الإثنين, ديسمبر 23, 2024
مقالاتالتلوث البيئي في الأحواز يهدد حياة جميع الكائنات في الاقليم

التلوث البيئي في الأحواز يهدد حياة جميع الكائنات في الاقليم

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

يحتفل العالم عند الخامس من شهر حزيران يونيو، من كل عام، باليوم العالمي للبيئة، وقد جُعل هذا اليوم يوم البيئة العالمي. ونحن هنا، في الأحواز، نحتفي بهذا اليوم مع العالمين، ونسجل بهذه المناسبة أبرز ما أنزله النظام الإيراني على البيئة في الأحواز، وما أرتكبه من جرائم بحق المياه: أي بحق الحياة كلها.

لم يكتفي نظام الإيراني بنهب ما تفيض به الأحواز من مصادر نفط، وثروات زراعية، ومعادن طبيعية ثمينة إلخ فحسب، بل عمد هذه المرة، في كرته الجديدة على الأحواز، عمد إلى البيئة، فأستهدفها، فكر على المياه ثم منعها عن أهلها، حتى بذلك كشف عن سريرته بأنه يريد قتل الأرض ومن عليها. إن انتهاب مياه الأحواز وتنفيذ استراتيجية تجفيفها منذ سنين لا تعني جميع دلالاتها إلا: تعمد النظام الإيراني في جعل هذه الأرض مائتة، وتبديلها إلى أرض محروقة غير صالحة للحياة، ليس حياة الإنسان فقط، بل حياة كل دابة على وجه هذه البقعة من المعمورة. ولربما سيكون القول بمكانة الماء في البيئة، وبين الجنس البشري وحياة المعمورة بأسرها، قولا عبثيا، بيد أن هذا القول البدهي عند العقول السليمة، هو ما ذهل عنه النظام الإيراني، فعبث بالماء إيما عبث… ولربما هو عليم بذلك فسدد سهامه نحوها، حتى يميت الإنسان بموت الأرض وتجفيفها: وجعلنا من الماء كل شيء حي.

وبعد تمادي النظام الإيراني بالعبث في البيئة دون رادع ولا تورع، بدت تتجلى، شيئا فشيئا، تبعات ذلك العبث، وباتت الأرض الأحوازية مرتعا لجميع تلك التبعات التي بدت من الجفاف وموت المواشي وخراب الأراضي الزراعية، واستمرت بتلوث الهواء وزيادة الكثبان والأتربة المتطايرة في الجو، وبلغت المنتهى بموت الإنسان الأحوازي من شتى صنفوف الأمراض السرطانية والسكتات القلبية وجميع ما ينتج عن تلوث الهواء والماء. ولقد سرت السياسات التي أفضت إلى دمار البيئة في الأحواز، مسرى تدرجي اعتاده النظام الإيراني أوقات توخيه سياسة ما، ينهب بها الثروات على حساب الأرض والإنسان. وهنا بدأت قصة الأحواز وبيئتها، منذ عقود، حينما استقر رأي النظام الايراني على منع المياه المتدفقة الوفيرة في وادي الأحواز وأنهره وشطآنه وجداوله.

 

تجفيف المياه

 إن أولى تلك التبعات فقد تبينت في المياه، وفي تلك السياسات الكبيرة في بناء السدود على مصادر كل المياه التي تصب في الأحواز، حتى جعلت  هذه السياسة 25 مدينة من مدن محافظة خوزستان في شمال الأحواز محرومة من المياه، بينما بلغ عدد القرى المحرومة منها 700 قرية (https://newspaper.hamshahrionline.ir/id/137578 ). وهنا تترى الروايات المؤلمة الخاصة بكل قرية ومدينة، وما تكابده من مصاعب في سبيل الحصول على المياه، الصالحة للشرب والصرف المنزلي، أو تلك المتعلقة بالمواشي والري (وهذا تقرير يروي ما تعرض له حي الزركانhttps://t.me/Ahwaz_Today/581 ) فتظهر بجلاء الحالة المأساوية التي يعاني منها الأحوازيون وما يحل بهم يوميا (وهذا تقرير يروي ما تتعرض له منطقة الملا ثاني https://t.me/Ahwaz_Today/534 ).

