المدخل
إن تجربة الحياة في المجتمع الأحوازي تجربة فريدة من نوعها، لها من التعقيد ما يجعل الكاتب في حِيْرة من أمره كلما أراد التفكير حول موضوع ما تتميز به (هذه التجربة).. ليس بسبب انعدام أدبيات في الموضوع الذي يُبْتَعثُ التفكير فيه فحسب، بل من حيث الواقع المُلْتَبس بالدرجة الأولى وعلى حد ذاته. وإذا كان هذا هو واقع الحال بالنسبة لموضوعات تاريخية اجتماعية سياسية إلخ.. فإن ذلك الالتباس يكون مضاعفا عند تناول موضوع جديد تماما، أو إذا شئت قلنا مستحدث كليا، أَفْرزتْهُ ظروف هي بحد ذاتها طارئة على هذا المجتمع غير مُصحْصَحَة المعالم.
ومن دون مزيد استرسال في المدخل هذا الذي أردت منه فاتحة في سماء المُفَاتَحة يكون قُنْيَة في استيعاب البحث الذي فيه كلامي، وقد بَدَى عليه للأسف التكلف بدل التَيَسُّر، أجل من دون مزيد استرسال فإنني أريد هنا التماس بعض وجوه واقع ما تمر به المرأة الأحوازية، جنسيا وهُوويا وبالتالي اجتماعيا بالذات، أي تلك الأبعاد التي تكون منبثقة عن واقع المجتمع الأحوازي على مَرِّ تاريخه بالدرجة الأولى.
ولا يسعني هنا إلا الإقرار بأن الكتابة في هذا الموضوع هي كتابة تجريبية بحد ذاتها، لا تعدو من أنها محاولة تجريبية كالتي تشبه المغامرات الفكرية لمن يحاول جعل التفكير سبيلا لفهم واقعه المعيش: فأول سؤوال يَطْرأُ في هذه المحاولة هو: هل هناك بالفعل مَيْزٌ بين المرأة والرجل في المجتمع الأحوازي؟ متى بدأ هذا الميز، إنْ سلمنا بوجوده، وماهي أبرز معالمه؟ وما هي تَبِعات ذلك على المجتمع الأحوازي المعقد بفعل التعدد، أو بتعبير أدق وأصوب، المتأثر بالتنافر القومي والتاريخي ومن ثُمَّ السياسي بالضرورة؟
ملاحظات منهجية
وستكون حركتي هنا، في هذه الدراسة التي تتوخى استكشاف حضور المرأة عموما في المجتمع الأحوازي، تاريخيا واجتماعيا، حركة على مستويين بالآن معا: المستوى الأول: هو مستوى الأخذ بالثقافة العالِمة جنبا إلى جنب الثقافة المحكية إذا صح القول. وبعبارة أخرى إن ما أحاوله هنا في استبيان طبيعة كينونة المرأة الأحوازية هو العثور على كل ما يمكن أن يتمظهر عنها تاريخيا: سواء كان ذلك التمظهر التاريخي مكتوبا أو متداولا تتناقله الصدور: في حكايا جداتنا و«نعاويهن» أو «سوالف» أجدادنا أو في ما نجده في الأشعار والأرجوزات و«الهوسات» إلخ؛ وهذه كلها، كما لا يخفى على المطلع، تندرج في إطار الثقافة العامة. أما الثقافة العالمة فمجالها الكتب وما يُحَبِرُهُ العلماء وتسطره الأقلام الواعية وعيا ذاتيا. إنها التاريخ المكتوب مثلما وصل إلينا اليوم، سواء ذلك الذي كتب باللغة الفصحى أو بالدارجة الأحوازية[1]. وحقيقتي هنا هي إنني مقلد، وربما بشكل فج، أكثر مني مجتهدا. ففي جانب تناول الثقافة العالمة يمكن الاستناد على نموذج تام هو مؤلفات المفكر العربي محمد عابد الجابري، بينما الإحالة على من تناول الجانب المحكي بأساطيره وثقافته المتداولة بين النِّدِي والأسواق ستكون إلى المفكر محمد أركون[2].
أما المستوى الثاني فسأستعين فيه بما أفاده العالم الاجتماعي الشهير فرد ريغز، عند دراسته المجتمعات النامية أو مَن هي في طور الانتقال من القديم بصفة عامة إلى الحديث والجديد بمفهوم شامل، حين أفاد بوجود انشطار في هذه المجتمعات على مستوى الدوائر والقيم والمؤسسات وجميع شؤون الحياة. أُولى سمات هذا الانشطار هو تَجَاوُر البِنَى والدوائر القديمة التي هي من مميزات مجتمع ما، تفصله عن باقي المجتمعات، مع تلك البنى والدوائر الجائية من الحداثة الطارئة على المجتمع القديم. فقد أَبَانَ ريغز بأنَّ عملية التغيير التي تنشأ في مجتمع ما من هذه المجتمعات، لا تتم على شكل انقلاب سريع في جميع شؤون الحياة، بل إنها عملية تستجلب مرحلة انتقالية من أبرز خصائصها على المستوى الفردي والجمعي معا، هي تَذبْذُب الأفراد وتجاذُبِهم فيما بين مَنْ هو قديم وما هو جديد في طور الحدوث. وإذا ما أخذنا هذا على مستوى المنظومة القيمية التي تحكم فعل الفرد والجماعة وتُكَوِّنُ الرؤية الكونية لهم، فذلك سيعني حينها أن الفرد والجماعة يعيشون بالآن ذاته، في هذه المرحلة، في منظومة قيمية هي نتاج تاريخهم ومجتمعهم وما اعتادوا عليه من تصرفاتهم التي وَرِثُوها عن آبائهم على مرِّ القرون، من جهة، وتزايد القبول بمنظومة قيمية هي حديثة لمَّا تتجذر فيهم، في خِضمِّ إقبال عليها زاحم تلك القديمة التي بدت في أعين أصحابها آيلة للبَلْي إذا شئت، من جهة أخرى[3].
