الخميس, ديسمبر 19, 2024
دراساتظاهرة القتل العشوائي للأحوازيين واستخدام القوة المفرطة على نقاط التفتيش من قبل...

ظاهرة القتل العشوائي للأحوازيين واستخدام القوة المفرطة على نقاط التفتيش من قبل السلطات الإيرانية: المرجعيات الإيديولوجية والمساءلة الدولية

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

انتشرت في الآونة الأخيرة عمليات إطلاق النار من قبل السلطات الإيرانية على حواجز التفتيش في الأحواز، وفي كل مرة تتحجج هذه السلطات بعمليات الأمن وحالات الضرورة والظروف الاستثنائية، في تجاوز واضح للضوابط القواعد القانونية المتعارف عليها في التشريعات الوطنية المطبقة في العالم، كما تجاوزها ضابط الظروف الاستثنائية أو حالة الطوارئ في القانون الدولي الإنساني، إذ يشير تتبع الحالات العملية لظاهرة القتل من قبل السلطات الإيرانية على الحواجز من خلال إطلاق الرصاص الحي، تجاوزاً واضحاً من قبل عناصر السيطرة الأمنية، للآليات التي حددتها القوانين المحلية. فإذا كان الاجتهاد القضائي والتشریعات الداخلية،  یخولان السلطات التنفيذية – في حالات مقوننة- نوعاً من التحرر من مبدأ الشرعیة في ظل الظروف الاستثنائیة، وذلك لمواجهة الأزمات، إلا أنّ الخوف من تعسف السلطات الأمنية بالمساس بحقوق الأفراد وحریاتهم، قد أدى إلى إعطاء  القضاء حق الرقابة لضمان حد أدنى من الحریات، لمجابهة ما تدعيه السلطات بأوضاع استثنائیة وأمنية لحفظ النظام للمجتمع، الأمر الذي يضع  ذوي المعتدى عليهم أمام ممارسة حق المطالبة بتدخل القضاء كمسألة ضروریة لخلق التوازن المطلوب بین ما للسلطة من امتیازات، وبین ما یصبو إلیه المواطنون من حقوق وحريات، كما يضع المنظمات والهيئات العاملة في حقوق الإنسان أمام مساءلة إيران أمام القانون الدولي الإنساني.

أولاً- الظروف الاستثنائية التي تخول السلطات إجراءات مشددة، والقيود الواردة عليها في القانون المحلي والقانون الدولي الإنساني

غالباً ما تتحجج السلطات الأمنية بالظروف الاستثنائية، التي تخولها حق استخدام القوة، بحجة الحفاظ على الأمن والنظام العام، حيث يتم تطبيق ما يعرف بـ” نظرية الظروف الاستثنائية ” كمبرر للإفراط في استخدام القوة(١)، وتبرير ذلك بوجود وجود خطر جسيم يهدد وحدة الأمة وسلامتها. وعليه يكون لهذه السلطة اتخاذ إجراءات استثنائية لدفع هذا التهديد، متناسية الشروط التي حددها الدستور لتطبيق هذه الحالة، تخوفاً من إطلاق يد السلطة التنفيذية ( ومنها سلطات الأمن ) في هذا الظرف، مما يهدد حقوق الأفراد وحرياتهم،  كما يهدد أهم مبادئ الحفاظ على النظام العام، وهو مبدأ عدم الموازنة والتناسب بين الخطر الذي تسببه هذه الظروف، والإجراءات المتخذة من طرف السلطات الأمنية، وتأثير كل ذلك على الحقوق والحريات الأساسية.

  • الشروط والقيود الواردة على تطبيق الظروف الاستثنائية وآليات تطبيقها:

