الإثنين, نوفمبر 18, 2024
دراساتالقضية الأحوازية ومقوماتها: تصورات وخطة عمل لدعم استقلالها

القضية الأحوازية ومقوماتها: تصورات وخطة عمل لدعم استقلالها

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

تشكِّل القضية الأحوازية أبرز المداخل التي يمكن الاشتغال عليها في مواجهة إيران، باعتبارها بعداً قومياً يشرعن أي حراك عربي لنصرتها وتوفير حق تقرير المصير لأبنائها من جهة، وينقل الحراك العربي إلى داخل جغرافيا إيران السياسية، ضمن ما يمكن تسميته (المواجهة من الداخل). وإذ يلتقي هذان العاملان (القومي الإنساني، والمصلحي السياسي) في القضية الأحوازية، فإنّها تظلّ بحاجة إلى إسناد خارجي، وعربي خليجي بالأخص، حتى يمكن توظيف معطياتها في عملية المواجهة تلك.

 

المقومات الإثنية لاستقلال الأحواز/ مستويات الهوية الأحوازية

يتطلّب استقلال أيّ شعب، أو انفصال إقليم إثني عن دولة ما، جملة مقدمات يتم الاستناد إليها في الدفع الاستقلالي أو الانفصالي، ولا يمكن إنجاز هذا الدفع دونها. ويأتي في مقدمتها طبيعة التركيب الإثني للإقليم/الشعب، والتي يدفع اتساقها وتحولها إلى أغلبية إثنية طاغية إلى تعزيز قيمة الدفع الانفصالي/الاستقلالي. ويزيد من قوة هذا الدفع أيضاً، اتساق الانتماءات الإثنية (العرقية والدينية والقبلية) معاً، لتنتج في المحصلة جماعة بشرية ذات انتماء واحد في مواجهة الآخر.

وتتباين الإحصائيات حول احصائية سكان الأحواز، إذ تقدرهم عدة مصادر بحدود 8.5 مليون نسمة بحسب كتاب الجغرافيا السياسة الأحوازية، أو ما يعادل 10% من مجمل سكان إيران. في حين تدفع السلطات الإيرانية إلى تخفيض هذا العدد إلى أقل من 6 مليون نسمة، وبنسبة تقل عن 7.5% من مجمل سكان إيران.

وتتباين الإحصائيات حول نسب التركيب العرقي لسكان الأحواز، ففيما يذهب العديد من النشطاء الأحوازيين إلى أن إقليم الأحواز يتركّب عرقياً من 75% من العرب، وما تبقى من الفرس واللر واثنيات اخرى. تشكِّل الأقلية اللورية حضوراً طبيعياً في المشهد الإثني في الأحواز، وذلك بالتداخل السكاني على حدود الإقليمين الأحواز/لورستان، غير أنّ الحضور الفارسي يبقى حضوراً دخيلاً غير أصيل، ففيما لم تتجاوز نسبتهم 1% قبل احتلال الأحواز، فإنّ هذه النسبة ترتفع باستمرار نتيجة عمليات توطينهم من قبل السلطات الإيرانية، بغية تغيير التركيب الإثني الديموغرافي في الأحواز، مترافقاً مع عمليات التضييق والطرد والتصفية التي تقوم بها في مواجهة الأحوازيين، دون أن تفلح في تحقيق ذلك، إذ ما يزال الأحوازيون هم الغالبية العظمى من سكان الأحواز، ودون أن تشكِّل الأعراق الأخرى (وتحديداً الفرس) أيّ ثقل سكاني، فيما يبقى ثقلها السياسي مرتبطاً حصرياً بهيمنة المركز/طهران على الإقليم.

أحواز 1

غير أنّ الإحصائيات الفارسية تختلف تماماً عما سبق، حيث تقدِّر حجم السكان في الإقليم بما يتراوح بين 4.5-6 مليون نسمة، وتذهب الكتب المدرسية (الثانوية)، إلى أنّ حجم المهاجرين (المستوطنين) الفرس في الإقليم بلغت عام 2000-2001 قرابة 1.6 مليون فارسي. وتشير دراسة سرية أُعِدّت بعد الانتفاضة الأحوازية عام 2005، وموّلها مجلس الشورى الإيراني، وتتكون من 160 صفحة، إلى أنّ أكثر من 70% من سكان الأحواز هم عرب. في حين تنشر عدة مواقع فارسية أنّ نسبة الفرس قد بلغت 30% من سكان الأحواز. وقامت شركة (شركت بزوهشكران خبره يارس)، عام 2011، وبتمويل حكومي، بدارسة التركيب الإثني لـ 280 مدينة في إيران، وخلصت وفق ادعاءاتها إلى أنّ التركيب الإثني في الأحواز، يقع ضمن الشكل التالي: العرب 33.6%، الفرس 31.9%، اللور 30.2%، الترك 2.5%، الكرد 1%، إثنيات أخرى 0.2-0.5%.

ويدّل تباين الإحصائيات الفارسية السابقة فيما بينها، على حجم الاشتغال السلطوي لطمس حقيقة التوزيع العرقي في الأحواز من جهة، وعلى المساعي باتجاه تغيير هذه التركيبة الديموغرافية قسراً. إذ عمدت السلطات الفارسية منذ احتلال الأحواز إلى محاولة توطين 500 ألف شخص من أقليتي الشوترية والدسابلة (فرس)، في الأحواز (يزد نو/يزد الجديدة)، وقد استعرب جزء منهم وارتبط بعلاقات قرابة مع الأحوازيين (زواج)، فيما هرب كثير منهم وعاد إلى المركز الفارسي، نتيجة عدم قدرتهم على الاندماج الاجتماعي.

أحواز 2

أما محاولات التوطين الأخرى، فقد كانت عقب حرب الخليج الأولى مع العراق، إذ دفعت إلى توطين أسرى الحرب المحرَّرين من العراق، ومنحهم مساحات واسعة من الأراضي الأحوازية التي تمّ سلبها من أصحابها، ضمن ما عُرِف بأراضي المحرَّرين/ پروژه آزادگان. وذلك في مناطق الأحواز العاصمة، والخفاجية والحويزة والبساتين والمحمرة وعبادان وسوس/شوش. ويُلاحظ في مناطق الاستيطان عقب الحرب، أنّها في غالبيتها مناطق حدودية، بمعنى السعي إلى إفراغ الحدود مع العراق من العرب، خشية دعم استقلالهم.

كما شهدت الأحواز محاولات توطين ثالثة عقب انتفاضة 2005، من خلال استقدام أقلية من اللور، من المناطق الحدودية بين الأحواز ولورستان (مناطق جبلية وعرة، لا تتوفر فيها مقومات الحياة المعاصرة)، من خلال مشروع أشرف عليه سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، الجنرال محسن رضائي (بختياري الأصل)، تمّ فيه توطين عشرات آلاف من اللور في مدينة الأحواز تحديداً، ومُنِحت لهم 80-90% من الوظائف الحكومية في محافظة خوزستان في شمال الأحواز، ومن الملاحظ أن عمليات النقل الديموغرافي للور، ترافقت في ذات الوقت بنزعة انفصالية لورستانية، تم إجهاضها من خلال عمليات النقل والتوطين.

