ملخص الدراسة
تدخَّل الحرس الثوري الإيراني في شؤون الدول العربية طيلة العقود الثلاث الماضية بدرجات وأشكال مختلفة وفق إطار ممنهج، كما أن كبار قادة للحرس الثوري ضالعون بشكل مباشر في تدخلات الحرس في المنطقة والتي توسعت في العام 2013 واستمرت بمحركات جديدة بعد الاتفاق النووي مع 5+1.
تعامل الحرس الثوري بشكل مباشر في احتلال مبطن لأربع دول هي: العراق وسوريا واليمن ولبنان، وقد أسس الحرس في معظم الدول العربية خلايا أو عناصر تابعة له، ونشطت الأعمال الإرهابية المتعلقة بالحرس، خاصة في دول الخليج العربي ماعدا سلطنة عمان، التي كانت قد ساعدت النظام الإيراني في الالتفاف على العقوبات.
مارس الحرس نشاطات استخباراتية في العديد من هذه البلدان، وتم اعتقال جواسيس وعملاء للنظام الإيراني وتمت محاكمة بعضهم، كما أرسل الحرس أسلحة ومتفجرات بكميات كبيرة إلى دول عربية، وفي كل شهر يتلقى مئات في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان ولبنان– الدول التي يتورط النظام فيها- التدريبات ويتم إرسالهم لإثارة الحروب والإرهاب.
تدخلات قوات الحرس لا تنحصر في الساحة العسكرية، بل إنها تلعب دورًا مهمًا في سياسة طهران الخارجية، تلك السياسة الخارجية بيد قائد النظام علي خامنئي، لذلك فإن توسيع وتطوير السياسة الخارجية وتنفيذها في بعض الدول رسميًا تنحصر بيد قوات الحرس، كما أن الحرس الثوري يسيطر بشكل فعال على السياسة الخارجية عبر الكثير من السفارات. ويمكن الإشارة إلى سفارات النظام الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان واليمن والبحرين.
يتم تعيين سفراء النظام الإيراني في البلدان الأخرى كالعراق وسوريا وأفغانستان، من بين صفوف قوات الحرس أو من الأشخاص المقربين بالحرس الثوري، وتأتي طريقة الاختيار هذه من أجل تمكين الحرس لمتابعة نشاطاته، وكذلك تمرير أجنداته من خلال الفرص المتاحة لهؤلاء الأشخاص الذين يحملون الصفة الدبلوماسية ويتمتعون بالحصانة الدبلوماسية باعتبارهم سفراء كذلك لسفاراتهم، ويبدو أن قوات الحرس تعد من أهم المؤسسات الاقتصادية في إيران وأنها تتولى التكاليف المالية الخاصة بتدخلات النظام الخارجية.
فيما يتعلق بسوريا حصرًا، خلال لأعوام الخمسة الماضية، صرفت طهران أكثر من 100 مليار دولار، حيث تم تخصيص نسبة كبيرة من هذه الميزانية من خلال المكتب الخاص بخامنئي، وصرفت هذه الأموال للحصول على الأسلحة، التكاليف التي يتحملها الجيش النظامي في سوريا، كما ينفق نظام طهران ما يقارب المليار دولار سنويًا لتسديد رواتب الميليشيات والقوات المرتبطة بالحرس الثوري، ومنها منتسبو القوات المسلحة السورية وكذلك الميليشيات والفصائل الطائفية الشيعية التي يدعمها النظام.
قوات الحرس الثوري لديها جهاز وحدة الاستخبارات والمعلومات، وهذا الجهاز يعمل كجهاز رديف لوزارة المخابرات والأمن للبلد، والأهم من ذلك، قام الحرس الثوري بتوسيع نطاق نشاطه الاستخباري والمعلوماتي في أرجاء المنطقة وأنشأ مراكز استخبارية عديدة له في مختلف البلدان خلال الأشهر الأخيرة.
لا تكتفي طهران بتسليط اهتمامها على الوسط الشيعي في مختلف بلدان المنطقة وتصعيد التوترات الطائفية فقط، بل تقوم أيضًا بتجنيد عناصر لتشكيل مختلف الجماعات والميليشيات، لكن الحرس الثوري لا يحصر نفسه أبدًا بالجماعات الشيعية، والقاسم المشترك بين الميليشيات المختلفة التي يشكلها الحرس الثوري، هو ولاؤها لخامنئي وطاعتها له واتباع أوامره.
مقدمة
التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبخاصة تصدير الإرهاب والتطرف ليس سياسة هامشية لنظام طهران، بل يرتبط جنبًا إلى جنب مع القمع الداخلي، وهناك ركيزة استراتيجية ثانية لبقاء النظام الإيراني في الحكم، ويؤدي عدم استيعاب وفهم هذه الحقيقة إلى تحليلات خاطئة فيما يتعلق بقدرات نظام الملالي. وبناء على هذه السياسة فقد ركّز النظام الإيراني اهتمامه على الشيعة في مختلف دول المنطقة، وتأجيج التوترات الطائفية وتنظيم وتجنيد قوات لتشكيل مجموعات وميليشيات مرتبطة بالحرس الثوري. ومع ذلك، في الوقت نفسه، ساعدت طهران الجماعات الإرهابية السنّة من أجل تحقيق هدفها القاسم المشترك بين الميليشيات التي شكلتها قوات الحرس الثوري الإيراني هو أنهم يعتبرون أنفسهم مقلدين وتابعين لقيادة المرشد الأعلى للنظام، علي خامنئي، بصفته الولي الفقيه للمسلمين. ويلجؤون إلى العنف والأعمال الإجرامية من أجل تحقيق الأهداف التوسعية لنظام الملالي في المنطقة، فيما يتم تزويد هذه المجموعات بالأسلحة والأموال من قبل الحرس الثوري الإيراني([1]).
تأسس الحرس الثوري الإسلامي في مايو 1979م بعد ثلاثة أشهر فقط من وصول الملالي إلى السلطة وفق كيان لا يحمل أي إشارة إلى إيران بوصفه كيان يتجاوز الحدود الجغرافية لإيران ويخضع لسلطة الولي الفقيه ويسعى لإقامة الخلافة الإسلامية. وقد ورد في المادة 11 من النظام الداخلي للحرس الثوري الذي تم صياغته وتبنيه في العام 1979م: “إن تدريب أعضاء الحرس الثوري يتم طبقًا للتعاليم والموازين الإسلامية وعلى أساس المبادئ التوجيهية من ولاية الفقيه في الساحات الفكرية والسياسية والعسكرية من أجل الحصول على المهارات المطلوبة والقدرة على تنفيذ المهام الموكلة إليها”. ما يعني مهمة الحفاظ على ديكتاتورية الولي الفقيه من خلال التدخل في شئون الدول الأخرى بالمنطقة وتصدير الإرهاب. وفي هذا الصدد يقول العميد بالحرس أحمد غلام بور: “واجب الجيش هو حماية الحدود الجغرافية لإيران ولكن الحرس الثوري ليس في عنوانه كلمة إيران ويسعى للدفاع عن الثورة الإسلامية وإنجازاتها دون اعتبار حدود معينة”([2]).
وتعد قوات الحرس الثوري الإيراني أقوى مؤسسات النظام وأكثرها كفاءة وإلى حد كبير يعتمد نفوذ إيران الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط على هذه المؤسسة التي تمثل جيشًا عقائديًا مؤمنًا بأيدولوجيا الثورة الإيرانية الخمينية([3]).
الملحقيات الثقافية في السفارات الإيرانية تتكوّن من ضباط في الحرس الثوري يتخفّون بقناع الثقافة، تدربوا باحتراف على العمل في إطار تصدير ثورتهم، ومهمتهم الأساسية هي تشكيل خلايا شيعية في البلدان التي يتواجدون فيها، وهذه الخلايا التي تبدأ بالتشيّع الديني ثم تأتي العمالة لجهاز استخبارات الملالي، وبعدها يجري تشكيل طائفة ثم ميليشيات ثم محاولة الهيمنة على الدولة وبعدها الحرب الأهلية المدمرة للوطن، وهذه هي سلسلة العمل الاستخباراتي الذي تقوم به سفارات إيران من خلال ملحقها الثقافي، ويتقوى نشاطه ويزداد لما تكون العلاقات هادئة وطبيعية بين الدولتين، فلا شيء يراهن عليه الحرس الثوري في بداية تشكيل خلايا شيعية تابعة لـ”الولي الفقيه” في بلد ما، مثل أن يجري العمل في صمت ولا يثار عليه أدنى غبار، فالفوضى هي الهدف وليس البداية ولا الوسيلة لمرحلة معينة في تنفيذ الأجندة الإيرانية.
أولاً: خلايا إيران في دول الخليج العرب
أنشطة إيران الضارة بالأمن القومي العربي اتخذت أشكالاً عملية فعلية على أراضي دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك ما أبرزته الوقائع الكثيرة التي أعلنت عنها دول المجلس وألقت بمسؤوليتها على إيران، وهناك عشرات الحوادث في السنوات الأخيرة التي أعلنت دول مجلس التعاون عن تورط إيراني صريح فيها لزعزعة أمنها الداخل وتورط عناصر إيرانية في خلايا وشبكات تجسس وعنف لمصلحة إيران([4]).
تُعرف (الخلايا النائمة) بأنها الخلايا أو المجموعات المنظمة التي تعمل في الخفاء، وتـُستخدم من قبل الجهات المنتمية إليها أو التي تدين لها بالولاء الفكري أو العقائدي أو الأيديولوجي للقيام بمهام محددة داخل المجتمع الذي تعيش فيه، ومن المتعارف عليه أن مهام الخلايا النائمة تتجسد في أمرين: إما التجسس، وذلك بغرض جمع المعلومات، سواء العسكرية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها لصالح الجهة المنتمية إليها، أو القيام بأعمال تخريبية كـ(نشر الفتن، ممارسة العنف، زعزعة الأمن والاستقرار، تكوين ميليشيات مسلحة والإضرار بالاقتصاد الوطني.. الخ) لصالح الجهة نفسها الخلايا النائمة شديدة الخطورة، إذ ترتبط بمفهوم (الطابور الخامس) وهي أشد فتكاً من القوات العسكرية النظامية، لأنها تمثل قوات سرية متخفية بملابس مدنية، كما أنه من الصعب معرفة عددها وعدتها وطرق تمويلها. والمتتبع الجيد لملف الخلايا الإيرانية في منطقة الخليج العربي، يُلاحظ أنها بمثابة خط دفاع رئيسي لإيران في مواجهة أي مخاطر أمريكية-إسرائيلية محتملة ضدها بسبب برنامجها النووي، فهي أداة من أدوات إيران الرئيسية في إدارة الصراع الإقليمي بمنطقة الخليج العربية، إذ تعتمد عليها طهران أكثر من أي مؤسسة نظامية أخرى في المنطقة لنشر أفكارها الثورية، واستخدامها ورقة ضغط في حال الهجوم العسكري عليها أو في حال التفكير بالهجوم عليها، وبالتالي لا يمكن الاستغراب أو التعجب من المكانة التي تحتلها هذه الخلايا والدعم المقدم لها، فإيران لا تقدم كل أنواع الدعم لهذه الخلايا فقط، بل تسعى إلى زيادة أعدادها، وتطويرها بما يتماشى ومتطلبات الظروف الحالية، إذ أوكلت ملف الخلايا بمنطقة الخليج العربية للحرس الثوري الإيراني([5]).
