مقدمة
كشفت الإحصائيات التي أعلنتها الإدارة المدنية التابعة للنظام الإيراني في الأحواز عن تفوق عدد السكان الأحوازيين على المستوطنين في عموم مدن الأحواز، مما يعكس واقع الصراع الديموغرافي الذي تكتمت عليه طهران، في وقت طفا فيه السجال مجددا على المشهد السياسي الإيراني تجاه اغتصاب أراضي الأحوازيين في عدة قرى ومنها أبو النخيلات (والتي تم تزوير اسم القرية وتبدل الى قرية ابوالفضل) في محافظة خوزستان ومساعي النظام الإيراني في الاستيلاء على أراضي الأحوازيين في دجة عباس في محافظة عيلام واراضي الفلاحيين العرب في مدينة عسلوية وقرى هليلة والميناو (بندركاه) في محافظة ابوشهر وغيرها من الأراضي والاملاك.
ان الصراع على ملكية الأرض في الأحواز ما برح واحداً من أهم مظاهر الصراع الأحوازي – الايراني ليومنا هذا، ويظهر جلياً في شراء المؤسّسات الايرانية المختلفة للأراضي بالإضافة الى سياسة إيران للاستيلاء على أراضي الزراعية والقرى تحت عناوين مختلفة منها “ستاد وقف” و”بنياد مستضعفان” التابعة مباشرة للمرشد الإيراني علي خامنئي. فعلى سبيل المثال تعد مؤسسة ” بنياد مستضعفان” أغنى مؤسسة مالية في إيران بعد شركة النفط الوطنية وهي لا تدفع الضرائب وقرارها بيد المرشد الأعلى.
الجدير بالذكر، منح خامنئي عدة مؤسسات إيرانية وخاصة “بنياد مستضعفان” السلطة القانونية لمصادرة الأراضي الزراعية والعقارات. وتتسم تلك المؤسسات عموما بالصراحة في عملها دون خوف أو خجل فتستولي على العقارات والاملاك والأراضي أجهارا ونهارا.
بنياد مستضعفان تابع للمرشد الايراني
يطلق عليها عنوان “بنياد مستضعفان” فهي منظمة غير ربحية في النظام الإيراني، ويترأسها برويز فتاح، وأن إيرادات المؤسسة زادت بنسبة ٣٤٪ لتصل إلى ٣٦٠ تريليون ريال ايراني عام ٢٠٢٠.
والجدير بالذكر تأسست مؤسسة ” بنياد مستضعفان” بموجب مرسوم من الخميني عام ١٩٧٩ للقضاء على الفقر، لكنها أصبحت وبالا على الشعوب في إيران، حيث هذه المؤسسة بمعية مؤسسة “ستاد الأوقاف” أصبح شغلها الاستيلاء على أملاك الفقراء وسيما الأحوازيين في قطاع الزراعي
ليس خفيا فساد هذه المؤسسة على الرأي العام حيث وصلت الاختلافات على ملكية العقارات والأراضي التي تمت مصادرتها منذ بداية الثورة ١٩٧٩ الى أعلى هرم النظام. حيث اتهم برفيز فتاح، الذي يترأس مؤسسة مؤسسة “بنياد مستضعفان”، عدة شخصيات ودوائر حكومية ومنها الحرس الثوري الإيراني والقوات المسلحة ومجلس تشخيص مصلحة النظام والرؤساء والعديد من الأفراد والكيانات القانونية الأخرى بـ “الاستيلاء غير القانوني” على أملاك المواطنين والموارد العامة والخزينة.
وقال بالحرف الواحد ان هذه الممتلكات التي استتلى عليها “بنياد” كانت مملوكة لأفراد وكيانات اعتبارية تم انتزاعها منهم بعد الثورة الإسلامية. وتم المصادرة من خلال إعدام العديد من الملاك الأصليين لهذه الممتلكات وسجن البعض منهم أو غادر العديد منهم إيران أثناء ثورة ١٩٧٩. بينما لايزال هناك خلاف على ملكية العديد من هذه الأملاك والعقارات، وقد اشتكى عدد من الورثة في المحاكم على مؤسسة “بنياد مستضعفان”، ولكن نجح القليل جدا منهم في استعادة ممتلكاتهم.
“قانون أملاك الغائبين” و” قانون غياب الوثائق أو الاسناد”
بحسب الشواهد تتبع مؤسسة بنياد ومؤسسة الأوقاف قانونا يقتضي بامتلاكهما جميع الأراضي والعقارات التي يكون صاحبها غائبا وبأي شكل من الاشكال. ولذلك أصبح أهم دور مثل هذه المؤسسات هي مصادرة الأراضي والعقارات. وبالرغم من أن موسسة “بنياد” تمتلك مؤسسة خيرية ووفرت هذه المؤسسة مساعدات متواضعة لبعض من الأرامل والأيتام والفقراء في بداية الثورة لكن غير إن أنشطة هذه المؤسسة أوسع كثيرا من هذه الامور. ويشكك الإيرانيون بشكل عام وسيما الأحوازيون الذين صادرت “بنياد” ممتلكاتهم وكذلك المحامون الذين عملوا في مثل هذه القضايا في إدعاء أن الهيئة تعمل للصالح العام. وظهرت الوثائق والفيديوهات في منطقة دجة عباس في أراضي الأحوازية التابعة لمحافظة ايلام العام الماضي وحاليا قرية ابونخيلات سياسة النظام الإيراني وما يعد خطة ابتزاز منهجية تحصل مؤسسة ” بنياد” في إطارها على أوامر قضائية بموجب ادعاءات كاذبة للاستيلاء على أراضي الأحوازيين ثم تضغط على مالكيها كي يشتروها ثانية أو يدفعوا رسوما ضخمة لاستعادتها أو تهجيرهم الى أماكن أخرى بعيدا عن منازلهم وذويهم.
