الخميس, ديسمبر 19, 2024
مقالاتالاقتصاد الإيراني قبل وبعد الاتفاق النووي

الاقتصاد الإيراني قبل وبعد الاتفاق النووي

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

مقدمة

تضرّر الاقتصاد الإيراني جراء المغامرات النووية وأصيب بشلل مميت إثر العقوبات الدولية المفروضة عليها من الأمم المتحدة لأكثر من تسعة أعوام منذ 2006 حتى نهاية 2015، لكن وبالرغم من أن الكثير من الاقتصاديين كانوا متوقعين أن الاتفاق النووي سينتعش ويحسن مؤشرات الاقتصاد ومستوى المعيشة وقيمة العملة إلا أن الآمال فشلت وخاب ظن المواطن.

قبل البدء في البحث عن الوضع المعيشي للمواطن الإيراني نركز على عدة موشرات سوف تسهل على القارئ إدراك الوضع الاقتصادي في إيران.

أ: مؤشرات الاقتصاد الإيراني منذ 2006-2018

تصدير النفط

بناء على الأرقام والأعداد والبيانات التابعة للنطام الإيراني حصلت تقلبات كبيرة في إنتاج وتصدير النفط باعتباره المصدر الرئيسي في الاقتصاد الإيراني. كانت إيران تصدر 2.2 مليون برميل يوميًا في فترة زمنية بين عامي 2008- 2010 ثم هبط الرقم جراء الحظر الذي فرضته الدول العظمى إلى مقدار 1.2 مليون برميل خلال عام 2012 -2015 وبعد الاتفاق النووي ارتفع ميزان الإنتاج إلى 4 ملايين برميل خلال 2016 – 2017 ونزل إلى مستوى مليوني برميل في اليوم في عام 2018.

إذن نشاهد التأثيرات الإيجابية في المفاوضات النووية على الإنتاج النفطي والاقتصادي الإيراني، كما أعلن مدير عام شركة إيران الوطنية للنفط، بلغت مستوى إنتاج 4 ملايين برميل من النفط يوميًا، ونجحت في الحفاظ على حصتها في منظمة الدول المصدرة للنفط. وذلك يعني أن النظام الإيراني نجح في أن يأخذ نسبة 14% من إجمالي حصة “أوبك”، بعد الوصول إلى مستوى إنتاج 4 ملايين برميل من النفط يومياً في ظل الاتفاق النووي. وبالرغم من إعلان وزارة الطاقة الإيرانية مؤخرًا عن السماح لـ29 شركة أجنبية بالتقدم للاستثمار في قطاع النفط والغاز، لكن لازالت استجابة الشركات الأجنبية كانت ضعيفة، وتركت العديد من الشركات عقودها في ظل إدارة ترامب، خوفًا من الخسائر التي تترتب عليها آثار الضغوطات الاقتصادية الأخيرة.

النمو الاقتصادي

بناء على تقارير صندوق النقد الدولي تأرجح الاقتصاد الإيراني بين الصعود والانكماش . بطبيعة الحال تاثر الوضع الاقتصادي بأحداث المنطقة والعالم، حيث شهد الاقتصاد نموًا بسنبة 2% منذ 2006 -2009 ثم تأثر سلبيًا بالضغوطات الاقتصادية وشهد انكماشًا ملحوظًا بنسبة 5% طوال الأربع سنوات منذ 2012 – 2015 ثم انتعش وشهد ارتفاعًا بمعدل 10% خلال 2015 – 2017 .

هذه البيانات تدل على تأثير فرض الضغوطات بشكل كبير على النمو الاقتصادي، حيث سجل نحو 4.4%، وانخفض إلى مستويات ضعيفة في 2009، حيث سجل 0.3%، ودخل في النطاق السلبي عام 2012 وسجل النمو -7.7%. وفي العام 2016، ارتفع النمو وسجل 12.5%، إلا أنه عاد وانخفض في 2017، عقب تولي الجمهوريين الرئاسة الأمريكية، وتلويحاته بوقف الاتفاق النووي، وسجل النمو 3.5%. وتوقع البنك الدولي تحقيق الاقتصاد الإيراني، نموًا بنسبة 4% و4.3% في عامي 2018 و2019 على التوالي لكن لا يبدو أن هناك نموًا يلوح في الأفق بعد العقوبات الاقتصادية الأخيرة، التي هزت أركان الاقتصاد الإيراني.