لا توجد رواية أصدق من شهادة الدبلوماسي، والقنصل الإيراني -المنشق- عادل الأسدي، حين كشف «للعربية نت»، عن تفاصيل تجنيد، وتدريب مواطنين من دول خليجية في إيران، وأن معظمهم من الشيعة، ويشكلون خلايا نائمة في بلدانهم، وتتصل بهم؛ ليأتوا إلى إيران، ويخضعون لتدريبات عسكرية، وأمنية، ثم بعد ذلك يرجعون إلى بلدانهم في وضع جاهز؛ لتنفيذ ما تأمرهم به إيران، إلى أن قال: «الخلايا النائمة كثيرة جدًا، وعملهم -الآن- يتركز على نقل أخبار، وأمور أخرى للحكومة الإيرانية، وستستيقظ الخلايا وفق حاجة الحكومة الإيرانية».([6])
المملكة العربية السعودية:
لإيران استراتيجية واضحة المعالم، وهي التدخل النشط في الجوار، وهي استراتيجية يمكن لأي عاقل أن يراها بوضوح، وتعتمد على مستويين، وهما متداخلان؛ الأول (الهجوم المكثف من كل صوب على المملكة العربية السعودية) لأنها الأكبر، ولأن أي نجاح في خلخلة موقفها، يعني سقوط دول الخليج الأخرى في حضن إيران كثمرة يانعة، أما المستوى الآخر فهو بناء شبكة من الموالين في دول الخليج الأصغر، بطرق تناسب الوضع الداخلي لكل دولة، مع إظهار (الكلام الناعم لبعضها).. هذه الاستراتيجية من مستويين هي المطبقة الآن والسائرة في طريقها مهما اختلفت القيادات في طهران، هي استراتيجية نابعة مما يراه صاحب القرار في طهران أنها تحقق أولاً (حماية لنظامه) وثانياً (أنها ناجحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان) وتؤتي أُكُلها، من خلال عملاء، لا يستحون من إعلان ولائهم خارج أوطانهم، وضد مصالح شعوبهم، فلماذا لا تعمم؟ وهي معتمدة على ما يمكن أن يسمى ضرب الفخار ببعضه (أي حرب العرب بالعرب)!([7])
وخلال فترة وجيزة من التقارب الإيراني السعودي، خاصة على الصعيد الأمني، برزت أهمية الاتفاق الأمني الإيراني السعودي الذي وقعه رسميًا وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز مع نظيره الإيراني عبدالواحد موسوي لاري في طهران 16 أبريل 2001م بعد مشاورات مطولة وزيارات متبادلة بين المسؤولين الأمنيين في كلا البلدين استمرت لمدة عامين- بوصفه أساسًا لعلاقات حسن الجوار ومحو مصطلح تصدير الثورة من القاموس الثوري الإيراني في عهد محمد خاتمي والحكومة الإصلاحية التي اختزلت بالفعل نصف الطريق نحو النفاذ إلى باقي الأبواب الخليجية بحكم ما تمتلكه الرياض من نفوذ وكلمة مسموعة في مجلس التعاون الخليجي.([8]) إلا أن عادل الأسدي، الدبلوماسي الإيراني المنشق عن وزارة الخارجية الإيرانية عام 2007 والذي كان يعمل حينها قنصلاً بدرجة سفير لإيران في دبي قال: “ما حدث في مراسم الحج عام 1987 أن الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية خططوا لاحتلال الكعبة، وأغلب من أرسلوهم للحج في ذلك العام كانوا من منتسبي الحرس وأجهزة الاستخبارات، لكن يقظة قوى الأمن السعودية وتحركهم بالوقت المناسب أحبط تلك المؤامرة الدنيئة. وبكل الأحوال توترت العلاقات بين إيران والسعودية حينها إلى درجة أن آية الله منتظري (نائب الخميني آنذاك) احتج على الحكومة الإيرانية بوقتها”.([9])
ومؤخرا لم تكن السعودية بالطبع بمنأى عن تلك الشبكات التي تنتشر في الخليج العربي بصورة خاصة، ففي 19 مارس 2013، أعلنت السعودية إلقاء القبض على شبكة تجسس مكونة من 18 شخصًا، من بينهم 16 سعوديًا شيعيًا وإيراني ولبناني، كانوا على علاقة مباشرة بأجهزة الاستخبارات الإيرانية، بهدف جمع معلومات عن منشآت حيوية. وأوضحت حينها الأجهزة السعودية أن تلك الخلية احتوت على شخصيات شغلت مناصب مرموقة في المجال الاقتصادي والمالي والأكاديمي، وانتهت تلك القضية بأحكام حكم فيها على 15 متهمًا بالسجن مُددًا تتراوح بين ستة أشهر و25 عامًا([10]).
الإمارات العربية المتحدة
في منتصف يناير 2012 أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات، حكمًا بالسجن سبع سنوات على المتهم سالم موسى فيروز خميس، إماراتي الجنسية اعترف بتجسسه لصالح دولة أجنبية. وأكدت دولة الإمارات حينها أن المتهم تخابر مع ضباط استخبارات في قنصلية لإحدى الدول الأجنبية، يعملون تحت اسم وظائف قنصلية مختلفة([11])، كما أعلنت السلطات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة عن خلية تجسس إيرانية مكونة من شاب وامرأة حاولا إمداد الجهات الاستخباراتية الإيرانية بمعلومات عسكرية تضر الأمن القومي الإماراتي. وأفادت وكالة الأنباء الإماراتية “وام” أن محكمة استئناف أبوظبي الاتحادية أصدرت أحكاماً في 6 قضايا أمنية، مدان فيها 13 متهمًا، وأصدرت عليهم أحكامًا تراوحت بالحبس لمدة 18 شهرًا والسجن 15 عامًا، وغرامات مالية تتراوح بين 6 آلاف درهم ومليون درهم، مع إلزامهم بدفع المصاريف القضائية والإبعاد عن الدولة، بعد تنفيذ العقوبة المقضي بها، كما اتهمت نيابة أمن الدولة خليجي الجنسية، سعى لدى دولة أجنبية وهى “إيران” بأن عرض إمدادها بمعلومات عسكرية خاصة بجهة عمله من شأنها الإضرار بمركز الدولة العسكري. أما المتهمة الثانية فقد اشتركت بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في السعي لدى دولة أجنبية “إيران” بأن اتفقت معه على مقابلة الملحق العسكري في السفارة الإيرانية بأبوظبي، لتسهيل لقاء المتهم الأول به لعرض ما لديه من معلومات عسكرية، والتخابر مع إيران ([12]).
وذكرت وسائل إعلام إماراتية من بينها جريدتا البيان والاتحاد، أن السلطات أمرت بمصادرة الأوراق ومحتويات المعلومات ووسائل الاتصال التي تحوي المعلومات موضوع القضية، وبإلزامهما بالمصاريف القضائية، وذلك عن تهمة مد سفارة دولة أجنبية بمعلومات عسكرية خاصة من شأنها الإضرار بمركز الدولة العسكري، وحكمت المحكمة بسجن المتهم الخليجي لمدة 15 سنة، وسجن المتهمة الثانية عربية الجنسية لمدة 10 سنوات وإبعادها عن الدولة بعد تنفيذ العقوبة المقضي بها، ما يعنى أن المتهمة غير إيرانية.
دولة الكويت
لا تخفي إيران عداءها الواضح لمحيطها في إطار مخططاتها التوسعية وأحلام الإمبراطورية الفارسية التي تصبو إليها، وقد حاولت من خلال شبكات التجسس وحلفائها وأذرعها في المنطقة أن تنفذ إلى العمق العربي وتصدر أفكارها وإرهابها إليه بقصد إشاعة الفوضى وإرباك المنطقة، وقد حظيت الكويت بنصيب كبير من تلك التدخلات الإيرانية، فرغم قِدَم العلاقات بين البلدين واعتراف طهران باستقلال الكويت ضمن أوائل الدول المعترفة بها، إلا أن تلك العلاقات دائماً ما كانت تشوبها فترات توتر ناتجة عن العديد من الأزمات التي دارت رحاها بين البلدين، على رأسها شبكات التجسس التي تزرعها إيران داخل الكويت، والتي تأتي في ظل التآمر الإيراني الممتد على البلاد، الذي شهد العديد من المحطات الرئيسية طيلة العقود الماضية، إضافة لعمليات ومحاولات إرهابية مدعومة من طهران. ويغلف الحذر الدائم العلاقات بين الكويت وطهران في ضوء سياسات الجانب الإيراني التي تشكل خطرًا على أمن الخليج والمنطقة، وتحركاته المختلفة التي أوجبت ذلك الحذر الذي تعززه العديد من المواقف التي تكشف بوضوح تام عن ضلوع طهران في التآمر على الكويت، وهو ما كشفته شبكات التجسس الإيرانية التي تم الكشف عنها في الكويت والعمليات الإرهابية المدعومة من إيران وحلفائها وأذرعها المختلفة([13]).
ما إن صدر حكم نهائي في الكويت، ضد مجموعة ثبت باليقين القاطع أنهم أعدوا عدتهم بالاتفاق مع «حزب الله»، وفي اجتماعات، تم بعضها برعاية السفارة الإيرانية، حتى طرحت الأسئلة الكثيرة في هذا المقام، أحدها ماذا يجعل من (النموذج الإيراني) (جاذباً أو يستهوي) بعض أبناء الخليج؟ ماذا يغري مواطن كويتي أو خليجي كي ينجذب إلى النموذج الإيراني؟
لا يمكن القول: إن المواطن الخليجي (يعيش في دعة وخالٍ من المنغصات)، ولكن بالنسبة لأي عاقل، فإن الوضع لديه بالمقارنة من حيث الحريات النسبية، ومن حيث توافر سبل المعيشة العامة، وبل وحتى حرية المعتقد، والوضع الاقتصادي العام، بل والأمن الشخصي، هي أفضل بكل المقاييس مما يعانيه المواطن الإيراني، الذي يقدِّم أبناءه للحروب أو تتدهور الحالة المعيشية لديه، وأكثر من ذلك التضييق على الحريات حتى عدّ الأنفاس على المواطنين، هذا من جانب، أما الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية أن الشيعي الخليجي (في الغالب عربي) وحتى منهم من أصول إيرانية (أصبحوا ذوي ثقافة عربية وذابوا فيها، وقدموا إسهامات مشهودة لتنمية أوطانهم)، هؤلاء جميعهم (أعراب) لدى النظام الإيراني، (حفاة وأكلة جراد)! والنموذج الإيراني عبر «حزب الله» اللبناني – الإيراني، المراد منه (إيرانياً) إصابة النسيج الاجتماعي في دول الخليج بالعطب، وانحسار سلطة الدولة، وجلب الشقاق بين مكونات المجتمع، ودفع البعض إلى (التعاطف) مع القلة، تمهيداً لتوسع الشقة بين المواطنين، ومن ثم انتشار النفوذ الإيراني، والسيطرة على الدولة من الداخل، يعد ذلك بمثابة إعلان حرب، ومن الأوفق مقاربة قضية «حزب الله» (خلية العبدلي) الكويتية، ليس كونها كويتية محلية، بل هي قضية خليجية، وعربية، وقضية أمن وطني، تستحق التفكير العميق للتخفيف من أضرارها عن طريق فهم واضح للأهداف الإيرانية([14]).
