الجمعة, أكتوبر 4, 2024
دراساتدور منصات التواصل الاجتماعي في تغييب مفهوم وظاهرة القيادة عن الانتفاضات في...

دور منصات التواصل الاجتماعي في تغييب مفهوم وظاهرة القيادة عن الانتفاضات في الأحواز

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

الثورة المعلوماتية وانقلاب المفاهيم والمظاهر

لا تُعَدُ مجازفة مفاهيمية إنْ قيل أن العلوم الاجتماعية، على وجه الخصوص، تشهد اليوم ظرفا تاريخيا هو ما بعد الثورة المعلوماتية الحاصلة بالوقت الراهن، ينفصل عن ظرف ما قبل الثورة هذه. ثورة جعلت المظاهر تسبق المفاهيم الموجودة سلفا، أي تلك المفاهيم التي كانت كفيلة بتأويل حادث جديد: من ثورة، أو احتجاج، أو تبديل خطاب وإتيان آخر محله إلخ… لم يعد مفهوم الطبقة، مثلا، يغطي المساحة ذاتها التي كان يغطيها من قبل[1]، ولم يعد مفهوم الثورة يشتمل على صفات تميزها عن الحركة أو الانقلاب[2]، ولم يعد مفهوم السيادة في الدول يعني المعنى ذاته الذي كان يفيده من قبل[3].

هذا هو إذًا حال المفاهيم العامة في علم الاجتماع والفكر السياسي والدولة إلخ… لكن ما نريد التركيز عليه هنا هو مفهوم القيادة الذي يؤدي في الثورات والانتفاضات والاحتجاجات دورا رئيسا، كما كان عليه الحال في الثورات والانتفاضات التي عرفناها: فكم منا نحن المراقبون والمتعلمون لم يقرن في ذهنه بين الثورة الصينية وزعيمها ماو تسوتونغ، ومَن منا لم يمزج بين الثورة البلشفية وبين زعيمها التاريخي ولاديمير أُليانوف لنين…؟ ومَن مِن المتابعين لحركة السود في الولايات المتحدة لم يُؤْخَذ بشخصية زعيمها الكاريزماتيك مارتن لوثر كينك، وكم منا نحن العرب في الأحواز، وغيرها من الأقطار العربية، لم يتعاطف، بروحه وعقله، مع  الانتفاضات و الثورات الشعوب العربیة کاثورة الجزائرية و قیاداتها الثوریة مثل العربی بن مهیدی و  الكفاح الليبي ضد الاستعمار الإيطالي بقيادة القائد عمر مختار؟ وهكذا…

لقد كانت الزعامات والقيادات تؤدي دورا جوهريا في التحشيد والتعبئة والحراك الجماهيري[4]، فضلا عن أنها كانت المعين الإيديولوجي الذي تغتذي منه تلك الجماهير والحركات[5]، في جميع أنحاء العالم، مثلما كانت الحركات الاجتماعية تستثمر في تنمية المهارات القيادية كإحدى الآليات الأساسية لتحويل الموارد الفردية إلى قوة اجتماعية تعزز أهدافها المدنية والثورية. وبحسب وصف أندرسون في كتابه “الجهات الفاعلة الرئيسة في الحركة الاجتماعية” فإن دور هذه القيادات الفكرية، طوال حياة الحركة، جعلها تحمل صفة الممثل لهذه الحركات الاجتماعية. وأكثر من ذلك هو أن دور هذه القيادات لم ينحصر في فترة اشتعال الحراك فحسب، بل ظل في فترات خمود الحركات الجماهيرية أو الثورية، دورا نشطا، سواء لتعميم المعلومات، أو للقيام بمبادرات تكتيكية، أو في خلق مواقف مناهضة، أو تعزيز نسبة التفاعل بين بعضها محافظةً على استمرار الحركة.