على أن هذا الجفاف ترك آثارا كبيرة على حياة الفرد وما يتعلق بصحته العامة بشكل كبير، فإذا تركنا الآثار بعيدة الأمد الآتية من تلوث المياه والجو التي سنسترسل بها في فقرة مقبلة، فإن أولى التبعات السريعة التي ظهرت من تلوث المياه أو جفافها هي انتشار أنواع الأوبئة والأمراض (https://t.me/Ahwaz_Today/454 ) نظير الهبتاتيد من فصيلة A (https://www.farsnews.ir/news/13991022001145 ) الذي تنصل المسؤلون عن سرد تفاصيله للعموم، بينما أصر مسؤل طبي في الأحواز العاصمة عن وجود صلة مباشرة بين تلوث المياه وما نشهده من أنواع الأمرضة المنتشرة يوميا (https://www.radiofarda.com/a/ahvaz-university-warns-over-water-problem).

 ولعل لهذا التلوث صلة عظيمة بالسماح لمياه الصرف الصحي التدفق إلى نهر كارون (https://t.me/Ahwaz_Today/628 ): فإحدى طرق السلطات الإيرانية في الأحواز للتخلص من مياه الصرف الصحي هو تركها تنزل إلى وسط نهر كارون في قلب العاصمة الأحواز، كإحدى الطرق المثلى لدفع هذه المياه الملوثة (وهذا تقرير مرير يروي ذلك: https://t.me/Ahwaz_Today/615 ). هذا وقد مدت بلدية مدينة الأحواز 24 أنبوبا كبيرا على طول نهر كارون، عند بداية الأحواز العاصمة حتى نهايتها، خصصتها كلها لنقل مياه الصرف الصحي إلى نهر كارون مباشرة، من دون أي حاجز أو معالجة لنفايات الصرف الصحي وما تجلبه معها، البالغ 120 ألف قدم مكعب من المياه الملوثة تماما، وفيها قسم كبير من نفايات المشافي المفعمة بأنواع الفيروسات(https://irna.ir/xjFdKH ) فضلا عن المياه الملوثة بنفايات صناعة النفط وصناعة الصلب وقصب السكر، كما سنذكر في الفقرات المقبلة.

ثم إذا كان هذا هو حال المياه، والبشر الذي منه يرتون، وقد آل حالهم إلى الدمار والسوء، فإن التبعات النازلة على باقي الكائنات البرية والبحرية أسوأ وأمر. إن هذا الجفاف المتكرر في الحصص المائية انعكس على جميع المناطق الأحوازية، من الخفاجية والحويزة، إلى السوس وتستر، إلى المحمرة وعبادان، حتى العميدية ومعشور وبوشهر وعسلوية إلخ فباتت جميع المدن تعاني، بعد معاناتها في أبدانها وأسرها، باتت تعاني في مصدر رزقها: تربية المواشي، وموت السمك، وخراب الزراعة؛ وسنروي جانبا ضئيلا من كل تلك التبعات فيما يلي على سبيل الإشارة والإلماع المستعجل:

