المقدمة
لا شك أن المرأة هي المكوّن الأساسي في كل المجتمعات في طبق المقولة الشهيرة؛ نصف المجتمع ولكنها أيضاً تلد النصف الآخر. فإذا عزم أي نظامٍ سياسي لمحو هوية شعبٍ ما وتدمير ثقافته فسيبدأ من التاريخ والمرأة، محاولاً مصادرة كل الشخصيات والأساطير وحتى الحكايات الخاصة بذلك الشعب المستهدف. ومن خلال هذه الدراسة وهذا البحث المتسلسل نسعى لتبيين وكشف الحقائق وإعطاء كل ذي حقٍ حقّه محاولين رسم صورة غير نمطية وواقعية من المرأة الأحوازية كما فعلنا في الدراسة السابقة التي تناولت موضوع دور المرأة الأحوازية المعاصرة ومدى تأثيرها على المجتمع وتناول التحديات والعوائق التي تواجهها سياسياً ومجتمعياً، وعنونت الدراسة بـ “دور المرأة الأحوازية في المجتمع العربي الأحوازي (التحديات والعوائق).
بحثاً عن تاريخ المرأة الأحوازية الذي طُمس لأسباب سياسية ممنهجة من قبل النظام الإيراني بهدف تضعيف وتقليص دور المرأة الأحوازية، نجد أن جريمةً كبرى تمت بحق تاريخ المرأة الأحوازية ووجودها، وهي نفي المواقف التاريخية ومحو الصفحة النضالية من دفتر التأريخ ورسم صورة بدائية من المرأة الأحوازية، لتثبيت السياسات الفارسية وتدعيم مشروع القدوة الفارسية بين الأحوازيين والأحوازيات، وتضخيم وتفخيم دور المرأة الفارسية غير الموجود أصلا وخلق سيناريوهات بطولية لوقوغ الفارسية أمام الجنود العراقيين في الحرب الإيرانية العراقية، هذا في حال أن الحرب لم تكن بالمناطق الفارسية أصلاً. وهذا أبسط وأفضل مثالٍ يمكننا ذكره لتبيين حجم التناقض فيما يحبك الإيرانيون من قصص خيالية لتخدير العقول وتمرير سياسة استهداف المرأة الأحوازية.
إن هذا الحقل فارغ كلياً ومن الصعب الخوض فيه دون معرفة ميدانية للوضع والواقع الذي عاشته وتعيشه المرأة الأحوازية. ومن خلاله نسعى لتعريف الوضع لغير الأحوازيين لملئ هذا الفراغ، وهنا نواجه نقصا في المصادر العلمية والمنهجية ونضطر لطرح ورقة المصادر الميدانية واستخدام الإحصائيات الرسمية المعترف بها من قبل النظام الإيراني. فهذه المرة سيكون جل اهتمامنا لتناول تاريخانية المرأة الأحوازية ودورها الفعّال والملحوظ في الإمارات الأحوازية السابقة سياسياً ومجتمعياً نستحضر عبرها الشخصيات النسائية التاريخية الأحوازية، التي كافحت وناضلت في سبيل الأرض الأحوازية وعروبتها.
“وتاريخ المرأة هو دراسة دور المرأة الذي لعبت في التاريخ والأساليب اللازمة للقيام بذلك. ويشمل دراسة تاريخ نمو حقوق المرأة طوال التاريخ المسجل، وأهمية الدراسة التاريخية للأفراد والمجموعات من النساء، وتأثير تلك الأحداث التاريخية على النساء. إن الدراسة المتأصلة في تاريخ المرأة هو الاعتقاد بأن التقليل من تسجيلات التاريخ التقليدية أو تجاهل إسهامات المرأة وتأثير تلك الأحداث التاريخية على المرأة ككل، في هذا الصدد، تاريخ المرأة هو في كثير من الأحيان يمثل شكل من أشكال المراجعة التاريخية، والتي تسعى إلى تحدي أو توسيع توافق الآراء التاريخية التقليدية”[1].
