إن المياه وصور استغلالها اصبحت محورا رئيسيا لإهتمام المجتمع الدولي في القرن الواحد والعشرين، إن الطلب على المياه في إزدياد مستمر، وستصبح المياه في القرن الواحد و العشرين أكثر الموارد من حيث حجم الطلب بعد السلع الضرورية لإدامة الحياة، وستكون في المناطق القاحلة وشبه الجافة في العالم أغلى من الطلب على النفط.
أن العلاقة بين المياه والبيئة علاقة وثيقة يحتم على المجتمع الدولي الحاجة الملحة لتحقيق الاستغلال العقلاني للمياه حفاظا على البيئة وإدامة الحياة السوية. أن المياه وما يتعلق بها من أنشطة اقتصادية ستكون هم البشرية في القرن الواحد والعشرين و هذه القناعات توصلت اليها الأمم بدرجات متفاوتة في اهمية المياه تحمل في طياتها أبعادا سياسية واستراتيجية فكما أنها تكون سببا في إنجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب العالم، وتأمين الرخاء والرفاه وتعزيز السلام والمحبة والإستقرار بين الشعوب، كذلك يمكن ان تكون محط خلاف و نقطة ساخنة تقود إلى الحرب، وبالتالي يكون استخدام الآلة العسكرية المدمرة سببا في تدمير خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة في حالة الفقر والجهل والجوع.( دكتور محمد احمد عقلة المؤمني جيوبوليتيكا المياه،الأسس القانونية لتقاسم المياه المشتركة في الوطن العربي دار الكتاب الثقافي الاردن،إربد)
بيان اهمية الدراسة
المكان الذي يسكنه البشر يعتبر من أهم مقومات حياتهم، وإذا أصبحت الأرض التي يسكنها الانسان غير صالحة للعيش فإنه يقوم بهجرها، وهذا ما تسعى اليه السلطات الايرانية من وراء هذه السياسات غير المسؤولة من تدمير وإبادة للإنسان ولبيئته في الأحواز، يستهدف النظام بالدرجة الأولى الإنسان وذلك من خلال تدمير البيئة وحتى يشعر الأحوازي بعدم الأمان في البيئة التي يسكنها.
يتميز إقليم الأحواز بكثرة المياه التي تجري في أراضيه الأمر الذي ساهم في أن يكون من المناطق المنتجة زراعيا لاسيما وأن أرض الاحواز منبسطة وتربتها رخوة، فإن مجاري مياهها وأنهارها لم تكن ثابتة، وخاصة في نهاياتها كثيرا ما تتسع الترع، وتتبطح الأنهار، ومن حيث العموم فأن انهار الأحواز عميقة المجاري في اجزاءها الشمالية، واطئة الضفاف في اجزائها الوسطى والجنوبية وتكثر التواءاتها وتفرعاتها، وفي المصادر العربية ذكر لعدد غير قليل في الأنهار المنسوبة إلى اشخاص ربما كانوا القائمين بحفرها أو كانت لهم املاك عليها.
تأريخيا ايضا أشار الرحالة إلى وفرة المياه في الأحواز على سبيل المثال نقل الأصطخري عن الأحواز:مياهها طيبة عذبة جارية ولا أعرف بجميع الأحواز بلدا ماؤهم من البئر،لكثرة المياه الجارية بها.(الإصطخري مسالك، الممالك،طبعة ليدن ص٩٠)
ثروات الأحواز المائية
تعتبر الأحواز هبة الأنهار التي تمر في ربوعها،يمتد نهر كارون من شمال الأحواز إلى جنوبه وصولا إلى شط العرب الفاصل بين الأحواز والعراق ثم يصب هذا المجرى المائي_اي شط العرب_في الخليج العربي بعد إلتقاء نهري الدجلة والفرات بالإضافة إلى شط كارون.