 إن الجفاف الظاهر على موت الأنهر والجداول فقد تسبب بموت الكثير من الجاموس الذي يعيش على أساس القرب من المياه والأنهر (https://tn.ai/1773007 ) حيث لا يمكن لهذه الحيوانات الاستمرار بالحياة إلى بتلك الطريقة القائمة على القرب من المياه: فهذا النهر المالح في مدينة السوس، على سبيل المثال لا الحصر، وقد سجل موتا جماعيا للجاموس بعد أن تحول إلى جدول صغير ليس فيها سوى مياه ملوثة تكومت في مستنقع كان في الأمس القريب نهر يشطر ماء عذبا (https://hamshahrionline.ir/x7cJY ). ولعل الذروة في موت الجاموس كانت في إقدام أحد مربي الجاموس في مدينة الخفاجية إقدامه على الانتحار، في غصة تراجيدية تروي الحياة الذي يعيش فيها المزارع الأحوازي، ومدى صلته الوطيدة بطريقة عيشه التي قوامها الطبيعة والحيوانات والبشر الذي يؤدي دور الرب في كل تلك الدورة (https://iranwire.com/fa/features/51648 ). ثم إلى جانب الجاموس يواجه باقي مربي الأنعام المشكلات ذاتها من تلوث المياه وانعدام الكلا لحيوناتهم، في أرض تبدلت إلى صحراء قاحلة (https://t.me/Ahwaz_Today/613 ) ليتحول هكذا مربي المواشي من فرد يكسب ماله وعيشه بيمينه (https://t.me/Ahwaz_Today/613 )، إلى شخص يجلس في إنتظار رحمة المعونات الحكومية التي لن تأتيه، وإن أتت فهي لا تغني من جوع ولا تسمن (https://t.me/Ahwaz_Today/667). والأحوال الحاصلة على الجاموس والمواشي وجدت انعكاسا أمر على الإبل، حيث أفاد مدير الجهاد الزراعي في الأحواز، لقد علمنا عن عدد من المواشي في مدنية الحويزة قد حل بها العمى بسبب شربها المياه المالحة، ونقص في المياه العذبة. وقد أضاف هذا المسؤل بأن مدينة الحويزة، هي مثال تام لباقي المدن الأحوازية، التي تتعرض للأزمات الناتجة عن الجفاف الذي عصف بنهر الكرخة، وقد كانت هذه المدينة والمدن المجاورة لها ترتوي منه. وقد صرح المسؤل هذا بخصوص حجم إصاباة الحيوانات بالعمى: نظرا للموضع الجغرافي للحويزة والمدن المجاورة لها، وهي موقع بنأي عن المركز ومصادر المياه، عمد عدد من رعاة الإبل والمواشي إلى حفر آبار ماء لتأمين المياه اللازمة للحيوان، بيد أن تلوث المياه الجوفية إلى جانب ملوحتها تسببت بعمي هذه الحيوانات في صورة مأساوية أثرت كثيرا على أهالي المنطقة التي شهدوا الحادثة بأنفسهم(https://www.isna.ir/news/97052814786 ).

وهذا هو الحال من مآسي وموت، بالنسبة للصيادين الذين يمتهنون الصيد السمك لتأمين القوت اليومي، وطريقة عيش تهب الحياة معنى وسلام: فبعد انتشار التصاوير الخاصة بالنفوق الجماعي للأسماك في هور العُظَيْم ومدينة معشور، التي أخذت حيزا إعلاميا كبيرا، تعمد النظام الإيراني بالتعتيم حول هذه القضية وبات يتحسس من التشهير بتبعات سياسته المائية التي دمرت البيئة (https://mehrnews.com/xYn9K ). ويعني هذا النفوق الجماعي (https://khabarfarsi.com/u/105123870 ) البطالة المطلقة لمن كان يؤمن احتياجاته اليومية من هذا المصدر(https://www.magiran.com/article/4206029 )، هذا وقد كان حجم الأسماك التي نفقت في نفوق واحد في مدينة معشور قد تجاوز 455 ألف نوع (https://irna.ir/xjKxH8 ).