واقع الامر، تتبع مؤسسة ” بنياد مستغصعفان” قانونا يجوز لها بموجبه ان تنتزع الأراضي والبيوت من الأحوازيين وهو “قانون أملاك الغائبين” و ” قانون غياب الوثائق أو الاسناد”، يُشرعِن بموجبه الاستيلاء على الأراضي والممتلكات التي تعود للمواطنين من جميع الأقاليم في ايران وسيما الأحوازيين الذين هُجرِّوا منها ونزحوا عنها إلى مناطق أخرى أو ممن حرموا من الحصول على اسناد ومستندات في عهد النظام البهلوي ومن ثم في عهد الجمهورية الإسلامية.
رفض الأحوازيون بيع الاراضي
إنّ الصّراع على ملكية الأرض في الأحواز ما برح واحداً من أهم مظاهر الصراع الأحوازي – الايراني منذ تسعة عقود ونيف، ويظهر جلياً في اغتصاب الأراضي أو شراء المؤسّسات الفارسية المختلفة للأراضي. وكشف التقارير أن النظام الإيراني في العهدين البهلوي والجمهوري الاسلامي استخدم بعض الأثرياء الفرس ليتمّ شراء مساحات كبيرة جداً وبأسعارٍ مغرية لكن واجه النظاميين رفضا تاما من قبل الأحوازيين وفشلت الخطة تماما لذلك تقدم النظام الحالي سياسة “قانون أملاك الغائبين” و” قانون غياب الوثائق أو الاسناد” للاستيلاء على الأراضي الأحوازية وما حصل في قرية ابوالنخيلات خير دليل على ذلك لكونها تقع في منطقة في غاية الأهمية حيث تبتعد قليلا عن مركز القوات الجوية الإيرانية التابعة للجيش.
زد على ذلك، قطع المياه عن المزارعين، السيول المفتعلة في الشتاء، طرد الفلاحين الأحوازيين، والمقاومة الأحوازية لعمليات الشراء والإخلاء في منطقة دجة عباس في محافظة ايلام والسيوسة والخضيريات في مدينة الأحواز واراضي الأحوازيين في مدينة عسلوية وغيرها، والحملات الفارسية السياسية والدعائية المناهضة لحقوق الأحوازيين السكان الأصليين في هذه الأراضي منذ القدم بين الفينة والأخرى على انتقال ملكية الأراضي. كما كان لهذا الصراع دور كبير في تحديد مجرى مواجهات الأحوازية – الإيرانية (الفارسية) طوال تسعة عقود.
من الطبيعي أن تتّخذ السلطات الإيرانية مثل هذه الخطوات غير الإنسانية ومثل هذه الإجراءات لتسهيل نقل ملكية الأراضي من الأيدي الأحوازية إلى الإيرانية حيث ينظر رجالات النظام أن الأراضي الأحوازية وبعد الاستيلاء عليها قبل تسعة قرون أراض مباحة ووقف عام يحق لهم امتلاكها بأي شكل من الاشكال.
التّوسّع، الاغتصاب المستمر ومصادرة الأراضي
إن تطبيق النظام الايراني لقانون “قانون أملاك الغائبين” و ” قانون غياب الوثائق أو الاسناد” هو جزء من خطّة الحكومة الايرانية الأوسع لضمّ الأراضي الزراعية، المواقع التاريخية، العقارات، الموانئ وأراضي الحقول في المحافظات الأحوازية من منطقة دجة عباس في محافظات ايلام وصولا الى خوزستان ومن ثم أبو شهر وهرمزكان، بينما يتمّ ترك المناطق السّكنية الأحوازية دون خدمات بغية تحفيزهم أو اجبارهم على تركها. يجب أيضاً أن يتمّ النظر إلى ذلك في السياق الأوسع لكافة الإجراءات الايرانية الأخرى بما في ذلك بناء وتوسيع المستعمرات التي يقطنها الفرس بشكل أوسع في الأحواز.
النتيجة
فمثل هذه الأراضي التي تستخدم حالياً للعيش الكفاف من قبل السكان الأحوازيين هي أيضاً بمثابة الاحتياط للنمو الطبيعي المستقبلي لهذا الشعب الذي سلبت منه جميع ثرواته. ورغم الدعوات التي أطلقها الأحوازيون بإلغاء وإبطال القوانين واللوائح المعتمدة التي تقتضي باغتصاب الأراضي الأحوازية لكن لم تجد أذان صاغية وبقي المواطن الأحوازي يواجه الرصاص بأيادي فارغة وصدور عارية كما حصل في دجة عباس وابونخيلات والخضيريات والسويسة وعسلوية وهليلة وميناو من المدن الأحوازية.
فقرار الحكومة الايرانية بتطبيق “قانون أملاك الغائبين” و ” قانون غياب الوثائق أو الاسناد” على الأحواز هو انتهاك للقانون الدولي وسيما معاهدة الجنيف الرابعة الذي يضمن حق المواطن في امتلاك ممتلكاته. وسوف تنتج من تطبيق هذا القانون الذي يتبعه النظام الايراني عمليات مصادرة واسعة للممتلكات في الأراضي الأحوازية.
ختاماً نجد مما تقدم، أن القانون المشؤوم كان وما يزال هدفاً من أهداف النظام الايراني منذ ولادتها في العشرينيات القرن الماضي، وهو بمثابة العباءة القانونية لنقل ملكية قسم كبير جدا من الأراضي الأحوازية الى النظام الإيراني القائم حاليا.