإشكاليات حيث رفعت اهدافا أكبر من حجم الواقع كما اعتبرها الكثير من النشطاء “المفاجأة الكبرى” التي سبقت مستوى الأهداف والتوقعات وتبنت مطالبات سياسية – اجتماعية متقدمة مقارنة وانفردت بنفسها عن المناهج التي تناوله النشطاء. هذه الظاهرة اي الحراك المتسع عام ٢٠٠٥ وان تعددت أغراضه واسبابه – سياسي وغير سياسي- ولكن اتفقت الأدبيات على تعريفه حيث صنف من نوع ” السياسي – الهوياتي” وفقاً للتشكيلة والبنية.

لعبت المؤسسات والحركات الاجتماعية والمدنية الدور الأساسي في توعية الشارع، لكنها عجزت عن إدارة الشارع وادارة هذا الحراك بواسطة جهود غير منظمة بذلها عشرات الالاف من المواطنين، بهدف تغيير الاوضاع الموجودة آنذاك، وكونت قيما حديثة وقيم اجتماعية – هوياتية عليا التي طالما كان يحلم بها المواطن الأحوازي.

 

عناصر الحركات الاجتماعية وظهور الحركات الاجتماعية

عرف تشارليز تيلي الحركات الاجتماعية على انها سلسلة من الاداء المتواصل والمعارضات والحملات التي يقوم بها اشخاص عاديين لرفع مجموعة من المطالب. اعتبر تيلي الحركات الاجتماعية وسيلة مهمة تسمح للاشخاص العاديين المشاركة في الأمور السياسة. للحركة الاجتماعية ثلاثة عناصر مهمة من وجهة نظر تيلي:

أ: الحملات وهي الجهد العام المنظم والمستمر لتقديم المطالبات الجماعية لسلطة محددة.

ب: مجموعة الادعاء وهي العمل على جمع بعض اشكال الأعمال السياسية التالية: إنشاء جمعيات ذات اهداف محددة وتحالفات واجتماعات عمومية ومسيرات رسمية واعتصامات ومظاهرات وتقديم عريضة وإلقاء كلمة للإعلام وتوزيع المنشورات.

ت: ظهور مفهوم الأحقية والوحدة والأعداد والإخلاص وتعني تضافر المشاركين على الصعيد العام لتمثيل صورة الأحقية والوحدة والأعداد والإخلاص على أنفسهم (تيلي، ١٩٧٨).

كما عرف “سيدني ترو” الحركة الاجتماعية على انها الاعتراضات الجماعية ضد النخب والسلطات ومجموعات اخرى او قوانين ثقافية، يقوم بها اشخاص يشتركون في نفس الأهداف ويتفاعلون باستمرار مع النخب والمعارضين والسلطات. وفرق سيدني ترو بالتفصيل بين الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية وجماعات الدعوة. وفقا لتعريف “بول فان سيترس وبول جيمس” للحركة الاجتماعية فإنها تستلزم الشروط التالية كحد أدني:

١. وجود نوع من الهوية المشتركة،

٢.  تطور التوجه المعياري المشترك،

٣. الحرص المشترك على تغيير الوضع الراهن،

٤.  حدوث انشطة فعلية مرتبطة ببعضها البعض موضوعيا على الأقل (تيلي، ٢٠٠٤).

إذاً نعرف الحركة الاجتماعية في الاحواز تعتبر على أنها شكل من اشكال الترابط القومي المسيس بين المواطنون ونظرائهم الذين يشتركون بنفس الهدف (الهوية المشتركة الاحوازية)، كما يجتمع النشطاء على أساس معايير ثابتة قد تصنف التوجه المعياري بينهم. وأيضا قد لوحظ ان النشطاء يتكاتفون جميعهم لإحداث تغيير في المجتمع لأجل ذلك الهدف كما حصل في الحراك الاجتماعي الاحوازي في إطلاق سراح المواطن أو أزمة السيول المفتعلة فيما بعد.

 

ميزات الحركات الاجتماعية في الاحواز

تحمل البعض من انواع الحركات الاجتماعية أيديولوجية او اهداف معينة كانتفاضة ٢٠٠٥، بينما هناك لا تحمل البعض الاخر منها أي أيديولوجية ثابته معينة كحراك ديسمبر ٢٠١٨ التي هدف الى إنقاذ حياة مواطن أحوازي.

بداية الامر يرى المشاهد والمتابع للوضع في الاحواز أن جميع الحركات تفتقر الى برامج وأجندات محددة وتؤخذ المواقف بشكل فُجائية وتتسم بالتلقائية. جميع الحركات في الاحواز في جميع اشكالها تتكون من جهود وطنية – جماعية قفزت على شاكلة المجتمع التقليدي لكنها في قالبها الأساسي لا تخرج عن التعريف غير المنظم للعمل المنظم أي “مقاومة الاحتلال” على الأرض.

اذن يمكن القول ان الحركات الاجتماعية – السياسية والتي تجلت في شاكلة انتفاضة عام ٢٠٠٥ تشير الي تجمهر عدد كبير من المواطنين وكانت قد حصلت نتيجة جهود ومحاولات تهدف الى احداث تغيير اجتماعي او سياسي وبرزت بشكل عنيف وانبثقت في مظاهر متطورة من خلال القيام على الوضع السائد والبيئة السياسية القائمة التابعة للنظام الفارسي والممارسات السياسية السلطوية الايرانية. بينما الحراك المدني الذي تجلى في سلسلة بشرية على ضفاف الانهر او العمل الجماعي في ديسمبر لإنقاذ مواطن احوازي من الموت المحتوم عام ٢٠١٨، كلتا الحالتين اخذت طابعا لينا يهدف الى انجاز تغييرات جزئية ومحدودة تمهد الطريق بشكل ناعم للاحداث الكبيرة في المستقبل. ويعني ذلك يمكن ان نفرق بين الحركات في الأحواز حسب تقسيمات “لاوس” الى نوعين بارزين اولهما الحراك الاجتماعي- السياسي والذي غالبا يبحث عن تغييرات سياسية كلية وتتبنى جميع الطرق بما فيها العنف وأما الحركات الاخرى الاجتماعية – غير سياسية تتحرك لغاية الوصول الى اهداف جزئية محدودة مثل حركات المياه والعمال وحركة ديسمبر ٢٠٠٨ لإنقاذ حياة المواطن الأحوازي.

