السبت, نوفمبر 23, 2024
دراساتتحليل بِنية النخبة الأحوازية

تحليل بِنية النخبة الأحوازية

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

يعد مفهوم النخبة من المفاهيم المرتبطة بالعلوم الاجتماعية، وهو على إطلاقة لا يضمر قدر ما يفصح، لذلك يستوجب توظيفه تحديد المدلول المراد منه الذي يدور البحث فيه. ولذلك تبدو المواقف حول هذا المفهوم متنوعة ومتعددة منذ أن ظهر أول مرة في الأدبيات السوسيولوجية في نهايات القرن التاسع عشر.

وهنا تهدف الدراسة هذه إلى تحليل المفهوم هذا، من زاوية مدلوله العام من جهة، ثم من زاوية تكريس مدلوله الخاص بالنظر إلى النخبة الأحوازية من جهة أخرى، في سياق وطني يتأسس على تعريف للنخبة يستند على التضاد مع التعريف الإيراني الفارسيزمي المعادي لنا. وكل ذلك يعني أن البحث في النخبة هنا يتحرك في نطاق مقارن، بين العمل الثقافي والوظيفي لكل نخبة. وقد كنت أسعى أن أكشف بأن النخبة ليس بذلك الذي تم استقطابه إلى السلطة الإيرانية والنظام الإيراني، فحتل مكانة سياسية أو عملية رفيعة فيهما، وهم على كل حال قلة قليلة، بل إن النخبة في ما نعنيه هنا هو بعيدا تمام البعد عن هؤلاء العاملين والمتماهين مع النظام الإيراني. وموقفي في البحث هنا، يستند أولا وأخيرا، على المجتمع الأحوازي وما يتعلق بواقعه وحقيقته. وعلى العموم هناك ترابط أخلاقي وواجب وطني، فيما بين البنية الوطنية وأداء النخبة، ومن يرى غير ذلك فهو لا يزال يدور في دوامة الفكر المؤيرن.

 ويتطلب تحديد مفهوم النخبة، بالنظر إلى الحالة الأحوازية،  هو الكفاءة في التنظير والمجال الأكاديمي والإعلامي والسياسي والثقافي إلخ، ولذلك فالنخبة هي بالدرجة الأولى من له إنتاج نوعي في دعم ما له صلة بالشعب الأحوازي والتأسيس له.

وبناء على ما تقدم ستحلل الدراسة فئات أحوازية، تندرج في عداد النخبة، وما نتج عنها من آثار ثقافية منشورة، وهي فئات تم تقسيمها إلى قسمين: عربية عربية، عربية فارسية.

مدخل إيجازي

يمكن وصف المجتمع الأحوازي مجتمعا تقليديا، كما بينا في دراسات سابقة، مجتمع يعاني من تخلف واضح، حيث يمكن البرهنة على ذلك التخلف من خلال المواقف والأحداث التي تعم غالبية شرائح المجتمع. ثم إن هذا المجتمع لم يتعرف على المؤسسات العامة ولا العمل المؤسساتي وإنْ كان الجهل هذا ينطوي على إيجابيات: لأن النظام ومؤسسات الدولة لا تتعامل مع الأحوازي كمواطن ولا تعده عربيا، ولذلك يلزم على الشعب الأحوازي أن يعد الدولة الإيرانية صاحبة سلطة تصريف أعمال مفروضة عليه أولا؛ ثم إنه نجد من خلال المقارنة المنطقية بين ظواهر المجتمعات الحديثة، وبين المجتمع الأحوازي نشهد أن هذه الظواهر غير متجذرة في حياتنا اليومية، بمعنى أن الأحوازي لا يتصرف بناء على مبادئ قانونية ولا ديمقراطية ولا مدنية  ولا يهتم بقضايا حقوق الإنسان، سيما حقوق المرأة. وإلى جانب كل ذلك يعاني المجتمع هذا من نسبة أمية كبيرة. ولن نجانب الصواب إن صرحنا بأن من يقف وراء الكثير من هذه الحقايق هو تصرفات النظام ومشاريعه، وعلى رأسها مشروع الفرسنة والإيرنة الممارسة باطراد ممنهج.