ويُشكِّل هذا المستوى من الانتماء (الانتماء القومي العربي)، المحدِّد الرئيس والأبرز لهوية الأحوازيين، حيث يُعرِّف من خلاله الأحوازيون عن أنفسهم في مواجهة الآخر (الفارسي تحديداً)، ويشتغلون على تطوير مقوِّمات الانتماء القومي، وتعزيز مداخله (اللغة والتراث والتاريخ)، رغم محاولة القمع الثقافي والقومي لهم، ويستند غالبية حراكهم السياسي عليه، حيث يشكل الانتماء القومي العربي الدافع الرئيس لحركات التحرر الأحوازية السلمية والمسلحة منها.

أمّا المستوى الثاني من مستويات الهوية في الأحواز، فيتمثّل في الانتماء القبلي العربي، كامتداد طبيعي للانتماء القومي: إذ تُعتَبر الأحواز امتداداً قومياً وجغرافياً للأمة العربية، على طول سواحل الخليج العربي الشمالية والشرقية، وتتركب العلاقات المجتمعية فيها وفق نمط المجتمعات الخليجية، حيث تبرز القبيلة كفاعل رئيس في تنظيم الحياة الاجتماعية، ويمتدّ أثرها إلى الحياة السياسية. وقد حافظت غالبية القبائل على كيانها الاجتماعي وتنظيمها القبلي، رغم تحوُّلها إلى الحياة الحضرية المدينية، فيما التحقت عشائر أصغر بالكيانات القبلية الكبرى. ويظهر ذلك من خلال حجم القبائل الرئيسة والعشائر والأفخاذ، التي تتحكّم بالمشهد الأحوازي الاجتماعي.

ويتوزّع المشهد القبلي في الأحواز، إلى تركّزين قبليين رئيسين: الأول قبائل شمال الأحواز في العاصمة الأحواز وما حولها، وحول الأنهار، وفي مناطق الحدود مع العراق، ويعود هذا التركّز إلى هجرات عربية قديمة منذ الالاف السنين، حيث استقرّت في المنطقة وأقامت عدّة حضارات (منها حضارة عيلام وميسان). فيما يقع التركّز الثاني على سواحل الخليج العربي الشرقية، ويعود إلى هجرات لاحقة (قبل وبعد انتشار الإسلام)، قادمة من سواحل الخليج العربي الغربية (دول الخليج العربي).

التركّز الأول- قبائل شمال الأحواز: يرتبط هذا التركّز بالاستيطان البشري الأول في الأحواز، ومنها:

 

القبيلة/العشيرة التركز ملاحظات
بني تميم

وأبرز عشائرها في الأحواز: النواصر

ومنها كذلك عشرات العشائر والأفخاذ

غالبية المناطق الأحوازية وهي من أكبر القبائل العربية في الأحواز، ولها امتداد عشائري في غالبية الأحواز، ولهم نشاط اجتماعي كبير، ونشاط سياسي واسع، إما مناهض لإيران، أو من خلال الحضور في البرلمان الإيراني، وتشهد هذه القبيلة تضييقاً كبيراً من السلطات الإيرانية، ولها نصيب كبير من الإعدامات التي تحصل تجاه الأحوازيين
بني كعب

ولها تفرعات عشائرية عديدة

أسفل مصب نهر كارون وجنوب غرب الأحواز

وخصوصاً في الفلاحية والمحمرة وعبدان ومنطقة الحدود مع العراق

هم من عامر بن صعصعة/من قيس عيلان، وكان لهم أدوار سياسية مهمة إبان استقلال الأحواز، حيث كان أمير الأحواز هو خزعل الكعبي
بني لام على الحدود مع العراق

وموطنهم الأصلي منطقتي البستين والحويزة

هم من طي
بني طرف الخفاجية والحويزة هم من طي

وقاموا بعدة ثورات على السلطات الإيرانية أبرزها ثورة عام 1936 وثورة عام 1945

الباوية شرق نهر كارون هم من حرب من ربيعة
عشائر آل كثير شمال الأحواز (تستر، دزفول، السوس) هم من همدان/ قحطانيون
بني حنظلة في أطراف شط العرب من أقدم القبائل العربية في الأحواز
الأوس والخزرج في العاصمة الأحواز والحويزة والسوس/الشوش غدت الأحواز حالياً أكبر تجمع لهم

 

التركّز الثاني- قبائل الساحل (عرب الحولة/الهولة): كان لكلّ منها إمارته الخاصة به على الشاطئ الشرقي للخليج العربي، ومنها:

 

القبلية/العشيرة التركز ملاحظات
القواسم رأس بستانة ولنجة وجزيرة جسم/قشم هم من عبس، انتقلوا عام 1169 من الشارقة
المرازيق/ المرزوقي هم من آل بوسليمان من العجمان من همدان/ قحطانيون، انتقلوا من عمان
العبادلة بين الجبلين والرميلة والعرمكي وهم أشراف من آل البيت
آل علي رأس بستانة ودوان الشرقية وبئر رقية/بندر جارك هم من سبيع، انتقلوا من نجد إلى القضيف ومنها إلى الأحواز
آل نصوري ميناء كنده/ لكلانده همن من الجبور من بني خالد/ انتقلوا من الأحساء.
آل حرم رأس عصبان، وبئر مبارك/جاه مبارك، والجزة هم من راضية، انتقلوا من مكة
بنو حماد الجزة والمجاحيل ونخيلوه من جذام، انتقلوا من قطر
بني بشر رأس بستانة وطاحونة من آل مرة
الدواسر نخيلوه انتقلوا من وادي الدواسر جنوب نجد
وكذلك: آل كنده والعباسيين وبني تميم وبني كعب وشمر وغيرها من القبائل.

 

أما المستوى الثالث من مستويات الهوية في الأحواز، فهو الانتماء الديني، وهو أدنى مستويات الانتماء فيها، ويأتي لاحقاً للهوية القومية والهوية القبلية. حيث شهد، وما زال يشهد، عدة تغيرات مرتبطة بالمتغير السياسي المحيط بهم. ففي حين كانت قبائل شمال الأحواز في غالبيتها تتبع المذهب الشيعي، كانت قبائل الساحل سنية المذهب. حتى بلغت نسبة الانتشار الشيعي 98% إبان احتلال الأحواز عام 1925.

ويدفع الاضطهاد الفارسي-الشيعي أهالي الأحواز إلى التحوّل التدريجي نحو المذهب السني، وتعزَّز هذا التحوّل تحديداً منذ حرب الخليج الأولى، إذ كان من تأثيرات تلك الحرب، ظهور حركة أحوازية لنشر الفكر السني، وكانت قد خلُصت إلى نتيجة مفادها أنّ سبب تأخر الأحواز هو ارتباطها المذهبي بطهران، وهو ما أدّى إلى بداية تحوّل مذهبي ملحوظ، شهد اضطراداً سريعاً منذ آخر انتفاضة أحوازية ضدّ السلطات الإيرانية عام 2005.

