الإثنين, ديسمبر 23, 2024
مقالاتنهب مياه الكرخة: تحويل الأحواز من واد خصب إلى صحراء قاحلة

نهب مياه الكرخة: تحويل الأحواز من واد خصب إلى صحراء قاحلة

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

يمتد نهر الكرخة على طول 900 كيلومتر في الأراضي الأحوازية، مبتدأه سهول جبال زاغرس في شمال الأحواز فيما يسمى «محافظة إيلام»، ومنتهاه هور إِلِعْظَيم (أو هور الحويزة) في مدينة الحويزة. ومن هذا النهر القديم تغتذي الأهوار في كل من الأحواز والعراق، ومنه أيضا تُروى الأراضي الواقعة على طوله في كل من مدينة الصالحية والسوس والحميدية والخفاجية. فعلى ضفاف النهر الخالد هذا تأسست الحضارات القديمة، ومن مَعينه بنى الأسلاف من العيلاميين الشلالات الأثرية في مدينة تستر، وتركوا بها عمارة متقدمة لا يضاهي قِدِمها إلا جمالها.

ولكن بالرغم من أثر هذا النهر على بناء الحضارات القديمة، إلى جانب تأثيره الكبير على حياة الناس في الوقت الراهن، زراعة وريّا وبيئة وشُرْبا إلخ، تجاهل النظام الإيراني كل ذلك وأخذ ينفذ سياسات مدمرة، بين بناء سدود وتحريف تدفق المياه من المصادر، تسببت كلها بانخفاظ منسوب المياه، وجفاف المناطق والمدن التي كانت عامرة يوما بعزّة النهر ومياهه وجَرَيانه. وتلاعُب النظام الإيراني بأحوال هذا النهر يتم عند مصادره التي ينبع عنها في المحافظات الإيرانية: في همدان وكرمانشاه ولرستان.

وقبل التطرق إلى كيفية تجفيف النهر لا بد من التذكير بأحواله العامة: فقد سجلت السنوات الأخيرة معدلا لمياه الكرخة بلغ 5.2 مليار قدم مكعب؛ بينما كانت تقارب نسب المياه، في السنوات البعيدة قليلا، 15 مليار متر مكعب  أيام كانت الطبيعة في مأمن من تصرفات النظام الإيراني، وعندما كان هذا النظام منشغلا حصرا بنهب النفط وموارده. ولكن الحجم الطبيعي هذا أخذ في السنوات الأخيرة يتقلص ليصل في السنتين الأخيرتين إلى معدل ما دون 2 مليار قدم مكعب. ثم هبط عند العام الراهن إلى 1 مليار متر مكعب فقط .

ولا يظهر هول هذا التقلص إلا إذا عرفنا بأن هذه المياه تروي مساحة تبلغ 52 ألف كيلومتر مربع، بين أراض زراعية وأودية وأهوار وآبار ومياه جوفية إلخ، مساحة يقع معظمها في شمال الأحواز في «محافظتي عيلام وخوزستان»، وإنْ كان جانبا منها يقع في المحافظات الإيرانية، كما قلنا، في همدان ولرستان وكرمانشاه.

 

بداية الحكاية: بناء السدود

لقد كانت سياسة نهب مياه نهر الكرخة مسبوقة بتمهيدات إعلامية ونفسية، على رأسها العمل على انتشار عقيدة تصرح بأن المياه الجارية من سهول جبال زاغرس التي منها يتكون نهر الكرخة، هي مصادر مياه مشاعة، يحق لجميع المناطق التي يمر منها النهر أَخْذَ حصص منها، ما يعني منع مقادير كبيرة عن التدفق إلى باقي المناطق المنحدرة: وهي وادي الأحواز شمالا، حتى إذا أفضى ذلك إلى تقليص حصة النهر، ومن ثم العبث بمجريات الطبيعة، والتسبب بتبعات أقلها هي جفاف الأهوار وموت الأحواز بأهلها بفعل هذه السياسة وهذا التوجه.

وبناء على هذه العقلية توصلت السلطات في كل من محافظة لرستان وكرمانشاه وغيرها المجاورة لشمال الأحواز، إلى أن السياسة المثلى لمنع «هدر المياه»، أي منع وصولها للأحواز طبيعيا، هي بناء سدود تتحكم بمجراها فتترك ما طاب لها وتمنع ما شاءت منها. ومن هنا سارت سياسة بناء السدود تحت عنوان الخطط التنموية للمحافظات، قائمة على أساس الاستثمار الاستراتيجي في المياه الطبيعية.