 وضعت التشريعات الحديثة المقارنة الكثير من الشروط والقيود الواردة على تطبيق السلطات للظروف الاستثنائية، ومنها جود خطر جسيم يهدد المؤسسات الجمهورية ،أو استقلال الأمة، أو سلامة أراضيها، بحيث لا يمكن مواجهة ذلك بالوسائل العادية، بحيث تكون الدولة في حالة أو نشوب حرب، أو حرب مع دولة أجنبية، أو قيام تمرد عام أوعصيان عسكري(٢)، وأن يكون هذا الخطر حاصلاً بشكل فعلي وغير محتمل أو على وشك الوقوع(٣)، وأن يهدد  بانقطاع السير المنتظم للسلطات العامة عن أداء وظائفها. أما إذا لم ينجم عن الظروف الطارئة أو الاستثنائية اختلال في عمل المرافق الدستورية العامة وتوقف مادي لوظائف الدولة، فلا يستفيد منها حتى رئيس الجمهورية، كونها تفترض إجراء استشارات مع رئيس الوزراء ورؤساء مجلس البرلمان والمجلس الدستوري، كما تفترض في حال تحقق كل الشروط آنفة الذكر، قيام رئيس الجمهورية بتوجيه بيان إلى الأمة يعلن فيه أنه اتخذ القرار باتخاذه الإجراءات الاستثنائية بسبب الأوضاع الخطيرة في البلاد، على أن يوضح الأسباب التي دعته إلى استخدام هذه الإجراءات(٤). والأهم من ذلك هو  تناسب الإجراء المتخذ في الظروف الاستثنائية مع جسامة الخطر(٥)، فعمليات التفتيش وإقامة نقاط السيطرة تتقيد حتى خلال الظرف الاستثنائي بوجود حوادث خطيرة مجتمعة، يستحيل معها على السلطات مواجهتها بالوسائل والطرق العادية.

 وبالتالي فإن إن مسألة التناسب تندرج في إطار مساءلة السلطات المختصة لممارستها سلطتها التقديرية، التي تفرض عليها إبداء الأسباب الموجبة لممارسة الصلاحيات الاستثنائية. ويتم إعمال الظروف الاستثنائية أو حالة الطوارئ، التي تعطي السلطات الأمنية صلاحيات مؤقتة ومقيدة، في حالة حدوث الكوارث العامة، التي يجب أن تصل إلى درجة من الأهمية بحيث تخرج عن الحيز الفردي إلى المستوى العام الذي يهدد كامل إقليم الدولة، ويهدد بامتداد آثاره الأثر إلى مجموع الأمة(٦)، خصوصاً تلك المتعلقة بالثورات المسلحة، ووقف سريان الدستور في الأماكن والمدن التي يحددها هذا القانون، أو حالة غياب البرلمان، وذلك ضمن شروط محددة تُجبر السلطات الأمنية على الامتثال لها.

  • مدى مساءلة إيران في إطار تجاوز الظروف الاستثنائية والاستخدام المفرط للقوة:

تشكل انتهاكات السلطات الإيرانية في مجال القتل على الحواجز، من أهم الجرائم التي مورست بحق الشعب الأحوازي، إذ تشكل أحد أهم القضايا التي يمكن إثارتها أمام الأجهزة التابعة للأمم المتحدة والمتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، بالاستناد إلى آلاف من الأدلة والشواهد في هذا الشأن. فقد قام مجلس حقوق الإنسان بتعيين مراقب خاص لبحث عمليات القتل العشوائي منذ عام ١٩٩٢، بحيث يتم إعداد تقرير سنوي عن هذه العمليات، ويتضمن قرار تفويض هذا المراقب، قيامه ببحث الادعاءات الخاصة بعمليات القتل العشوائي، سواء ما تم منها فعلاً، أو ما هو على وشك الحدوث. حيث يقوم مجلس حقوق الإنسان بالنظر في التقارير التي  تقدم إليه حول تنفيذ حقوق الإنسان، كما النظر في آليات تطبيق وظروف إعمال الظروف الاستثنائية أو حالة الطوارئ، في حالة حدوث الكوارث العامة التي يجب أن تصل إلى درجة من الأهمية بحيث تخرج عن الحيز الفردي إلى المستوى العام الذي يهدد كامل إقليم الدولة، ويهدد بامتداد آثاره الأثر إلى مجموع الأمة(٧)، خصوصاً تلك المتعلقة بالثورات المسلحة، ووقف سريان الدستور في الأماكن والمدن التي يحددها هذا القانون، وفي شروط محددة تُجبر السلطات الأمنية على الامتثال لها.

ثانياً- التجاوزات الأمنية للسلطات الإيرانية على الحواجز: انتفاء الذرائع في التشريع الداخلي الإيراني، والقانون الدولي الإنساني.

