الخميس, ديسمبر 19, 2024
دراساتتوظيف ثقافة المقاومة: قراءة نقدية وتحليلية تجاه المقاومة في الأحواز (٢)

توظيف ثقافة المقاومة: قراءة نقدية وتحليلية تجاه المقاومة في الأحواز (٢)

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقاومة السياسية:

في جانب التعريف نرى بان المقاومة السياسية هي المقاومة الأفضل والمعروفة في الدول الديمقراطية والتي تسعى إلى حل مشاكلها بشكل سلمي دون التدخل في النزاعات المسلحة. انها معروفة ولا حاجة إلى الإسهاب في هذا الموضوع، ولما كانت تستمد أصولها من أسس معرفية وإبستمولوجيا، فانها مقبولة عالميا، وخاصة إذا ما عرفنا بان الإنسان ما بعد الحداثة يبتعد قدر الإمكان عن العنف، ويحاول حلحلة القضايا بالطرق السلمية. لكن هذا يبقى من قبيل اليوطوبيا إذا ما أردنا تطبيقه على مستوى العالم بأسره، عالم مازالت هناك دول وشعوب ترضخ للاحتلال والعنف بأعنف الأشكال، لسان حالها يقول:

إذا أنتَ أكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ — وَإنْ أنتَ أكرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا

فبالنسبة للشعوب التي ترضخ لاحتلال غاشم يصبح كل من ينتهج سبل غير الرد بالمثل، عميلا وخارجا عن دائرة المقاومة بل يرى البعض بانه يجب ان يُقاوم ويُطرد أولا قبل طرد الاحتلال لما يحمل من مخاطر على الوطن والفرد.

أما وسائل المقاومة السياسية فهي متعددة وتتبلور من خلال: الأحزاب السياسية التي يمكنها ان تقاوم أي مشاكل داخلية أو خارجية بشكل سلمي، والشخصيات العامة وذات الثقل السياسي وعندنا هي السادة ثم شيوخ القبائل ثم المقربون من السلطة والشخصيات التي تسلمت مناصب سياسية أو إدارية والموظفون بشكل عام، والوسائل الأخرى هي الاحتجاجات الشعبية، والصحافة.

وفي حال كون المقاومة السياسية ضد دوله محتلة معتدية كما هو حالنا فيمكن ان تكون المنظمات الدولية أو الدول من وسائل المقاومة السياسية، إضافة إلى اللجوء إلى مجلس الأمن أو منظمة الأمم المتحدة. وبشكل عام فأن وسائل المقاومة السياسية هي: الثورات، الانتفاضات، الأحزاب، الجمعيات، الأندية الثقافية و

وقد شهد تاريخ الاحواز كل تلك الأشكال، وان بقت جزء منها الضلع الثابت في المقاومة السياسية، ومنها ما لعبت دورا في مرحلة ما ثم اختفت لأسباب خارجة عن إرادتها. وبالتحديد الأحزاب السياسية ونريد بالأحزاب التي ظهرت في فترة الاحتلال الثانية[1] أي فترة ما بعد الخميني وبالتحديد في فترة رئاسة خاتمي وظهور حزب الوفاق والدور الكبير الذي أداه في تلك المرحلة. بالنظر إلى الشخصيات العامة وذات الثقل السياسي فأننا نرى بان الشيوخ قد لعبوا دورا كبيرا وبقوا منذ بداية الاحتلال إلى يومنا هذا ولأسباب اجتماعية الضلع الثابت في المقاومة.

خارجيا نرى ان المنظمات والأحزاب لعبت دورا كبيرا في المقاومة السياسية وانتهجت كل الطرق التي تفيدها في المقاومة ومنها اللجوء إلى مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة وإيصال معاناة الشعب الاحوازي إلى مختلف البلدان وخاصة العربية منها.

لعل أبرز مظاهر المقاومة السياسية داخليا تتجلى في فترة الانتخابات أو مسرحية الانتخابات وكما هو معروف ففي فترة الانتخابات ترتفع وتيرة الحريات بشكل سريع وتسقط بعدها بنفس سرعة ارتفاعها والحق يقال ان أبناء شعبنا الغيارى استغلوا هذه الفترة لبث أفكارهم على المستوى الداخلي وعلى مستوى الخارج إلى العالم بأسره، وكلما حظي مرشحهم بتأييد سلطة الاحتلال فانهم أدوا دورهم البارز في هذا المجال والأمثلة وان كانت قليلة إلا انها قدمت خدمات جليلة للوطن.