نعم هذا هو حال دور القيادة والزعامة[6]، قُبيل هذه الثورة المعلوماتية التي قَلَبت المفاهيم، وجعلت الواقع سابق لأي تنظير مُسْلَف ومرجعيات فكرية متاحة. ففي الآونة الأخيرة، وبالتحديد منذ انطلاق الألفية الجديدة، تغيرت مفاهيم القيادة على مستوى العالم بصفة عامة، وعلى مستوى الأحواز بصفة خاصة، حتى باتت وسائل التواصل الاجتماعي تنافس القيادات الفكرية والكاريزمية، ومركزيتها في الثورات والحركات الاجتماعية. ولقد تجاوز هذا التنافس إلى مرحلة الإبعاد لفكرة الزعامة والقيادة، بعد أن سهلت التعبئة من خلال منصات تقنية متنوعة، وتم نسيان ما تتمتع به القيادات الكاريزمية، وضرورتها التحشيدية والملهمة، وأصبحت بعد ذلك الحركات الاجتماعية مستقلة تلتزم بمنطقها الخاص بها، معتمدة على مستويات متنوعة من الفاعلين والنشطاء لنقل رسائلها وأفكارها، أو التضامن معها إلخ. ونتيجة لكل ذلك خرجت احتجاجات عديدة يكاد لا يُذكر فيها اسم زعيم، ولا تستند على تنظيم، ولا تنطلق من مبادئ تصوغ قيمها، وتحدد أبرز مطالباتها في لوائح تنظيمية تدونها لجان مركزية تنشرها بكثافة على وسائل الإعلام[7].

لقد قلصت الشبكة العنكبوتية الهوة بين المسافات، وقضت كليا على ذلك التباعد الذي كان يأتي من تباعد الجغرافيا، مثلما هي تقضي، يوما بعد يوم، على ذلك البون النابع من اختلاف الأعراق والقوميات والأديان والتقاليد والمواطن إلخ، عبر خلقها مفهوم المواطنة العالمية. لقد بتنا نتحدث اليوم بالفعل عن غياب الحضور المادي لتأدية الأدوار، والحضور في الساحة المجتمعية، وذلك هو ما حدى ببعض الفلاسفة، وعلى رأسهم لويس مرلوبونتي لإثارة سؤال مفاده: هل غياب الجسم والتواجد المادي للذات والفرد البشري، في وسائل التواصل التي لا يحضر فيها الفرد ماديا، يؤدي إلى قيام علاقة بشرية تامة[8]؟

إن ما تضمنته شبكة الإنترنت من إتاحة وسائل للتواصل، وتقريب المسافات والأفكار والرؤى، خلق أفقا رحبا للحركات الاجتماعية الجديدة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر تتيح وسائل التواصل الاجتماعي للأشخاص إمكانية العثور على أشخاص متشابهين معهم في التفكير، يستطيعون جعل ذلك منطلقا لهم لتشكيل مجتمع افتراضي مشترك، مجتمع من الأشخاص الذين لم يلتقوا بالضرورة، أو غير متواجدين في مكان واحد، تشكَّل جامعهم المشترك بمحورية التشابه الفكري الذي تحصل لديهم عبر التواصل الاجتماعي، وجعلهم يرون أنفسهم أعضاء في مجموعة أكبر. فإذا ما ذكرنا مثالا أحوازيا على أثرات إتاحة الإنترنت للأشخاص من مختلف المناطق، ونشوء إمكانية المشاركة في أعمال جماعية، بالرغم من تباعد المسافات، أتينا حينها على ما حدث في العام 2018 في الأحواز، في قضية عُرفت بقضية السجين العربي الأحوازي. لقد أدين في هذه القضية الشهيرة شخصا يدعى عبد الجبار بتهمة قتل فارسي حاول الاعتداء على امرأة عربية، فحكم عليه بالموت شنقا. وبينما كان الإعدام وشيكًا تمكنت أسرته من الحصول على عفو مشترط بدفع مبلغ ضخم من المال لأسرة القتيل. وما إنْ نُشر هذا الخبر حتى أُطلقت حملة تبرع شعبية عربية على وسائل التواصل الاجتماعي لإنقاذ عبدالجبار. والغريب في كل ذلك، وما أثار دهشة الكل، هو أن تنظيم الحملة هذه وإدارتها تم بشكل تلقائي، بمشاركة نشطاء اجتماعيين وثقافيين أحوازيين، ساندهم فيها فنانين مشهورين في الأحواز. وقد سجلت هذه الحملة استجابة كبيرة من الشعب العربي الأحوازي، بجميع مناطقه، ووصلت التبرعات أضعاف المال المطلوب، حتى خُتمت الحملة بإنقاذ حياة عبد الجبار وإطلاق سراحه.

