مقدمة
أصبح الحرس الثوري رقما صعبا في معظم الملفات الداخلية والخارجية في إيران، فبالإضافة إلى مهمته الأساسية التي تتمثل في حماية الدولة من أية اعتداءات خارجية وتدعيم حالة الأمن والاستقرار الداخلي، يشارك الحرس في صنع قرار السياسة الخارجية، وأصبح أداة أساسية في تنفيذ هذه السياسة. وقد ساهمت عوامل أساسية أربع في تدعيم دور الحرس الثوري في عملية صنع القرار في إيران أولا الحرب العراقية الإيرانية والتي أكسبت الحرس قاعدة جماهيرية واسعة دفعته إلى تطوير قدراته العسكرية بحيث أصبح يمتلك جيشا كامل التجهيز، ثانيا أن دور الحرس لم يعد ينحصر في المجال الأمني والدفاعي وإنما امتد ليشمل المشاركة في المشروعات العمرانية الكبرى التي تقوم بإنشائها الحكومة، ومن ثم تحول إلى مؤسسة ضخمة لها مواردها وميزانيتها وكوادرها وجامعتها ومساهمتها الانتاجية الواسعة، وثالثا شبكة العلاقات الواسعة التي أقامها الحرس داخل دوائر صنع القرار وعلى رأسها مؤسسة المرشد الذي يدين له بالولاء ويحتمي في كنفه من رقابة المؤسسات الأخرى، ورابعا علاقات الحرس بالحوزة الدينية والمؤسسات الخيرية الواسعة الانتشار داخل إيران (مختارات إيرانية، 2007).
ويمكن القول أنه منذ العام 1997 أصبحت قيادة الحرس أكثر تأثيرا في السياسة الخارجية وفي اتخاذ القرارات الاستراتيجية وحتى في رسم السياسة الاقتصادية، وأصبح قادة الحرس شبه مسيطرين على جهاز الشرطة وعلى هيئة الإذاعة والتلفزيون الوطنية، كما باتوا يهيمنون على وزارات الدفاع والمخابرات وأصبحوا مسئولين عن الأمن الشخصي للقيادة الدينية كما يشكل الأعضاء السابقون في الحرس الثوري أكثر من ثلث المحافظين في البرلمان (الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2005).
برز دور الحرس سياسيًّا بدءًا من عام 1999 م مع ظهور يحيى رحيم صفوي بصفته قائدَ قوات الحرس، بعد أن ظلَّ ستة عشر عامًا تحت رئاسة محسن رضائي، الشعلة الفتيَّة للقوات واستطاع الحرس الثوري منذ ذلك الحين الاستفادة من الدعم الكبير الذي يأتيه في معظم الأحيان من المرشد الأعلى علي خامنئي، ومن ثورات المحافظين على ما كان يُعرف آنذاك بالفصائل الإصلاحية البارزة على الصعيد المؤسسي وإثبات ذاته ممثِّلا اقتصاديًّا بارزًا في البلاد (الملك فيصل للبحوث والدراسات، 2017).
وتأثير الحرس الثوري آخذ في التصاعد حيث يمثل قوة عسكرية وسياسية واقتصادية. وكانت قد مررت وزارة الداخلية لائحة عام 2007م تتضمن دوراً رسميا للحرس في عملية الفحص للمرشحين السياسيين، فالتدخل غير الرسمي لقوات الأمن في الانتخابات لا يزال مؤثراً. وشغل أعضاء سابقين في الحرس الثوري الإيراني بما في ذل أحمدي نجاد مناصب رئيسة في الحكومة. وتم منحهم حق الشفعة للحصول على عقود الحكومة وبعضها كان مربح للغاية. وتمثل قوات الحرس الثوري كافة
صنوف الأسلحة ويتبع لها قيادة متخصصة للقوات البرية والبحرية والجوية، ووحدة متخصصة في علوم الفضاء، وجهاز استخبارات خاص يرتبط بقيادة الحرس الثوري وبمكتب المرشد الذي يشرف عليه مباشرة. كما تمثل شبكة كاملة من مصانع الذخيرة والأسلحة التي تعمل على تزويد قوات الحرس الثوري بالأسلحة والعتاد الحربي وتطوير بعض الأسلحة والذخائر، وخصوصاً الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى. كما يتمتع الحرس الثوري بميزة انتقال التجنيد الإلزامي له بدلاً من الجيش النظامي، وحشد المتطوعين من قوات التعبئة الشعبية الباسيج في صفوفه. ويقود الحرس الثوري حالياً الجنرال محمد علي جعفري (الريني، 2015).
نشأة الحرس
اللبنة الحقيقية لنشأة الحرس الثوري أو بالأحرى الفكرة هي في الأصل لحزب الحرية “نهضت آزادي” حيث طرحت هذه الفكرة على الخميني عندما كان في باريس من قبل إبراهيم يزدي وحسين لاهوتي، وكانت الفكرة مستقاة من تجربة جيش التحرير الجزائري ومحاربي كوبا، وفي الأيام الأولى للثورة كلف الخميني مجموعة من أخلص أتباعه عرفت بمجموعة “لجنة شورى الثورة” كلفها بمهمة إنشاء قوة عسكرية هدفها حماية الثورة من الأخطار، وعليه لم يستمر الأمر سوى أيام معدودة لتكلف الدولة في حينها إبراهيم يزدي مساعد رئيس الوزراء لشئون الثورة الإسلامية وبمساعدة حسين لاهوتي ليذهب لإقرار تأسيس هذه القوة العسكرية؛ إلا أنه نشب خلاف بين اللجنة التي شكلها الخميني ورئيس الوزراء في تلك المرحلة مهدي بازركان، حيث كان يعتقد الأخير أن أعضاء هذه اللجنة متطرفين جدا، فاستبق الخميني الأمر وأعلن عن تأسيس الحرس الثوري بتاريخ 5 مايو من عام 1979م، وفعلا تم إنشاؤه وعرف بـ “سپاه پاسداران انقلاب اسلامى” ولغويا تعني هذه المفردة حراس الثورة فيما عرف في الشارع العربي بـ الحرس الثوري الإيراني (عبيدي، 2018).
الهيكل التنظيمي للحرس الثوري
القوات البرية
للحرس الثوري والتي تعرف بـ “نزسا” هي جزء أصيل من الهيكل التنظيمي للحرس الثوري وقد بدأت العمل فعليا في سبتمبر 1985، وكان اللواء يحيى رحيم صفوي أول رئيس للأركان العامة لهذه القوات، إلا أن ىهذه القوات التي تعتبر اللبنة الأساسية التي تشكل من خلالها الحرس الثوري في مايو 1979م كانت أولى مهامها قمع انتفاضة الشعوب التي ساهمت بانتصار الثورة ومنها الشعب البلوتشي في بلوشستان والعرب في الأهواز والأكراد في كردستان إيران والترك في تركمن صحراء، والجدير بالذكر أن محمد باقري الرئيس الحالي للأركان العامة الذي عينه المرشد علي خامنئي شارك وبشكل فعال في قمع المطالب القومية في الأقاليم التي انتفضت بوجه الحكومة الجديدة عام 1979 وذلك على إثر الخديعة التي تعرضوا لها من قبل رجال الدين في الأيام الأولى من انتصار الثورة، وحرمان أبناء هذه الأقاليم من نيل الحقوق القومية والعيش الكريم.
القوات الجوية
للحرس الثوري والتي تعرف حاليا بـ “نهسا” اختصار “نيروى هوايى سپاه پاسداران انقلاب اسلامى” بدأت العمل في أواخر عام 1985 وكان مهندس موسى رافان أول قائد.
لهذه القوات، إلا أن هذه القوات تم حلها في عام 2009 واستبدلت بـ “القوات الجوية والفضائية للحرس الثوري تيمنا بالقوات الجوية والفضائية الروسية، وكما يبدو تحولت كافة النشاطات المتعلقة بالأنظمة الصاروخية الخاصة بالحرس الثوري لهذا القسم من الحرس الثوري، وقائد هذه القوات منذ تحديثها العميد أمير علي حاجي زاده.
القوات البحرية
للحرس الثوري وتعرف بـ “ندسا” وهذه المفردة اختصار لهذه القوات بالفارسية “نيروى دريايى سپاه پاسداران انقلاب اسلامى” ويبدو في عام 1985 وبناء على طلب اللواء محسن رضائي السكرتير الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام وبأمر من الخميني تم تشكيل هذه القوات وكان حسين علائي أول قادة القوات البحرية الإيرانية، ومن الجدير بالذكر أنه عندما استلم الأدميرال علي شمخاني قيادة هذه القوات في عام 1990 تم تحديث وتطوير هذه القوات لتتناسب مع رؤية النظام والحرس الثوري التوسعية في منطقة الخليج العربي.
قوات البسيج
التابعة للحرس الثوري، بما أن الدستور الإيراني يمكن الحرس الثوري من حماية الثورة ومكتسباتها فإن الحرس الثوري يمتلك مقار عديدة في كافة المدن الإيرانية لاسيما في القرى والأرياف كما أن لديه قوات خاصة تبرز مهمتها عند الحاجة فقط. مثلا في حال وقوع أحداث سياسية (الحركة الخضراء عام 2009 نموذجا) أو أحداث قومية في المناطق التي تسكنها الشعوب غير الفارسية والتي باتت تأخذ منحى تصعيديا، خاصة في العقد الأخير من عمر الجمهورية الإسلامية (الانتفاضة النيسانية في الأحواز عام 2005، وحوادث أخرى لا تقل أهمية في كل من بلوشستان وكردستان وأذربيجان). وتعرف هذه القوات بالعناصر الاحتياطية وهي تابعة بالضرورة لقوات البسيج وقد سخر لهم النظام الكثير من الإمكانيات المادية الضخمة في المؤسسات الحكومية. وفي هذا الإطار لا توجد مؤسسة حكومية إلا وجل موظفيها يخضعون لأسباب معروفة في الشارع الإيراني لقوات الباسيج، أو ينتمون لها، كما أن مقاره وفروعه منتشرة في كل أنحاء البلاد.
قوات فيلق القدس
التابع للحرس الثوري تأسس أثناء الحرب الإيرانية العراقية وهو من أهم الوحدات العسكرية الخمسة الخاصة بالحرس الثوري الإيراني ويقدر عدد المنتسبين له بـ50 ألف معظمهم من العراقيين واللبنانيين وجنسيات عربية أخرى وتدار نشاطات فيلق القدس من طهران خارج حدود إيران ومن خلال السفارات والقنصليات والمراكز الثقافية الإيرانية المنتشرة في كافة أنحاء المعمورة.
وبالإضافة إلى الوحدات الخمس سالفة الذكر فإن للحرس الثوري مؤسستان هامتان تعملان بموازاة وزارة المخابرات الإيرانية، وهما استخبارات الحرس الثوري وممثلية الولي الفقيه (عبيدي، 2018).
الحرس الثوري والمؤسسات السياسية الإيرانية
الحرس والمرشد
أدت تطورات عديدة إلى إعادة النظر في مهام ودور الحرس على الساحة الإيرانية وصبت في اتجاه تصعيد الدعوة إلى دمج قوات الحرس داخل الجيش، كان أهمها وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني عام 1989، وتولي هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهورية في العام ذاته وما رافقها من تطورات على الساحة الدولية كان أهمها انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء حالة الاستقطاب الدولي وتقلص تأثير الخطاب الأيديولوجي داخليا وخارجيا، كما أن الحرب العراقية الإيرانية أثبتت أن المحك في ساحة القتال لا يتركز على الالتزام الأيديولوجي بقدر ما يتركز على الاهتمام برفع كفاءة جميع أفراد القوات المسلحة، كما أن حادثة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها هاشمي رفسنجاني عام 1988 واتهم فيها بعض رجال الحرس الثوري، دفعته إلى بذل جهودا حثيثة لتقليص حدة تأثير الحرس الثوري على الساحة الداخلية وضبط العلاقة بين الحرس والجيش، وساعده في هذا السياق دعوة آية الله حسين علي منتظري نائب المرشد حينها إلى دمج الحرس الثوري داخل الجيش، وكادت هذه الجهود أن تثمر عن شيء خاصة بعد الاتفاق على تشكيل لجنة من الجيش والحرس لبحث سبل تطوير القوات المسلحة الإيرانية في العام 1989م، لكنها باءت بالفشل في النهاية على خلفية تنحية آية الله منتظري من منصبه كنائب للمرشد وتحديد إقامته وتعيين علي خامنئي مرشدا عاما للجمهورية (مختارات إيرانية، 2007) .