 

المقاومة الفكرية:

نقصد بالمقاومة الفكرية المقاومة التي تتركز على الذات والفرد؛ إذ نرى ان أبرز مظاهر المقاومة الفكرية في ظل الاحتلال الفارسي هو الحفاظ على اللغة والثقافة العربيتين، والوقوف بوجه أي محاولة للتفريس، هذا الخطر الدائم الذي يهدد كياننا يوميا، ومن ثم تبنى أطروحة مفادها ان أي إصلاح يبدأ من البيت، فإذا ما حافظ الاحوازي على لغته وثقافته فانه يجتاز أصعب المراحل في سبيل المقاومة الفكرية. وان كانت تمثل أضعف الإيمان. هذا وللمقاومة الفكرية مظاهر أخرى وهي المقاومة عبر القلم واللسان وقد تحدثنا عنها في قسم المقاومة الثقافية. نرى بان الفارق بين المقاومة الفكرية والثقافية إنما يتجلى في ان الأولى تخاطب الذات والفرد بينما الثانية تخاطب الفئات والجمع. الخطر الأكبر الذي يداهمنا لأسباب ما هي الزواج من الآخر، انها تشكل كارثة خاصة إذا ما كان خريج ة الجامعة الطرف في هذا الأمر.

المقاومة المسلحة:

لسان حال من ينتهج هذه المقاومة يقول: أخرج الجزائريون المستعمرين الفرنسيين بفضل المقاومة المسلحة. فدائما ما يستندون الى هذه العبارة، أما في جانب التعريف فنرى بان هناك محاولات عديدة ظهرت لبيان المقصود بالمقاومة المسلحة، اذ كان الاتجاه السائد في المناقشات التي دارت في مؤتمر بروكسل سنة 1874 ولاهاي سنة 1899 و1907 وجنيف سنة 1949 بشأن تحديد وتقنين قوانين الحرب هو اعتبار المقاومة الشعبية نوعاَ من الدفاع عن النفس في حالة تعرض الإقليم لغزو أجنبي ينتج عنه حق سكان الإقليم في الانتفاضة ضد العدو والغازي باستخدام القوة المسلحة وهذه الانتفاضة عُبِّر عنها باسم “الهبّة الجماهيرية “.[2] فلقد عرفت اتفاقية لاهاي “الشعب القائم في وجه العدو” بأنه “مجموعة من المواطنين من سكان الأراضي المحتلة والمهاجمة من قبل العدو الذين حملوا السلاح وتقدموا لقتال العدو سواء كان ذلك بأمر من حكومتهم، أو بدافع من وطنيتهم وواجبهم، وسواء كان ذلك أثناء تغلب الجيوش النظامية على الغزو وإيقافه، أو بعد عجزها عن الوقوف في وجه العدو وتهديده بالغزو والاحتلال.[3] وبعد أن صدر اعلان منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة عشر نتيجة مطالبة الدول حديثة الاستقلال بضرورة إقرار قواعد جديدة تصون وتؤكد حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في التخلص من حكم الاستعمار، أصبح ينظر إلى النضال المسلح الذي تخوضه الشعوب في سبيل الحصول على استقلالها وحريتها وممارستها لحقها بتقرير المصير على أنه نوع من المقاومة الشعبية المسلحة.[4] وعليه، فقد عرّف بعض الفقهاء المقاومة الشعبية المسلحة بأنها: لجوء أو قيام السكان بالقوة للإطاحة بالسلطة المحتلة لتحرير أراضيهم وتحقيق الحرية والاستقلال الوطني.[5]

وهناك من عرف الكفاح المسلح بأنه: استخدام مشروع للقوة المسلحة يهدف إلى طرد المستعمر الأجنبي وتحرير الإرادة الوطنية وانتزاع الحق الطبيعي والشرعي في السيادة والاستقلال.[6] كما حاول الباحث ريموش نصر الدين تعريفها بأنها: كل استخدام للقوة المسلحة بدافع وطني من طرف أفراد مدنية مقاتلة في إطار اشتباكات مع سلطات الاحتلال الأجنبي أو الاستعماري أو الأقلية العنصرية تجد رغبة في الكفاح من أجل تقرير المصير.[7]

على ارض الواقع شهد تاريخ الاحواز العديد من المحاولات في مجال المقاومة المسلحة أهمها ثورة الغلمان في عام 1925 وثورة الحويزة عام 1928 أي بعد ثلاثة أعوام من الاحتلال الفارسي وثورة بني طرف وثورة حيدر بن طلال وثورة عشيرة النصار وثورة الشيخ يونس العاصي. رفعت السلاح وقاومت بوجه المحتل لكنها قمعت اشد القمع. ليبقى اسمها خالدا في تاريخ الاحواز.