 

أسباب ظهور الحركات الاجتماعية في الأحواز واليات تطوير العمل

أسباب ظهور الحركات الإجتماعية في الأحواز ايضا تختلف من حيث المشرب. فاذا نظرنا الى الحركة العمالية يمكن ان تدرس من خلال العوامل الاقتصادية وذلك نتيجه لتردي الأوضاع الاقتصادية للعمال وارتفاع نسبة البطالة في الشارع الأحوازي، وانخفاض مستوي الاجور مقارنة بالتضخم والركود الاقتصادي وارتفاع الاسعار حيث يخرج هذا الحراك لاهداف محدودة منها دعم مطالب فئة محددة.

النوع الثاني من الحراك في الأحواز، هو الحراك المستمر متأثرا بالعوامل السياسية والاجتماعية ويحصل ذلك نتيجة عدم رضاء الشعب الأحوازي عن الوضع السياسي الموجود وعدم قدرة النظام الايراني على احتواء المجتمع من خلال اعطاء الشعوب غير الفارسية حقوقها ومنها حق تقرير المصير وتصنف حراك الاجتماعي- السياسي عام ٢٠٠٥ أفضل نموذجا من هذا النوع.

واما النوع الثالث من العوامل التي ادت الى حراك اجتماعي في الاحواز يمكن تصنيفه ضمن مشروع الهوية وكما ذكرنا انفا حراك الاجتماعي الهوياتي يعتبر ضمن هذا النوع من النشاط و تجلت هذه الحركة في “ثورة الكرامة” ردا على ادعاءات الرئيس الايراني الاسبق رفسنجاني عندما تجاهل الاحوازيين في جغرافية ايران لما اعتبرهم ليس الا غجر هاجروا من البلاد الاخرى.

وأما حول آليات تطوير العمل في الداخل الاحوازي والعمل على تنشيط الحركات الاجتماعية فهذا القسم يعتبر من اهم مراحل البحث والحوار حول هذا المهم ويمكن دعم ذلك عبر:

  • اجراء اتصالات مع شخصيات منها القيادات الاجتماعية البارزة ذات النزعة الوطنية والمقبولة في الشارع الأحوازي و دعمها معنويا وماديا، التواصل مع البازاريين والتجار ودعمهم من خلال دعاية اعلامية في القنوات، حث الشعب على التواصل و دعم البضاعة، التواصل مع الشخصيات الاكاديمية البارزة من اساتيذ الجامعات ومسوولي الدوائر من الأحوازيين و دعم قراراتهم، دعم مجموعات الطلابية والنسوية والبيئة والشبابية الاخرى من خلال اقامة مهرجانات ودعم الامور الثقافية والفنية والادبية بالاضافة الى دعم وجوه الاجتماعية – القبلية من الوطنيين والمعتدلين من أجل اعلاء روح الوطنية و دعم الهوية الأحوازية.
  • العمل على تطوير الدائم في الخطاب والكشف عن المطالب التي تهم الشارع حسب الظروف المختلفة من الاحداث.
  • تبنى استراتيجية ” التحليل الدرامي” وهو عبارة عن تبعية اسلوب نضالي من خلال الدعوة للمشاركة في الحراك الاجتماعي والدعوة للإضرابات والاعتصامات الجماهيرية (جمال، ٢٠١٨) من خلال تعميم وصياغة المطالبة في طابع وطني واخذ الحذر والحيطة من تعريف مثل هذا الحراك في خانة المناطقية أو الحزبية وما شابه ذلك. على سبيل المثال دعم حراك العمال عبر مطالبة الشارع والمواطنين الاخرين للانضمام إليهم وأيضا يمكن ذكر مثال دعم الحراك الاجتماعي في إطلاق سراح السجناء الأحوازيين من خلال كسب دعم الشارع في جميع المدن والقرى.

 

دور الحركات الاجتماعية الالكترونية في الأحواز

في الحديث عن الحركات السياسية-الاجتماعية في عهد التكنولوجيا من الصعب تجاهل الحركات الالكترونية ودورها في التأثير على الشارع وتنشيطه. يعتقد الكثيرين ان الحراك الوطني في ديسمبر ٢٠١٨ والحراك المدني في الاعوام الماضية القريبة كانت مرتبطة ومتصلة تماما بالحراك الالكتروني لا بل اصبحت ضرورة ملحة الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي في الحراك واللجوء الى اصدار الخطب والمواقف على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن الواضح ان دور الحركات الاحتجاجية لا ينفصل عن الانترنت فقد كانت أولي هذا النشاط تجلى في حراك المياه عبر تشكيل سلسلة بشرية على ضفاف نهر كارون، وحراك الكرامة بعد ما هانت قنوات النظام الايراني الأحوازيين ونفت تواجد العرب في الخريطة الإيرانية الحالية عبر قناتها الرسمية عام ٢٠١٨، حيث اعتبرت هذه الشبكات العامل الرئيسي في تحشيد الناس باعتبارها الانطلاقة الجديدة لحشد وتعبئة الشارع لأنها وفرت الوسيلة الإعلامية سريعة الانتشار وجعلت الشارع العام يتفاعل مع الناشط المدني.