وهنا أؤكد بأن التجاوز من التخلف لن يكون عاما وتاما بين كل فئات الشعب الأحوازي وآحاده، لأنه لا يمكن تصور تعميم حالة من التقدم تشمل الكافة، ثم إذا كانت هناك شعوبا تمتلك مقومات تقدم أكثر بكثير من الأحواز، بما فيها دولة قومية إلخ، وهي لم ترى نور التقدم بعد، فكيف بنا تصور حلول تقدم فينا يكون شاملا وعاما. ثم نحن نرى في تلك الفئات التي يغلب عليها تجاوز نسبة كبيرة من التخلف، من خريجي الجامعات في جمهورية إيران، يعاني جلهم من ضعف الهوية القومية فيه، متزعزع المقومات الهووية الوطنية الأحوازية. ولا بد من التذكير أن هؤلاء هم السواد الكبير ولا يمكن استثناء أحد منهم سوى أؤلئك الذين يحملون موقفا أحوازيا تجاه الوطن، مناضلا بذلك موقف النظام الإيراني. وهكذا يتبين أن مفهوم النخبة بين الأحوازيين غير شامل بالضرورة كل مثقف أو خريج تعليم عال.

 

النخبة مفهوما ومصطلحا

الأصل في تناول مفهوم النخبة وضعه في ميدان السوسيولوجية السياسية، لأنه يتقصد، بالدرجة الأولى، أقلية من المجتمع تتمتع بقدرات طبيعية أو مكتسبة إضافة إلى مؤهلات مساندة. ولكن التوظيف هنا يذهب إلى أبعد من السياسة، حتى يتناسب مع الحالة الأحوازية، وتوظيف النخبة في الإطار الوطني الأحوازي. إن مثل هذا التوظيف لا مانع فيه ما دام يتحلى بالمشروعية في الحقل السوسيولوجي والدراسات السوسيولوجية عموما.

تشتق مفردة النخبة من الفعل الثلاثي المتعدي، وأصله: انتخب الشيء، اختاره. والنخبة ما يختار من شيء. ونخبة القوم صفوتهم ومنهم أهل الحل والعقد، أو ما يطلق عليهم أهل الشورى من منظور الحكم الإسلامي وأدبيات الفقه السياسي الإسلامي.

أما معجم أكسفورد فيحدد مفهوم النخبة للدلالة على شرائج اجتماعية متميزة، لم تظهر إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وإنْ كان تجذر المفهوم تم في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بعد شيوع المدارس النخبوية على يد مفكرين نظير فلفريدو بارتو وروبرت ميخلز وغيرهم.

ومن الزاوية التي نتوخى منها مقاصد البحث هذا، فإن النخبة هي أشخاص لهم قوة مؤثرة وهيمنة على الشؤون المجتمعية، يمكن بها تمييزهم عن الطبقة المحكومة، وذلك بسبب ما تملكه الأقلية هذه من ميزات القوة والخيرة داخل المجتمع وهي تؤهله إلى قيادته.

تعريف النخبة الوطنية الأحوازية

عند تحديد معنى النخبة بناء على الهوية الأحوازية يلزم إفرازها بالضرورة عن المعايير المعتمدة إيرانيا، أي يجب أن تكون على تناقض مع الهوية الإيرانية ومعايير إيران الاجتماعية والثقافية والبنية البشرية، لأن مقومات الكيون الإيراني، من المنظور النخبوي الأحوازي، هي خطورة على الوجود الأحوازي.

وهكذا يتبين أن منطلق النخبة الأحوازية هو الأساس الذي ينقض الهوية الإيرانية ومقوماتها، سواء في العلم الثقافي أو الأكاديمي أو الحضاري بصفة عامة. وبناء على ذلك يمكن تحديد معنى النخبة في: من له شخصية، لا الشخص بحد ذاته، ذات أداء مؤثر في إنتاج العلم واتساع المعرفة والفن والتثقيف والنبوع الفكري في نطاق الوطن الأحوازي، ومن له إمكانية التنظير ضد كا ما هو إيراني.

وبدهي أن يراد من النخبة بهذا المستوى امتلاك مقدرة تقديم دراسات والقيام ببحث أكاديمي في موضوعات السياسة والاجتماع والثقافة والإعلام والقضايا الوطنية القومية، والتقد بموقف حلاني يخدم الشعب الأحوازي ويرتقي بقضيته. ولذلك فلا مجال احتساب من يتمايز بالنسب مثلا نخبة، ولا يمكن الاعتداد بالأفضلية العرقية والتمييز والأرستقراطية عموما. يقول موسكا: النخب هم الذين يشغلون قمة المواقع في الترتيب الهرمي للقيادة. وإنْ كانت القيادة والقوة تمنحان مفهوم النخبة مدلولا سياسيا، لكن الأمر لا ينحصر على هذا الحد، ويتضح أن الأمر لا يتعلق بالنخبة السياسية فقط بل بمجموع النخب المتواجدة في المجتمع. فالانتماء إلى نخب معينيين مشروط بالانتماء إلى الحقل العام الذي توجد فيه النخب، يمعنى أنه لا يمكن مثلا أن ينتمي شخص بعيد عن مجال الفكر والثقافة إلى النخب الفكرية.