١- من هي المرأة الأحوازية؟
بالحديث عن المرأة الأحوازية تستحضرنا أمورٌ كثيرة ومصطلحات متداولة وسياسات قمعية ومواقف خالدة، فالمرأة الأحوازية التي خلدت تاريخ الأحواز وحافظت على العروبة واللغة والفكرة وحملت بالقضية الأحوازية تسعة عقودٍ ولم تجهض بها للآن لم تزل مظلومةً من الجانب الإعلامي والعلمي وهذه الدراسات هي الأولى من نوعها التي تتناول موضوع المرأة الأحوازية وتحاول معالجة القضايا المحيطة بها عبر قراءة نظرية – ميدانية للوضع الأحوازي الراهن ووضع وموقعية المرأة الأحوازية، لإعطاء صورةٍ جامعة وشاملة وإن لم تكن فهي أكثر وضوحاً للقارئ والمتلقي العربي غير الأحوازي. علها تستطيع أن تكون باباً لبحوثٍ علمية أكثر تفكيكاً وتدقيقاً لوضع المرأة في الأحواز ودراسة تأريخها ونضالها وصراعها للبقاء والتحديات التي تواجهها وتجابهها من جوانب مختلفة قد تناولتها في دراسة سابقة[2].
المرأة الأحوازية نموذج كبير للنضال والمقاومة فهي التي تواجه السلطة السياسية القمعية التي تستهدف وجود الانسان وسيما المرأة وتحاول ضربه في الصميم عبر مختلف الوسائل وشتى الطرق، لتضعيف المجتمع الأحوازي وإسقاط الأسوة الأنثى والقدوة الأم المعلمة والمثابرة المقاومة، ومن الجانب الآخر تحاصرها سلطة ذكورية تريد فرض كل شيءٍ لصالحها وهي مترسبة ومتشعبة يحميها القانون والدستور الإيراني[3]. وسلطة قبلية وأعراف بالية ما أنزل الله بها من سلطان دخيلة على المجتمع الأحوازي باسم العروبة والعروبة منها بريئة براءة الذئبِ من دم يوسف، كذلك الوضع الإقتادي المزري والضعيف والتهميش الإداري الوظائفي الذي تتعرض له المرأة الأحوازية.
جعلت هذه العوامل التي ذكرناها وتحاشينا ذكر المزيد منها وهي بالواقع قد تعد غيضاً من فيضٍ بالنسبة لما تعانيه المرأة الأحوازية في وطنها. فالمرأة الأحوازية في خانة التهميش والاستهداف المباشر ولكن تأثر المرأة الأحوازية بتاريخها المشرف كان ايجابياً، فهي تعلمت من تاريخها ومن المرأة الأحوازية عبر التاريخ واستمرت بنضالها ومقاومتها وهذه المرة أكثر جرأةً وتعمقاً من ذي قبل، فالخطة باتت مكشوفة. وإن تأثر المرأة الأحوازية من التاريخ هو أمر طبيعي ففي هذه الدراسة سيكون التركيز على المرأة الأحوازية عبر التاريخ وتاريخانية المرأة الأحوازية، وكل ما يتعلق بالشخصيات النسائية البطولية والعلمية والخيرية عبر ذكر نماذج وسيَر حياة تلك الشخصيات المؤثرة التي استطاعت صنع التغيير في زمنها وبقى هذا التغيير إلى زمننا الحالي وهذا يثبت مدى قوة وفاعلية ما صنعته المرأة الأحوازية في العقود والقرون الماضية ولم تنسى ليومنا هذا وبات ذكرها مخلداً وسيبقى ما دامت المرأة الأحوازية متمسكة بهويتها وثقافتها العربية.
كما لا نريد أن ننسى أنّ المرأة الأحوازية ما اكتشف مكانتها الحقيقية في المجتمع الأحوازي بعد، وإنّ الرّجل الأحوازي بذاته لم يعرف مكانة المرأة الأحوازية على حقيقتها ودورها في التنمية والإصلاح المجتمعي والتقدم والازدهار المنشود، لذلك فقد اختلّ ميزان التعامل والعلاقة ما بين الرجل والمرأة الأحوازية وحتى ما بين المرأة نفسها، ولا يمكن لهذا الخلل أن يستقر إلاّ بالعودة إلى المبادئ والقيم الحقيقية بعيدًا عن التخلف والتعصب فيعرف كلّ منهم حقّه ومكانته ومسؤوليّته تجاه الآخر والمجتمع والتأريخ والمستقبل وعلاقته به.