ثم يأتي نهر الكرخة في المرتبة الثانية من حيث الأهمية للثروة المائية في الأحواز لينتهي مصبه في هور الحويزة الواقع في غرب الأحواز ويعتبر هذا النهر شريان ديمومة حياة الهور ونظامه الإيكولوجي ومعظم السكان في هذه المناطق يعتمدون كثيرا على مياه نهر الكرخة لأغراض الزراعة وماء الشرب.والجدير بالذكر أن المياه تعتبر شرايين الأهوار حيث تشكل مصدر رزق لسكان هذه المناطق وتحديدا غرب الأحواز.
ثالث هذه الأنهار هو نهر الجراحي الذي يعد من أهم مصادر المياه للأهالي والمزارعين في جنوب شرق الأحواز.
ورابعها نهر الدز الذي يعتبر من أهم روافد نهر كارون وينبع من جبال زاجرس ويمر من مناطق شمال الأحواز ليلتحق بنهر كارون في منطقة بندقير ويعتبر هذا الرافد من أهم مصادر الماء لشمالي الأحواز.(يافا سعيد،الأحوازيون يستنشقون الأورانيوم المخضب،مركز دراسات المزماة)
وجدير بالذكر أن الأحواز تواجه موقفا مائيا حرجا جراء مشاريع نقل المياه وتخزينها خلف السدود ،حيث المياه السطحية هي المصدر الأساسي للإستعمال،وتصل نسبتها الى٩٣% ونسبة المياه الجوفية لا تتجاوز ٧%.
نهر كارون وسباق الدول الإستعمارية
في القرن التاسع عشر صار لنهر كارون مكانة إستراتيجية في حسابات القوى الإستعمارية وعلى إثر الصراع الدائر بين الروس والبريطانيين آنذاك على منطقة الخليج العربي والأحواز خاصة بدأت بريطانيا تهتم بالملاحة في نهر كارون،لأن البريطانيين كانوا يعتبرونه الطريق الوحيد للتغلغل في عمق إمارة الأحواز وذلك من خلال ملاحة سفنهم في نهر كارون ذي المنسوب العالي من المياه،وبذلك أصبح هذا النهر من أهم الأنهار الصالحة للملاحة،ولأهمية نهر كارون كانت لفرنسا أيضا محاولات لتنافس القوى الأخرى في الأحواز،فقد زار نهر كارون،في أواخر القرن التاسع عشر المهندس الفرنسي ديالوفاي لإعداد تقرير عن الملاحة والري في نهر كارون للحكومة الفرنسية.
ايضا تناولت بعثة لوريمر الملاحة المائية في أنهار إقليم الأحواز،وفق دراسات طوبوغرافية ميدانية دقيقة، بها يؤمن مصالحها الإستعمارية،لا سيما و أنها قد أسست الشركة المعروفة باسم شركة دجلة والفرات للملاحة البحرية،حيث كانت قوارب الشركة تسير في الأنهر الأحوازية لنقل المحاصيل الزراعية وغيرها.
خلفيات المطامع الإيرانية في الأحواز
وضعت ايران يدها على جميع خيرات ومقدرات الأحواز منذ عام ١٩٢٥ م وبعدما قضت على آخر حكم عربي فيها حتى هذه اللحظة تعبث بثرواتها الضخمة لأن الأحواز توفر ٨٧% من إنتاج النفط و٩٠% من إنتاج الغاز و ٧٤% من إنتاج الكهرباء عبر إنشاء السدود.(احتجاجات المياه في الأحواز أزمات مستمرة ومعالجات غير ناجزة، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية).فإنها جوهرة المصالح الإيرانية بحسب آرون إيتان ماير،حددت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأحواز منذ خمسينات القرن الماضي،بوصفها نقطة الضعف المحتملة لإيران، لكونها تحتوي على موارد لا يمكن لأي نظام أن يحافظ على سيطرته من دونها.ولهذا فانها منطقة حيوية لإيران من حيث مزاياها الإقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية،فضلا عن ثرواتها النفطية والغازية اذ تملك الأحواز نحو١٢% من احتياطي النفط العالمي و١٦/٢%من الغاز.(Rahim Hamid.Washington Institute Dec11 2019 ) وفیها أكبر عدد من المدن الساحلية على الخليج العربي،كما تقع في منطقة جيوسياسية على أحد أهم الطرق البحرية،ليس فقط لآسيا،بل على مستوى العالم.كما أن الأحواز تضم الأراضي الزراعية الخصبة تقدر بنحو ٥ مليون هكتار صالحة للزراعة وتتوفر فيها المياه العذبة تجري فيها ٦أنهار(كارون،الكرخة،الدز،الجراحي، زهرة،الخيري)توفر ٥٠% من الثروة المائية للنظام الإيراني.مياه إيران الكلية تقدر ب٦٤ مليار متر مكعب و٣٢مليار متر مكعب منها تقع في الأحواز هذا يعني أن نصف مياه ايران في الأحواز والأحواز تعاني من الجفاف.