الإيرادات السياحية

حسب بيانات منظمة السياحة في إيران، تجاوز عدد السياح الوافدين إلى إيران منذ 2006 – 2009، أكثر من 2.5 مليون سائح، وانخفض العدد تدريجياً، بعد تشديد العقوبات بنسبة عالية إلى مليون سائح. تسعى الحكومة الإيرانية إلى أن ترفع عائدات السياحة من أجل تعويض انخفاض أسعار النفط وتساعد في تعزيز إيرادات الدولة، لذلك أدرجت في برامجها العمل على جذب أكثر من عشرين مليون سائح سنويًا في العشر سنوات القادمة، ومضاعفة العائدات السنوية لتبلغ أكثر من ثلاثة مليارات دولار.

كما تشير الإحصائيات إلى أن إيران استطاعت أن تستقطب في 2015 نحو 4.16 مليون سائح، بزيادة 5% عن العام الذي سبقه، وأشار رئيس منظمة التراث الثقافي إلى أن الحكومة خصصت 2400 مليار تومان لدعم السياحة في إيران.

الناتج المحلي

تحسن الناتج المحلي الإيراني في عام2016، وبداية العام 2017، وسجل 425 مليار دولار، بعدما هبط إلى مستويات كبيرة. وفي العام 2006، كان الناتج يقارب 337 مليار دولار.

من جهة أخرى تذبذب الناتج منذ 2006 إلى 2015، وكان قد هبط إلى أعلى مستوى في فترة بين 2010 – 2014 بنسبة 300 مليار دولار، ثم أخذ سيرًا صعوديًا وسجل منذ الاتفاق النووي نحو 415 مليار دولار.

معدلات البطالة

لازالت معدلات البطالة في إيران مرتفعة، إذ كشف العديد من المسؤولين أن نسبة البطالة في بعض المدن وصلت إلى 60%، وهو رقم غير مسبوق في فترة حكم “الثورة”، حسب بعض المواقع الإيرانية. وبحسب تصريحات المسؤولين، فإن معدل البطالة الحالي في إيران يفوق 12%، بينما وصلت النسبة في بعض المدن، ومنها محافظة كرمانشاه (الكردية) والمحافظات الأحوازية (بوشهر، بندر جرون، الأحواز العاصمة وموسيان) وبلوشستان إلى 60%.

وأشارت بعض المواقع الإيرانية إلى أن أكثر من 21% من خريجي مرحلة بكالوريوس، و15% من خريجي مرحلة الماجستير والدكتوراه، يعانون من البطالة . بناء على الإحصائيات الحكومية يترك سنويًا أكثر من 150 ألفًا من أصحاب الشهادات والمهن البلاد متوجهين نحو أوروبا وأمريكا الشمالية.

وبحسب البيانات، فإن البطالة في إيران في العام 2006، عند بدء تطبيق العقوبات، كانت تراوح بين 7% و8%، وارتفعت إلى 12% عام 2008، كما راوحت بين الأعوام 2010- و2014 ما بين 14% و16%.

ووفقًا للإحصائيات الرسمية، تركت الضغوطات الاقتصادية على إيران أثرا سلبيًا ملحوظًا، حيث تراجع عدد الشباب العاملين إلى نحو 2.26 مليون في نهاية 2013، مقارنة بـ4.49 عام 2005، ما يشير إلى أن 2.23 مليون شاب إيراني فقدوا وظائفهم خلال سبعة أعوام.

أعلنت الوزارة الداخلية الإيرانية نقلا عن قناة بي بي سي اليوم، أن أكثر من 90% من المعتقلين في الأحداث الأخيرة هم دون الثلاثين عامًا. بينما كتبت جريدة نيويورك تايمز قبل يومين، أن أكثر من 40% من الشباب المحتجين دون 30 عامًا يعانون من البطالة و20 بالمئة من هذه الفئة لديهم وظائف للعمل.

معدلات التضخم

تشير البيانات الرسمية إلى أن مستويات التضخم في البلاد عام 2017 وصلت إلى أكثر من 11%، كما أشارت البيانات أيضاً إلى أنه في أبريل/ نيسان 2017، وصلت معدلات التضخم إلى أكثر من 13.6% . وبينما أعلن البنك المركزي، عن تسجيل معدل تضخم الشهور الأولى من عام 2018، نسبة 10.2 بالمئة قياسًا بالفترة المناظرة 2017 إلا أن الواقع يختلف تمامًا في الأسواق الإيرانية.