وبالنظر لأهمية الحرس الثوري في المؤسسة الامنية والسياسية، فان المرشد يختار شخصيا قياداته وعناصره الشابة، المتحمسة ليتم الضخ بها في معسكرات الثوار في مختلف أنحاء العالم لتدريبهم، على أداء المهام القتالية؛ التي لا تقف عند حد الدفاع عن البلاد, إنما يتخطاه إلى إقرار الأمن، وتعقب أعداء الثورة، وتعمير البلاد، والدعاية للثورة وتصديرها إلى الخارج. ساعدت تلك الاجراءات الحرس الثوري في تأكيد مكانته وأهميته في صميم الأمن القومي الإيراني والسياسة الخارجية الإيرانية، وخاصة ما يتعلق منها بحلفاء إيران والأحزاب والجماعات الموالية لها، سواء من حيث التدريب أو الدعم اللوجيستي، أو التخلص من الخصوم (النعيمي، 2014).
ومن الجدير بالذكر أن خامنئي يرتبط بعلاقات وثيقة مع قادة الحرس الثوري حتى أنه مارس ضغوطا لتعيين بعض كوادر الحرس الثوري في حكومتي هاشمي رفسنجاني بين عامي (1989- 1997) وحكومتي محمد خاتمي بين عامي (1997- 2005) والدليل على ذلك تعيين علي شمخاني قائد القوات البحرية بالجيش والحرس وقائد قاعدة خاتم الأنبياء البحرية وزيرا للدفاع، كما استثناه المرشد خامنئي من الاستقالة من منصبه كوزير لترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية ضد محمد خاتمي عام 2001م، كما عين خامنئي قائد قوات الحرس الثوري خلال فترة الحرب مع العراق الجنرال محسن رضائي أمينا عاما لمجمع تشخيص مصلحة النظام بعد أن رفض محمد خاتمي تعيينه وزيرا في حكومته وهو المجلس الذي ترأسه هاشمي رفسنجاني ومهمته تحديد السياسة العليا للدولة (مختارات إيرانية، 2007).
الحرس والمجلس الأعلى للأمن القومي
المجلس الأعلى للأمن القومي أحد المؤسسات التي تم استحداثها ضمن التعديل الدستوري الذي أجري عام 1989م ويتولى رئيس الجمهورية رئاسة هذا المجلس الذي يتشكل من المؤسسات الاستراتيجية في إيران ويشمل ممثلان عن المرشد ورؤساء السلطات الثلاث ووزراء الخارجية والداخلية والاستخبارات والدفاع وقادة القوات المسلحة في الجيش والحرس الثوري الإيراني، وهو مجلس مهمته وضع السياسة الخارجية والدفاعية والأمنية للنظام ويتم تنفيذ قراراته بعد تصديق المرشد (مختارات إيرانية، 2003).
ويضم مجلس الأمن القومي الأعلى كل من:
- رئيس الجمهورية
- وزير الدفاع
- رئيس مجلس الشورى
- رئيس السلطة القضائية
- رئيس أركان الحرس
- مسئول الموازنة والتخطيط
- قائد الجيش
- قائد الحرس الثوري
- وزير الخارجية
- وزير الداخلية
- وزير الاستخبارات والأمن
وتعكس هذه التركيبة السيطرة الكاملة للمرشد بشكل مباشر أو غير مباشر على المجلس عبر صلاحياته الدستورية التي تمنحه حق تعيين سكرتير المجلس، وتجعله متحكما في تحديد غالبية الأعضاء، كما أن المرشد هو الجهة الوحيدة التي تمنح المجلس القدرة على تنفيذ القرارات التي يتخذها، ويملك مجلس الأمن القومي التصويت على قرارات الدولة المصيرية، وفي شكل يفوق الصلاحيات الدستورية الممنوحة للبرلمان الإيراني (الريني، 2015).
ومما لا شك فيه أن مجلس الأمن القومي ضمن مؤسسات صنع واتخاذ القرار في النظام السياسي الإيراني المعاصر ويأتي في المرتبة الرابعة بعد المرشد ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، وقد تأسس بهدف تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الإسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية، وللقيام أيضا بالمهمات التالية:
- تعيين السياسات الدفاعية الأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحدده القائد.
- التنسيق بين الأنشطة السياسية والمخابراتية والاجتماعية ولثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية الأمنية العامة.
- الاستفادة من الإمكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمجابهة التهديدات الداخلية والخارجية (سليمان، 2015).
الحرس والرئاسة في إيران
لاعتبارات عديدة، كانت انتخابات الدورة التاسعة لرئاسة الجمهورية التي أجريت في يونيو 2005م بمثابة نقطة تحول بالنسبة لدور الحرس الثوري في عملية صنع القرار، لأنها أولا أسفرت عن سقوط مدو لرئيس الجمهورية الأسبق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، الذي اتسمت علاقته بالحرس الثوري بتوتر دائم منذ سنوات رئاسته للجمهورية (1989- 1997م)، والتي بذل خلالها جهودا حثيثة لتقليص تأثير الحرس الثوري على عملية صنع القرار، وسعى إلى تطهير مؤسسات الدولة من كوادر الحرس وإعادة دمجه داخل الجيش، ولأنها ثانيا والأهم جاءت بأحد كوادر الحرس خلال فترة الحرب مع العراق ليصبح رئيسا للجمهورية وهو محمود أحمدي نجاد مرشح الجناح الأصولي من التيار المحافظ الذي ينتمي أغلب أعضائه إلى الحرس الثوري والتنظيمات الثورية الأخرى، مثل منظمة حزب الله الذي يتبع سياسة يمينية متشددة في التعامل مع قضايا الداخل والخارج. وقد بدا من السياسة التي تنتهجها حكومة الرئيس أحمدي نجاد أنه يؤمن بكثير من أفكار وطروحات الحرس الثوري، فعند تشكيل الحكومة بدأت في تنفيذ توجهات الرئيس الجديد، حيث شنت الشرطة الإيرانية حملة صارمة على تناول المشروبات الكحولية غير المشروعة واسطوانات الموسيقى المدمجة والحفلات المختلطة للشباب، كما حظر المجلس الأعلى للثورة الثقافية الأفلام الأجنبية العلمانية المروجة لحقوق المرأة والليبرالية الأمريكية، وبالإضافة إلى ذلك تم تدشين حملة تطهير داخل وزارة الخارجية باستبعاد العناصر الإصلاحية التي تفضل تطوير العلاقات مع الغرب لصالح عناصر محسوبة على الحرس الثوري. ومما يذكر في هذا الصدد أن خلافا مكتوما نشب بين الرئيس أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي عقب تقديم الأول تشكيلته الحكومية إلى المرشد الذي طالب بتولي علي ولايتي وزير الخارجية الأسبق وكبير مستشاريه والمحسوب على الجناح التقليدي من التيار المحافظ، وزارة الخارجية في الحكومة الجديدة، وهو ما رفضه أحمدي نجاد بحجة أن ولايتي مدان في محكمة برلين على خلفية قضية اغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكردي صادق شرفكندي وثلاثة من رفاقه على أيدي عملاء الاستخبارات الإيرانية وأنه سبق ووعد منوتشهر متقي بتولي هذا المنصب في هذه اللحظة تحديدا وجد الحرس الثوري أن الحفاظ على دوره السياسي يقتضي توثيق علاقته بالأصوليين المتحفزين للسيطرة على مجمل مراكز صنع القرار، وهو ما يفسر أسباب مشاركة الحرس في حملة الأصوليين للرد على الانتقادات الحادة التي أطلقها الإصلاحيون والمحافظون التقليديون ضد السياسة اليمينية المتشددة التي ينتهجها الرئيس أحمدي نجاد (مختارات إيرانية، 2007).
بتبع سياسة الحرس الثوري، السياسة الجديدة التي انتهجها أحمدي نجاد بعد توليه مقاليد منصبه خصوصا ما يتعلق بإعادة توزيع الثروة ومواجهة الفساد واستبعاد سياسة الخصخصة ورفعه شعار أموال النفط على موائد الشعب أثارت قلق نخبة التجار (البازار) التي تعتبر أقوى فئة اجتماعية بعد علماء الدين في الحياة السياسية الإيرانية لأنهم كانوا ولازالوا الممول الرئيس للمؤسسة الدينية بدفعهم الزكاة والخمس إلى الفقهاء حتى يتولوا انفاقها في مصارفها الشرعية. فتلك السياسة من وجهة نظر رجال البازار تهدم النظام الاقتصادي للدولة وتعيد بناء العلاقات الاقتصادية بين طبقات المجتمع المختلفة وصولا إلى صراع طبقي وإهدار المصالح المكتسبة منذ قيام الثورة عام 1979م. ومن هذا المنطلق مارس البازار ضغوط في سبيل تحجيم نفوذ حكومة نجاد وساهم في رفض وجوه حكومته من أعضاء الحرس الثوري وقوات البسيج (مختارات إيرانية، 2008).
كما كان للحرس الثوري دور محوري في الصراع الدائر بين الرئيس نجاد والمرشد الأعلى حيث أكد الحرس في العديد من المواقف أنه سيطارد التيار المنحرف المقرب من نجاد في إشارة إلى “رحيم اسفنديار مشائي” الذي تمتع بنفوذ كبير في مؤسسة الرئاسة (الريني، 2015).
وقد حاول الحرس في بعض الأحيان الانتقال إلى موقع الهجوم خصوصا ضد هاشمي رفسنجاني الذي اتهمه الحرس بالمسئولية عن الهزيمة والاستسلام خلال الحرب مع العراق باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، وهو ما دفع رفسنجاني إلى تسريب رسالة للخميني حول قبوله بنهاية الحرب مع العراق، وقد أثارت هذه الرسالة ضجة سياسية واسعة داخل إيران تمحورت حول الكشف عن دور قيادة الحرس الثوري في إنهاء الحرب مع العراق، فما سربه رفسنجاني كشف عن رسالة أبلغها قائد الحرس الثوري آنذاك محسن رضائي إلى الخميني يقول له فيها: “إن الانتصار على عراق صدام حسين مستحيل إذا لم تمتلك إيران 350 لواء مشاة إضافي و2500 دبابة و600 طائرة وطوافة، والقدرة على صنع الأسلحة النووية.” وبناء على هذا التحليل العسكري رد الإمام الخميني برسالة يقول فيها أنه لا خيار أمامه سوى القبول بوقف النار وتجرع كأس السم (مختارات إيرانية، 2007).
من ناحية أخرى وخلال فترة رئاسة روحاني ورغم توجُّه روحاني إلى خفض ميزانية الحرس الثوريّ عام 2016 ، إلا أن روحاني عدل عن خطته الرامية إلى إيجاد توازن بين الجيش والحرس، وزاد ميزانية الحرس في 2017 فارتفعت ميزانيته إلى مستوى قياسي فبلغت 6.9 مليار دولار. كذلك فإن اعتراضات لجنة الدفاع والأمن في البرلمان الإيرانّي على تقليص ميزانية الحرس الثوريّ في 2016 ، كان لها عظيم الأثر في زيادة ميزانية الحرس في 2017 ، إذ رأت هذه اللجنة أن إيران تتعرض لتهديدات داخليَّة وخارجيَّة، تستوجب تقديم مزيد من الدعم للحرس. ومن ثم فقد أكّد الحرس الثوريّ أنه فوق الحكومة الإيرانيَّة وأنه اليد اليمني للنِّظَام الإيرانيّ في تنفيذ مخطَّطاته الخارجيَّة وسياسته التوسُّعية خلال الفترة القادمة (الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
ومن الجدير بالذكر أن الرئيس حسن روحاني كان قد رد على الهجوم الموجه لسياسته الاقتصادية، مشيرا إلى مدى تحكم الحرس الثوري في المسيرة الاقتصادية لإيران، ومؤكدا أن الخصخصة ليس معناها أن نأخذ جزءا من الاقتصاد من حكومة عزلاء، ونعطيه لحكومة مدججة بالسلاح وتملك أجهزة إعلامية ولا يستطيع أحد فرض الرقابة عليها دون أن يشير صراحة إلى الحرس الثوري، وفي المقابل حاول قادة الحرس التحلي بالصبر أمام ما يوجه إليهم من اتهامات لا سيما وأن اللواء محمد علي جعفري القائد العام للحرس الثوري قال: “إننا نسكت من أجل الحفاظ على الوحدة ولا ينبغي أن يثقلوا علينا، فهم يتحدثون عن الحرس بدون انصاف فأنشطة الحرس تتركز على ساحة رفع الظلم والتعمير واحباط استراتيجيات العدو الرامية إلى الضغط على البلاد اقتصاديا، نحن أصحاب بندقية وصاروخ من أجل الدفاع عن الشعب فالحكومة التي لا تملك سلاحا يحتقرها الأعداء وتسلم لهم في النهاية، إننا نعتقد أن السعي من أجل قطع العلاقة بين مصير الشعب واقتصاد البلاد وبين الأجانب هو الركيزة الرئيسة للحفاظ على الثورة وحمايتها.” (عبد المؤمن، 2017).