للتأكيد حسب تصريح المدير العام لشؤون السدود في إيران أن تخزين المياه من سبتمبر ٢٠٢٠ حتى الآن وصل الى ٦٤/٨ مليار متر مكعب ويدل هذا الرقم على ارتفاع ملحوظ في المياه بنسبة٢٩٧%. كذلك تتوفر في الأحواز معادن الصلب والحديد ومصانع البتروكيماويات وغيرها من المصانع العملاقة.
لقد إنتهجت إيران سياسة تجفيف الأنهر والأهوار وحرف مسار المياه من الأحواز منذ عقود وأزمة الجفاف وشحة المياه تتفاقم يوما بعد يوم.ولإستراتيجية التجفيف مآرب شتى على رأسها إستهداف الإنسان الأحوازي والقضاء على كيانه ووجوده وتدمير مصادر حياته والإستيلاء الكامل على أرضه وانتزاع ملكيته منها حتى يضطر السكان الأصليين على النزوح وترك ديارهم بعد فقدانهم المصادر الرئيسية للحياة أي الماء والأرض.على سبيل المثال بعد تجفيف مساحات شاسعة من هور الحويزة والمناطق المجاورة في قضاء ميسان والجفير إستحوذت شركات نفط عملاقة على معظم الأراضي.من أهم هذه الشركات شركة النفط الوطنية الإيرانية،شركة أروندان،شركةالمناطق النفطية الجنوبية،شركة متن،شركة باساركاد وعشرات الشركات الفرعية الأخرى.
جدير بالذكر أن حجم المخزون النفطي في حقل ميسان حسب التقارير الحكومية يقدر ب٣٣ مليار برميل.
ولقد دمرت هذه الشركات البيئة وبنت السواتر الترابية وقامت بتقسيم الهور والأراضي الزراعية الخصبة إلى اجزاء منفصلة وحرمت المزارعين من الإستمرار في زراعة أراضيهم غير آبهة بحياة المزارعين.فضلا عن جلبها العمال من المدن الفارسية وحرمان السكان الأصليين من التوظيف في مناطقهم.
دمرت هذه الشركات حياة الإنسان وباقي الكائنات الحية المائية منها والبرية كالأسماك والطيور والمواشي وكما تسببت في حرمان المواطنين من الزراعة لاسيما الأرز وحولت البيئة إلى صحاري حتى أصبحت بؤر للعواصف الترابية مما أدت إلى تصاعد الأمراض التنفسية والربو وإرتفاع نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية بنسبة٥٠٠% حسب الإحصائيات الرسمية بالإضافة إلى الأمراض الجلدية والأمعاء.بعد نشر هذه الإحصائيات أصدرت الحكومة الإيرانية مذكرة تمنع الدوائر الحكومية ووسائل الإعلام من نشر أية إحصائيات عن ضحايا السرطان والتلوث البيئي في الأحواز.
كما قامت هذه الشركات بصب النفايات الصناعية في ما تبقى من مياه الهور وكل هذه التصرفات إدت إلى تدهور الوضع الصحي وسلامة البيئة إلى درجة حيث صنفت منظمة الصحة العالمية الأحواز في صدارة المدن الأكثر تلوثا في العالم أجمع منذ عام ٢٠١١ الى ٢٠١٤ بالتوالي.
