الأربعاء, ديسمبر 25, 2024
دراساتالأحوازيون داخل حدود إيران: فكرة " الشعوب" ما فوق " الدول" في...

الأحوازيون داخل حدود إيران: فكرة ” الشعوب” ما فوق ” الدول” في القانون الدولي (دراسة تأصيلية)

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

الشعب في مفهومة العام، هو العنصر الأساسي والركن الهام في الدولة، حيث لا يمكن أن تقوم دولة دون شعب، وهم الأشخاص الذين تربطهم بالدولة رابطة سياسية هي الجنسية، التي يترتب عليها آثار قانونية أهمها اختلاف المركز القانوني، إذ يترتب لها حقوق كما يترتب عليها واجبات، فالمواطن يستفيد من الحماية الدبلوماسية التي توفرها له دولته على المستوى الدولي، بالإضافة إلى بعض الحقوق الأخرى التي يتمتع بها مثل تولي الوظائف العامة، وحق الترشح، والانتخاب، كما يقع على عاتقه مقابل ذلك واجبات تحددها المنظومة القانونية الداخلية، مثل واجب الولاء، والمساهمة في الأعباء العامة للدولة عند الاقتضاء.

لا يشترط في عنصر الشعب عدد معين، كما أنه ليس لذلك تأثير على شخصية الدولة من الناحية القانونية. و ويختلف مفهوم الشعب عن مفهوم الأمة، فالشعب يقوم على أساس رابطة سياسية وهي الجنسية، بينما الأمة تقوم على رابطة معنوية، أساسها اشتراك أفراد الأمة في عناصر كثيرة أهمها الأصل أو العرق واللغة والدين.

ومع تطور مفهوم الدولة المعاصر الذي أصبح يقوم على أسس سياسية، صُهرت فيها الأجناس والقوميات وأصبحت المصلحة الوطنية هي القاسم الذي يجمع أفراد الشعب، ويجب على المواطن تقديم الولاء لها، دون أن يلغي ذلك دور الأمة وعناصرها في توطيد الوحدة الوطنية، فالدولة الأمة تمتلك عناصر استقرار أكثر من الدولة التي يتكون شعبها من أمم عدة، كما هو الحال في الدولة الإيرانية المعاصرة، التي تتكون من عدة شعوب لا يجمعها المعنى سوى رابطة سياسية هي الجنسية، التي لا يمكن القياس عليها في تأكيد مفهوم الشعب، بسبب التجاذبات السياسية التي حالت دون الاعتماد عليها، بسبب كثرة الصراعات والاحتلالات، التي أصبح معها المعنى القانوني لتعريف الشعب، يتراجع لصالح المعنى السياسي، تماماً كما هو حاصل في الاحتلالات التي وقعت فيها المنطقة العربية، الجزر الإماراتية، والأحواز.

أولاً – ماهية الشعب الأحوازي في حدود إيران السياسية: الجنسية كواقع سياسي لا قانوني.

يؤكد فقه القانون الدولي العام،  أنّ الشعب حسب المفهوم الاجتماعي هم مجموعة من الأفراد الخاضعين لسلطة الدولة، والمتمتعين بجنسيتها دون أي اعتبار لمدى قدرتهم على إجراء التصرفات القانونية أو السياسية، بينما الشعب حسب المفهوم السياسي، فمعناه  إن كل من ينتمي إلى شعب ما برابطة الجنسية يتمتع بمجموعة من الحقوق السياسية، منها على سبيل المثال وليس الحصر، حق الانتخاب وحق الترشيح، وحق حرية الرأي والتعبير، والحق في تولي الوظائف العامة.

1-     الماهية القانونية لمجموعة السكان الذين يقطنون داخل إيران: إنّ تصنيف المجموعات الإثنية مازال مستمراً. فالانتماء إلى مجموعة إثنية يميل إلى أن يكون محدد بالاشتراك بالتراث الثقافي، أو السلف، أو التاريخ، أو الوطن، أو اللغة، أو اللهجة، كما يحدده مصطلح “الثقافة” بما في ذلك على وجه التحديد يشمل جوانب المطبخ، أسلوب الملابس، والطقوس.