أما في الجانب الزراعي فربما الأضرار أكبر وأدهى، نظرا للفئات الكبيرة من الأحوازيين الذين يمتهنون الزراعة، واحتلال الزراعة في الاقتصاد الأحوازي وطريقة الحياة الأحوازية جانبا كبيرا منذ القدم إلى يوم الناس هذا (https://t.me/Ahwaz_Today/680 ). فبموجب تنصل النظام الإيراني من كل مسؤلية تجاه الجفاف الذي يعصف بالأحواز، وتقلص المياه في أهوارها وأنهرها، عاد النظام فنسب ذلك الجفاف الذي يعصف بهذه المنطقة إلى طريقة الزراعة على يد المزارعين، فصرح بأن طريقة زراعة المحاصيل، من رز وبطيخ ونحوها، هو الذي قلص من المياه وأهدر جانبا كبيرا منها (https://www.javanonline.ir/fa/news/1079993 ) متغافلا تماما عن طول عمر هذه الزراعة التي تمتد إلى آلاف السنين، دون تركها هذه الأثرات التي يتحدث عنها النظام. ولعل الجانب الرمزي الذي جسد عظم المصاب على الزراعة الأحوازية، هو ما يتعلق بموت النخيل فيها، وقد بلغ وفق إحدى الإحصائيات 6 ملايين نخلة (https://www.borna.news/fa/tiny/news-731120 ).

 

تلوث الهواء

وإلى جانب تلك التبعات الخاصة بالبشر، وما يحوطه من حيوانات وطرائق عيش إلخ، التي عبثت بها السياسة المائية الإيرانية، فإن لها من التبعات الجسام التي أدرجها هنا في عنوان تلوث الهواء. إن تلوث الهوى بالدرجة الأولى قد تحصل من الجفاف الذي رميت به الأحواز، فحول أهوارها وأنهراها وأراضيها الخصبة إلخ، إلى مصادر لذر الرماد وتعالي الكثبان الرملية، وصحاري قاحلة منها تتطاير أكبر الظواهر جدة على الأحواز: وهي العواصف الرملية. لقد بلغ عبث النظام الإيراني بالبيئة الأحوازية مبلغا جعل منظمة الصحة العالمية تصنف مدينة الأحواز المدينة الأكثر تلوثا على مستوى العالم (https://www.sharghdaily.com/fa/tiny/new )، لم لا وقد سجلت الأحواز في يوم واحد من أيامها الرملية مراجعة أكبر عدد للمشفيات، 22 ألف فرد، بسبب حالات الضيق والتنفس. هذا وقد ذكرت المعلومات المتوفرة أن مستوى تلوث الجو بالغبار والأتربة، قد بلغ في كل من مدينة عبادان 225، والخفاجية 767، والعميدية 654، والسوس460 ميكروغرام، بالمقارنة مع 150 إلى 250 ميكرو غرام كحد معياري في حجم الغبار في الأجواء، لا يشكل خطرا على صحة الفرد (https://fa.m.wikipedia.or/wiki ).

وبينما كان السبب، منذ البداية، عيانا لدى الأهالي المكتوين بنار هذا التصحر، فضلا عن المختصين، فقد تمادى النظام الإيراني طويلا في التنصل من الاعتراف بذلك، فنسبه تارة إلى أهوار العراق، وتارة إلى العوامل الطبيعية، وتارة لقلة الأمطار إلخ (https://khabaronline.ir/xg8km ) إلى أن أُجبر أخيرا على تبني تبعات سياسته المائية. ولكن على الرغم من ذلك فإن المعالجات التي أتى بها النظام الإيراني، هي الأخرى جلبت مصائب جديدة على البيئة، دونما مساهمة في القضاء على المشاكل السابقة. فلقد عمل النظام الإيراني بعد اعترافه بتحول منطقة الأهوار في الأحواز إلى منشأء لتعالى الكثيان الرملية، عمد إلى منطقة أم الدبس، فقام بتغطيتها بنفايات النفط، فأمات بذلك الحياة البرية في هذه المنطقة، وتسبب بموت أنواع الحشرات والطيور والحيوانات التي اعتادت الحياة في منطقة أم الدبس منذ عشرات السنين (يمكن الرجوع إلى هذا التقرير المرئي الذي يوثق مشاهد مؤلمة: https://t.me/Ahwaz_Today/456 ) فأساء من حيث أراد أن يحسن لاستهتاره بحياة الأرض ومن عليها. وعلى العموم نلخص أبرز تبعات تلوث الجو في الأحواز على يد النظام الإيراني الذي جعل الأحواز لم تعش إلا يوما نقيا واحدا على طول كل عام (https://t.me/Ahwaz_Today/671)، نلخص تلك التبعات في ثلاث: زيادة معدل الإصابة بالسرطان، والتحصر وارتفاع درجة الحرارة، فالهجرة.