ورغم عدم توفّر إحصائيات دقيقة حول التوزيع المذهبي في الأحواز، إلا أنّ الشيعة ما زالوا يشكلون أغلبية في الإقليم، إلا أنّ هذه الأغلبية تنخفض بشكل مستمر لصالح التحوّل إلى المذهب السني كإحدى أدوات المقاومة الثقافية لهيمنة السلطة الفارسية عليهم. ويقدِّر بعض الباحثين الأحوازيين أنّ نسبة السنة بين أوساط الشباب (الحاضن السياسي لاستقلال الأحواز)، ترتفع إلى حدود 50-70%. أي إنّ التركيب الديني ما زال قيد التغيير، وسيشهد تباينات أوسع في المرحلة المقبلة.

كما أنّه من المهم الانتباه إلى الفارق العقدي بين الشيعة الأحوازيين وسواهم في إيران، حيث ترفض غالبية المراجع الشيعية الأحوازية، النمط الفارسي (الولي الفقيه)، ومن قبله النمط الصفوي، ولا تعترف بالدور الديني للمرشد. وإن كانت السلطات تسعى لإبراز مرجعيات شيعية عربية أحوازية تتبع ذات النمط، إلا أنّها لا تتجاوز موضوع أفراد دون حواضن اجتماعية حقيقية لهم، ومنهم على سبيل المثال (عبد الصاحب الموسوي رئيس مكتب آل البيت في شمال سورية، والمسؤول عن ملف التشييع فيها، حتى عام 2011).

 

المقومات الجغرافية والاقتصادية لاستقلال الأحواز

أحواز 3

ذات الإشكالية في تحديد النسب السكانية في الأحواز، تمتد لتطال مساحة الأحواز، إذ يُقدَّر إجمالها (المحافظات الأربع والمناطق المقتطعة) بحدود 348 ألف كم2، ما نسبته 21% من مجمل مساحة دولة إيران. غير أنّ حزب البعث العراقي يعتمد مساحة للأحواز قدرها 375 ألف كم2، أمّا حزب البعث السوري فيعتمد مساحة للأحواز قدرها 185 ألف كم2 (مساحة المحافظات الأربع فقط). وعموماً، تمتد الأحواز على طول سواحل الخليج العربي الشرقية والشمالية. وتشكل جبال زاغروس حاجزاً طبيعياً عن الهضبة الفارسية، لم تسمح للفرس قديماً بتجاوزها، إلا من خلال معابر ضيقة.

أحواز4

وقد عمدت إيران إلى تقطيع الأحواز جغرافياً إلى أربع محافظات (إيلام/عيلام، خوزستان/عربستان، بوشهر، هرمزكان)، عدا عن اقتطاعات جغرافية لصالح محافظات (فارس، جهار محال وبختياري، لورستان، أصفهان).

كما تسعى السلطات الإيرانية لترويج خريطة مجتزأة للإقليم، تختصره بمحافظة خوزستان/عربستان. وهو خلط وقع فيه كثير من الباحثين العرب، على اعتبار أنّ هذه المحافظة هي كامل إقليم الأحواز.

أحواز5

ويعتبر إقليم الأحواز أغنى الأقاليم في إيران، إذ يحتوي على معظم المقدّرات الاقتصادية الإيرانية، والتي تمّ سلبها وتجييرها لصالح المركز الفارسي، فيما تُحرَم الأحواز من عوائدها، وتعاني من حالة فقر تُشكِّل أعلى النسب في دولة إيران، ويعتبر ذلك أحد أدوات محاربة العرب في الأحواز، والتضييق عليهم بغية دفعهم إلى خارج الإقليم. حيث يضم إقليم الأحواز المقدرات التالية:

 

الموارد نسبتها من الإنتاج الإيراني الإجمالي %
نفط 87-90%
غاز 90-95%
مياه الشرب والري 50% من المخزون تأتي من عدة أنهار رئيسة، أهمها: كارون، الكرخة، الجراحي، الدز
الطاقة الكهربائية 75% من الأنهار والمفاعلات النووية
القمح 50% إضافة إلى زراعة الأرز وقصب السكر والحمضيات
الحبوب 40%
التمور 95% أكثر من 15 مليون نخلة

 

 

الوعي السياسي بالذات العربية في الأحواز

إنّ عملية تأطير المقوّمات والمقدرات السابقة، وتحويلها إلى فعل سياسي باتجاه الاستحصال على الحقوق الخاصة بالأحوازيين، تتطلّب مستوى عالياً من الوعي السياسي بالذات، وبوجود نخب سياسية قادرة على توظيف تلك المعطيات، وتحشيد المجموع الشعبي خلفها لمواجهة السلطة الفارسية. فعلى مستوى الوعي السياسي بالذات، نلحظ أشكال المقاومة التالية لدى الأحوازيين:

  • المقاومة الثقافية: وتتجلّى في عدّة أشكال، أهمها:
    • التحوّل الديني نحو المذهب السني.
    • فكّ الارتباط المذهبي الشيعي عن الشيعة الصفوية، ورفض منهج الولي الفقيه.
    • المحافظة على اللغة العربية والتاريخ العربي وإن بشكل غير رسمي.
    • المحافظة على التقاليد القبلية العربية: اللباس والعادات الاجتماعية والاحتفالات.
    • الحرص على تأكيد الانتماء العربي-الخليجي في كل مناسبة.
  • المقاومة السياسية، ومن أشكالها:
    • رفض غالبية الأحوازيين الانخراط في العمل السياسي المؤسساتي في إيران.
    • تشكيل عدّة أحزاب وجبهات لتأطير العمل السياسي الخاص بهم (محظورة).
    • انتفاضات وإضرابات عامة.
    • التواصل مع القوى السياسية والحكومات العربية.
  • المقاومة المسلحة: لا تزال هذه المقاومة في حدودها الدنيا، وإن كانت تشهد بين الفينة والأخرى استهداف بعض المصالح الحكومية في الأحواز. إلا أنّ افتقارها للدعم المالي والتسليحي والسياسي، يعيق توسّع نشاطها.