٢- شخصيات نسائية عبر التاريخ الأحوازي
ألف: علياء بنت الشيخ سلمان
هي الأميرة علياء بنت اﻷمير اﻷحوازي سلمان بن سلطان الكعبي، ماجدة مرموقة من ماجدات اﻷحواز و بطلة إحدى معارك اﻷحوازيين مع بريطانيا التي عرفت بإسم معركة أبوطوق (أبو طوگ). تعد هذه المرأة الشجاعة علماً و رمزاً للشهامة و الغيرة الوطنية عند اﻷحوازيين. وظهرت هذه البطلة الأحوازية خلال المعركة المذكورة، وخلاصة المعركة إن في عام ١٧٦٦ م عندما حاصرت القوات البريطانية مدينة الفلاحیة كان زعيم الجيش البريطاني مستر زبيد واضعا طوقاَ (قلادة) ذهبياَ في رقبته. تجمعت قوات اﻷمير سلمان في قلعة كوت الطرش في الفلاحیة. وإستمر البريطانيون بقصف الفلاحیة بالمدفعية. إجتمع اﻷمير سلمان بالمشايخ لبحث سبل التصدي للعدوان البريطاني. وفي حين كادت قوات الفلاحية أن تستسلم دخلت السيدة علياء سلمان المجلس حاملةَ سيفاَ بيدها وتنخت بنو وطنها. وإعترضها البعض على دخولها دون برقع لمجلس الرجال. فردت عليهم إن دخلت اليوم عليكم دون برقع أفضل من أن أصبح أسيرةَ بيد اﻷجانب ﻻحقاَ. فنبض عرق الرجولة والشهامة عند اﻷهوازيين النشامى ووضعوا عمائمهم على اﻷرض و لبوا نداء أختهم علياء واستعدوا للهجوم وقاتلوا قتال اﻷبطال دفاعاَ عن عرضهم و أرضهم. التفت اﻷمير سلمان لإبنته علياء ﻻئما إياها على ما فعلته. رأسا التحقت البطلة علياء بالمقاتلين. والحق جنود اﻷهواز بالعدو خسائر فادحة. وتمكنوا من الإستیلاء على غنائم حربية تحتوى على مدفعيات وقذائف وعتاد واموال. كذلك دحروا العدو وأجبروه على اﻹنسحاب الى البحر ثم تبعوهم حتى دمروا سفنهم وحرقوها وتمكنوا من قتل قادتهم وعلى رأسهم صاحب الطوق الذهبي. فقطعوا رأسه و أخذوا الطوق و قدموه كغنيمة حربية للأمیر سلمان[4].
وفي هذا النموذج من الشخصية النسوية الأحوازية نجد كل معاني المقاومة والنضال، كما وقد طبّقت الأحوازيات ذلك فتراهن في المعتقلات يتم اجراء أنواع التعذيب والترهيب والتخويف عليهن، وبلقت الأحوازيات النضوج الفكري القومي والمقاوم في تسمية البنات حديثات الولادة تيمناً باسم الأميرة علياء بنت الأمير سلمان الكعبي مما جعل الاستخبارات الإيرانية تبرز بعض الحساسيات من هذا الإسم وتعلن مخالفتها كمخالفتهم مع تسمية ريسان تيمناً بالشهيد ريسان السواري.
ووجود الأحوازيات في الوقت الراهن في الساحة الثقافية الأحوازية والساحة الأدبية وحتى السياسية إلى جانب الرجل الأحوازي هي تجسيد بشكلٍ تامٍ للأميرة علياء بنت الشيخ سلمان. وهذا يأتي بنتائج إيجابية مستقبلية ويثبت الدور القوي والفعّال للمرأة الأحوازية على مر العصور وبقاء الإسم والخلود للمرأة الأحوازية.