رغم اعتراف الكويت بالنظام الإيراني الجديد في بداية الثورة الإيرانية، إلا أن العلاقات الحذرة أخذت شكل التوتر والهبوط بين البلدين، لاسيما عقب استهداف طهران «حقل أم العيش» في الكويت بصاروخ، ما دفع إلى توتر العلاقات بين البلدين إلى أن وصلت لأدنى مستوياتها، وما عزز من اشتعال الأوضاع بين البلدين ضلوع إيران في العام 1985 في مؤامرة كبرى هدفت لاغتيال أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح، في خطٍ متوازٍ مع تفجيرات شهدتها الكويت خلال تلك الفترة كانت أصابع الاتهام فيها تشير إلى تورط إيران، من بينها التفجيرات التي شهدها شهر ديسمبر من العام 1983 (تفجيرات السفارة الفرنسية والأمريكية ومطار الكويت) واتهمت تنظيمات لبنانية مدعومة من طهران بعد ذلك بارتكابها، إضافة إلى حادثة وقعت في العام 1988، وهي حادثة اختطاف طائرة الجابرية وأيضًا الاعتداء على ناقلات نفط كويتية في مياه الخليج، وجميعها حوادث كانت تشير أصابع الاتهام فيها لتورط طهران بارتكابها في إطار محاولاتها المستميتة لزعزعة أمن واستقرار دول الخليج العربي. وفي العام 2011 أقدمت الكويت على طرد دبلوماسيين إيرانيين بتهمة التورط في قضية تجسس. جاءت شبكة التجسس الإيرانية في إطار التدخلات الإيرانية والخلايا التي سعت طهران إلى زرعها في دول المنطقة لتحقيق أهدافها التوسعية والتمهيد لمشروعها، وشهدت تلك الفترة تصاعد أزمة «الجرف القاري» المرتبطة بالحدود البحرية بين البلدين([15]).
وما حدث مؤخراً في كل من البحرين والكويت، حيث الكشف في الأولى عن تورط وزير دولة وآخرين من الشخصيات المهمة التي تعتلي مراكز عليا في المملكة في تهمة غسل أموال تقدر قيمتها بحوالي 32 مليون دولار لصالح الحرس الثوري الإيراني، وفي الكويت عن خلية تضم ستة عسكريين كويتيين في وزارة الدفاع، وعسكريين اثنين من فئة البدون، بالإضافة إلى لبنانيين اثنين ما زالا هاربين مشاركين في شبكة التجسس العاملة لمصلحة الحرس الثوري الإيراني بقصد رصد المنشآت الحيوية والعسكرية الكويتية، ومواقع وجود القوات الأمريكية في البلاد، أضف إلى ذلك التدخل الإيراني الواضح في الانتخابات الأخيرة التي جرت في الكويت، حيث مساعي الوساطة لتوحيد الطائفة الشيعية وحل الخلافات الداخلية.
وينظر بعض المراقبين إلى هذا الأمر باعتباره عملية وضع يد إيرانية على شيعة الكويت في مواجهة مساعي السلطة لاحتوائهم وتقريبهم منها.
وتحمل الواقعتان دلالات عدة على تجديد الخلايا الإيرانية لمهامها في دول الخليج العربية، فخليتا البحرين والكويت وما تحتويهما من شخصيات ذات مراكز عليا، فمنهم وزير دولة، وعسكريون وغيرهم، تكشفان قدرة إيران على اختراق خلاياها الصفوف الأولى في دول الخليج العربية، كما أن توقيت كشفهما يقودنا إلى استنتاج علينا وضعه في الحسبان، وهو أن إيران من الممكن أن يكون لها دور في كشف الخليتين كنوع من جرس الإنذار لكل دول الخليج في حال وافقت على ضرب إيران([16]).
وليست المرة الأولى التي تتمكن فيها الكويت من اكتشاف خلايا تجسس إيرانية، وإنما سبق أن اكتشفت خلايا تجسس إيرانية كثيرة، كان أولها في شهر مايو 2010، حيث نجحت الأجهزة الأمنية الكويتية في تفكيك شبكة تخابر وتجسس لمصلحة الحرس الثوري الإيراني، تعمل على رصد المنشآت الحيوية والعسكرية الكويتية، ومواقع القوات الأمريكية في البلاد، وأن 7 أشخاص على الأقل اعتقلوا في حين نجح ستة أو سبعة آخرون في الهرب، وتكرر ذات الأمر أيضًا في سبتمبر 2012، حيث تمكنت أجهزة الأمن الكويتية من تفكيك خلية تجسس إيرانية أخرى، في إحدى الحسينيات في منطقة بنيدالقار، وتم إلقاء القبض على أكبر تشكيل جاسوسي عرفته الكويت، وعدد أعضائه 39 من ضباط الحرس الثوري الإيراني، و58 آخرون من رتب مختلفة، إضافة إلى ضبط أجهزة تنصت وتجسس عالية الجودة، مع أجهزة كمبيوتر محمولة (لاب توب) للتواصل مع الاستخبارات الإيرانية، وعدد كبير من الأسلحة والقنابل العنقودية في السرداب. وفي عام 2013 أعلنت حكومة الكويت أن شبكات التجسس الإيرانية، قامت بتصوير المنشآت العسكرية الكويتية والأمريكية، وسلمتها إلى الأجهزة العسكرية والأمنية الإيرانية، واستدعت الحكومة سفيرها من طهران، وكشفت أن شبكة التجسس زرعت أعضاءها في المؤسسة العسكرية وتحديدا الجيش، حيث وصلوا إلى معلومات دقيقة في الحاسب الآلي.([17])
مملكة البحرين
رغم أن الأحزاب الشيعية الكبرى في البحرين لا تمتلك ميليشيات عسكرية، كما هي الحال في لبنان والعراق، فإنها تحرك الشارع السياسي هناك من خلال المظاهرات والمسيرات وإثارة الرأي العام المدعوم من إيران كما حدث في العامين 2011 و2012م.([18])
وكانت البحرين قد أعلنت في 12 أبريل 2011، عن محاكمة إيرانييْن وبحريني، كانا يعملان مع الحرس الثوري الإيراني، بقصد الإضرار بمركز الدولة الحربي والسياسي والاقتصادي وبالمصالح القومية، فيما تكرر الأمر في 27 مايو 2012، حيث أصدرت محكمة بحرينية حكما بالسجن 15 عامًا على ستة أشخاص لإدانتهم بالتخابر لصالح إيران، وكانوا على اتصال مع الحرس الثوري الإيراني ومليشيات الباسيج.([19])
وعلى خلفية هذا التدخل الإيراني في الشأن البحريني، استدعت المنامة سفيرها من طهران كما طلبت وزارة الخارجية البحرينية من حاج الله رحماني السكرتير الثاني في سفارة إيران بالبحرين مغادرة البلاد خلال 72 ساعة لانتمائه إلى شبكة تجسس إيرانية في البلاد. وفي مايو 2013 أعلن وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، ضبط طائرة إيرانية من دون طيار لغرض التجسس في مياه الخليج بين بلاده والسعودية، وكشف حينها عن تكرار ضبط متفجرات يتم تهريبها من إيران إلى بلاده، حيث تم حينها إحباط أربعة مخطّطات الإرهابية، منها شحنة أسلحة عبر البحر آتية من العراق، إضافة إلى إحباط محاولة تهريب مطلوبين إلى إيران([20]).
سلطنة عمان
العلاقات العمانية – الإيرانية لم تتأثر عقب وصول الثورة الإسلامية إلى الحكم في إيران، على العكس من غيرها من البلدان الخليجية والعربية على وجه التحديد، فبعد القضاء على الثورة الاشتراكية الشيوعية في جنوب عمان بمساعدة إيران ودول أخرى، والقضاء على المشروع السياسي/ الديني الإباضي في الداخل بمساعدة الإنجليز، ظهر المد السعودي في منطقة الخليج العربي، وهو ما شكّل خطراً مباشراً بات يؤرق السلطة السياسية في عُمان، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التقارب العماني – الإيراني، وظلت العلاقة بينهما قوية ومتينة، لمنع أي نقطة ينفذ منها الإسلام الوهابي ([21]).
وكانت عُمان تنظر إلى الرغبة الإيرانية في مد النفوذ الشيعي أقل خطرًا عليها؛ فكلتا الدولتين كانت بحاجة إلى دعم الأخرى وبناء علاقة حسن جوار معها للأبعاد التي من المحتمل أن تفرزها الرغبة السعودية في التوسع، حينذاك، وبغض النظر عن اختلاف الأنظمة القائمة، ومهما كان الجدل حول هذه النظرة، فإن النظام الحاكم في عُمان كان ينظر، خلال سنوات قليلة مضت، إلى أن وحدة التراب العماني باعتبارها مهددة من الجنوب بالتدخل العدني والتأييد العربي لمتمردي ظفار.
وكانت إيران آنذاك هي الطرف الوحيد الذي لم يُظهر وجود أي أطماع إقليمية له، وإنما أقدم على المساعدة ماديًا ومعنويًا. وفي الآونة الأخيرة، وحين فرض الحصار الاقتصادي على طهران بسبب برنامجها النووي، كانت مسقط تقوم بدور الوسيط بين إيران والغرب، واستضافت مسقط اجتماعات سرية بين دبلوماسيين وقادة أمنيين من كلا الطرفين، منذ العام ٢٠١١م([22]).
اليمن
لأن حكومة إيران بارعة في استغلال الأزمات وليس فقط صنعها، حاولت طهران استغلال تدهور الأوضاع الأمنية في عدة دول عربية مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وذلك من خلال بث أكبر قدر من جواسيسها في المنطقة، حتى أعلنت أكثر من دولة عربية ضبط خلايا تجسس إيرانية على أراضيها، وتم تقديم عناصر تلك الخلايا للمحاكمات وسط صمت رسمي إيراني.
