العیلامیون
تعد الجغرافیا الحلقة الأساسیة بین المجموعة البشریة والأرض، وفي سیاق هذه الجغرافیا استطاع الإنسان أن یستلهم قدرته في بناء ما سمحت له بیئته وما منحت له طبیعته. فعلاقة الإنسان بالأرض تحت مظلة الجغرافیا کانت إیجابیةً أحیاناً، وفي أحيانٍ أخرى تحولت إلی کوارث، إثر طغیان قدرات البشر الهائلة، مما دمَّر الکائنات، وعلی رأسها الإنسان نفسه، فرسمت هذه العلاقة الجدلیة إبان الأعصار والسنین، روابط تغیرت ما بین التفاهم من جهة، والصراع من جهة أخری فأدت إلی بناء الحضارات إبان تفاهمها، وإلی الهدم والدمار في نشوء صراعها.
یعتقد بعض العلماء أن للجغرافیا تأثیرًا مباشرًا علی سلوك الإنسان والمجموعات البشریة. فیقول بودان فی کتاب عصر النهضة: “فأهل المناطق الشمالیة قساة مخاطرون، بینما طبع أهل المناطق الجنوبیة الحارة هو أخذ بالثأر والمکر، ولکن لهم القدرة علی التمییز بین الحق والباطل، أما أهل المناطق المعتدلة فأکثر فطنة من أهل الشمال وأکثر نشاطاً من أهل الجنوب ویختصون دون غیرهم بالقدرة علی القیادة”. (محمد وهیبة: 1980، ص 13)
یقول إیزیاه بومان الجغرافي الأمريکي: “إن الجغرافیا تُعّرفنا على “ماذا وأین وکیف”. ونظراً لما قاله إیزیاه يمكننا أن نستنتج أنه عندما تلتقي الطبیعة البشریة وقدرة الإنسان الفکریة بالنسیج العلمي المرسوم علی الجغرافیا، حينها یولد علم یرسم لنا مفاهیم الأنماط الفکرية وفقاً للأرض والمحیط والبیئة المعاصرة لتلك الأفکار.
ویمشي راتزل بعیداً في خضوع الإنسان ونشاطه الاجتماعي للبیئة الطبیعیة ویعتبر الرائد في تفکیر مدرسة الحتم البیئي Environmental Determinism التي تعتقد خضوع الإنسان للبیئة وأنها هي التي تُملي علیه ظروفها. بينما يخالفه الرأي لوسیان فیفر الذي یعتبر علاقة الإنسان بالبیئة “ساحة مسرح” یستطیع الإنسان أن یتدخل فیها لیعرض صورة جمیلة للمشاهد.
أرض وإنسان الأحواز
یکتسب هذا البحث، موضوعيته وأهميته لتناوله العامل الجغرافي وتأثیره علی الإنسان وتأثیر الإنسان علی جغرافيا المكان في الحضارات القدیمة في أرض الأحواز المطوقة بالجبال من الشمال وشمال شرق، والخلیج العربي وبحر عمان من الجنوب وجنوب شرق.
یری الباحث عملیة التکامل الحضاري في أرض الأحواز عملیة موحدة علی امتداد التاریخ، لها إخفاقاتها ولها انتصاراتها، ولا يمكن الفصل بین هذه الأرض وطبیعتها والمجموعة البشریة التي تسكنها. وكما تناول ابن خلدون في مقدّمته، هذه العلاقة بین الجغرافیا والمظاهر الاجتماعیة. فقد ربط ابن خلدون اختلاف البشر وصفاتهم الجسمیة والنفسیة والخلقیة بتلك البیئة الجغرافیة ومحیطها واعتبرها عاملاً هاماً في تحديد المستوى الحضاري للمجتمعات الإنسانية. (ابن خلدون، ج1، 1966، ص 291).
وفي تطبيق هذه النظرية “يمكن للقارئ أن يلمس نشاط الإنسان الأحوازي داخل محيطه الجغرافي المحدد من الجهات الأربع؛ أي يمكن أن يرى كيفية تفاعل الإنسان الاجتماعي في الأحواز في ظل الإمارات والدول المتتالية مع المكان والجغرافيا.