ب: آسيه الشيخ نبهان العامري
هي آسية نبهان العامري، حفيدة الشيخ نبهان الكعبي العامري آخر من تولى إدارة الأحواز المدينة وله مسجدٌ موجودٌ الآن باسم مسجد الشيخ نبهان العامري منذ القرن التاسع عشر، وآسية العامري تعد وريثة الشيخ نبهان حيث كانت تملك أراضٍ زراعية كثيرة وواسعة وتدير تجارة كبيرة، حيث وفي عام ١٩٦٠ دشنت آسية العامري حياً سكنياً كاملاً يعرف بحي آسيا آباد اليوم، بتقسيمها الأراضي التي كانت تملكها عن والدها وقامت بتوزيع الأراضي على العرب الأحوازيين في سبيل المعروف ليبنوا بيوتهم ويعيلوا عوائلهم، وتم توسيع الحي رويداً رويداً حتى جاولر حي زيتون العمال وتم الحفاظ على التركيبة السكنية العربية بحي آسيه آباد لليوم وتبلغ نسبة الساكنين هناك 50 ألف نسمة يروي أكثرهم عن سيدة آسية النبهان العامري ومواقفها وشجاعتها بالتصدي للنظام البهلوي المقبور آنذاك، وقوتها بالتدخل في الأمور الاجتماعية والسياسية وحلها بذكاءٍ ودقة فائقة. وقبل وفاتها يذكر أنها وهبت كل ما تملك من حلالٍ ومالٍ للأطفال واليتامى الأحوازيين[5].
ولهذه الشخصية كغيرها التأثير الكبير على شخصية ودور المرأة الاحوازية في الوقت الراهن حيث يشهد الجميع عدد المؤسسات الخيرية والحركات التطوعية لإعانة الفقراء وعوائل الشهداء والتي تتم بإدارة المرأة الأحوازية في الغالب حيث تكون هي المشرفة دائماً على التوزيع والرصد ومعرفة الفقراء الأحوازيين والحالات التي تتكاثر يوماً بعد يوم. ومما يميّز الأحوازيات الآن أنهن يصنعن فرص العمل للمعوزين العائلات التي تقع على عاتق امرأة بأي دليل، فصارت الأحوازية تؤمن بضرورة تعلم الصيد وصنع السنارة بدل اعطاء السمكة.
وبهذا تكون المرأة الأحوازية هي السباقة بالأمور الخيرية وحل المشاكل الاجتماعية منذ عقودٍ طويلة وهذا يضيف لصفاتها اللا منتهية وقدراتها غير المحدودة في الريادة والإدارة والعمل التنظيمي والجماعي في سبيل رقي الأحواز والسمو بالمجتمع الأحوازي نحو المستقبل العربي المنشود والمنتظر منذ احتلال الأحواز وإلى يومنا هذا، فبغير المرأة الأحوازية ومن دونها ودون نشاطها وإنجازاتها لا يمكن لهذه العجلة أن تستمر بحركتها على هذه الصيرورة.
ج: شوكه بنت بستان
هي شوكه أو شوگه أو شوقه بنت بستان الطرفي وهي شاعرة من شاعرات الأحواز المبدعات من الجيل الأول والمتقنات للتاريخ الاحوازي. ولدت شوكه في سهل ميسان وعاشت بين أهلها وعمومتها وعانت مما جرى وحدث على أهلها في عهد النظام البهلوي المقبور الرضا خاني. حيث تم تبعيدها ككثير من الأحوازيين الذين نجوا من بطش البهلويين بأعجوبةٍ، إلى دولة العراق برفقة أخيها في الخمسينات من القرن المنصرم ، وعاشت في الغربة إلى أن وافتها المنية وهي من النسوة الشاعرات في العهد القديم کالشاعرة رکن بنت الشيخ زاير علي وجکارة بنت الشيخ عوفي وغيرهن من اللائي عرفهن التاريخ وسطر سطوره لهن وملأت مواقفهن صفحاته وزينت أسطره. فکانت تنشد الشعر وترتجله ارتجالاً سريعاً كما عرف عنها ويساعدها بذلك مخزونها اللغوي العربي، وکان غالب شعرها عبارة عن رواية لبعض الأحداث والوقائع التاريخية الأحوازية وما عانته قبيلتها في العهد البهلوي البائد ووصف الغربة بكاء الدار وما جرى من ظلمٍ عليهم في أيام التبعيد في المنفى وما بقى من شعرها سوى بعض النعي الذي حفظ منها وتناقلته النساء التي تنعى فراغ أحبتها به. ويعد النعي الحويزي كغيره من الأنماط الشعرية من ابداع الشاعرات الأحوازيات. وهو کثير الاستعمال عند نسائنا إلى يومنا هذا. توفيتّ شوكه بنت بستان سنة ۱۹۸۶م ودفنت في جوار أعمامها الشيخ يسّر الشرهان ويونس العاصي في المقبرة الثانية لعائلة آل شرهان في مقبرة مدينة النجف[6].
