مقدمة
يعرف القانون الدولي الإنساني التهجير القسري بأنه: ” إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها”1، وتندرج هذه العملية ضمن جرائم الحرب التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وفق ما ورد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويعتبر حظر الترحيل القسري من أهم العناصر التي يقررها القانون الدولي اليوم لحماية المدنيين، وذلك لما للترحيل القسري من أثار سلبية ونفسية على حياة المدنيين، حيث يجد المدنيون المهجرون قسراً عن أراضيهم أنفسهم مجبرين على العيش في ظروف سيئة وغير صالحة للحياة الآدمية
يعد التغيير الديمغرافي من أبشع الأساليب والتصرفات التي تمارس في إطار سياسة تمييزية ما، وأشدها إلحاقاً للأذى بالسكان المدنيين، وقد أدان المجتمع الدولي في الكثير من الوثائق القانونية، جريمة التغيير الديمغرافي، والتهجير القسري للسكان الأصليين. ويعتبر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي كان الوثيقة القانونية الدولية الرسمية الأولى، التي تذكر صراحة ـ إلى جانب جريمة الإبعادـ جريمة النقل القسري التي تغطي جميع التحركات القسرية للسكان المدنيين التي تتم ضمن حدود الدولة الواحدة. حيث تضمنت المــادة 7، التي سمّت في الفقرة /د/ إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، من الجرائم ضد الإنسانية، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين2.
أولاً – التغيير الديمغرافي في القانون الدولي: بين التهديد بالقوة وخلق ظروف طبيعية تستعصي معها الحياة على السكان:
ذكرت لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة جريمة الإبعاد في سياق تعريفها للجرائم ضد الإنسانية في مسودة الجرائم المخلة بسلم البشرية وأمنها لعام 1954، والتي تعني إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان أو الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر دون مبررات قانونية يسمح بها القانون الدولي.
أ: التهجير القسري في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والبروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف
أكدت المادة السابعة الفقرة 2/ د من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على توصيف جريمة التغيير الديمغرافي، والنقل القسري للسكان، معتبرةً قيام مرتكب الجريمة، بالترحيل أو أن النقل القسري لشخص أو أكثر إلى دولة أخرى، أو مكان آخر بالطرد، أو بأي فعل قسري آخر، و لأسباب لا يقرها القانون الدولي هي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، عندما تقع هذه الجريمة على الشخص أو الأشخاص المعنيين الموجودين بصفة مشروعة في المنطقة التي أبعدوا منها، وذلك عندما يكون مرتكب الجريمة ملماً بالظروف الواقعية التي تقررت على أساسها مشروعية هذا الوجود، بأن يرتكب هذا السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، وأن يكون الجاني ينوي هذا السلوك وهذا الهجوم الواسع النطاق3.
في ضوء ذلك، يُعدّ إبعاد السكان المدنيين من المواطنين أو نقلهم في حالة النزاع المسلح الداخلي لأسباب تتصل بهذا النزاع، مخالفة صريحة لنص المادة 17 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف، إلا إذا تم لتأمين سلامة السكان، أو للضرورة العسكرية الملحة4. وبالتالي فإن إبعاد السكان المدنيين قسراً و بأي طريقة كانت هي جريمة ضد الإنسانية، سواء تم الإبعاد القسري بالقوة المادية المباشرة، أو يكون القسر معنوياً، حيث ينجم الانتقال القسري عن طريق التهديد بالقوة دون استخدامها؛ كالتهديد بالحبس أو الاضطهاد أو عبر خلق ظروف تستعصي معها الحياة، أو ظروف تشكل خطراً محدقاً على الحياة، وسبباً هاماً يدفع على الرحيل، كما في حالة افتعال السيول أو تسميم الآبار أو تلويث البيئة، أو حالة إقامة أهداف عسكرية في مناطق سكنية آهلة. ولا يخفى ما لمثل هذه الأفعال غير المباشرة من أهمية، ورغم أن أركان الجرائم لم تشمتل صراحة مثل هذا النوع من الأفعال، إلا أنه من المؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية لن تتوانى عن أخذها بالحسبان فيما لو توافرت فيها من الجسامة ونجم عنها من الضحايا ما يوجب ذلك، وإن كان إثبات هذه الجريمة لا يعد أمراً سهلاً من الناحية العملية، حيث تلعب أمور عديدة كالإعلام والتوجيه والثقافات الموروثة دوراً هاماً في توليد القناعة بالوجود الشرعي أو غير الشرعي لأي مجموعة من السكان المدنيين، وينطوي إثبات هذا العلم في حالات النقل القسري للسكان داخل الدولة الواحدة صعوبة أكبر5.