 ينتسب الأحوازيون كأحد الإثنيات المكونة للشعوب الإيرانية إلى العرب كفرع من فروع الشعوب السامية، التي  تتركز أساسًا في الوطن العربي بشقيه الآسيوي والإفريقي إضافة إلى الساحل الشرقي لإفريقيا ، بينما لا يشكلون حسب فقه القانون الدولي أقلية في إيران، لسببين، أحدهما التعداد السكاني للأحوازيين، الذي يناهز الـ ٨ الى ١٠ مليون نسمة ، و بعض الدراسات قالت أن الأحوازيين يشكلون أكثر من ١٠٪ من سكان جغرافية إيران،  منهم ٦ الى ٧ مليون في محافظة ” خوزستان” وما تبع لها، وما تبقى هم من العرب في سواحل الخليج العربي كانت لديهم امارات تحكم على الأراضي الأحوازية على الضفة الشرقية للخليج العربي، و وما يقارب مليون متفرقين. وهذا العدد طبعاً لا يتضمن اللاجئين والمنفيين من العراق. وللتأكيد أن التركيبة المجتمعية لإيران تقوم على شعوب تكاد تتوازى في التعداد السكاني.

ولا يحمل الشعب الأحوازي حتى تاريخه إي انتماء للدولة الإيرانية، قياساً لوجود العرب في مناطق أخرى اندمجوا فيها ثقافياً ولغوياً. فعلى سبيل المثال ي يتركز أغلب الأحوازيون في جغرافية ايران الحالية في المحافظات الأحوازية وفي بقعة جغرافية واحدة تقريباً. وعلى هذا الأساس يندرج الاحوازيون في إطار المفاهيم المعاصرة لمفهوم ” الشعب”، التي حددها فقه القانون الدولي، التي تقوم على تصنيفهم في إطار ما سمي بـ ” المجموعة البشرية”، التي هي من تحدد وضعها السياسي. وهو ما حدا بمجلس حقوق الإنسان ( حالياً لجنة حقوق الإنسان) التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة، في ديسمبر ١٩٥٥ إلى حذف كلمة ” أمة” من المشروع، مقتصراً على عبارة ” حق ” الشعوب” في تقرير مصيرها، وهو ما تم الاعتماد عليه في قرارات الأمم المتحدة. الأمر الذي يقودنا إلى أن فكرة الدولة المعاصرة، إنما هي فكرة تتجاوز تأطير الشعوب التي تتكون منها، إلى الحدود التي يعطي هذه الشعوب حقوقاً فوق الدول.

2-     الأحوازيون بين المعيار القانوني والمعيار التقليدي لفكرة الشعب: منذ تأسيس الدولة الإيرانية الحديثة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حرمت الشعوب الإيرانية من الممارسة الفعلية للحقوق السياسية، ولعل مرد ذلك يعود إلى طبيعة النظام السياسي الشاهنشاهي الاستبدادي في الإيران، قبل أن تتعقد طبيعة هذا النظام مشكلاً ثنائية مزجت بين نظام ديني تقتصر فيه الممارسة على مذهب ديني واحد ( اثني عشري)، متجاوزاً في ذلك الشعب الإيراني ذاته،  ومقدماً نموذجاً غريباً داخل النظام الدولي، كآخر حكم ثيوقراطي في العالم، وبين الحالتين تأسست فكرة الدولة الإيرانية المعاصرة، التي أفرزت كياناً نتج عنه حرمان جميع الشعوب الإيرانية من حقوقها، ما أفرغ  مفهوم الشعب السياسي من معناه، حيث تم اختزال السلطات الثلاث( التشريعية – القضائية- التنفيذية) بالحاكم المستبد ( الولي الفقيه)، الأمر الذي غيَب أهم مبادئ القانون الدولي العام، وهو مبدأ  الحق في تولي الوظائف العامة، والاعتماد على أقلية حاكمة، لأقلية تؤمن بالولاء المطلق.