 

التعبئة الجماهيرية والتعبئة الشارعية في الأحواز

 احدى اهم اركان الحراك الاجتماعي، بل تعتبر هذه الحالة العامل الرئيسي في نجاح الحركات الاجتماعية أو السياسية والثورات والانقلابات الاجتماعية.  حيث “يري أنصار نظرية “التعبئة” أن المشاركة السياسية تصبح غير مكتملة دون تعبئة الجماهير للحياة العامة، وعلى إثر ذلك نري أن الأفراد الذين تم الاتصال بهم من قبل الأحزاب السياسية والمسئولين الحكوميين يكونوا أكثر مشاركة في الحملات الإنتخابية أو التبرع بالوقت والمال لصالح مرشح حزب سياسي معين، كما أن جماعات المصالح والحركات الإجتماعية تقوم بدور مهم في تعبئة المواطنين وجعلهم أكثر ميلاً للمشاركة السياسي.” (جمال، ٢٠١٨).

وتعني هذه التعبئة “حشد الناس في الميادين والشوارع لإملاء مطالب معينة ” (جمال، ٢٠١٨) أوقد يكون حشدا لصالح قضية معينة مثل السلسلة البشرية على ضفاف نهر كارون وانعكاسها وأثرها في افشال مخطط نقل مياه الأحواز الى العمق الفارسي ولو بشكل موقت مما ادى الى محاولة استقالة جماعية لممثلي محافظة أصفهان الفارسية بعد ما وقف البرلمان مشروع نقل مياه الاحواز الى تلك المحافظة.

تمثل الحركات الاجتماعية في الأحواز من خلال برامجها وتنظيمها وطبيعتها وأهدافها وعملها وعاء للعمل يجتمع فيه النشطاء من جميع المجموعات الاجتماعية، السياسية، الهوياتية – الوطنية والثقافية في عموم مدن الأحواز، وبدأت هذه الحركات تعوض غياب عمل المؤسسات الاحوازية المعدودة والتي تم اغلاقها منذ عام ٢٠٠٥، كما اخذت على عاتقها البديل الاساسي للعمل الميداني الذي يعاني من العزوف والضعف بسبب سياسة قمع وتنكيل النظام الايراني بحق الأحوازيين.

 

الأهداف العامة للحركات الاجتماعية

١ – الحفاظ على الهوية الوطنية وتوسيع دائرتها لتشمل جميع القرى والمدن في المحافظات الأحوازية وسيما محافظة ابوشهر وجرون ويرجع أهمية ذلك الى البعد الجغرافي عن المركز،
٢ – الوقوف امام سياسات النظام الايراني التي تهدف الى القضاء على القضية الأحوازية ومقاومة مؤسساته الارهابية من العبث في المجتمع،
٣ – مقاومة محاولة التفريس و تغيير الديمغرافي في جميع مدن البلاد،
٤- الحفاظ على هوية الشعب بجميع مكوناته والعمل على تحديث المجتمع والتقدم مع الاتزان بين القيم و التراث،
٥ – احترام  التنوع العقائدي والتواصل الايجابي مع جميع افراد المجتمع رغم اختلاف الديني او المذهبي و القضاء على سياسة شق الصف بين ابناء الشعب الأحوازي ،
٦ –   العمل على احتواء الأزمات في المجتمع الأحوازي من خلال التكاتف بين ابناء البلد من خلال بناء حلقات التواصل بين النشطاء من الوجوه البارزة في جميع المدن و اقامة دعوات وجلسات مدنية  بين ابناء الوطن و تقديم حلول عملية و نظرية و العمل على وضع برامج تضع حلول لكافة الاختلافات المستقبلية،
٨- رفض الاعتداءات الاجتماعية من اي جهة في جميع القرى والمدن على حساب جهة اخرى ومحاربتها من خلال خلق حراك اجتماعي و الزام الطرف المعتدى على حل تلك المشكلات ،
٩-  السعي لتطبيق أفكار وطنية بهدف تطوير روح الوطنية في مواجهة المد الفارسي،

من جهة اخرى لم يتحقق الهدف الاساسي من خلال الحراك الا اذا كانت هناك تكمن اهداف كلي وراء هذا الحراك ومنها:
١- ضمان تحقيق استرجاع سيادة الشعب الأحوازي،
٢-  الوصول الى السيادة من خلال مشاركة جميع افرد الشعب  (جميع الاطياف و المكونات) سيما في هذه المرحلة من الزمن.

 

الخصائص المميزة للحراك الجماعي

من أهم الخصائص التي تميز الحركات الاجتماعية، السياسية والثقافية في عموم المدن في الأحواز، هو اعتمادها على العنصر الشبابي. في هذه الحالة تفتقر الحركات الى عاملين اساسيين للوصول الى مرحلة النجاح اولا، دعم الشباب في المدن والقرى والعمل على جذب كوادر ميدانية وتثقيفها كي يكونوا مؤثرين في محيطهم، وهناك خصيصة اخرى تحتاجها الحركات الاجتماعية بكل اشكالها وهي دعم الشارع العام وكسب تضامن المواطنين من خلال رفع شعارات تدعم المجتمع بشكل عام وعدم التركيز على اهداف وشعارات سياسية وغيرها يمكن تأويلها الى ما لا يرغبه المتظاهرون أو النشاط والحراك به.