وبالرغم من ذلك، فما زالت جريمة الإبعاد القسري تواجه صعوبة في إثبات إلزامية نصوص حقوق الإنسان والقانون الدولي الجنائي، وإن كانت مواثيق المحاكم الجنائية الدولية قد درجت منذ ميثاق نورمبورغ على اعتبار الإبعاد أو النقل القسري جريمة حرب، وكذلك المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث اعتبرتها جريمة حرب عندما تُرتكب في معرض نزاع مسلح. ويعد هذا النص أحد أهم نصوص النظام الأساسي التي تنطوي على تداخل بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، خاصة مع إقرار النظام الأساسي بإمكانية ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية زمني السلم والنزاع المسلح. فعلى سبيل المثال أظهرت الوقائع في كوسوفو، وجود قناعة تامة لدى مرتكبي جرائم الإبعاد والنقل القسري من قبل الصربيين، بعدم شرعية وجود الأقلية الألبانية على هذا الإقليم، وبشرعية الإبعاد والنقل القسري، فضلاً عن الصعوبة التي ينطوي عليها إثبات الوجود الشرعي على صعيد القانون الدولي في مثل هذه الحالات، من التداخل الإقليمي والتاريخي.
ب: إيران وتاريخ من سياسات التغيير الديموغرافي والنقل القسري للسكان في المنطقة: التكييف القانوني والمساءلة الدولية
منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003، اشتغلت إيران على سياسات التهجير القسري للمكون السني العراقي، وبعمليات مستمرة جرت على قدم وساق بشكل مدروس وممنهج، وأخذ درجات عالية من الفعالية بدءاً من شباط 2006، بهدف إخراج السنة من مناطقهم خلال حالة حرب طائفية كانت تعصف بالعراق ، الأمر الذي يضع الممارسات الإيرانية، ضمن جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية استناداً لتوصيف وتكييف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
كذلك الحال في سورية، ففي غضون السنين السبع الماضية، أقدمت إيران بشكل متكرر و ممنهج على تهجير السكان المدنيين وإجبارهم على مغادرة أماكن سكناهم في محافظات ومدن وبلدات عديدة، منها على سبيل المثال؛ حمص والقصير والوعر وريف حمص الشمالي وريف دمشق كالزبداني ومضايا وقدسيا والغوطة ودوما وحلب الشرقية ودرعا وريف حماه ودير الزور والرقة، وغيرها من المدن والبلدات التي أجبر النظام فيها الأهالي على الهجرة القسرية نتيجة السياسات التي مارسها، كحصار هذه المناطق ومنع كافة أسباب الحياة عن سكانها، وتكثيف القصف الممنهج على المناطق الآهلة بالسكان بهدف تهجيرهم.