في يوليو 2012 خاطب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الإيرانيين قائلاً: «اتركوا اليمن وشأنه»، جاء ذلك بعد أن أوقفت قوات الأمن اليمنية ست خلايا تجسس إيرانية مرتبطة بمركز قيادة ويشرف عليها ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني، معني بالإشراف على عمليات الخلايا في اليمن والقرن الأفريقي، وأكد الرئيس اليمني خلال محاضرة ألقاها في الولايات المتحدة إنه «تم الكشف عن خمس شبكات تجسس تعمل لصالح إيران وتمت إحالتها سابقًا إلى القضاء»، ثم تم الكشف عن شبكة سادسة، وتم اتهام إيران بدعم التمرد الحوثي الطائفي في شمال اليمن. حينها قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست، إن «طرح مثل هذه الادعاءات لن يحل مشكلات اليمن، وعلى المسؤولين في الحكومة اليمنية أن يسعوا لسماع صوت وطلبات الناس لتحقيق هذه الطلبات، فهذه الادعاءات ليست صحيحة». إلا أن وزارة الدفاع اليمنية أعلنت في موقعها الرسمي أنه تم الكشف عن خلية من الجواسيس الإيرانيين كانوا يستوردون أجهزة عسكرية إلى اليمن، ورغم أن وزارة الدفاع اليمنية لم تكشف حينها عن هويتهم، إلا أن التحقيقات أثبتت أنهم أعضاء في الحرس الثوري الإيراني. وادعى باراست، حينها أن أعضاء هذه الشبكة كانوا يقصدون تدشين مصنع في اليمن باعتبارهم مستثمرين إيرانيين، إلا أن حكومة هادي أكدت أن الأجهزة المستوردة إلى اليمن يمكن أن تستخدم في صنع الصواريخ والتسليحات الأخرى، وذلك لسد حاجات المتمردين الحوثيين في شمال البلاد([23]).
وفي حين تشير مصادر يمنية إلى أن خلايا التجسس الإيراني في اليمن بدأت أعمالها منذ الحرب الثانية في صعدة بين الحوثيين والحكومة اليمنية، تشير مصادر أخرى إلى أن نشاط التجسس الإيراني بدأ مبكرًا في اليمن منذ الثورة التي قادها آية الله الخميني، وأشارت إلى أن مراكز التجسس الإيراني منتشرة تحت لافتات مختلفة في اليمن كان على رأسها المركز الطبي الإيراني الذي تم إغلاقه في صنعاء، وهذه اللافتات لم تكن بعيدة عن أدوار السفارة الإيرانية في صنعاء. وكانت مصادر أمنية قد تحدثت عن اعتقال سوري في محافظة حضرموت وبحوزته مبالغ مالية كبيرة ووثائق وصفتها بالمهمة والخطيرة. كما أشارت تسريبات إعلامية إلى أن زعيم خلية التجسس الإيرانية التي أعلن عن كشفها في يوليو 2012م- يحمل الجنسية العراقية وأنه عميل للحرس الثوري الإيراني، ويعمل مهندسًا في إحدى الشركات النفطية الأجنبية في اليمن، كما لم تكن بيروت بعيدة عن هذا الحلف الشيطاني، حيث نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مسؤول يمني رفيع المستوى أن هناك تنسيقًا بين الفصيل المسلح الذي يقوده قيادي في الحراك الجنوبي والحوثيين لتجنيد الشباب وإرسالهم إلى بيروت، حيث يتلقون تدريبات قتالية في معسكرات تتبع حزب الله اللبناني([24]).
ثانيا: خلايا إيران في العراق والشام
يقول مراقبون إن حلف إيران في المنطقة يحاول القصاص من الأردن بسبب مواقفه الرافضة لخلق محاور إقليمية أو إعادة تقسيم المنطقة وفقًا لاعتبارات طائفية، خاصة أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كان أول مَن حذر في 2004م من الهلال الشيعي الذي تعمل إيران على تحويله إلى أمر واقع([25]).
بينما يقول المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “CIA” الجنرال ديفيد بترايوس: “إن خلايا مدعومة من إيران موجودة الآن في الأراضي العراقية، وتسعى للمنافسة بقوة على السلطة بعد هزيمة “داعش”، وأكد بترايوس، في الجلسة الأولى لـ”حوار المنامة”، أن الأمريكيين ملتزمون بدعم العراقيين وإعادة إعمار بلدهم. وفي ذات الشأن، قال الجنرال: إن إيران تحاول “لبننة” العراق وسوريا وتسعى إلى تشكيل هلال شيعي بين هذه الدول، يضمن لها سهولة الحركة في المنطقة. وفي العراق أيضًا، تحدث الجنرال بترايوس عن ضرورة دمج الفصائل العسكرية ضمن القوى العسكرية الرسمية، وألا تكون مليشيا مستقلة. وأضاف “هذه قضية في منتهى الحساسية ولابد من التصرف بسرعة”، في إشارة إلى الحشد الشعبي.([26])
العراق:
قامت إيران باتباع سياسة خارجية توصلت من خلالها إلى مد نفوذها داخل العراق، وكان من أبرز مقررات هذه السياسة، تطوير العلاقات الإيرانية مع القيادات الدينية العراقية والتغلغل الأمني في الأوساط العراقية الرسمية والشعبية التي تشمل تكوين خلايا أمنية تجسسية شكلتها داخل تكوينات المليشيات العراقية التي جاء معظمها من إيران، مثل قوات بدر التي جرى زرعها داخل المؤسسات والمدن العراقية، ثم فتح مراكز الاستخبارات الإيرانية في أغلب المدن العراقية وإدارتها من قبل عناصر فيلق القدس الإيراني.([27])
كان ائتلاف القوى السنية العراقية قد كشف مؤخرًا النقاب عن المؤسسات الاستخباراتية الإيرانية التي تعمل في العراق بشكل سري وعلني، طارحًا جملة من المعلومات عنها من خلال قائمة ضمت أسماء نحو 36 مؤسسة إيرانية. وأكد خلال المعلومات التي أعلنها أن “قاسم سليماني” – قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني – أصبح الحاكم الفعلي للعراق، من خلال تلك المؤسسات التي تُقدم تحت صيغ وعناوين مختلفة اجتماعية وثقافية وخيرية، في حين تلتقي جميعها في العمل تحت راية الملالي. وقد بدأت في العمل منذ عام 2003، بعدما استطاع نظام الملالي في قم وطهران افتتاح أعداد كبيرة جدًا من مؤسسات ومنظمات تُقدم على المستوى الظاهري خدمات إلى العوائل المحتاجة والبسيطة في عدد من مدن العراق، لكنها مرتبطة في الحقيقة بالمخابرات الإيرانية ومكاتب الملالي، وجميعها تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية في العراق.([28])
سوريا
إن الدافع الذي يحفّز تدخل وكلاء إيران الشيعة في سوريا هو الخوف من أن تؤدّي الإطاحة بنظام الأسد إلى تهديد وجودي للمذهب الشيعي، وهو خوف تشجّع عليه طهران. تبني إيران شبكات اجتماعية ودينية تتمحور حول المذهب الشيعي وتدعم الثيوقراطية الإيرانية. من خلال الدعم التقني والاستخدام المتطور للدعاية السياسية، تعمل إيران على تضخيم صوت وكلائها. وجماعياً يتيح هؤلاء الوكلاء المجال لطهران للتحايل على السلطات المحلية والوطنية وتشكيل الحكومات في نهاية المطاف، وتسوية النزاعات، وبالتالي التحكّم بالسياسات.
يزعج هذا الأمر الجهات الفاعلة السياسية المحلية، لكن في الدول التي دمَّرتها الحرب، غالباً ما يكون منافسو إيران على درجة كبيرة من الضعف بحيث لا يستطيعون مواجهة خططها وشبكات اتصالاتها على الأرض، وخلافاً للدور المتناوب الخجول للمسؤولين الأمريكيين والقادة العسكريين، فإنّ الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، ورجاله، يتمتعون بالكثير من الاستقلالية والانخراط المديد في المنطقة. يقود سليماني فيلق القدس منذ العام 1998، وقد استثمر، هو ومعاونوه، عقوداً من الزمن والجهد في تطوير العلاقات مع الجماعات المسلحة والأحزاب السياسية من جميع الأطياف في جميع أنحاء المنطقة.([29])
الأردن
تنظر إيران إلى الأردن كونه «منطقة وادي اليابس» التي من خلالها تسعى لتحقيق حلمها بأن تصبح مركز الإمبراطورية الموعودة بحسب مفاهيم «الثورة» الإيرانية، ومن هنا نجد محاولات إيران المتكررة في إيجاد موطئ قدم للقوة العسكرية لها على امتداد الجغرافيا الأردنية وإصرارها على اختراق الأمن الأردني.([30])
وقد قالت مصادر أردنية إنّ الجهود الإيرانية الهادفة إلى ضرب الاستقرار في الأردن لم تتوقف يومًا منذ اعتلاء عبدالله الثاني العرش خلفًا لوالده، وأوضحت أن النظام الإيراني نظر منذ البداية إلى عبدالله على أنّه ملك ضعيف وأن هناك فرصة أمام طهران لبسط نفوذها في الأردن. وأشارت إلى أن النظام في إيران لم يكتشف إلّا متأخرًا أنّ شيئًا لم يتغيّر في الأردن وأنّ الملك الجديد لا يقلّ صلابة وحزمًا عن والده، بل هو أشدّ حزما منه([31]). ورغم الزيارات الثنائية بين المسؤولين الأردنيين وممثلي وزارة الخارجية الإيرانية. اكتشفت سلطة المخابرات الأردنية الفرص المتنامية لتشكيل خلايا نائمة سورية من المرجح أن تكون أسندت إليها مهام محددة من قِبَل إيران في الأردن وهذا يشكل تهديدًا للأمن الأردني، ولاشك أن ما يُدعى بالخلايا النائمة تستعد لشن عمليات انتقامية ضد السوريين الذين لا تريد إيران والنظام السوري عودتهم لسوريا، بالإضافة إلى ذلك، سوف يتم وضع هذه الخلايا النائمة للهجوم على المصالح الأردنية التي تعارض دور إيران المستمر في مذبحة الشعب السوري([32]).
وكشفت مصادر أردنية أنّ المحاولة الأولى لزعزعة الاستقرار في الأردن كانت عن طريق “حزب الله” الذي أرسل عام 2001 عناصر إلى عمّان للقيام بعمليات تخريبية، لكن السلطات الأردنية اعتقلت أعضاء المجموعة، وما لبثت أن أطلقت سراحهم لاحقًا بعد وساطة قام بها رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري للملك عبدالله الثاني، وكانت الحجة التي استخدمها “حزب الله” لتبرير إرسال مجموعة تهرّب أسلحة ومتفجرات إلى الأردن أن الهدف النهائي كان التسلل إلى الضفة الغربية وليس القيام بعمليات في الأراضي الأردنية.
كذلك، كشفت المصادر نفسها أنّ التوتر في العلاقة الأردنية الإيرانية والتخوف من عملية يقوم بها “حزب الله”، كانا وراء امتناع العاهل الأردني عن حضور القمة العربية في بيروت عام 2002 والتي أُقرّت فيها مبادرة السلام العربية. وربطت بين المحاولات الإيرانية للقيام بعمليات تخريبية في الأردن والوضع السوري. وقالت إن السنوات القليلة الماضية شهدت محاولات إيرانية عدّة لاختراق الأمن الأردني بغية تخفيف الضغط الداخلي على النظام السوري. وأشارت إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها إيران لتشجيع الربيع العربي في الأردن.