الحرس الثوري والتيارات السياسية الإيرانية
بدا من تعاطي الحرس الثوري مع مجمل التطورات التي طرأت على الساحتين الداخلية والخارجية أن ثمة تحولا ملفتا في دوره من مؤسسة ذات طابع عسكري وأمني بحت إلى أحد أهم مراكز صنع القرار في إيران. هذه الحقيقة بدت جلية في أعقاب فوز الإصلاحيين بانتخابات رئاسة الجمهورية عام 1997، حيث انتهج الحرس سياسة مناهضة لبرامج ومشروعات الإصلاحيين، وهو ما أسفر عن حدوث مواجهات عديدة بين قيادة الحرس وحكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، ففي عام 1999م نظم طلاب جامعة طهران مظاهرات ضخمة منددين بمصادرة الحريات السياسية، ووجهوا انتقادات عنيفة للمرشد الأعلى علي خامنئي، وقاموا باعتصام بالمدينة الجامعية، الأمر الذي دفع قوات الحرس الثوري إلى التدخل لفك الاعتصام وقمع المظاهرات، وقد أدت هذه الأحداث إلى تصاعد حدة الخلاف بين الحرس الذي صور المظاهرات على أنها تمت على يد عملاء الولايات المتحدة، والإصلاحيين الذين نددوا بتدخل الحرس لقمع المظاهرات الطلابية، لدرجة أن مصطفى معين وزير التعليم العالي في الحكومة الإصلاحية قدم استقالته احتجاجا على اقتحام المدينة الجامعية، لكن الرئيس خاتمي لم يقبلها، وبعد فوز الإصلاحيين بانتخابات الدورة السادسة لمجلس الشورى عام 2000م، بدا موقف الحرس الثوري المؤيد للمتشددين جليا، خاصة عندما أصبحت قضية العلاقات مع الولايات المتحدة محورا للتباين بين الطرفين، في أعقاب تصنيف الولايات المتحدة لإيران ضمن دول محور الشر، وهو ما توافق مع توارد أنباء عن عقد اجتماعات سرية بين إيرانيين محسوبين على الإصلاحيين ومسئولين أمريكيين في جنيف، وما دعم ذلك تصاعد الدعوات من جانب بعض كوادر الإصلاحيين إلى فتح قنوات للحوار مع الولايات المتحدة، ولذا قام الحرس الثوري بتوجيه تحذيرات شديدة اللهجة إلى الإصلاحيين بعدم السعي إلى علمنة النظام وخدمة مصالح الولايات المتحدة التي تنتهج في رؤيته سياسة عدوانية إزاء إيران (مختارات إيرانية، 2007).
اقتصاد الحرس الثوري سجال المرشد وروحاني
بعد التوقيع على الاتفِّاق النوويّ، عقد الإيرانيّون الأمل على جذب الاستثمارات الأجنبيَّة للخروج من حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد الإيرانيّ، وفتح باب الاستيراد لتعويض النقص السلعي الذي تعاني منه الأسواق الإيرانيَّة بخاصَّة من السلع ذات الجودة العالية من الأسواق الأوُرُوبّية والأمريكيَّة. روحاني وفصيله دعموا توجُّه الانفتاح الاقتصاديّ على الغرب وعلى الجانب الآخر وقف خامنئي داعيًا إلى ما سَمَّاه “سياسة الاقتصاد المقاوم”، هذه السِّياَسَة تبدو في ظاهرها متقاربة مع سياسات التقشُّف، لكن أكثر تقارباً في جوهرها مع اقتصاديَّات الحرب، فخامنئي كل خبرته في عمل السُّلْطة التنفيذية تَكوَّنَت في أثناء تولِّيه رئاسة الجُمْهُورِيَّة في سنوات الحرب مع العراق. والانقسام الذي حدث له أسباب أخرى غير اقتصاديَّة، فالاقتصاد المقاوم يعني استمرار سيطرة الحرس الثوريّ على معظم قطاعات الاقتصاد الإيرانيّ، بخاصَّة قطاع النفِّط والطاقة، والانفتاح على الغرب يعنِي تقلصُّ هذه السيطرة، ورغم التاريخ السيء لشركات النفط الإيرانية الحكومية في تنمية الحقول النفطية، أصر خامنئي على إسناد عقود النفط الجديدة إلى شركات حكومية يسيطر عليها الحرس الثوري، وقد قاوم روحاني الأمر لكنه خضع للضغوط في النهاية ووافق على عقود مشتركة بين شركات الحرس الثوري وشركات أجنبية (الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
من الجدير بالذكر أن طموحات روحاني بالانفتاح على الغرب والانخراط في المجتمع الدولي اصطدمت بأجندة المتشددين والحرس الثوري المهيمن على هرم السلطة، لكنه تعهد في ولايته الثانية بالتعامل مع العالم، بمزيد من الحريات والمساواة بين الأقليات والأقوام الإيرانية المختلفة (اليوم السابع، 2017).
خضع روحاني أخيرا وأسند عددا من الاتفاقيات النفطية الجدية إلى شركات الحرس الثوري، إلا أن بنك (ملت) وبأوامر من حكومة روحاني رفض فتح حسابات بنكية وإجراء تحويلات نقدية باسم قاعدة خاتم الأنبياء العسكرية التابعة للحرس الثوري والتي تشرف على معظم الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري وتمول فيلق القدس بالخارج وبقية الجماعات المسلحة المتعاونة مع إيران، وكان ذلك بمقتضى بنود اتفاقية مكافحة غسيل الأموال التي وقعتها إيران في عهد أحمدي نجاد ولم تدخل حيز التنفيذ نتيجة تجاذبات التيارات السياسية الإيرانية حتى ذلك الوقت (الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
القضيَّة الثانية في صراعات المِلفَّ الاقتصاديّ تمثلت في ضربة موجَّهة إلى الحرس الثوري على نحو خاصّ، إذ رفض بنك “ملت” بأوامر من حكومة روحاني فتح حسابات بنكية وإجراء تحويلات نقدية باسم قاعدة خاتم الأنبياء العسكريَّة التابعة للحرس الثوريّ، التي تُشرِف على مُعظَم الأنشطة الاقتصاديَّة للحرس الثوريّ، وتمّول فيلق القدس بالخارج وبقية الجماعات المسَّلحة المتعاونة مع إيران. البنك رفض هذا الإجراء بمقتضى بنود اتِّفَاقية مكافحة غسل الأموال التي وقّعت إيران عليها في عهد أحمدي نجاد، لكنها لم تطبَّق إلا في شهر أغسطس2016 م، وواضح من التأخُّر في التنفيذ أن الأمر جاء على خلفية تصاعد الأزمة بين التَّيَّارين السياسيَّين. على الناحية الأخرى اعتبر التَّيَّار المحافظ أن الاتِّفَاقية تنتهك استقلالية إيران وتخُضِع مؤسَّساتها لقوانين أجنبيَّة فوق الأراضي الإيرانيَّة، ووصل الأمر إلى إحالة القضيَّة إلى المجَلِس الأعلى للأمن القوميّ. على الرغم من أن القضيَّة لم تُسَم حتى الآن فإنها شّكلَت حلقة جديدة من انتصارات فريق روحاني، فلأول مرة تعترض حكومة إيرانيَّة على إجراء يريد الحرس الثوريّ اتخاذه (الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
في المقابل وتحت ضغوط تَردِّي الأوضاع الاقتصادية واستمرار التظاهرات والاحتجاجات الشعبية منذ ديسمبر 2017م، فضلًا عن خروج الولايات المتَّحدة من الاتِّفاق النووي واستئناف العقوبات الاقتصادية واقتراب موعد فرض الحظر على الصادرات النِّفْطية الإيرانيَّة، تَحرَّك البرلمان الإيرانيّ، الذي لا تتضح انتماءات أعضائه إلا لدى التصويت حول القرارات الفارقة على مستوى التوازنات الداخلية، لاستجواب الحكومة الإيرانيَّة. لم يمانع المرشد هذا التحرُّك البرلماني، إن لم يكُن محرِّكًا له، فمن خلال مساءلة البرلمان للحكومة الإيرانيَّة يضفي المرشد على النِّظام الإيرانيّ طبيعة ديمقراطية ويقلِّل الغضب الجماهيري تجاه شخصه وتجاه الحرس الثوري والهيئات الاقتصادية التابعة لهما، والأهمّ قياس مدى ولاء روحاني للمرشد والنِّظام، لكن روحاني الذي كرَّر خلال سنوات حكمه السابقة اتهامات متتالية للحرس الثوري بتدمير الاقتصاد الإيرانيّ أرجع الأزمات الاقتصادية إلى ما تتعرَّض له إيران من ضغوط خارجية، نافيًّا التقصير عن حكومته، دون أن يوجه الاتهام إلى الدور المخرب للحرس الثوري في الاقتصاد الإيرانيّ (المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 2018).
هيمنة الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني
موقع الحرس في الاقتصاد الإيراني
بما أن الاقتصاد يعتبر المحرك الأساسي للعمل السياسي، والعكس صحيح، أدرك قادة الحرس الثوري الراغبين في ممارسة معترك السياسة بأن المنفذ الوحيد للدخول إلى الحياة السياسية الإيرانية هو الإمساك بمقدرات البلاد عدا عن أن هذه الرؤية من شأنها أن تؤمن مستقبل النظام واستمراريته في آن واحد. ويعود النشاط الاقتصادي للحرس الثوري للمرحلة التي عرفت بـ “مرحلة البناء” والتي قادها الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني عندما قرر خصخصة جانب من الاقتصاد الإيراني، إلا أنه فشل بسبب معارضة الحرس الثوري لسياساته الاقتصادية. كما مهدت هذه المرحلة للحرس الثوري أن يدخل بقوة في مفاصل الحياة الاقتصادية وعلى كافة المستويات الزراعية والصناعية والمعادن والمواصلات وتعبيد الطرق، وكذلك عمليات الاستيراد والتصدير. وتفيد التقارير بأن الحرس الثوري يمتلك المئات من الشركات العملاقة (عبيدي، 2018).
وبين عامَيْ 2002 م و 2015 م نجحت قوات الحرس الثوري في توسيع أصولها الاقتصادية دون قيود أو ضوابط. وساعدت العزلة المتزايدة التي مرت بها البلاد على تراجع الشركات الغربية، وفرضت على إدارة محمود أحمدي نجاد بقيادة عدد كبير من قادة الحرس السابقين من ذوي المناصب الوزارية، هيمنتَها على مشاريع البنى التحتية الكبيرة التي كانت في قبضتها، وهي مشاريع شاركت فيها الهيئة النخبوية خلال التسعينيَّات بشكل تدريجي عندما مكّن هاشمي رفسنجاني، الرئيسُ الإيراني آنذاك، القوةَ الصاعدة من تنمية نشاطات هندسية وإنشائية بشكل سري. وبحلول عام 2009 م، حوَّلت الأزمة السياسية المتصاعدة الحرسَ الثوري -الذي دعم راعيه السياسي علي خامنئي- إلى فاعل اقتصادي مسيطر في المنطقة، وساعد الإحباط الذي عانى منه مجتمع الأعمال التجارية -إلى جانب عدم استعداد التكتُّلات القائمة بين الشركات للتنافس مع قوات الحرس الثوري في العروض الكبرى– على دخول قوات الحرس الثوري في شراكات تفوق قدرتها آنذاك. وفي سبتمبر 2009 م، أحكمت شركة فرعية تابعة لقوات الحرس الثوري قبضتَها على أغلبية أسهم شركة الاتصالات السلكية التي خصخصتْها الدولة بشكل متسرِّع؛ في خطوة مبشرة بسنين قادمة من سوء الإدارة. كما استنزفت القواتُ نفسُها حقولَ النفط والغاز، وهو قطاع استثماري تُرك خالياً من قبل الشركات الغربية بين عامَيْ 2006 م و 2013 م في الوقت نفسه الذي بدأ فيه حقل النفط جنوب بارس ومواقع إستراتيجية أخرى إظهارَ مؤشرات واعدة ومربحة. وبحلول منتصف عام 2011 م، نمت النشاطات الاقتصادية لقوات الحرس الثوري وكونت شبكة من النشاطات الممتدَّة غير المراقَبة المستهدِفة لأي عنصر ربحي في الاقتصاد الإيراني. لم تمرَّ هذه النشاطات مرورًا عابرًا؛ ففي خطابٍ شهير في يوليو 2011 م أعلن أحمدي نجاد استنكارَه مساراتِ التوريد التي تخرق أنظمة الجمارك التي شملت، حسب قوله، خدماتِ المطارات والموانئ، ما حوَّل قوات الحرس الثوري، حسب تعبيره، إلى الإخوة المهربين والإخوة: مصطلح مستخدَم في خطاب الجمهورية الإيرانية يحمل المعنى ذاته في النظام السوفيتي؛ نظام الكتلة الشرقية (الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2017).