أما في جانب جبهات المقاومة فانها كثيرة. فقد قامت بالعديد من العمليات كان أبرزها ما قامت به في الفترة الأخيرة حيث بدأت باستهداف المراكز الحكومية في الاحواز العاصمة.

في الجانب الآخر فان المقاومة المسلحة لم تتمكن من مخاطبة الكثير من أبناء الشعب لأسباب عدة نفسية منها واجتماعية، الأولى ناجمة عن تأثير الاحتلال الطويل الأمد على نفسية الشعب حيث جعلهم يتبنون أساليب تتسم بالمحافظة والابتعاد عن المخاطر في الحياة عموما والمقاومة خاصة، بمعنى ان نفسية هذا الشعب لا تتقبل المقاومة المسلحة، أما في الجانب الاجتماعي فان ثمن هذه المقاومة باهظ ثم ان الدول المحيط لا تشكل الملاذ لأي عربي ولا تقدم له العون وهنا ندخل في الجانب الدولي والإقليمي إذ لا نرى أي دعم لأي مقاومة مسلحة والكل يعرف بانها مشروعة ولابد من دعمها، خاصة ان حكومة الاحتلال تثير الفوضى في كل الدول العربية وتدعم أي حركة مسلحة.

الإشكالية التي لابد من دراستها هي ان المقاومة المسلحة تلقى ترحيبا واسع النطاق في صفوف الشباب نتيجة عدة عوامل نفسية بالدرجة الأولى نريد بها مثلا الاستبداد وما تركه في نفسية الشعوب من حب الطاغية، وان كان سبب دمارهم، وبالدرجة الثانية الاقتصادية التي تسبب اللجوء إلى خطابات متطرفة. هذا الأمر وان كان مطلوبا على المستوى الوطني خاصة عندما لا يفهم المحتل سوى لغة العنف، لكن وان لم نكن هنا بصدد مناقشة الأمر، فنشير إلى نقطة وهي الابتعاد عن تبني أساليب أخرى للمقاومة.

من الأسباب التي تجعل الاحوازي ينزع نحو المقاومة المسلحة هي تأثر الاحوازي بخطاب المقاومة المسلحة الفلسطينية إذ شكلت نموذجا مثاليا كان يرى الاحوازي لابد من تبنيه لطرد المحتل، إضافة إلى الأسباب التي أتينا على ذكرها سابقا، فكما نعرف ظلــت المقاومــة الفلســطينية، أو بالتعبيــر الــدارج فلسطينيا ترى «الكفاح المســلح»، طريقا وحيدا لاسترداد فلسطيني الأرض والحقــوق، كمــا ّ في مــواد الميثــاق الوطني الفلســطيني، وفــي شــعارات وأدبيات فصائل المقاومة، هذا وقد حققت المقاومة المسلحة أهدافها في غزة الفلســطينية وفي لبنان. تلك الأحداث والخطابات كانت وراء نقاشات طويلة الأمد بين أبناء الشعب الاحوازي حول جدوى المقاومة المسلحة وضرورة تبني هذه المقاومة دون غيرها وان لم يقوموا بها لكنها قد حملت في طياتها نتائج سلبية منها بعدهم عن تنبي السبل الأخرى، وخاصة إدارة أمور الوطن وهو ما كان المحتل يرحب به اشد ترحيب.

 

أسئلة جدلية بين انصار أنواع المقاومة:

كما قال بعضهم ان المقاومة لون من ألوان التعبير عن الاحتجاج والرفض ومادمنا نتحدث عن أنواع المقاومة علينا التمييز بين المقاومة السلمية بشقيها الثقافي والسياسي والفكري من جهة والمقاومة المسلحة؛ وكما هو واضح ان الفرق يتجلى في وسيلة التعبير. فلما كان المقاومون يعتبرون النوع الذي يلجئون إليه ليس إلا أداة لتحقيق أهداف معينة وان الفعل لا محل له من الإعراب فلا فرق في انتهاج نوع المقاومة على ارض الواقع المهم هو تحقيق الهدف لكن هذا كلام يبقى حبر على الورق فما ان ندخل في الواقع حتى تظهر الخلافات الكبيرة بينها. ثم ان ما فات لا يعني غياب الخلافات الجوهرية بين أصحاب كل من المنهاج أعلاه، الخلافات تنبع أولا وأخيرا عن الإجابة على سؤال ملح: أي السبل هو اكبر جدوى ونفعا، وأي السبل أكثر ضررا ودمارا، سيما إذا كان كل طرف يرى ان أسلوبه هو الأنسب والأقرب والأجدى لتحقيق الأهداف الوطنية. ثم لكل جهة مبرراته وأدلتها وشواهدها توظفها لتعزيز وجهة نظرها، وان لم نريد الدخول في نقاش طويل لا ينتهي كما انه ليس بمقدور أي جهة حسم تلك المناقشات لصالحه وهذا لا يعني انها نقاشات عقيمة لا تقود إلا إلى الخراب بل انها مجدية مثمرة شريطة ان يجتمع أصحابها على طاولة حوار هادف وبناء وان يكون مستعدا للتخلي عن السلبيات.