ومنذ العام 2006، كانت نسبة التضخم تعادل 9%، وارتفعت بشكل كبير خلال 2007- 2008، حتى سجلت نهاية العام 2008 نحو 29%، واستمرت بالارتفاع في الأعوام 2012- 2013، وسجلت ما بين 32 و45%. وبعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ في 2016، انخفضت نسب التضخم وسجلت 12.64%.

استثمارات الأجنبية

استقطبت طهران بعد تنفيذ الاتفاق النووي نحو 12 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، إذ حلت ألمانيا باستثمارها نحو 3.962 مليارات دولار في المرتبة الأولى بين الدول المستثمرة في إيران. بينما حسب إحصائيات وزارة الاقتصاد والمالية الإيرانية فإن حجم الاستثمارات الأجنبية، في العام 2006، لم يسجل أكثر من 1.6 مليار دولار، وسجلت الاستثمارات ارتفاعات منخفضة بنسبة 4.7 مليار دلار عام 2012، وانخفضت بشكل حاد في 2014، ولم تسجل أكثر من 1.2 مليار دولار.

وفي العام 2016 ومع دخول خطة الاتفاق النووي حيز التنفيذ، شهد الاقتصاد الإيراني انفتاحًا على العالم، حيث سجلت لجنة الاستثمارات الأجنبية في الأشهر الأولى منه استقطاب نحو 9.176 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية إلى داخل البلاد. وفي نهاية العام الماضي، في 30 مارس/ آذار، بلغت الاستثمارات الأجنبية ما يقارب 13 مليار دولار.

ومنذ بدء تنفيذ الاتفاق النووي، عادت العديد من الشركات الأجنبية إلى إيران، لكن التهديدات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة منعت المصارف الدولية الكبرى من إقامة شبكات مالية مجدداً مع إيران خشية عقوبات أمريكية. بينما يحاول روحاني مضاعفة الاستثمارات الأجنبية في إيران، لتصل إلى ما بين 30 إلى 50 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة، لكن الأحداث الأخيرة من العقوبات الأمريكية والمظاهرات المستمرة والعصيان التي ضربت البلاد قضت على جميع هذه الطموحات.

العملة الإيرانية

عاد الحديث عن سعر العملة الإيرانية واحتمالية انهيارها أمام الدولار، إلى عهد ما قبل الاتفاق النووي، حيث واصل “الریال” الإيراني هبوطه أمام العملات الأجنبية، خاصة قبل إعلان ترامب قراره النهائي بشأن الاتفاق النووي مع إيران أو إلغائه. وحققت العملة الأمريكية مستويات عالية بزيادتها على 43 ألف ريال إيراني في يناير 2018. وسقطت إلى أدنى مستوياتها بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة منذ منتصف عام 2018، ووصلت إلى ما يقارب مئة ألف ريال إيراني للدولار الواحد.

إيران ما بعد الاتفاق النووي

افتخر روحاني بالإنجاز الكبير الذي حققته حكومته المتمثل في الاتفاق النووي الذي توصلت له البلاد مع ست قوى دولية والذي فتح باب الاستثمارات الأجنبية في إيران بعد الافتقار إليها لسنوات بسبب العقوبات الغربية، التي زادت حدتها منذ العام 2006 وجعلت من الاقتصاد الإيراني اقتصادًا مغلقًا ضغط على برامج التنمية وتطوير الموارد الاقتصادية المتاحة وزاد من حدة الفقر والبطالة والركود وساءت قيمة العملة والظروف المعيشية مع مرور السنوات. وكان الشعب الإيراني يأمل بعد رفع العقوبات أن تكون بداية جديدة تتحسن فيها الظروف الاقتصادية. لكن في ظل السياسة الأمريكية الجديدة تركت العشرات من الشريكات السوق الإيراني وبالنظر إلى جملة من المؤشرات الاقتصادية الموجودة، يظهر أن الاقتصاد الإيراني تأثر بشكل سلبي واستمر بالهبوط.

أسباب تأزم الوضع الاقتصادي في إيران

يعاني الاقتصاد الإيراني من أزمات حادة نتيجة عاملين أساسيين:

أولاً: البيروقراطية المعوقة. فوفقاً لتقرير البنك الدولي عن ترتيب البلدان من حيث سهولة ممارسة النشاط، تعد إيران من أصعب البلدان التي يمكن إقامة وتشغيل المشاريع فيها. ففي عام 2014، حلت في المرتبة 130 من بين 189 دولة ولا يبدو في الأفق أن ثمة شيء جديد يحدث لإصلاح النظام البيروقراطي في إيران.

