العلاقة بين الصين وإيران معقدة جدا، ومساعي إيران الرامية إلى استنساخ تجربة الصين، وخلق نموذج محلي للتنمية الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، أوصلت بإيران إلى حد معين من التوسع الأمني والعسكري غير المكتمل. وفي حينها فشلت الإدارة الإيرانية بشكل كبير في تسيير شؤونها الداخلية والخارجية، حسب ما كانت تطمح إليه، وعلى وجه الخصوص في القطاع الاقتصادي.
وفي إطار تلك التنمية المزعومة، حدثت كوارث بيئية في اقليم الأحواز خلال السنين الماضية وذلك بمشاركة فاعلة من قبل الشركات الصينية، وهذا الأمر ترك تأثيرًا بالغ السوء على سكان الإقليم وسوف يستمر الأثر السلبي الناتج عن التدمير البيئي، يرافق الأجيال من سكان هذا الإقليم في المستقبل.
وفي هذا الخصوص، دشنت إيران المشاريع التي عرفت بالمشاريع “التنموية الصناعية”، وتركت هذه المشاريع امراضا عدة مثل السرطانات والأمراض الرئوية، والجلدية وغيرها وبتبعها شهدنا زيادة في أعداد الوفيات.
وحسب ما كان متوقع، لم تصب اعمال شركات المقاولات الصناعية الصينية في مصلحة المنطقة وسكانها كـتوفير فرص العمل، حيث لايزال يعاني عشرات الألوف من الشباب من البطالة وخاصة من حاملي شهادة الجامعية. بالإضافة الى ذلك، تسببت نشاطات إيران التي تزعم أنها تنموية في الأحواز، بتشديد الوضع الأمني وأدت الى التضييق على الناس في جميع مرافق الحياة، رافقها الجفاف والفيضانات، والتهميش المنهجي التي يفسرها الخبراء أن تلك السياسات أعدت في إطار محاولات لتهجير السكان الأصليين أي الاحوازيين عن قراهم ومدنهم.
وجلبت النشاطات الاقتصادية الإيرانية الصينية في المنطقة توافد المزيد من المليشيات الأجنبية المنتظمة تحت أمر قوات القدس التابعة للحرس الثوري. استقرت هذه القوات في معسكرات عدة في الأحواز. وفي أخر مداخلة عسكرية لهذه القوات الإرهابية العابرة للحدود، أنها داهمت بيوت الناس، بجانب القوات الإيرانية، في مدن الكورة ومعشور والجراحي خلال الانتفاضة التي حدثت في أكتوبر ونوفمبر ٢٠١٩ جراء رفع سعر البنزين، وأعتدت هذه المليشيات على المواطنين الأحوازيين في بيوتهم وتسببت بقتل وجرح العديد حسب شهود عيان من نفس المنطقة.
ما حدث في القطاع الاقتصادي والبيئي في اقليم الأحواز، وذلك عبر فتح بوابات الاقليم أمام الشركات الصينية التي يصفه عامة الناس في إيران بفتح بوابات النهب على مصراعيه أمام الصين، قد اتضح للعلن لأول مرة في عام ٢٠٠٦. لكنها كانت تلك العلاقات قد حصلت منذ بدايات نهاية الحرب الايرانية – العراقية في عام ١٩٨٨ حيث تكاثرت الرحلات بين طهران وبكين. عندئذ دار الحديث في أوساط النخبة والسياسيين الإيرانيين عن إمكانيات اقليم الأحواز فيما يتعلق باستضافة الشركات الصينية مما أثار ذلك الموضوع ضجة في وسط المافيا الاقتصادية المرتبطة بالاستخبارات والحرس الثوري الإيراني.
وعمل كل من الحرس الثوري والاستخبارات على استحداث شركات خاصة للتعامل والتعاقد مع الشركات الصينية، ولكن تأخر الأمر نتيجة وجود عقبة قانونية تعرف بـ “منع الاستثمار في الأحواز” التي كانت بمثابة رادع أمام المستثمر، وكان قد صدر ذلك الأمر عن المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني أثناء الحرب الايرانية – العراقية.