كما خدمت عمليات التهجير القسري سياسات إيران التوسعية، حيث بادرت السلطات الإيرانية والميليشيات التابعة لها إلى تبني استراتيجية نشر التشييع في سورية، وذلك من خلال ممارسة التهجير القسري للسكان المحليين وإحلالهم بعناصر الميليشيات وعوائلهم، وذلك في سياسة تغيير ديمغرافي مارسته إيران على نفس النسق الذي مارسته في العديد من المدن والبلدات العراقية من قبل. الأمر الذي دفع بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للتأكيد بأن: ” عمليات التهجير القسري التي ينتهجها نظام الأسد ضد المدنيين في سورية قد ترقى إلى جريمة حرب”6. وعلى هذا الأساس، يشكل التهجير القسري ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية، أو مجموعات متعصبة، تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها. وتشكل هذه الممارسات مرتبطة نوعا ما بالتطهير الذي كان للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية موقف الإدانة القاطعة بشأنها، كما حصل في يوغسلافيا السابقة أو رواندا حيث تمت مساءلة المسوؤليين عن هذه الجرائم إلى العدالة الدولية لنيل جزائهم العادل.
ثانياً- السيول والتغيير الديمفرافي في الأحواز: بين الإخلاء القسري والنزوح الإرادي أو الاضطراري.
تحتفي الأمم المتحدة في 22 آذار/مارس من كل عام، بمناسبة أممية دولية هي اليوم العالمي للمياه، في إطار شعارها الشهير ” المياه من أجل التنمية المستدامة”، وفي سبيل ذلك خرجت الأمم المتحدة بت ” العقد الدولي” الذي حث على التعجيل بالجهود المبذولة نحو مواجهة التحديات المتصلة بالمياه، وتفاقم خطر الجفاف والفيضانات7. وبالتالي فقد أصبحت مسألة المياه عملية مرعية بمبادئ وقواعد القانون الدولي العام، فيما يتعلق بالعلاقات بين الدول بشأن المياه، كما أنها مرعية استناداً للقانون الدولي الإنساني، الذي حث على استخدام المياه والحفاظ عليها في إطار التنمية المستدامة.
أخذت أزمة الفيضانات في الأحواز، منحى من قبل النظام الإيراني، كشف افتعال واستمراء السلطات الإيرانية لكارثة الفيضانات واسنتغلالها لإكمال مخطط التغيير الديمغرافي وتهجير عرب الأحواز، من خلال التعمد بفتح السدود لتكثيف الفيضانات، لاسيما وأن الوقائع تشير أنّ الحرس الثوري كان بإمكانه حرف مسار المياه نحو الأهوار، متذرعاً بعدم تضرر منشآت النفط وقصب السكر، والمواقع العسكرية الحساسة التابعة له. الأمر الذي أدى إلى نزوح نصف مليون مواطن أحوازي وتدمير 200 قرية وتخريب 9 مدن حاصرتها الفيضانات دون إمدادات تذكر لمساعدة المنكوبين8 .
الأمر الذي يكشف اشتغال إيران على تغيير الطابع السكاني الديمغرافي العربي للأحواز، بجلب آلالاف الإيرانيين وإسكانهم بالإقليم، كما استولت على كافة المرافق الحيوية الهامة وصادرت الأراضي من ملاكها، حيث تشكل الأحواز ما مجموعه 80% من الصادرات في إيران، وتشكل مورداً اقتصادياً حيويًا لها. جاء ذلك في سياق متصل من المخاطر البيئية التي سببتها السلطات الإيرانية، من خلال سياساتها الهادفة إلى تهجير السكان الأصليين، من فئات المجتمع الأحوازي، فتفاقم الوضع البيئي و تدهور الوضع الإنساني الصحي والمعيشي جراء هذه السياسات التدميرية والممنهجة، وما تقوم به المؤسسات الحكومية الإيرانية العاملة في الأراضي الأحوازية من خلال مشاريعها العملاقة، كإنشاء السدود وتحويل روافد المياه ونقلها إلى وسط إيران والتنقيب العشوائي عن النفط وإنشاء الشركات البتروكيماوية، وكذلك رمي النفايات ومخلفات المعامل والشركات في الأنهار، وتجفيف الأهوار التي تعتبر رئةً للبيئة الطبيعية. والمشاريع الزراعية العشوائية، كـمشاريع قصب السكر، التي أقيمت على أراضٍ تم انتزاعها بالقوة من أصحابها العرب، ما أدى إلى ازدياد التصحر، وارتفاع نسبة الملوحة، وتلوث میاه نهر کارون، وتدمير التربة الزراعية، و تضاعف العواصف الرملية والغبارية. الأمر الذي يشكل تدميراً ممنهجاً للإنسان الأحوازي، يمكن تصنيفه في إطار أخطر الجرائم المرتكبة في القانون الدولي الإنساني، المتعلقة بتهجير القسري والنزوح الإرادي أو الاضطراري، كمفاهيم تختلف من الناحية القانونية لكن لها النتيجة ذاتها على صعيد المساءلة والمحاسبة الدولية.