بالتالي، فإن تحديد طبيعة الشعب الأحوازي، يتحدد بوجوب توفر شروط، كالتمتع بالحقوق السياسية بكل تفريعاتها. أما في الإطار الاجتماعي فيأخذ بعداً أوسع، إذ يشمل الفضاء المكاني، أي جميع الأحوازيين الذين يعيشون تحت سلطة النظام الإيراني.  وبين المعنين، يتحدد الوضع القانوني للشعب الأحوازي كوجود مادي ليس إلا، بل ويغدو وجوداً لمجموعة من الأشخاص، الذين ينضوون في إطار المعنى القانوني لفكرة ” الشعب” ببعده القانوني، وليس السياسي أو الاجتماعي، الذي تُحدده التعريفات المعاصرة في علم الاجتماع السياسي الحديث، والمواثيق الدولية المعاصرة، التي تأخذ بفرضية الدولة القانونية وحدها دون غيرها.

وعليه، تجنح مسألة التعريف القانوني للشعب الأحوازي من الناحيتين السياسية والاجتماعية، نحو مفهوم معياري يتعدى كونهم كتلة عددية، تعيش حالة من الفردانية، وتخضع لأقلية يسنون القوانين ويفرضون آراءهم عليها. الأمر الذي يستلزم استحضار مفهوم الشعب بالمعنى القانوني، التي باتت مؤطر بالتحولات الدولية، التي انعكست على مفهوم الدولة المعاصرة، وبالتالي على الاقتصاد والسياسة، إذ يشكل التهميش الاقتصادي وعدم تحقيق الإنماء المتوازن أولى هذه المنعكسات، بينما تتسع دائرة التهميش السياسي، لتقتصر على فئة معينة ومحددة ومحصورة ، من الفرس، رجال الدين، والمقربين من أصحاب القرار السياسي. الأمر الذي جعل فكرة ” الشعب” الأحوازي، مفهوماً يُخرج عن فكرة الشعب بمعنييه السياسي والاجتماعي، في تجاهل ممنهج لفكرة الشعب، وذلك بإقصائه عن ممارسة حقوقه. فالشعب مستلب بعدده وكتلته ومجموعه وأفراده ، كما مستلب في احتكار تمثيله سياسياً.

3-     الأحوازيون في إطار مفهوم ” الأمة” حسب التعريف الدستوري: يتحدد التوصيف القانوني لمجموعة المواطنين الأحوازيين الذين يقطنون في الجغرافية الأحوازية – في أحد توصيفاته- في إطار فكرة” الشعب” السياسي، الذي ينتمي لأمة عربية، حسب مفهوم ” الأمة ” في القانون الدستوري، على اعتبار أنّ إيران في وضعها الحالي ليست أمة، بقدر ما هي مجموعة من الشعوب الإيرانية، وهي التوصيف الذي ينطبق على وضع الأحوازيين داخل الدولة الإيرانية. فالشعب واستناداً لمفاهيم وتعريفات القانون الدستوري، هو مجموعة السكان المتواجدين على إقليم الدولة، إذا كانوا يؤدون الولاء لها، في إطار الخضوع القانوني للسلطة، أما إذا كانوا لا يؤدون الولاء لها فهم مجرد ” رعايا”. مع التأكيد أن المرجعيات القانونية لتاريخية الشعب الأحوازي، تنأى بهم عن التعريف التقليدي للرعايا، الذي لا يتمتعون بحقوقهم في إطار دولتهم المستبدة، وهو ما أكدته الفقرة ٢ من المادة ١ من ميثاق الأمم المتحدة، التي نصت على” احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب “.

