الإثنين, ديسمبر 23, 2024
مقالاتالمرأة الأحوازية، المجتمع والغزو الثقافي الإيراني

المرأة الأحوازية، المجتمع والغزو الثقافي الإيراني

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

نفذت إيران مشروعها الاستعماري عن طريق الغزو الفكري للسيطرة على الشعوب والأقاليم في إيران كما استخدمت أساليب مختلفة لضرب الثقة بالنفس ومن أجل تدمير القوة والمقاومة الداخلية لتلك الشعوب. استخدمت إيران سياسة الغزو الثقافي أو التثاقف القسري وسيطرت بغير حق على الكثير من مكتسبات الشعب الأحوازي، مثل التاريخ والميراث وفي المقابل ضربت التقاليد التي تخص هذا الشعب.

بالرغم من ذلك، لا تزال تحاول الحكومة الإيرانية خصوصا من بعد ثورة ١٩٧٩، السيطرة على الشعب الأحوازي بواسطة القضاء على العادات والتقاليد ومن خلال التأكيد على عدم أهميتها والاستخفاف بها ووصفها بالتخلف والرجعية. ومن المؤسف إن نرى البعض من مآربهم قد تحققت وهناك العديد من الأجيال العربية من بعد الثورة توجهت إلى الاحتذاء بالثقافة الفارسية ونسيان الهُوِيَّة الأصيلة.

كما لا زالت تحاول الحكومة الإيرانية انطلاقا من تشويه التاريخ والهوية العربية في الأحواز وتزييف الحقائق إن تقلص من شأن الثقافة العربية في الأحواز. كما يحرص الغزو الثقافي الفارسي على محاربة اللغة العربية واستبدالها بالفارسية. ولا نبالغ إذا قلنا إن الغزو الثقافي مؤامرة كبيرة تشبه السلاح القوي والفتاك كالصواريخ التي تعبر القارات. نحتاج اليوم إلى مجموعة قوية من أبناء وبنات الأحواز لمواجهة هذا الغزو الثقافي والفكري يستثمر طاقته في المجال الثقافي لإعادة الهُوِيَّة والثقافة العربية.

اهداف الغزو الثقافي في العهدين

في أثناء العهد البهلوي ابتُليت الأحواز باحتلال عسكري، كان دافعه استغلال الثروة الاقتصادية، وتغيير قناعات الثقافية والفكرية ولا سيما لدى المرأة – التي كانت ولا تزال تتكئ عليها الشعوب بما فيها الشعب الأحوازي كخالقة للأجيال ومنتجا للشعوب وحارسا على الهُوِيَّة – لخلق حالة من التشويش في ” الأصالة و الهُوِيَّة ” بهدف تسهيل عملية الاستيلاء على الثروات في إقليم الأحواز لأطول فترة ممكنة. وبعد أن استقرت “الثورة الإيرانية ١٩٧٩” رأوا حكامها بأن لا قرار لهم في أرض الأحواز ما لم يتبعوا سياسة البهلوي عبر الاستعمار الفكري والغزو الثقافي.

الغزو الفكري والاستعمار الثقافي الفارسي في الأحواز ترك اثرا سلبيا بالغا على المجتمع الأحوازي وخاصة المرأة الأحوازية. تعد الثقافة من صنع الإنسان، فهو الذي يخلق معطياتها ومكوناتها التعبيرية استنادا إلى الإطار العام المحدد لمجتمعه ووسطه ومعاشه اليومي، من عادات وتقاليد وطقوس ومعتقدات…الخ. ففي العقود الأخيرة من بعد الثورة الإيرانية تعددت أهداف الغزو الثقافي الفارسي وأساليبه بهدف القضاء على الثقافية العربية في الأحواز. ثم يتضح حدث انشقاق بين الجيل الجديد من بعد ثورة ١٩٧٩ جراء الاستعمار الثقافي والثقافة المجتمعية في إقليم الأحواز. كانت المرأة هي الهدف الأول والضحية الكبرى للعملية الانسلاخ عن الهوية والذات. حيث لم يترك الغزو الفارسي مجالًا إلا وضع فيه بصمته، سواء كان مجال التعليم أو الأدب أو وسائل الإعلام والصحافة وغيرها. ومن أهم أهداف الغزو الثقافي الايراني كان نشر أفكار مزيفة وغير حقيقية، بالإضافة إلى تحريف الحقائق وإظهارها بمقصد آخر مناسب لخططهم والأهداف التي يرغبون في الوصول لها وأيضًا من أهم أهداف الغزو الثقافي الفارسي الذي يمكن ذكره هو ملء العقول الشبابية بأفكار عن الثقافة الفارسية والتي تحول بين ثقافتهم ومعتقداتهم الدينية ليس لها صلة بثقافتنا العربية ومعتقداتنا الدينية.