في التشريعات المقارنة المعاصرة، لا يمكن للسلطات الأمنية أن تُقدم على ممارسة حالات الظروف الاستثنائية، أو استخدام القوة المفرطة لحفظ الأمن، إلا بعد إبلاغ ودراية الأفراد من خلال تشريعات يتم الإعلان عنها للعامة، بالإضافة لفرضها من قبل جهات تشريعية مختصة، أو من قبل مجلس الوزراء دون تدخل السلطات الأمنية فيها(٨)، وهي الإجراءات التي لم تقم بها السلطات الإيرانية في كل حالات إطلاق النار على الأحوازيين على الحواجز، في معارضة صريحة للأسس القانونية في جميع دول العالم، التي قرنت ذلك مع حالة الظروف الاستثنائية أو قانون فرض الأحكام العرفية، التي تفرض في حالة الخطر الداهم على الأمن الداخلي أو الخارجي. حيث حددت التشريعات مصادر الخطر في أمرين هما الحرب الخارجية والاضطرابات المسلحة، والغاية من ذلك عدم تغوّل السلطات الأمنية وتعسفها في استخدام السلطة التقديرية، كما تحدد القوانين فترة زمنية يتم إبلاغ المواطنين(٩)، ويختص رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ أو الظروف الاستثنائية أو الأحكام العرفية بالتوقيع على المرسوم الذي يعده مجلس الوزراء(١٠).

1- ظاهرة القنص الانتقامي للأحوازيين على الحواجز: حالات على سبيل المثال لا الحصر

– منذ منتصف مايو/ ايار ٢٠١١، أقدمت نقطة تفتيش تابعة للحرس الثوري الإيراني بملاحقة عبد الله فرهودي جلداوي غافلي من مواليد ١٩٧٦ من مدينة الأحواز، ثم قامت باعتقاله بعد أن تجاوز نقاط التفتيش الإيرانية على الحدود الإيرانية التركية، و تم اعتقاله داخل الأراضي التركية، وعلى مرأى ومسمع من العناصر الأمنية التركية، وأحجمت السلطات الإيرانية حينها عن إبلاغ ذويه بمكان اعتقاله، ولم تعلن السلطات الإيرانية عن مكان احتجاز هذا المعتقل ولا نوعية الاتهامات الموجهة إليه(١١).

– وفي مناسبات كثيرة نددت منظمة هيومن رايتس ووتش استخدام قوات الأمن الإيرانية للقوة المفرطة في تعاملها مع الأحوازيين، وطالبت بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة في حالات القتل والتنكيل، التي يتعرض لها الأحوازيون والسماح لوسائل الإعلام الدولية المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان بحرية الوصول لإجراء تحقيقات في الأحواز، وقالت المنظمة أنه ” في يوم ٢٦ أبريل/ نيسان ٢٠١١ قدمت منظمة IMHRO إلى هيومن رايتس ووتش أسماء ٢٧ شخصاً، قالت إنهم قتلوا على يد قوات الأمن الإيرانية بشكل عشوائي ومفرط للقوة، وطالبت منظمة هيومن رايتس وتش إيران في البيان ذاته، بـ ” إعطاء تقرير وتقديم بيان كامل وشفاف عن الأشخاص الذين قتلوا أو ألقي القبض عليهم من قبل قوات الأمن، ومقاضاة أي شخص مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان والسماح بدخول وفود من المنظمات الحقوقية”(١٢).

– في ٦ يوليو / تموز ٢٠١٦، أقدمت قوات الأمن الإيراني على قتل الشاب الأحوازي محمد جاسم الشجاعي متأثراً بجراحه، في بلدة النعيمية، بعد أن أطلقت عليه أحد الحواجز الأمنية النار على خلفية مشاركته بمظاهرة سلمية، وعلى أثر ذلك اعتقلت قوات السيطرة في يوم ٢٤ من الشهر ذاته ١٥  شاباً أحوازياً من بلدة بيت سالم جنوب قضاء القنيطرة، واقتادتهم إلى مكان مجهول، وفرضت حظر التجوال، وكان من بين المعتقلين علي الديلمي، وعلى فليح الحمداني، وعادل رحيم الحمداني، وميثم الزغيبي، وراجي زغير الحمداني، وحسن رزيج النيسي(١٣).