وساندت إيران علنا، عبر وسائل الإعلام المحسوبة عليها، المجموعات الإسلامية التي نزلت إلى الشارع على أمل أن تؤدي أي مشاكل في الأردن إلى التقليل من أهمّية ما تشهده سوريا من تطورات. وقال مسؤول أردني كبير إنّ بلاده تمتلك، منذ سنوات عدّة، أدلة واضحة على الدعم الإيراني للمحرّضين على النزول إلى الشارع في الأردن، ومن بين هذه الأدلة صورة عن شيك، بمبلغ كبير، تسلّمته إحدى الشخصيات الأردنية المعروفة التي انتقلت من تأييد النظام العراقي في عهد صدّام حسين إلى دعم القوى الإسلامية وتلك المحسوبة على إيران بعد التغيير الذي حصل في العراق في العام 2003م.([33])
ثالثًا: خلايا إيران في مصر ودول المغرب العربي
منذ قيام ثورتها عام 1979، دأبت إيران على خلق حاضنة لنشر مذهبها غرب وشمال إفريقيا، من خلال استراتيجية متعددة المحاور، سياسية واقتصادية وثقافية ودينية.
من الجدير بالذكر أنه يوجد بشمال طهران مبنى صغير، حيث تعمل وحدة تابعة لمكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي. تحمل هذه الوحدة اسم “كتامة”، وفي هذا المبنى يعنون اسم منطقة في المغرب يعدها مؤرخو الشيعة أقدم قاعدة لنشر التشيع في شمال إفريقيا تاريخياً، حيث سكن فيها أبو عبد الله الشيعي أحد دعاة الإسماعيلية، وعمل منها على نشر المذهب الإسماعيلي الشيعي ويعمل موظفو وحدة “كتامة” على الرغم من أنهم ليسوا إسماعيليين، بدأب على إعداد خطط تحت إشراف مكتب المرشد العام لنشر التشيع الاثنا عشري الجعفري في المغرب العربي. وتتضمن هذه الخطط الدعم المعنوي والمادي لشبكات تشييع منتشرة في المغرب العربي وتكثيف النشاط التبشيري عبر أوروبا حيث تستهدف الجاليات المغاربية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا. لكن يبدو أن وحدة “كتامة” غيرت من خططها والتي كانت تركز على نشر التشيع في شمال إفريقيا عبر أوروبا أو الخليج العربي. وأن الخطة الجديدة ستبدأ من مصر بعد استكشاف إمكانية العمل من القاهرة، في ظل التغيرات الجديدة في مصر.([34])
مصر
ارتفعت المواجهة المكشوفة بين مصر وحزب الله درجة أخرى، بعد أن أعلن النائب المصري العام بأنه ينظر في رفع لائحة اتهام ضد حسن نصر الله بشبهة تفعيل خلايا إرهابية في مصر والتحريض ضد الدولة. والنية هي لمحاكمة نصر الله في محكمة مصرية غيابيا وجعله بهذا مخربا مطلوبا إذا ما أدين وسيكون بوسع مصر المطالبة بتسليمه أو مطاردته بنفسها. وإذا ما رفعت لائحة اتهام ستكون هذه خطوة استثنائية تتخذها دولة عربية ضد رئيس منظمة مشارك في قيادة دولة أخرى. ولا تكف السلطات المصرية عن تقديم المزيد من التفاصيل عن قضية شبكة الإرهاب والاستخبارات التي استخدمها حزب الله في أراضيها. ونقلت صحيفة “الجريدة” الكويتية عن مصادر في القاهرة قولها أمس (الأحد) إن نصر الله ليس الوحيد الذي أشرف على الخلايا عن كثب، بل إن الإيرانيين كانوا ضالعين في تفعيلها. ومن الجدير بالذكر أن مصر، مثل السعودية، غير راضية على الإطلاق من المكانة المتعززة لإيران وقد انتشرت ردود عربية على القضية تدين معظمها بشدة “تطاول” حزب الله على دولة عربية. وكتب محرر الشرق الأوسط السعودي طارق الحميد إن “الخطر في بن نصر الله (على وزن بن لادن) وأمثاله هو أنهم يتطلعون إلى إسقاط حكومات وإقامة مناطق من الاضطرابات تخضع لإيران داخل أراضينا العربية، كي تصبح دولنا مثل لبنان، حيث لا يوجد أي خوف من النظام أو الدولة بشكل عام. إن الحديث عن قلق مصري من قيام حزب الله بإسقاط النظام هو حديث ينطوي على مبالغة كبيرة، ولكن لا ريب أن مصر ملت منذ زمن بعيد المنظمات التي تحاول لعب دور الدول – سواء كانت هذه حماس، حزب الله أو منظمة الإخوان المسلمين في مصر. وإذا كان ينبغي مساعدة الفلسطينيين فإن مصر ستفعل ذلك بنفسها، وعندما نشأت الحاجة فقد عرفت جيدا كيف تغض النظر عن تهريب السلاح والمواد الأخرى إلى القطاع أو التهريب من دول أخرى مثل السودان. المصلحة المركزية لمصر هي في سيطرتها التامة على سياق الأحداث دون السماح لأي جهة خارجية أن تجعلها مصدر انطلاق للعمليات الإرهابية، وبالنسبة لمصر، لا يدور الحديث فقط عن حماية السيادة أو الكرامة، بل يتعدى الأمر ذلك ليمس بالأمن القومي.([35])
تداول نشطاء تسريبًا منسوبًا للقيادي الشيعي الدكتور أحمد راسم النفيس، وهو يتحدث مع إحدى القيادات الشيعية في محافظة النجف بالعراق، عن كيفية نشر المذهب الشيعي في مصر وما يتطلبه ذلك من أموال، فيما اعتبر “النفيس” المكالمة أمرًا لا يشينه. وخلال المكالمة سأل القيادي الشيعي: هل وضع الشيعة في مصر أفضل أيام حسنى مبارك، أم الآن؟ فأجاب النفيس بأن هناك جوانب أفضل الآن، وهناك جوانب كانت أفضل أيام مبارك، لكن المشكلة أن الأوضاع حاليًا غير مستقرة، فقال له القيادي الشيعي: هل يكفي لك 2000 دولار شهريًا لتستقيل من العمل وتتفرغ لنشر هذا الفكر؟ فأجاب النفيس: نعم.([36])
تونس
لم يفت الشخصيات الإسلامية الكبيرة في تونس ما يحدث من نشاط شيعي. ففي الوقت الذي يبدو الشيخ راشد الغنوشي للكثيرين على أنه ضمن تيار الإخوان المسلمين وبالتالي فهو مقرب بل ضمن العاملين لصالح إيران، (وهو المقيم لسنوات على شاشات الفضائيات الممولة من طهران)، إلا أن الحقيقة أن الشيخ الغنوشي هو من أشرس أعداء مخطط “كتامة” الإيراني في شمال إفريقيا. وكان الغنوشي قد أشار إلى أن هناك تقارباً غير طبيعي بين النظامين الإيراني والتونسي السابق أيام بن علي، كما حذر من أن هناك بعض الرموز المحسوبة على التيار الشيعي في تونس تقوم بزيارات منتظمة إلى طهران، إلى جانب ذلك هناك تأكيدات بأن النظام التونسي يسمح بدخول العديد من الكتب الشيعية إلى البلاد، لاسيما في إطار معارض الكتاب، بينما يحظر كل الكتابات التي تحسب على تيار الاعتدال الإسلامي. لكن بعض الجمعيات الإسلامية والشخصيات القانونية لديها نشاطات تقف ضد التغلغل الشيعي في شمال أفريقيا، حيث دعا محام تونسي سلطات بلاده لرفض طلب تقدم به بعض الأفراد المتشيعين لوزير الداخلية للترخيص لهم في تكوين جمعية أسموها “جمعية المودة الثقافية الشيعية”. وعلل المحامي أحمد حسانة رفضه بأن الترخيص لهذه الجمعية سيتسبب في مخاطر على الأمن القومي التونسي.([37])
في المقابل شنت عناصر من الطبقة السياسية والفكرية حملة ضد التعاون الثنائي وانفتاح تونس نحو إيران خوفاً من امتداد “الفكر الصفوي”، وقد دعت بعض الأحزاب السياسية القريبة من المملكة العربية السعودية إلى مساءلة وزيرة السياحة ورئيس الحكومة تحت قبة البرلمان للكشف عن خفايا اتفاق التعاون السياحي بين تونس وإيران. وقد تضاعفت المخاوف من المد الشيعي بعد ثورة يناير 2011 بسبب خروج تجمعات الشيعة في تونس في بعض مناطق الجنوب من السرية إلى العلن بعد تنصيص الدستور التونسي الجديد 2014 على أهمية احترام الأقليات الدينية. وكانت قد صدرت في الذكرى الثانية للثورة في يناير 2013 “الصحوة التونسية” أول صحيفة للشيعة في تونس وهي صحيفة أسبوعية مستقلة جامعة شعارها “الحق أحق أن يتبع”. لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد الشيعة في تونس إلا أن المتشيعين منهم يعتبرون انتماءهم للفكر الشيعي مرجعه الدولة الفاطمية التي حكمت تونس وشمال أفريقيا في القرن التاسع الميلادي والتي كانت تعتمد هذا المذهب.([38])
الجزائر
كان لافتا في عام 2016 ما بدا من قلق جزائري من التمدد الشيعي، حين حذر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر من محاولات زعزعة وحدة المجتمع الجزائري وكان وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري قد صرح بأن تيارات تحاول اختراق المجتمع الجزائري مثل الطريقة الأحمدية والمذهب الشيعي، واشتكى من الغزو الطائفي في بلاده.([39])
وكان العثور على كتب ومطويات شيعية في بعض المساجد في الجزائر العاصمة تحت عنوان “أدعية طواف وسعي” وهي كتب فارسية تسعى إلى نشر المذهب الشيعي في أوساط المصلين، سببًا في حملة لطرد الملحق الثقافي بسفارة إيران بالجزائر أمير موسوي وحركها الكاتب والحقوقي الجزائري المقيم بفرنسا أنور مالك الذي أكد أن موسوي “تجاوز مهمته الدبلوماسية فصار ينسق سرياً مع متشيعين جزائريين ونظم رحلات عدة إلى طهران وحتى النجف” مؤكداً أنهم “التقوا في إيران برجال دين شيعة وعناصر من جهاز المخابرات الإيراني والحرس الثوري”. الأمر الذي اعتبره مالك بمثابة “صناعة للوبي شيعي وطائفة شيعية معترف بها في الجزائر” وهو ما يهدد بجدية الأمن القومي الجزائري. وقد كشف في السياق ذاته، زعيم تنظيم “الصحوة الحرة السلفية” غير المعتمد في الجزائر عبد الفتاح حمداش عن “وجود أكثر من 3 آلاف شيعي ايراني في الجزائر ينتشرون في مناطق عدة ويتزعمهم شيخ يسهر على تنظيم التجمعات الحسينية”. ثم ازدادت المخاوف الجزائرية من هذا التهديد إبان مشاركة وفد من الشيعة الجزائريين في الاحتفالات بأربعينية الإمام الحسين العام 2014 حيث رفع العلم الجزائري إبان هذه الاحتفالات في سماء كربلاء، الأمر الذي يؤكد مدى تمدد هذا التوجه في الجزائر خاصة في السنوات الأخيرة ([40]).