ومن الأحوازات في الوضع الراهن من تمتهن الشعر وتنشده بشقيه الشعبي والفصيح ولو خصصت الدراسة لهن لما كفّت ولاحتجنا لمساحةٍ أوسع وحجمٍ أكبر فالشاعرات الاحوازيات كثيرات ويأتي هذا المد من الشاعرات الأحوازيات في العقود البائدة التي تقتدي بهن الأجيال الأحوازية من رجالٍ ونساء، وتميزت الشاعرات الأحوازيات في الوضع الراهن بعدما أصبحت القضايا التي يتناولنها عالميةً وخرجت خارج حدود الأحواز وطبع لهن مجموعاتٌ ودواوين شعرية كما وتمت ترجمة أشعارهن للغة الفارسية والإنجليزية. وهذا الأمر ينم عن الموهبة الدفينة لدى الأحوازيات والسعي الجدي والمثابرة والهدف الأساسي الواحد الموحد وهو الأخذ باسم الأحواز عالياً وإيصال المعانات ورفع اسم الأحواز والسعي للإصلاح عبر تناول القضايا الاجتماعية والمعضلات والتحديات التي تواجه الأحوازيين من الآخر الفارسي الذي يسعى لطمس ومحو كل ما هو عربي عبر استهداف الأنثى أولاً وتضعيف دورها كقدوة أولى ومكوّنٍ أساسي للنسيج الأحوازي فهي الأم والأخت والزوجة والصديقة، ويسعنا هنا ذكر اسم بعض الشاعرات الأحوازيات التي برزت في العقدين الماضيين وحتى اليوم. منهن الشاعرة والناشطة بمجال الطفل “فاطمة التميمي” والشاعرة مريم كعبي الحاصلة على جائزة الإبداع بمصر والشاعرة إلهام لطيفي والشاعرة سمية مشعشعي التي كرست اشعارها لخدمة الطفل الأحوازي، وفي الشعر الشعبي برز اسم زهراء بن يباره، ونيل التميمية والشاعرة مريم محمود وفاطمة عبيات وغيرهن الكثير من الماجدات اللائي يرسمن المعاناة بالحرف ويكتبن الوجع بالكلمة.
د: ورشن بنت اسنيسل
“هي الشاعرة والمقاومة ورشن بنت اسنیسل وهي إحدی العماریات الأحوازیات التي لم ینصفها التاریخ بالرغم من تاریخها الحافل الشرس النضالي ومشارکتها الفاعلة في إحدی أحلك الظروف التي مرّ بها اقلیم الأحواز. وکانت هذه العماریة من سکان مدینة المحمرة العاصمة آنذاك وقد عاصرت الفترة الخزعلیة بکل تفاصیلها وسجلت أحداثها المریرة بمختلف ألوان الشعر الشعبي النسائي، مثل الگولات واللطمیات والأبوذیات والنعاوي. اقتفینا اثرها من الحجیة فاطمه الهلالي (ام هاشم ) إحدی النساء اللواتي تعّرفت علی ورشن من قریب وحفظت البعض من اشعارها: تقول الحجیة فاطمة (ام هاشم) حسب ما سمعته من الشاعرة نفسها أن الأخیره ولدت في مدینة المحمرة أواخر حکم الشیخ مزعل وکان أبیها من حراس الشیخ خزعل في قصر الفیلیة وهو لم ینعم بسواها. لذلك کانت کثیرة التردد علی القصر الخزعلي لزیارة أبیها. وتستمر ام هاشم بالقول أن “ورشن” کانت في صباها تلبس الثوب الرجالي وتسمي نفسها “حنظل” لإن أبیها لم ینعم بولد وهذا ما جعل الناس یعرفون أبیها بأبي حنظل. تعلمت الکتابة في إحدی الکتاتیب المعروفة في مدینة المحمرة حینذاك وحفظت القرآن منذ نعومة أضافرها وازداد حبها إلی الشعر اثر المجالس والمطارحات الأدبیة التي کانت منتشرة في قصر الفیلیة فحفظت الشعر منذ ذاك الوقت”[7].