لقد صدمت الأحوازيين وزارة الصحة التابعة للنظام الإيراني بتصريحها عن الأعوام الخمسة الأخيرة التي شهدت إصابة آلاف بأنواع مرض السرطان في الأحواز. فقد بلغ إجمالي المصابين بالسرطان أكثر من 6 ألف شخص، أكثرها هي سرطان الجلد والمعدة والقولون (https://t.me/Ahwaz_Today/484)، وكلها، كما يبدو جليا، أنواع من السرطانات مصدرها تلوث المياه والهواء. إلى جانب ذلك تشير الاحصاءات الرسمية الإيرانية إلى ارتفاع نسبة الإصابة في الربو، في الأحواز، حتى بلغت ضعفي مستوى الإصابة في عموم «الدولة» الإيرانية. هذا وقد تفيد تلك الاحصاءات بأن لتلوث الهوى دورا مباشرا بزيادة أمراض أخرى نظير الزهايمر والسكري من النوع الثاني (https://t.me/Ahwaz_Today/569). على أن باقي الدراسات المتاحة تشير بوضوح إلى تأثير ظاهرة العواصف الرملية على مختلف صحة الإنسان، خاصة على الرئة  والقلب والجهاز البصري، فضلا عن التاثيرات بعيدة الأمد على الأجنة وخصوبة الرجال والنساء (https://civilica.com/doc/238713 ). وأكثر من كل ذلك هو ما أثبتته هذه الدراسة من أن ظاهرة الكثبان المتطايرة لا تنحصر تبعاتها على الأحياء وصحتهم فحسب، بل أثبت تأثيرها على ميلاد أجنة مشوهين، وتقلص طول العمر، لا بل الموت بسبب هذه الظاهرة، حيث بلغ عدد القتلى بفعل تلوث الهواء في الأحواز2783، بناء على ما تقدمه الدارسة هذه (https://journals.ut.ac.ir/article_55898.html ).

إلى جانب ذلك تتعمم تبعات الكثبان فتتسبب بارتفاع درجة الحرارة في الأحواز، عبر تأثيراتها التي تتركها على قلة الأمطار، وموت الحياة النباتية ذاتها. فقد صرح المختصون بهذا المجال بأن الذرات المعلقة في السماء تتسرب إلى منافذ أنواع النباتات فتقوم بسد المنافذ فيها، محدثة بذلك حالة من الاختناق لها، مربكة عملية الفتنوسنتز كليا، ليؤدي ذلك إلى تشويه نمو النبتة، بالتزامن مع تقلص حجم أثمارها (https://civilica.com/doc/275006 ). ثم إلى جانب ذلك يعني زيادة الجزيئات الرملية ارتفاع درجة حرارة القيوم وعقمها، مما يعود بتقلص نسبة الأمطار؛ فبينما كانت تسجل الأحواز، قبل هذه الظاهرة، نسبة هطول أمطار تبلغ 10 ملي متر، تقلصت هذه النسبة إلى 0.7 في بعض السنوات (https://tutorials.keshavarzionline.com/news ).