ثانياً: خلال السنوات القليلة الماضية، تم الكشف عن قضايا كبرى للفساد والاختلاس بمليارات الدولارات والرشوة، فضلاً عن دفع قروض ضخمة من البنوك لرؤساء النظام من دون تسديد مما أدى إلى إفلاس العديد من البنوك.

يبدو أن الأسباب الرئيسية للمشاكل الاقتصادية في إيران تنبع من داخل البلاد ولا تنحصر بالعقوبات التي فرضتها الدول الكبرى. وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن إلغاء العقوبات بدون إجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية داخلية كبيرة يمكن أن يحقق الكثير على الطريق نحو تخفيف المحنة الاقتصادية للمواطن الإيراني.

ب : الاقتصاد الإيراني في الوقت الراهن (أسعار السلع الاستهلاكية وغيرها)

رغم الاتفاق النووي إلا أن أسعار المواد الغذائية والمياه والكهرباء لازالت عالية الثمن ويرى الإيرانيون أن روحاني لم ينجح في تخليص البلاد من المشاكل الاقتصادية وأن أوضاعهم المعيشية لا تزال سيئة جداً، وأصبح الوضع أكثر صعوبة مع وصول ترامب للسلطة.

وبحسب مجلة “هندزبلات” الألمانية فإن الإيرانيين بعد عام ونصف العام من الاتفاق النووي لا يزالون ينتظرون علامات تحسن الوضع الاقتصادي، ومازال اليأس يتزايد في حين لم تصبح الأوضاع المعيشية أكثر سهولة، بل ازدادت صعوبة بعد مجيء ترامب وفرض العقوبات الجديدة، وبسبب الركود في الأسواق تحول الكثير من الشباب الخريجين الباحثين عن عمل إلى سائقي تاكسي، فأكثر من 200 ألف إيراني سجّلوا في نظام “أوبر” خلال عدة أشهر فقط بحسب ما ورد في المجلة وأدى هذا اليأس والفقر والضغظ الاجتماعي إلى انهيار في المجتمع وخرجت مئات الآلاف من الشعوب في جغرافية إيران منددة بالوضع القائم ومطالِبة بسقوط النظام.

جاءت هذه الاحتجاجات بعد ارتفاع أسعار البضائع، لا سيما أسعار السلع الغذائية، وبعد ما رفعت الحكومة الإيرانية أسعار جميع السلع الأساسية بنسبة أكثر من 20% في السنة الماضية، وشملت المأكولات وغير المأكولات.

اتخذت حكومة روحاني سياسة غلاء السلع بهدف سد عجز الموازنة، في ظل ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والغاز والمياه، بالإضافة إلى أسعار المحروقات تسبب بزيادة التذمر الشعبي وتدني مستوى القوة الشرائية لدى المواطنين الإيرانيين.

ورغم ضبط الحكومة لنسبة التضخم الاقتصادي، التي زادت على 40% في بعض الأحيان في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لكنها وصلت اليوم إلى 15%، ورغم هذا إلا أن الشارع الإيراني لم يلحظ سوى ارتفاع الأسعار.

وكانت الحكومة الإيرانية قد أعلنت قبل شهور، عن رفع سعر الوقود بنسبة كبيرة، ليصبح سعر لتر البنزين العادي 15 ألف ريال، بنسبة زيادة 50%، بينما ألغت الحكومة حصة أصحاب السيارات من البنزين التي تعادل 60 لتراً شهرياً من البنزين المدعوم من قِبَل الحكومة مقابل 7 آلاف ريال إيراني للتر قبل عام.

وبحسب تقارير رسمية فقد شهدت أسعار القمح المستورد والفواكه ارتفاعاً غير مسبوق بنسبة 100%، حيث يشكو الإيرانيون من الزيادة المستمرة لأسعار الخبز والطحين، الأمر الذي سيجعل العمال وأصحاب الدخل المحدود، الذين يشكلون حسب الإحصائيات أكثر من 85% من الشعب الإيراني، أكثر فقراً.

وفي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الخبز الذي يشكل الطعام الرئيسي لغالبية المواطنين، لم تشهد الموازنة أي زيادة في الرواتب أو دعم حكومي للسلع الأساسية.

وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني ألغى العام الماضي، المساعدة المالية المباشرة (يارانه) لستة ملايين على الأقل من سكان البلاد البالغ عددهم 80 مليوناً، والتي كانت تدفع كبدل عن دعم السلع الأساسية، مقابل عدم زيادة الرواتب مما أدى إلى تضاعف المعاناة اليومية للأسر ذات الدخل المحدود في إيران. وكان مقرراً أن تُلغى المساعدات المالية لـ23 مليون مواطن، لكن بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد في الأول من عام 2018، عدلت الحكومة عن رأيها، وذلك سوف يكلف الحكومة أرقاماً كبيرة تعادل 38000 مليار تومان إيراني على حساب ميزانية السنة المالية الحالية.

الفقر والاحتياج لكل عائلة

إذا احتسبنا ما تحتاجه عائلة تتشكل من 4 أفراد من مأكولات وإذا أضفنا تكاليف إيجار المنزل والماء والكهرباء والهاتف ورسوم تعليم الأبناء والعلاج والصحة، فإنه يتضح أن عوائد كل عائلة يجب ألا تقل عن 45 مليون ريال حتى تتمكن من توفير أبسط أمور المعيشة، بينما الدخل المالي لأكثر من 85% من الشعوب في إيران لازالت دون هذه الأرقام. كما حدث طوال السنتين الماضيتين احتجاجات واعتصامات يومية للعمال والمعلمين والممرضين والموظفين والمتعاقدين، مطالبين بأخذ رواتبهم المعوقة منذ عدة شهور.

ج: اقتصاد إيران في ظل الاحتجاجات المستمرة

توضح البيانات أن المتوسط الفعلي لنفقات الأسر (المعدل وفقا لنسب التضخم) انخفض خلال أول عامين من حكم روحاني، بينما ارتفعت نسبة الفقر بشكل ملحوظ. ففي العام المالي 2016 زاد عدد من يعيشون تحت خط الفقر بمقدار 1 (مليون) شخص تقريباً مقارنة بعددهم قبل تولي روحاني مقاليد الحكم.

 ويشعر كثير من الإيرانيين الآن بالإحباط بعد أن كانوا يتوقعون أن تؤدي هذه النجاحات إلى تحسين مستويات معيشتهم.

يعاني الاقتصاد الإيراني أزمات تكاد أن تقلب النظام، وسوف يحصل ذلك إذا كانت وراءه إرادة دولية لأسباب عدة منها:

_ الركود وتأخير التعافي، حيث أبقى معدل الاستثمار الحكومي في الأصول الثابتة عند 5% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي.

_ مأزق استثماري كبير بسبب انهيار قيم العقارات وتجمد النظام المصرفي.

_ لا تزال بنوك إيران مثقلة بالديون المعدومة التي فرضها عليها أحمدي نجاد لتمويل مشروعاته الشعبوية الفاشلة.

_ عدم نجاح البنك المركزي الإيراني في إعادة تدفق الائتمان، رغم الأموال التي ضخها في شرايين الاقتصاد وزيادة السيولة النقدية بمقدار 26% سنوياً.

_ارتفعت معدلات الفائدة الفعلية إلى أكثر من 10% لتقضي على الاستثمار الخاص.

_إعراض الدولة عن الإنفاق وعجز القطاع الخاص عن الاقتراض، هبط الاستثمار الكلي بمقدار 9% في الأشهر التسعة الأُولى من العام المالي2017، بعد انهياره بنحو 17% في الفترة نفسها من العام السابق.

_ زادت البطالة فعلياً، معدل البطالة من 10.1% إلى 12.1%، ومن 24% إلى 29% بين المواطنين في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاماً.

_ رفع أسعار الطاقة 50% دون زيادة في مدفوعات الدعم النقدي الموجهة للفقراء

في النتيجة، تواجه حالياً السلطات الإيرانية موجة غضب عارمة في جميع أنحاء البلاد، ولصد هذه الاحتجاجات قررت الحكومة:

أولا: تنازلت الحكومة عن قطع المساعدات (يارانه) عن 23 مليون إيراني، والتي كان مقرراً تطبيقها خلال الأشهر القليلة القادمة وسوف يكلف الحكومة ما يعادل 38000 مليار تومان إيراني في السنة المالية الجديدة.