لم يعُد الحرس الثوريّ مؤسَّسة عسكريَّة تنشط في الخارج والداخل وتمارس دورًا سياسيًّا فحسب، بل أصبحت عملاقًا اقتصاديًّا يسيطر على عدد من المؤسَّسات الضخمة ويهيمن على قطاعات اقتصاديَّة هيمنة كاملة في إيران، وضمن التجاذب الذي شهدته العلاقة بين رئيس الجُمْهُورِيَّة حسن روحاني ومرشد الثَّورة على خامنئي، سعى روحاني لتقليم أظافر الحرس الثوريّ بعض الشيء عن طريق تقليص ميزانيته. في شهر يوليو 2016 تَقدّمَت حكومة روحاني باقتراح للبرلمان الإيرانيّ بتعديل الميزانية المخصَّصة للقوات المسلَّحة الإيرانيَّة الجيش والحرس الثوريّ، على أن تنخفض ميزانية الحرس وتزداد ميزانية الجيش بعض الشيء. هذا المقترح انتقده عضو لجنة الأمن القومي والسِّيَاسَة الخارجيَّة بالبرلمان الإيرانّي مجتبي ذو النور، مبرِّرًا هذا الانتقاد بالتهديدات المختلفة التي تحيط بإيران، لا سيما تهديدات بعض المسؤولين الأمريكيّين، وقضايا الإرهاب والجماعات الإرهابية، الأمر الذي يقتضي عدم تقليص الميزانية الدفاعية. ميزانية الدفاع التي قدّمها روحاني في شهر يناير 2016 للبرلمان، كانت تتضمن إعادة توزيع لموازنة الدفاع بين الجيش والحرس، لا خَفْضًا من المبلغ الإجمالي فحسب، والمعتاد في ميزانية الدفاع الإيرانيَّة أن تزداد في كل عام بنسبة تتراوح بين 2% و 5%، إلا أن روحاني في ميزانية 2016 اقترح زيادة ميزانية الجيش بقيمة 15 %، لترتفع من 1.5 إلى 1.750 مليار دولار، واقترح تخفيض ميزانية الحرس الثوريّ بنسبة 16 % لتنخفض من 5 إلى 4.1 مليار دولار، وكذلك زيادة ميزانية قوات التعبئة «البسيج” وقيادة الأركان العامَّة للقوات المسلحَّة نحو 400 مليون دولار لكل منهما. وفشل روحاني في تمرير مقترحه داخل البرلمان، ونتيجة للمساومات السياسيَّة التي دارت خلال عام 2016 م أو التهديدات التي تلَقََّاها، تراجع روحاني عن مساره، وعلى الرغم من دعوته لخفض موازنة الحرس الثوريّ في الموازنة العامَّة لعام 2016 ، فإن روحاني منح الحرس الثوريّ ميزانية تاريخية في لائحة الموازنة لعام 2017 بزيادة كبيرة بلغت 53 % مقارنة بالعام السابق، فارتفعت إلى 6.9 مليار دولار))) هذه اللائحة التي هي الآن قيد الدراسة في البرلمان الإيرانّي، وصفها محلّلون اقتصاديُّون، بأنها ذات طابع عسكريّ أمنيّ، وحسب هذه اللائحة فإن الموازنة العامَّة للعام المقبل هي 371 ألف مليار تومان 99.7 مليار دولار، بزيادة 39 % من حصة الدفاع، وُزعت كما يلي:
وزارة الدفاع ومؤسَّساتها المختلفة، كمنظَّمة الضمان الاجتماعي التابعة للقوات المسلحَّة، منظَّمة حماية المعلومات، البحوث والدراسات الدفاعية، منظَّمة الشؤون العقائدية والسياسيَّة، جامعة مالك أشتر الصناعية الدفاعية، منظَّمة الشؤون الجغرافية، حصلت على مبلغ 22999.9 مليار تومان، أي ما يعادل نحو 5.75 مليار دولار. قوات الحرس الثوريّ والمؤسَّسات التي تتبعها، مثل ممثّلية خامنئي في قوات الحرس والبسيج، ومنظَّمة حماية المعلومات، وجامعتيَ الإمام الحسين وضباط الحرس، حصلت على 24.545 مليار تومان، أي ما يعادل 6.9 مليار دولار (الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
يتبع الحرس الثوري أكثر من 100 شركة عملاقة تعمل في كافة النشاطات الاقتصادية، كاستيراد المعدات، واللوازم التكنولوجية، وصناعة السيارات، وتصدير النفط، والصناعات البتروكيماوية، والنقل، والتجارة غير القانونية، ومن أبرز هذه الشركات: شركة خاتم الأنبياء، المؤسسة التعاونية للحرس الثوري، مؤسسة كورران. وللحرس الثوري أيضاً نشاطات اقتصادية مهمة وحيوية، منها المطارات التابعة للحرس الثوري وشركات طيران، ومراسي وأرصفة بحرية تابعة مباشرة للحر الثوري، وعددها أكثر من 81 رصيفاً ومرسى، يتم عبر هذه الموانئ تصدير 89 % من صادرات إيران التجارية. كما يتبع الحرس الثوري مؤسسات وشبكات إعلامية تتلقى تمويلها منه، في كافة المجالات الإعلامية: الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، وتقدر القنوات الفضائية بالعشرات، منها 38 فضائية ناطقة باللغة العربية وحدها (الريني، 2015).
التسلط الاقتصادي من الحرس الثوري خلق حكومة موازية في المجال الاقتصادي، فقد اقتحم هذا المجال بكثافة شديدة وأصبح يسيطر على معظم أوجه النشاط الاقتصادي سواء في الصناعات الاستراتيجية الضخمة كالسلاح والنفط والآلات والمواد الغذائية أو في الأسواق المالية وعمليات التجارة الواسعة بما ليده من قدرة على الاستيراد والتصدير والتسهيلات والمنافذ. بل حتى أصبح العمل الثقافي مورد ربح بعد خروجه من واجب التوجيه المعنوي إلى دائرة الاستثمار، حتى أنه يمكن القول أن قوة الحرس الاقتصادية لم تعد مؤثرة فقط في الاقتصاد القومي وإنما موجهة له أيضا (مختارات إيرانية، 2010).
تدعم النشاط الاقتصادي لجيش الحرس الثوري أسانيد قانونية وأوامر صريحة من قيادة النظام، بل وبمواد من الدستور، حيث أكد عبد الرضا عابد أحد قيادات الحرس الثوري في المجال الاقتصادي أن المادة 147 من الدستور تحمي كل الانشطة الاقتصادية لجيش الحرس، في حين أن هذه المادة لا تنص صراحة على حجم أو كيفية هذا النشاط، حيث تؤكد على أن الدولة في أوقات السلم لا تتوقف عن دعم احتياجات الجيش من أفراد وتجهيزات فنية وإمدادات وتعليم وتدريب وانتاج وجهاد تعمير وفق الموازين الإسلامية، بما يكفل عدم وجود قصور في الاستعداد القتالي لزمن الحرب، كما أن هذه المادة لم تشر إلى الحراس بل أشارت إلى الجيش، وأكدت على الموازين الإسلامية وهي لا تسمح بازدياد حجم هذه الأنشطة في المجالات المدنية، بحيث تؤدي إلى حذف ممارسين مدنيين من هذه المجالات الاقتصادية باستخدام النفوذ أو الهيبة العسكرية أو الشعارات الطنانة. ويبرر قادة الحرس الثوري ازدياد حجم ونفوذ “معسكر خاتم الأنبياء” في الأنشطة الاقتصادية بأنه يخضع لمضمون المادة 147 من الدستور، فضلا عن استفادتهم من المادة 150 من الدستور التي تضع على عاتقهم حماية نظام الجمهورية الإسلامية من كافة الأخطار، بما فيها الأخطار الاقتصادية (مختارات إيرانية، 2010).
وقد حددت المادة 150 من الدستور الإيراني الدور الرئيس للحرس الثوري وذلك على النحو التالي: “تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة- راسخة ثابتة، من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها” وعليه نستشف من هذه المادة الدستورية أن للحرس الثوري مهاما في غاية الأهمية تخوله أن يمسك فعلا بكافة مفاصل البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك من أجل حماية الثورة الإيرانية التي ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا (عبيدي، 2018).
بدأ الحرس الثوري تمويل نشاطه من خلال قطاعه الاقتصادي منذ أن حاول رفسنجاني إبعاد الحرس عن الحياة السياسية عبر إشراكه في جهود إعادة الإعمار التي قادها بعد انتهاء حب العراق، عن طريق تمرير مجلس الشورى قانون يتيح للحرس الثوري استخدام قدراته الهندسية لإعادة بناء اقتصاد البلاد، فقد أكسب هذا الأمر الحرس الثوري قوة إضافية وساعده أكثر على ترسيخ نفوذه في الاقتصاد الإيراني، حيث نجح في تثبيت أقدامه في العديد من القطاعات الصناعية (مختارات إيرانية، 2008).
ويمكن القول أن تطورات ساعدت في تعزيز نفوذ الحرس الثوري في الداخل الإيراني، تمثلت أهمها في تولي اللواء محمد علي جعفري قيادة الحرس الثوري، حيث تبنى جعفري منظورا مفاده أن التهديد الرئيس الذي يواجه الجمهورية الإيرانية إنما يأتي من الداخل، أو ما يمكن أن نطلق عليه الثورة المخملية وهو ما ركز عليه جعفري أثناء توليه رئاسة مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للحرس الثوري قبل توليه قيادة الحرس، واتضح في تصريحاته اللاحقة، وهذا التوجه الجديد للحراس يتيح لهم فرصة القيام بمشروعات لتمويل عملياتهم ولا تدخل تحت مظلة الرقابة (مختارات إيرانية، 2008).
من الجدير بالذكر أن طبيعة تكوين جيش الحرس الثوري أدت إلى أن تحمل عناصره معها عند عودتها إلى إيران بعد انتهاء تدريباتها في المناطق الملتهبة من العالم، حيث تعمل المنظمات الثورية المتطرفة عادت تحمل معها صداقات مع بعض عناصر هذه المنظمات والجماعات التي تعتبر خارجة عن إطار الشرعية الدولية، بل إن بعض هذه الصداقات تحولت إلى مديونات مادية ومعنوية يحملها الحراس لهذه العناصر، وسواء من خلال القيام باستثمار هذه الصداقات أو دفع هذه المديونات، باتت العلاقات وثيقة بين حراس الثورة الإسلامية وبين هذه المنظمات، ومن خلال هذه العلاقات تتم عملية تبادل المصالح، وربما يكون منها عمليات غسيل الأموال، ومع عدم تحديد صلاحيات الحرس الثوري، أو تعيين حدود وظائف هذه القوات ونطاق مسئولياتها، أو عدم توضيح القانون الإيراني كيفية حل الإشكالية المتعلقة بالدور الذي يضطلع به الحرس الثوري في الداخل الإيراني (مختارات إيرانية، 2008).
ويمكن القول أن الحرس الثوري أصبح اليوم الركن الأول في الاقتصاد الإيراني بعد النفط، حيث يسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني، ويؤكد البعض أن النسبة تزيد على ذلك بكثير، إلا أنها تظل في مساحة التخمين. ساعدته العقوبات الأمريكية التي فرضت في التسعينيات، ثم العقوبات الدولية على خطط التسليح النووي، في اعتماد الدولة عليه. وبالتحديد بعد وصول الرئيس أحمدي نجاد. توسعت في عهد نجاد الأنشطة الاقتصادية للحرس حتى وصلت لذروتها. ولذلك ردت له الجميل في 2009 بإخماد انتفاضة الحركة الخضراء ضده. ناهيك عن مساندته – أي الحرس – لباقي مؤسسات الدولة التي تضررت من جراء العقوبات، مما جعلها تدخل في قطاعات اقتصادية بحتة كالسياحة وصناعة السيارات والاتصالات. وقد انطلقت سياسات الخصخصة في 2005، ولم يكن من قوة قادرة على استيعاب الشركات المطروحة سوى الحرس الذي تمكن من السيطرة على قرابة 80% منها، بحجة الحيلولة بينها وبين اختراق الأجانب للسيطرة عليها. رغم أن الهدف كان دخول قطاعات جديدة من الشعب في معادلة الاقتصاد والاستثمار لعلاج أزمات البطالة ونسب الفقر المرتفعة. تقدر المبيعات السنوية للنشاطات التجارية للحرس الثوري بـ 10 – 12 مليار دولار حتى العام الماضي (موقع إضاءات، 2018).