أ: التهجير القسري في القانون الدولي الإنساني
الذي يعرّفه القانون الدولي الإنساني بأنه “الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها” وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحياناً ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لمجموعة بديلة أو فئة معينة، وهذه تخضع لنصوص المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، الذي صنفها صراحة جريمة تهجير القسري وجريمة حرب.
أما الإبعاد أو النفي فهما يعنيان النقل إلى خارج حدود الإقليم، بينما النقل القسري بالتهجير داخل حدود الإقليم، وعادة ما يحصل التهجير نتيجة نزاعات داخلية مسلحة، أو صراعات ذات طابع ديني، أو عرقي، أو مذهبي، أو عشائري، ويتم بإرادة أحد أطراف النزاع عندما يمتلك القوة اللازمة لإزاحة الأطراف التي تنتمي لمكونات أخرى، وهذا الطرف يرى أن من مصلحته الحالية أو المستقبلية في تهجير الطرف الآخر، ولا يحصل التهجير إلا في حالة وجود طرف يهدد مجموعة سكانية مختلفة بالانتماء الديني أو المذهبي أو العراقي بعدم البقاء في مدينة أو منطقة أو بلد ما، ومقابل ذلك تولد شعور لدى الفريق المستهدف بالتهجير بأن هناك خطرا جدياً وفورياً، يمكن أن يتعرض له في حالة امتناعه عن الهجرة9.
يحدث لتجمعات سكانية تنتمي لمكونات مختلفة، من مدينة أو منطقة أو مناطق سكناها إلى مناطق أكثر أمناً، نتيجة شعور عام بوجود خطر مباشر على الجميع، أما لنشوب حروب نظامية بين دولتين أو أكثر، أو لحصول كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات والسيول، وعادة ما يحصل هذا النوع من النزوح في المناطق الحدودية في حال نشوب نزاعات خارجية مسلحة بين الدول المتجاورة. وعلى العموم تقوم الدول والمنظمات التي تهتم بشؤون الإغاثة لتلبية متطلبات النازحين والمهجرين على حد سواء، إلا أن تسيس ملف التهجير القسري أيسر من تسيس ملف النزوح، على الرغم من أن حوادث كثيرة لنزوح جماعي حصلت نتيجة كوارث طبيعية لم تخل من التسييس أيضاً، إذ تلجأ الدول المتضررة أو المانحة لكسر حاجز الجليد بينهما أثناء المداولات الخاصة بتقديم الإعانات الإنسانية، لكن الحكومات والجماعات المسلحة الداخلة في نزاعات، كثيراً ما كانت تعرقل وصول المعونات الإنسانية للمهّجرين ولا تفعل ذلك مع حالات النزوح.
ب: فيضانات الأحواز والنزوح الإرادي أو الاضطراري: التغيير الديموغرافي المفتعل في القانون الدولي
تشكل الفيضانات في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني من الحالات التي تُصنف في إطار النزوح الإرادي أو الاضطراري، التي قد ترجع لسوء إدارة الحكومة، وتبدو عمليات الإخلاء القسري للسكان في الحالة الأحوازية، عملية ممنهجة من السلطات الإيرانية في جهودها لتحقيق أرباح عبر متابعة مشاريع إسكان قرب الأنهار، وعمليات إزالة الغابات الواسعة النطاق واستغلال الغابات والمناجم لصالح الحرس الثوري وشركاته وكبار المسؤولين. كما تبدو من جانب آخر، انكشافاً لسوء معالجة النظام الإيراني للأزمة وافتقاره للاستعدادات وعجزه في حكم البلاد، وتوجهه بتخصيص الجزء الأكبر من ميزانية البلاد للجيش، بدلًا من برامج الإغاثة والطوارئ، التي من شأنها تقديم مساعدات لمواطنيه.