يجب الاشارة هنا ان العلاقة بين الحراك الشعبي في المجتمع المدني في الأحواز من جهة والنظام الايراني من جهة أخرى يعتبر نقطة الفصل بين الوطنية واللاوطنية حيث توضح هذه العلاقة طبيعة الحراك واهدافه ومدى علاقته مع النظام السياسي والاهداف والمحددات الثقافية والسياسية للمجتمع في مواجهة الاحتلال. اذن على النشطاء الاهتمام بصغار الامور ومنها ايادي النظام المتمثلة ببعض الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية حيث أن هذه المنظمات والافراد تسعي الي حل مشاكل النظام من خلال دعم الحراك لصالح النظام وتغيير مساره الى ما تراه مناسبا، حيث تعتبر هذه الوجوه الورقة الاخيرة قبل مرحلة ” المواجهة والعنف”. وهؤلاء منوط بهم الاستخدام الشرعي لسلطة القهر لضبط المجتمع والمؤسسات بما فيها المجتمع المدني ويمكن القول باختصار ان العلاقة بين الدولة الايرانية والمجتمع المدني في الأحواز والحركات الاجتماعية يتمثل بمدى حضور ودعم هذه الشخصيات في الحراك في المجتمع.

و”تتمثل هذه العلاقات في ثلاثة اشكال:

التعاون والتنسيق: وهي الصورة المثلي التي يجب ان تكون عليها العلاقة، في ضوء ان منظمات المجتمع المدني تقوم بدور تعاوني وسيط بين الدولة والمجتمع في قضايا مختلفة مثل التنشئة السياسية والمشاركة السياسية.

التنافس والصدام: حيث أنه لا يعني سماح الدولة بوجود منظمات مجتمع مدني أنها ترضي تماماً عن عملها ولا يعني ذلك غياب الصدام خاصة المؤسسات الكفاحية -إن جاز التعبير- التي تدافع عن الحريات والحقوق السياسية وكذلك حقوق الانسان.

الاختراق والاحتواء: اختراق الدولة لمؤسسات المجتمع المدني والاحتواء: قد تأخذ الدولة اتجاه الادماج من خلال انشاء أجهزة بيروقراطية يسهل اختراقها وتفريغها من محتواها أي إصباغ صبغة ديمقراطية شكلية عليها وهذا الشكل الذي غالبا ما تتخذه الدولة وهو مستوي التدخل والاحتواء”(جمال، ٢٠١٨).

في هذه النقطة بالذات من اهم العوامل التي تودي الى نجاح الحراك في المجتمع الأحوازي هو قطع العلاقة مع رجالات النظام من السياسيين والعسكريين ورجال الدين وحتى بعض الوجوه الاجتماعية المعروفة في الساحة الأحوازية ممن يعمل للنظام الإيراني اللذين يحاولون التقرب الى الشارع الأحوازي وفي المقابل دعم الحراك المدني الأحوازي وتفاعل كل حركة مع الحركات والأطراف الفاعلة الأخرى مثل حراك الهوية، الدفاع عن البيئة، مؤسسات النسوية، حراك تعريف ونشر تاريخ الأحواز، الحراك الادبي والحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى. أما بالحديث عن هذا التفاعل، مع سياق ما بعد الاحداث الاخيرة في الأحواز، يري الباحث ان العلاقة بين هذه المؤسسات والحركات المدنية تبدو علاقة متذبذبة حيث انه تتبني كل حركة أو مؤسسة اهداف صغيرة ومحدودة وتعمل في محيطها بمنعزل عن البرنامج الكلي المطلوب لدعم الحراك الجماهيري الواسع.  وعلى الرغم من تفعيل الكثير من هذه الحركات والمؤسسات إلا انه تظهر العديد من الانتقادات لها واصفة إياها انها كانت جزءً مهماً سّهل دخول رجال النظام في العمل الشعبي او بشكل اخر كان عاملا لإدماج الحراك الشعبي ضمن مؤسسات التابعة للنظام ومثال ذلك يصدق على مؤسسة ميسان الثقافية.

ورغم هذه الانتقادات الا انه لا أحد يستطيع أن ينكر دور الحركات الاجتماعية وخاصة تلك الحركات التي تتخذ الطابع الدفاعي عن الهوية والتاريخ وحقوق الانسان، فرغم قساوة النظام وقمعها الا انها استطاعت في فترة ليست بعيدة تحريك المياه الراكدة الي عواصف وامواج عاتية عصفت بالنظام في العديد من المناسبات حيث تفاعل معها العديد ولعبت دورها في عملية الحشد والتعبئة وذلك من خلال حالات معينة مثل حراك الدفاع عن المياه أو حراك الكرامة أو اخيرا حراك إطلاق سراح المواطن الأحوازي.

في هذا البين، مهم جدا ان تضع هذه المطالب نصب أعين أصحابها في الساحة الاحوازية حيث تعتبر من اهم خطوات لكل حراك اجتماعي – مدني احوازي مع التأكيد على استمرار ودعم هذا الحراك من قبل الشارع والمواطنين. لابد ان يدرك الناشط الاحوازي خطورة المرحلة التي يمر بها بعد الاحداث التي حصلت في شرق الأوسط ويستغل الظرف الزمني للعمل على تحقيق مطالب الشارع وتجنب الخلافات التي تحاول بعض القوي استغلالها لإفساد روح الوحدة بين الحركات الاجتماعية – الثورية.

العقد الاجتماعي وحراك ديسمبر في الأحواز

بادي ذي بدء، يبداء الحديث حول العقد الاجتماعي وعلى نحو يتحدد بالقوة والفرص والتأثير الذي يمتلكه الشارع الأحوازي في تحركاته وقواعد تنظيم هذه الحراك والمصالح بين الشعب والاحداث العامة، ثم القيم والمبادئ التي جعلت من الشعب عنصرا هاما في هذه المعادلة والتي جعلت الشعب تلقائيا ينتصر للنيل من الهدف ويخطو خطوة كبيرة في دعم الهوية الوطنية دون حاجة للعنف.