شركات الحرس الثوري
خاتم الأنبياء
من أهم الشركات التي تعود ملكيتها كاملة للحرس الثوري شركة خاتم الأنبياء وهي أضخم الشركات التابعة للحرس الثوري وكان رئيسها محمد علي جعفري الرئيس الحالي للحرس وتعتبر هذه الشركة من أهم الشركات في الشرق الأوسط وتضم مجموعة شركات كبيرة وصغيرة ولها اختصاصات كثيرة في كافة المجالات الاقتصادية، ويتجاوز عدد موظفيها 45000 شخص بين مهندس وموظف وكذلك أكثر من 5000 مقاول وأكثر من 150000 يعملون بشكل غير مباشر، إلا أن الرئيس السابق لمجموعة خاتم الأنبياء اللواء عباد الله عبد اللهي، وفي معرض حديثه لوكالة صراط للأخبار بتاريخ 11 أكتوبر 2014 قال: “إن أكثر من 5000 شركة خاصة للمقاولات تعمل في إطار مجموعة خاتم الأنبياء ومجموع موظفي مجموعة خاتم الأنبياء بلغ 135 ألف موظف منهم 2560 من قادة الحرس الثوري (عبيدي، 2018).
أنشئت شركة خاتم الانبياء في عام 1989 ، لتوفير فرص عمل لمقاتلي الحرس، ووفقا لتقديرات الحكومة الأمريكية، أصبحت الشركة واحدة من أكبر التكتلات في البلاد، إذ سيطرت على مشاريع كبرى في قطاع النفط والغاز، والتي تبلغ قيمتها نحو عشرة مليارات دولار، علاوة على أكبر مشروع يتعلق بمراحل التطوير الثلاث لحقل الغاز العملاق فارس الجنوبي (النعيمي، 2014).
خاتم الأنبياء هي واجهة الحرس الثوري اقتصاديًا وتُعرف بذراع البناء داخله. تمتلك حاليًا ما يزيد على ثمانمائة شركة تابعة لها. وتتنوع أنشطتها بين تلك الخاصة بالبنية التحتية والأهداف الاستراتيجية مثل صناعة السفن واستغلال الطاقة. تعرضت خاتم الأنبياء للعقوبات مباشرة، لتجفيف مصادر القوة المالية للحرس. إذ ينسب لها تمويل المشروع النووي الذي يدير ملفه الأخير (موقع إضاءات، 2018).
يقول رستم قاسمي أحد أبرز قادة الحرس الثوري والمستشار الأعلى لوزير الدفاع الإيراني: “تسعى مؤسسة خاتم الأنبياء لأن يكون لها حضور فعال في مشاريع تقع في المناطق الحدودية المحرومة والتي يتعذر وجود الشركات الخاصة بها لصعوبة الوصول إليها.” إلا أن اللافت في الأمر أن الحرس الثوري أراد من خلال هذا التوجه أن يضرب عصفورين بحجر واحد، أولا السيطرة على الحدود والمداخل للأراضي الإيرانية، ثانيا كسب ود الشعوب المقهورة في جغرافيا إيران السياسية والتي تحيط المركز الفارسي من الجهات الأربع (عبيدي، 2018).
لكن في المقابل تغير موقف إيران تجاه «خاتم الأنبياء» بعد التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو 2015، وبات مسؤولو المؤسسة في صراع مع الحكومة الإيرانية، التي لم تعد تلقي اهتمامًا كبيرًا بهذه المؤسسة في أي مشروعات. ورفضت الحكومة الإيرانية طلب المؤسسة في المشاركة مع شركات أخرى في 10 مشروعات كبرى عام 2016، واعتمدت الحكومة الإيرانية على شركات أجنبية ذات تمويل كبير في مشروعات أخرى، كبناء السكك الحديدية وبناء السفن، ما أغضب العديد من المسؤولين فيها. كما أبرمت الحكومة الإيرانية اتفاقًا مع شركة «دايو» الكورية للبناء والهندسة؛ لإطلاق مشروعات بقيمة 1.5 مليار دولار، للعمل في طريق سريع يربط بين العاصمة طهران وبحر قزوين، رغم أن «خاتم الأنبياء» كانت ترغب في تولّي هذا المشروع.
وبذلك يمكن القول: إن «خاتم الأنبياء»، تضررت كثيرًا بفعل التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى منذ عام 2015؛ ما دفع بتوتر العلاقات كثيرًا ما بين الحرس الثوري الإيراني والحكومة الإيرانية برئاسة حسن روحاني، حيث كان من الأسباب الرئيسية لانتقاد الحرس للاتفاق النووي، أنه أضرَّ كثيرًا بمصالح الأخير الاقتصادية داخل إيران. وقد أدى تهميش دور المؤسسة خلال الفترة ما بين 2015 و2018، إلى تصاعد لهجة قادة الحرس الثوري الإيراني، المالكين للمؤسسة، ضد الاتفاق النووي الإيراني؛ حيث مثّل الاتفاق تهديدًا حقيقيًّا لنفوذ الحرس الاقتصادي داخل إيران، والذي يستمد منه قوته السياسية والعسكرية إلى حدٍّ كبير. فعمل الحرس الثوري خلال الأشهر القليلة الماضية -بجانب التصعيد من جانبه- على محاولة تصيُّد تصعيدات الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران؛ لأنه يدعم بالأساس خروج إيران من الاتفاق النووي، إذ إن انتهاء الاتفاق النووي يعني خروج الشركات الأجنبية من السوق الإيرانية، وعودة سيطرة «خاتم الأنبياء» والمؤسسات الأخرى التابعة للحرس الثوري على السوق الإيرانية.
وحينما أعلنت واشنطن خروجها من الاتفاق النووي، رحب رئيس أركان الجيش الإيراني، وقائد الحرس الثوري وعدد من نواب البرلمان الإيراني بالخروج الأمريكي من الاتفاق النووي، داعين إيران لإنهاء هذا الاتفاق، كما أثنى محمد علي جعفري، قائد الحرس، على خروج واشنطن، ويبدو أن دور شركات الحرس الثوري يزداد كلما انغلقت إيران وقل ارتباطها بالخارج في النواحي الاقتصادية، ما يقل معه دور الشركات الأجنبية في السيطرة على السوق الإيرانية. ومن المتوقع أن يزداد دور مؤسسة «خاتم الأنبياء» داخل إيران، وعودة سيطرتها على سوق الإنشاءات في إيران، بالتزامن مع الصعود المجدد لدور الحرس الثوري الإيراني سياسيًّا بالداخل الإيراني؛ ما سيؤدي إلى زيادة القوة المالية والاقتصادية للحرس الثوري (موقع المرجع، 2014).
كانت قد أعلنت وزارة الطاقة أن الشركات التي يديرها الحرس الثوري ستتولى كل مشاريع البنية التحتية بما في ذلك المياه والكهرباء والكباري في غرب إيران، وبالإضافة إلى ذلك تمكنت شركة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثوري من تنفيذ ما يقرب من 1220 مشروعا صناعيا وتعدينيا في الفترة من 1991- 2007م كما وقعت العديد من العقود مع الحكومة الإيرانية، وعلى سبيل المثال وقعت عقدا في عام 2006م مع وزارة النفط الإيرانية تبلغ قيمته 1.3 مليار دولار. وقد عمل الرئيس أحمدي نجاد على توسيع نفوذ الحرس الثوري، عبر تعيين العديد من أعضائه السابقين إما في مناصب وزارية، فقد عين 9 وزراء من الأعضاء السابقين في الحرس الثوري، وهو أمر لم تشهده الجمهورية الإسلامية من قبل، أو كمحافظين لإدارة المحافظات، فمحافظات مثل كرمان وآذربيجان غربي وخوزستان وهمدان وعيلام حكمها عناصر سابقة من الحرس الثوري (مختارات إيرانية، 2008).
شركات تتبع الحرس
للحرس الثوري عدة شركات استثمارية ضخمة ففضلا عن تكتل “اعتماد مبين” هناك مجموعة “بهمن” التي تستثمر في كافة الصناعات ومنها صناعة السيارات والجرارات، ومجموعة شركات قرب التي تستثمر في مختلف المجالات الزراعية والصناعية، وقد استولت “اعتماد مبين” على شركة الاتصالات بشرائها 23 مليار سهم من أسهم هذه الشركة، وهو ما يوازي 51% من أسهمها، دفع التكتل 20% منها نقدا والباقي على 16 قسطا كل ستة شهور، وهو ما جعل المنافسة تستعصي على الشركات الحكومية والقطاع الخاص، ولم ينافس الحرس في هذه الصفقة إلا الباسيج التابع أيضا للحرس الثوري ومن خلال شركته المعروفه باسم مهر للاقتصاد الإيراني وهي شركة مالية استثمارية للباسيج يديرها قيادات سابقة في الحرس الثوري مثل أحمد شفيع زاده رئيس الهيئة التعاونية للحرس الثوري وسيد مجيد مير أحمدي النائب السابق لقائد قوى الباسيج وعضو القيادة المشتركة للحرس الثوري وعبد الحسين صفايي وكيل قوى الباسيج لشئون القوى البشرية ومهدي عضو مجلس إدارة مركز الدراسات التابع للحرس الثوري (عبد المؤمن، 2010).
تسريبات ويكي ليكس عن شركات الحرس
لقد أصبح الحرس ونتيجة امتلاكه هذا الكم الهائل من الشركات والبنوك أكبر لاعب على الساحة الإيرانية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، كما أنه وبفضل هذه الأموال استطاع أن يطور قدراته العسكرية وأن يمول تدخلاته الخارجية، وإذا استثنينا هذه الشركات المالية والاقتصادية فإن الحرس يمتلك أكثر من 180 مرفئا وميناء بحريا ومئات الشركات التجارية الأخرى التي تعمل تحت مسميات عديدة وقد ورد ذكر بعضها في تقرير وكي ليكس على النحو التالي:
1- شركة الاتصالات الهاتفية الإيرانية بقيمة 22 مليون مشترك هاتف منزلي عادي و33 مليون مشترك موبايل قدرت قيمتها بـ 9 مليار دولار، وقد اشتراها الحرس بمبلغ 7.8 مليار دولار، في حين القيمة الحقيقية لشركة الاتصالات الإيرانية تقدر بما لا يقل عن 45 مليار دولار وهذا يعني أنها أكثر بخمس مرات.
2- شركة غدير للاستثمار وتعد احدى أكبر الشركات الاستثمارية، وتشمل صناعة أدوية ابن سينا والشركة التكنولوجية والأسمنت سباهان وأسمنت كردستان ومصرف باساركارد وأسمنت الشرق ومصانع إيران للألومنيوم وبتروكيماويات زاجرس، ومئات الشركات الصغيرة، وصلت قيمتها إلى 1.5 مليار دولار، أما الحرس فدفع مقابلها 0.9 مليار دولار، أما قيمتها الحقيقية فتقدر بـ 4 مليار دولار.
3- مصفاة أصفهان، تم شرائها من قبل الحرس بمبلغ 2.1 مليار دولار (قيمتها الحقيقية 5 مليار دولار)
4- مصرف بارسيان قدرت قيمته بـ 19 مليار دولار، أصبح ملكا للحرس بـ 5 مليار دولار فقط.
5- صناعات البتروكيماويات الإيرانية يمتلك الحرس 60% من هذه الشركة بسعر 800 مليون دولار.
6- بتروكيماويات بارس يمتلك الحرس منها 40% بسعر 700 مليون دولار.
7- بتروكيماويات مارون يمتلك الحرس 25% منها بقيمة 600 مليون دولار.
8- صناعة الألومنيوم الإيراني، تم شراءها من قبل الحرس بسعر 400 مليون دولار، وقدرت قيمة الأراضي التي توجد فوقها المعامل بـ 300 مليون دولار.
9- المعادن والصلب بقيمة 2 مليار دولار تم شراءها من قبل الحرس بقيمة 1.8 مليار دولار.
10- مصرف الصادرات، ملت، والتجارة، 10% إلى 15% من حصص هذه البنوك تعود للحرس الثوري.
11- صنايع صدرا البحرية (صناعة السفن) بقيمة 150 مليون دولار تم شراءها من قبل الحرس، قيمتها الحقيقية 1 مليار دولار.
12- شركة تايدوتر الشرق الأوسط، وتقع في ميناء رجائي في بندر عباس والتي تتم 60% من مجموع واردات إيران عن هذا الطريق، تم شراءها من قبل الحرس بـ 300 مليون دولار.
13- شركة استثمارات الصناعات الإيرانية، تم شراءها من قبل الحرس بقيمة 150 مليون دولار.