وكشفت التقارير والاحصائيات أن الفيضانات ضربت 26 محافظة من المحافظات الإيرانية الـ31، حيث شملت 1900 مدينة وقرية، وبينها بطبيعة الحال، مدن وقرى في إقليم الأحواز العربي، حيث ضرب الفيضان الأول الجزء الشمالي الشرقي من إيران في 19 مارس، ووقعت الكارثة الثانية في الأجزاء الغربية والجنوبية الغربية للبلاد في 25 مارس، ووصلت حصيلة الخسائر في الأرواح لنحو 70 شخصًا، في 13 محافظة ايرانية، بينما تعطلت نحو ثلث الطرق في البلاد، إضافة إلى انقطاع الكهرباء. كما غمرت المياه عددًا من الآبار في منطقة تيمور، وفي منطقة الأحواز تم غمر جزء من خطوط الأنابيب والآبار بالمياه. وفي الوقت نفسه لم تنجُ المنشآت النفطية أيضًا من أضرار السيول. كما تضرر جزءًا من حقل منصوري الذي أصبح مغمورًا بالمياه، كما غُمر بعض آبار حقول آزادكان.
لذلك تعمل السلطات الإيرانية على محاولات إفراغ الأحواز من أهلها أو توزيعهم في مناطق متفرقة، من أجل تحييد العنصرالعربي من المطالبة بحقوقه التاريخية، فالأحواز تمتلك طاقة إنتاجية ضخمة من النفط تشكل المخزون الفعلي لإيران، بينما يعاني أهالي الأحواز من الفقر والبطالية والتهميش والإقصاء الممهنج، وبالتالي فإن تداعيات الفيضانات ستكون اكثر قسوة على الأهالي من الأحوازيين، الذين رفعوا الاتهامات للنظام الإيراني باتباع سياسة تجريف المدن بالسيول من خلال فتح السدود المتعمد، كما خرجت تظاهرات عدة في قلب الأحواز، مطالبة بإيقاف ما وصفتها بالإغراق المتعمد للمدن الأحوازية بهدف تغييرها ديموغرافيا، وإبدال سكانها بعوائل وعناصر نافذة في النظام الإيراني. ما أثار ردود فعل غاضبة بين العرب الأحوازيين، حيث تسببت الفيضانات بمقتل ما لا يقل عن 76 شخصًا وأضرار تفوق 2.2 مليار دولار، في الوقت الذي لم تتوقف معه المظاهرات، التي تم إحضار المرتزقة من المليسشيات الأإيرانية في العراق لقمعها10 .
ت: جرائم التهجير القسري ونقل السكان في إطار مفهوم الإبادة الجماعية في القانون الدولي:
تضمنت المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، خمسة أفعال تُصنف في القانون الدولي بأنها ترتب عقوبة جريمة الإبادة الجماعية، ومن ضمن هذه الأفعال الإجرامية، قتل الأفراد في مجموعة و التسبب بأذى جسدي، أو نفسي كبير لأفراد من المجموعة، وإخضاع المجموعة عن قصد لظروف حياة مدروسة، بهدف تعريضها جزئياً أو كلياً للدمار الجسدي، فرض إجراءات هادفة إلى منع الولادات ضمن المجموعة، و نقل الأطفال عنوة من مجموعة إلى مجموعة أخرى11. واستناداً إلى هذه المادة من ميثاق الأمم المتحدة حول الإبادة الجماعية، ونظراً إلى الممارسات الجارية من قبل السلطات الإيرانية في الأحواز من أعمال قتل ممنهج وإلحاق الضرر بالمجموعات البشرية بشكل واسع، ولاسيما تدمير البيئة بشكل متعمد ومدروس، سواء من خلال تغيير المناخ بالقضاء على الأراضي الزراعية، التي تشكل مصدر رزق واستقرار تاريخيين للفلاحين الأحوازيين، كما تشكل عامل ارتباط بأرضهم عبر التاريخ، وسواء عن طريق افتعال الفيضانات أو الإهمال المتعمد في تطويقها، وذلك لدفع الأحوازيين إلى الخروج منها وتغيير ديمغرافيتها التاريخية.