تمددت في الفترة الأخيرة ظاهرة التشيع لصالح “الولي الفقيه” الذي ترعاه إيران في الجزائر، في ظل تجاهل الحكومة الجزائرية التي مضت في توطيد علاقاتها مع طهران فوصل الأمر حد التعاون على مستويات عديدة منها الاقتصادي والثقافي والأمني. وقد نشطت السفارات الإيرانية في تصدير الثورة الخمينية من خلال الملحق الثقافي الذي يعمل على صناعة خلايا شيعية في الجزائر، حيث يتم تمويلها وتنظيم زيارات لعناصر منها نحو طهران وقم، وخلال هذه الزيارات يلتقون بالمخابرات الإيرانية ورجال الدين، وهناك يتم تدريبهم على خطة معينة لنشر التشيّع بين أبناء وطنهم. والشيء الذي لا يعرفه هؤلاء المتشيعون أن المخابرات الإيرانية لا تثق فيهم بل تحتمل أنهم مكلفون بمهمة مزدوجة ومضادة أو ربما يتمردون عليها لاحقًا، لذلك يتم توريطهم في علاقات نسائية سواء عبر المتعة أو غيرها، ويجري تصويرهم في غرفهم بالفنادق أو الشقق التي يتواجدون بها، ودائماً هي مجهزة بكاميرات سرية عالية الجودة والدقة وأجهزة متطورة تحتفظ بحركاتهم وهمساتهم، لذلك لم نسمع يوماً أن متشيّعاً زار إيران ثم عاد عن تشيّعه أو انتقدها في أدنى موقف. وتجدر الإشارة إلى أنه أثناء مرحلة الحرب الدامية التي عاشتها الجزائر في التسعينيات، حاولت إيران صناعة مليشيات إيرانية من خلال متشيعين جزائريين منهم المدعو محفوظ طاجين الذي تدرّب في معاقل تنظيم “حزب الله” في الضاحية الجنوبية بلبنان، والذي وصل لدرجة أمير وطني لما يسمى “الجماعة الإسلامية المسلحة” المعروفة اختصاراً بـ”الجيا”، وهو التنظيم الأكثر دموية في الجزائر، كما أنها حاولت أيضاً من خلال مجموعات من المسلحين في تنظيمات أخرى كتنظيم “الجبهة الإسلامية للجهاد في الجزائر” المعروف اختصاراً بـ”الفيدا”، والذي تخصص في تصفية المثقفين والإعلاميين والكوادر الجامعية، وقد نقلت عدداً منهم نحو طهران وتدربوا في ثكنات للحرس الثوري، وتوجد مجموعة أدانها القضاء الجزائري بعدما تمّ القبض عليهم وأكدوا في محاضر التحقيق ولدى محاكمتهم أنهم تدربوا في إيران. والهدف من التركيز على التشيّع الديني في تلك الفترة هو صناعة عدد كبير من المتشيّعين، وهذا هو رهان المخابرات الإيرانية في وقت شهد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وطهران، ولكن بعودة الدفء مع وصول الرئيس بوتفليقة لسدة الحكم، نشط مشروع التشيع وراح يتدرج، وفي 2015 تجاوز عدد الشيعة 5 آلاف متشيّع في أربعين ولاية، وهؤلاء حسب محاضر أمنية كانت تتابع هذا الملف وتعد عنه التقارير، ولكن من دون اتخاذ أي إجراءات ملموسة ضدهم؛ لأن الجهات المسؤولة لمّا يصلها التقرير تضعه في الأرشيف وتتفادى أي تحرك، فالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يرفض أي إجراء ضد إيران، وقد كان يراهن كثيراً على علاقات قوية مع طهران نكاية في دول خليجية كان يعمل عندها مستشاراً في سنوات المنفى الاختياري التي عاشها بعد رحيل الرئيس هواري بومدين في 1978/12/27، وأيضاً لمصالح وحسابات أخرى.([41])
المغرب
لعل المغرب كان الحالة الاستثنائية في المواجهة الحكومية الرسمية للتبشير الشيعي في المنطقة المغاربية، فما إن توفرت المعطيات التي تؤكد أن ثمة مسعى إيرانيًا لنشر التشيع بين الفقراء في المغرب عن طريق الاسترضاء المالي وبين الطبقات الأخرى عن طريق الزيجات المختلطة من مغربيات ومغاربة، حتى تحركت السلطات المغربية لإغلاق المدرسة الإيرانية وإلى قطع العلاقات مع إيران.([42])
وفى المغرب شدد علماء السنة على ضرورة الحذر من خطورة وحجم “حركة التشيع” في بلادهم، وأرجع عضو رابطة علماء المغرب عبدالباري الزمزمى، مصدر التشيع في المغرب إلى أوروبا، وتحديدًا بلجيكا، حيث يعيش آلاف المغاربة مع وجود الحرية المطلقة للحركة الشيعية. وأضاف الزمزمى أن السفارة الإيرانية، تقدم لعملائها المغاربة الذين يخدمون أجندة التشيع مكافآت مالية، وأيضًا لكل من تشيع من المغاربة، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الطلبة المغاربة الذين يذهبون إلى إيران من أجل الدراسة وتقدم لهم منحاً مادية للمضي في طريق التعلق بالمذهب الشيعي.([43])
وتنشط وحدة “كتامة” في شمال المغرب، حيث تعتمد بعد طرد الإيرانيين كالعادة على عملائهم من العراقيين من منسوبين للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراقي. وتركز النشاطات على الاستفادة من مصاهرة منسوبين للمجلس بعائلات مغربية في نشر المذهب الشيعي، لكن هناك مصاعب كبيرة تعترض هؤلاء لعل أهمها: النشاطان الصوفي والسلفي المضاد لهؤلاء، بعد أن تطور عمل وحدة “كتامة” في شمال المغرب ضج البرلمان المغربي من قيام الوحدة الإيرانية بنشر التشيع عبر استدراج الفقراء المغاربة والمغرر بهم من قبل الدعاية السياسية لحزب الله، فطالب البرلمان الحكومة المغربية باتخاذ خطوات جادة لإيقاف عمل الوحدة والتغلغل الإيراني، حيث أصدرت وزارة الخارجية المغربية قرارًا بقطع العلاقات مع إيران في عام 2009. وقد وقع القرار المغربي على الإيرانيين بشكل مفاجئ وكان الرد الإيراني مضطربًا فقدم المغاربة للوسيط التونسي الذي أوفد من الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي تقريرًا متكاملاً يبين نشاطات لوحدة “كتامة” في شمال المغرب وفي منطقة كتامة وسوس وطنجة([44]).
موريتانيا
كشفت دراسة سرية نشرتها صحيفة الأخبار الموريتانية؛ عمل جهات موريتانية مع جهات إيرانية على إعادة ما تصفه الدراسة بـ “المكانة التاريخية” للشيعة في موريتانيا، وقدمت هذه الدراسة نصائح حول سبل استعادة هذا الدور، وأوصت بالتركيز على مناطق الشمال الموريتاني، باعتبارها مكان اجتماع الثروة والسلطة، مع ضعف حضور علوم أهل السنة فيها، حيث تقل بها المدارس والعلماء، ما يؤهلها لتكون المنطقة المثلى للتشيع.([45])
رابعًا: خلايا إيران في دول القرن الأفريقي والسودان
ظلت منطقة القرن الأفريقي تشكل منذ قيام الثورة الإيرانية محورًا مهمًا في أولويات السياسة التوسعية الإيرانية لمد نفوذها إلى خارج أراضيها. بحيث اعتبرتها إيران ساحة رحبة ومثمرة لأنشطتها السياسية والاقتصادية ومركزًا استراتيجيًا مهمًا في صراعها مع الدول الغربية والعربية.([46])
على الصعيد الرسمي استخدمت إيران تقاربها مع الدول الأفريقية في النفوذ إلى المنطقة العربية، حيث عملت على توطيد علاقاتها مع شرق أفريقيا، خاصة السودان وإريتريا وجيبوتي، كما استطاعت تقديم الدعم للمتمردين الحوثيين في اليمن اعتمادا على الموانئ الإرترية مما كان له انعكاسات مؤثرة على أمن واستقرار دول الخليج، واعتمدت في تنفيذ أهدافها تلك على مؤسسات رسمية ومنظمات خيرية تعمل بمعزل عن سيطرة الحكومة وتتبع المرشد الأعلى خامنئي.([47])
وعليه يمكن القول إن الاختراق الإيراني للقرن الذي يعتمد على دوافع سياسية وأمنية ودينية، يتخذ عدة أساليب تتشابه إلى حد ما مع الأساليب الإسرائيلية، فمنها ما هو دبلوماسي أو ما يسمى بالقوة الناعمة كما ذكرنا سابقًا؛ حيث تقوم إيران على تقديم منح وقروض لعدد من هذه الدول، وتصدّر لهم النفط بأسعار زهيدة، وتقوم بتطوير البنية التحتية، وإنشاء المصانع ومعامل تكرير البترول، والمساعدة في القطاعين الزراعي والعسكري، وفي مجال تطوير الطاقة النووية. وكانت حرب القرصنة، التي تداعت لها دول كثيرة تحت ذريعة حماية مصالحها في نهاية العقد الماضي من هذا القرن، السبب المعلن لوجودها البحري في المنطقة وسرعان ما توج بإقامة القاعدة المتعددة المهام في ميناء مصوع الإرتري علي باب المندب، وتؤكد المعلومات المتناقلة عنها أنها قاعدة عسكرية متكاملة فيها سفن حربية وغواصات وطائرات بلا طيار وعدد من جنود الحرس الثوري، حيث تؤكد مصادر غربية وإسرائيلية: (أن طهران نقلت إلى القاعدة بواسطة السفن والغواصات، جنودًا ومعدات عسكرية وصواريخ باليستية بعيدة المدى، مشيرة إلى أن الإيرانيين يستخدمون طائرات صغيرة من دون طيار، لحماية القاعدة. اعترفت إيران بأنها تحاول جاهدة السيطرة على مداخل البحر الأحمر عند مضيق عدن قبالة السواحل اليمنية، بزعم وجود عمليات قرصنة، مهددة بأن صواريخها قد تصيب أي هدف في أي مكان. وأكد محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني أنَّ قواته تكثف تواجدها في خليج عدن بزعم “وجود ضرورات دفاعية”، مؤكدًا أن صواريخ إيران دقيقة جدًا وتُصيب أهدافها في أي مكان.([48])
إريتريا
العلاقة الثلاثية في منطقة القرن الإفريقي (إيران مع إريتريا مع الحوثيين) كانت تنمو بشكل سري، وكان لهذه العلاقات الدور الكبير في تأجيج الصراع في اليمن الذي تمثل في وجود ودعم الحوثيين من إيران والطرف الذي كان يوصل هذا الدعم لهم من خلال إريتريا؛ من خلال التدريب وإرسال العتاد الحربي الإيراني إلى اليمن. كشف تقرير صادر عن مركز ستراتفور للاستشارات الأمنية في ولاية تكساس الأمريكية مؤخرًا عن وجود ما وصفه بتعاون إريتري إيراني لدعم الحوثيين، لافتًا إلى أن القوات الإيرانية الموجودة في البحر الأحمر وخليج عدن تقوم بتأمين عملية تهريب الأسلحة من أحد الموانئ الإريترية في البحر الأحمر إلى الحوثيين. ([49])
تمتعت إريتريا بعلاقة مميزة مع الإيرانيين، ولفترة طويلة نُظر إليها على أنها بوابة نظام الملالي إلى القارة السمراء. أعلن الرئيس الإريتري عام 2008 ترحيبه بأن تقوم إيران بإقامة قواعد لها في القرن الأفريقي، تلا ذلك اتفاقية للتعاون النفطي بين البلدين، ثم لم يلبث الأمر أن تطور ليتجاوز حدود الاقتصاد إلى السياسة والعسكر، وقد تحدث تقرير سابق لـ ستراتفور عن وجود عسكري إيراني علي الساحل الإريتري، وفي أرخبيل دهلك الإستراتيجي، كما ذكرت إحدى برقيات ويكيليكس بتاريخ 12 شباط/ فبراير 2010 أن السفير السعودي في إريتريا قلق من النفوذ الإيراني، وأن إيران زودت البحرية الإريترية بالأسلحة، وأضافت أن السفير السعودي يقول إن المتمردين الحوثيين كانوا متواجدين في إريتريا عام 2009. وفي آذار/ مارس 2015، اتهم الملحق العسكري اليمني في القاهرة إريتريا بدعم الحوثيين في مساعيهم للانقلاب على الشرعية والسيطرة على السلطة في اليمن، وتحدث عن رصد تخزين وتكديس عدد من الأسلحة والذخائر المتعددة الإيرانية في بعض المواقع على السواحل الإريترية تمهيدًا لتوجيهها للحوثيين؛ أي أنه تم اتهام إريتريا بأنها باتت حديقة خلفية للإيرانيين وحلفائهم. لكن فيما بعد في اليوم نفسه الذي تم فيه طرد القوات الخليجية من جيبوتي، كان العاهل السعودي يجري مكالمة تليفونية ستحل المعضلة السابقة بسهولة، اتفق الملك مع الرئيس الإريتري على تعاون عسكري وأمني يتيح لبلاده إقامة قواعد عسكرية في إريتريا، جاء ذلك تتويجًا لزيارات سابقة لوفود خليجية بحثت الأمر نفسه. (احتوت الرياض الخلاف مع جيبوتي لاحقًا، فيما بقيت القطيعة الإماراتية قائمة). ويروي ألكسندر ميل ومايكل نايتس -الباحثان في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى- تفاصيل مهمة عن خطط خليجية لمواجهة إيران في القرن الأفريقي انطلاقًا من إريتريا.