ويذكر عادل عباس ربيخه، في كتابه “انتفاضة أمة العرب/ انتفاضه ملت عرب”، إحصائيات قدّمها الباحث الإيراني نور الله قيصري في مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية/ مركز مطالعات وتحقیقات پژوهشکده راهبردی، وهو مركز حكومي، أجريت في محافظة خوزستان في شمال الأحواز بعد الانتفاضة الأحوازية عام 2005، تدّل على حجم الرفض الأحوازي للاندماج في الدولة الإيرانية، ومقاومة طمس هويتهم، والحفاظ على انتمائهم وخصوصيتهم، وذلك من خلال:

 

نسبة قبول العرب الزواج من غير عربيات 1.22%
نسبة الاندماج/التعايش مع غير العرب 1.3%
نسبة قبول جيران غير عرب 1.63%
نسبة قبول الاشتراك في المواطنة مع غير العرب 1.55%
نسبة قبول العمل مع غير العرب 1.65%
نسبة الرغبة في الإقامة خارج الأحواز 1.81%
نسبة الانتماء إلى السلطة الإيرانية 3%
نسبة الرضا بالحياة 13%
نسبة الانتماء إلى الأمة الإيرانية 17%
نسبة الانتماء إلى جغرافية إيران 34%
نسبة الأحوازيين الذين يكرهون غير العرب 1.59%

 

ورغم ما تبيّنه الإحصائيات من تمسّك الأحوازي بهويته العربية وبأرضه وتقاليده ومجتمعه، إلا أنّنا نلحظ أنّ ذلك لا يترافق أبداً بحالة الكراهية والعداء للمجتمعات الأخرى، أي إنّ كافة النسب السابقة تبيّن حجم المقاومة للاحتلال الفارسي للأحواز، وليس حالة عداء (مظلومية أو انتقامية) على النمط الذي نشهده لدى الأقليات الشيعية في العالم العربي.

وتعتبر الساحة الأحوازية مجهولة التفاصيل لكثير من المراقبين والمتابعين للقضية الأحوازية، بالرغم من أن ظاهرها مكشوف للكل. ومن أهم هذه التفاصيل: ثقل التنظيمات الأحوازية وتركيبتها البنيوية وأيديولوجيتها وتوجهاتها وعلاقاتها وتاريخها. وعليه، ومن أهمها:

  • حركة النضال العربي لتحرير الأحواز.
  • الجبهة العربية لتحرير الأحواز.
  • الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية/ جدش.
  • جبهة الأحواز الديمقراطية/ جاد.
  • التيار الوطني العربي الديمقراطي الأحوازي

وهنالك تنظيمات أحوازية أخرى، لبعضها نشاط سياسي وإعلامي ومواقع خاصة بهذه القوى السياسية، ومنها ما بات مجرد تسميات لا أكثر. ومنها أيضاً ما لا يتمتع بمقومات التنظيم السياسي أبداً.

الجدير بالذكر أن القوى السياسية الأحوازية بادرت في أكثر من مناسبة إلى تشكيل جسم سياسي جامع لها، لمخاطبة العالم العربي، إلا أنها فشلت في جميع هذا المبادرات، ولربما المرحلة التي تأسست فيها هذه الائتلافات لم تكن مناسبة في حينها. ومن أهم هذه الائتلافات:

  • المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز/ حزم: تأسست عام 2010، وتضم التنظيمات التالية: الجبهة الديمقراطيّة الشعبيّة الأحوازيّة، الحزب الوطني الأحوازي، حركة التجمّع الوطني في الأحواز، حزب التكاتف الوطني الأحوازي، المقاومة الشعبيّة لتحرير الأحواز.
  • الائتلاف الوطني الأحوازي: تأسس أواخر عام 2015، وجاء الإعلان عنه رغبة من مؤسسيه في الحصول على الدعم السياسي والمالي، خاصة من قبل دول الخليج العربي، ولاسيما تلبية لبعض الأصوات العربية التي كانت تطالب القوى الأحوازية بالوحدة.

 

أشكال القمع الإيراني للأحوازيين

تتنوّع أشكال القمع الذي تقوم به السلطات الفارسية تجاه إقليم الأحواز، حيث يشهد هذا الإقليم، أعلى حالات القمع داخل إيران، وقد شهد أعلى نسب في إعدام الناشطين (آلاف)، وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين، مترافقة بأعلى نسب على مستوى إيران في الفقر والتجهيل، ويمكن رصد ذلك من خلال جملة مؤشِّرات، أبرزها:

  • القمع اللغوي: منع تعلّم اللغة العربية أو التعليم بها، أو التسمي ببعض الأسماء العربية (قادة سياسيين، صحابة)، ومنع تعلم التاريخ العربي، أو تداول منشورات باللغة العربية.
  • القمع الديني، وذلك باتجاهين: الأول من خلال التضييق على أتباع المذهبي السني، ووصفهم بالوهابية، وهو وصف سياسي أكثر منه ديني، يقصد منه أنهم أتباع للسعودية، ويشمل حظر بناء مساجد لأهل السنة، ومنع تعلّم أصول المذهب وممارسة عقائده. أمّا الاتجاه الثاني فيشمل محاولات تعزيز المذهب الشيعي-الصفوي وفق نسخته الخمينية.
  • القمع العلمي: وذلك بتعمّد تجهيل المجتمع الأحوازي، وعدم توفير المقومات الأساسية للتعليم، وحظر التحاق أبنائهم بغالبية الجامعات الإيرانية.
  • القمع الاجتماعي: وذلك بمحاربة العادات الاجتماعية الأحوازية، والتضييق على المناسبات الأحوازية، والتراث الأحوازي. كما تسعى إيران لنشر المخدرات بين شباب الأحواز، لإشغالهم عن أي فعل سياسي أو مجتمعي تحريري.
  • القمع الاقتصادي: سلب مقومات الحياة الاقتصادي لأبناء الأحواز، وسلب الموارد الطبيعية (نفط، غاز، مياه، أراضي صالحة للزراعة)، وعدم تنمية الإقليم، وعدم إحداث فرص عمل جديدة، والتضييق على الفرص القائمة.
  • القمع البيئي: تشهد مدينة الأحواز أعلى نسبة تلوث بيئي على مستوى العالم، كما تم تجفيف مساحات واسعة من الأنهار وسلب مياهها إلى المركز الفارسي، إضافة إلى تجفيف الأهوار، ورمي المخلفات النفطية والصناعية فيها، وذلك من خلال عشرات السدود. ما أدّى إلى أضرار بيئية واسعة امتدّت آثارها في السنوات الأخيرة إلى دول الخليج العربي (عواصف رملية، وارتفاع نسبة الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة -أو ارتفاع نسبة الاحترار-).
  • القمع السياسي: حظر كافة النشاطات السياسية الأحوازية (باستثناء تلك الموجّهة من المركز)، وملاحقة واعتقال وتصفية الناشطين السياسيين والاجتماعيين. وحظر تسلُّم الأحوازيين أي منصب في الدولة، أو على مستوى الإقليم، باستثناء فئة محدودة (سياسية أو دينية) تسعى إيران لجعلها واجهة الأحواز. يضاف إلى ذلك تعمد تغييب الاستقرار السياسي والاقتصادي عن الإقليم، لإشغاله عن المطالبة بحقوقه.
  • القمع العسكري: وذلك من خلال عدة عمليات عسكرية داخل الأحواز، تكرِّر النمط الإسرائيلي (هدم منازل، اعتقال، تصفية، سلب أراض).
  • القمع التنظيمي: وذلك من خلال تقطيع الأحواز على عدة محافظات، بغية سلبه مقومات الاستقلال ومنع التواصل الإداري بين أبنائه. وتحريف اسمه إلى عدة مسميات أخذت نصيباً في الإعلام العربي، ومنها (أهواز، عربستان، خوزستان).