وجدير بالذكر بأن عقدت الحكومة الإيرانية إتفاقية مع الصين تستخرج بموجبها الشركات الصينية النفط من حقول هور الحويزة لمدة عشر سنوات،وبموجب هذا الإتفاق ومقابل النفط المستخرج لصالح الشركات الصينية،ستترك هذه الشركات منشآتها النفطية للحرس الثوري بعد السنوات الخمس الأولى،وتحديدا في عام ٢٠٢٠ ويستحوذ الحرس الثوري على تلك المنشآت.وستسدد الصين بعد ذلك ثمن النفط المستخرج من هذه الآبار على نحو سلع تصدرها إلى إيران،وذلك هربا من العقوبات المفروضة على إيران.(يوسف عزيزي،لعنة النفط والسيول في عربستان،إندبندنت العربية،١٥ أبريل/نيسان٢٠١٩).
ما هو المراد من التجفيف؟وهل حقا هذه الممارسات ممنهجة وعنصرية؟
اذا تمعنا بما جرى ويجري منذ العقود الماضية على أرض الواقع من سياسات تطبيقية وایضا إن ندقق في الوثائق السرية المتسربة لوجدنا الإجابة بكل وضوح فمثلا في عام ١٩٩٦ أمر المرشد الإيراني خامنه ئي بتطبيق خطة في الأحواز أطلق عليها عنوان *مشروع ٥٥٠ الف هكتار لسمو القائد* والذي بموجبه كلف المؤسسات التي تعمل مباشرة تحت إشراف بيت القيادة(بيت رهبري) كمؤسسة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثوري ومؤسسة ما تسمى *المؤسسة التنفيذية لأوامر الإمام* و ايضا *مؤسسة جهاد نصر* بالإستيلاء الكامل على الأراضي الزراعية الأحوازية والتحكم بالمياه والسيطرة عليها عبر بناء السدود وبهذا المشروع اطلق رصاصة الرحمة على الحياة الإقتصادية والإجتماعية والبيئية في الأحواز (آرزو میرزاخانی،دستاورد طرح ۵ع۰ هزار هکتاری خامنه ای،ایندپندنت فارسی ۱۰ اوت ۲۰۲۱).
كذلك هنالك وثيقتين سرتين تسربتا من مراكز حساسة لصنع القرار في إيران، إحدى تلك الوثائق التي صدرت من مكتب أبطحي نائب الرئيس الإيراني محمد خاتمي في عام ٢٠٠٥ والتي كانت تشير ألى اجراء سياسات تمييزية وعنصرية وخطط لتجويع وتهجير الأحوازيين من ديارهم ،آلت إلى حدوث احتجاجات عارمة عمت البلاد وعرفت بإسم الإنتفاضية النيسانية والأخرى وثيقة جامعة ومطولة تحمل عنوان ‘الخطة الأمنية الشاملة لإقليم الأحواز’ التي تم التصديق عليها في الوزارة الداخلية بتاريخ ٢٧إبريل/نيسان٢٠١٤ والتي ساهمت بتدوينها وتنفيذ بنودها عدة وزاراة ومؤسسات من ضمنها المخابرات،الحرس الثوري،وزارة الداخلية،وزارة الدفاع،المجلس الأعلى للأمن القومي،وزارة التخطيط،وزارة الطاقة،وزارة الزراعة،وزارة التعليم و….حيث توجد في هذه الوثائق تصريحات واتفاقيات وخطط وأوامر مهمة كلها تآمرية ضد الشعب الأحوازي وتطبيق للخطط التي جرت خلال السنين الأخيرة واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار.
مشاريع تدشين السدود
إن المؤشرات والمعطيات المختلفة تنبئ بأن لمشاريع إنشاء السدود اهداف سياسية وهيدروبولوتيكية ترتبط بالإستعداد للمراحل المستقبلية التي ستتم بالحرب على المياه.
ففي العهد البهلوي تم إنشاء عشرين سدا على كافة الأنهار وإما في عهد النظام الإيراني الحالي أنشئت عدة سدود،من أهمها كارون٢و٣ وسد الكرخة السيئي الصيت المسمى محليا بسد”عرب كُش” أي قاتل العرب الذي تم إنشاءه بدوافع عدة منها أمنية وإستراتيجية.وسد العقيلات(كتوند) الذي تقع مخازنه بين قباب ملحية.وبهذا العمل غير المسؤول بات إقليم الأحواز يعيش خطرا محدقا يتمثل في شح المياه والجفاف وإزدياد رقعة التصحر.