تم تأجير ميناء عصب العميق ومطار عصب للإمارات لمدة ثلاثين عامًا؛ بهدف إقامة قاعدة عسكرية إماراتية، وتعهدت دول الخليج بزيادة إمدادات الوقود إلى إريتريا، وتطوير مطار العاصمة، فضلًا عن إنشاء بنى تحتية جديدة. وقد أتاح التحالف الخليجي- الإريتري الجديد شريان حياة للعمليات المتواصلة في اليمن، خرجت الطائرات في مهامها القتالية انطلاقًا من قواعد على الأراضي الإريترية، استضافت الأخيرة عمليات تدريب لمقاتلين يمنيين موالين لحكومة الرئيس هادي، كما تم شحن كتائب سودانية مقاتلة للقتال في اليمن عبر ميناء عصب، وحينما تعرضت حكومة الرئيس هادي للخطر في عدن، تحدث البعض عن لجوء وزرائها مؤقتًا إلى القواعد الخليجية الآمنة في إريتريا.([50])
السودان
عملت إيران منذ بداية انفتاحها على السودان، على نشر المذهب الشيعي كأولوية لاستراتيجيتها في هذا البلد، عبر مؤسساتها الدينية ومراكزها الثقافية في الخرطوم. ويتمثل دور الملحقيات والمراكز الثقافية بمجالات الآداب والفنون، في التعريف بالبلد وثقافته وموروثاته ومعالمه السياحية والحضارية، ولكن إيران انحرفت بهذه المراكز عن غرضها الدبلوماسي والثقافي المعلن، فصارت منصات للترويج للأفكار والكتب ذات الصلة بالمذهب الشيعِي، كما اجتهدت هذه المراكز طوال السنوات الماضية في تعميق العلاقات الثقافية مع كل الجهات ذات الصلة بالجوانب الثقافية، مثل الصحف والجامعات والمكتبات العامة ووزارة الإرشاد والأوقاف، واتحادات المرأة والشباب والطلاب، وتنظيم احتفالات ذات طابع شيعي، مثل الاحتفال بمولد الرضا الإمام الثامن الشيعة الاثنا عشرية، وميلاد فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وذكرى كربلاء، وغيرها، وتمكنت هذه المراكز من استخراج إعفاءات جمركية، مستفيدةً في ذلك من الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، لإدخال الكتب والأشرطة المسموعة والمرئية، وقد نشرت ووزعت منها كميات كبيرة على المتصوفة والطلاب والمعاهد الدينية بالسّودان. وأسهمت هذه المراكز التي كان يديرها في أغلب الأوقات رجال دين، في اعتناق عدد كبير من السودانيين المذهب الشيعي، بعد تغلغلها وسط الشباب والطلاب والمثقفين ورجال الطرق الصوفية، فعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة لأعداد الشيعة في السُّودان، فإن التقديرات غير الرسمية تشير إلى وجود ما بين 10 و12 ألف شيعي. وطبقًا لتقديرات أخرى غير رسمية أيضًا تفيد بأن عدد الشِّيعَة في السودان بلغ 13 ألفاً عام 2013، فإن البعض يشكك في هذه النسبة ويحصر الشيعة السودانيين في عدد لا يتجاوز ثلاثة آلاف شخص. ويعد انتشار الحسينيات الشيعية في عدد من المناطق بالسودان، لاسيما في العاصمة الخرطوم، ملمحاً آخر لازدياد حركة التشيع، إذ وصل عددها في الآونة الأخيرة إلى ما يقرب من 15 حسينية، وفقًا لتقديرات غير رسمية، فضلًا عن سيطرة الشِّيعَة على عدد من المساجد والزوايا في مختلف أرجاء الدولة. ولتدعيم أواصر التعاون مع الحكومة السودانية، قدمت إيران مساعدات عسكرية وأبرمت عدداً من الاتفاقيات مع الحكومة السودانية، وبلغ التعاون العسكري الكثيف بين البلدين حد توقيع معاهدة تعاون عسكري عام 2008، وبناء مصنع لإنتاج الأسلحة والذخيرة بالسودان، في استغلال إيراني لحاجة الحكومة الماسة إلى السلاح في حربها ضد الحركات المسلحة في جنوب السودان (قبل الانفصال)، ودارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.([51])
ففي الخرطوم يوجد مركز ثقافي إيراني يضج بالحياة على مدار الأسبوع، وفي أيام محددة يفتح أبوابه أمام الجمهور للمشاركة في أنشطة ثقافية يتحول معها المكان وكأنه شارع الرضا بمدينة مشهد الإيرانية. كما أن أحدا لم يسأل عن سبب تحول العمامة السودانية من اللون الأبيض إلى الأسود على رؤوس كثير من السودانيين خلال السنوات الماضية.([52])
ثم جاءت نقطة التحول في العلاقة بين البلدين بعد طرد السودان الملحق الثقافي الإيراني، وإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية، بحجة أن هذه المراكز باتت تنشر المذهب الشيعي بين مواطنيه، وأعلنت وزارة الخارجية السودانية أن تلك المراكز تجاوزت التصديق الممنوح لها، وغَدَت تشكل تهديداً على “الأمن الفكري والاجتماعي في السودان”، جاء ذلك بعد أن أدركت الحكومة السودانية أن الوجود الإيراني في البلاد بات يشكل خطراً حقيقياً على النسيج الاجتماعي للبلاد جراء جهود نشر المذهب الشيعي، كما مثل التدخل الإيراني ومحاولات تمدده في الدول العربية ودعمه الحوثيين في اليمن، إضافة إلى اقتحام سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد، فرصة مناسبة للحكومة السودانية لقطع عَلاقاتها السياسية مع إيران. ورغم موقف الحكومة الأخير من الوجود الإيراني وإغلاقها المراكز الثقافية الإيرانية، يرى البعض أن صحوتها جاءت متأخرة ولم تكن على المستوى المطلوب، كما اتهمت هذه الجهات الحكومة بعلمها المسبق بالنشاطات التي كانت ترمي إلى نشر المعتقد الشيعي، إلا أنها لم تتحرك في الوقت المناسب للتصدي لها.([53])
نتائج البحث
- تحاول طهران جاهدة عبر مليشياتها فتح طريق بري لها يمتد من إيران مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، ولم تخف طهران هدفها ونيتها من تحركها العسكري والسياسي والأمني الذي يستهدف الدول العربية عامة، حيث صرح عدد من مسؤوليها عن أهداف إيران التوسعية. ولعل أكثر تلك التصريحات صراحة وشفافية تصريح “علي يونسي” مستشار الرئيس حسن روحاني، عندما قال: “كل منطقة الشرق الأوسط هي تابعة لإيران، واليوم قد تحققت الإمبراطورية الإيرانية، وعاصمتها بغداد، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا كما كان في الماضي. وإن الشعوب المجاورة لإيران هم بالأصل إيرانيون وانفصلوا عن الإمبراطورية الإيرانية”.
- تهدف إيران إلى استكمال ملفها النووي خاصة مع مواجهة الضغوط الدولية وفي ظل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 5+1 من خلال تشتيت الجهود الدولية والعمل على إثارة خلافات إقليمية ونزاعات حدودية.
- تترقب إيران بحذر إمكانية مشاركة دول الخليج في توجيه ضربة عسكرية لإيران، وتحاول من خلال خلاياها إثبات قدرتها على الوصول إلى عمق تلك الدول بما في ذلك الأهداف العسكرية والاقتصادية.
- تسعى طهران لترسيخ وجودها في الخليج وفرض سيطرتها عليه بهدف لعب دور رئيسي في إجراءات أمنية مستقبلية في المنطقة ومزاحمة النفوذ الغربي، خاصة النفوذ الأمريكي.
- تقدم إيران نفسها كنموذج للمنطقة وتهدف لنشر مبادئ الثورة الإيرانية في المنطقة، وتعتبر نفسها مسؤولة عن أفراد المذهب الشيعي تجاوزًا للحدود القومية، وذلك بسبب كونها النموذج الشيعي الوحيد في العالم، وتسعى للظهور بدور القيادة والريادة على دول المنطقة.
- على الدول العربية أن تنظر بإيجابية إلى مقومات العوامل الجغرافية والاقتصادية (كقاعدة السوق الكبيرة التي تسمح مبدئيًا بالإنتاج على نطاق واسع، وتوفر الأيدي العاملة، رأس المال، الطاقة)، بالإضافة للعوامل الاجتماعية (كوحدة اللغة، والثقافة المشتركة، والدين، والقيم) القيام بدور إيجابي يحقق الوحدة العربية على مستوى التطبيق، حتى يتم إثارة القومية العربية، حيث إن تلك العوامل من المفترض أن تكون نقاط قوة وقرب، وليس تنافرًا.
- التخلي عن إهمال الشيعة في الدول العربية، واعتبارهم من النسيج الوطني العربي، حتى لا تستغلهم إيران في مشروعها، مع ضرورة وجود استراتيجية عربية موحدة، تكون صياغتها وفق المصلحة العربية المشتركة.