فعلى سبيل المثال نجد في مدينة البسيتين والفلاحية تفاعل الإنسان الأحوازي مع الهور، وتفاعل الإنسان في مدينة الخلفية مع الحياة البدوية، وتفاعل الإنسان في السوس والمحمرة مع الحياة المدنية، وتفاعل الإنسان الأحوازي في مدينة جرون وبوشهر والتميمية مع البحر ليشكل تطورًا على مدى العصور، والذي ساعد في تشكل سلوكيات عديدة للإنسان الأحوازي؛ ومن ثمّ تحدد شكل علاقة الإنسان بمحيطه الخارجي”. (حته،2018). ویتفق الباحثون في الحضارات القدیمة علی أن الحضارات على أرض الأحواز أقيمت بناء على عنصرین أساسیین هما البيئة والإنسان، ومن ثم فهدف هذا البحث هو توضیح العلاقة الطبیعیة ما بین الإنسان الأحوازي علی مر التاریخ وجغرافیته الطبیعیة.
مدن الأنهار في الأحواز القدیمة
نشأت المدن القدیمة في إقليم الأحواز نتیجة عوامل بیئیة على هذه الأرض، ومن أهمها الأنهار والمیاه العذبة التي استخدمها الإنسان في سیاق علاقته الطبیعیة مع الجغرافیا، لیرسم لوحة فنیة تبهر عیون السیاح في أورانتاش وسوس وتستر ورامز والدورق وإيذج ونهر تيري وعسكر مكرم وحومة الزط وخابران وحومة البنيان وسوق سنبيل ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى وجبي وطيب وكليوان وبصني وآزم وسوق الأربعاء وحـصن مهـدي وباسيان وبيان وسليمانان وقُرقوب ومتوث وبرذونو كرخه.
إن نشوء الحضارات علی ضفاف الأنهار في أرض الأحواز سمة تشترك فيها مختلف الحضارات علی بقاع الأرض. فکان للأنهار الأحوازیة دور کبیر في نشأة الحضارات والمدن علی هذه البقعة.
اهتم الإنسان العیلامي بتشیید المدن علی ضفاف الأنهار الأحوازية فأنشأ مدنًا تسمى “مدن الأنهار”، أي المدن التي أُنشئت علی ضفاف الأنهار، ومدینة أورانتاش من أبرز “مدن الأنهار” التي بُنیت کمدینة محصنة أمام السیول، وفي نفس الوقت أصبحت حاضنة للزراعة والتجارة والثقافة، فعلاوة علی المدینة التي یسکن فیها المَلك أو الحاکم کمدینة دورانتاش، هناك مدن أخری نشأت علی الأراضي الأحوازية لم تکن لها خصوصية إقامة الملك فيها، ولکن كان لها عواملها الاقتصادیة، ویقسمها ماکس وبر إلی ثلاثة أشکال نشأت علی مدار التاریخ:
1. المدن الاستهلاکیة وهی التي تستهلک ما تولد من تولیدات زراعية.
2. المدن المولدة والتي تصدر ما تولده عن طریق الأنهر المجاورة لها.
3. المدن التي کانت مزیجاً من القسمین الأوَّلین.
وتجسدت نظرية ماکس وبر في مدينة “السوس” باعتبارها مدینة مولدة، وفي “دورانتاش” على شاكلة المدن الملکیة المستهلکة، وكانت تصل إليها القوافل والمیاه العذبة باعتبارها مدینة الملوك والساسة.
أيضًا عندما حاول العیلامیون العمل على تطوير الزراعة، کانت الأنهار الأحوازية بمثابة المکان الطبیعي والملائم لإقامة مجتمعات تعمل بالزراعة، وذلك ما ساعد الفلاح الأحوازي على استخدام الأراضي المجاورة للأنهار لتطوير الزراعة، ومن ثم ابتكر العيلاميون التنقل والحركة عبر مياه الأنهار، وظهرت فکرة الملاحة والنقل البحري نتيجة استخدام مياه البحار، وأصبحت “عيلام” واحدة من أكثر القوى القائمة في العالم القديم في غرب آسيا، وبسطت سيطرتها على المنطقة لأكثر من 2000 عام، منذ الألفیة الثالثة حتى منتصف الألفیة الأولی قبل المیلاد.
لعبت الحضارة العيلامية دورًا بارزًا من الناحیة الاقتصادیة في المنطقة واعتُبرت الأغنى، كما تصدرت مقدمة الحضارات من الناحية الاقتصادیة. وکانت تجري الأنهار علی أراضيها الخصبة ويُزرع القمح بوفرة في هذه السهول الكبيرة (ماريکخ، 1383 :320).