فعلى سبيل المثال تصرح إحدى خطط التنمية هذه بأن محافظة لرستان «تخسر» سنويا 13 ألف مليار متر مكعب من المياه المتدفقة إلى نهر الكرخة؛ وبناء على ذلك أمرت باتخاذ قرار يمنع «هدر المياه» هذه، عبر منعها من الوصول إلى الأحواز ونهر الكرخة. منعا لم يكن صادرا من دراسات تتصرف في الطبيعة من منطلق القدرة على تحسين مجرياتها، والإتيان بقيمة مضافة من تحريف مسارها، بل جاءت هذه الخطط التنموية، كما نعثر عليها في وثائق محافظة لرستان مثلا وعند أرشيو وزارة الطاقة الإيرانية، جاءت بعقلية انتقامية وأنانية طفولية، ترى في كل ما يمر من الأراضي الفارسية ملكا لها لا بد من التصرف به والاستحواذ عليه. فما دامت المياه تمر من محافظة لرستان وتصب في الأحواز فإن منعها سيعني الاحتفاظ بحق طالما تركناه للأحوازيين. منطق غالط من دون شك لأنه تصرف في مجرى الطبيعة لم يسعف لرستان فحسب، بل أنقلب عليهم بتبعات جعلتهم يندمون على سياساتهم، أقلها هي ظاهرة الكثبان التي عطلت حياتهم وجلبت تذمرا كبيرا لهم.

وما كان بعد كل تلك العمليات التمهيدية النفسية، والزوبعة الإعلامية، إلا أن توالت سياسة بناء السدود، فدُشن على هذا النهر أكبر سد في جميع «حدود إيران»، والشرق الأوسط، هو سد الكرخة، ثم تجاوز إجمالي السدود المدشنة ومن بقيد التدشين 40 سدا، سبعة منها عاملة، تخزن حصص مائية هائلة، جعلت حصة هور العظيم، مثلا، صفر بالمئة في العام الراهن، فراح الهور متعطشا يلهج أنفاسه الأخيرة.

 

السدود الفعالة على نهر الكرخة من المصدر

 

 

 

سدود كما يظهر الجدول جعلت مياه الكرخة، من المصدر، حبيسة إرادة صاحب السدود، فإن فتح مخازنها ارتوت الكرخة وأهلها، وإن منع ذلك ماتت الأراضي التي تمر منها الكرخة، ومات الإنسان معها. وهذا هو ما يحصل اليوم بالتحديد وقد تكومت مياه هذا النهر خلف سدود لا طائل منها سوى منع وصولها عن الأحوازيين، تتبخر يوما، وتذهب يوما لزراعة في مناطق صحراوية لا ينتج عنها ثمر. ولكن أكثر السدود تأثيرا فقد كان سد الكرخة الذي بات معرفا بالسد قاتل العرب: وذلك أن تخزينه المياه فيه أو تبخيرها أو تركها يعني نتيجة واحدة للعرب: العبث في الطبيعة. ففي حالة التخزين تصاب الأرض بالجفاف، وفي حالة ترك المياه تأتي السيول الناتجة عن تخزين المياه بشكل غير مدروس.

إضافة إلى ذلك يظهر من خلال دراسة أهداف بناء سد الكرخة أن جميعها لم تتحق: فلم يستطع السد هذا منع وقوع السيول في الأحواز وقد شهدت المنطقة قبل ثلاث أعوام سيولا جارفة. ثم فشل السد هذا في توفير المياه لأكثر من 320 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. بالإضافة إلى اخفاقه في هدفه الثالث وهو توليد الكهرباء من مياه السد بنسبة  400 ميغاوات .

ثم بعد بناء السدود تباعا، واحدا تلو الآخر، نُفذت باقي أجزاء المشاريع الخاصة بالمياه، فباتت السلطات الإيرانية تحفز كل من محافظة لرستان وكرمانشاه والقسم الفارسي من محافظة «إيلام» على توسيع الزراعة، وزراعة الأراضي التي لم تكن مستغلة أصلا، أو كانت زراعتها تتم على طريقة الري الطبيعي «الديم». وهكذا خصصت محافظة همدان 700 ألف هكتار من أراضيها للزراعة بمياه شط الكرخة، ثم أعقبتها شمال «إيلام» بري 600 ألف هكتار من الأراضي الجدباء، أو المخصصة للزراعة الموسمية، وبعدها محافظة لرستان التي لحقت هذا السباق فزرعت لغاية الآن 60 ألف هكتار.