ولكن بالرغم عن كل ذلك، أي على الرغم مما في هذه الحالة الأحوازية من إنعاش وتعزيز الوعي القومي في المجتمع، ونجاحها في محو المناطقیه و القبلية تحت شعار قومي أحوازي، إلا أنها بقت تعاني من حلقة مفقودة، ألا وهي غياب قيادة كاريزمية وإيديولوجية. ومن هنا فإنه على الرغم من سهولة التواصل وتقارب المسافات، واختلاق كل تلك الحركات الاجتماعية وميزها عن سابقاتها، فإن الحركات الاجتماعية المنبثقة من وسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة الاتصال عبر الشبكة العنكبوتية، تعاني من نقيصتين واضحتين: أولهما تتمثل في أن عدم خضوع هذه “الحركات الثورية والجماهيرية” لقيادة فكرية أو كاريزمية تدعي تمثيل إرادة الشعب، يفقدها إمكانية حصول التوافق في بطانتها، الأمر الذي يُصَعِبُ من التفاوض معها من جهة، ويسهل قمعها من جهة أخرى؛ وثانيهما هو افتقارها إلى خطط وتكتيك حديث، يسمح لها الاستمرار في الحراك. ولذلك فإن مثل هذه الحركات سرعان ما تنتهي بمجرد خبو التحشيد في شبكات التواصل الاجتماعي.

وبناء على كل ذلك، فإننا هنا سنتطرق إلى أكبر مواطن الخلل في الحركات الاجتماعية الناشئة على ضوء إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي بالتحديد، واضعين إلى مقال آخر الإمكانيات والمزايا التي جلبتها إلى الشعوب غير الفارسية، ومساعدتهم في تبني قضاياهم القومية، وإتاحة منابر إعلامية لهم عالمية من شأنها استجلاب انتباه العالمين لقضاياهم ومطالباتهم.

ونحدد المعاطب في الحركات المنبثقة عن وسائل التواصل الاجتماعي في ثلاث: أولا ما تعانيه هذه الحركات من الجمود التكتيكي، وثانيا ما تعاني منه من ضعف في اتخاذ القرارات، وثالثا جعل القيادة تُسند على أساس شعبوي بدلا عن الأساس المهني والكفاءة.

  • الجمود التكتيكي: نقصد بالتكتيك تلك الأساليب والخطط القصيرة الأمد التي تتخدها جماعة أو مجموعة أو تنظيم ما، من أجل التعامل السريع والطارئ مع المحدثات المحوطه، في سبيل التكيف مع الواقع أكبر تكيف، وذلك بغية نيل الأهداف وإصابة أكبر قدر من الغايات المرجوة في نهاية المطاف. ومن هنا فإننا لو نظرنا إلى التكتيك المستخدم في الحراك الأحوازي من قبل النشطاء، رأيناه تكتيكا هو نفسه المستخدم عدة مرات من قبل، لا يراعي بل يتجاهل بشكل تام تلك التغييرات الأساسية التي حدثت في البيئة السياسية الأحوازية. والملاحظ على النظام الإيراني أنه لا يعاني من هذا الأمر، بل إنه بعد عدة احتجاجات، ينجح في التعرف على الأسلوب المستخدم من قبل المحتجين في الأحواز، في حراكهم أو ثورتهم، ثم بعد ذلك يتكيف معه، ومن ثم يدون خططا للتعامل الأمثل معه، وليتم في النهاية تحييده بطريقة ما[9]. ولذلك فغني عن القول إنه لا يمكن للحركات الأحوازية أن تواصل نشاطها الاحتجاجي، في هذه المرحلة، إلا إذا أصبحت قديرة على تبني تكتيكات جديدة.