ثانياً- الشعب كقيمة تعلو فكرة الدولة في القانون الدولي:

إن نظرة فاحصة لجميع المواثيق والقرارات الدولية، تقودنا إلى  فكرة مؤداها: أن الشعب في إطار القانون الدولي العام، هو قيمة أعلى من الدولة. فالدولة هي وليدة ظروف تاريخية، وتجاذبات سياسية، ونتيجة لحروب وصراعات رسمت حدود الدولة، بينما ظل الشعب القيمة الأعلى في القانون الدولي وحقوق الإنسان، خصوصاً مع تطور المفهوم الحديث للدولة المعاصرة، التي أعطت الشعوب حقوقاً تصل إلى المطالبة بحق تقرير المصير أو الانفصال عن الدولة الأم. وسنحاول تأكيد فرضيتنا هذه من خلال ما تضمنته المواثيق الدولية، التي تحكم فكرة الدولة في تاريخنا المعاصر.

1-     ميثاق الأمم المتحدة، وفكرة الشعب ما فوق الدولة:  وقـِّع ميثاق الأمم المتحدة في ٢٦ حزيران/يونيو ١٩٤٥ في سان فرانسيسكو في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيئة الدولية وأصبح نافذاً في ٢٤ تشرين الأول/اكتوبر ١٩٤٥. ويعتبر النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية جزءاً متمماً للميثاق.

جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ( أي المقدمة) ” نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد ، وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح، وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا، أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي، وأن نكفل بقبولنا مبادئ معيّنة ورسم الخطط اللازمة لها ألاّ تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة، وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها. ,قد قرّرنا أن نوحّد جهودنا لتحقيق هذه الأغراض، ولهذا فإن حكوماتنا المختلفة على يد مندوبيها المجتمعين في مدينة سان فرانسيسكو، الذين قدّموا وثائق التفويض المستوفية للشرائط، قد ارتضت ميثاق الأمم المتحدة هذا، وأنشأت بمقتضاه هيئة دولية تُسمّى “الأمم المتحدة”1.

 وبناء علية فقد نادى ميثاق الأمم المتحدة ” الشعوب” ولم ينادي الدول، التي اعتبرها مجرد أطراف تنضوي في إطار معاهد ودولية، تشكلت على أساسها منظمة الأمم المتحدة. ليكون الدستور الناظم لدول العالم كبيرها وصغيرها. ولعلى ما يؤكد ذلك أيضاً ، أنّ كلمة ” الشعوب” أثناء تأسيس الأمم المتحدة، أثارت اعتراض الدول الاستعمارية وبعض القوى العظمى، التي تأسست دولها على مجموعة من الشعوب، تخوفاً من مطالبات مستقبلية بالاستقلال والحرية والانفصال، في حال انتهكت هذه الدول حقوق ” الشعوب” التي تنضوي في حدودها.

وفي إطار المساواة في الحقوق بين ” الشعوب” وحقها في تقرير مصيرها، استناداً لما تضمنته المادة ١/ الفقرة ٢/ من ميثاق الأمم المتحدة2، التي نصت: “إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام. والمادة 3 من الميثاق التي نصت: ” تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء”. و ” جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة” استناداً لنص المادة ٤ من الميثاق ذاته3.

2-     فكرة ” الشعوب” ما فوق الدولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وثيقة  تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان، صاغه  ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر ، بوصفه المعيار المشترك، الذي ينبغي أن تستهدفه كافة ” الشعوب “والأمم، ليحدد للمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالمياً4.

تضمنت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التأكيد على ما نصته ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، لتنادي مرة أخرى ” شعوب” العالم ، وليس الدول، كالآتي: ”  لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة. ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم. ولما كان من الجوهري تعزيز تنمية العلاقات الودية بين الدول، ولما كانت ” شعوب” الأمم المتحدة، قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية، وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح. ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها. ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد.

فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة ” الشعوب “، والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانه.