14- صناعات الألومنيوم بقيمة 3 مليار دولار.
15- مصرف سيناء تم شراءه من قبل الحرس بـ 400 مليون دولار، لديه 260 فرع في جميع أنحاء إيران.
16- شركة طوس لتنمية المدن، تم شراءها من قبل الحرس بقيمة 50 مليون دولار.
17- شركة تبرير لصناعة الجزارات، قدرت قيمتها بـ 180 مليون دولار، لكن قيمتها الحقيقية 400 مليون دولار، تم شراءها من قبل الحرس بـ 170 مليون دولار.
18- صناعات سديد للاستثمارات تم شراءها من قبل الحرس بـ 10 مليون دولار.
19- صناعات إيران مينرال للاستثمارات تم شراءها من قبل الحرس بمبلغ 8 مليون دولار.
20- شركة حفريات ومعادن بافق استثمار من قبل الحرس بمبلغ 15 مليون دولار.
21- شركة جابر بن حيان لصناعة الأدوية، استثمار من قبل الحرس بقيمة 10 مليون دولار.
22- شركة استثمارات (مهر ايرانيان) تم شراءها من قبل الحرس بمبلغ 140 مليون دولار، وذلك من أجل تشغيل 24 مصنع للطحين، لها استثمارات في 24 محافظة إيرانية.
23- مجموعة بهمن (صناعة السيارات) بقيمة 500 مليون دولار، تم شراءها من قبل الحرس بأسعار منخفضة.
24- شركة (سابيا) ثاني شركة لانتاج السيارات في إيران يمتلك الحرس الثوري 17% من حصص هذه الشركة وتقدر بـ 1 مليار دولار و2 مليار من رأس مال الشركة للحرس الثوري.
25- شركة استثمارات بهشير الصناعية، 16% من حصة هذه الشركة من نصيب الحرس، 216 مليون دولار من كل الأموال وتملكه الشركة و250 مليون دولار من رأسمال الشركة يعود للحرس.
26- شركة استثمارات بهمن، 240 مليون دولار من أموال الشركة يعود للحرس.
27- صناعات لحيم إيران، 23 مليون من أموال الشركة و30 مليون من استثماراتها يعود للحرس.
28- بتروكيماويات كرمان 25% من أموال الشركة يعود للحرس الثوري بمبلغ 250 مليون دولار.
29- صنايع شاداب خراسان، طيران بارس، شركة المائدة للأغذية، شركة بهمن ديزل (تصنيع السيارات اليابانية الكبيرة ايسوزي)، شركة عصر بهمن، صناعات الشاسي الإيرانية، شركة ارزش افرينان.
30- مصرف قوامين برأسمال 850 مليون دولار، ما يملك (رأسمال مصرف قوامين ارتفع خلال 6 شهور من 350 مليون دولار إلى 850 مليون دولار)
31- مصرف مهر وتعود ملكيته للباسيج، وقد ارتفع رأسماله خلال عدة شهور من 350 مليون دولار إلى 7.5 مليار دولار.
32- المؤسسة الاعتبارية للقوات المسلحة (بتاجا) برأسمال 1.2 مليار دولار، تعود للحرس.
33- مؤسسة أنصار المجاهدين تعود للحرس، رأس مالها 6 مليار دولار تمتلك 600 فرع في جميع أنحاء إيران، وقد ارتفع رأس مال هذه المؤسسة خلال عام من 2.7 مليار دولار إلى 6 مليار دولار، وقد حصلت على رخصة للعمل كمصرف بسرعة، وتدار هذه المؤسسة من قبل اللواء غلامحسين تقي نجاد.
34- مؤسسة ثامن الأئمة المالية الاعتبارية بقيمة 6 مليار دولار وتعود للحرس، ارتفع رأسمالها خلال عام من 2.2 مليار دولار إلى 6 مليار دولار، هذه المؤسسة أصيبت بأزمة في عام 2017 وأعلنت أن المستثمرين لديها والذين هم كانوا من المواطنين العاديين، لن يتم تعويضهم (أحمد، 2017).
استثمارات ومشروعات قومية
تمتلك الهيئة التعاونية للحرس الثوري، صندوق القرض الحسن لأنصار المجاهدين، وهو مؤسسة مالية اعتبارية لهيئة الأنصار التي تتبع تكتل “اعتماد مبين” وتمتلك الهيئة التعاونية للحرس 45% من أسهم مجموعة بهمن الاقتصادية، و4% من أسهم مجموعة سايبا، و25% من أسهم بتروكيماويات كرمانشاه، وأسهم شركات باما، وأسهم شركة شاداب خراسان الزراعية الصناعية، وأسهم شركة الخدمات الجوية بارس، وأسهم شركة الصناعات الغذائية مائدة. كما يسيطر الحرس الثوري على إدارة مطار الإمام الخميني الدولي، وشركة كيش أورينتال لحفر آبار البترول، كما يسيطر الحرس على مشروعات قومية في مقدمتها الخط السابع لمترو طهران ومشروع تطوير حقل بارس الجنوب النفطي ومشروع سكة حديد المنطقة الحرة بتشابهار. وتقوم شركات الحرس أيضا بتنفيذ مشروعات في مجال التعدين وإنشاء السدود والطرق والمواصلات والتصدير والإستيراد وتربية الدواجن والماشية وخلايا النحل ومجالات التعليم والثقافة كما تقوم شركات تابعة للحرس بانتاج الأفلام السينمائية (عبد المؤمن، 2010).
الحرس أداة النظام للقمع في الداخل
الباسيج
هو جناح الشرطة الإيرانية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تطبق المعايير الإسلامية، وتحبط أي اضطرابات في الداخل، وينتظم فيها ملايين المتطوعين من الفتيان الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً. لقد تم تكليف هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة من قبل آية الله خامنئي بتشكيل تلك المنظمة الطلابية شبه العسكرية. وأنشأت هيئة الأركان مركزاً ل الباسيج في 25 نوفمبر 1989 ، وأسندت مسئولية تنفيذها بعد ذلك للحرس الثوري الإيراني، وكان من أهداف المنظمة تجنيد الطلبة ل”الباسيج” وتعزيز قدرات الباسيج الأيديولوجية والسياسية، كان مقر الباسيج بجامعة طهران هو أول مكتب للمنظمة في يناير 1990 ، وبعدها بفترة بسيطة تولى هذا المكتب مسئولية إنشاء مكاتب الباسيج في الجامعات الأخرى، والتحق الكثير من الطلاب بهذه المكاتب. ويختلف الباسيج عن الحرس الثوري نظراً لأن قواته أقل تعليماً وأكثر شباباً وأسرع ترقية إلى الرتب الأعلى. وفي الأشهر التي تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو 2009 ، برزت قوة الباسيج كإحدى ركائز الدعم الرئيسية للنظام ضد حركة الاحتجاجات. إلا أنه على المدى الطويل لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الميليشيا قادرة على تحقيق الهيمنة في حرب مطولة ضد معارضة مستمرة . وقد أصبح الباسيج أداة مفيدة جداً لخامنئي ونظامه حيث يستعملهم كجنود في الحرب الثقافية والسياسية داخل الجامعات الإيرانية. وتعمل هذه المنظمة على قمع الطلاب المعارضين مما يجعل من المنظمة واحدة من أهم المجموعات في المجتمع الإيراني، وتلعب أيضا دوراً مهماً في تحديد طلاب المعارضة وتقديم تقارير عن نشاطاتهم، وتعتبر المنظمة الآن دعامة أساسية للنظام الإيراني (الريني، 2015).
يتبع الحرسَ الثوريَّ أفرع رئيسيةَّ أربعة،ٌ هي القوُّات البرِّيةَّ والبحَرِيةَّ والجوِّيةَّ والدفاع الجوِّيّ بالإضافة إلى فيلق القدس، وترتبط به قوات البسيج التي تأسست في 1980 ، وتتألف من متطوعين مدنيين، وتتلقى دعمها من الحرس الثوريّ، وكان الهدف من إنشائها هو تنفيذ مهامَّ أمَنيةَّ داخل إيران، وفي سنوات لاحقة وُكلت إليها مهامُّ أخرى كقمع الحركات الاحتجاجية، ودعم حلفاء إيران في الحروب. الطبيعة السرِّيةَّ والطوعيةَّ لهذه القوُّات وانتشارها في المدارس والجامعات والمؤسَّسات الحكوميَّة والخاصَّة، تَحول دون معرفة عدد منتسبيها إلا أن بعض التقارير يؤكد أنها تتألف من 2500 كتيبة تضم كل منها 300 شخص (الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
الحرس الثوري والجيش الإيراني
يتكون الجيش الإيرانيّ من هيئة الأركان المشتركة إضافة إلى أربع قوى رئيسيَّة هي القُوَّات البرِّيَّة، والقُوَّات البحَرِيَّة، والقُوَّات الجوِّيَّة، ومقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي. أما الحرس الثوريّ فقد تَكوَّن عقب انتصار الثوَّرة في 1979 بأمر من الخميني، بهدف إنشاء قوة تجمع القُوَّات العسكريةَّ التي نشأت مع الثوَّرة في كيان واحد مُواَلٍ للنظَِّام، ولإقامة توازن مع الجيش التقليدي الذي وقف محايدًا في أثناء الثوَّرة. وتشير تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجيةَّ في لندن إلى أن الحرس الثوريّ يتكون من 350 ألف عنصر، له قواته الجوِّيةَّ والبحَْرِيةَّ والبرِّيَّة الخاصَّة، ومِن ثَمَّ لا تعُد هذه القُوَّات من الناحية التنظيمية جزءًا من القُوَّات المسلَّحة، إذ اعتبرتها القيادة الإيرَانِيةَّ حامية لنظام “ولاية الفقيه”، وبات ينُظر إليها على أنها القوة الأساسية والحرس الوفيّ للمرشد والنظَِّام الإيرانيّ. في حين يرى معهد الدراسات الاستراتيجيةَّ والدوليةَّ في واشنطن أن عدد أفراده لا يتجاوز 120 ألفًا (الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
ورغم توزع القوى العسكرية في إيران بين الجيش، والحرس الثوري لكن الحرس الثوري يحظى باهتمام عالمي، ومحلي أكثر من الجيش، فقد تأسس الحرس الثوري بعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرة لسببين: عدم الثقة بالجيش الذي تدرب معظم قادته في الولايات المتحدة وحماية الثورة والنظام بقوة شعبية تنتمي إلى الثورة وإلى أيدلوجيتها الإسلامية. وبعد وفاة الخميني شكل رافسنجاني حكومة جديدة عام 1989م، ضُمت فيها وزارة الحرس إلى وزارة الدفاع وأصبحت تدعى ” وزارة الدفاع والإسناد اللوجستي للقوات المسلحة “. ولكن استمر قادة الحرس في إدارة معظم شئونهم بصورة مستقلة عن الوزارة الموحدة الجديدة. وظلوا مسيطرين على مرافق الإنتاج الحربي التابعة لهم، وعلى تعيينات المراكز العليا في الجيش النظامي. ويعد الحرس الثوري مؤسسة متكاملة داخل مؤسسات الحكم في إيران، فهو يمثل عدة أجهزة داخلية وخارجية، كما تتعدد مسؤولياته في حفظ الأمن الداخلي، وحث الشعب على الالتزام بالتقاليد الشيعية، حتى أنه يمثل جهازاً أمنياً خاصاً يتولى هذه المهمة ” شرطة الآداب الإسلامية”، ويتولى بشكل رئيس مسؤولية حماية الثورة الإيرانية ونشرها، فهو الجهاز الأكثر أهمية وقوة في إيران، الذي يتكفل بحشد التأييد الشعبي للنظام (الريني، 2015).
الحرس الثوري والصناعات العسكرية
مع بداية الألفية الثالثة نجح الحرس الثوري في تحقيق قدرا كبيرا من الاكتفاء الذاتي في مجال الأسلحة الخفيفة والذخيرة وأنماط بعينها من الالكترونيات بما في ذلك وحدات الاتصال المتقدمة وانتاج الصهاريج (ذو الفقار) والعربات المدرعة (براق) وطائرات دون طيار، والصواريخ قصيرة المدى (إيران130) ومتوسطة المدى (شهاب1 و2 و3) والطائرات والغواصات الصغيرة، وفي عام 2002م قامت إيران بتصدير الأسلحة إلى 11 دولة آسيوية وأفريقية. كما أعلنت القوات المسلحة الإيرانية في مطلع يناير 2003م عن انتاج وطرح عدد متنوع من الوحدات البحرية المتطورة إيرانية التصميم، وكذلك طائرات هليكوبتر عسكرية وغير عسكرية، وبالتزامن أعلنت الهيئة الوطنية للصناعات الدفاعية عن خطوط انتاج جديدة تشمل صاروخا بحريا بمدى 200 كم (نور)، كما تم التنويه بأن حاملة الصورايخ (سينا-1) سيجري طرحها في مارس 2003، وأنه سيتم أيضا طرح المدمرة (موج) (مختارات إيرانية، 2003).
بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية أخذ موضوع صيانة وحماية التجهيزات العسكرية شكل أعمق في الحرس الثوري وتشكلت إدارة الحماية والترميم بمعاونة من المهندسين والباحثين في عام 1990م وعملت على إيجاد بنية تحتية مناسبة لتهيئة الساحة اللازمة للصيانة والترميم في كل ساحات الجيش الإيراني وبذلت مساعي بشأن جذب وتعليم الكوادر البشرية باعتبارها ركيزة النشاط في هذه الإدارة، وحققت أهداف عملية كتصنيع وتحديث الأنظمة الصاروخية خاصة صواريخ أرض- أرض ونظم الدفاع الصاروخي للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري، وتجري تعاون مع سائر أفرع القوات المسلحة وقدمت خدمات في مجال ترميم الطائرات البرية الثقيلة مثل طائرات يوشين (مختارات إيرانية، 2007).
القوات البرية
على صعيد القوات البرية يتسلّح الحرس الثوري بمنظومة واسعة من الأسلحة الفردية التي تصنعها الصناعات العسكرية الإيرانية، وهي نسخ عن السلاح الروسي والصيني وبعضها من تطوير إيراني خاص، وخصوصاً القناصات الخفيفة والثقيلة، كما يتزوّد الحرس الثوري الإيراني بمنظومات مختلفة من الأسلحة المضادة للدروع؛ وبعضها من الجيل المتطور الذي يوازي مثيلاته من السلاح الروسي، إضافةً إلى المدفعية المقطورة والمحمولة من عيارات مختلفة، وكذلك راجمات الصواريخ من عيارات خفيفة ومتوسطة وثقيلة؛ ومن ضمنها راجمات ثنائية ورباعية لصواريخ فجر التي تصنّف ضمن راجمات الصواريخ الثقيلة متوسطة المدى، وكذلك بخصوص سلاح المدرعات الذي يضم آلاف الدبابات وناقلات الجند وأهمها الدبابة ذو الفقار التي تجمع خصائص الدبابات الأمريكية والروسية بما يتلاءم مع الحاجات الإيرانية (الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2017).
القُوَّات البَحْرِيَّة للحرس الثوري
في الوقت الذي تتكون فيه القوات البحرية النظامية الإيرانية من سفن قديمة ترجع إلى عهد الشاه، فإن فيلق بحرية الحرس الثوري اتجه نحو شراء وتصنيع سفن جديدة على مدار السنوات السابقة وقد حرص على أن تكون هذه السفن صغيرة وسريعة وذات قوة نيران كبيرة وتتميز بخفة حركة عالية، وبما يتناسب والمهام القتالية البحرية التي يحتمل أن تنفيذها وحدات فيلق بحرية الحرس الثوري في الخليج العربي لحماية الثورة ونظامها، ويعني هذا من وجهة نظر بحرية الحرس الثوري التركيز على حماية المياه الساحلية، ولهذه الأسباب تم تطوير فيلق بحرية الحرس الثوري لكي يكون قوة غير تقليدية تركز جهودها لتكون مستعدة لدحر أي تهديد باستخدام أساليب القتال غير المتماثلة والحديثة في آن واحد.
وعلى عكس القوات البحرية التقليدية يحظى فيلق بحرية الحرس الثوري بكامل الدعم من النظام السياسي، ويعكس ذلك التمويل الذي يحصل عليه لبناء الزوارق السريعة والبحث عن التكنولوجيات المناسبة من الخارج، ومع زيادة الاعتمادات المالية المخصصة له، سعى الحرس لامتلاك سفن مجهزة بمعدات وأنظمة تسليح أفضل فتسلم من الصين منتصف عقد التسعينيات عشرة لنشات صواريخ بطول 38 متر طراز (هودونج Houdong) مسلحة بصواريخ كروز مضادة للسفن طراز c-802 وتسلم أيضا عام 2000م لانش صيني لاطلاق الصواريخ من طراز c-14 يبلغ طوله 14 متر ومزود بصواريخ كروز قصيرة المدى ومنصة إطلاق وله هيكل ثنائي يسمح له بالإبحار حتى 50 عقدة، كما حصل فيلق بحرية الحرس الثوري من الصين عام 2006م على زورق الدورية طراز MK-13 طوله 14 متر ومسلح بطوربيدات وصواريخ مضادة للسفن حصل فيلق بحرية الحرس الثوري على سفن الداورية الساحليةPaykaa P-I وPaykaa P-II وهو طراز لنشين صواريخ رغم ما قيل أنهما صنعا وفقا لتصميمات من كوريا الشمالية إلا أن إيران شرعت في بناء هذه السفن محليا بل وتصديرهم إلى الخارج، وهي لنشات رغم صغر حجمها إلا أنها مزودة بتوربيدات وصواريخ إيرانية مضادة للسفن من طراز كوثر.
سعى فيلق بحرية الحرس الثوري لتعزيز ترسانته البحرية منذ أواخر عقد التسعينيات بشراء زوارق سريعة إيطالية الصنع من تصميم شركة (Fabio Buzzi FB) إلى جانب شراء عدد من النماذج المصنوعة على غرار قوارب السباق التي تكسر الأرقام القياسية في السرعة وباتباع أسلوب الهندسة العكسية في نقل التصميمات الأجنبية من أجل تصنيعها محليا، قام فيلق بحرية الحرس الثوري بتصنيع هذا النوع من القوارب محليا، كما تم تصنيع قوارب Paykaa P-II محليا، ونجحت شركة الصناعات الحربية (MIG) بتصنيع وتصدير القوارب الإيطالية السريعة (FB) وتصديرها للخارج وهو ما شكل دعاية للشركة الإيطالية (فابيو بوزي) حيث تصل سرعة قواربها المباعة لإيران ويتم تصنيعها محليا إلى 60-70 عقدة، وبذلك أصبحت هذه القوارب التي تم تسليح فيلق بحرية الحرس الثوري بها أسرع السفن البحرية الموجودة حاليا في الخليج العربي.
إلى جانب السفن الحربية التقليدية المطقمة بواسطة أفراد يقومون بتشغيلها توافرت معلومات أن فيلق بحرية الحرس الثوري يسعى مندمجا مع شركات أجنبية أخرى إلى إدخال قطع بحرية تعمل بدون أطقم مسيرة ذاتيا عن طريق التوجيه عن بعد، وبتبني فيلق بحرية الحرس الثوري امتلاك هذا النوع من نظم التسليح الحديثة لتوجيه السفن عن بعد يتأكد مساعيه لتحقيق تفوق في هذا المجال (مختارات إيرانية، 2010).
في مدينة بوشهر الساحلية في إقليم الأحواز، دشّنَت القُوَّات البرِّيَّة التابعة للحرس الثوري الفرقاطة ناظري، التي تُعتبر أول فرقاطة مصنوعة من الألمنيوم، ويبغ طولها 55 مترًا وعرضها 14 مترًا وعُشْر المتر، ويبلغ ارتفاعها 13 مترًا. واستغرق إنجاز هذا المشروع 14 شهرًا، كما تتميز بقابلية الإبحار في الأمواج الهائجة وهبوط وإقلاع المروحيات منها بسهولة، وتتمتّع بقدرات متطوّرة، أبرزها الإبحار وسط ظروف مناخية قاسية، والسير نحو 10 آلاف كيلومتر دون حاجة إلى الوقود، وقدرتها على حمل مئة شخص. لكن الصور المرفقة بمراسم التدشين أوضحت أنها تحمل طائرة هليكوبتر مدنية واحدة، ولم يلحظ عليها أي قدرات تسليحية. وتقول إيران إن هذه الفرقاطة مزوَّدة بأحدث المعُدَّات والتجهيزات، وصُمّمَت وصُنّعَت حسب أحدث المواصفات الدوليَّة المعاصرة، وبخبرات محليِّة إيرانيَّة دون استعانة بأي خبرات أجنبيَّة. كما أعلن قائد القوة البَحْرِيَّة الإيرانيَّة في حرس الثَّورة الإسلامية العميد علي فدوي أن جيلً جديدًا من فرقاطات “ناظري” تجري صناعته في الوقت الحالي وأنها ستنضمّ إلى الأسطول البحري، دون تحديد موعد انضمامها، وقال إنها ستشكِّل نقطة تحوُّل في القوة البَحْرِيَّة التابعة للحرس الثوريّ (مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
القوات الجوية للحرس
وتضّم القوات الجوية للحرس تشكيلة واسعة من الطائرات الحربية؛ ومن ضمنها طائرات تمّت صناعتها بالكامل في مؤسسات الصناعة العسكرية الإيرانية؛ وأهمها طائرة الصاعقة وهي تطوير إيراني، وكذلك الحوامات بنوعيها المخصصة للنقل وتلك التي تحمل سلاحاً قادراً على التعامل مع الأهداف البشرية أو المتحركة، كالسيارات والناقلات المدرعة والدبابات وحتى الأهداف البحرية الصغيرة، وكذلك الطائرات دون طيّار التي يمتلك الحرس الثوري الإيراني أعداداً كبيرة منها بما فيها تلك القادرة على إصابة الأهداف ليلاً ونهاراً، وأما عن الدفاع الجوي، فيعتمد على منظومات متقدمة ومتكاملة تبدأ بالصواريخ المحمولة على الكتف إلى منظومات الـ”أس200″ الروسية وتلك التي تشابهها من حيث القدرة وهي صناعة إيرانية، وكذلك آلاف المدافع المضادة للطائرات والتي تمّ تزويدها بمنظومات متابعة رادارية ذاتية، كما يمتلك سلاح الدفاع الجوي منظومة متطورة من الرادارات التي تغطي مساحات كبيرة من الأجواء الإيرانية وحتى أجواء الدول المحيطة بإيران (مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2017).
وكانت القُوَّات الجوِّيَّة التابعة للحرس الثوريّ، قد عرضت ما قالت إنه أحدث طائراتها المسيرة تحت اسم “صاعقة”، وهي طائرة قتالية دون طيار من عائلة طائرات “سيمرغ”. وتُعتبر طائرات سيمرغ النسخة الإيرَانِيَّة من طائرات “ RQ170 ” الأمريكيَّة التي استطاعت إيران الاستيلاء على واحدة منها بعد السيطرة عليها وإنزالها عام 2011 إثر دخولها إلى أجواء البلاد. وتقول إيران إنها صنعَّت هذا النموذج باستخدام تقنيات الهندسة العكسية لتحمل أربعة صواريخ ذكيَّة، وقد أعلنت أن استمرار إنتاج هذه الطائرة الاستراتيجيةَّ سيكون وَفْقًا لحاجة إيران إلى هذا النوع من الطائرات، وفي نفس السياق قال أمين المجَلِس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني خلال زيارته خطوط إنتاج ومعرض قدرات الطائرات دون طيار التابعة للحرس الثوريّ، بأن هذا النوع من الطائرات يدخل في نطاق القدرة الصاروخية، وقطاع هامّ من قطاعات قوة الردع الإيرانيةَّ، لذا فإن إيران لن تعترف بأي حدود أو قيود من أجل تطوير هذا النوع من الطائرات الذي يسُهِم بشِدَّة في تطوير قدرات إيران الدفاعية ومن جانب آخر، أزاحت القُوَّات البحَرِيةَّ التابعة للحرس الثوريّ الستار عن أول “طائرة دون طيار تتمتع بإمكانيَّة تنفيذ عمليَّات انتحارية، وجاء في بيان للحرس الثوريّ أن هذه الطائرة تستطيع التحليق لقرابة 4 ساعات متواصلة، ويبلغ مداها 1000 كم. ومن أهمّ ميزات هذه الطائرة أنها تستطيع التحليق على ارتفاعات مختلفة تتراوح بين نصف متر من مستوى سطح البحر إلى 3 آلاف قدم. وتبلغ سرعة الطائرة المسيرة الجديدة قرابة 200 كم في الساعة، وتستطيع الهبوط على الماء (مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، 2016).