لقد كان الأسلوب المتبع في الحراك الأحوازي، وهو أسلوب انفجاري يعلو بسرعة البرق ويخبو بسرعة الضوء، هو أسلوب يتمكن فيه النشطاء، عبر منصات شبكات التواصل، من التعبئة السريعة والتحشيد الجماهيري الكبير، في فترة زمنية قصيرة، يجتمعون بجموعهم الحفيلة في مكان محدد دون أي تنظيم مسبق واسع النطاق. وهذا هو بالتحيد الأمر الذي يجعل مثل هذا الحراك في حالة ضعف: سواء في قراءة البيئة السياسية التي تحوطه، أو سبل مواجهة آليات النظام القمعية التي تفتقر إلى قدرة تغيير تكتيكها بسرعة. والمراقب لأشتعال الحراك الأحوازي في السنوات الأخيرة يستطيع بسهولة ملاحظة تكرار الأسلوب ذاته في الإحتجاجات التي دعى الكثير إليها، بالطريقة ذاتها، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي نفسها، وبذلك النمط المكرر.

فبينما تمكن النشطاء العرب الأحوازيين في المنفى، من تحديد تاريخ معين لإحياء ذكرى انتفاضة أبريل الأحوازية في العام 2005، وكذلك إحياء ذكرى الاحتلال الإيراني للأحواز، فإنهم فشلوا، مقابل ذلك، في حث الأحوازيين للإستجابة إلى دعواتهم لتسيير مظاهرات في الداخل. على أن ذلك النجاح، في الحالة الأولى، يعود إلى أنهم يعيشون في دول آمنة ديمقراطية، هي من مكنتهم من تنظيم هذه الأنشطة بسهولة، دون تحديات أمنية، بل ساعدتهم في تنظيم العديد من التجمعات والاحتجاجات في جميع أنحاء الدول الأوروبية، وتنظيم بعضها أمام البرلمان الأوروبي في بلجيكا. لكن فشلها، في الحالة الثانية، أي في تخلف الداخل عن الاستجابة لدعوتها، فيعود للسبب ذاته، وهو الجمود التكتيكي المتمثل في الدعوة للخروج بالأسلوب ذاته، ذلك الأسلوب الذي يترك الشاب المحتج الأعزل ضحية فكي كماشة النظام الإيراني، وأمام قناصيه وزبانيته. ومن ينجو فإن مصيره سيكون السجن والاعتقالات الأبدية من جانب الاستخبارات الإيرانية إلخ.

إن تخلف الأحوازيين في تبني تكتيكا حديثا، وأساليب احتجاجية مبتدعة على مقاس الوضع الأحوازي، وعرضها كنسخ موفقة على جماهير الشعب المحتشدة أو المستعدة للتحشيد، وضمان مساهمتها في التقليل من الخسائر البشرية والمادية في صفوف الأحوازيين المحتجين، كل ذلك ساهم بشكل فعال في تعميق الهوة بين المناضلين في المنفى، والمنضالين في الوطن المغتصب. على أن الحقيقة المرة في كل ذلك هو أن هذا العجز في إبداع تكتيكات جديدة، وعدم القدرة على التكيف مع البيئة المتجددة، أفضت إلى تعرض مئات الأحوازيين للتعذيب والأسر لفترات طويلة عند كل عام تمر من ذكرى الاحتلال. والحقيقة الأمر هي أنه لم يسأل النشطاء أنفسهم يوما لماذا يجب أن نستمر في تكرار مثل هذا الأسلوب والتكتيكات في تنظيم هذه الأنشطة بعد تكبدنا منها أثمان باهظة!