وضع المرأة الأحوازية

قبل ان نبدأ بتفاصيل هذا الغزو الثقافي او التثقيف القسري للمجتمع الأحوازي وخاصة بالنسبة للوضع المرأة سنكتب ملخصا من وضع المرأة العربية ما قبل الثورة الإيرانية وما تم من تغييرات بالنسبة لهذا الوضع في فترة بعد الثورة في إيران على بعدين: مدى مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية والحريات الفردية.

عندما نتساءل عن مكانة المرأة الأحوازية في المجتمع الريفي والقبلي منذ القدم، نتساءل عن كيف كانت تعيش وكيف كانت تؤدي مهامها اليومية، بل كيف كانت تروض بيئتها لمصلحتها خصوصاً وأنها امرأة لها خصوصياتها. في هذا الموضوع نجد أن هناك مكانة مهمة لتلك المرأة في مجتمعها الريفي والقبلي حيث كانت هي بمنزلة العامل الأساسي في بناء ذلك المجتمع من خلال دورها الأساسي لها رأيها وكلمتها باعتبارها “بنت الريف والأرض” حيث كانت تمتلك المرأة في المجتمعات الريفية دورا لا يقل عن دور الرجل. في هذا الأساس كتب باخوفن Bachofen في كتابه حق الأم (١٨٦٩) عن تاريخ سيطرة المرأة على المجتمع وخاصة في المجتمعات الزراعية واستقرار الإنسان على الأرض. وعلى أساس هذا التعريف، تعتقد جل المجتمعات الريفية مثل المجتمع الأحوازي ان مبدأ الخصوبة في الأرض هو نفسه مبدأ الخصوبة عند المرأة، ومسألة الالتفات إلى جوهر المرأة جاء مرتبطاً بالاستقرار على الأرض.

كما كان للمرأة الريفية الأحوازية حضور طاغي في تلك البيئة وكانت تشارك بأعمال الحقل ورعي الأغنام والماشية وتساهم بذلك في زيادة دخل الأسرة وتحسين مستواها المعيشي وهي تتحمل كافة الأعباء المنزلية إذ إنها تؤدي الدور الإنجابي والدور الاجتماعي كما إنها كانت متلبسة بديمومة الكدح والإنتاجية في ظل الظروف الصعبة. بخصوص تقصي دور المرأة الأحوازية كانت الشواهد تدل ان امرأة تستمد وجودها من خلال إنتاجيتها، واشتغالها الكادح بمعية الرجل.

وأما بخصوص الحرية الفردية، يحق للمرأة الخروج من المنزل بالوقت الذي يناسبها كما لم تكن هناك قواعد لباس صارمة للمرأة الأحوازية مثل تلك التي تلزم النساء اليوم، بموجب العرف، بتغطية شعرهنّ وارتداء ملابس محتشمة كالجلباب أو العباية… والخ.

أما على صعيد ممارسة الأعمال ، كانت تتوزع على نوعين: الأول يتعلق بواجباتها المنزلية كأم وزوجة، والآخر ما كانت تمارسه خارج نطاق العائلة. أما المهن التي مارستها المرأة الأحوازية خارج نطاق العائلة فكان منها غزل الصوف ونسجه، وطحن ّ الحبوب وتربية الحيوانات، كما قام قسم من النسوة بمساعدة الرجل في الحقل والزراعة ورعي الأغنام.