– وفي ١٥ يوليو / تموز ٢٠١٦، قتلت قوات الأمن الإيراني، الشاب الأحوازي مير عبد الله، الذي توفي متأثراً بجراحة، بعد أن أطلقت قوات الأمن الإيراني النار عليه في مدينة جمير في منطقة جرون جنوب الأحواز، نتيجة رفضه للتوقف والانصياع للأوامر تجنباً للمجهول الذي ينتظره في حال توقفه، كما حصل مع العديد من رفاقه في حالات مماثلة، عانى من خلالها الشباب الأحوازي الإهانة والاعتقال على نقاط التفتيش التي تقيمها السلطات الإيرانية. وقد وثق أهالي مدينة جمير هذه حادثة اغتيال الشاب مير عبد الله بخروجهم بمظاهرات نددت بعمليات القنص العشوائي بحق أبنائهم، خصوصاً بعد أن كشفت التحقيقات بأن المواطن الأحوازي المغدور، لم يكن يحمل شيئاً في مركبته(١٤).

– وفي ٢٢  نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٦، فتحت قوات الأمن الإيراني النار بشكل عشوائي، و دون سابق إنذار على سيارة كانت تقل أربعة أشخاص أحوازيين على الطريق الرئيسي الذي يربط بين مدينة القنيطرة والسوس شمال الأحواز العاصمة؛ الأمر الذي أدى إلى مقتل كل من عدنان الشمخاني، وجرح منصور الشمخاني، بسبب رفضهم الانصياع لأوامر قوات الأمن بالتوقف أمام حاجز للتفتيش(١٥)، وكانت أسباب عدم توقف هؤلاء الأشخاص، بسبب الممارسات التي يعرفها الأحوازيون في هذه الحواجز، التي وضعتها السلطات الإيرانية لممارسة التنكيل والإذلال، دون أن يتوقع هؤلاء أن يصل الأمر إلى إطلاق النار العشوائي. وبالتالي تصنيف مايحصل من جرائم بأنها جرائم قتل عشوائي متعمد مع سبق الإصرار والترصد، ترقى – بسبب تكرار هذه الظاهرة- إلى جريمة الإبادة الجماعية و العقاب الجماعي، الذي يشكل انتهاك واضح وصريح للقوانين والأعراف الدولية، خصوصاً المادة ٣٣ من اتفاقيات جنيف الرابعة التي تحظر سياسة العقاب الجماعي(١٦).

– وفي ١٦ آب/ اغسطس ٢٠١٧، قتلت قوات الأمن الإيراني الشاب الأحوازي سجاد زركاني، البالغ من العمر ٢٠ ربيعاً، عند نقطة تفتيش في حي الزاوية بمدينة الأحواز، وتشير التقارير الأولية إلى أن عناصر من قوات الأمن الإيراني فتحوا النار على سجاد وصديقه دون سابق إنذار، وقد خرج أهالي المغدور بمظاهرة مطالبين السلطات الإيرانية بالكشف عن أسباب الاغتيال(١٧).

– وفي ٢٤ أكتوبر ٢٠١٧ ، قتلت قوات الأمن الإيراني الطفلة رغد عباس البالغة من العمر ثلاث أعوام، عندما فتحت نقطة تفتيش النار على سيارة والدها، بينما كانت تجلس في المقعد الخلفي للسيارة، أثناء مرورهم في حي علوي بمدينة الأحواز، في عمليات أصبحت تعرف بظاهرة القنص على الحواجز، التي تمارس عليها السلطات الإيرانية كل أشكال الانتهاكات والإهانات والاعتقال بشكل عشوائي، وفي ٣٠ ديسمبر ٢٠١٨، قضى الشاب مهدي السواري ضحية لعمليات إطلاق النار العشوائية على أيدي قوات الأمن الإيرانية، أثناء عودته إلى منزل عائلته في مدينة الحميدية. وبالرغم من نقله إلى المستشفى، إلا أنه توفي بعد ذلك بفترة قصيرة. ووفقًا لعائلته ، فقد تم إطلاق النار على مهدي من مسافة قريبة، وتم قتله بعد أن لاحقته قوات الأمن الإيراني وهو على دراجته النارية خلال عودته إلى منزله (١٨).