الحرس الثوري وعسكرة البرنامج الفضائي
تشير العديد من المعطيات إلى أن وزارة الدفاع الإيرانية تلعب دور الراعي والحاضن لبرنامج الفضاء الإيراني إضافة إلى الحرس الثوري ما يعني أن الجهات الداعمة والممولة والمتحكمة هي جهات عسكرية بالأساس، وهو ما يلقي بشكوك كبيرة حول الطبيعة المدنية لبرنامج الفضاء كما الأمر بالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني أيضا. ويقول الخبراء إن تسريع العمل في البرنامج الفضائي يأتي بالتوازي مع التقدم الحاصل في البرنامج النووي للبلاد، ومكمن التخوف هنا أنه في حال صدقت الشكوك التي تذهب إلى القول بأن البرنامج النووي الإيراني قد يكون ذا طبيعة عسكرية لاحقا، فإنه سيكون بحاجة في هذه الحالة إلى وسائل لحمل الرؤوس النووية، وبهذا يكون برنامج إيران الفضائي هو مربط الفرس هنا. وإذا كان هدف إيران من البرنامج النووي هو تصنيع قنابل نووية، فإنها ستكون بحاجة إلى صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل هذه الرؤوس، وهنا يأتي دور البرنامج الفضائي الإيراني حيث يتم تطوير صواريخ بعيدة المدى بحجة أن الهدف هو استخدامها لنقل أقمار صناعية مدنية، إذ لطالما اعتمدت العديد من الدول على برنامج الفضاء لديها كغطاء لتطوير صواريخ بعيدة المدى، خاصة وأن التكنولوجيا المستعملة في هذه الصواريخ شبيهة إلى حد ما بالتكنولوجيا المستخدمة في الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادرة على حمل الرؤوس النووية بكل سهولة (موقع إيران بوست، 2017).
وفي مقدمة النشاط الفضائي الإيراني المدعوم بشكل مباشر وغير مباشر من الحرس الثوري الإيراني سلسلة من الأقمار الصناعية على النحو التالي:
1- القمر الصناعي ENVIRONMENT أطلق في 6 أيلول 2008م من قاعدة جوية صينية وهو قمر مشترك بين إيران والصين وتايلاند يهدف إلى تعزيز التعاون في مجال الحماية من الكوارث الطبيعية.
2- القمر الصناعي RASAD-1 أطلق في 15 حزيران 2011 على ارتفاع 260 كلم من القاعدة الإيرانية قدراته التحليلية تصل إلى 1.5 متر وهو قمر للمراقبة والاستطلاع من تصنيع جامعة ملك أشتر في طهران التابعة للحرس الثوري.
3- القمر الصناعي مصباح1 ومصباح2 ومصباح3: مخصصة للمهام التجسسية لخدمة الجيش والحرس الثوري، وتقوم هذه المجموعة بتزويد المؤسسات الأمنية بالصور والمعطيات العسكرية والاستخباراتية على مستوى الشرق الأوسط.
4- القمر الصناعي الناهيد NAHID : وزنه 50 كجم ويمكنه التقاط صور دقيقة على علو منخفض يتراوح بين 250- 375 كلم فوق الأرض
5- القمر الصناعي Kosmos3 أطلق في 28 تشرين الأول 2005 من قاعدة الصواريخ الإيرانية Sinah-1 وتم تصنيعه بالاشتراك مع روسيا وبلغت تكلفته 15 مليون دولار، وزنه 700 كجم ويتخذ مدارا على ارتفاع 695 كلم حول الأرض، وقدراته متنوعة كالتجسس ومراقبة المنشآت العسكرية في جميع مناطق الشرق الأوسط، وإطلاق هذا القمر جعل إيران الدولة 43 التي تمتلك قمرها الخاص.
6- القمر الصناعي اميد AMID أطلق في شباط 2009م ووزنه 160 كجم وهو للتجسس ويؤمن الاتصالات العسكرية لمصلحة الحرس الثوري الإيراني، بدأ تصنيعه أبان الحرب الإيرانية العراقية وخصص للكشف عن الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية.
7- القمر الصناعي التجريبي Navid-E. ELM-ASANAT مجهز بكاميرات ومعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية.
8- القمر فجر FAJR مخصص للاستطلاع وزنه 50 كجم وتم تصنيعه من قبل شركة “صا ايران” التابعة لوزارة الدفاع.
9- القمر الصناعي TOLOO أول قمر تجسس من سلسلة أقمار تجسسية تقوم المعامل الإلكترونية الإيرانية بتصنيعها.
10- القمر الصناعي Nasir1 يتصف بتحميله نظام ملاحة يمكنه من كشف مواقع الأقمار الصناعية الأخرى المعادية.
11- القمر الصناعي sharif تقوم جامعة شريف للتكنولوجيا بتصنيعه ويتصف بقدرة تمييز تصل إلى 12.5 متر.
12- القمر الصناعي zafar-1 وزنه 90 كجم يدور حول الكرة الأرضية في مدار بيضاوي على ارتفاع 500 كلم.
13- القمر الصناعي zohreh وقمر Qaem وهي أقمار مخصصة للاتصالات (موقع إيران بوست، 2017).
نتائج البحث
1- بدأت إمبراطورية الحرس الثوري بالظهور بانتقال ملكية العديد من المؤسسات الحكومية الكبرى إلى الحرس بعد فشل إجراءات خصخصتها. وتتركز الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري في قطاعات البناء، الصناعات الثقيلة، المصارف، الصحة، الزراعة، مصافي النفط، السيارات، الصناعات البتروكيماوية، الصناعات الغذائية والاتصالات ليسيطر على مختلف مجالات الاقتصاد الإيراني.
2- يبدو أن تلك الثروة تتبع الطبقة الحاكمة في إيران والمسيطرة على الحرس الثوري وبعبارة أكثر دقة، هي الثروة التي يسيطر عليها المرشد في إيران علي خامنئي على حساب الشعب الإيراني.
3- الخميني الذي أطلق شرارة الثورة عام 1979 والتي أطاحت بالنظام البهلوي كان يدرك مدى هشاشة وضعف الثورة التي قام بها في وجه نظام له جذور راسخة في المجتمع الإيراني منذ عام 1925 إلى عام 1979.
4- تنبه الخميني إلى احتمال حدوث ثورة شعبية مضادة أو تدخل قوى غربية ساندت نظام الدولة البهلوية، لذا قام بإنشاء الحرس الثوري ليحمي ثورته من غضب الشعب الإيراني المتوقع، إضافة إلى حماية الحركات الشيعية في الخارج ودعم تصدير مبادئ الثورة الإيرانية.
5- كانت المحصلة قيام نظام بجانب نظام الحكم في إيران وكيان عسكري موازٍ للقوات المسلحة واقتصاد احتكاري بجانب الاقتصاد الإيراني، مما نتج عنه إمبراطورية الحرس الثوري الإيراني. تلك الإمبراطورية التي تستهدف في المقام الأول الحماية والحفاظ على الأطماع والتوسعات الفارسية في المنطقة تحت عباءة الإسلام. فهل ستنجح موجات استياء الإيرانيين في ظل وجود إمبراطورية الحرس الثوري !؟
6- يتبارد إلى ذهن المواطن الإيراني أسئلة كثيرة حول موقع الحرس الثوري من النظام الحاكم، بعد أن اتضح للرأي العام أن الحرس الثوري لا يكتفي بالدور الذي أنشئ من أجله وهو الدفاع عن منجزات الثورة وما تمخض عنها من نظام الجمهورية الإسلامية وعماده ولاية الفقيه، وأصبح يفسر التدخل في كل الشئون بأنه دفاع عن الثورة ضد اعدائها من الداخل والخارج.
7- أصبح عدم تحمل النقد سمة من سمات ردود الفعل لدى قيادات الحرس الثوري ومن ثم زادت الشكوك حول أسر الحرس للنظام الحاكم، الذي بات عاجزا عن الاعتراض على تصرفات هذا الجيش، والفساد الذي أصبح يتهم به، بل زاد الشك في أن هذا الجيش يتحكم في ولاية الفقيه يفسرها ويوجهها حسب رؤيته ويتحكم في المرشد مقابل الإبقاء عليه وحمايته من معارضيه.
8- تمتلك مؤسسة الحرس الثوري أذرعاً فرعية متعددة الأشكال والوظائف والأغطية؛ منها الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والعسكرية والدبلوماسية والاجتماعية، كل هذه المنظومات جعلت هذه المؤسسة منظومة مستقلة بقرارها ولا سيما الاقتصادي منه، متمتعة بقدر عال من الأرصدة والأصول المالية والبشرية والعضوية تتبع الولي الفقيه وحده، ولا تعتمد على المؤسسات المالية للدولة، وتعتبر مستقلة تماماً عن الجهاز الرقابي والمحاسبي للدولة.
9- هيمنة المؤسسات الأمنية والعسكرية وغيرها من المؤسسات الخاضعة لمرشد إيران على الاقتصاد المحلي من أبرز العقبات الرئيسية أمام التنمية، وجذب رؤوس الأموال، والاستثمارات الأجنبية.
بواسطة معهد الحوار للابحاث والدراسات
المراجع
- 1. الاقتصاد الإيراني وجيش الحراس: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد116، مارس 2010م.
- 2. الاكتفاء الذاتي في تصنيع أنظمة الصواريخ الدفاعية: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد84، يوليو2007م.
- 3. الانتاج الحربي: التقرير الاستراتيجي نصف السنوي الأول، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، ديسمبر 2016م.
- 4. إيران والسعي الحثيث لتطوير القدرات العسكرية: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد32، مارس 2003م، ص
- 5. الحرس الثوري الإيراني في مرحلة انتقالية، مسارات، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أكتوبر نوفمبر
- 6. الحرس الثوري رقم مهم في صنع القرار الإيراني: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد84، يوليو 2007م.
- 7. الحلم الفضائي الإيراني لا يقل أهمية لـ الملالي، إيران بوست، العدد الأول، السنة الأولى، أكتوبر 2017م.
- 8. دور الحرس الثوري في صناعة القرار العسكري الإيراني، أخبار الساعة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، 17 فبراير 2005، العدد
- 9. الريني منال: القوى الداخلية في المجتمع الإيراني، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 20 أكتوبر 2015م.
- 10. سليمان حمدي عيسى: انعكاسات الاستراتيجية الأمنية الإيرانية على دول الخليج العربي، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قاصدي مرباح، الجزائر، 2015م.
- 11. صنع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد36، يوليو 2003م.
- 12. عبد المؤمن محمد السعيد: العقوبات تقلص الحجم الاقتصادي لجيش الحراس، مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد122، سبتمبر
- 13. عبد المؤمن محمد السعيد: تفاقم الصراع في إيران وأثره على الحكومة القادمة، مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد 195، مايو/يونيو 2017م.
- 14. عبيدي جمال: الحرس الثوري الإيراني ودوره في رسم السياسات الإيرانية العامة، ايران بوست، العدد الخامس، فبراير 2018م.
- 15. قمع الشعوب غير الفارسية: التقرير الاستراتيجي نصف السنوي الأول، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، ديسمبر 2016م.
- 16. القوات البحرية الإيرانية من حرب العصابات إلى استراتيجية بحرية حديثة: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد116، مارس 2010م.
- 17. مؤسسة الرئاسة ومرشد الثورة: مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، التقرير الاستراتيجي نصف السنوي الأول، ديسمبر 2016م.
- 18. المؤسسة العسكرية: التقرير الاستراتيجي نصف السنوي الأول، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، ديسمبر 2016م.
- 19. المؤسسة العسكرية: مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، التقرير الاستراتيجي نصف السنوي الأول، ديسمبر 2016م.
- 20. هل تغسل إيران أموال الإرهابيين: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد100، نوفمبر2008م.
- 21. هل تغسل إيران أموال الإرهابيين: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد100، نوفمبر2008م.
- 22. هل يدخل البازار في مواجهة مع الرئيس أحمدي نجاد: مجلة مختارات إيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد100، نوفمبر2008م، ص
مواقع الانترنت
1- أحمد جابر: الحرس الثوري الإيراني وسيطرته على مقدرات الاقتصاد الإيراني، موقع الحوار المتمدن، 6/9/2017م.
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=571184&r=0
2- الحرس الثوري الإيراني… ذراع النظام الإيراني التوسعي في المنطقة، 20/2/2017م، وحدة الدراسات الإيرانية، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
http://rawabetcenter.com/archives/41424
3- خاتم الأنبياء سر سيطرة الحرس الثوري على اقتصاد إيران، موقع المرجع 20/7/2018
http://www.almarjie-paris.com/2609
4- الشيخ الدبلوماسي يهزم دولة المرشد، اليوم السابع، 20/5/2017.
https://www.youm7.com/story/2017/5/20
5- كيف خلقت الثورة الإيرانية اقتصادًا موازيًا، موقع إضاءات 23/5/2018
https://www.ida2at.com/how-did-the-iranian-revolution-create-a-parallel-economy/
6- النعيمي هدى: الحرس الثوري ذراع إيران الخارجي.
http://www.rawabetcenter.com/archives/56
7- هل خسر روحاني الشعب ليكسب المرشد؟، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 4/9/2018م