  • الضعف فی اتخاذ القرارات: ومن المعاطب الأخرى التي تعتور الحراك الأحوازي والإيراني المنبثق عن إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي، فهو ما يمكن تسميته بعنوان أزمة اتخاذ القرار. فالملاحظ على النشطاء في الأحواز هو أنهم عند شعورهم بضرورة التخطيط والتنظيم المسبق، ينشئون بعذ ذلك مباشرة، وربما تلقائيا، آليات لصنع القرار، وتسوية النزاعات إلخ، دون أن يكون هذا الأمر ناتجا عن رؤية قبْلية، تستند على مرجعيات فكرية في العمل التنظيمي والتفكير الإيديولوجي. على أن تدشين آليات تساعد في التسريع في اتخاد القرار تتطلب من دون شك وجود تراتبية تنظيمية، هي التي تحدد طبيعة القرار والجهات التي تقوم به، وكل ذلك، كما هو بائن، يحتاج إلى عقلية تنظيمية لا يمكن لهذا الحراك الأفقي، العاري عن العقلانية التنظيمة، إتاحته أو المضي في سبيل تحقيه. وقد يكون خير مثال على ذلك هو محاولة العديد من النشطاء البارزين في السوشيال ميديا جر الشارع الأحوازي إلى الاحتجاجات الأخيرة ٢٠٢٢ القائمة، دون قراءة الأحداث. وذلك أن قراءة الأحداث وربطها ببعضها، ومن ثم حساب الأرباح والخسائر من منطلق تقييمها لاتخاذ القرار الأنسب، كل تلك تجعل مثل هذه الدعوات غير صائبة  وفي غير محلها.

وقد يكون الاعتراض مبررا حين يقال أن اسناد القرار إلى جهة معينة، خال عن الموضوعية عند الحديث عن حراك اجتماعي أفقي لا يسلم بوجود قيادة نخبة وعامة محكومة يجب قياداتها. وبالرغم من وجاهة هذا الاعتراض، إلا أنه لا يمكنه نفي أن غياب جهة لاتخاذ القرار يفقد الحراك سرعة الاستجابة للمستجدات؛ وهذا هو الأمر الذي عددناه من أوجه معاطب الحراك الاجتماعي المشار إليه.

  • القيادة الشعبية: تفتقر العديد من الحركات الاحتجاجية التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي إلى قيادة تنظيمية رسمية. ولكن بالرغم من ذلك لا يمكن نكران تشكيل نوع من شبه قيادة غير رسمية، أو مؤقتة، في هذه الحركات، ترجع إلى أولئكم الذين يمتلكون منصات شهيرة ومتابعين كثر. لقد احتل هؤلاء موقع القيادة توهما، ذلك أنهم، بالرغم عن جميع متابعيهم الكثر، يفتقرون إلى الكفاءة الفكرية، أو التنظيمية، أو المعرفية اللازمة لقرأه الأحداث أولا، ولإتخاذ قرار مناسب ثانيا، يتعامل مع الظروف المستجدة، ويؤدي إلى نيل الغايات المرجوة للجماهير المنتفضة. وهذا يعني بصريح العبارة أن القدرات والمهارات التي ترفع من شعبية الفرد عبر السوشيال ميديا، ليست بالضرورة هي تلك المهارات المطلوبة للقيادة الفعالة للحركة الاجتماعية.