ثم جاء مشروع نقل مياه كارون ليقضي على ما تبقى من آثار للحياة في الأحواز،حيث يتسبب هذا المشروع بكوارث بيئية وإنسانية لا تحمد عقباها.إن مشروع نقل مياه كارون،في الواقع،ليس جديدا،بل بدأ العمل فيه منذ عهد إدارة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني،فرسمت خططه قبل عام من طرحه على مجلس النواب الإيراني، وأصبح من أهم المشاريع العمرانية لوزارة الطاقة بعد أن أقره البرلمان الإيراني.وبذلك يتضح أن الأنظمة الإيرانية المتعاقبة على سدة الحكم تسعى إلى تطبيق سياسة استغلال المياه، ولا سيما من خلال حجز المياه خلف السدود لغرض التنمية الإقتصادية والإجتماعية في مناطق الجافة وشبه الجافة في وسط إيران المسماة بالكوير على حساب تجفيف وتعرض الحياة في الأحواز إلى كوارث.ولهذه الأسباب قامت السلطات الإيرانية ببناء عدة أنفاق لنقل المياه إلى المناطق المتقدمة في وسط إيران وتحديدا إلى محافظات إصفهان ،يزد ،كرمان وقم التي تقطنها أغلبية فارسية،وذلك لإقامة بنية تحية زراعية-صناعية بهدف الإستقرار السياسي والإقتصادي.وبهذا تم توسيع المشاريع الزراعية والصناعية ووفرت المياه للإستهلاك المنزلي في المحافظات المذكورة أعلاه.ومن الممكن أن نجمل هذه الأنفاق كالتالي؛١.كوهرنك الأول٢.كوهرنك الثاني ٣.كوهرنك الثالث ٤.بهشت آباد٥.لنكان ٦.ماربران ٧.سولكان.
أثر التجفيف على دول الجوار العراق نموذجا
قامت إيران بتحويل مجرى نهر كارون العملاق إلى نهر سيحان(السليج) بعد إن كان يصب في شط العرب بالقرب من مدينة المحمرة المقابلة لمدينة البصرة ويجهزة بأكثر من عشرة مليارات متر مكعب من المياه العذبة سنويا فيحافظ على إرتفاع مناسيبه ويمنع تملحه بمياه الخليج العربي اثناء فترات المد فالحقت به كارثة بيئية كبرى وحرمت سكان البصرة والمدن العراقية الأخرى الواقعة على شط العرب والمزارع وبساتين النخيل التي تتميز بها المنطقة القائمة على ضفتيه من المياه العذبة.(د.شاكر عبدالعزيز المخزومي،في طريق العطش ص٨٢ دار ورد الأردنية).
إفرازات إنشاء السدود
بسبب انشاء السدود أصبحت غالبية الأنهار الأحوازية في عداد الأنهار الميتة لاسيما كارون لم تبقى فيه من المياه سوى٢٠% فقط وتصب فيه نحو مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي وحوالي خمسين مليون متر مكعب من نفايات مصانع الصلب والحديد والبتروكيماويات ومصانع قصب السكر.