يعتبر البعض من علماء المجتمعات المدنية، ان الروح الوطنية في المجتمعات أصبحت عرضة للتهميش في عصر التكنولوجيا، لكن لا يمكن اخذ هذه الرؤى بعين الاعتبار في جميع المجتمعات ولا يمكن تطبيقها على جميع الشعوب. ويعتبر “أولريك بيك أن الوطنية المنهجية تتعرض للنقض والتفكك، لأن العولمة أعادت تعريف حدود الأرض لممارسة السلطة” (على، ٢٠١٤).

في الحديث عن المجتمع الأحوازي والقضية الأحوازية والقضايا المشابهة تختلف المعادلة تماما حيث يعاني الانسان من اضمحلال الهوية. حصل ذلك الامر حيث يجد الانسان هويته في مهب الرياح لذلك رغم عيشه في المجتمعات الغربية المنفتحة الا تراه متمسكا وملتزما بذلك. يحصل هذا لأنه لم تكتمل الصورة الكاملة من هويته الضائعة لذلك ترى التمسك بها يعد أولى اهتمامات الفرد والدفاع عليها اهم ركيزة المجتمع. اذن لا يمكن لمثل هذه القاعدة أي “تهميش روح الوطنية في عصر التكنولوجيا” ان تطبق في المجتمع الأحوازي حيث الحراك الاخير في الأحواز (حراك ديسمبر ٢٠١٨) خرق هذه القاعدة وحافظ في تجلياته على قاعدة الصيغ المكانية-الزمانية على المستوى الوطني في الأحواز خلافا للآراء الاخرى.

 

حراك ديسمبر ٢٠١٨ من منظار المسؤولية الاجتماعية

بداية الامر لابد من التركيز على عدة تعاريف تلخص للقارئ التعريف الموافق عليه لهذا المفهوم.

يشير المعجم الوسيط إلى أن المسؤولية: (بوجه عام) حال أو صفة مـن يسـأل عـن أمـر تقع عليه تبعته، يقال أنا برئ مـن مسـئولية هـذا العمـل، وتطلـق (أخلاقيـا) علـى: التـزام الشـخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً وتطلق (قانونا) على التزام بإصـلاح الخطـأ الواقـع علـى الغيـر طبقـا للقانون (مجمع اللغة العربية، ٢٠٠٨: ٤٢٧ (.

مفهوم المسؤولية الاجتماعية اصطلاحاً:

 يستخدم مفهوم المسؤولية الاجتماعية في عدة مجالات منها الاقتصاد والادارة والسياسة وعلم النفس ليعبر بشكل عام عن توجه قيم تحفز سلوك الفرد الايجابي والاخلاقي في علاقاته مع الاخرين. .( Lake, 2011:13)  وتعرف المسؤولية الاجتماعية بأنها “شعور الفرد بالالتزام تجاه الجماعة وادراكه المنفعة المتبادلة مع الآخرين والسعي لتحقيق المصلحة  العامة

. (Hamilton& Flanagan, 2007: 445)

ويعتبر مفهوم إدراك الفرد لدوره الاجتماعي يعني عن مدى اهتمام الفرد تجاه نفسه وتجاه المحيط الذي يعيش فيه، وتحمله لما يترتب على هذا الدور من تبعات، والذي يدفعه المشاركة الآخرين فيما يقومون به من عمل والمساهمة في حل مشكلاتهم (المومني وهياجنة، ٢٠١١: ٢١٠).

تتضمن المسؤولية الاجتماعية في البحث عن الحراك الاجتماعي في الأحواز الكثير من التسائلات حول ماهوية هذه المسوؤلية. وهل كانت مشاركة الفرد الأحوازي في حراك ديسمبر ناتجة عن التزام الفرد الأحوازي وشعوره بالمسؤولية تجاه الانتماء الحس العربي – القبلي في المجتمع، أم كان مصدرها التزام الانسان بالقيم الدينية اي بعبارة أخرى ناتجة عن الواجب الديني. وربما كانت المشاركة قد حصلت بعد ما ضرب البعض على وتر الانسانية أي العامل الرئيسي وراء المشاركة الواسعة كان انسانيا بحتا حيث شارك في هذه الحملة مساعدات من مواطنين اكراد من اقليم كردستان إيران.

اذن يطرح السؤال، هل يمكن نصنف هذا الحراك والعمل الجماعي في نطاق اوسع وما يتمناه الفرد ضمن المسؤولية الوطنية اي شعور الفرد الأحوازي بالمسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه والانسان والتي برزت منذ أكثر من عقد بوادره في المجتمع الأحوازي اي بمعنى اخر، هل كانت هذه الحركة ناتجة عن التزام المواطن والانسان الأحوازي بالحس المواطنة وثقافة المواطنة؟

ليس الهدف هنا تذكير الفرد والشعب قبال مسوؤليته الانسانية او الفردية أو الوطنية تجاه وطنه والتي تعد ضــرورة إنســانية وواجبا وطنيا ومطلبا رئيسيا مــن متطلبات إعـداد المـواطن. حيث تصنف مثل هذه الحالات الحجر الاساس والبنية التحتية لبنـاء مجتمـع قـادر علـى السير مع المجتمعات الراقية نحو التقدم والتغيــر في جميع ابعاد الحيــاة (قاسم، ٢٠٠٨)، وتساهم في الكشف عن خفايا هذه الظاهرة الاجتماعية النادرة اي الحركات الاجتماعية وما يكمن وراءها. بالاضافة الى كيفية دعمها وتقويتها وتنميتهـا داخـل الفـرد الأحوازي، لان سـلوك المسـؤولية الاجتماعيـة لا ينمـو في فضاء اللامكان او اللازمان بل تحتاج الى دعم في جغرافية محددة وفي فترات محددة وفي مواقف خاصة. ولابد ان تتجلى المسؤولية بشكل جماعي وتبرز بحيث تكون محل اهتمام الجميع في داخل الوطن في جميع المدن والقرى في الأحواز.