القسم الأول:
إشكالية المرأة والرجل في المجتمع الأحوازي بين المكتوب والمأثور
وعقيب هذه الملاحظات المنهجية الجد مقتضبة لنبدأ بعرض السؤال صدر المقال: هل هناك بالفعل مَيْزٌ بين المرأة والرجل في المجتمع الأحوازي؟ إن الواقع هو أن الإجابة عن هذا السؤال، بالنظر إلى المجتمع الأحوازي الذي نحن عايشوه، وبالنظر إلى ما وصلنا من جانب عالِم مكتوب ومحكي مأثور معا، لا تستوجب المضي كثيرا في البحث، بل تتسارع الإجابة تلك بالإيجاب: أجل هناك ميز صُراح فيما بين المرأة والرجل في المجتمع الأحوازي. على أن هذا الميز يميل دوما إلى التفضيل، تفضيل الرجل على المرأة سواء في الثقافة اليومية المتداولة بين الناس، أو عبر ما ورثناه من ثقافة عالمة مكتوبة.
يبدأ هذا التفضيل منذ حمل المرأة حيث يعلم كل أحوازي، أو لنقل عربي[4]، أن الجنين الذي يكون ولدا لا يساوي الجنين البنت«حینما تولد البنت وبالرغم من أنها النطق أو التعبير عن نفسها، إلا أنها تسطيع أن تدرك، مِن نظرات مَن حولها أنها ليس مثل أخيها الولد، ومنذ أن تبدأ تحبو أو تمشي، تتربى على الحذر والخوف على أعضائها التناسلية» كأهم ما في حياتها وأهم من حياتها[5].
أما بموجب الثقافة المأثورة عندنا، فما إن تضع المرأة حملها ويتبين أنه بنتا يسارعن حينها النسوة لها على هيأة مواساة مُرَدِدْنَّ هذا القول المأثور الذي سمعناه عن كثير من جداتنا: «اللي تجيب بنت تجيب ولد!». ومن هنا هناك صنفين من النساء لكل منها مرتبتها ومَعَزَّتها: من يكرر الله لها إنجاب البنات وهي الموصومة بـ«أم البنات» انتقاصا وإزدراء، وتلك الولَّادة أولادا وهي أعلى درجة من تلك، وإنْ في إطار استرضاها للرجل دوما بذلك الانجاب.
على أن هذه المكانة المتدنية تَبْلُغ الذِرْوة في ظاهرة منتشرة في حالات فض النزاع، حين تعمد القبيلة لكف التصارع على وهب عدد من البنات للتزاوج مع أبناء القبيلة المخاصمة تحت اسم «الفصلیه». فالزواج بهذه الصياغة لا يهب أي حق للزوجة يجعلها غير مستحقة للحنان حتى، بلْه الحقوق الأساسية الأُخر. كما أن طريقة تعامل أهل القبيل ممن تزوج بالفصلية هو من جهته مشحون بالازدراء والكره لها والتمادي في مهانتها. إن هذا الزواج هو بمثابة تسديد المرأة كدية «ووضعها في خانة[موضع] المهانة والمذلة. فهي كيفما تحركت فصلية: تعمل بجهود مضاعفة سخرة لأنها فصلية، وتعاشر، إن كانت جميلة، بأذى لأنها فصلية، وهي تُصبح خادما في البيوت»[6] ليس لها مكانة تداني مكانة تلك الاتي تزوجن بغير طائل الفصلية.
وتفيد وجهة نظر تاريخانية بأن هذا التفضيل يبدو طبيعيا إذا نظرنا إلى طبيعة المجتمع القديم الذي كان الرجل فيه يعني بالدرجة الأولى قوة محاربة تحافظ على كيان القبيلة أو المجموعة بصفة عامة. بيد أن هذا التفضيل يصبح غير موضوعي، بل إذا شئت قلنا يبدو مموها، إذا نظرنا إلى مشاركة المرأة في النشاط المعيشي الاقتصادي من رعاية الماشية والمساهمة في الزراعة ونحو ذلك من النشاط القائم أساسا على وجود المرأة بالتساوي مع الرجل أو هو قريب عن ذلك. فهنا يظهر جليا أن للمرأة دورا يتساوى مع الرجل، وربما يفوقه تأثيرا إذا أضيف إليه رعاية الأطفال. ولعل هذا الدور هو ما عبرت عنه الباحثة آن لمبتون في وصفها أحوال المزارعات حين قالت: أن النساء المزارعات يتمتعن بمستوى مالي جيد يرتدين بعض الحلي من ذهب وأحجار كريمة[7].