تعتبر عيلام واحدةً من المراكز التجارية والاقتصادية الرئيسية في الماضي (Gershwic،1387: 223) وساعدت هذه الميزة بشكل فعال في ترويج ونشر أفكار وثقافة العیلامیین (أي بعبارة أخری، إذا صح القول نسميها “عيلمة الحضارات”)، بينما كانت السوس آنذاك غنیة ومزدهرة وكانت تمثل مفترق الطرق الأربعة في العالم في ذلك الوقت، كما كانت محل تلاقي حضارات بلاد ما بين النهرين وآسيا الصغرى وجميع الحضارات الأخرى في أنحاء العالم. (آمیه،1971: 12).
وتأثرت باقي الحضارات المجاورة بالثقافة العیلامیة واقتبست الفن والسبك العيلامي في النحت واستخدام الألوان التي استُعملت في هذه النحوت، وتم العثور على صفائح مكتوبة بالخط العیلامي في بعض الحفريات الأثرية في الهند. (Girshman،1336: 29). وكانت تربط عیلام علاقات تجارية قوية مع الهند آنذاك وقد تأثرت الهند بالفنون العيلامية، ومنها وديان السند. (آمیة،1971 :12)
وكان “المجتمع العیلامي مبنیًا علی أساس عبادة الآلهة والاعتقاد بما وراء الطبیعة وتقدیس المرأة، ونری کل هذه الخصائص في الحفریات الأثریة المتبقية من هذه الحضارة العظیمة منحوتة بالخط العیلامي تم الكشف عنها في العديد من الحفریات. (المرجع نفسه: 29-33)
استخدم العیلامیون جغرافیة المكان في التسليح وبناء قدرات عسکرية ومعدات قتالية للدفاع عن المدن والحضارة التي أقاموها على أرض الأحواز. ونظراً لما يتمتع به جغرافيا المكان من أهمية اقتصادية وحضارية وثقافية فقد أصبحت الأحواز مرکزاً للصراعات والحروب، وأصبح في مرمى هجمات شرسة من قِبَل ملوك الأسر الأكادية وأور الثالث (جنوب العراق الحالي).
ورغم أن سرجون ملك الأكاد غزا بلاد عيلام وضمها إلی إمبراطوريته، فإنه بعد انهيار الأکاد رفض العيلاميون الخضوع له، وبالرغم من الهجمات المتعددة إلا أنها أعادت استقلالها خلال فترة حکم أور الثالث، وتحت قيادة سلالة شيماشكي، توحد العيلامیون (Elamite) تحت راية واحدة ودمروا إمبراطورية أور الثالث، وبينما كانت السوس في تلك الفترة منفصلة عن عيلام إثر احتلالها على يد حضارة أور، إلا أنها انضمت إلى تحالف العيلاميين وخاضت الحرب ضمن تحالف المنتصر في هذه المعركة، ومنذ ذلك الحين أصبحت جزءا لا يتجزأ من مملكة عيلام وعادت تحت سيادة الأنظمة المتتالية من Shimashki وصولاً إلى سلالات سوكالما (Epartid) (2100- 1600 ق.م). ومن ثم أصبحت عيلام واحدة من أكبر وأقوى ممالك غرب آسيا، سياسياً وتجارياً وامتلكت قوة عسکریة واسعة النطاق وسيطرت على بلاد ما بين النهرين وسوريا وامتدت أراضيها شمالاً إلی بحر قزوين وجنوباً إلى الخليج العربي وشرقاً إلى المناطق الصحراوية في بلاد فارس کصحراء لوت، وغربًا إلى بلاد ما بين النهرين. (Trevor Bryce، 2009، ص 43).
يعتقد الكثيرون أنه لا يمكن أن تنشأ حضارة علی بقعة ما من الأرض – مهما توافرت عناصر ومقومات حضارية على تك الأرض- إلا إذا نجح الإنسان باستثمار هذه المقومات، وعمل جاهدًا في بناء حضارة مقرونة بالهویة الثقافية المتجانسة مع طبيعة تلك الأرض. عندئذ تتفاعل تلك العناصر والمقومات الأساسیة تفاعلاً إیجابياً معها، ویؤثر الإنسان علی الجغرافیا ویتأثر بها من خلال التطبیع الاجتماعي ثم التغیرات الاجتماعیة في سلوك الأفراد وحينها تتهيأ الظروف لنقل المجموعة البشریة في تلك البقعة من الأرض من الحیاة البربریة (barbarian) إلى حیاة مدنیة (civilized life) جديدة.