إن منسوب المياه في نهر الكرخة إنخفض بنسبة ٨٠% مقارنة بمعدله الطبيعي،في حين إنخفض منسوب المياه في نهر الجراحي بنسبة٧٠% بسبب مشروع تجفيف الأنهر إلى المناطق والمدن الفارسية مع الوضع في الإعتبار أن مشروع بهشت آباد سينقل نحو مليار و١٠٠ مليون متر مكعب سنويا إلى أقاليم اصفهان،كرمان ويزد، إلى جانب مشاريع أخرى مثل كوهرنك ١و٢و٣ وقمرود١ وجشمه لنكان وخدنكستان حيث تنقل هذه المشاريع نحو مليار و١٤٦ مليون متر مكعب سنويا ما يعني كارثة لمنطقة الأحواز بكل المقاييس،خصوصا مع إزدياد حالات التدمير البيئي للإقليم،وتحويله إلى موقع لمكب وتخزين المواد الكيمياوية والبيولوجية، وغيرها من العناصر المؤثرة من مخلفات الحرب الإيرانية-العراقية،التي اكتفت الحكومة الإيرانية بدفنها وتخزينها في أراضي إقليم الأحواز دون أي إجراءات لمعالجتها مما تسبب في تفشي الأمراض السرطانية والجلدية والتفسية بين سكان الإقليم.(احمد عزيز،إيران تسطو على مياه الأحواز والمبرر مكيافيلية العرب،نون بست٢٠١٦/٧/٢٨)
إن الإنخفاض الحاد لمنسوب المياه في الأنهار أثر على ارتفاع نسبة الملوحة،وأصبحت المياه مالحة إلى حد لا تصلح للري مما أثر على الأراضي الزراعية بشكل مباشر،في الوقت الذي تعد الزراعة بمثابة العمود الفقري للإقتصاد في الأحواز ومصدرا للرزق لدى نسبة هائلة من الشعب الأحوازي،فإن تجفيف الأنهار سيؤدي إلى نفاد المياه الضروريةلري سهل الأحواز الممتد من منحدرات جبال زاجرس إلى شواطئ الخليج العربي المطلة على ميناء عبادان إلى أقصى شرق بوشهر(مضيق باب السلام).
وجدير بالذكر أن اكثر من ٨٠% السعة الإستيعابية لتخزين المياه خلف السدود هي ممتلئة،كمية المياه المخزنة في السدود الرئيسية تصل إلى ٣٠ مليار متر مكعب وهي كافية لتلبية حاجة١٢ مليون هكتار زراعي فيما تبلغ مساحة اراضي الأحواز التي تتم زراعتها حاليا١/٤ مليون هكتار(من اصل ٥ ميليون صالحة للزراعة) هذه الارقام نقلا عن موقع إدارة المياه التابع للنظام الإيراني.
أما الزراعة التي دمرها التجفيف فقد بلغ حجم الأضرار في هذا القطاع نحو ٣٢٠ الف هكتار حتى يونيو٢٠٢٠ وإنخفصت إنتاجية محاصيل الخريف بفعل التجفيف إلى ٣٠٠ الف طن.كذلك إنخفضت زراعة النخيل بنسبة ٧٠% في الأحواز و٢/٥ مليون نخلة معرضة للدمار.
للتنويه هناك ٢٨٠٠ قرية تحت غطاء شركة المياه والصرف الصحي في الأحواز حيث تعاني ٨٠ الى ٩٠% من هذه القرى من التوتر المائي.وإعترف مساعد محافظ الأحواز فاضل عبيات بأن أكثر من ٧٠% من القرى لا تتمتع بأمان مياه الشرب.(د.هدى شاكر معروف،هل يتوقف القمع الإيراني ،الأحواز بين القمع والعطش والثورة،موقع تريندز للمعرفة).
هناك لاتزال العشرات من القري في قطاع الغيزانية دون ماء صالح للشرب ويعيش أهاليها على إمدادات الماء بالصهاريج ويجب عليهم قضاء ساعات وساعات في صفوف الإنتظار للحصول على بعض صفائح المياه.وفي قرى أخرى توقفت مناحي الحياة.
وجدير بالذكر خلال العقود الاخيرة إختفت عدة مساحات لزراعة النخيل المنتجة لأنواع التمور لاسيما في مدن عبادان والمحمرة والفلاحية، فإنها قضي عليها بسبب الجفاف ونسبة الملوحة المرتفعة في المياه،فلم تبقى من هذه النخيل الباسقة والمكثفة إلا الجذوع الخاوية.لا ننسى بأن الكثير من المسؤولين الفرس ينظرون للنخلة نظرة عنصرية ضيقة لأنهم يعتبرونها تحمل دلالة رمزية على عروبة الأرض لذلك يحاولون القضاء عليها بشتى الطرق.هناك موقف عدائي معروف لأحد المسؤولين الكبار والمدير العام لشركة الماء والكهرباء في الإقليم الأحواز المعروف بإسم شمسايي وهو من المقربين للرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني والذي شغل هذا المنصب لفترة ما يقارب العشرون سنة بأنه أمر بقطع جميع النخيل من جذورها التي كانت مغروسة في مبنى الشركة المعروف بخمس طوابق وقال هل تريدون أن تثبتوا بأن هنا عربستان(ويقصد بأن هذه الأرض للعرب وعربستان كان إسم آخر يطلقه العثمانيين والفرس على الأحواز).