وبعيد سقوط نظام العراق في ٢٠٠٣ وعدم وجود خطر من خارج الحدود، وحدوث انتفاضة الـ ١٥أبريل/نيسان ٢٠٠٥، قد سمح المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني للاستثمار في الأحواز بتنفيذ المشروع، شريطة أن يكون الاستثمار في إطار برنامج تغيير الديمغرافيا لصالح الوافدين من خارج الاقليم (حسب الوثيقة التي تسربت عام ٢٠٠٥ من مكتب الرئيس الإيراني محمد خاتمي، وكذلك مشروع إيران الأمني في الأحواز المعروف بـ طرح جامع امنيتي خوزستان) لكي يصبح السكان الأصليين أقلية غير مؤثرة في موطنهم.
وصدرت الوثيقة من مكتب الرئيس الإيراني محمد خاتمي والتي تفيد على قدوم النظام الإيراني على تغيير كامل لديموغرافية الأحواز بعد أن طالب فيها مكتب الرئيس بتهجير ثلثي سكان الأحواز وتوزيعهم على محافظات إيرانية مختلفة واستبدالهم بإيرانيين. كما يؤكد مشروع إيران الأمني في الأحواز على استمرار النهج الأمني في جميع مرافق الحياة بحق الأحوازيين، أي السكان الأصليين والعمل على تغيير التركيبة السكانية لصالح الوافدين.
وحين تطورت الأحداث السياسية بين إيران والغرب وتركت تأثيرها على طهران، نتيجة اكتشاف الغرب مشروع إيران النووي العسكري السري وإلزام طهران بمقابلة مندوبي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا، حدثت رحلات مكوكية لوفود سياسية واقتصادية من بين المسؤولين المحليين في اقليم الأحواز لزيارة الصين، مما أدى إلى تعاقد بين “شركة كيسون الصينية” و” شركة مترو الأنفاق” حديثة التأسيس في الأحواز. حصلت هذه الأمور عام ٢٠٠٦ وحسب العقد المبرم بين الجانبين كان من المفترض أن تنهي شركة كيسون مشروع قطار الانفاق في الأحواز خلال خمسة سنوات فحسب، ولكن ترنح المشروع بعد ما تدخلت المافيا الاقتصادية التابعة للحرس الثوري بالمشروع ذاته وعمل أصحاب المصالح من بين الفرس المتنفذين في شتى دوائر الأمن القومي الإيراني وغيرها من دوائر حكومية على عرقلة المشروع.
تطورت الأمور بين الصين وإيران، حتى أن زار محافظ اقليم الأحواز جعفر حجازي الصين في تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠٠٨ وبعد عودته أعلن حجازي عبر وكالة مهر الاخبارية: “إن مسؤولي اقليم الأحواز واقليم “شان دونج” الصيني اتفقوا على التعاون في الشؤون الاقتصادية والتجارية والعلمية والتقنية والثقافية والتعليمية والرياضية والصحية وتنمية الطاقات البشرية.وأضاف حجازي: “أن جميع الفرص والقدرات التنموية عبر الاستثمار في المياه والتربة، والطاقة ومحطات إنتاج الطاقة، والصلب، والبتروكيمياويات، وشبكات الري والصرف الصحي، والتكنولوجيا الأم، وقطاع السياحة، وأساليب إيجاد التعامل ما بين القطاعات المختلفة في إطار التنمية، وغيرها من شؤون، وضعت تحت تصرف محافظ ومسؤولي اقليم شان دونج الصيني”.
كما أعلن من قبل وكالات الانباء الايرانية أن اقليم الاحواز واقليم شان دونج اتفقا على “عقد التوأمة” بمعنى أن الطرفين أي اقليم الاحواز واقليم شان دونج يساهمان في صنع السياسات التنموية عبر الاستثمار في جميع القطاعات التي من شأنها أن تؤدي الى تطوير اقليم الأحواز، ومن المرجح أن تأتي الأمور برفع مستوى حياة السكان على كافة الأصعدة، ولكن ما حدث في الأحواز العكس تمامًا، وسارت الأمور حسب مخطط المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني فيما يتعلق بإضعاف وتهميش السكان الأصليين في الأحواز في جميع مستويات الحياة.