– وفي هذا الخصوص يرى آرون إيتان ماير، الباحث والمحلل الأمريكي أن الأمم المتحدة أنشأت مقرراً  خاصاً في مجلس حقوق الإنسان، الذي يعتبر ” هيئة حكوميّة دوليّة تابعة إلى منظومة الأمم المتّحدة، ويتألّف من ٤٧ دولة مسؤولة عن تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في كافة أنحاء العالم(١٩)”، وتندرج في إطار صلاحياته رفع الشكاوي المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويكون المقرر الخاص داخله، مختصاً بالنظر في حالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات الإعدام التعسفي، وقد عقدت الأمم المتحدة العزم على تجديد ولاية المقرر الخاص في عام ٢٠١٧ لمدة ثلاث سنوات، حيث أكد مجلس حقوق الإنسان ” التزام جميع الدول بإجراء تحقيقات شاملة ونزيهة في جميع الحالات المشتبه فيها لعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي ، لتحديد المسؤولين وتقديمهم إلى العدالة ، مع ضمان حق كل شخص في محاكمة عادلة وعلنية من قبل مختص محكمة مستقلة ومحايدة أنشأها القانون، لوضع حد للإفلات من العقاب. وأكد ماير “أن النظام الإيراني يعمل بشكل ممنهج وبطريقة غير قانونية وغير أخلاقية ضد الأقليات والمواطنين على حد سواء”.

في مساء يوم الثلاثاء ٢ إبريل/ نيسان ٢٠١٩،  قامت قوات الحرس الثوري الإيراني، بإطلاق النار بشكل عشوائي على المواطنين في إحدى القرى التابعة لمدينة الخفاجية في الأحواز (قرية الجليزي)، وعلى مرآى من أعين أهالي القرية، مايشكل دليلاً قاطعاً على استخدام السلطات الإيرانية للإفراط باستخدام القوة،  لاسيما وأن إطلاق النار جاء بعد قيام عناصر تابعة للحرس الثوري الإيراني بمحاصرة القرية، و إزالة الحواجز الترابية التي أقامها المواطنون للحد من اندفاع السيول، واتساع نطاقها في أراضيهم، وبالتالي فقد جاء إطلاق النار لأسباب لاعلاقة لها بأي ظرف طارئ أو استثنائي، بقدر ماجاء في إطار محاولة أهالي القرية لحماية أنفسهم من خطر الفيضانات التي داهمت منازلهم.

تكررت عمليات إطلاق النار من قبل عناصر الحرس الثوري النار في الشاكرية، والجليزي بشمال وشرق مدينة الخفاجية، الأمر الذي نتج عنه مقتل مواطن وإصابة أربعة آخرين بجروح خطيرة. وتوثيقاً للعمليات تداولت وسائل التواصل الاجتماعي في الأحواز، مقطع فيديو يوثق إطلاق السلطات الإيرانية الرصاص الحي بكثافة تجاه المواطنين في قرى الخفاجية، رداً على محاولة السلطات الإيرانية إزالة السواتر الترابية، التي أقامها الأهالي لحماية منازلهم وأراضيهم من تدفقات مياه السيول(٢٠)، الأمر الذي يشكل خرقاً واضحاً لانتهاك القوانين الدولية، والقانون الدولي الإنساني، وإعلانات حقوق الإنسان التي جعلت من الحق في الحياة حقاً يتقدم جميع الحقوق المتأصلة للنفس البشرية، كما يشكل خرقاً واضحاً من قبل إيران لتحمل مسؤولياتها أمام القانون الدولي بحماية حقوق الإنسان للمواطنين وتعزيزها ، بما في ذلك حماية الحق في الأمن لجميع الأفراد، الذين وقعوا ضحية جريمة القتل المتعمد للمدنيين الأحوازيين.