ثانياً: تنازلت الحكومة عن رفع أسعار الوقود إلى 15 ألف ريال وتثبيت أسعارها في سقف 10 آلاف ريال إيراني، أي يكلف الحكومة ما يقارب 15000 مليار تومان سنوياً.

ثالثاً: تعهد روحاني بدفع أموال الناس المفلسة إثر انهيار البنوك وسوف يكلف النظام ما يعادل 10 آلاف مليار تومان إيراني في السنة المالية الجديدة.

هذه الملاحظات سوف تقضي على النظام، حيث إن إقامة مشاريع عمل للشباب العاطلين لا يمكن أن يحصل بسهولة. حسب جريدة نيويورك تايمز 50 بالمئة من المحتجين من فئة الشباب تحت 30 عاماً ويقدر أن 40 بالمئة من هذه الفئة الثائرة لا توجد لهم فرص عمل.

إذن لا يمكن للحكومة أن تنشئ مشاريع عمل في السنة المالية الجديدة في ظل هذا الإنفاق الضخم.

رابعاً: رغم مرور أكثر من سنتين من الاتفاق النووي إلا أن الكثير من البنوك العالمية تأبى أن تتعامل مع إيران، وبعد وصول ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة ازداد الأمر سوءاً.

خامسا: هبوط مستوى التبادل التجاري، وسيما في شراء النفط بين إيران ودول آسيا من 20 إلى 28 بالمئة خلال الاحتجاجات في الأسبوع الماضي.

سادساً: تضررت الأعمال التجارية المرتبطة مع شبكات الاتصالات أكثر من 5000 مليار تومان إثر الاحتجاجات الأخيرة في البلاد نقلاً عن “علي توسلي” نائب رئيس لجنة الاتصالات.

سابعاً: ارتفاع سقف الإعفاء الضريبي لذوي الدخل المحدد من 20 مليون ريال إلى 23 مليون إثر الاحتجاجات الأخيرة.

الحلول والآراء في مواجهة وتضعيف الاقتصاد الإيراني

الاحتجاجات المستمرة والاقتصاد المتدهور لا يمكنه أن يسقط النظام في هذه المرحلة، لكن سوف يساعد على إسقاط النظام إذا:

أولاً: عزل إيران عن النظام المصرفي العالمي، أي تشديد العقوبات على البنوك التي تتعامل مع إيران، لذلك تواجه البلاد ضعفاً كبيراً في السيولة.

ثانياً: تجميد حسابات المسؤولين الإيرانيين في الإمارات العربية المتحدة، باعتبارها الجسر الرئيسي لإيران للالتفاف على الضغوطات الاقتصادية.

ثالثاً: تشديد الإجراءات على التجار الإيرانيين ممن يعملون الدور الوسيط بين إيران والشركات التجارية العالمية.

ملاحظة: تشتري إيران الكثير من الأشياء اللازمة في الصناعة النفطية وغيرها عن طريق الوسطاء الإيرانيين في الإمارات العربية المتحدة.

رابعاً: القضاء على التجارة والتبادل الاقتصادي بين إيران من جهة والعراق وأفغانستان من جهة أخرى.

ملاحظة: تعتبر أفغانستان والعراق المتنفس الأساسي الوحيد لاقتصاد إيران المنهك، حيث تستورد إيران ملايين الدولارات من النقود من هذه الدول وتستنزف اقتصاد هذه الدول لتكون متنفساً للنظام في طهران.

خامساً: مع استمرار دعم الاحتجاجات ستتدهور صناعة السياحة في المدن الرئيسية، مثل مشهد (سياحة دينية)، الأحواز (تجارة و زراعة ومعادن والنفط والغاز وزيارات عائلية)، طهران وشيراز (طبية) وشمال إيران (سياحية).

المقترح الرئيسي

بما أن الاقتصاد الإيراني لا يزال يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز في إيراداتها العامة ولا تتوقف إيران في بيع النفط في ظل الضغوطات الأمريكية الأخيرة، لا بل تعمل على تهريب النفط بشتى الطرق، لذلك ضرب منشآتها النفطية والغازية يعتبر أهم وسيلة للحد من التفافها على هذه الضغوطات. إذن التركيز على ضرب وتدمير البنية التحتية للاقتصاد النفطي بالإضافة إلى أن الضغوطات النفطية سوف تكبد إيران تكاليف اقتصادية عالية تؤدي إلى فشل اقتصادي وإعادة الاحتجاجات في الشوارع من جديد، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يمكنه أن يساعد على إسقاط النظام.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!