ولا يمكن الحديث في بقعة قوامها نقص الأنفس والمياه والهواء، بفعل السياسة الإيرانية، لا يمكن الحديث إلا عن الهجرة. والهجرة هنا في الأحواز هجرتين: هجرة من القرى نحو المدن وحواشيها وأطرافها، وهجرة من الأحواز كليا. فإذا كان النوع الأول من الهجرة معمولا بين الأحوازيين، مستجلبا لهم تبعات كبيرة، فإن الهجرة من النوع الثاني تكثر بين الفرس، وإن سجلت السنوات الأخيرة ظاهرة مؤلمة هي هجرة الأحوازيين نهائيا، وهي ظاهرة لم تشهدها الأحواز من قبل. وتشير المعلومات المتداولة بين المعنين بالهجرة إلى هجرة 240 ألف فرد من الأحواز، مقابل 170 إليها (https://www.karoonnewspaper.com/faMain/Detail/115844 ).

 

نشاط شركة النفط

كل شيء في هذه البقعة الجغرافية الأحوازية، ينقلب على رأسه بفعل الأعمال التي يقوم بها النظام الإيراني: وذلك أكبر ما يصدق عليه في النفط والثروات الطبيعية. فبينما كان النفط مصدر الرخاء والنمو في البلاد المجاورة للأحواز، نظير الإمارات وقطر إلخ، تحولت هذه النعم إلى دمار شامل في الأحواز، فتسببت موت الإنسان والأرض التي يعيش عليها وجفاف الماء التي رتوي منها، وتلوث المياه المتبقية عنها: هكذا هي حياة الأحوازيين.

وكما قلنا في تقارير سابقة لقد ذهب هور العظيم الممتد عمره إلى أحقاب ذهب فداء لصناعة النفط الإيرانية، بعد أن تم فيه اكتشاف حقل نفطي كبير هو آزادكان (https://snn.ir/fa/news/1000822 )، ثم ذهب يصارع الجفاف المطلق، بعد أن سلم النظام التنقيب فيه إلى الشركات الصينية التي منحها حرية التصرف في هذه الأرض، وترك لها الإذن بتجفيف كل الهور إن تطلبت العمليات النفطية ذلك، في تصرف همجي لا يمت إلى الحضارة والتمدن بصلة (https://aftanews.ir/00315t ). وهكذا استمرت السلطات الإيرانية بتقتيل الهور بعد بناء التأسيسات النفطية وما يلزم عن ذلك من تعبيد طرق في قلب الهور والإقدام على كل خطوة تتطلب تيسير نقل النفط وإن على حساب موت الأرض إلى الأبد (أنظر هذا التقرير الذي يتحدث عن موت آخر البقايا من هور العظيم: https://t.me/Ahwaz_Today/539 ).

على أن هذا النشاط النفطي تجاوز إلى موت الإنسان، عبر ترك النفايات النفطية السامة جدا إلى المياه الجوفية والمياه العذبة، حيث أظهرت إحدى التقارير دخول ما يقارب 220 ألف قدم مكعب من النفايات الملوثة النفطية إلى نهر كارون (https://www.farsnews.ir/news/14010326000433 )، بالإضافة إلى ذلك فإن تكرار الحوادث الطارئة في صناعة النفط، وهي صناعة تعاني من عدم وصول التقانة المتقدمة إليها، هي الأخرى من أكبر المصادر التي تلوث الأرض والمياه بشكل مطرد: فبناء على إحدى هذه الحالات الطارئة تسربت كميات كبيرة من الغازوئيل والمازوت إلى مياه نهر كارون، بعد أن تسبب اثقب أنبوب إلى تسرب هذه المواد السامة إليه، فأدى هذا الأمر إلى نفوق الأسماك وموت عدد كبير من المحاصيل الزراعية المجاورة لهذه الشركة (https://www.isna.ir/khouzestan-117955 )، والحالات نظير ذلك كثير.