ولعل خبو مكانة المرأة من جهة وعلوها من جهة مفارقة أخرى، هو سمة المجتمع العربي الذي يضم الكثير من التناقضات الجوانية؛ وربَّ ذلك هو ما عبر عنه المؤرخ الشهير ويل دورانت حين قال: إن العربي في آن واحد هو «رحيم وسفاح، وكريم وبخيل، وخائن وأمين، وحذر وجسور…[8]» تتجلى فيه وفي مجتمعه مفارقات عريضة. ولعل هذا النوع من المفارقات هو الظاهر على الحكايا و«السوالف» المتداولة حيث الكثير من هذه المرويات المتناقلة عبر الصدور تحكي تأثيرا كبيرا للنساء في تسيير الكثير من الأحداث، من وراء الوراء، تأثيرا غالبا ما يكون سلبيا. فمعظم أبناء المجتمع الأحوازي كثيرا ما سمع أن عددا غير يسير من المعاركات والمخاصمات بين الأبناء إنما مردها إلى «فتنة» أشعلنها النساء والزوجات، كما أن المرويات تحكي عن «فسق» بعض النساء عبر قصص«عشقهن» لأحد أبناء شيوخ القبائل المجاورة ما أشعل حروبا طاحنة تارة أو علاقة مع وضيع أدى إلى قتل الزوج على حين غرة تارة أخرى وإلخ. وکما لا یخفى فإن هذه الحكايا تسند دورا خفيا للنساء لا نرى له مصداقا في العالم الخارجي سوى ترجمته عبر «فتنن» لا يذهب ضحيتها دوما إلا الرجال.
ومهما يكن من أمر فإن موضع المرأة في البنية أو الدائرة القائمة في المجتمع التقليدي القديم، هذه المرة من زاوية نظر علم الاجتماع الذي يصنف فئات المجتمع، تقع في الأسفل. فبموجب انطباعات إحدى الكتب القليلة التي تناولت المجتمع الأحوازي بالتحليل المجتمعي، تنقسم فئات المجتمع إلى: «الشيوخ [على رأس الهرم الاجتماعي] والسادة [الذين يُنسبون إلى محمد] والأجاويد والعوام والصابئة والعبيد»[9]. ووفقا لهذا التصنيف فلا يمكن للمرأة أن تكون شيخا أو من الأجاويد حيث لم يتبق لها إلا العد في العوام.
على أن للمكانة المتدنية للمرأة دلالات أخرى نستقيها من الطقوس الخاصة بالمجتمع الأحوازي: منها أن عند مهلك المرأة لا يجوز استعراض علم القبيلة وإتمام مراسم «الهوسات» وعرض «الزيان» لذلك المهلك. على عكس ما يحدث حين مهلك الرجل الذي يُصاحَب بـ«هوسات» مَهِیبة وجميلة[10]، على قد مكانته في القبيلة، ونشر العلم وإتمام «الزيان» ونحو ذلك. وفي هذا السياق تأتي إحدى الهوسات الخاصة بـ«نعاوي» النسوة في رثاء إحدى المتوفيات اللائي كان لهن مكانة مُمَجدة عند بني قومها حيث أُرْثيت بمِدْحَةِ تشبهها بالرجال في الخلال، فتقول: «شيخ أَقْرَنْ لو ما العصّابه». وهنا يعني أن المرأة مهما يكن من علو شأنها ففي النهاية توزن هي بصفات الرجال بوصفهم المثال الأعلى أو النموذج الأكمل. مثلما لا يمكن للرجل المتوفي أو غيره أن يُنعت باسم ابنته الكبيرة، بل تكون الكنية بابنه مهما كبرته أخواته بسنين كثيرة أو أعداد وفيرة.
وهنا يحدث اصطداما بواقع آخر يناقض هذه المكانة الوضيعة للمرأة، حين التطرق إلى «نخوة» القبائل وهي تُنسب إلى المرأة، إلى الأُخت بالتحديد: حيث يقال أن فلانا «أخو فلانة» بصياغة اعتزاز وتحدي. ولا يخفى أن لذلک دلالة رمزية على أولا: مكانة المرأة بوصفها مرجع الميلاد ومنشأ الرجال، وثانيا: إلى إعتزاز الرجال بمنبتهم (الأم) كلما كانت عفيفة لم يقترب منها دنس.
هذا من جهة أما من جهة أخرى فإن الثقافة العالمة التي تستقي جانبا كبيرا منها عن الدين الإسلامي، فهي الأخرى تدل على مثل تلك الدلالة الثنائية المشار إليها أعلاه مع انحياز إلى جانب التقليل من موضع المرأة كما هو الشأن مرة أخرى في الجانب المحكي في ثقافة عرب الأحواز المتوارثة أبا عن جد.
فهذا الدين الإسلامي بالرغم من تشريع سنن تحدد ميراث المرأة والدعوة في عدد من الآيات القرآنية إلى حسن التبعل، والتوصية ببر الوالدين ومنهما الأم، وما في معنى ذلك، يجعل ميراث المرأة نصف الرجل، كما تفيد الآية: «للذكر مثل حظ الأنثيين[11]» أي أن حظ الرجل يساوي حظ الانثيين؛ وفي الحالة الأحوازية فإن ذلك الحظ من الإرث كثيرا ما تصادره الأخوة فيما بينهم، استنكافا من ذهابه إلى رجل آخر هو زوج بناتهم لأن المال في النهاية سيذهب تحت تصرفه. مثلما أقر الإسلام بحق الرجل في الزواج بأكثر من واحدة في الآن معا، من دون حصول موافقة من الزوجة أو الزوجات السابقة ولا إخطارهن، فضلا عن حصر حق الطلاق بيده. إلى جانب ذلك لا يسمح الإسلام، بناء على ما تتوفر عليه لغاية الساعة منظومته الفقهية المجمع عليها بتولي مناصب محددة من قبل المرأة، كمنصب الإفتاء والقضاء والخلافة، مما حث الفقهاء على سبر هذه الأحكام وطرد العلة حتى جعلوا الكثير من الأعمال، في عصرنا اليوم، من جملة ما حرمه الله على النساء القيام به نظير القضاء والفتيا[12].