والملفت في هذا الحجم من التحفيز على الزراعة في باقي المحافظات هو تزامنه مع منع الأحواز من الزراعة، أو السماح بزراعة محاصيل معينة. حتى بات هذا الأمر يثبت علانية وجود مافيات في الزراعة أناطت أرباجها بمنع الأحواز من زراعة المحاصيل، وجعلها مستوردة للرز والخيار والطماطم والبطيخ والكثير من المحاصيل التي كانت تصدرها في الزمن القريب  غير آبهة بما يعنيه منع الزراعة من بطالة جموع المزارعين في مختلف مناطق الأحواز.

وبينما تجري سياسة زراعة الأراضي في باقي المحافظات بمياه الكرخة، شهدت «محافظة خوزستان» إصابة 327 ألف هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة، وذات التاريخ الطويل من الزراعة، بأضرار فادحة وجفاف، إلى جانب منع الفلاحة على 200 ألف هكتار منذ سنوات متتالية. ولا شك أن هذا الحجم من الأضرار في الأراضي والحقول يعني الإضرار بمصادر رزق المزارعين، وتعطيل نشاطهم، تعطيل سعت الحكومة في وضع حد على تبعاته عبر منح المزارع قروضا بنكية، بيد أن توالي تعطيل الزراعة وضع المزارع المدين أمام عجز في تسديد قسوط القروض، ومن ثم مزيد بؤس ومشاكل نفسية إلخ.

وتسلسلت سياسة نهب المياه بجميع تبعاتها على قدم وساق، لتبلغ الذروة في البرلمان الإيراني والحكومات المتعاقبة، حين شرعوا قوانين تسمح لهم  تقسيم مياه الكرخة على حصص وفق الحجم الآتي: 35 بالمئة من نصيب محافظة لرستان، و41 بالمئة لكرمانشاه، و18 بالمئة لهمدان، بناء على المعلومات الصحفية في ظل التعتيم الإعلامي على الجلسات الحكومية الخاصة بهذا الشأن، خاصة بعد ما شهدته الأحواز من انتفاضة العطشى التي حولت ملف المياه من مجرد سياسة استعمارية، نظير سرقة النفط، إلى ملف أمني قد يجلب زوبعة أمنية في الأحواز، ويعدم الأمن في باقي المدن العربية، وسط تضامن من الشعوب غير الفارسية والرأي العام العالمي وهو يشهد ثورة شعب يتضور عطشا، كما حدث في تلك الانتفاضة التي نمر اليوم بمرور سنتين عليها.

وبدل معالجة هذا التخصيص المائي الجائر، أخذت السطات الإيرانية تأتي بأنصاف حلول وهمية كلها تثبت تسويفها بحق الشعب وخيراته: ففي العام الماضي فرضت السطات منعا على الزراعة بدعوى قلة الأمطار ومن ثم ضعف منسوب مياه الكرخة: فقد صرح مسؤل إيراني بأن معدل هطول الأمطار تقلص بنسبة 23 بالمئة في العام 2022 مما تسبب تقلص المياه المتدفقة إلى الكرخة بنسبة 58 بالمئة، ثم أضاف المصدر بأن سد الكرخة هو الآخر شهد هبوطا في حجم المياه، مقارنة بالعام الماضي، بلغ 1.6 مليار قدم مكعب.

 

تبعات لا تكاد تحصى

ومهما يكن من تبريرات السلطات، فإن تبعات هذا الجفاف المتعمد باتت هي سيدة الموقف:

  • إن أولى التبعات الخاصة بهذا المنع هو التغيير البيئي الظاهر على جميع المنطقة الأحوازية: فهذا هور العظيم كأبرز الأمثلة على التبعات الخاصة بالعبث بمياه الكرخة، وهو يحتضر؛ إذ كان يتكون أساسا من مياه هذا النهر أيام كان يغدق عليه. فبناء على الاحصائيات الرسمية، التي عادة ما تقلل من خطورة الموقف، هبطت حصة هور الحويزة من مياه الكرخة إلى 21 بالمئة، وأكثر من ذلك حين ما أصبح الهور مجففا بنسبة 85 بالمئة، ليتحول إلى صحراء تذر الكثبان، وتتسبب بظاهرة العواصف الرميلة على طول الأحواز، تاركة أمراض سرطانية وجلدية وكلوية إلخ .
  • إلى جانب حدوث بطالة كبيرة بين أبناء الأحواز في مختلف المدن، ممن كانت المياه تعني لهم وفرة العيش والحصول على عمل، زراعة وصيدا وتربية مواشي إلخ. فبعد حرمانهم من المياه باتت السلطات تحذر من تكرار انتفاضة العطشى، وخروج مظاهرات غاضبة لا يستطيع أحد الوقوف ضدها لأنها منبثقة عن حرمان لم يترك شيئا إلا سلبه، حتى المياه التي تجري في الأرض، كما أشرنا سابقا. وبناء على المعلومات الحكومية الرسمية تواجه 11 مدينة في شمال الأحواز مشاكل في توفير المياه، يبلغ هذا العدد عند القرى ما يقارب 700 قرية. ولقد كانت آخر الأحياء التي تعاني من فقدان المياه هي حي الملاشية التي توالى حجب المياه عنها لأسبوعين.
  • ويبدو الطريق من البطالة نهو التهجير طريقا سالكا؛ ولا بد من العلم بأن قضية التهجير تجد أشد انعكاساتها في القرى الأحوازية الكثيرة، لأنها هي أول من يعاني من التبعات الحاصلة من سياسة إيران البيئية والجفاف المميت. فبموجب تصريحات وزير العمل الإيراني، هجر ما يقارب 35 بالمئة من أهالي القرى الأحوازية، حتى قبل ثلاثة أعوام، بواقع ألفي قرية من إجمالي ستة ألف قرية. وتعني الهجرة هنا تشديد ذلك الطوق المدني على المدن الأحوازية في الأطراف، في كل من مدينة الأحواز وعبادان والمحمرة والسوس، على سبيل المثال، محاطة بقرويين مهجرين من مدنهم ومصادر رزقهم، يعانون شتى صنوف الحرمان والفقر في عشوائيات مهمشة.

ويمكن القول بأن الهجرة الناتجة عن الجفاف المتعمد تتم لأسباب ثلاث رئيسة. أولا: معيشيا إثر انعدام مصادر الرزق وإمكانية الزراعة في الكثير من المدن التي يمر منها النهر هذا، مما اضطر الأهالي إلى الهجرة من قراهم بحثا عن توفير مستلزمات الحياة. فهذه تصريحات الكثير من المسؤلين في النظام الإيراني تفيد بحدوث هجرة قسرية للعرب حتى جعلت شمال الأحواز أكثر «المناطق الإيرانية» تصدير للمهجرين  . على أن كثرة الهجرة من القرى الأحوازية جعل هذه المرة النظام يحذر منها لأنها هجرة داخلية غالبا ما تكون وجهتها نحو المدن الكبيرة نظير الأحواز العاصمة ونحوها.  ثانيا الكوارث الطبيعية الناتجة من العبث بالطبيعة: فبينما كانت الهجرة في الكثير من الحالات تتم بحثا عن فرص عمل إثر دمار مصدر الرزق بالجفاف، تآزرت أسباب التهجير هذه المرة إثر السيول، واحتمالية تكرارها كما حدث في العام 2019. فقد تتعالى هذه الأيام الأصوات التحذيرية من النشطاء ومسؤلين النظام حول احتمال تكررا سيول مشابهة وما ينتج عنها من دمار حقول وموت مواشي وهدم بيوت. وثالثا التلوث البيئي: الذي انعكس على اشتداد الأمراض السرطانية والتنفسية إلخ، وتكرار ظاهرة الكثبان الرملية التي تزخر بأنواع الأمراض، حتى باتت هذه الظاهرة من المحفزات الكبيرة للهجرة. والهجرة الآتية من التلوث البيئي هي أكبر وأشد، لأنها هجرة أهل المدن وهم الأكثرية والسواد الأعظم للشعب الأحوازي، إلى جانب أنها هجرة تتقصد المناطق التي تقع في المحافظات الإيرانية ما قد يعني زيادتها ترك الأحواز أرضا خالية من سكان غير قابلة للحياة.

  • ليس هذا فحسب بل أصبحت السلطات الإيرانية تصرح علانية بعجز نهر الكرخة عن توفير مياه الشرب لأهل الأحواز، بعد أن كان يوفر 50 بالمئة من حجم المياه اللازمة للشرب. وبينما يسعى جاهدا النظام في عزو هذا التقلص المطرد إلى الجفاف وقلة الأمطار، بيد أن الكثير من الخبراء يصرحون، بشكل لا غبار عليه، بأن هذا الجفاف الذي يعصف بالنهر هو نتيجة سياسة النظام في بناء السدود وتخصيص حصص مائية لكل محافظة دونما أي دراسة لتبعات ذلك، ولا إلى ما سينتج عن كل تلك التوجهات من تجفيف النهر وتحويله إلى جدول صغير. وبينما كان مدير شركة المياه في الأحواز قد صرح بتقلص مياه الكرخة بنسبة 60 بالمئة، فقد أكد مدير حوض الكرخة بأن الأوضاع متأزمة أكثر من التصريحات الحكومية هذه، حتى باتت مخازن مياه المحافظة لا تتوفر على مياه إلا بنسبة 13 بالمئة.