إذن هنا نحن أمام إشكالية المقاومة بكل ما تحمله كلمة الإشكالية من معنى والحديث هنا لا يختص بالقضية الاحوازية بل نجده قائما في كل أنحاء العالم فحيث تكون مقاومة تطرح هذه الأسئلة والنقاشات.

وكما هو واضح الاختلاف بين أصحاب مشاريع المقاومة حول الثوابت والأهداف الوطنية ومن يحددها ومن يمتلك الشرعية في ذلك الأمر وما هي الأساليب الأجدى لتحقيق أهداف المقاومة والأنسب لمرحلة ما من المراحل و… لا تقف حد الأسئلة هنا بل يأتي السؤال الأكثر إلحاحا: ان اتفقنا على الأهداف والثوابت وعلى مجمل الأسئلة التي تتبع هذا السؤال فأي الطرق هي الكفيلة بان توصلنا إلى هدفنا؟ المقاومة السلمية أم المسلحة؟خاصة ان المسلحة تسبب بقتل الأبرياء وأبناء الوطن من يحلمون بتحرير وطنهم العيش في أرجاءه حرا مستقلا.

أما بالنظر إلى أدلة الجانبين نرى ان أنصار المقاومة السلمية يرون بأنهم ينتهجون الواقعية وليسوا من أصحاب الأحلام الوردية يتعاملون بحنكة وحكمة يفهمون الواقع وموازين القوى والظروف الإقليمية والدولية ويعرفون ظروف الوطن تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا وثقافيا، وينطلقون من منطلق “السياسة فن الممكن” فان لم تريد ان تخوض في الممكن فمصيرك الدمار، يقولون ان زمن التسلح قد مات والعالم كله يندد بالأسلحة واستخدامها وان تبنينا الكفاح المسلح فأننا لا نجعل المحتل يواجهنا بل العالم بأسره يقف في الجانب الآخر منا، مطالبا إياها بالتخلي عن الأسلحة، وان الأهم من هذا وذاك ان زمن الثورات والأبطال المسلحين قد ولى من غير رجعة.

أما أنصار المقاومة المسلحة يذهبون إلى انهم هم العقلانيون ويقولون انه لم تتحرر ارض ولم يخرج محتل من دون تجرع طعم العمليات المسلحة الموجعة وكلما زادت العمليات المسلحة اضعف المحتل وأرغمته على مغادرة الأرض، ويذكرون أمثلة للبرهنة على جدوى المقاومة المسلحة ومنها ما حدث في قطاع غزة وابرز الأمثلة في القرن الفائت هو تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، كما يقولون باننا المحتل لم يدمر كل مواهبنا وطاقاتنا وينهب ثرواتنا فلا يبقى مجالا لتبني مقاومة غير المسلحة، وكلما طال زمن الاحتلال ازداد بطش الاحتلال، كما يذهب بعضهم ان المقاومة السلمية مصطلح ينفع للأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية إذ يسمح لها بالتفاوض مع الحكومة أو الحزب المنتصر لاحترام الأقلية الخاسرة في الانتخابات ولا مجال للحديث عن في الاحتلال.

مهما يكن من الأمر فان استمرار الخلافات بين أنصار الفئتين يلقي بضلاله على المشهد ويذهب الكثير من المخلصين للقضية ضحية لهذا الخلاف. وهذا هو الحال عند النظر إلى الأحزاب السياسية خارج الوطن فانها كلها تتفق على هدف واحد لكنها تختلف في الوصول إلى هذا الهدف وهذا الاختلاف في التكتيك قد تحول إلى الاختلاف في الأسس والركائز.

واقفون هنا قاعدون هنا دائمون هنا خالدون هنا

ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون

ومن بعده نحن مُخْتَلِفُونَ علي كُلِّ شيء …[8]

 

 

نهاية الجزء الثاني. للحديث تتمة

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!