وأكثر من هذا هو ما يأتي في المأثور الإسلامي من أن إغواء آدم إنما تم عندما تجلى له إبليس على شكل إمراة فأخرجه من الجنة. أو أن من أغوى آدم الرجل، هو إمراته حواء، فأودت به إلى السقوط إلى الدنيا. (في هذا السياق تقول الثقافة العربية المأثورة إن «المرأة خُلقت من ضلع أعوج» في إشارة إلى اعوجاج فطرتها وانعدام إمكانية استقامتها).
أما الجانب الأحوازي المكتوب فيشير بوضوح إلى انعدام حضور المرأة في الحياة العامة، وتقبيحه لظهورها في الساحة العامة ساحة نشاط الرجال. وهنا نورد نموذجا واحد من نماذج لا حصر لها دليلا على ذلك: يذكر صاحب الرحلة المكية إلى أن من أكبر المنكرات في أحد كبار الفرس ممن کان له علاقات بالمشعشعيين، هي أنه كان يصطحب ابنته معه للصيد على ظهر جواد. وهذا من أكبر المعايب عند العرب على حسب وصف مؤلف كتاب الرحلة المكية: «ونرجع إلى أحوال منوتشهر خان، [و] بأنه بقى، على ما ذكرناه، سنة كاملة بخيال حكم الحويزة. وأعطى مشايخ الأعراب العطايا والخلاع، وأخذ من سکان بلادها و مدنها بعض الحيوان. ومن بعض أطوره [أنه کان] يرکب ابنته «ماه پان» إلی القنص ظاهرا بين الناس؛ و هذه من المعايب العظيمة في تلك الديار[13]».
ونلخص هذا القسم الذي تناول الثقافة العالمة والمحكية معا لاستكناه دور المرأة بأن جميع المظاهر تدل على أن مكانة المرأة عند الأحوازيين وفي مجتمعهم هي مكانة متدنية ليس فيها ما يدل على تأثير المرأة على الحياة العامة، فضلا عن الحياة الخاصة التي هي تكرار واجترار لما تتلقاه المرأة من المحيط الذي يحوط بها. على أنه بالرغم من ذلك الغياب التام لحضور المرأة في الحياة الاجتماعية تروي الكثير من الروايات المحكية دورها السلبي، في أكثر الأحيان، في إشعال الحروب والفتن. وقد كان مجيء الدين الإسلامي من جتهه، بالرغم من بعض تشريعاته المساعدة بحال النسوان، هو الآخر مجيئا رجولي الطابع قزم دور المرأة.
على أن ما يميز هذا الوضع الخاص بمكانة الرجل والمرأة في المجتمع الأحوازي حسب تاريخه، هو أنه كان وضعا طبيعيا إلى أبعد الحدود، غير منكر لدى المرأة والرجل معا، حيث كان الجميع يحيى في هذه الظروف معتبرا إياها ناموسا أقرته الطبيعة أو صنعه الله إلخ. إن هذه الأفكار التي تتحدث اليوم عن مكانة المرأة وما تعاني منه من مظالم وازدراء وجودي لها في جميع شؤون الحياة، لم تكن مولودة أصلا، ولم تكن في نطاق ما يمكن التفكير فيه وإقراراه، لذلك لا يسوق رمي اللائمة على المجتمع الأحوازي وتاريخه أو التشريع الإسلامي حتى. إن هذه الأفكار النسوية هي نتاج مجتمع جديد وحقبة تاريخية جديدة، ولذلك يجب في الوقت الراهن تناول ذلك الجانب من قيم وقوى المجتمع التقليدي ممن يقاتل مستميتا للإبقاء على الوضع القديم، في تجاهل وربما غرور للعالم الحديث ومقتضياته. وفيما يلي سيتم التطرق إلى دخول الحداثة بصيغتها الفارسية إلى المجتمع العربي الأحوازي، وكيفية محاربة هذه الحداثة برجالها، والقليل من النساء، للمورث القديم الذي بات معوقا للتغيير وتطور الحياة[14].
القسم الآخر:
التذبذب بين بقايا المجتمع التقليدي وشذرات المجتمع الحديث
لقد تبين في القسم السابق أن الثقافة الأحوازية المكتوبة، بمختلف مشاربها، تشير إلى تفضيل الرجل على المرأة، مثلما يتجلى هذا التفضيل في الثقافة السائدة بين الناس، وفي أمثالهم وعوائدهم وطرائق حياتهم. لكن هذا المجتمع آل إلى التغيير، شأنه شأن باقي المجتمعات، عند ما واجه عوائد وقيم وطرق في الحياة لم تكن ناتجة عن تاريخه الخاص، بل إنه اضطر إلى التعامل مع هذه القيم الوافدة من موضع الانفعال. وتندرج هذه القيم والأفكار الموفودة تحت اسم عام هو الحداثة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة غاية في الخطورة، هي أن دخول الحداثة إلى المجتمع الأحوازي قد تم عبر قنطرة وحيدة دون غيرها أو تكاد، حيث استقبل المجتمع هذا الأفكار الغربية الحديثة بتوسط المثقف الفارسي واللغة الفارسية بالدرجة الأولى. وذلك أن جل المتعلمين في الدولة الإيرانية من العرب، إنما يُفرض عليهم الدراسة باللغة الفارسية. ومن أجل ذلك بالتحديد فعلى كل بحث يريد استكشاف تأثير المد الحداثي على المجتمع الأحوازي البَدأ من هذه الحقيقة الخطيرة.