ويورد عادل عباس ربيخه في كتابه (مرجع سابق)، حجم المشاكل القائمة في الأحواز، وفق ما يلي:

 

نسبة المشاكل الاجتماعية 88.7%
نسبة المشاكل اقتصادية 65.5%
نسبة المشاكل ثقافية 40.2%
نسبة المشاكل السياسية 34.5%

 

وينوّه الكاتب إلى أن كثيراً من تلك المشاكل، هي مشاكل مصطنعة من قبل السلطات، بهدف إعاقة تطوّر الأحواز، من خلال تغييب الاستقرار والتنمية عنها، وإجبار العرب فيها على النزوح عنها (الهجرة الداخلية والخارجية).

وتمّ تسريب وثيقة حكومة عام 2007، تدعو إلى ممارسة العنصرية ضدّ عرب الأحواز، وهي صادرة عن نائب الرئيس الإيراني (برويز داوودي) في حكومة نجاد، ويمنح بموجبها إدارة الاستخبارات/ اطلاعات، حقّ اعتقال من يُشتَبه به من عرب الأحواز دون الحاجة إلى إذن من السلطات القضائية، كما توصي الوثيقة وزارة الداخلية بعدم تولي ضباط عرب مناصب أمنية في الإقليم، وطالب نائب الرئيس الإيراني في الوثيقة المذكورة وزارات الإسكان والجهاد الزراعي والموارد الطبيعية بعدم منح أو تمليك أراض أو مساكن جديدة للعرب الأحوازيين. وكان قد سبقها ما عرف بوثيقة أبطحي، والصادرة عن مكتب نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، والتي تدعو إلى تهجير العرب الأحوازيين من قراهم وأراضيهم الزراعية ومنحها للفرس، إضافة إلى توصيتها باتخاذ إجراءات عنصرية أخرى ضد عرب الأحواز، وكانت المسبب الرئيس لانتفاضة نيسان/أبريل 2005 (الانتفاضة النيسانية). وأحدث ما تمّ تسريبه، هو تلك الوثيقة التي صدرت عام 2014/1393 إيراني، وتمّ تسريبها في نيسان/أبريل 2016، والتي عرفت بـ “الخطة الأمنية الشاملة لمحافظة خوزستان”، وهي سرية للغاية، من 45 صفحة، تُشكِّل استراتيجية شاملة للسيطرة على الأحواز كاملة، ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً، وتعزيز الوجود الفارسي السلطوي فيها، وذلك بناء على توصيات المرشد الإيراني، لعام 1393 إيراني، وهو العام الذي عُرِف بعام الاقتصاد والثقافة في إيران.

 

أثر استقلال الأحواز في إيران داخلياً وخارجياً

إنّ عملية استحصال الأحوازيين على حقوقهم وفق أيّ من الأشكال (لا مركزية سياسية، فدرالية، حكم ذاتي، استقلال تام)، تترك جملة من الآثار السلبية والمدمِّرة في الدولة الإيرانية. وتدرك السلطات في طهران خطورة استقلال أي من الشعوب المحتلة، وتحديداً في الأحواز، لذا تعمد إلى كافة أشكال القمع والاضطهاد والقتل والتهجير والاعتقال وسلب مقوّمات الحياة للعرب. حيث يشكِّل العرب –إضافة إلى البلوش- أكثر الشعوب المضطهدة داخل جغرافية إيران السياسية.

ومن أبرز الآثار الداخلية لاستقلال الأحواز في إيران، ما يلي:

  • فقدان مقوّمات الحياة الاقتصادية، حيث إنّ إيران دولة رعوية تعتمد في إيراداتها المالية على النفط والغاز بنسبة تقدر 87-90% من إيرادات الدولة. ويؤدي استقلال الأحواز إلى فقدان قرابة 90% من هذه الإيرادات، ما يعني فقدان قرابة 80% من مجمل الإيرادات الحكومية، وإفلاس الحكومة الإيرانية خلال أشهر أو عدّة سنوات على أكثر تقدير (3 سنوات).
  • يترافق ذلك بعجز السلطات الإيرانية عن توفير المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب والري (50% منها تأتي من الأحواز)، ما سيؤدّي إلى خروج كثير من الأراضي الزراعية عن نطاق الإنتاج، وتوسع دائرة الفقر والجوع في البلاد.
  • خسارة أهم موانئ التصدير والاستيراد، والتحوّل عنها إلى طرق برية وموانئ أبعد، ما يزيد في الكلفة الإجمالية للصادرات والواردات. وفقاً لإحصائيات حكومية أدلى بها مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى، فإن 68% من عمليات التصدير والاستيراد تتم عبر موانئ تقع في إقليم الأحواز.
  • فقدان الجزء الأكبر من إنتاج الطاقة الكهرومائية والكهرونووية (75% منها)، ما يعني شلل غالبية مفاصل الدولة، وعجزها عن إدارة المرافق الحيوية، وتحوُّلها إلى بدائل ذات كلفة عالية في إنتاج الطاقة الكهربائية.
  • فقدان عدد من أهم المفاعلات النووية، والتي تعتبر ركيزة المشروع النووي الإيراني (السلمي والعسكري). وأبرزها: مفاعل بوشهر، ومفاعل ورامين.
  • إنّ استقلال الأحواز، سيشكِّل حتماً، دافعاً للشعوب الأخرى المحتلَّة للتحرّك في مواجهة السلطة الإيرانية، وخصوصاً الشعب البلوشي، الذي يمتاز بوجود مقاومة مسلّحة فاعلة، وهو ما سيؤدّي في حال ترافق استقلال الأحواز باستقلال بلوشستان، إلى فقدان إيران كافة السواحل على الخليج العربي وبحر العرب. وتحولها إلى دولة داخلية لا تطلّ إلا على بحر مغلق (بحر قزوين). عدا عن أنّ السلطات ستنشغل بحركات سياسية وعسكرية تحررية في عدة أقاليم أخرى، تستنزف قدراتها.
  • كما أنّ الخسائر الإيرانية الناتجة عن استقلال الأحواز، ستؤدي إلى هدم شرعية نظام الملالي، وإعطاء دفع كبير للحركات المعارضة داخل المركز الفارسي، وفي أدنى التقديرات، ستشهد السلطات صراعاً داخلياً بين عدّة أطياف، يؤدي في المحصلة إلى الإطاحة بها، نتيجة الضغط الشعبي. أي أنّه فعل محرّض للقوى المعارضة للسلطات الإيرانية.