المسؤولية الاجتماعية في الاحواز تعتبر الجسر الرابط بين الانسان في المجتمع الاحوازي والذي تم تقسيمه على أساس مناطقي (نهر بني طرف، بني تميم أو الجراحي و…)، كما على أساس قبلي (حسب تقسمات وحدود الانتماء القبلي)، وتارة طائفي أو حزبي. بينما تواصل المسؤولية الاجتماعية عملها على تقارب الأطراف المختلفة من خلال دعم المشتركات بين مختلف الأطياف.

المسؤولية الاجتماعية في الأحواز سوف تصبح القاعدة التحتية والمؤشر الاول في العبور من القبلية والعشائرية والتقسيمات المناطقية والحزبية باتجاه المجتمع المدني. تخلق هذه المسؤولية الإطار الرئيسي لتطور الفرد في المجتمع المدني وتدعم الرقى وتجعل الامور العامة ضمن اولويات الفرد أي بعبارة أخرى يقدم الفرد المصلحة العامة على المصلحة الفردية. إذا نظرنا الى الحراك السابق في الاحواز، وسيما من خلال الحراك الجماهيري في ديسمبر ٢٠١٨، يمكن ان يرى المشاهد والمتابع للشان الأحوازي، صورة جميلة من “المجتمع المدني” و”ولادة جديدة للشعب الأحوازي” تجلت في حراك شعبي كامل الأطراف. وحصل هذا الواقع في غياب السلطة الوطنية في الأحواز.

 

عناصر البنيوية للمسؤولية الاجتماعية في الأحواز

بالإعادة وكما أسلفنا، تعتبر قبول المسؤولية الاجتماعية البنية التحتية للمجتمع المدني في الأحواز وترتكز على ثلاثة عناصر رئيسية منها:

العنصر الاول: في العنصر الأول، يهتم الفرد والمواطن الأحوازي بمجتمعه ومحيطة، ويدور الحديث حول “مدى ارتباطه” الانسان بالمجتمع الوطني (ولا نعني القبلي أو المناطقي) الذي ينتمي اليه، وتماسكة حتى بلوغ الهدف المنشود. ويتصنف الى عدة مستويات وصورا ومنها:

 اولهما أقل تقـدماً: الانفعـال مـع الجماعـة هذه تعتبر مرحلة بديهية وابتدائية حصلت في الأحواز طوال التاريخ لا ترتقي الى الهدف المطلوب.

الصورة الثانية: أي الانفعــال بالجماعــة ويعني ذلك، التعاطف مع الجماعة ويتمكن الفرد في هذه المرحلة من إدراك ذاتــه أثنــاء انفعالــه بالجماعــة. ربما يكون الحراك الأحوازي غالبا ما يصنف ضمن الصورة الثانية يحاول الانسان ان يتعاطف مع الاحداث كما يسعى الى إدراك الفرد وجوده وتأثيره في المجتمع دون ان يتقدم في صفوف الامامية للحراك ويقتنع الفرد بالعمل في دائرة ضيقة وبرزت مثل هذه الحالة كثيرا في التسعينيات من القرن الماضي.

الصورة الثالثة: تسمى “التوحد مع الجماعة اي يضع الفرد نفسه مع جماعته في مصير واحد” (عثمان، ١٩٨٦، ٢٧١). وتجلت هذه الصور في الحركات الاجتماعية – المدنية طوال العقود الماضية ويمكن ان نذكر أبرزها المشاركة في سلسلة اعتراضات حول تحريف مسار مياه الأحواز وبناء السدود على مجاري الاحواز.

الصورة الرابعة: تسمى تعقل الجماعة ويعني ان الانسان يدخل مرحلة عالية من الانصهار في المجتمع أي يعني اهتمام الفرد بمشـــكلات المجتمع ومصـــيرها (لفهم المباني النظري يمكن مراجعة فحجان، ٢٠١٠: ٤٢). وتبلورت هذه الصورة في حركات اجتماعية – سياسية متنوعة وتتطلب نوعا عاليا من التضحية ويمكن ان نحددها في الحراك الجماعي ٢٠٠٥ والحركات المشابهة الاخرى.

العنصر الثاني: في العنصر الثاني يدور الحديث حول مدى “فهم الفرد” من المسائل الاجتماعية، ويتمثل في فهــم الفــرد للجماعــة ويقصــد بــه فهــم الفــرد للجماعة في حالتها الحاضرة من ناحية مؤسساتها ونظمها وعاداتها وتاريخها وقيمها، وكذلك فهــم تاريخهــا والعوامــل والظــروف التــي تــؤثر فــي حاضــر هــذه الجماعــة (العمري، ٢٠٠٧: ٤٤). تعتبر هذه المرحلة متقدمة جدا لعدد كبير من المجتمع الأحوازي حيث ينتقل فيها الفرد من درجة “الاهتمام” الى مرحلة “الفهم والادراك”. يمكن ان نوضحها في مشاركة الفرد الأحوازي في المناسبات الاجتماعية والسياسية. على سبيل المثال تتجلى هذه الفهم في مساهمة الفرد في الاحتجاجات الهوياتية مثل حراك الكرامة عام ٢٠١٨ وحراك المياه بالإضافة الى الحراك الثوري والمسيرات السياسية.