واقع المرأة في المجتمع الجديد: التعليم والجنس والحجاب
إن أول ما واجه المرأة في المجتمع الأحوازي كان مسألة الإذن لها من جانب الأسرة والقيم بالدخول إلى المدارس، والجامعات. فلقد كان المجتمع الأحوازي إلى قبل عقد من الزمن يرفض دخول البنات إلى الجامعات، مثلما كان يرفص قبل بضعة عقود السماح لهن باختلاف المدارس. وذلك أن الأسرة الأبوية الثقافة، ومن ورائها المجتمع، كانا رافضين لذلك الدخول، لدلائل مختلفة منها الخِشْية من الاختلاط بالجنس المخالف، إلى جانب الفزع الكامن وراء السلوك الأبوي من استقلال المرأة بعد إكمال التعليم، استقلالها ماديا وفكريا إلخ، وبالتالي خروجها عن طوق طاعة الرجل القيم، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا.
ولا نجانب الصواب إنْ قلنا أن مسألة الخشية من المخالطة بين الجنسين ظلت لمدى سنوات طويلة تؤرق القيِّم على البنات في أسرة واحدة، حتى أعاقت بذلك عملية دخول البنات إلى عالم التعليم كثيرا. ولعل لهذه القضية أبعادا كبيرة جدا، من أهمها أن دخول المرأة إلى المجتمع، بدافع التعليم أو دوافع أخرى، ولدَّ لا محالة قضية المخالطة بين الجنسين، وأدى في كثير من الحالات إلى اتصال عاطفي بينهما، في إطار علاقات طبيعية. ولا شيء في المجتمع القديم المتشرذم تحت ضغوط المجتمع الحديث الذي أُولى سماته تواجد المرأة في الحيز العام، لا شيء بالنسبة لذلك المجتمع أنكر وأفحش من هذا النوع من العلاقات التي لا تتم تحت طائل العلاقة الزوجية. ومن هنا تكاثرت ظاهرة شؤومة، خاصة عقيب الحرب العراقية الإيرانية، وفي الفترة التي شُرد أهالي المناطق البعيدة من الأحواز العاصمة[15] بفعل الحرب، أقصد بها ظاهرة «مسح العار» يقدم فيها أهل البنت التي أحبت رجلا فكشف أمرها على قتلها.
على أن الدين الإسلامي من جهته صب في صالح هذه القيمة التقليدية، حيث يطلق الإسلام على هذه العلاقات لفظ «الزنا» والذي يستوجب العقاب الدنيوي والأخروي؛ بالتساوق مع فشل الإسلام من جهة أخرى في جلب رضا المجتمع التقليدي للعمل بعلاقات أخرى حللها الشرع لاسترضاء الغرايز الجنسية نظير «المتعة» ونحو ذلك، إذ ظلت القيم التقليدية تقبح هذه العلاقات المجازة شرعا وتنال ممن يأتي بها.
ثم واجه هذا الحضور المتزايد للنساء على طول المجتمع، قضية الحجاب، حيث بدأن النسوة يرتدين زيا لا يستر مفاتنهن بطريقة المجتمع التقليدي الذي ترتدي فيه المرأة جلبابا أسودا يغطي تمام البدن. على أن في هذه القضية هناك نقطة خطيرة يجب العناية بها. فعندما قابلت المرأة الأحوازية، إثر تزايد تواجدها في الساحة العامة بفعل الدراسة والعمل إلخ، قضية التحرر من الجلبات القديم، فإنها أقبلت بعد ذلك على الزي الفارسي، وتركت الزي العربي القديم، والحديث القريب من اللباس الخليجي الذي يلاقي رواجا قليلا بين بعض الفتيات الواعيات بوعي قومي؛ أو الحجاب وفق الصيغة العراقية الذي لم يلق رواجا هو الآخر بين فتيات الأحواز. ومن هنا ندخل إلى الفقرة التالية المنبثقة عن هذا الموضوع.
الحداثة الفارسية وتبعاتها الهووية على المرأة الأحوازية: الأسرة الفارسیة، التفريس والتعليم بغير اللغة الأم
إن أول ما اكتشفه الشاب العربي إلى جانب الشابة العربية، عند اختلاطه في المدارس والجامعات، بالأسر الفارسية هو اختلاف تعامل الأسر الفارسية مع بناتهم عن طريقة تعامل العرب: أولا على مستوى حرية الملبوس، وثانيا على مستوى تمتع البنت بحرية تتمثل في خروجها من البيت، ومصاحبة فئات مختلفة من البنات دون رغيب الإخوة والأب، ونحو ذلك، وثالثا مستوى مكانتها بين الأسرة، خاصة في تعاملها مع إخوتها الذكور، إذ لها من المشاركة في الآراء الخاصة بحياة الأسرة والتحرر من رأي الأخ الحيز الملحوظ.