وهنا بالتحديد تبرز الفكرة التي أراد المقال هذا اللفت إليها، وهي أن قيادة الحراك الاجتماعي بصفة عامة، سواء ثورات كانت أو انتفاضات إلخ، يتطلب  صفات متفردة نظير الصفة الكاريزمية، والكفاءة العلمية، والمقدرة على التخطيط البديع للتكتيكات، أي المبادرة التكتيكية. كما تستوجب القيادة تمتع صاحبها بعلاقات متنوعة بين مختلف الطبقات والمجموعات والمنظمات في المجتمع، فضلاً عن مُكنة السرد الخطابي الفعال القادر على جلب التعاطف والدعم. وصحيح أن جماع تلك المواصفات تخلق شخصية قيادية بيد أن الشخص الحامل لها لا يمتلك عادة قدرة التفاعل مع الشارع، ولذلك فتكون مثل هذه الخلال العالية غير مرغوبة لدى العامة في شبكات التواصل الاجتماعي، أو أن مثل هذه الشخصيات، في أقل تقدير، لا تتمتع بالضرورة بشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي الختام فلا بد من التذكير بأننا نقر بكل تأكيد بأن الحركات الاجتماعية في وقتنا اليوم، في عصر الثورة المعلوماتية المهيبة التي نعيشها، تغيرت بشكل كبير، شأنها في ذلك شأن جميع المفاهيم المتداولة في العلوم الإنسانية والاجتماعية. ولكن بالرغم من إقرارنا بهذا التغيير، وبما يحمله من فرص كثيرة، خاصة للشعوب غير الفارسية القابعة في الحكومة الإيرانية، فإنه تغيير حمل معه من المعاطب ما شخصناه في ثلاث أوجه. فقد قلنا أن الحركات الاجتماعية اليوم، في الأحواز وفي عموم إيران، بالرغم من طابعها الديمقراطي الكبير الظاهر في المساواة بين الجميع، وتقدير أفكار الجميع، والاعتراف بالاختلاف في إطار تعددية ملحوظة، تعاني من نقصان في ثلاث: في أنها تفتقر إلى المقدرة التكتيكية التي تهبا الدينامية الضرورة للتعامل مع المتغيرات، دينامية تتأتى في سياق مقدرة على إبداع طرق للتعامل مع واقع متغير ونظام مبدع في القمع والقتل. مثلما تعاني هي في ضعف في اتخاذ القرات ينبع عن فقدان العقل التنظيمي، وعدم وجود مرجعية مقبولة لها حق البت النهائي، نافذة الطاعة. وفي الختام رأينا معاناة هذه الحركات من قيادة شعبية، أو لنقل شعبوية، تتحكم بمصير الحراك والجماهير المحتشدة دون أدنى تحل بالخلال أو المواصفات اللازمة للقيادة، فكريا ومعرفيا وكاريزميا، وفقدان لقيادة كاريزمية حقيقة هي التي تهب الجماهير الالهام المطلوب، وترسم له الغايات المرجوة، وتسهر على استمرار المطالبات وبقاء المشعل الثوري مشتعلا…

بقلم مصطفی حته و رحیم حمید

المصادر والهوامش

[1] . E. P Thompson, The Making of the English Working Class, London1968.

[2] . Alvin Stanford Cohan, Theories of Revolution: an introduction, 1975.

[3] . درباره دولت، بيير بورديو، ترجمه سروش قرائي، انتشارات مولى، تهران 1397.

[4] . انقلاب وبسيج سياسي، حسين بشيريه، انتشارات دانشكاه تهران، جاب هفتم، تهران 1387.

[5] . Dunayevskaya Raya, Philosophy and Revolution from Hegel to Sartre and from Marx to Mao.

[6] . Vilfredo Pareto, The Mind and Society, Andrew Bongiorno and others, 1935.

[7] . مقدمه اي بر جنبش هاي اجتماعي، دوناتلا دلابورتا و ماريو دياني، ترجمه محمد تقي دلفروز، نشر كوير، تهران 1390.

[8] . راجع في تتبع مثل هذه القضايا الكتاب هذا: جشمان بوست، يوهان بالاسما، ترجمه رامين قدس، كنج هنر، تهران 1390.

[9] . مديريت منازعات قومي در ايران، سيد رضا صالحي أميري، مركز تحقيقات استراتزيك، تهران1385.



error: Content is protected !!