3-     الشعوب ما فوق الدولة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ١٦ كانون/ديسمبر١٩٦٦، حيث تضمنت الديباجة ” إن الدول الأطراف في هذا العهد، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل، وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وإذ تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وإذ تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل، وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في أن يكون البشر أحراراً، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة، هو سبيل تهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذ تضع في اعتبارها ما على الدول، بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، من الالتزام بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته، وإذ تدرك أن على الفرد، الذي تترتب عليه واجبات إزاء الأفراد الآخرين وإزاء الجماعة التي ينتمي إليها، مسئولية السعي إلى تعزيز ومراعاة الحقوق المعترف بها في هذا العهد” ، وقد تضمن الجزء الأول في المادة 1 مناداة شعوب العالم، وليس دول العالم، حيث نصت الفقرة 1 من هذه المادة ما نصه:

”  لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”، وعطفت في الفقرة الثانية تكرارها نداء ” الشعوب” بقولها: ” لجميع الشعوب، سعياً وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة”. كما اعتبرت الفقرة ٣ أنّ ” على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة5″.

كما تضمن الجزء الثاني من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 2 أن ”  تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب”، كما طالبت الفقرة 2 من هذه المادة الدول بمراعاة حقوق الشعوب بالنص على ذلك في دستورها، وأن تلاءم تشريعاتها بما يتسق وحقوق هذه الشعوب بقولها:  ” تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية”، ما يعني إعلاءً لحقوق الشعوب على سلطات الدولة.

ثالثاً- الشعب الأحوازي في إطار الطبيعة القانونية للاعتراف بإيران في القانون الدولي:

اختلف الفقهاء حول طبيعة الطبيعة القانونية للاعتراف بالدولة وانتهى بهم الأمر إلى نظريتين:

الأولى- نظرية الاعتراف المنشئ أو التأسيسي: حسب هذه النظرية لا تصبح الدولة شخصًا دوليًا إلا بعد الاعتراف بها. فالاعتراف تصرف قانوني يخلق الشخصية الدولية، وبذلك تدخل الدولة في حضيرة المجتمع الدولي. وعيب هذه النظرية أنها تربط وجود الدولة بإرادة الدول الأخرى، وعليه فالشخصية الدولية تصبح منحة من الدول، وليس بمقتضى القانون الدولي. وعليه تبدو إيران تتصارع في وجودها بين عدم الاعتراف بها، والتأكيد في كل مرة بأنها ” الدولة الأولى في العالم الراعية للإرهاب”، حيث يشكل الإرهاب قاعدة آمرة في القانون الدولي، يلغي مشروعية الدولة، بل ويطالب جميع الدول بعدم الاعتراف بمموليه وراعيه، وهو ما تضمنته الكثير من القرارات الدولية الصادرة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كالقرار ١٦٨٠، والقرار ١٧٧٣، والقرار ١٨٦٠، والقرار ٢٢٥٤ 6 .

الثانية-  نظرية الاعتراف الكاشف (الإعلاني): الاعتراف في هذه النظرية لا يعدو أن يكون إجراءً كاشفاً، وهو في الحقيقة إقرار رسمي بحقائق قائمة، وعدم الاعتراف بالدولة لا ينال من وجودها ولا يمنعها من مباشرة حقوقها. ووظيفته هي تسهيل ممارسة الدولة لمظاهر سيادتها في المحيط الخارجي، وقد أكدت هذا التكييف مواقف دولية. الأمر الذي يجعل الاعتراف ذو طبيعة سياسية أكثر منها قانونية، وهو شأن يتعلق بالواقع لا بالقانون، ولا يعدو الاعتراف عن كونه إقرار بحقيقة قائمة وتعبير عن رغبة الدول في الاعتراف بهذه الوقائع وقبول النتائج المترتبة عليها بإقامة علاقات مع الدولة المعنية.