والعنصر الثالث والتي يطرح في اعلى شكل من تقبل المسؤولية يعني “مساهمة الانسان” مع الآخرين في الوصول الى الغاية والهدف المنشود ومساعدة الجمع في حـل مشـكلاتها والمحافظـة علـى اسـتمرارها، وينـدرج تحـت هـذا العنصـر ثلاثة جوانب هي:

اولا، التقبـل: أي تقبـل الفـرد لـدوره أو أدواره الاجتماعيـة ومـا يـرتبط بهـا مـن توقعـات وسـلوكيا.

 ثانيا، المشـاركة المنفــذة أي العمـل الفعلـي المشـترك مـع الجماعـة لتنفيـذ انجـاز مـا يتم الاتفاق عليـه (مشرف، ٢٠٠٩: ١١٦).

 ثالثا، المشاركة والتقويم: وهي مشاركة موجهة تهدف إلى تقويم أعمال وانجـازات الجمع (زهران، ٢٠٠٣: ٢٨٨). حصلت مثل هذه الحالات المتقدمة من الوعي في الأحواز ايضا في حركات معدودة سياسيا واجتماعيا. ويكاد يكون هذا العنصر شبه غائب في الامور الاخرى، لكن للمرة الاولى يبدو تطور الامر وشارك الانسان الأحوازي بشكل عام في حراك مدني شعبي دعم من خلاله عملية إطلاق سراح مواطن أحوازي اخر. كان يحسب إطلاق سراح الفرد الأحوازي سابقا من اولويات المجتمع (القبلي – المناطقي) في الأحواز ويكاد ان يكون مسؤولية الوجهاء والشيوخ بينما تجلى شكل جديدا من المسؤولية الاجتماعية في هذه المرحلة وبرزت في قالب حراك شعبي وتعبوي وانصهر في ذلك دور الشيوخ وزعماء القبائل. كما اتسعت رقعة المشاركة من الحدود القبيلة أو المنطقة الى اوسع نطاقا وشارك فيها الفرد الأحوازي من جميع المدن والقرى ومن مختلف اطياف الشعب.

 

تقبل المسؤولية الاجتماعية في حراك ديسمبر ٢٠١٨

تقبل المسؤولية الاجتماعية في حركة النخوة او حراك ديسمبر في الأحواز من قبل الشعب تعتبر احدى أبرز الصفات للمجتمعات الحديثة وتعتبر احدى مواصفات “التنمية المجتمعية” وتعني بذلك ممارسات جميع افرد المجتمع من المواطنين ولا تتحدد في النشطاء فحسب لا بل عكست صورة عن مجتمع موحد يتحرك من اجل حلحلة الازمات والمشكلات في مجتمع متماسك موحد. وبرز في ذلك دور افراد الشعب في تقوية ودعم هذه التنمية دون ملل من خلال تكريس المفاهيم المدنية والتأكيد عليها بين افراد الشعب.

 ونعني هنا بالمجتمع المدني اي الحراك أو الجمعيات التي ينشئها أشخاص تعمل لنصرة قضية اجتماعية مشتركة (المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية، ٢٠٠٩). وبناء على ما أسلفنا، الميزة المشتركة التي جمعت بين حراك المجتمع المدني في الأحواز في ديسمبر، فهي تتمثل باستقلالها عن سيطرة نظام القبيلة وسلطة النظام الايراني ولعل هذا الطابع الاستقلالي هو ما يسمح لها بأن تتبنى الدور الاساسي في حراك المجتمع وتضطلع بدور هام في التغييرات الاجتماعية والسياسية في المستقبل.

 

الاستنتاج والوصايا

تواجه نظرية العملية السياسية في الساحة الأحوازية في الداخل والخارج مجموعة من الانتقادات، وأول هذه الانتقادات هو سطحية الرؤية السياسية بالنظر إلى الحركات الاجتماعية الشعبية وتجاهلها للوضع الاجتماعي، ذلك مايجعل الاعتماد على الحركات الاجتماعية بالتحديد من المنظور السياسي امرا غاية في الصعوبة. رغم ان الحركات الشعبية – الاجتماعية لا يبدو في ظاهرها تحمل رسائل سياسية الا انها المحور الاساسي لكل حراك في المجتمعات حول العالم. على سبيل المثال مطالب واستراتيجيات بعض الحركات الاجتماعية في الأحواز مثل حراك العمال يخاطب في المقام الأول السلطات السياسية في طهران من اجل تحسين الوضع الاقتصادي، كما يتابع الحراك البيئي اهداف محددة لكن كل منها في نهاية المطاف يشكل الحجر الاساسي للتغييرات في المجتمع. في هذين النموذجين كانت دائرة المشاركين والمساهمين محدودة من حيث المكان ونوعية النشاط. هناك نموذج اخرا من الحراك في الأحواز يتضمن جغرافية مكانية وشعبية اوسع مثل الحراك الشعبي في ديسمبر ٢٠١٨ لإنقاذ حياة مواطن أحوازي الذي يحمل ابعادا واسعة من حيث نوعية خطاب والمطالب والذي قد لا تكون العمل السياسي أو الروية السياسة موضوع محوري فيها بالضرورة، ولكن هذا النوع من الحراك يركزعلى مخاطبة الشعب بشكل عام ويدعم الفكر الوطني من خلال مشاركة أكبر عدد ممكن من الشعب في حدث وطني وقلما يسبب خطرا على المواطنيين. حدد مفكرو الحركات الاجتماعية هذه النوعية من الحركات باعتبارها الافضل حسب “جدول اجندات من اجل استمرارية العمل” حيث تستخدم تقنيات مثل الاعلام وشبكات تواصل الاجتماعي وهذه الادوات اصبحت أكثر إدراكاً وقبولا في الصراعات المتنقلة والمتغيرات القائمة في المجتمع. حيث أكد ((Snow and Benford, 2000 على استراتيجية توظيف التقنيات لتعبئة التابعين وإقناع العامة، كما أكد أخرون أن الخطاب العام بجانب السياسات المؤسسية يلعب دوراً هاماً، فخطاب وسائل الإعلام يلعب دور محوري وينسب المصداقية والملاءمة والشرعية لقضايا وآراء بعينها.