وبالتالي فإنّ تصنيف جميع هذه الأفعال إنما تعتبر ممارسات عدوانية تقوم بها الحكومة الإيرانية في معرض محددات وصف جرمي يتحدد في إطار توفر الأركان المادية لـ ” جريمة الإبادة الجماعية”، التي تشكل مخالفة واضحة للأدوات القانونية التي أقرتها الأمم المتحدة، سواء منها المتعلقة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي عززتها “قمة الأرض” ، التي تتمتع اليوم بعضوية شبه عالمية، وصدقت عليها 197 دولة، وكان الهدف النهائي للاتفاقية هو منع التدخل البشري “الخطير” في النظام المناخي. كما عزز اتفاق باريس الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ عن طريق الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ومواصلة الجهود للحد من العمل على إجراء تغييرات على الأرض تؤدي إلى تقليص المساحات الزراعية، وبالتالي ارتفاع درجة الحرارة . وبمناسبة يوم الأرض الذي تم الاحتفال به في 22 أبريل 2016، وقع 175 زعيماً من قادة العالم اتفاقية باريس في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، التي شكلت أكبر عدد من البلدان التي توقع على اتفاق دولي في يوم واحد، حيث انضمت 184 دولة إلى اتفاقية باريس، كما عقدت الأمم المتحدة مؤتمر القمة المعني بالمناخ في سبتمبر/أيلول 2019، من أجل دعم وتسريع العمل من أجل الحد من التغييرات المناخية. وإيجاد الآليات الكفيلة لضمان إيجاد الحلول لتحديات الطبيعة. وذلك بما سيقدم من تقارير ستقدم في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ في قمة 2020، حيث من يجري العمل لإعادة قوننة و تجديد الالتزامات، المتعلقة بأمور المناخ والتغييرات الطبيعية12.
خاتمة
لقد أدت تطورات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني إلى اعتبار التغيير الديمغرافي أو التلوث البيئي أو تغيير مجاري الأنهار، وعمليات طمي المياه الذي يرافقه أهمال عن قصد أو عن غير قصد من الحكومات، نوعاً من جرائم الإبادة الجماعية، وهو ما يحصل تماماً في الأحواز، حيث تشهد نوعاً من الموت البطيء، الذي يهدد حياة الأحوازيين، فـالممارسات الممنهجة للسلطات الإيرانية، جعلت الأحواز من أخطر المناطق في العالم، بعد أن كان يتمتع بأراضٍ ذي تربة خصبة ومياه وفيرة، فباتت اليوم تعاني اليوم من أنواع التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، والنزوح الإرادي والاضطراري، والتلوث البيئي ما ينذر بالمزيد من الكوارث البيئية في المستقبل القريب جرّاء الممارسات العنصرية الهادفة إلى التهجير القسري وتغيير التركيبة السكانية للمنطقة. فاتساع رقعة التصحر الناتج عن تجفيف الأنهار والأهوار الواقعة في غرب وجنوب الأحواز، و تفشي الأمراض الخطيرة بشكل غير مسبوق بين المواطنين، وانتشار المواد السامة في الهواء الناجمة عن هذه الصناعة المنتشرة في معظم أنحاء الأحواز، جميعها تشكل عمليات هدر وتغيير لمجرى الأنهار انتهجتها السلطات الإيرانية، في مخالفة صريحة لقواعد ومبادئ القانون الدولي الذي دعا إلى مشاركة الرأي العام العالمي في تنمية الوعي بأهمية قطرة المياه محلياً وإقليمياً ودولياً ، والعمل على تشجيع الابتكارات العلمية والبحثية في مجال الحفاظ على المياه وحمايتها، وترشيد استخداماتها على المستوى القومي، وحث على ضرورة بناء جسور التعاون والمشاركة وتبادل الرؤى والأفكار من أجل تنمية الموارد المائية على المستوى المحلي و الإقليمي والدولي والعمل على الاستفادة من المياه بالاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية على كافة الأصعدة. كما حثت الاتفاقيات الدولية بشأن المياه إلى اعتبار هذه الثروة قيمة إنسانية يجدر الحفاظ عليها، والحد من هدرها لغايات سياسية، وذلك بإيجاد سبل التعاون على المستوى الدولي والإقليمي ودعم الجهود الرامية إلى إدارة الموارد المائية، من أجل تطوير البنية التحتية من أجل تحقيق التنمية المستدامة للوصول إلى تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الزراعية والصناعية ومجال أنتاج الكهرباء ودفع عجلة التنمية في المناطق التي تتواجد فيها الثروات المائية.
وبالتالي فإنّ ممارسات السلطات الإيرانية آنفة الذكر، تشكل في فقه القانون الدولي دلائل دامغة على القتل المنهجي الذي تقوم به السلطات الإيرانية في الأحواز، بغية إجبار الشعب العربي الأحوازي على مغادرة أرضه هرباً من خطر الإبادة الجماعية، التي أصبحت تتربص به بين الحين والآخر، وبأفعال وأشكال متعددة، أصبحت تشكل جرائم متواترة بشكل ممنهج لم ينقطع، وضمن خطط واستراتيجيات يتم تنفيذها بشكل متعمد، بالرغم من تعاقب الحكومات الإيرانية، الأمر الذي يشير إلى وجود استراتيجية إيرانية عميقة الدلالات لاجتثاث العرب الأحوازيين من أرضهم، التي تشكل سلة الغذاء، ومصدر الطاقة لإيران، وبالتالي أصبحت إيران تضع في حساباتها التخوف من تداعيات تفكهها لصالح الشعوب غير الفارسية، لذلك تركز جهودها في تفريس الأحواز ، بدءاً من عملها الممنهج في تهجير السكان، وسلب هويته العربية سياسياً و ديموغرافياً.
الهوامش:
- للاستفاضة انظر: المبادئ التوجيهية في حالات التشريد الدلخلي، اإصدارات مركز هوردو ، القاهرة 2017، ص 8 ومابعدها.
- انظر المادة /7/ الفقرة /د/ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه 1998
- المادة السابعة الفقرة 2/ د من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على توصيف جريمة التغيير الديمغرافي، والنقل القسري للسكان
- المادة 17 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف.
- انظر: جوزيف شيكلا، جريمة نقل السكان: التجريم، الملاحقة القضائية والتحصين من العقوبة، إصدارات المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة، جريدة حق العودة، العدد 54.
- الأمم المتحدة: التهجير القسري في سوريا “جريمة حرب. على الرابط: https://orient-news.net/ar/news_show/135537/0/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%87%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D8%A8 “
- موقع الأمم المتحدة الرسمي ( المياه). على الرابط:https://www.un.org/ar/sections/issues-depth/water/index.html
8-https://alwatannews.net/article/824271/Opinion/%D8%B3%D9%88%D8%A1 %D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A3%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC%D8%A7!!
9- انظر : المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
10- الأحواز تتهم النظام الإيراني بإغراق المدن عمداً لإحداث تغيير ديموغرافي، 15 أبريل 2019 https://www.alittihad.ae/article/23213/2019/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B2-%D8%AA%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85
11- المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
12- الموقع الرسمي للأمم المتحدة، ( تغير المناخ) على الرابط: https://www.un.org/ar/sections/issues-depth/climate-change/index.html