 

ماذا يتبق بعد كل هذا الجفاف؟

هل أصبحت مناطق من الأحواز، وهي السوس والحميدية والخفاجية والحويرة والملايين التي بها، غاب قوسين عطش وتضور؟ بعد أن مُنعت الزراعة وماتت المواشي إثر الجفاف، وتدمرت البيئة فانتقمت ببث العواصف الرملية ومختلف الأمراض.

أجل يبدو ذلك محتملا جدا. ومن أجل ذلك بالتحديد أقدمت السلطات الإيرانية على تدشين مشروع أسمته غدير لتوفير المياه الصالحة للشرب من نهر الكرخة المحتضر.

 

مشروع غدير لتوفير مياه الشرب

إن أول ما يظهر من تفحص مشروع غدير هو حجم المشاكل التي باتت تواجهها الأحواز جراء تلك السياسات العنصرية العامدة التي حولت الأحواز من واد تجري فيه الأنهر العذبة من كل الاتجاهات إلى منطقة يخشى من شعبها القيام بثورة في سبيل رفع العطش. ومن هذه النقطة بالتحديد، خشية النظام الإيراني من مواجهة ثورة عطشى، أقدم سريعا على هذا المشروع فخصص له ميزانية بلغت ألف مليار تومان.

وبموجب هذا المشروع يُمَدُ أنبوبا بطول 78 كيلومتر، ومدعوما بمضختين، يهدف إلى توفير المياه العذبة إلى 26 مدينة و1600 قرية في  شمال الأحواز، يبلغ حجم سكانها  5 مليون نسمة . ولكن هذا المشروع اصطدم أولا بفقدان الكرخة المياه اللازمة للنقل، وفق التصور الأولى للمشروع القاضي بنقلها من الكرخة؛ ثم عندما انتقل المشروع هذا، بحثا عن مصدر آخر للمياه، فجعل نهر الدز بديلا، وجد النهر هذا، هو الآخر، يعاني الجفاف، مما يعني أن هذا المشروع الذي تنتظره ملايين من الأحوازيين، لن يرى النور لفقدان المياه أصلا، ومن المعقول أن تكون نتيجته مزيد جفاف وعطش.

 

الختام

وفي الختام دعونا نشرح بعض النقاط بخصوص المبررات التي تقول بأن السياسة الإيرانية تجاه البيئة، هي هي في جميع المناطق:

فهذا نهر أصفهان، سي سه بل، وهو مهدد بالجفاف، وهذه بحيرة أرومية وقد جففت، وهناك غيرها من الأمثلة والأدلة. ولدحض هذه المبررات يكفي القول بأن نهر أصفهان الذي يقف أمام شبح الجفاف، وبحيرة أرومية التي تشهد يباسا تارة وتارة تجري فيها المياه، هي بالأساس كانت كذلك منذ عصور قديمة، لأنها مناطق طبيعتها هي هذه، وأن هذا النَشْف العاصف بهما ليس نتيجة حدث اليوم أوسياسة هادفة استعمارية، كما هو الشأن في الأحواز.

إن هذا الجدْب المفروض على الأحواز، هو سياسة استعمار بربري، يختلف جوهريا عما يجري في باقي المناطق المجاورة الفارسية وغير الفارسية، لأنه حوّل واد ذي زرع خصب غزير إلى واد متصحر لا يمنح أبناءه المياه يرتوا بها.

ولا نحتاج إلى القول بأن هذا وذاك ليسا بالسواسي؟

كلا.. إنها سياسة تجفيف عامدة قديمة، عَهِدَها الشعب الأحوازي مذ دخول  الاستعمار الایرانی إلى أرضه: فهذه الحقول النفطية نهبها النظام الإيراني، فعمّر بها المناطق الفارسية وترك الأحواز، شمالها وجنوبها، قرى مدمرة أهلها منبوذين مفقرين يعانون شتى صنوف التهميش؛ وهذه الثروة الزراعية وقد أتها النظام فحصد ثمارها يوما لنفسه دون أهلها، وعندما نافسوه في باقي المحافظات قطع المياه عنهم، ورمى بهم إلى كل ما ينتج عن انعدام المياه من دمار شامل.

الأمثال في ذلك كثيرة: إنها سياسة  مستعمر جاء ليذهب سريعا، فهو مستطرق يحمل عند مروره كل ما يمكنه سرقته وحمله من الأرض التي يمر بها.

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!