أما على مستوى الآثار الخارجية، فإنّ أبرز المنعكسات السلبية على إيران، تتمثّل في:

  • خسارة الضفة الشرقية للخليج العربي، وتحوّل إيران إلى دولة (غير جارة) لدول الخليج العربي، وبالتالي سنشهد تراجعاً كبيراً في قدرتها على تهديد هذه الدول، عدا عن خسارتها لمواقع أسطولها البحري العسكري، وعدم قدرة هذا الأسطول على العمل ضمن مياه الخليج العربي، أو تهديد خطوط الملاحة التجارية والعسكرية فيه، والذي سيتحوّل إلى بحيرة عربية خالصة.
  • خسارة جزء مهم من الحدود مع جنوب العراق (المرتكز الشيعي لإيران)، والتحوّل إلى طرق أبعد، في التواصل مع تابعيها في العراق وسورية ولبنان.
  • فقدان القدرة التمويلية للمشاريع التوسعية (السياسية والعسكرية والدينية) في العالم العربي، والعالم الإسلامي عامة، نتيجة فقدان الإيرادات المالية المتأتية عن النفط. وبالتالي سنشهد تراجعاً كبيراً في المشاريع السياسية للشيعة في الدول العربية.
  • ونتيجة للخسائر المالية، فإنّ إيران ستضطرّ إلى سحب غالبية قواتها من الدول العربية التي تحتلها (العراق وسورية)، أو تدعم ميليشيات مسلّحة فيها (لبنان واليمن)، أي نهاية المشروع الامبريالي الإيراني في العالم العربي.
  • تحوّل إيران إلى قوة عسكرية صغيرة غير ذات تأثير في المحيط الإقليمي، وفقدان الكثير من علاقاتها التحالفية الخارجية، نتيجة انخفاض قدراتها على تمويل مشترياتها التسليحية، وفقدان زبائنها على مستوى النفط والغاز.
  • نتيجة العوامل السابقة، ستتعزّز مواقع الدول العربية، وبالأخص دول الخليج العربي (السعودية والإمارات)، على مستوى النظام الإقليمي، ومنه على المستوى الدولي، ما يعني فرض قيادة خليجية خالصة للمنطقة، بعد غياب التهديد الإيراني من جهة، والاستيعاب الخليجي للأدوار التركية، ومحدودية الدور الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وغياب الأدوار العربية الأخرى (العراق، وسورية ومصر). ما يعني تحوّل المنظومة الخليجية إلى قوة إقليمية كبرى تفرض توجهاتها ومصالحها على المستوى الدولي.

 

الإشكاليات التنظيمية في النضال الأحوازي

إن الإشكاليات التي تعاني منها التنظيمات الحزبية والسياسية الأحوازية، تعتبر إشكاليات طبيعية في ظل البيئة التي تعمل في إطارها، وهي مماثلة لكافة الإشكاليات التي تعاني منها التنظيمات السياسية في الدول المحتلة، ومنها على سبيل المثال عربياً (حركتا فتح وحماس في فلسطين، قوى المعارضة السورية) وكذا الدول التي تشهد انهيارات أمنية كبرى (ليبيا واليمن). وخاصة أنه قد مر على القضية الأحوازية ما يرنو من قرن من الزمن، دون إسناد حقيقي خارجي، في ظل تجهيل واستهداف فارسي لكل مقومات الحياة السياسية والاجتماعية في الأحواز، بل وملاحقة الناشطين في عدة دول من العالم، عدا عن محاولات استقطاب القوى المحلية التي تشتغل عليها طهران منذ احتلال الأحواز، سواء بالإغراءات أو بالتهديد.

وفي ذات الوقت، لا يمكن بأي شكل من الأشكال دعم القضية الأحوازية والارتقاء بها إلى حلول ترضي تطلعات الشعب الأحوازي، دون التنسيق والاشتغال مع هذه القوى، كونها –ورغم إشكالياتها- قد خبرت النفسية الأحوازية وآليات التعامل معها، عدا عن أنها تشمل الكثير من الناشطين والمثقفين الأحوازيين، إضافة إلى شرعية وجودها وعملها بالنسبة للشعب الأحوازي، عدا عن تمكنها من فهم العقلية الفارسية السلطوية والمجتمعية. عدا عن أنها في غالبيتها تمثل معظم تيارات الفكر العربي ومرجعياته (ليبرالية، قومية، إسلامية، يسارية)، وهو تنوع مطلوب لحشد مناصرين أكثر.

وتعود إشكاليات بناء جسم سياسي جامع للقوى الأحوازية (ائتلاف، مجلس أعلى، مجلس وطني، هيئة عليا، …)، إلى عدة عوامل، من أبرزها:

  • طول فترة النضال، دون تحقيق إنجاز يذكر.
  • الضغوطات الأمنية الضخمة التي يواجهها الناشطون الأحوازيون داخل وخارج الأحواز (حتى في دول المهجر)، والخشية من الاعتقالات، التي غالباً ما تنتهي بإعدام الناشطين أو سجنهم لفترات طويلة، وملاحقة ذوييهم، وسلب أملاكهم (النمط الإسرائيلي).
  • الاستقطاب الفارسي لبعض القوى الأحوازية.
  • غياب الاعتراف الإقليمي أو الدولي (أو حتى العربي)، بالقضية الأحوازية.
  • ضعف الإمكانيات المادية ومحدوديتها، ما يعيق ضمان استمرار الجسم السياسي الجامع.
  • تداخل المصالح الشخصية نتيجة العوامل السابقة بالعمل النضالي.
  • تشتت القوى الأحوازية في عدة دول من العالم، ما يعيق تواصلها بشكل مباشر، ويخلق فجوات تشتت وحدة العمل النضالي، وهذا حال كافة المعارضات العربية المشتتة.
  • في حين أن الدفع الخارجي باتجاه إنشاء تكتل خارج هذه التكتلات السياسية، وبشكل مستقل تماماً عنها، ودون تنسيق وإياها، يخلق إشكاليات جديدة، ومنها:
  • عدم شرعية هذه التكتلات في الشارع الأحوازي، باعتبارها مجهولة لديه.
  • فتح المجال لتوظيف المصالح الشخصية أمام أفراد جدد، لم يخبروا العمل السياسي الأحوازي.
  • الدفع إلى إحداث انشقاقات داخل القوى السياسية الأحوازية الحالية.
  • الإمعان في تشتيت القوى الأحوازية، بخلق كيانات جديدة.
  • تجاهل الجهود التي بذلتها القوى الأحوازية طيلة العقود الماضية.