أما الملوثات التي تتركها هذه الصناعة فهي من جهتها لا تكاد تنقضي، بل هي المسبب الرئيس في تلوث هواء الأحواز، إلى جانب مؤازرة التجفيف الحاصل هذه السنين. يقول المختصون إن علميات التنقيب على النفط تصحبها غازات تسمى فلر، وهذه الغازات يجب أن يتم حرقها في الأجواء، تسمى هذه الغازات فلر، وما نشهده في الأحواز هو تطاير هذه الغازات بنسب كبيرة في الجو ((https://www.farsnews.ir/news/13971002000335). هذا بينما أفاد رئيس إدارة الرقابة على البيئة بأنه يتم يوميا في الأحواز حرق 15 مليون قدم مكعب من الغاز الحامض، مولدا 9 مليون من ثاني أكسيد الكربون، و3 مليون غاز سولفيد مما يخنق المنطقة هذه بمن عليها (https://irna.ir/xjwW5n ). ثم تجاوز هذا الحد من التلوث بالمياه والجو، الإنسان، ووصل إلى تلويث الحياة البحرية حيث تشير الكثير من التقارير إلى تأثيرات هذه الملوثات الفطية سلبا على حياة الأسماك، وجعلها مشوهة في غذاءها فضلا عن طريقة نموها، وبالتالي تأثير ذلك على الغذاء البشري في نهاية المطاف (https://www.ifsri.ir/articles/view-18205.aspx).

ولعل يتصور البعض، بعد هذا التطرق إلى كثافة نشاط شركة النفط الوطنية الإيرانية في الأحواز، قد يتصور البعض على الفور أن هذا النشاط النفطي في الأحواز سيعني وفور النعمة للأحوازيين، وتمتعهم بالعوائد النفطية، وأن لا يوجد أحوازي معوزا عاطلا عن العمل. ولكن هذا التصور هو عكس الواقع المعيش في الأحواز، حيث أن نصيب الأحواز، كما قلنا، من كل هذه الثروات النفطية الهائلة، لم يكن سوى تلوث الجو، وجفاف المياه، وأنواع الأمراض والأبئة. فقد صرحت صحف النظام الإيراني برمته عن أن الأحواز هي ثالث أكبر «المحافظات الإيرانية» التي تعاني من نسبة في البطالة متفاقمة ( https://www.farsnews.ir/news/14020311000662). وقد قال رئيس منظمة الإدارة والتخطيط أن 13 بالمئة من إجمالي سكان الأحواز، البالغ عددهم مليون و200 ألف، أي ما يقارب 130 ألف فرد يعانون من البطالة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار نقطتين هامتين في هذه التصريح عرفنا حينها حجم المأساة: أولا عادة ما تكون المعلومات الخاصة بعدد العاطلين عن العمل، ونحوها من المعلومات والاحصائيات مشوه من قبل النظام وعليها تعتيم إعلامي وأقل بكثير من الأحجام الواقعية لها، تجنبا من النظام لإثارة أية مشاكل؛ وهذا يعني أن عدد العطالين أكبر بكثير من هذا التصريح الرسمي. وثانيا نظرا لطريقة الحياة التقيلدية في الأحواز، القائمة على أساس اعتماد كل أسرة على معيل، فإننا حتى لو سلمنا بهذا العدد من العاطلين عن العمل، فإن ذلك سيعني وجود 130 أسرة تعاني من البطالة، وما يعني ذلك من فقر ومسغبة وباقي المشكلات المفصلية التي يسببها الفقر.

وفي الختام فلا بد من الإشارة إلى أن الملوثات في الأحواز لا تنحصر على هذه الحدود فحسب، بل هناك من نشاط شركة الصلب وقصب السكر والصيد في الخليج العربي على الطريقة الصينية التي لا ترحم بالشجر والمدر إلخ، كلها تنبؤ بتبعات كارثية على الحياة عموما، مما يجعل البشر الأحوازي أمام كوارث طبيعية لا يمكن التخلص منها إلا بالهروب من وطنه الذي نشأ فيه.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"

1 COMMENT

Comments are closed.



error: Content is protected !!