– وفي بداية اغسطس / آب ٢٠١٩ قتلت قوات الأمن الإيرانية، الشاب الأحوازي عباس أميري البالغ من العمر ١٩ ربيعاً في الطريق بين الأحواز وتستر، وجاءت عملية القتل، عندما كان أميري ماراً بسيارته  من أحد نقاط السيطرة التابعة للحرس الثوري الإيراني، فلاحقته قوات الأمن وأطلقت النار على منطقة الصدر، في إصرار وتعمد على قتله. وفي حيثيات الجريمة أنّ الشاب الأحوازي عباس أميري صاحب محل لبيع القماش في شمال مدينة الأحواز، و كان متجهاً إلى عمله مع ابن عمه الذي أصيب بجروح بليغة وهو داخل السيارة، و تم نقل جثة إلى مستشفى مدينة تستر، وقد أصبحت ظاهرة استهداف وقتل المواطنين العزل أمام الملأ ، أحد الأساليب المعروفة المتبعة من السلطات الإيرانية، لترويع شباب وأهالي الأحواز، ومنعهم من ممارسة أي نشاط – حتى ولو كان سلمياً- يتعلق بقضيتهم العربية الأحوازية، وذلك بفرض أجواء من الترهيب والخوف في المجتمع الأحوازي عن طريق أعمال القتل التعسفية والإعدامات على الملأ(٢١).

2- مسؤولية السلطات الإيرانية عن انتهاكات إجراءات التفتيش القانوني على الحواجز:

 يشير تتبع حالات القنص الانتقامي الذي تمارسه السلطات الإيرانية على الحواجز بحق الأشخاص الأحوازيين، إلى عشوائية غايتها القتل والترهيب في مخالفة صريحة لكل التعريفات القانونية والفقهية التي عرّفت التفتيش كإجراء لا يخرج عن كونه ممارسة في إطار القوانين الأنظمة المحلية والدولية، التي حصرته في كونه وسيلة لجمع الأدلة المادية لجناية أو جنحة واقعة، وهو مايخول السلطات التحقيق في وقوعها لإثبات ارتكابها أو نسبتها إلى المتهم، الأمر الذي يبدو غير متحققاً في جميع الحالات التي تم من خلالها قنص الأحوازيين على الحواجز، كون كل الحالات لا علاقة لها بوقوع جريمة، أو البحث عن مجرم، يخولها جمع الاستدلالات عنه أو التحقيق بشأنه. فالتفتيش – كغاية حصرية لإنشاء الحواجز-  لا يمكن إعماله بدون أدلة مادية تمتلكها السلطات المتواجدة على الحواجز، أو أنها تمتلك معلومات عن جريمة بذاتها وأشخاص بعينهم يشتبه به، كما لا يخول السلطات إقامة هذه الحواجز، بدون الشروط آنفة الذكر التي تخول السلطات وضعها في حالات الظروف الاستثنائية، مقرونة بالتفتيش القضائى الذى تقوم به سلطة التحقيق كأحد إجراءات التحقيق. وبالتالي يمكن النظر إلى ظاهرة عمليات القنص على الحواجز بحق الأحوازيين، خروجاً على القوانين الداخلية والدولية تستوجب المساءلة الدولية، سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الدولي.

فعلى الصعيد الداخلي، تعتبر ظاهرة القنص على الحواجز بحق الاحوازيين خروجاً على قاعدة طلب الإذن من مأمور الضبط القضائي، الذي يطلب من السلطات المختصة الإذن له بالتفتيش. وعلى المأمور القضائي أن يوضح فيه اسم الشخص المقصود بالتفتيش، وتحديد ماهية التفتيش، هل هو لشخصه، أم لمنزله، وشرح الأسباب الموجبة للتفتيش، بالإضافة إلى صدور أمر التفتيش كتابياً، ومن عضو نيابة مختص مكانياً، ولمأمور ضبط مختص مكانياً، على أن يتضمن الإذن بالتفتيش اسم ووظيفة صاحي القرار بالإذن بالتفتيش، وتاريخ وساعة صدوره، واسم الشخص الذي سيتم تفتيشه، وتحديد نوع ووقت محدد لتنفيذ التفتيش، وهي الإجراءات التي تتعارض بشكل صريح مع مانصت عليه القوانين الداخلية والدولية، بما فيها قواعد القانون الدولي الإنساني، وحقوق الإنسان.