إن هذه الجوانب الثلاث تشير إلى تقدم الأسرة الفارسية على نظيرتها العربية في الأحواز[16]. ولذلك ولد هذا الأمر في نفوس البنات أكثر من الأولاد، ولد شعورا بازدراء الأسرة العربية وتخلفها عن نظيرتها الفارسية، مثلما ولَّد بالآن معا تمنيات في نفوس البنات العربيات تقضي بأن ميلادهن في الفرس كان سيكون أفضل لهن:
ومن أولى تبعات هذه الأمور النفسية وهذه المشاعر هي توطيد التقليد من هذه الأسر يظهر في تمظهرات مختلفة منها محاولة البنات النطق بالفارسية، في مسعى للتستر على ذلك النقص المزعوم والموجود كشعور كامن في النفوس. وإذا أخذنا بعين الانتباه الظروف التي تحوط بالأسر والأفراد العرب معا، ستكون عملية التقليد هذه قاصمة للوجود العربي بمختلف تمظهراته: وذلك أن الظروف السارية في الأحواز، من وجهة نظر التحذير من التفريس، هي ظروف يحاول فيها النظام الإيراني، بمختلف حكوماته الملكية والجمهورية، القضاء على كل وجود غير فارسي، ونكران وجود قوميات عربية أو غيرها. والتاريخ المعاصر الإيراني شهيد على محاولة الدولة الإيرانية، بمساندة جل المثقفين الفرس، في بث ثقافة فارسية بين العرب، وإتمام عملية التهجير الفارسي إلى المناطق العربية[17]، لاستحالة العنصر العربي بهذه الجموع الوافدة.
وقد أصبح النظام التعليمي الإيراني الحديث هو القنطرة الرئيسة لسريان سياسة التفريس تلك. فقد فُرضت في هذا النظام اللغة الفارسية لغة وحيدة للتدريس يجب على جميع العرب والكورد والأتراك، وغيرها من القوميات المناهضة، التعلم بتوسطها والقراءة بها[18]. ومن هنا قامت المحاولات العريضة والمستمرة لإصهار الآخرين المغايرين للفرس بالوقت ذاته الذي تم صناعة تاريخ إيراني موحد[19]. لقد أدى النظام التعليمي الأحادي اللغة إلى تدهور المستوى التعليمي بين العرب، ليس بين النساء فحسب، بل بين الرجال بالدرجة الأولى، حيث تبق الطالب الذي يتم الثانوية، غير عليم بالغة الفارسية، مكتفيا بحفظ المواد الدراسية دون العلم بمعناها. كما امتنع الكثير من العرب في البدايات من ارسال أبنائهم إلى المدارس الفارسية اللغة، تعبيرا لرفضهم الانصهار باللغة الفارسية وشعورهم بأنها غريبة عنهم.
لقد ساهم هذا النظام التعليمي في خلق حالة يمكن تسميتها بالتخلف الحضاري: ففي الوقت الذي أقبلت الجموع الثقافية الفارسية في إيران، والعربية في العراق والأقطار العربية المجاورة، في مطالع القرن العشرين، أقبلت على استيعاب المد الحداثي عبر الترجمة وتعلم اللغات الغربية، انكفأ المجتمع الأحوازي على نفسه لغرابة لغة التعليم عنه، أو انهمك بتعلم اللغة الفارسية بدل صرف الجهد لتعلم اللغات الأجنبية صاحبة الحداثة والتقدم، وبالوقت ذاته أصبحت اللغة العربية غريبة عن المتعلمين، لا يتقنون الحديث بها أو الكتابه بها، لتظل هكذا الدارجة هي السائدة بين الناس، نساء ورجالا، عواما وعلية.
التبعات الثقافية: الملبوس والمصاهرة مع الفرس، والميل نحو الاستحالة في القضايا الفارسية
إنه إذا ما كانت التبعات السابقة تحتاج إلى كتابة وبحث، فإن التبعات الثقافية بطبيعتها هي من تلك الظاهرة على الزي والتصرفات في سير الحياة اليومية. ولعل أولى تلك التمظهرات هي زي النساء، مثلما أُشير أعلاه. فالظاهر على الملبوس الخاص بالفتيات الأحوازيات هو الملبوس الفارسي الذي تحدده الجمهورية الإسلامية. ويعود ذلك في جانب كبير منه إلى روح التقليد الذي تتحكم بالثقافة العربية الأحوازية المنبوذة من جانب الإعلام والكتب وجميع الثقافة الغالبة الفارسية، وهي تنال من العنصر العربي، وتجعل منه الطرف الأقل نقاوة وتقدما عن الفرس[20].
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ظاهرة شؤومة هي ظاهرة المصاهرة بين الفتيات العربيات مع الفرس. والأدهى في كل ذلك هو أن معظم الفتيات العربيات اللائي يرضين بمثل هذا الزواج، هن من المتعلمات، الأمر الذي يجعل الفتاة العربية المتعلمة متنصلة بفعل زواجها مع الفرس عن قضاياها القومية، والتخلي عن الصلة بالعروبة بكامل صيغتها. وقد انتشرت هذه الظاهرة عقيب زيادة أعداد المستوطنين الوافدين على الأحواز، خاصة عقيب سقوط النظام العراقي السابق[21].
على أن هذه الوفود المستوطنة من جهتها سرعان ما وجدت قضايا ملحة في الأحواز كلها، تتعلق بتردي البيئة وتلوث الهواء وقضية نقل المياه وتجفيف الأنهر الأحوازية إلخ، جعلت من تلك القضايا ساحة اهتمام مشترك فيما بينها وبين عرب الأحواز. وهذا بالتحديد هو ما خلق «ساحة عمل مشتركة» اتحد فيها الفرس المستوطنين مع أعداد من العرب المنصهرين، ليتناسوا معا القضية الأساسية العربية التي تتعلق بوقوع الاحتلال والمضي في المطالبات القومية: نظير حق تقرير المصير، والكفاح المسلح، ورد المستوطنين إلى حيث أتوا، وترسيم الحدود العربية للمناطق العربية إلخ.