إستخدام السدود لأغراض أخرى
أصبحت المياه واحدة من بين المصادر الإستراتيجية وسلاح فعال للحكومات حيث يتسنى لها بكل سهولة التحكم بحياة الناس وبمصادر رزقهم، فاصبحت سدود الأحواز تعطشنا بالصيف وتغرقنا في الشتاء. ففي مطلع مارس ٢٠١٩ إفتعل النظام الإيراني سيول في الأحواز بدأت في مسير الكرخة ثم إنتقلت إلى نهر الدز ومن ثم كارون فإجتاحت المياه مساحات شاسعة من الإقليم ودمرت المزارع ومئات من القرى والملفت للنظر أن أكثر من ٩ مدن و ٢٥٠ قرية أغرقت بالكامل بينما المنشئات النفطية ومزارع قصب السكر لم تتعرض لأي خطر وإمتنع الحرس الثوري عن تحويل المياه نحو الأهوار كما قام بنفس الوقت بتفجير وتدمير السواتر الترابية التي بناها الأهالي لمنع تقدم المياه إلى بيوتهم ومزارعهم.وفي ذلك الحين دعا المنكوبين والنازحين للإيواء في المعسكرات وعرض عليهم منح أراضي سكنية في المحافظات الإيرانية. إذن كانت هناك مناطق محظورة من تعرضها للسيول وهي المشاريع الإقتصادية التي تؤمن المصحلة للحرس الثوري والسلطات الإيرانية بشكل عام وبعد ما أهدمت قوات الحرس السواتر الترابية حصلت مواجهات من الشارع تمثلت بالتصدي لهذه الممارسات اللاإنسانية أدت إلى مواجهات بين قوات الحرس والمزارعين سقط خلالها شهداء وجرحى أبرياء،ايضا جلب الحرس قواته الخاصة المدججة بالسلاح وبالدبابات كما إستنجد بعناصر وميليشيات من الحشد الشعبي في العراق وميليشيا فاطميون من أفغانستان وحزب الله اللبناني لقمع المحتجين.
بعد ذلك قاموا بإعتقالات عشوائية للجان الإغاثة والنشطاء الميدانيين والإعلاميين الذين كانوا يوثقون هذه المعاناة والإنتهاكات.
هل معاناة التجفيف تعتبر إبادة للشعب الأحوازي؟
يعتقد الباحث والكاتب الأحوازي رحيم حميد بأن مايحدث من تحويل لمنابع الأنهار،ليس نتاج لعدم كفاءة المسؤولين[كما يبرره النظام الإيراني] وإنما هي سياسة متعمدة من جانب الحكومة للتطهير العرقي على المدى البعيد،تهدف لتغيير التوازن الديموغرافي في المنطقة.وأدت البرامج الحكومية في الأحواز إلى زيادة الملوحة في الأنهار بنسبة٢٥% مما جعل المياه سامة للكائنات البحرية وغير صالحة للشرب في نفس الوقت،،فضلا عن كونها عديمة الفائدة لري المحاصيل.(Rahim Hamid, The ongoing water crisis in Iran’s Ahwaz region looms toward disaster.27/8/2018)
صحيا وفقا لإحصائيات منظمة الأرصاد الجوية الإيرانية،شهد إقليم الأحواز خلال ثلث أيام السنة عواصف ترابية هائلة.حيث بلغ معدل التلوث خلال بعض هذه العواصف ٦٦ ضعفا أعلى من الحد المسموح به صحيا.(مرفت زكريا،تداعيات أزمة المياه والكهرباء في إيران،المركز العربي للدراسات والبحوث).