أما من ناحية القانون الدولي فحالات القنص على الحواجز بشكل عشوائي وبدون أية ضوابط قانونية، تشكل  اعتداءات جسيمة تقع على مصالح جوهرية يتعرض لها المجتمع الدولي، وذلك بانتهاك القانون الدولي الجنائي ، وغايته التي يهدف إليها في كل مكان وزمان، والتي يجب تحقيقها عن طريق توفير الحماية و الاحترام المكفول لآدمية الإنسان وإنسانيته، وفي مقدمتها الحق في الحياة الذي يشكل أسمى الحقوق(٢٢). وعلى هذا الأساس فقد أصبحت من أهم مهام  حقوق الإنسان هو تكريس المواثيق الدولية وربطها بالدساتير الوطنية. بحيث أصبحت تحتل مكانتها ضمن دراسة القانون الدولي الإنساني، وجزءاً مهماً يعد بمثابة مبادئ عامة ضمن القانون الدولي الجنائي، وما يتضمنه من إجراءات الحماية في إطار تحديد مفهوم حالة الضرورة والظروف الاستثنائية في القانون والقضاء الدولي الجنائي، الذي بات ركيزة في إجراءات المساءلة التي تقوم بها المحاكم الدولية الجنائية.

خاتمة

مما تقدم نستنتج، أن جميع حالات القتل التي تمارسها السلطات الإيرانية على الحواجز بحق الأحوازيين، تعود لسببين رئيسيين تتحمل السلطات الإيرانية في كل منهما المسؤولية عن ممارسات أفرادها، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد القانون الدولي.

-السبب الأول: ويتحدد على الصعيد الداخلي، حيث تبدو عمليات القتل في داخل الجغرافيا الأحوازية، كظاهرة تتميز بها هذه الجغرافيا، كما وقوعها بحق الشعب الأحوازي دون غيره، الأ أمر الذي يُظهر إيران في عرف القانون الدولي العام،  دولة قمعية استبدادية،  لا تطبق حتى قوانينها المحلية.

السبب الثاني: ويتحدد على الصعيد الدولي، فهذه الممارسات القمعية تكشف المرجعيات السياسية لثني الشعب الأحوازي عن مطالبته في حق تقرير مصيره، من خلال ترهيبه وتخويفه من خلال استعمال القوة المفرطة، وخرق قاعدة التناسب بين الفعل وردة الفعل التي تقو بها السلطات الإيرانية. وبالتالي فهي تخرج من اختصاص القانون الداخلي إلى اختصاص القانون الدولي الإنساني، الذي يعمل للحيلولة دون وقع اعتداءات جسيمة بحق الفرد الذي أصبح محمياً بالتطورات الحديثة لحقوق الإنسان. كما لم تعد الدولة الوطنية هي المعنية لوحدها، بحقوق الأفراد وحرياتهم العامة، التي انتظمت في القوانين والمواثيق والقرارات الدولية للمجتمع الدولي، فأصبح فرع القانون الدولي الجنائي، هو المعني بتوفير الحماية للأفراد بكل مستوياتهم سواء منهم البرئ أو المتهم، كما فرض على الدول أن تلائم تشريعاتها الداخلية مع آليات الحماية الدولية للأفراد، الذين قد يلجؤون في حالات كثيرة إلى استخدام العنف في مواجهة العنف المفرط، لأسباب عديدة منها اجتماعية، ومنها بيئية، ومنها سياسية. وبالتالي انسياقه لردة الفعل العنفي مكرهاً ومجبراً.

وإذا كانت الظروف الإستثنائية التي تتحجج بها السلطات الإيرانية، تعطي مبرراً للخروج للقوانين والممارسات الاستثنائية، فإن ذلك لا يعني إطلاق يد هذه السلطات بأن تعمل دون قيود أو ضوابط ، بقدر ما تُجبر الدول على تحديد المعايير القانونية لهكذا ممارسات، وإلاّ اعتبرت أعمالها مشوبة بالبطلان، وموجبة للمساءلة والتعويض أمام القضاء الوطني والدولي على حد سواء.