٣- مشكلة المرأة الأحوازية بين الحاضر المحاصر والتاريخ المحظور
“نظرا لتضاؤل وضعف الحديث عن دور المرأة فى حركات التحرر الوطنى والنضال الثورى فى المجتمعات العربية لانحياز أغلب الدراسات البحثية لدور الرجل فقط استوجب علينا في هذه الدراسة إسقاط الضوء على بعض الرموز النسائية الثورية فى الأحواز وبذلك فيكون تساؤل الدراسة هنا هو: كيف أثر تاريخ المرأة الأحوازية على دور وعمل ونضال وفكرة وتوقع المرأة الأحوازية الآن؟
“تنطلق فكرة نظرية الدور من المجتمع عبارة عن مجموعة مراكز اجتماعية مترابطة ومتضمنة أدواراً اجتماعية يمارسها الأفراد الذين يشغلون هذة المراكز وتستند كذلك على مفهوم التوقعات المتصلة بهذه المراكز الاجتماعية أنواعاً مختلفة من التوقعات التى تحدد تصرفات الأفراد وتتصل ببعضها لتكون شبكة من العلااقات الاجتماعية داخل المجتمع، وعلى هذا الإطار يتم تطبيق منهج الدور لإيضاح الدور الذى مارسته المرأة فى حركات التحرر الوطنى والنضال الثورى “[8].
لا يخفى على كل من له علم وصلة بالمجتمع الأحوازي من بعيد أو قريب أو على معرفة ولو كانت سطحيةً غير عميقة أن المرأة الأحوازية محاصرة ومخنوقة من عدة جهات وجبهات ومحاور تستمر دوما بمحاربتها، وقد ذكرنا موجزاً مختصراً منها في البداية وهنا سنسلط الضوء على الجانب التاريخي والحاضر الحالي في صراع المرأة الأحوازية والسلطة من أجل التاريخ والحاضر في سبيل رسم خارطةٍ للمستقبل الأحوازي الزاهر عبرالتساؤل المطروح في مشكلة المرأة الأحوازية بين حاضرها المحاصر وتاريخها المحظور من قبل السلطات الفارسية التي تسعى لتضليل الأحوازية وعكس مسارها من المرأة التي تقتدي بتاريخها وتهتم بحاضرها وتسعى لتحسينه وتغييره للأفضل ولها هاجس القومية وإغاثة بني قومها وأرضها، إلى امرأة مقلدة مقيدة بقيود وأصفاد السلطة الحاكمة والنظام السياسي الذي يفرض عليها الثقافة الفارسية ويمنعها من لغتها وكل ما يمت لجذورها بصلةٍ بعيدةٍ أو قريبة، ذلك لتكون بعيدةً كل البعد عن معاناة شعبها وتتغير اهتماماتها بالتزامن مع تغيير الأدوار المفروضة عليها والمرسومة لها من قبل السلطة والنظام السياسي العنصري.
فماذا سيحل بالمجتمع المحتل المغصوب والمهمش المهشم لو قلدت فيه المرأة ثقافة الآخر الضد وتبعته وركضت وراءه تابعةً ومتناسيةً قومها ومجتمعها الذي تنحدر منه؟ فتلك الكارثة التي ما بعدها كارثة، وذلك هو الحلم الإيراني المخطط له والمخصص لاستهداف المرأة الأحوازية فقط. ولا شك أن المرأة الأحوازية في مقاومتها وعصاميتها ووعيها سددت وستبقى تسدد الضربة الموجعة للإحتلال الإيراني وستستمر بذلك ما دام الصراع الههوي قائماً وما دامت السلطة الفارسية تسعى لتصهير العرب الأحوازيين وطمس هويتهم بشتى الوسائل والطرق.