ومروراً على بعض المشاريع الصينية في الأحواز نرى التالي؛
أعلن موقع وكالة فارس الايرانية في ١٢ آذار/ مارس ٢٠١٤ أن تم الاتفاق بين إيران والصين على استحداث مدينة صناعية في اقليم الاحواز لعرض المنتجات الصينية.
ونشر موقع إيرنا التابع لوكالة الانباء الايرانية الرسمية خبر تعاقد ما بين “شركة نورنكو الصينية” و ”شركة متن” الايرانية الناشطة في قطاع النفط على أن تم الاتفاق والتعاقد بقيمة ستة مليار دولار امريكي للاستثمار في حقول نفط غربي نهر كارون، المسميات بحقول؛ آزادكان، وياران، ويادآوران بتاريخ ١٣ تشرين ثاني / نوفمبر ٢٠١٦.
كما أتفق الايرانيون والصينيون على تنمية مصفاة النفط في عبادان تحت إشراف “شركة سينوبك انترنشونال الصينية” حسب وكالة انباء شانا التابعة لوزارة النفط الايرانية بتاريخ ١٨ شباط / فبراير ٢٠١٧.
وأجتمع كل من مسؤولي “شركة صناعة الصلب” في الأحواز و” شركة جي دونج” الصينية خلال لقاء جمع بين مسؤولي الطرفين في ١٢ أيلول / سبتمبر ٢٠١٧ في سلطنة عمان على أن الصين تستورد جزء من احتياجاتها من الصلب من مصنع الصلب في الاحواز.
كما نقلت وكالة بُرنا الفارسية ان عقد اجتماع بحضور رؤساء شركات صينية وإيرانية ومعاون الشؤون الاقتصادية لإقليم الاحواز سيد علي بحريني مقدم في ٢٤ كانون الاول / ديسمبر ٢٠١٧ وتم الاتفاق على فسح المجال أكثر أمام الشركات الصينية في العمل في قطاعات الكهرباء والمياه والصرف والمجاري، وقطار الانفاق، وتشييد السدود. وأعلن خلال الاجتماع أن الصين استثمرت ١٥ مليار دولار في إيران وكسبت ١٢٠ مليار دولار وعلى هذا الاساس سيتم استمرار الاستثمار في اقليم الاحواز من قبل الصين.
وقال محمد خالدي مدير مكتب الشؤون الاقتصادية في وزارة الزراعة الايرانية ان تم الاتفاق بين “شركة أوييك” الصينية ووزارة الزراعة الايرانية على ان تعمل شركة أويك الصينية على تطوير الاراضي الزراعية في شمال غرب الاحواز ومحافظة عيلام بمساحة ٢٠٠ ألف هكتار وبعقد مالي قيمته ١١ مليار يوان صيني حسب موقع انتخاب الإخباري بتاريخ ١٣ أيار/ مايو ٢٠١٨.
وفي تموز/ يوليو ٢٠١٨ تم الاتفاق بين “شركة سبكو الصينية” ومنظمة المياه والكهرباء في الاحواز على ان يتم تطوير شبكه المياه في مدن ايذه وباغملك وميداوود ورامز وصيدون وقلعة تُل بشمال شرق الاحواز عبر عقد قيمته ٢٧٠ مليون يورو حسب وكالة مهر الإخبارية.
كما اتفقت ادارة المنطقة التجارية الحرة في المحمرة وعبادان بتاريخ ٢٠ آب/ أغسطس ٢٠١٨ مع شركة صينية فيما يتعلق باستخراج مادة “السلستين” من مناجم الاحواز وتصديرها الى الصين وبلدان اخرى، حسب وكالة مهر الإخبارية نقلاً عن سيد علي موسوي مساعد المنطقة التجارية الحرة.
وأعلن محمد رضا رضائي رئيس مطارات اقليم الاحواز أن الصين وافقت على تأسيس مطار جديد في الأحواز وستستثمر في المطار الحالي عبر تطوير القسم التقني وبناء صالات واستخدام ادوات الطاقة الشمسية وتكييف المطار وغيرها من أمور مما يحتاجها المطار حسب موقع “دنياي خودرو” الإخباري بتاريخ ٢١ كانون الاول/ ديسمبر ٢٠١٨.
