اِكْرِمُوها فإنّها الأهوازُ .. حلمٌ وابتسامة واعْتزازُ
اكرموها وأيُّ أمٍّ كهذي .. كلّ ما في رحابها ممتازُ
اكرموها تكرَّموا وإذا لمْ .. تُكرِموها فاِنّ ذاكَ انتهازُ
عوِّضوها فقدْ أضرَّ بها القهرُ ..وأدْمى عيونَها الابتزازُ
عوِّضوها عن كلِّ ما فقدته .. إنها اليوم رفقةٌ واجتيازُ
قد وقفتمْ على ثراها طويلا .. فمتى يسْتثيرُها الاهتزازُ.
تسللت أصداء هذه الأبيات إلى الآذان في الثمانينات من القرن العشرين وهي أبيات مفعمة بالملاحم والإيمان والحنان لوطنه الأحواز. إنها لضياء الدين الخاقاني الفيلسوف الأحوازي الذي أهمله أبناء شعبه. ولد في المحمرة من عام ١٩٣٣ للميلاد في عائلة متميزة توارثت العلم والجهاد جيلا بعد جيل وهاجر إلى العراق في الثانية عشرة من عمره. درس دراسته الجامعية لأخذ شهادة الأستاذية في اللغة العربية في العراق وحصل على الماجستير في اللغة وآدابها في جامعة القاهرة بمصر فتخرج منها وكان عنوان أطروحته “الأدب العربي في الأحواز” وحصل على شهادة الدكتوراه الفخرية من اتحاد المؤرخين العرب. يعد الخاقاني أديبا ومفكرا ومؤرخا أحوازيا بارعا ويعد من طلائع الأدب الحديث وكتاباته انطلقت بصدق من مبادئ وطنية.
حاول الباحث هنا في هذا المقال أن يوجز ما قرأه عن هذا الفيلسوف والمفكر ليرسم لوحة بانورامية لرمز من الرموز المنسية في الأحواز:
-كان ضياء الدين من رواد ومؤسسي مهرجان مربد في البصرة وله نشاطات أدبية وعلمية وسياسية داخل وخارج العراق.
-التقى بأدباء وشعراء زمانه وتفتحت ذهنيته إثر ذلك فأصبح عضوا أساسيا من أعضاء (أسرة الأدب اليقظ) فى النجف التي كانت تتطلع إلى كل ما هو جديد في بداية الخمسينات من القرن العشرين. تبنت هذه الأسرة تيار الشعر الحديث فأحدثوا تحولا جذريا في صوغ القصائد الحديثة.
-كان يملك وضوح الرؤياء في النتاج الأدبي فنصوصه ضليعة اللغة وبالغة الروعة وتملك الصفاء والرقة والإصالة وفيه من ترف وعذوبة الشعر المهجري ولكنه كان صامتا ومتواضعا ويرضى ببقاء عطائه الأدبي بعيدا عن المجلات والصحف كما أعرب عن تواضعهِ هذا، الأديب محمد مهدي الجواهري.
– نشأت بداخله منذ صغره قضية الشعب المضطهد، فأصبحت قضيته الأولى وانطلاقا من هذا الألم وجد الصلة بين هموم الأهوازيين وهموم الأمة العربية بأكملها.
-شعره يعجّ بالمعاناة الوجدانية التي يبثها في ثنايا نصوصه والتي تتسع لتشمل أحزان الإنسان العربي عامة والأهوازي خاصة.
-له نصوص ملحمية توحي معارك ضد أعداء أمته ووطنه حيث يعطي النصر دائما كنهاية حتمية للمكافحين فإنه شاعر تفاؤل رغم نقله للمأساة الإنسانية.
-كان البرفيسور ضياء الدين الخاقاني مشرفاً على بحوث في حقل اللسانيات أيضا، وكان قد أتجه في اهتماماته البحثية، بصورة أساسية إلى لسانيات اللغة العربية والفارسية، والأدب والتاريح واكثر ما كان يشغله قضية الأحواز ويعبر عن أهلها بالمظلومين، وشعوره ناتج من اهتمامات أسرته العربية بهذه المنطقة منذ أكثر من ٥٠٠ عام.
-ألّف العديد من الكتب الفكرية والأدبية منها: مخرج من الطائفية، الأدب في الأحواز، العلماء بين المحمرة والحجاز والبحرين والنجف، ثورة الربيع(شعر)، من علّم كارون الشعر(شعر)، مسيرة إلى حوض الكوثر(شعر)، وكثير من المقالات والدراسات في مجلات عربية متعددة. كتب إلى جانب أعماله الأدبية والفكرية موسوعة الشخصيات الفكرية والدينية في ٩٠٠ سنة من تاريخ الأهواز في حقبتي المشعشعيين والكعبيين.