وحسب الدراسة التي قامت بها جامعة الأحواز الطبية فقد أثر التلوث البيئي في الإقليم وزاد معدل الوفيات بنسبة٣٠% خلال السنوات ال١٠ الماضية، وجاءت أكثر من ٢٠% من الوفيات نتيجة لإستنشاق الجسيمات الملوثة للهواء. وكان من ضمن الآثار الناجمة عن التلوث،إزدياد عدد المصابين بأمراض القلب والكلى وإرتفاع نسبة المواليد المشوهة،بالإضافة إلى إرتفاع حاد في معدلات الإجهاض بين الأمهات،خاصة في الولادة الأولى وانخفاض معدل الخصوبة في الرجال والنساء.(محمد المذحجي،مسؤول إيراني يحذر،الكارثة البيئية في الأحواز تهدد الأمن القومي، القدس العربي٢٠١٨/٢/١٥).
وجدير بالذكر أن أهوار الأحواز (هور الحويزة،الفلاحية وهور مزرعة أو الميناو) تعتبر من أهم العوامل الطبيعية في تنقية الهواء في الأحواز وجنوب العراق، وكما تعتبر المصدر الرئيسي للرزق للكثير من الأحوازيين.وتعتبر الأهوار موطنا لقطاع كبير من الكائنات الحية حيث لها مساهمة جديرة في التنوع الإحيائي وكذلك تساهم في دعم هجرة الطيور القارية إلى المنطقة.ولقد تحولت الأهوار الأحوازية ببطء إلى أرض بور تعاني من التجفيف، نتيجة لسياسة حرف مياه الأنهر وإنشاء المنشآت الصناعية داخل الأهوار.
أيضا لابد من ذكر أن ماء الشرب الملوث في الأحواز ناقلا للأمراض الخطيرة كالوباء والكوليرا، وبهذا سيكون الأطفال وكبار السن الفئة الأكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض.وكانت دراسة ألمانية أشارت أن مياه كارون لا تصلح بأن المواشي تشرب منها لأن البشر بإستخدامه منتجات المواشي من الألبان واللحوم سوف يعرض نفسه للمخاطر.
ويعاني أبوشهر،الشطر الشرقي لإقليم الأحواز، من تلوث غير مسبوق جراء مشاريع الغاز الضخمة التي تسببت بإدخال الجسيمات العالقة والرصاص في الهواء والتلوث الأكسيدي كالكربونات والنيتروجين مما أدى إلى تفشي الأمراض الصدرية والتنفسية وايضا امراض الجهاز العصبي.ومن جانب آخر،فإن تلوث الهواء يلحق أضرارا جسيمة بالمباني، فهو يسبب مع مرور الوقت تآكل المواد المستخدمة في الأبنية.
إستنتاج أخير
إذن نستنتج من كل هذه المعطيات بأن التجفيف وتداعياته المختلفة الإقتصادية والإجتماعية والصحية والبيئية و…يهدد الحياة السليمة في الأحواز وينذر بسياسات ممنهجة من أجل مضايقة الإنسان الأحوازي وتهجيريه قسريا.وهذه الممارسات ترتقي إلى مستوي محاولات الإبادة الجماعية حسب ما ورد في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن الأفعال الخمسة التالية تأتي ضمن الأفعال الإجرامية:
١.قتل الأفراد في مجموعة
٢.التسبب بأذي جسدي أو نفسي كبير لأفراد من المجموعة
٣.إخضاع المجموعة عن قصد لظروف حياة مدروسة بهدف تعريضها جزئيا أو كليا للدمار الجسدي .
٤.فرض إجراءات هادفة إلى منع الولادات ضمن المجموعة.
٥.نقل الأطفال عنوة من مجموعة إلى مجموعة أخرى.
وإستنادا إلى هذه المادة من ميثاق الأمم المتحدة حول الإبادة الجماعية، ونظرا إلى الممارسات الجارية من قبل السلطات الإيرانية في الأحواز والحاق الضرر بالمجموعات البشرية بشكل واسع ولا سيما تدمير البيئة بشكل معمد ومدروس،تعتبر هذه الأفعال والممارسات مثالا واضحا لجريمة الإبادة الجماعية.