وتستمر المرأة الأحوازية الريفية في السير على هذا المنوال فهي عاملة وشريكة للرجل في أكثر أعماله وحياتها في معظمها كحياة الرجل، حيث إنها اكتسبت القوة والصلابة من شظف العيش وخشونة الحياة، وهذا ما يجعلها تقف دوماً إلي جانب الرجل، فهي تربي الأطفال وتعتني بالأسرة وتجمع الحطب والوقود من مسافات بعيدة. ومن اللافت، كان للمرأة الأحوازية دور اجتماعي كبير، وهو حق لم تستطع المرأة المعاصرة نيله إلا بعد صراع مرير.  في أوقات الأزمات، تكون المرأة الريفية الأحوازية هي المفتاح الذي يحقق تماسك الأسر والمجتمعات الريفية.

في الحياة الريفية الأحوازية كان للموروث الشعبي حضوره بشكلٍ كبير بجميع فنونه وأدواته، ولعل للمرأة فيه نصيبا كبيرا إذ أنها تهتم بشؤونها الشعبية كالملابس والحلي والعطور المنتجة من الطبيعة التي أضفت جمالاً على المرأة آنذاك. كما شاركت المرأة الأحوازية في الفن وذاع صيت البعض من النساء وأصبحن مطربات كبار مثل جميلة مهدي ووفا لطيف في ساحة الغناء الأحوازي.

لا مجال للنكران، بأن المرأة الريفية الأحوازية كانت ضحية التقاليد والأعراف مقارنة بالرجل من حيث المكانة والدور الاجتماعي، إلا ان دور المرأة الأحوازية قد تقلص بشكل كبير جدا بدأ من تطبيق الغزو الثقافي الفارسي وخاصة بعد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩.

بات وضع المرأة الأحوازية في العقود الأخيرة بعد فترة الثورة الإسلامية – الشيعية الإيرانية في عام ١٩٧٩ حرجا، حيث حدثت تغييرات كبيرة حيث باتت سجينة أعراف لا تتناسب مع تاريخها وثقافتها ومجتمعها ونسبة الحرية التي كانت تتمتع بها. حيث بعد الثورة، بالرغم انها تقوم بالعديد من الأدوار وتتحمل الكثير من الأعباء والمسؤوليات ودخلت الجامعات إلا إنها لم تحظ بمكانة تليق بها كما كانت في السابق.

من ضمن سياسات النظام الإيراني واستعمارها الثقافي، قامت إيران بالهجوم على الأسس والمقومات الثقافية للشعب الأحوازي بهدف وضع هذا الشعب في إسار تبعيتها، وفي سياق هذا الغزو تعمدت الدولة الإيرانية الى أن تحلَّ معتقدات وثقافة جديدة مكان الثقافة والمعتقدات العربية في الأحواز. فعلى سبيل المثال، يسعى المجتمع الفارسي السماح بمساحة كبيرة للمرأة الفارسية للتحرك والعمل بينما ادخل هذا الغزو مفاهيما لم تكن يوما جزء من المجتمع الأحوازي حيث بات المرأة حبيسة المنزل لا تشارك في الإنتاج ولا تساهم في العمل مع الرجل.

بتبع ذلك، أعتبر مفهوم الغزو الإيراني أدق وصف لتوضيح الخطورة والآثار التي يترتب عليها بالإضافة الى تشويه العادات والتقاليد. على سبيل المثال، كانت تتحرك المرأة العربية دون أية موانع اجتماعية جنب الى جنب الرجل، في ميادين الذي كانت تختص الرجال كالمعارك او الدواوين كما كان لها حضورها الملموس قياسا مع وضع المرأة اليوم الذي لم تحظ بأية من هذه الحريات الاجتماعية. حصل هذا التغيير جراء الغزو الفارسي وخاصة بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في حيث تغير دور المرأة الأحوازية وتغير معه حقوقها ومكانتها بعد ما دخلت الثقافة الفارسية على المجتمع العربي في الأحواز.

المرأة في الثقافة الفارسية

استنادا على الثقافة الفارسية، لا يتعدى دور المرأة أكثر ربة منزل فقط وبرز مثل هذا الشواهد في عدة مقابلات مع شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي حيث أهان المرأة على العلن وأمام كاميرات التلفاز باعتبارها اقل شأنا من الرجال ولا تصلح سوى ربة منزل.

أو كما تم ذكره في الشاهنامه حيث لا يتعدى دور المرأة سوى انها ربة بيت وخادمة منزل زوجها كما يتم وصفها بانها أفغي باعتبارها مخلوقا غير طاهر.