 

أشكال النخبة

أشرت سابقا إلى انتماء بنية المجتمع الأحوازي إلى النبية التقليدية، ما يعني أن المظاهر التقليدية والبنى التقليدية، نظير الدين وتقديس المرجعيات الدينية والأعراف القبلية والعشائرية الأحوازية، لها التأثير الكبير، بالمقارنة مع باقي المظاهر الحديثة وبنياتها. وطول العقود التي شهدت تقويض الحكم العربي في الأحواز، تتويجا بفترة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في العقود الأربعة المنصرمة، سعت جميع السلطات إلى تجذر البنى التقليدية، وممانعة أية بنى غيرها بالتزامن مع ذلك. وذلك بغية إبعاد الأحواز عن العالم الحديث، والخطابات الحديثة، التي أثبتت نجاعتها ونجاحاتها، نظير الخطاب العلماني ونحوه.

وفي ظل استمرار هذه البنية التقليدية، والتفاعل الحاصل في طيات البنية القبلية العشائرية، والتعاطي فيما بين العشيرة والشيخ، يظل المجتمع الأحوازي قائما على ثقافة الرعي والفلاحة والقبيلة والقبائلية، أو كل ما هو موروث وبحاجة إلى تحديث وإعادة بناء وتأسيس. وقد أدى ذلك إلى تضافر البنية الأحوازية مع تأثيرات الأنطمة الإيرانية، حتى تراجعت النخب، في ظل تقوض مقومات العلم النخبوي، والإنتاج النخبوي، نظير ازدياد التعليم العالي بلغة الأم، والشعور الذاتي بالأحواز يوصفه الوطن، له مقومات وجذور عربية بإمارة مستقلة مثلته يوما، فضلا عن فتور الاعتزاز بالتراث الثقافي والفكري والأدبي والعلمي والسياسي. ومن هذا المنطلق يبدو بدهيا امتلاء المستوى الثقافي من فئات غير سلمية فاقدة لمعايير المثقف العربي والنخبة، إلا إذا تم استنثاء فئات جادة تستحق الإدراج في قائمة النخبة الأحوازية. وما نعنيه بالفئات غير السلمية، تلك التي لا تحوز مقومات التصنيف العربي الأحوازي، على رأسها الأنتماء والشعور الذاتي والإنتاج الثقافي والموقف العربي الأحوازي، بالتزامن مع ما لها من نتاج ثقافي فارسي، وهي لم تتخلص من الموروث الإيراني المناقض لها.

النخبة العربية العربية       

أعني بالنخبة العربية العربية، تلك النخبة التي لا تتفق والمواقف والفرضيات المعروضة من الإيرانيين، بأي شكل من الأشكال، وهي من هنا تبني موقفا نخبويا يتمأسس على المعادة لإيران، يتمظهر في الأعمال الكتابية والإنتاج الثقافي صراحة، ينطلق من واقع الانتماء إلى الأحواز وجميع ما ينتمي لها ويختص بها؛ موقف لا يتفق مع تفكير النخبة الإيرانية ألبتة، ويمكن التمثيل في هذا السياق بالبحاثة في مجال التراث وإحياء الموروث الوطني الأحوازي هادي بن ياسين باليل الموسوي، حيث حاول في أعمالة إحياء تاريخ العلم الأحوازي، وإعادة أسماء المدن والأمكنة والشخصيات العلمية وتحقيق مخطوطات التراث الأحوازي العلمي والفكري، فضلا عن إقدامه على كتابة تاريخ السلطنة المشعشعية بمعزل عن الفكرانية الإيرانية، وهناك العشرات ممن هم على قيد الحياة، ولا يستوجب هنا تعديد أسماءهم.

لقد جسد هادي باليل النخبة الأحوازية بأدق التفاصيل وكان انتماؤه للأحواز خالصا بالمعايير التي تم التطرق لها، وبشعور ذاتي ينتمي لصالح الأحواز والسلطنة المشعشعية. وهكذا يتبين أن ما قصدناه من النخبة العربية العربية هو وجود انتماء وشعور ذاتي يتجلى في الإنتاج الثقافي والموقف العربي في الأعمال الكتابية أو الإنتاج الثقافي العام.