 

خطة عمل لإنشاء جسم سياسي أحوازي جامع

وعليه، نقدم المقترحات التالية لبناء جسم سياسي أحوازي جامع لكافة القوى السياسية الأحوازية:

  • إن عملية إنشاء هذا الجسم، تتطلب بداية، الاعتراف العربي الجمعي (عدة دول عربية، وتحديداً الدول الخليجية)، بالقضية الأحوازية، وعليه يمكن المأسسة لأي نشاط لاحق.
  • اعتماد مبدأ الجمع بين القوى السياسية الحالية، وبين مستقلين أحوازيين، ونخب فكرية، وناشطين من الداخل الأحوازي، ومن المقاومة المسلحة.
  • عقد مؤتمر تأسيسي في إحدى الدول العربية (الخليجية).
  • الإشراف المباشر والأعلى على نشاط هذه القوى، بحيث تفرض آليات التنسيق عوضاً عن تركها للأهواء الشخصية الداخلية. وذلك عبر مراقبين من الدول العربي (الخليجية).
  • وضع موازنة سنوية لهذا الجسم السياسي، تصرف بإشراف الدول العربية.
  • ضمان الشفافية في عمل الجسم السياسي.
  • وضع دستور للجسم السياسي، يمنع من تفرد جهة أو أفراد بالتنظيم، ويسمح بتداول المراكز الإدارية داخله. ويوحد أهداف العمل والنضال، بغض النظر عن المرجعيات السياسية والفكرية، التي يفضل المحافظة على تنوعها.
  • توفير مقر دائم، سواء في إحدى العواصم الخليجية، أو إحدى العواصم الأوروبية.
  • توفير ضمانات أمنية من الملاحقات الفارسية، للأشخاص الذين سيتولون المناصب الإدارية، وهي الشخصيات التي ستكون معروفة لكافة الجهات الدولية.
  • في حال اعتبار الأحواز دولة عربية خليجية محتلة، فيمكن أن تكون الخطوات السابقة، تحت إشراف مجلس التعاون لدول الخليج العربي، باعتبارها –الأحواز- إحدى أعضائه. وتقدم التقارير حول نشاط الجسم السياسي الأحوازي لرئاسة المجلس مباشرة، ويكون المسؤول عنه.
  • أن تترافق هذه الخطوات، بخطوات أخرى، نوردها فيما يلي (توصيات).

 

 خطة دعم للقضية الأحوازية

مما سبق، يمكن أن تكون الفرصة السياسية المنشودة، فعلاً يدفع به الأحوازيون والقوى الداعمة لهم، من خلال توفير أشكال من الدعم، تتميز بثلاث خصائص رئيسة:

  • الاستمرارية: بحيث يوضع برنامج لها يحدِّد المدى الزمني لكل شكل من أشكال الدعم، وأن تتسم بالزخم وعدم الانقطاع المفاجئ فيها، حيث أنّ أي انقطاع فيها سينعكس سلباً على القضية الأحوازية، ويدمّر كل مكتسباتها، ويسمح للسلطة الإيرانية بالانقضاض عليها.
  • التكاملية: بحيث تكون أشكال الدعم متناسقة فيما بينها، وتؤدي إلى تكامل كافة مفاصل القضية الأحوازية. فالإجراءات المجتزأة لن تؤدي الغرض المنشود منها، كما أنّ الإجراءات أو أشكال الدعم المجتزأة ستؤدي إلى انشغال الحراك بتفاصيل تعيق تطوره، وتسمح للسلطات الإيرانية بمحاصرته.
  • التصعيدية: بحيث تُستَغل ردود السلطات الناجمة عن أي مستوى من الدعم، باتجاه تصعيده إلى مستوى أعلى منه. حيث إنّ غياب التصعيد سيمنح فرصة للسلطات الإيرانية لالتقاط أنفسها، ومواجهة الحراك الأحوازي.

 

ومن أبرز أشكال الدعم التي يمكن تقديمها من قبل الأطراف الداعمة لهم:

 

الدعم الثقافي والإعلامي (إطار زمني مباشر):
  • دعم النشاطات الثقافية داخل الأحواز (تمويل تعليم اللغة العربية والتاريخ العربي).
  • إعداد كوادر سياسية وإعلامية تستطيع التعبير عن قضية الشعب الأحوازي بطريقة صحيحة، وتواجه الاحتلال الإيراني، وتوفير دورات تدريبية لهم.
  • توفير وسائل إعلامية مستقلة خاصة بالأحواز (إذاعات، محطات فضائية، صحف).
  • إنّ من المعيقات التي قد يطرحها البعض في دعم القضية الأحوازية، هو الخشية من قيام دولة شيعية عربية على الجهة الشرقية للخليج العربي، تحرِّض الشيعة في دول الخليج العربي على فعل مماثل، غير أنّ وجود حواضن (شباب) ذات توجّهات سنية تزداد باضطراد، وخاصّة أنّهم يشكِّلون غالبية القوى السياسية في الداخل والخارج، يمنح مدخلاً لتعزيز هذا التوجه، بمعنى ضرورة تعزيز عملية التحوّل المذهبي في الأحواز (دعم التعليم الديني السني، وبناء المساجد).
  • في إطار الدعم الثقافي، إتاحة المجال أمام الطلبة الأحوازيين للدراسة في الجامعات العربية، وتحديداً الخليجية، بما يعزِّز من انتمائهم العربي، ويؤهِّلهم لقيادة الحراك التحرري بمرجعية عربية، ضمن آليات التواصل والإشراف من قبل الحكومات العربية.
  • ربط النضال الأحوازي، بالمقاومة في اليمن، وبالجزر الإماراتية المحتلة، وبالحراك العراقي والسوري للتخلص من الاحتلال الإيراني إعلامياً، وإفساح المجال في الإعلام العربي لتغطية أوسع للشأن الأحوازي.
  • توفير حق لجوء (سواء في الدول العربية أو في دول أخرى) للأحوازيين الملاحقين من قبل السلطات الإيرانية.

 

الدعم السياسي والدبلوماسي والقانوني (إطار زمني منظور، 1-3 سنوات قادمة):
  • إعلان الأحواز دولة عربية محتلّة، وذلك من قبل الدول العربية ودول الخليج بشكل خاص، واستضافة ممثل دبلوماسي عنها (بمرتبة سفير).
  • دعم القوى السياسية الأحوازية، وخاصة تلك الموجودة في المهجر، والعمل على توحيدها ضمن إطار سياسي جامع (مجلس/ائتلاف أعلى لتحرير الأحواز)، وردم ما بينها من اختلافات، وتوفير سبل الدعم لها سياسياً وإعلامياً ومالياً، باعتبارها قاطرة الحراك الأحوازي، والداعم للقوى السياسية الأحوازية الداخلية.
  • العمل من خلال المجلس/الائتلاف على إصدار إعلان دستوري مؤقّت، يحدِّد هوية الدولة الأحوازية المحتلة، وسبل نيل حقوقها، وتشكيل حكومة منفى مصغّرة لتسيير عملية التحرير.
  • طرح القضية الأحوازية على المستوى القانوني والمنظماتي: بدءً من اعتراف جامعة الدولة العربية بالأحواز دولة عربية محتلة، وتبنيها نقل المشروع إلى منظمة الأمم المتحدة، وإيجاد داعمين دوليين لذلك. إضافة إلى طرح القضية أمام منظمة التعاون الإسلامي.
  • التنسيق مع المنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية لرفع الظلم الواقع على الأحوازيين.
  • دفع القوى الأحوازية للتنسيق مع قوى الشعوب المحتلَّة الأخرى، وذلك على مستويات التنسيق العملياتي في الداخل، والتنسيق الإعلامي والسياسي داخلياً وخارجياً، وخاصة مع البلوش.