ومن أكثر المظاهر شأنا هي الظاهرة المتعلقة بتأثير هولاء على العرب من حيث العادات والتقاليد المدرجة في سياسة التفريس. وظاهرة التفريس قد عززتها سياسات مادية على رأسها تسريع وتيرة توافد المستوطنين الفرس من جانب السلطات بفعل محفزات مادية ونحو ذلك. ويتأثر العربي الأحوازي من الفرس المستوطنين بملبوسه وعاداته كما تبين أعلاه، حتى أصبحت شريحة من المجتمع العربي الأحوازي لا تنطق بلغة الضاد تأثرا من لغة الفرس، وتصورهم على أنهم أصحاب الحضارة المتغلبة الأفضل، بوعي منهم أو من دون وعي.
التبعات السياسية: غياب العنصر النسوي في النضال، وتمويه العامل السياسي بتقدم المطالبات النسوية عليه
إن الحركة السياسية الأحوازية، على مستوى المنظمات وعلى مستوى الرأي الشعبي العام، هي حركة ركيكة، لم ترتقي إلى مستوى الحراك القومي الواعي الموحد، نظير ما هو الحال عليه عند الكورد أو الأتراك، وذلك يعود لأسباب تاريخية ومجتمعية ليس الخوص فيها يناسب هذا المقام. لكن النقطة المهمة في الحركة السياسية المنظمة الأحوازية هي غياب العنصر السياسي النسوي فيها، حيث لم نجد حضورا كبيرا للنساء المتعلمات وغير المتعلمات في المنظمات التي تتخذ كلها الخارج مقرا لها.
وتكمن المفارقة في أنه بالرغم من تواجد الحركات الأحوازية في الخارج ظل العنصر النسائي مغيبا لسبب رئيس: وهو أن عقلية المناضل الأحوازي الذي يعيش في الخارج تبقت على حالها متخشبة تتقيد بقيم المجتمع التقليدي القديم ولم ترق إلى تجذر القيم الحديثة في نفوسها.
أما في الثقافة العامة الراهنة، فإنه بالرغم من إيمان عدد من المتعلمين وفئات مختلفة من الشعب الأحوازي بقضيته القومية ظل المنضال هذا يبعد النساء في أسرته من النشاط في هذه القضية. والسبب الرئيس الكامن في ذلك، إلى جانب العقلية الأبوية بين المنضالين، يعود إلى كمية البطش الذي تستخدمه السلطة الإيرانية، وهو يصل بسهولة، في حالة أسر النساء العربيات إلى هتك عفتهن والعدوان على شرفهن وبالتالي جلب العار لها ولأسرتها.
ومن جهة أخرى فالملاحظ على نشاط المرأة الأحوازية هو ما يمكن إطلاق قصر النظر عليها، خاصة بين عدد من النسويات: فالحالة السائدة هنا هي منح الأهمية القصوى إلى المطالبات الفئوية النسوية، على حساب تهميش القضية القومية الرئيسة، فضلا عن تقارب النسويات العربيات الأحوازيات مع تلكم الفارسيات. وهذا وجه آخر لوجوه الانصهار المشار إليه أعلاه.
الاستنتاج
لقد تتبعت الدراسة هذه شأن المرأة الأحوازية على مستويين: مستوى الثقافة السائدة بين المجتمع وهي الدارجة فيما بينهم، والجانب المكتوب الظاهر على المؤلفات المتاحة في شتى صنوف العلوم، خاصة تلك منها الناتجة عن الجانب الإسلامي الغالب. ثم وجدت الدراسة هذه التطرق إلى المستوى الآخر أمر تفرضه الظروف الراهنة من تاريخ المجتمع الأحوازي، وهو مستوى تعايش القيم الخاصة بالمجتمع التقليدي مع تلك الخاصة بالمجتمع الحديث.
أما المستوى الأول فقد أظهر جليا أن المرأة الأحوازية هي أدنى مرتبة من الرجل الأحوازي، يكاد يكون دورها الاجتماعي العام منعدما، مختصرا على الانجاب وبعض المساهمات الخاصة بالخدمة لصالح الأسرة وفي غياب تام لعنصرها الفردي. وبالرغم من عزو الثقافة المحكية بين الناس الكثير من الأحداث إلى دور خفي تؤديه المرأة، سلبي الطابع، بيد أن تواجد المرأة فهو ذلك الذي تشير له مكانتها الاجتماعية المتدنية ودورها العام المنعدم.
وأما المستوى الثاني فلقد أظهر أن دخول الحداثة والأفكار الحداثية الهيومانية إلى الأحواز، تمت في غالب الأمر، لغاية الساعة هذه، عبر الفرس واللغة الفارسية لغة التعليم الرسمي في الدولة الإيرانية، ولذلك كانت تبعات كثيرة على حياة المرأة الأحوازية حيث اصطبغت قضاياها بهذه الحقيقة، ومن أجل ذلك ظلت المرأة العربية الأحوازية تدور في فلك الفرس والفارسية: تارة عبر تقليدها لهم، وتارة عبر التخلي عن اللغة العربية بفعل زواج مع فارسي أو نحو ذلك، أو الجنوح نحو التماهي مع القضايا الفارسية الخاصة بالبيئة مثلا، أو الخاصة بالمطالبات النسوية. ويمكن رصد كل ذلك الانفعال على الساحة الثقافية والسياسية كأبرز تبعات، مثلما فعلت الدارسة هذه.