النخبة العربية الفارسية

إن هذه النخب تبدو هي إلى الهوية الإيرانية أقرب منها إلى العربية الأحوازية، وهي تعاني من غياب الانتماء والموقف الأحوازي تجاه الأحواز وشؤنها الوطنية وهذا ما نشهده عند النخبة العربية الفارسية. ولا يمكن في هذه النخبة إثبات موقف لها محدد المعالم، بل الطاغي عليها هشاشة في قضية الشعور الذاتي العربي الأحوازي. ويمكن عد الشعر، شعر العرب بالفارسية، وهي أكثر أشكال الثقافة تعاطيا في الأحواز. ويعد الشاعر مجيد زماني أصل، وهو شاعر يتقن الفارسية كاللغة الأم، ولا يجيد العربية بقدر إجادته الفارسية وأدواتها الإبداعية. نخبة أدبية وثروة شعرية فقدها الأحواز لأنها لا تتناول قضاياه، ولا تنطق بلغته العربية.

وفي غياب اللغة والانتماء والموقف العربي، فلا منتفع من هذا النشاط إلا الفرس، ولكن في مراحل قادمة، تخص الوضع المستقبلي الأحوازي، أعني تقرير المصير الوطني العام للشعب الأحوازي، تبقى إمكانية إحالته إلى شاعر عربي مرموق غير معدومة. ولكن بناء على ما تقدم يبقى في هذه المرحلة الحرجة والحساسة من حرب الهويات بين اللغة والثقافة العربية الأحوازية والثقافة المضادة لها الفارسية. وعلى العموم فإن ما دعانا إلى تصنيفه نخبة عربية فارسية هو تمسكه ببعض أسس الهوية العربية الأحوازية والتي تنعكس في شعره كالآتي:

نترس از دو سوي كوره راه

تا راندن سكها (الكلاب) وكرك ها (الذئاب)

با من

با اين جنايه خيزراني كه در دست دارم

من دهاتي ام از عشيره كعب

هم قوم و خويش حته

وزندكي ساده م در ني جوبان و رمه

الترجمة

لا تخشى مطاردة الكلاب والذئاب

بكلا طرفي منعرج الطريق على عاتقي

بعصي الخيزران هذه التي بيدي

أنا قروي من عشيرة بني كعب من أقارب حتة وحياتي بسيطة

تحتزل في عود الراعي وقطيع الأغنام

المحصلة

نستنبط عما سبق أن النخبة الأحوازية، النخبة العربية العربية، وهو مصطلح لا يتحقق مدلوله على كل خريج تعليم عال ولا مثقف، ما لم يتأطر بالمتطلبات الأحوازية ومنها الإنتاج الثقافي المعنوي والمادي بكل مشتقاته العلمية والأدبية، ثم الانتماء والشعور الذاتي والإنتاج الثقافي في الدعم أو التأسيس ضد مواقف الأيرنة على أن هذه النخبة تحافظ في الإنتاج الثقافي على الموقف والانتماء العربي الأحوازي. وتأتي النخبة العربية الفارسية بما لها من حمولة كالشعور الذاتي بالأحواز لكن دون موقف، وما يميزها أنها عادة ما تنشغل بالإنسانيات والهواجس العامة، لا تكريس واضح متمركز على الأحواز. إذا فكل مثقف لا يكون نخبة ومن البدهي أن النخبة تمثل أعلى مستوى من الصنف الثقافي. إن ما هو مطلوب في السياق الوطني الأحوازي أن يقف من له إمكانية نخبوية على معايير النخبة الأحوازية، والبدء بالإنتاج الأكاديمي أو الثقافي العام، وفق ما بيناه، وأن يلتزم الاشتراطات والواجب الوطني في المضي إلى الأمام من أجل التقدم والتنمية العربية الأحوازية قبالة ما يمارس ضدنا في فرضية الإيرانيزم والأيرنة وغيرهما من محاولات على صلة بطمس الهوية الأحوازية والتغيير الديمغرافي وحرماننا من حق تقرير المصير.

كمال بن سلمان

المصادر

1 – انظر، دراسة الباحث: (مفهوم القبلية = Tribalism والسيدية الأحوازية).

2 – انظر: يوسف صايغ، مقررات التنمية الاقتصادية

العربية، الجزء الثالث، بيروت 1985، ص 95- 97).

3 – ابن منظور: لسان العرب، حرف النون، مادة نخب، الجزء الرابع عشر، دار صادر، بيروت، لبنان، طبعة 2003م.

4- المختار بن عبدلاوي: (إنتاج النخب وتدويرها في المغرب)، نخب مغاربية: الخلفيات، المسارات والـتأثير، أعمال المنتدى المغاربي الثاني، منشورات مدى، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012م، ص:9.

5 – توم بوتومور: النخبة والمجتمع، ترجمة: جورج جحا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية سنة 1988م، ص:5.

6- فئة تعنى بالإبداع وممارسة الفكر من المثقفين والتنويريين.

7 – جون سكوت: علم الاجتماع المفاهيم ال

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!