 

الضغط على السلطات في إيران (إطار زمني منظور ومتوسط، 1-5 سنوات):
  • اشتراط افتتاح فروع لجامعات عربية، ومدارس عربية في الأحواز، لقبول وجود فروع لجامعات إيرانية في الدول العربية.
  • فرض عقوبات عربية أو مقاطعة اقتصادية لإيران في حال انتهاك السلطات الإيرانية لحقوق الأحوازيين.
  • اشتراط السماح للأحوازيين خاصة، وللسنة عامة، ببناء مساجد خاصة بهم، وممارسة عقائدهم بحرية ودون تدخل من السلطات الإيرانية.

 

تصورات حول مستقبل الحراك الأحوازي ورد الفعل الإيراني

كما أسلفنا، تُشكِّل الأحواز عصبة الحياة للدولة الإيرانية، وأي دفع باتجاه خروجها عن سلطة المركز، سيلقى مناهضة كبيرة سياسية وعسكرية وإعلامية، وخاصّة في ظلّ انغلاق السلطات الإيرانية عن أيّ حلول لمسائل القوميات في الدولة. وعليه فإنّ أبرز التصوّرات لمسار القضية الأحوازية، هي:

  • قيام حراك أحوازي سياسي واسع، أكبر من كل ما سبقه، يعتمد أدوات المظاهرات والإضرابات والاعتصامات، والنشاط الإعلامي والحقوقي الخارجي، وهو تصوّر ذو احتمالية كبيرة، وخاصّة في حال توفّر داعم عربي سياسياً واقتصادياً للقضية الأحوازية. غير أنّ ردود الفعل السلطوية من قبل طهران، تبقى ضمن احتمالين:
    • الاحتمال الأول: هو أن تزيد السلطة الفارسية من قمعها للناشطين وحواضنهم الاجتماعية، بعدة أدوات، منها: التصفية، والاعتقال، والطرد، وهدم المنازل، والعمليات العسكرية المحدودة (النمط الإسرائيلي)، ما سيزيد من قوة الحراك الأحوازي في حال توفر الداعم الخارجي إعلامياً وحقوقياً، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً.
    • الاحتمال الثاني: أن تدفع السلطات الإيرانية إلى تسوية سياسية تمنح بموجبها للأحواز نوعاً من الحكم الذاتي أو الإدارة اللامركزية (النمط الديمقراطيّ)، وهو احتمال ضعيف للغاية، نتيجة عاملين:
      • انغلاق السلطات الإيرانية، وعدم رغبتها في تقديم أيّة تنازلات قد لا تنتهي. وغياب مقوّمات التحوّل الديمقراطي الحقيقي عنها.
      • عدم وجود حواضن أحوازية لهذا المشروع، أو عدم امتلاكها تأثيراً في الشارع الأحوازي يدفع إلى قبول هذا الطرح، حتى الآن.
    • نتيجة القمع القائم في الاحتمال السابق، فإن مسار الحراك الأحوازي قد يشهد تصعيداً عسكرياً، وذلك من خلال استهداف القوّات والمصالح الفارسية في الأحواز. وعليه فإنّ الردّ الفارسي سيتّجه غالباً إلى ردٍّ على نمط ردود الفعل التي حصلت في سورية من قبل نظام الأسد وإيران، إذ قد يشهد الإقليم عمليات عسكرية تدميرية واسعة، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا. وترتبط احتمالية قيام هذا التصوّر بالعوامل التالية:
      • اشتداد قمع السلطات الإيرانية للأحوازيين، نتيجة حراكهم السياسي.
      • توفّر داعم تمويلي لمشتريات السلاح، وقدرة على إيصالها إلى الأحواز.
    • أما الاحتمال الثالث، فهو خيار (الانتحار الإيراني)، وذلك بتحويل مسار الصراع الداخلي إلى حرب إقليمية، نتيجة إدراك القيادات الإيرانية، وتحديداً قادة الحرس الثوري، أنّ النظام السياسي بات على وشك الانهيار، ولم يعد بالإمكان إيقاف ذلك، لتأتي محاولة الحرب كحلٍّ أخير تدميري وانتقامي (الإدارة بالأزمة أو تصدير الأزمة).

أي إنّ أي تصعيد في المقاومة الأحوازية للسلطات الفارسية يحتاج إلى فرصة سياسية تحدث داخل إيران، أو تنشأ في محيطها الإقليمي، وتكون من الشدة بحيث يمكن استغلالها أحوازياً أو على مستوى الشعوب المحتَلَّة كافة. وسيقع السلوك السلطوي في إيران ضمن احتمالين: احتمال التسوية السياسية السلمية وهو احتمال غاية في الضعف وفق المعطيات الحالية، واحتمال التصعيد السياسي والعسكري في الأحواز وخارجها. على أنّ عملية التصعيد قد تواجه مثبِّطات داخلية وخارجية تعيقها وتمنع من تطوّرها، ومنها يتشكّل ما يمكن أن يكون فرصة سياسية، وذلك وفق التصوّرات التالية:

  • توسّع عمليات المواجهة (السياسية والعسكرية) في أكثر من إقليم داخل إيران (بحاجة تنسيق عالٍ).
  • انهيار الجبهات العسكرية التي تقودها إيران في الدول العربية، بما قد ينعكس صراعات داخل الجيش والحرس الثوري الإيراني، أو بما ينعكس سلباً على كافة الأوضاع الداخلية في إيران (وهو احتمال كبير على المدى المتوسط، 3-5 سنوات).
  • قيام حراك معارض واسع داخل المركز الفارسي، على غرار الحركة الخضراء، وباتجاه إسقاط النظام (احتمال لا تتوفّر مقوّماته حالياً). كما أنّ اضطراب المركز الفارسي بما ينعكس سلباً على الضبط السلطوي، تراجع منذ عام 2009، وتحديداً بعد قمع الحركة الخضراء، وتحقيق إدارة روحاني لجملة إنجازات على المستوى الخارجي. غير أنّ هذا الاحتمال تعزّز من خلال عدم قدرة السلطات الإيرانية –إدارة روحاني أو التي تلتها- توظيف المكاسب المالية الناتجة عن الاتفاق النووي في تحسين أوضاع الداخل، وتحديداً أوضاع الأقاليم المحتلّة.
  • تدخّل خارجي (إقليمي أو دولي) واسع لصالح الشعوب المنتفِضَة، بما يفرض على إيران تسويات سياسية (احتمال يرتبط بمصالح وتوجهات الدول المتدخلة)، كما أنّ فرص قيام حرب دولية على إيران انخفضت في ظل إدارة أوباما وفقدت كثيراً من أسبابها
  • انقلاب داخل السلطة الإيرانية، والدفع باتجاه تسويات سياسية مع كافة الشعوب المحتلّة (احتمال لا تتوفّر مقوّماته حالياً).

 

 

الكاتب  جمال عبيدي

د. عبد القادر نعناع

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!