کان للجغرافیا الأحوازیة دورا رئیسا في انتصارات العیلامیین ونتيجة لذلك أصبح هناك ارتباط شدید بين الإنسان العيلامي والأنهار، وكان هذا الترابط من أهم العوامل في بسط سيطرة عيلام على بلاد الجوار واستمر الترابط إلى العصر الحديث ونجده واضحاً جلياً في حب الأحوازیین للصید والسباحة حتى الآن.
و”كان العیلامیون قد استخدموا الأنهار في المواجهات المستمرة، وكان النصر حليفهم دائماً في تلك الحروب”. (فتوحی، 2007، ص 67) وشيد العیلامیون قصوراً وبنوا بیوتاً وأسسوا مدن الأنهار علی ضفاف نهر کارون بأدق وأجمل صورة يمكن أن يتصورها الإنسان، وأثبتت المعلومات الجیوفیزيائية التي حصل علیها العلماء الجیولوجیون مؤخراً أن أنهار الجنة الأربعة المقصودة في سفر التكوين، تتألف من دجلة والفرات، ونهر الكارون ونهر حفر الباطن، أو كما يسمى بوادي بطن الرمة (جيحون).
وهذه الجغرافيا المحددة تشكل التصور التوراتي لموقع الجنة المقصودة. (فتوحی، 2007، ص 198)
الجغرافیا والترابط الاجتماعي مع الجوار
لم تکن هناك حدود طبیعیة بين العیلامیین وسلاسل ما بین النهرين، إذن يمكن أن نطلق على أرض عيلام البوابة الشرقیة للعنصر السامي بحدودها المفتوحة تجاه الأکدیین والسومریین. هذا العمق المترابط والمتناسق والمتشابك ثقافیًا واجتماعیًا وجغرافیًا له امتداده العمیق والعریق علی طول التاریخ. یقول ياكوبسون في کتابه الشرق القدیم: كتبت نقوش ملوك عيلام من سلالة سيماشك باللغة الأكدية والسومرية. وأصبحت اللغة الأكدية -أثناء سيطرة سلالة أور الثالثة على عيلام، وفي بلاد الميزوبوتامية السفلى- هي اللغة المستعملة، واستخدمت اللغة السومرية باعتبارها لغة الدواوين والأدب والعبادة، ويبدو أيضاً أنه ظهر في سوسة تأثير أكدي قوي، وقد وصلتنا كميات كبيرة من المصادر الكتابية الأكدية من سوسة ترجع إلى بداية القرن الـ19 ق.م إلى القرن الـ16ق.م، ونجد فيها أسماء أعلام أغلبها أسماء أكدية، إلى جانب الأسماء العيلامية، وأسماء حورية وآمورية ولكن بصورة أقل. ويظهر انطباع أن العناصر اللغوية العيلامية كانت متأثرة بالأكدية في عهد الحاكم ريم- سين الأول، وتركت الأكدية أثرًا بالغًا في حياة شريحة سكانية الراقية في المدن، وباتت اللغة الدارجة آنذاك في أوساط الطبقة الوسطى والعليا. وينطبق هذا على سوسة، ومنها شريحة اجتماعية خاصة، والتي انعكست في الوثائق العملية الكتابية، أي وثائق الدولة والمعبد والإدارة، ورجال الأعمال، والتجار، ومالكي الأرض الميسورين، أو قطع أراضي الدولة، والكتاب، وخضعت العاصمة العيلامية في هذا العصر إلى تجانس أكدي قوي. (یاکوبسون، 2003: ص 540).
الانفتاح والارتباط الجغرافي بين حضارة عیلام علی أرض الأحواز من جهة وحضارات بلاد الرافدین من جهة أخری جعلت النسیج الاجتماعي في السوس عاصمة العیلامیین متنوعًا، وساعد هذا التنوع فی بناء مجتمع عیلامي یحمل مواصفات المجتمع المدني، کما یقول ياكوبسون: “ولم تقف نجاحات عيلام في الاستقلال عائقاً أمام تواجد شريحة أكدية كبيرة في سوسة وعلى إثر ذلك انتشرت اللغة الأكدية بشكل واسع. وبينت الوثائق الأكدية ماهية اللغة في سوسة، خلال فترة سوكال- ماخ وتظهر صورة عن وضعية المجتمع العيلامي في ذلك العهد والعهود السابقة لها. (یاکوبسون، 2003: ص 546)
الجغرافیا والفنون في الفترة العیلامیة
المناخ والطبیعة والبیئة الجغرافیة، جعلت الفنون والموسیقی تنتشر في المجتمع العیلامي وأصبح دور الموسیقی ملموسًا حتی في الطقوس الدینیة، کما نراها في اللوحة الأثریة التي عُثر علیها في السوس في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتظهر هذه القطعة صورة إله العيلامي على سرير مسطح يحمله عدة أشخاص وأمامه أشخاص یحملون الأدوات الموسیقیة، بالإضافة إلى ذلك، أظهرت النصوص العیلامیة أن ملك كوتيك إينشوشيناك (2220-2240 ق.م)، استخدم فنانين يعزفون طوال الليل والنهار أمام أبواب معبد إينشوشيناك إله السوس الرئيسية. (هينتس؛1371؛ ص 67).