 

خلصت هذه الدراسة الي مجموعة من النتائج الهامة منها:

انه يمكن التأكيد في نهاية هذه الدراسة، أنه أصبح من الصعب استبعاد دور الحركات الاجتماعية في الأحواز الاحتجاجية منها او الهوياتية حيث يمتلك الشارع اليوم الية الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وخاصة بعد نجاح العديد من الحركات الاحتجاجية في كل من تونس ومصر وفرانسة مؤخرا بالإضافة الى الحركات الاجتماعية في دول اوروبا الشرقية في تحشيد الشعب. بتبع ذلك يمكن القول ان مثل هذا الحراك هو الوحيد الذي قادر على افشال مخططات الاحتلال الايراني حيث فشلت جميع الاطراف في استيعاب مطالب مثل هذا الحراك التعبوي.

 

 

 

المصادر

أميمة إبراهيم عزت. (2011- 2012). الحركات الاجتماعية: مادة نظرية السياسة المقارنة، برنامج الدكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية

رمضاني صوارية. ( 2016). الحركات الاجتماعية، مقاربة سوسيولوجية”. قسم علم الاجتماع والديموغرافيا جامعة الجزائر.

زهران، حامد عبد السلام. (2003). علم النفس الاجتماعي، ط6 ،القاهرة: عالم الكتب.

عثمان، زياد. (2008 ). المشاركة السياسية للشباب الفلسطيني – ظلال الماضي تحاصر

المستقبل، رام االله: مركز رام االله لدراسات حقوق الأنسان.

عثمان، سيد أحمد. (1986). المسؤ ولية والشخصية المسلمة، القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية.

فحجان، سامي محمد. (2010). التوافق المهني والمسؤولية الاجتماعية وعلاقتها بمرونة الأنا لدى معلمي التربية الخاصة، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة.

مجمع اللغة العربية. (2004). المعجم الوسيط، ط4 ،القاهرة: مكتبة الشروق الدولية.

المومني، حازم وهياجنة، وليد. (2011). المسؤولية الاجتماعية لدى طلبة كلية الحصن الجامعية وعلاقتها بدافعية الانجاز، مجلة اربد للبحوث والدراسات، جامعة اربد، الأردن ، مجلد 15 ،(ع(2 ،( ص ص 198-236.

القريشي، غني ناصر حسين (٢٠١١). النظريات المعاصرة في علم اجتماع التنظيم (نظرية نسق الصراع). جامعة بابل. ارجاع فبراير ١٢و ٢٠٢٠. الرابط http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=8&lcid=11310

ياسر على محمد عودة. ( 2014 ) . المشاركة السياسية (الاتجاه والممارسة) وعلاقتها بالمسؤولية الاجتماعية وتأثير الأقران لدى طلبة جامعة القدس المفتوحة، قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في تخصص علم النفس الارشاد النفسي الجامعة الإسلامية – غزة

محمود جمال أحمد عبدالعال. (2014). دور الحركات الشبابية في التعبئة الجماهيرية. المركز الديمقراطي العربي.

جانستون، هانك. (٢٠١٧). الدول والحركات الاجتماعية. ترجمة احمد زيد، مركز القومي للترجمة، القاهرة.

كوزر، لويس. (1956). وظائف الصراع الاجتماعي.

Adorno, T. W., Frenkel-Brunswik, E., Levinson, D. J., & Sanford, R. N. (1950). The authoritarian personality. Oxford, England: Harpers.

Alagappa, Muthiah. Civil Society and Political Change in Asia. Stanford: Standford University Press, 2004. ISBN 0-8047-5097-1

Charles Tilly, 1978. From Mobilization to Revolution. Reading, Massachusetts: Addison-Wesley, 1978.

Charles Tilly, Social Movements, 1768–2004, Boulder, CO, Paradigm Publishers, 2004 262 pp. ISBN 1-59451-042-3 (hardback) / ISBN 1-59451-043-1(paperback)

Gustave Le Bon. (1913). The Psychology of Revolution. Kindle Edition. G.P. Putnam’s Sons, NewYork

Hamilton, Carmen & Flanagan, Constance (2007).” Reframing social

responsibility within a Technology – Based Youth Activists Program “,

American Behavirol Scientist, V (51), No (3), P P 444-464.

Howord, Nicole (2004).” Peer Influence In Relation To Academic

Lake, Wary-Laura (2011).” The Developmental Roots of Social

Responsibility in Childhood and Adolescence “, Youth civic

development: work at the cutting-edge, No (134), pp 11-25.

Snow,D. Benford, R. (2000).  Framing Processes and Social Movements: A Framing Processes and Social Movements: An Overview and Assessment. Annual Review of Sociology, Vol. 26:611-639 (Volume publication date August 2000)
https://doi.org/10.1146/annurev.soc.26.1.611

Ruud Koopmans,”Social movements”, In: Russell J.Dalton and Hans-Dieter Klingemann The Oxford Handbook of Political Behavior(New York: Oxford University Press, 2009)

Robert D. Benford and David A. Snow. (2000). Framing Processes and Social Movements: An Overview and Assessment. Annual Review of Sociology. Vol. 26 (2000), pp. 611-639

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!