باسم محمد، باحث في معهد الحوار للابحاث والدراسات
المصادر والهوامش
[1] . أجل الدارجة الأحوازية: ذلك أن جانبا من الكتب التي وصلت إلينا اليوم، على شكل مخطوطات مهددة بالإندثار والضياع في مخازن بعض المتعلمين والمهتمين والأسر ذات الشأن، قد كتبت بغير اللغة الفصحى، وهي بأمس الحاجة إلى عملية تدقيق، ثم عملية تهذيب ترتفع بما كُتب بالدارجة إلى تصحيحه بالعربية الفصحى لغة الحضارة واللغة القومية، فضلا عن حاجته الأمس والطارئة إلى عملية صيانة تحافظ بها من التلف والضياع نهائيا.
[2] . يمكن للقارئ الذي لم يتعرف بعد على آثارهما الابتداء من هذه الكتب للتعرف على فكري الرجلين:
محمد عابد الجابري، نحن والتراث: دراسات معاصرة في تراثنا الفلسلفي، مركز دراسات الوحدة العربية، عدة طبعات… ومحمد أركون، أين هو الفكر الإسلامي المعاصر: من فيصل التفرقة إلى فصل المقال، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي، عدة طبعات في سنين عديدة.
[3] . أنظر بخصوص الموقف من القيم والإجابة عن سؤوال: مجيء القيم هل تم لإسعاد الفرد البشري، أم إن الفرد يحيى ما حييت القيم وإنه يعيش في سبيل بقائها ومضحيا لاستمرارها والعمل بها؟ أنظر بهذا الشأن إلى الكتاب المستجاد هذا: Hilary Whitehall Putnam, The Collapse of the Fact/Value: Dichotomy and Other Essays. Cambridge, Mass: Harvard University, Press 2002.
[4] . أنظر: نوال السعداوي، دراسات عن المرأة والرجل في المجتمع العربي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، بيروت 1990.
[5] . نوال السعداوي، المصدر ذاته، ص29.
[6] . عبدالله الميساني، انطباعات عن الشخصية الأحوازية، مهر سجاد، الطبعة الأولى، قم 1394، ص183.
[7] . Ann Lambton, Landlord and Peasant in Persia: A study of Land Tenure and Land Revenue Administration, Oxford University Press1953.
[8] . ویل دورانت، تاریخ تمدن: عصر ایمان، ترجمه ابوطالب صارمی ودیگران، نشر علمی وفرهنگی، ج چهارم، چاپ هفتم، تهران 1380، ص201.
[9] . عبدالله الميساني، المصدرالسابق، ص80.
[10] . لقد بات هذا الإرث الحضاري الأنثروبولوجي الجميل وبالوقت ذاته الباعث على الهمم والعزائم مهددا بالاندثار، بعدِّه أَمارة تخلف من قبل بعض المتعلمین، وتقبيحه من جانب بعض الشيوخ الذين حثوا على تركه: وهل أحسن الشيوخ في شيء حثوا عليه أو نهوا منه؟! وعلى كل حال فإن الطريف في هذه العادات هي أن لكل منطقة، وربما لكل قبيلة، طرائقها الخاصة في الهوسات، ولكل منها أوزانا خاصة بها.
[11] . القرآن، سورة النساء، الآية11.
[12] . أنظر إلى قضايا تتعلق بالفقه مصدر التشريع، وأًصول الفقه بوصفها منطق ذلك التشريع، وأمارة تعاطيه مع الواقع إلى: حسن حنفي، من النص إلى الواقع، مجلدين، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 2004.
[13] . علي الموسوي المشعشعي، الرحلة المكية، مكتبة مطهري الرقم 1513.
[14] . أنظر في هذا الشأن، شأن العلاقة بين القديم والحديث، التراث والحداثة إلى مؤلفات عبدالله العروي العديدة، على رأسها: عبدالله العروي، مفهوم العقل: مقال في المفارقات، المركز العربي الثقافي، الطبعة الثالثة، الدار البيضاء2003.
[15] . تسببت الحرب بين إيران والعراق بتهجير أعداد كبيرة من عرب الأحواز عن موطنهم وقراهم. وقد عبئت الحكومة الإيرانية مخيمات زجت فيها بهولاء المهجرين بفعل سياستها الحربية، وقد خلقت ظاهرة المخيمات شتى صنوف الشذوذ المجتمعي والحضاري بين العرب المهجرة نتجت عن زعزعة طريقة حياتهم. وقد تجلى ذلك الشذوذ بالحروب القبلية التي كانت تودي بمقتل وجرح العشرات، وتزايد حالات القتل بدافع الشرف، وكثرة الإدمان، والكثير من المظاهر السلبية. هذا ولم يقدم متعلمو الأحواز العرب لغاية الآن على دراسة تاريخية اجتماعية تتناول تبعات الحرب على العرب.
[16] . نحن لا نمتلك دراسات ميدانية فيها استبانات تكشف مستوى هذه القضايا، لذلك تظل هذه التصريحات مجرد انطباعات تكتسب موثوقيتها من مصادقة الأحوازيين عليها في بادي الرأي.
[17] . راجع: حاج عبدالغفارنجم الملك، سفرنامه خوزستان، به كوشش محمد دبير سياقي، مؤسسه مطبوعاتي علمي، تهران 1341.
[18]. David Menashri, Education and the Making of Modern Iran, Cornell University Press 1992.
[19]. Mohamad Tavakoli-Tarqhi, Vernacular Modernity and the Rethinking of History, Second Edition, 2017.
[20]. Reza Zia-Erahimi, The Emergence of Iranian Nationalism: Race and the Political of Dislocation.
[21]. Elling Rasmus Christian, Minorities in Iran: Nationalism and Ethnicity after Khomeini, New York: Palgrave Macmillan 2013.