وتم الكشف عن العديد من الآثار التراثیة منذ فترة حکومة الملك هاني حاکم إیذج في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، وتوجد صورة مذهلة من الموسيقيين الثلاثة معهم الآلات الموسيقية الخاصة بهم، القيثارات، الأجراس والمزمار، کما ترون هذا الأثر في هذه الصورة: (هينتس؛1371؛ ص 68)
مدینة إیذج – الفرقة الموسیقیة في عهد الحاکم هاني في القرن الثامن قبل المیلاد
فن النحت… هندسة الإنسان العیلامي علی الجغرافیا الأحوازیة
استخدم العیلامیون الجغرافیا وأبدعوا في البناء وازدهر النحت في هذه الحضارة، وزینت جدران القلاع بالصور والتماثیل والتحف الفنية التي أثارت إعجاب الناس في العصر الحديث، وأبهرت هذه العبقریة العیلامیة السامیة على أرض الأحواز عقول الباحثين. ويوجد في أراضي الأحواز حتى الآن العديد من التماثیل من الذكور والإناث مصنوعة من الطین، والعديد من هذه التماثيل يرمز إلى جوانب دينية، ولذلك مُنِحت أغلبها للمعابد باعتبارها هدايا تُقدم إلى دور العبادة.
تم حماية مداخل المعابد العیلامیة بواسطة هذه التماثيل من السباع والثيران وبعض أنواع الكلاب. ففي الزیغورات بين أطلال المعابد والقلعة الملكية، تم العثور على منحوتات من الثيران، ویذکر آشور بانيبال تدمیر هؤلاء الحراس وأبواب المعابد عند هجومه علی السوس. (هينتس؛ 1371؛ ص74).
وتدل تلك التماثیل علی أهمیة هذه المخلوقات عند الأحوازیین منذ التاریخ وبقيت هذه الحیوانات متواجدة في المجتمع الأحوازي إلی یومنا هذا ما عدا السباع التي انقرضت في الآونة الأخیرة بعدما کانت منتشرة في غابات کارون المعروفة بـ”الزورة” إثر تدمیر الجغرافیا والبیئة الأحوازیة.
توجد نُحُوت أخرى تجسد الإنسان العیلامي، ويستطيع المتابع أن يعرف من خلالها مدى ارتباط العیلامیین بطقوسهم وعاداتهم ومشابهة الأجیال القادمة من الأحوازیین لهم من خلال العادات الظاهریة كالفکلور المتمثل بالأثیاب وطریقة الحیاة، التي تأثرت بالطبيعة والفصول وحرارة الجو، فصورة التمثال في الأدنى توضح التشابه بين الثیاب العربية المستخدمة حاليًا في المجتمع الأحوازي مثل “العصابة” عند النساء و”الشماغ” و”العمامة” عند الرجال، والإنسان العيلامي في قديم الزمان.
تمثال المرأة العیلامیة بالعصابة الأحوازیة (هينتس؛ 1371؛ ص74)
وتظهر العصابة العیلامیة الأحوازیة في الصورة التالیة:
(برايس، 2009)
النتیجة
یعتقد الکثیر من المورخين أن حضارة عیلام عبارة عن البوابة الشرقیة للعنصر السامي، وجزء مترابط ومتناسق مع الحضارات التالية التي وُجدت في الأحواز. وبرزت الأدلة أن هناك ترابطًا قويًا بين حضارة عيلام من جهة وجغرافية الأحواز والإنسان الأحوازي من جهة أخرى، ولا يمكن البحث عن العيلاميين خارج سياق ودراسة الأحواز في العصر الحديث، حيث يرسم هذا المنهج صورة دقيقة ورؤیة متكاملة ومتطابقة مع تاریخ وحضارة عيلام أي الأحواز القدیم. ومن ثم فتجرید الحضارة العیلامیة من تاریخ الأحواز الحاضر والماضي القريب سوف یجعلها فریسة للهجوم والسرقة التاریخیة، ویجرد الإنسان الأحوازي من هويته التاريخية.