- توحيد الرؤى بين الدول العربية تجاه الأزمات في المنطقة، حيث إن غياب التنسيق بين الدول وتوحيد مواقفها يعد سببًا رئيسيًا للتدخل الإيراني في المنطقة.
المراجع:
- الجمعية الأوربية لحرية العراق، اللجنة الدولية للبحث عن العدالة، الدور المخرّب لفيلق الحرس الثوري الإيراني في الشرق الأوسط، مارس/ آذار 2017، ص7
- مختارات إيرانية، العدد 182، فبراير 2016م، إيران الشعب والدولة تاريخ من الغموض.
- مختارات إيرانية، العدد 13، أغسطس 2001م، الاتفاق الأمني الإيراني السعودي خطوة نوعية على طريق التقارب.
- مختارات إيرانية، العدد 182، فبراير 2016، إيران الشعب والدولة، تاريخ من الغموض.
- آفاق عربية، العدد الأول، مارس 2017، إيران والأمن القومي العربي 1979-2016.
- السياسة الخارجية الإيرانية وأثرها على أمن الخليج العربي (1991-2012)، فؤاد عاطف العبادي، رسالة ماجستير، قسم العلوم السياسية، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، 2012م.
- عبدالله الغيلاني، عمان وعاصفة الحزم، الجذور التاريخية والدلالات الاستراتيجية، مؤتمر الخليج والتوجهات الاستراتيجية بعد عاصفة الحزم، اسطنبول، 11-12 يونيو 2015م.
- مجلة البيان، بعد الثورة الشعبية اليمنية، إيران والحوثيون، مراجع ومواجع، أحمد أمين الشجاع، الرياض، 1434 هـ.
- صحيفة العرب، رفض الهلال الشيعي وراء مخطط إيراني لاستهداف الأردن، السنة 38، العدد 9971، 7/7/2015م.
- الاستراتيجية الإقليمية لكل من تركيا وإيران نحو الشرق الأوسط (2002-2013)، طايل يوسف عبد الله العدوان، رسالة ماجستير، قسم العلوم السياسية، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط.
- صحيفة العرب، رفض الهلال الشيعي وراء مخطط إيراني لاستهداف الأردن، السنة 38، العدد 9971، 7/7/2015م.
- آفاق عربية، العدد الأول، مارس 2017، إيران والأمن القومي العربي 1979-2016.
مواقع الإنترنت:
- http://www.araa.sa
- https://bahrainikhaliji.wordpress.com
- https://aawsat.com
- https://www.alarabiya.net/ar/iran/2015/09/06
- https://www.elfagr.com/2682822
- https://www.youm7.com
- https://www.elfagr.com/2682822
- http://www.mapnews.com/2020633
- http://regionalstudiescenter.uomosul.edu.iq/news_details.php? details
- http://www.mapnews.com/2020633
- http://www.albiladpress.com/newspaper/3344/466618.html
- https://www.thebaghdadpost.com/ar/Story/14163
- https://www.brookings.edu/ar/opinions
- https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2017-11-05-1.3090227
- https://www.akhbaralaan.net/news/arab-world/2014/7/17/
- https://middle-east-online.com
- http://www.alghad.com/articles/688356
- https://www.mobtada.com/details/513714
- https://gulfhouse.org/posts/1416/
- http://alkhaleejonline.net
- https://www.mobtada.com/details/513714
- http://almezmaah.com
- http://www.albayan.co.uk
- https://www.ida2at.com
- https://www.skynewsarabia.com/blog/685360
- https://www.assakina.com/news/news1/92966
([1]) – الجمعية الأوربية لحرية العراق، اللجنة الدولية للبحث عن العدالة، الدور المخرّب لفيلق الحرس الثوري الإيراني في الشرق الأوسط، مارس/آذار 2017، ص7
([3]) – مختارات إيرانية، العدد 182، فبراير 2016م، إيران الشعب والدولة تاريخ من الغموض، ص68.
([4]) – آفاق عربية، العدد الأول، مارس 2017، إيران والأمن القومي العربي 1979-2016، ص40.
([5]) – موقع: آراء حول الخليج، خلايا نائمة في الخليج العربي.. لماذا التجاهل؟
([6]) – الخلايا النائمة في الخليج العربي 28/3/2013
https://bahrainikhaliji.wordpress.com
([7]) – الشرق الأوسط، 29/7/2017
([8]) – مختارات إيرانية، العدد 13، أغسطس 2001م، الاتفاق الأمني الإيراني السعودي خطوة نوعية على طريق التقارب، ص53.
([9]) – العربية نت، 6/9/2015، أساليب طهران وأجهزتها الاستخباراتية بالتعاطي مع دول الخليج
https://www.alarabiya.net/ar/iran/2015/09/06
https://www.elfagr.com/2682822
https://www.elfagr.com/2682822
([12]) – اليوم السابع 27/12/2017م
https://www.youm7.com
([13]) – البيان 31/10/2017م، إيران.. تاريخ من التجسس والتآمر على الكويت
https://www.albayan.ae
([14]) – الشرق الأوسط، 29/7/2017
https://aawsat.com
([15]) – البيان 31/10/2017م، إيران.. تاريخ من التجسس والتآمر على الكويت
https://www.albayan.ae
([16]) – آراء حول الخليج، خلايا نائمة في الخليج العربي.. لماذا التجاهل؟
http://www.araa.sa
https://www.elfagr.com/2682822
([18]) – السياسة الخارجية الإيرانية وأثرها على أمن الخليج العربي (1991-2012)، فؤاد عاطف العبادي، رسالة ماجستير، قسم العلوم السياسية، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، 2012م، ص124.
https://www.elfagr.com/2682822
http://www.mapnews.com/2020633
([21]) – عبد الله الغيلاني، عمان وعاصفة الحزم، الجذور التاريخية والدلالات الاستراتيجية، مؤتمر الخليج والتوجهات الاستراتيجية بعد عاصفة الحزم، اسطنبول، 11-12 يونيو 2015م.
([22]) – واثق السعدون، التوجهات المعاصرة للسياسة الخارجية العمانية، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، 22/9/2012م
http://regionalstudiescenter.uomosul.edu.iq/news_details.php? details=
http://www.mapnews.com/2020633
([24]) – مجلة البيان، بعد الثورة الشعبية اليمنية، إيران والحوثيون، مراجع ومواجع، أحمد أمين الشجاع، الرياض، 1434 هـ، ص222.
([25]) – صحيفة العرب، رفض الهلال الشيعي وراء مخطط إيراني لاستهداف الأردن، السنة 38، العدد 9971، 7/7/2015م.
([26]) -البلاد، 10/12/2018م، الجنرال بترايوس: خلايا إيرانية تسعى للمنافسة على السلطة في العراق بعد “داعش”
http://www.albiladpress.com/newspaper/3344/466618.html
([27]) – الاستراتيجية الإقليمية لكل من تركيا وإيران نحو الشرق الأوسط (2002-2013)، طايل يوسف عبد الله العدوان، رسالة ماجستير، قسم العلوم السياسية، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، ص138.
([28]) – بغداد بوست 21 كانون الثاني 2017، خلايا الفتنة والدمار: 36 مؤسسة مخابراتية إيرانية قذرة تعبث بالعراق وتفتته
https://www.thebaghdadpost.com/ar/Story/14163
([29]) – كيف استخدمت إيران نموذج حزب الله للهيمنة على العراق وسوريا، 30/3/2018م
https://www.brookings.edu/ar/opinions
([30]) – البيان، 5/11/2017م، أذرع الإرهاب الإيراني تعبث باستقرار الأردن
https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2017-11-05-1.3090227
([31]) – صحيفة العرب، رفض الهلال الشيعي وراء مخطط إيراني لاستهداف الأردن، السنة 38، العدد 9971، 7/7/2015م.
([32]) – أخبار الآن، 17/7/2014، الخلايا الإيرانية النائمة في الأردن.. صناعة إيرانية تنتج الدمار فقط
https://www.akhbaralaan.net/news/arab-world/2014/7/17/
([33]) – صحيفة العرب، رفض الهلال الشيعي وراء مخطط إيراني لاستهداف الأردن، السنة 38، العدد 9971، 7/7/2015م.
([34]) – كتامة ذراع التشيع الإيراني في المغرب العربي، 8/9/2011م.
https://middle-east-online.com
([35]) – الغد، مصر تكشف وجه إيران، 14-4-2009
http://www.alghad.com/articles/688356
([36]) – موقع مبتدا 25/9/2016م، «المد الشيعي».. تفاصيل مخطط إيران السري في مصر ودول شمال أفريقيا
https://www.mobtada.com/details/513714
([37]) – كتامة ذراع التشيع الإيراني في المغرب العربي، 8/9/2011م.
https://middle-east-online.com
([38]) – البيت الخليجي للدراسات والنشر، إيران في دول المغرب العربي: الطريق شبه سالكة
https://gulfhouse.org/posts/1416
([39]) – آفاق عربية، العدد الأول، مارس 2017، إيران والأمن القومي العربي 1979-2016، ص39.
([40]) – البيت الخليجي للدراسات والنشر، إيران في دول المغرب العربي: الطريق شبه سالكة
https://gulfhouse.org/posts/1416/
([41]) – الخليج أون لاين، إيران تستهدف الأمن القومي الجزائري
http://alkhaleejonline.net
([42]) – كتامة ذراع التشيع الإيراني في المغرب العربي، 8/9/2011م.
https://middle-east-online.com
([43]) – موقع مبتدا 25/9/2016م، «المد الشيعي».. تفاصيل مخطط إيران السري في مصر ودول شمال أفريقيا
https://www.mobtada.com/details/513714
([44]) – كتامة ذراع التشيع الإيراني في المغرب العربي، 8/9/2011م.
https://middle-east-online.com
([45]) – موقع مبتدا 25/9/2016م، «المد الشيعي».. تفاصيل مخطط إيران السري في مصر ودول شمال أفريقيا
https://www.mobtada.com/details/513714
([46]) – مركز المزماه للدراسات والبحوث، 16/2/2017م، التغلغل الإيراني في منطقة القرن الأفريقي، الجزء الأول.
http://almezmaah.com
([47]) – مختارات إيرانية، العدد 182، فبراير 2016، إيران الشعب والدولة، تاريخ من الغموض، ص6.
([48]) – مجلة البيان، 21/6/2015م، الشيعة في القرن الأفريقي وإريتريا
http://www.albayan.co.uk
([49]) – مجلة البيان، 21/6/2015م، الشيعة في القرن الأفريقي وإريتريا
http://www.albayan.co.uk
([50])- إضاءات 5/12/2016م، كيف قفزت «إريتريا» من سفينة إيران لتلحق بركب الخليج
https://www.ida2at.com
([51]) – موقع السكينة ، 29/9/2016م
https://www.assakina.com/news/news1/92966
([52]) – موقع سكاي نيوز عربية، 2/9/2014، السودان وإيران عندما تسود العمامة
https://www.skynewsarabia.com/blog/685360
([53]) – موقع السكينة ، 29/9/2016م
https://www.assakina.com/news/news1/92966