الإستنتاج
إن تاريخ كل شعبٍ هو كنه الهوية المنسوبة إليه –الشعب- ولا مفر من التاريخ ولا يمكن تغييره فلو حافظ بنو ذلك الشعب على تاريخهم لأمنوا من ضياع هويتهم وخلدوا الهوية التي ينتمون إليها وتنتمي إليهم، كذلك يمكن للتاريخ أن يكون درساً للأجيال يرون به الزمن الماضي كالمرآة الصافية الواضحة الشفافة ويعتبرون به ليأمنوا شر المستقبل أو شر من ظلمهم في الماضي، فهذا هو كل ما تصبوا إليه الدراسات التي تتناول التاريخ بكل أشكاله. كهذه التي تناولت تاريخ المرأة الأحوازية ومرت بها عبر العصور والعقود وحتى القرون، حيث فهمنا أن المرأة الأحوازية هي المكون الأساسي والغالب المؤثر في المجتمع ويمكن لها أن تصنع المستحيل وبيدها مقود ضياع المجتمع وسموّه نحو الأفضل.
فالمرأة الأحوازية التي تعتبر من تاريخها وتقرأه وتعرفع وتعرّفه هي تلك التي تتعلم المقاومة وتعلمها وتعرف كيفية ترسيخ الثقافة العربية وأن مواجهة الهجوم الثقافي أمر واجب حتمي، لا يمكن العدول عنه بأي شكلٍ من الأشكال. وأن أهمية التاريخ باهتمام السلطة وحرصها على طمسه ومحوه وضرورة تدوين كل شيءٍ في هذا الظرف الراهن من أجل عدم الضياع والإستمرار في سبيل حفظ الهوية الأحوازية.
“تعاني المجتمعات العربية والإسلامية من مشاكل اجتماعية واقتصادية تنعكس سلبا على الدور المأمول من الرجل والمرأة على حد سواء، فمشاكل العولمة والفقر والامية والظلم والاستبداد وتراجع القيم والتي هي امتداد لثقافة التخلف التي تهيمن على أمتنا منذ قرون تعصف بالمجتمع العربي والاسلامي فتحيده عن القيام بالدور المأمول وفي سياق هذه الورقة سأحاول طرح أهم التحديات التي تواجه المرأة الأحوازية كجزء أصيل في نسيج هذا المجتمع حيث يشكل النهوض بها مشروعا للنهوض بالمجتمع الأحوازي برمته”[9]. وهذا ما يجب الانتباه اليه والاشارة اليه في الاطروحات والدراسات التي تخص المرأة الأحوازية بصورة عامة وخاصة في المستقبل.
نهال محمد
المصادر والمراجع
[1] الموسوعة الحرة
Jutta Schwarzkopf, “Women’s History: Europe” in Kelly Boyd, ed. (1999). Encyclopedia of Historians and Historical Writing, vol 2. Taylor & Francis. صفحات 1316–18. مؤرشف من الأصل في 20 نوفمبر 2018
[2] دور المرأة الأحوازية في المجتمع الأحوازي: دور انتاش: 2020
[3] نفس المصدر
[4] عبدالنبي قيم، 500 عام تاريخ الأحواز، الإمارات 2016 مترجم .
[5] يوسف عزيزي بني طرف: من المالك الأصلي للأحواز، مقال على فيسبوك الكاتب 2016 .
[6] علي عفراوي الطرفي، مدونة فلاحيتي، سيرة الشاعرة شوكه بنت بستان: 2015 .
[7] هنا الأهواز، سيرة الشاعرة ورشن بنت اسنيسل، 2017 .
[8] ايناس صبري، المركز الديمقراطي العربي، دور المرأة العربية في حركات النضال الثوري 2016
[9] ميسون الدراوشة، ميثاق الأسرة، 2012