يمكن القول: “إن الجغرافيا كانت أهم عامل وراء نجاح الإنسان القديم في الأحواز، وسببًا جعل الحضارة العیلامیة تُشيّد إحدى أهم وأعظم حضارات التاریخ علی أرض الأحواز، كما لعبت هذه الجغرافيا دورًا أساسيًا في بناء الإنسان الأحوازي القديم والحديث، وتركت ترابطًا قويًا بينهما.
المصادر:
1. محمد وهیبة، عبدالفتاح. (1980). جغرافیة الإنسان
2. برايس، تريفور. (2009).الشعوب والأماكن القديمة في آسيا الغربية
3. حنا فتوحي، عامر. (2007) . الکدان/ الکدانیون منذ بدء الزمان
4. دياكونوف ي .م ، أفاناسيفا ف .ك، ماسون ف . م، ياكوبسون ف . أ، كوشناريفا ك . . (2003). تاريخ الشرق القديم، ترجمة: الدكتور / محمد العلامي
5. والتر، هينتس. (1993). عالم عیلام الضائعة؛ ترجمةفيروز فيروز نيا؛ الطبعة الأولی، طهران
6. آميه، پير، . (1971).تاريخ عیلام، ترجمه شيرين بياني: جامعة طهران للنشر
7. بلك، جرمي؛ جرین، أنطوني وقاموس، الإله (خدایان). (2004).ديوانور موز بلاد ما بين النهرين القديمة؛ ترجمة متين، طهران: دار أمير كبير للنشر
8. بهار، مهرداد.(1997). من ألاسطورة حتى التأریخ، جامعو محرر: أبوالقاسم إسماعيل بور، الطبعة الأولى: دار تشمه للنشر
9. برادا، آديت. (2006). زیغورات، ترجمة أصغر كريمي، المجلد 4، نقش، الطبعة الأولى: منظمة التراث الثقافي
10. برادا، إديث (بالتعاون مع روبرت دايسون)، (1977). الفن الإيراني القديم (حضارات ما قبل الإسلام) ،ترجمة يوسف مجيد زاده: مطبعة جامعة طهران
11. دلاپورت؛ ل، ژيران؛ ف، لاکوئه؛ گ.(1996). أساطير آشور وبابل، ترجمة أبوالغاسم إسماعيل بور، الطبعة الأولى: دار مايندداي للنشر
12. حكمي، علي، شهداد.(2006). التنقيب الأثري، الطبعة الأولى، طهران: مركز أبحاث الآثار، معهد بحوث التراث الثقافي، الحرف اليدوية والسياحة
13. صراف، محمد رحيم. (2005). إيلامدين، الطبعة الأولى، جامعة طهران: منظمة دراسات وكتب العلوم الإنسانية
14. كاريمر، صموئيل نوح. (1962). لوحات سومرية، ترجمة داودراساي، أوفست، طهران – نيويورك: دار فرانكلين للنشر
15. مجيد زاده، يوسف. (1992). إيلام التاريخ والحضارة، الطبعة الأولى، طهران: دار نشر أكاديمي
16. ماجد زاده، يوسف. (2001). تاريخ وحضارة بلاد ما بين النهرين، المجلد 3: الفن والعمارة، الطبعة الأولى، طهران: دار نشر أكاديمي
17. ويندينبرغ، لويس. (2000). علم الآثار في إيران القديمة، ترجمة عيسىبهنام، الطبعة الثانية، دهران: دار نشر أكاديمي
18. هيرتز فيلد، إيرنست. (2002). إيران في الشرق الأوسط، ترجمة شركة همايون الصناعية، الطبعة الأولى: معهد الدراسات الإنسانية والثقافية، وانتشارات جامعة شهيد باهنر فيكرمان
19. حته، مصطفى. (2018). الأحواز وجغرافية الخرائط: مركز دراسات دور انتاش
20. مجلة الآثار والتاريخ. (نسخة خريف وشتاء 1988). السنة الثالثة، العدد الأول
21. . www.BritishMuseum.org
22. www.Louvre.fr
23. www.Metmuseum.org