على هذا الاساس كتب تيودور نولديك عن دور المرأة في الشاهنامه: ” لا يذكر للمرأة دورا في الشاهنامه، الا عندما يتعلق الأمر بالشهوة”.

نجد أن المرأة في إيران عانت في العهد البهلوي وخاصة بعد الثورة الإسلامية الإيرانية أسوأ زمانها حيث إذا نظرنا الى ما يجري من القتل والإعدام والاغتصاب بسجون الحكومة الإيرانية بحق المرأة يفوق كل الكلمات وخير دليل على ذلك، في أعقاب الثورة الأخيرة في عام ٢٠٢٢ في ايران “المرأة، الحياة، الحرية” هي كفيل بما قيل في هذا المقال.

المرأة الأحوازية بعد التثاقف الفارسي

وأما المجتمع العربي الأحوازي، بالرغم من قساوته إلا انه يجل المرأة حيث لم ينظر الرجل في المجتمع القبلي والريفي الى الحجاب كما ينظر اليه اليوم بعض المجتمعات العربية والاسلامية أو المجتمع الايراني بعد الثورة. في إطار هذا الغزو الفارسي تغير دور المرأة العربية وأصبحت سجينة للمجتمع الذكوري والذي تأثر بالخطاب الديني الحوزوي ورجال المنابر من الاميين وبالتالي ترك اثرا سلبيا على كبار القبيلة والعوائل كما ترك اثرا سلبيا على العرف السائد في المجتمع الأحوازي. حيث جعل كبار القوم والقبائل ان تعتلي المنابر وتتحدث بالثقافة الدخيلة دون ان تعرف ينابيعها أو أهدافها أو مصدرها.

لذلك، هناك حاجة ملحة للتحرك نحو دعم حرية المرأة، كما يجب أن تكون هناك حصانة فكرية تقي المرأة الأحوازية من هذا الغزو الثقافي الذي يهدد هويتها العربية ودورها في المجتمع وإن تتمسك بعاداتها وكل مظاهر هويتها.

يجب ان تعرف المرأة الأحوازية بان لها الدور الأكبر في بناء أسرتها، وذلك ينعكس على الأسرة مباشرة، مما سيساهم في تربية جيل يحمل ثقافته ويحافظ على هويته. بالنهاية لابد من الذكر انه ليس محرما أن تأخذ المرأة الأحوازية ما يناسبها من جميع الثقافات المختلفة بما يتفق مع هويتها ومجتمعها دون التخلي عن المبادئ والتقاليد المجتمع العربي.

أخيرا

لابد من الذكر، ان من أسباب نجاح الغزو الثقافي الفارسي في المجتمع الأحوازي هو عدم فهم ومعرفة التاريخ والهوية بشكل أعمق بين الأجيال وخاصة النساء، كما تتوجه أصابع الإهمال نحو الطبقة المتعلمة في شرح مميزات هذه الثقافة العربية.

هناك ضرورة في دعم الوعي وتثقيف الشباب وخاصة دعم المرأة حيث يعتبر هذا الطريق الوحيد لمواجهة الغزو الثقافي الإيراني ويمكن ذلك عن طريق تناول قضايا مهمة مثل التاريخ والتراث والثقافة العربية الأحوازية وتناول دور المرأة في المجتمع الأحوازي. يساعد ذلك في دعم الثقة بالنفس على أساس حماية الذات من الضعف ومواجهة الاستعمار الثقافي الفارسي الذي يحاول هدم الأفكار وإيهام الأحوازيين والأحوازيات بأن الثقافة العربية أصبحت قديمة، غير مرغوبة بها لا تساير العصر الحديث.  وأخيرا انهي مقالي بهذا البيت من الشعر للشاعر الكبير حافظ إبراهيم يقول: الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعباً طيب الأعراق. فكل امرأة في المجتمع الأحوازي ثروة نفيسة، إذا أعددتها حق الإعداد، أنتجت أمة قادرة على العطاء والتألق وتحافظ على الاصالة والهوية.

ليلى حسن، باحثة في معهد الحوار للأبحاث والدراسات. يمكنك متابعة الكاتبة على حسابها على تويتر  LayaliHamede@

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!