قال عنه الشاعر السوري الكبير نزارالقباني: الم أقل لكم أن ضياء الدين الخاقاني ينطق بوحي سماوي ملائكي إنه ملاك الشعر وليس شيطانه. عليكم أن لا تحرمونا من أمثال أدب الخاقاني. وقال عنه الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري: دعو ضياء الدين ففيه آلام المحمرة وعنفوان العراق وفطرة النجف وعزة نفس اور وحضارتها وعنف الناصرية، ولكن ينقصه أمر مهم إنه يقاوم موهبته من أن يكون شاعرا ولا أعرف ماذا يريد في الوقت الذي يتقاتل فيه الناس على هذه الصفة. وقد قال عنه عبدالله البردوني بعبارات الاجلال: إنّ ضياء الدين الخاقاني هو عبارة عن سؤال كبير للادباء، وهو دائما يختار المواضيع التي تجعل القارئ يفكر في فلسفة الكاتب، وهو ايضا بأسلوبه يعتبر ترجمةَ عتابٍ صريحة وواضحة للعراق والأحواز والعالم العربي كرجل حر طليق ومفكر قدير، وهو يعتبر نفسه متطلعا دائما إلى الارتقاء بالعالم العربي والإنسان العربي ككل، لأن الحالة العربية من سيئ إلى أسوأ، ويعاتب العالم عن الأحواز.
-كان أديبا ملتزما فلم يتاجر بالألفاظ بغية النيل من الرؤساء والسياسين ففي موقف له زعل من وزير الثقافة العراقي لإقامة مهرجان لمدح الدولة وأعلن رفضه. بعدها التقى بالرئيس صدام حسين والذي كان آنذاك نائبا لرئيس الجمهورية أحمد حسن البكر، وما إن رحب به وبصديقه التفت إلى ضياء الدين الخاقاني مردفا بعبارة: “هل ارضاك هذا أم لم يرضك وأدار وجهه إلى البردوني قائلا لا نتحمل زعل وعتب رجل أصيل وإبن ناس حقيقي مثل ضياء الدين الخاقاني.
-سياسيا لعب الخاقاني دورا بارزا في حرب العراقية الكويتية بإرجاع الكثير من الشباب ممن يعرف أهلهم إلى أهلهم في الكويت وبالأخص في الحفاظ على إبنة الأمير التى كانت تقطن ببيت مستشاري امير الكويت وارجاع إبنهم سلمان درويش الضابط في الجيش الكويت وغيرهم، والتجأ بعض من عائلة الصباح والشاعرة سعاد الصباح الى بيته في البصرة، فكانوا تحت حمايته إلى أن انجلت الامور ، ولهذا أرادت الكويت أن ترد له الجميل ، فأبى.
توفي عام ٢٠٠٨ في نجف العراق تاركاً خلفه إرثاً أدبيا وعلميا هائلا بين علم البلاغة والفقه والشعر والسياسة والتاريخ والأخلاق والوطنيات.
نعم إنه رجل حرّ ينتمي لأسرة الحالمين، يقتفي أثر الإنسانية بأحزانها وأفراحها شعراً موثوقا بين الوطنية والوجدانية والأدب الملتزم. لذلك يحب أن يكون لكل واحد منا نموذجاً يحتذى به. إنه ترك ميراثه الأدبي والعلمي للأجيال القادمة لينهلوا من معينها العذب الفرات وطلب منهم أن ینصفوه ویهتموا بكل عَلَمٍ رفع قدر الأحواز وها هو يقول:
العسكريان والسكيت دونكُمُ…
وهاشم وابن معتوق وغيرهُمُ
سَلوهم إن نسيتمْ أهلكمْ فلهمْ…
عِلمٌ بما كان من مجدٍ بَنوا لكُمُ
سلوهم ههنا حق السؤال لكمْ…
منهم وإن تنصفوا في الحكم حَقهُمُ
يا أيها الأدباء استرجعوا صُوراً…
من الدم العربي الحرِّ قد رسموا..
سعيد بوسامر
المصادر
– الجرافي، فتحية. ذاكرة المربد ما بين عبد الله البردوني وضياء الدين الخاقاني. ٢٠١٥.
-الخاقاني، ضياء الدين، .ثورة الربيع:ديوان شعري. ١٩٧١.
الصعيدي، عبدالفتاح. معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة ٢٠٠٢. المجلد الثالث.
فرج الله، محمد حسين. العقلانية والحوار من أجل التغيير. ٢٠١٧.
-النويس، ليال فردان. وقفة الأدب والتاريخ مع الأديب الأستاذ ضياء الدين الخاقاني.٢٠١٠.