إنّ توصيف ظاهرة عمليات القتل للأحوازيين على نقاط التفتيش، تشكل قرينة قانونية ثابتة، و يستقر الفقه القانوني من خلالها على وجوب توافر شروط حالة الخطر الذي يشكله المجني عليه ودرجته، فما يمكن دفعه بالوسائل القانونية العادية لايمكن دفعة بالقوة المفرطى وإطلاق الرصاص على رؤوس وصدور المارة. مع ملاحظة إنّ إنشاء هذه النقاط يشكل بالأساس خروجاً عن القوانين كونه بدون سند قانوني، كما أنّ مرور الأشخاص الأحوازيين بسبب عودتهم اليومية إلى عملهم، أو خروجهم من مدنهم أو قراهم بشكل اعتيادي، لا يعطي المشروعية القانونية للتعامل بالقوة المفرطة، التي تصل إلى حدود انتهاك الحق في الحياة، في الوقت الذي لا تتهدد فيه البلاد بخطر داهم يهدد مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها، حيث يتفق فقه القانون الدستوري والقانون الدولي على أن لا يطغى حكم الواقع – كما هو الحال في القضية الأحوازية- على حكم القانون، وذلك باختلاق أخطار وهمية في ذهن أو تصور أو خيال السلطة. وبالتالي انتفاء فكرة الخطر الجسيم أو المحدق، الذي يعطي السلطات التذرع  بوجود ظرف استثنائي غير مؤكد حدوثه، الأمر الذي يُرتب على السلطات الأمنية الإيرانية مسؤولية جنائية بحق الأفراد في هذه السلطة، ومسؤولية جنائية دولية، بسبب انتفاء مسببات ومبررات الإجراء المتخذ، ومناسبته، وتناسبه، وبالتالي عدم ملائمة الأفعال التي تمارسها الدولة الإيرانية مع المعايير الدولية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة.

 

 

الهوامش:

  1. للاستفاضة انظر: مجدي المتولي السيد يوسف، أثر الظروف الاستثنائية على مبدأ الشرعية : دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، كلية الحقوق، القاهرة، 1990، ص 22 وما بعدها.
  2. انظر سامي جمال الدين، الرجع السابق، ص 169.
  3. انظر: عبد الغني بسيوني، ولاية القضاء الإداري على أعمال الادارة ، قضاء الإلغاء، منشأة المعارف،الاسكندرية، 1983، ص49.
  4. سامي جمال الدين،المرجع السابق، ص161.
  5. انظر: سلوان جابر هاشم، حالة الضرورة في القانون الدولي الإنساني، إصدارات المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس 2013، ص 56 ومابعدها.
  6. انظر: يحي الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، دون سنة نشر ، ص118
  7. انظر: يحي الجمل، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، دون سنة نشر، ص118
  8. انظر: سامي جمال الدين،لوائح الضرورة وضمانة الرقابة القضائية، منشأة المعارف بالإسكندرية،مصر،1982، ص325.
  9. انظر على سبيل المثال: المادة 36 من الدستور الفرنسي، التي حددت إعلان الأحكام العرفية بأمر من مجلس الوزراء ولا يجوز أن تمتد لأكثر من أثني عشر يوما إلا بإذن من البرلمان.
  10. انظر: المادة 13 من الدستور الفرنسي.
  11. https://ainnews.net/
  12. المرجع ذاته.
  13. انظر: جريدة الرياض، الأمن الإيراني يقتل مواطنين أحوازيين وغموض يلف مصير 15 شاباً من أهالي بيت سالم، 18 يوليو /تموز/2016. http://www.alriyadh.com/1519602
  14. المرجع ذاته.
  15. انظر: جريدة الرياض السعودية، إيران تعدم أربعة أحوازيين دون محاكمة عادلة، 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. على الرابط: http://www.alriyadh.com/1551034
  16. انظر: المادة 33 من اتفاقيات جنيف الرابعة التي حضرت سياسة العقاب الجماعي
  17. انظر : صحيفة عكاظ، ” الأحواز: مقتل مواطن واعتقال آخر على يد الحرس الثوري الإيراني”، 17 آب/ أغسطس/ 2017. https://www.okaz.com.sa/article/1664737
  18. https://www.dusc.org/en/article/4305
  19. https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/HRC/Pages/Home.aspx
  20. انظر: قوات الحرس الثوري تطلق الرصاص على الأحوازيين عشوائيا، 4 أبريل / نيسان 2019، على الرابط: https://www.aodhr.org/ar/قوات-الحرس-الثوري-تطلق-الرصاص-على-الأح/#.XV5-AuPXLIU
  21. http://iranpost.org/thread/3394?%
  22. انظر: رعد فجر فتيح الراوي، حالة الضرورة في القانون الدولي الجنائي، مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية، جامعة تكريت، العدد 22، 2017، ص121 و مابعدها.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!