ونقلت وكالة انباء آريا في ١٩ كانون الثاني/ يناير ٢٠١٩ أن محافظ الاقليم اجتمع برؤساء شركات صينية متخصصة في صناعة القطارات وسكك الحديد ونسجت اتفاقات مبدئية حول استحداث سكة حديد لقطار يربط بين أصفهان وشهركُرد والأحواز وتطوير السدود وغيرها من مشاريع.
ونشرت وكالة مهر الاخبارية في ٢١ شباط /فبراير ٢٠١٩ خبر مشروع تأسيس مصنع بتروكيماويات في الصالحية (انديمشك) بشمال الأحواز، وكذلك تأسيس محطة كهرومائية على سد الدز، وتطوير الري بالتقطير على مساحة ١٦٣ ألف هكتار في ذات المنطقة.
كما مارست الصين الصيد الجائر للأسماك في سواحل الأحواز المطلة على الخليج العربي وسواحل بلوتشستان المطلة على خليج عمان، على أثر اتفاق بين دوائر الثروات البحرية في إيران والصين. وحدثت مصادمات بين الصيادين الصينيين وصيادي جنوب الأحواز وصيادي سواحل اقليم بلوتشستان المطلة على خليج عمان، حيث كنس الصينيون جوف البحر على حد تعبير الصحافة الفارسية وذلك على أثر تجهيز القوارب الصينية بشبك كهربائي يستخدم للصيد، ما يؤدي إلى نفوق الأسماك وكل ما متواجد من قاع البحر حتى السطح، نتيجة تأثير الصعق الكهربائي.
وحدثت نقاشات حادة في الآونة الأخيرة بين البرلمانيين الإيرانيين حيث أتهم بعضهم حكومة حسن روحاني بتسليم جزيرة قيس (كيش) في جنوب الأحواز لمدة ٢٥ عاما بأكملها تحت تصرف الصين حسب “موقع ألف الاخباري” بتاريخ ٢٤ آذار/ مارس ٢٠١٩.
وكتبت صحيفة كيهان الايرانية في الـ ٢ شباط/ فبراير ٢٠١٤ نقلا عن احمد رضا لاهيجان زادة رئيس منظمة البيئة في الأحواز أن العمال الصينين الذين يعملون في مشروع تنقيب النفط في منطقة هور العظيم لم يرحموا بعد بكل ما متواجد في الهور. ووصلت الأمور إلى حد أن كل دابة في الهور أصبحت على وشك الانقراض نتيجة إطعام العمال الصينيين من الزواحف والأسماك والبرمائيات، ناهيك عن تجفيف المستنقعات وحرق القصب وكل ما توجد من أعشاب.
وتحدث الإعلام المحلي في الأحواز في ۱۸ نوفمبر ۲۰۱۸ عن مصادمات حدثت بين عمال وموظفين صينيين من جهة واعداد غفيرة من العاطلين عن العمل في مدينة مسجد سليمان بشمال الأحواز.
كما أن كل ما تأتي من موارد مالية نتيجة تلك المشاريع العملاقة في الأحواز، تذهب إلى تنمية المدن والاقاليم الفارسية، حسب الخبراء، وكذلك تستخدم لتغذية حروب إيران في المنطقة. ويؤكد خبراء الشأن الإيراني أن أهم سبب في إسهام بكين بمشاريع اقتصادية ضخمة من قبل طهران، يأتي في إطار استنجاد إيران بدور الصين واستخدام ثقل بكين في المنظمات الدولية.
وبمعنى أخر أن النظام الإيراني وضع الأحواز وما فيها تحت تصرف الصين قبالة ضمان أمنه عبر استخدام الصين حق النقض في مجلس الأمن إذا اقتضى الأمر، كما فعلوها الصينيين بحق نظام سوريا، الأمر الذي تماشى مع سياسات إيران الإقليمية.
نـوري حمــزة