يشير تتبع الممارسات العملية للنظام السياسي الإيراني، إلى تأكيد طبيعة ” الشعب” الأحوازي، كمجموعة سياسية اجتماعية ثقافية متمايزة، ومنفصلة عن واقع النظام السياسي، الأمر الذي تؤكده موقف وسياسات إيران الداخلية والخارجية، و بالرجوع إلى طبيعة النظام السياسي الإيراني، تُثار في هذا الخصوص، مسألتان تؤكدان صفة ” الشعب” للأحوازيين، فالنظام قائم على الشخصنة السلطوية في ظل غيبة الإمام المنتظر الذي طال غيابه ولا يعرف أحد متى يأتي ( الولي الفقيه الذي لا يعلى عليه)، والذي وصفته المادة ١٠٧ من الدستور الإيراني بأنه “المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية، ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، السيد الخميني، اعترفت الأكثرية الساحقة من الناس بمرجعتيه وقيادته7″ . فالسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأئمة استناداً لنص المادة ٥٧  من الدستور ذاته8، وهي النصوص الدستورية التي تنفي وجود باقي الشعوب ومنها الشعب الأحوازي، التي لا تدين بمبدأ الولي الفقيه، وبالتالي خروجاً عن محددات الدولة الإيرانية الراهنة. وهكذا فإن الدستور الإيراني ذاته، يُخرج هذه ” الشعوب” عن فكرة الدولة.

يعزز ذلك الطبيعة الدستورية لمركزية السلطة في نظام الحكم الإيراني، فهو المتفرد بالمرجعية الدينية لكل الشيعة في العالم، دون اكتراث للحدود الجغرافية أو السيادة الوطنية. ما يعني إلغاءً آخر لفكرة الوطنية، ولحماية هذا النوع من التواجد السلطوي، فإن للقائد ممثلين يعينهم يبلغ عددهم نحو ألفي ممثل في كل مؤسسات الدولة وأجهزتها وفي الوزارات والسفارات والمراكز الثقافية؛ كي تتمكن أسس ” الثورة ” من البقاء انطلاقاً من “ممثلي الإمام”. وهذه السلطات والصلاحيات أتاحت للقائد إنشاء ” دولة داخل دولة.

خاتمة

مما تقدم نستنتج،  أن جميع المواثيق والقرارات الدولية، أكدت أن الشعب في إطار القانون الدولي العام، هو قيمة أعلى من الدولة، التي ولدت بظروف سياسية، نتيجة حروب أو صراعات رسمت حدود الدولة المعاصرة، بينما ظلت المواثيق الدولية كميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، تعطي الشعب القيمة الأعلى في القانون الدولي، خصوصاً مع تطور المفهوم الحديث للدولة المعاصرة، التي أعطت الشعوب حقوقاً تصل إلى المطالبة بحق تقرير المصير أو الانفصال عن الدولة الأم.

وبالتالي فإن توصيف الأحوازيين على أرضهم، بالمعنى القانوني وفي إطار القانون الدولي العام، تتجاوز التعريفات السياسية والاجتماعية التقليدية لشعب داخل دولة، بقدر ما تشكل مظهراً قانونياً لـ ” شعب” يرزح داخل حدود جغرافية، سلبت منه كل ما تضمنته المواثيق الدولية، بدءً من حق تقرير المصير، أو الاستقلال، أو الحكم الذاتي، أو الفيدرالية، ويعود ذلك، لظروف تاريخية، ارتبطت بوجوده داخل حدود دولة مارقة، تشكل نظاماً غريباً داخل النظام الدولي.

الهوامش

  1. انظر : ميثاق الأمم المتحدة الموقع في 26 حزيران/يونيه 1945 في سان فرانسيسكو ( الديباجة).
  2. انظر: المادة 1/ الفقرة 2/ من ميثاق الأمم المتحدة.
  3. انظر: نص المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة.
  4. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الموقع في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر
  5. انظر: الديباجة، والفقرة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
  6. انظر: قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة: القرار 1680، والقرار 1773، والقرار 1860، والقرار 2254.
  7. انظر: المادة 107 من الدستور الإيراني الحالي.
  8. انظر: المادة 57 من الدستور الإيراني الحالي.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!