المدخل
لا يمتري أحد منا في الأحواز هنا أو خارجها في المهجر، ممن تحصل عنده وعيا قوميا جعله يرى الأمور على حقيقتها: أي وفق واقعها، بأن الأحواز لا بد لها أن تتحرر يوما من الأيام، وأن تصبح دولة عربية، بالضرورة، شأنها شأن الدول العربية خاصة والدول العالمية عامة، تشق طريقها نحو بناء إنسان أحوازي، يكون مواطنا يحتذى به في السعادة والتسامح والتعددية والعلم. بيد أن الامتراء يطفو سريعا على السطح إذا تعلق الأمر، هذه المرة، بسبيل ذلك والطرق التي يجب استلاكها، والعمليات التي يجب اتبعاها وتنفيذها لنيل ذلك التحرير المنشود، ليصبح السؤال الملح هو:
كيف السبيل إلى تحرير الأحواز من الاحتلال الإيراني؟
هذا هو محل النقاش، وهذا مَعْقِد الأمر. فالكثير من المناضلين، في الداخل والخارج على سواء، لم يطبقوا على الطريق الأمثل لخوض حركة التحرير كيف يكون: فسلك بعضهم الطريق المسلح وقدّم في ذلك الأرواح والأنفس، وهم خيرة الشعب الأحوازي وطليعته، وانتهج آخرون الطريق السلمي، وأناط الحراك بالطريقة السلمية، يظهر في إضرابات واحتجاجات إلخ، سبيلا أفضل للتحرير.
وبين هذا وذاك: وهم التحرريون الذين يقولون بوجوب التحرير والقضاء على جميع بقايا الاحتلال الإيراني بجميع حمولاته وإفرازاته، أجل بين هذا وذاك سلك بعض «الناشطين» الآخرين، في الداخل والخارج أيضا، طريقا غريبا فقالوا بوجوب نيل الحقوق بدل التحرير، والتأكيد على الإنسان وحياته وكرامته، بدلا عن التوكيد على الحرية والعروبة والدولة الأحوازية، فجعلوا التحرير قضية إنسانوية[1]، وأخرجوها عن إطارها السياسي القائم على أساس غلبة أمة لأمة، الإطار الذي يجد بدايته ونهايته، أي يجد مصداقه الخارجي في التاريخ؛ خلافا للقضية الإنسانوية التي لا تجد مصداقا لها في التاريخ، وهي دعوات طوباوية تغفل، في الكثير من الحالات، عن واقعها الذي تمر به. فدعى أولئك ممن يطالب بالحقوق تارة إلى فدرالية في إطار النظام السياسي الإيراني القائم، وتارة إلى مجتمع مدني تعددي، وسبيلهم في كل ذلك هو المشاركة في الحكم (Government) القائم، أو في حالات استثنائية: خوض مظاهرات واحتجاجات فئوية، مدعومة بالتحالف مع الشعوب غير الفارسية للوصول إلى أكبر قدر من المكاسب من النظام الإيراني عند ضعفه أمام هذه الأساليب. أما الدولة (State) الإيرانية في أطروحاتهم فهي باقية على حدودها ولا مساس بوجودها ولا بكيانها إلا ما كان من نزع الاعتراف عنها من أنها مجرد دولة فارسية إلى دولة متعددة الشعوب.
إن أولئك وفدراليتهم (بما فيها من عدم فهم النظام الفدرالي وضعف منهج المطالبة لدى الافراد والمجموعات وتدني مستوى الكفاءات والعمل) ومجتمعهم المدني، و«عرب إيراني» خاصتهم، لا يجمعنا بهم سوى اعترافنا بـ«سابقتهم النضالية»؛ ولا نقدر قناعتهم وطرق نضالهم إلا بعبارة هيغلية تقول: إنهم خارج التاريخ. أما الكلام ومناط العمل فيدور على دعاة التحرير، وعنهم نحبر الأسطر دون غيرهم. وهكذا يكون السؤال المصاغ في العبارة الآتية: كيف السبيل إلى تحرير الأحواز من الاحتلال الإيراني، موجها بالدرجة الأولى لهم، لنراهم كيف يجيبون عنه، ثم عند تناول إجابتهم والعناية بسياق تبلورها وأسباب ظهورها، نقوم بنقدها أي تقييمها.
تحرير الأحواز بين العمل المباشر والحركة السلمية
انشطرت مساعي دعاة التحرير في الأحواز، في الداخل والخارج، إلى جبهتين: جبهة قالت بوجوب تحقيق التحرير عبر عمليات مباشرة، وجبهة تبنت العمل التحرري السلمي. وإذا كان العمل المباشر يمتد قدمه إلى بداية الاحتلال، وهو جار على قدم وساق منذ زمن بعيد، فإن الجنوح نحو العمل التحرري السلمي يبدو أنه جاء فرضا على المناضلين من الأوضاع الدولية الراهنة التي باتت ترفض الحركات القومية رفضها الحركات الإسلامية المتشددة وتتوجس خيفة منها، ما جعل الأحوازي أمام خيار لا مفر منه: هو تبني العمل السلمي، والابقاء على غير السلمي خفية وسرا.
وهكذا يبدو جليا من خلال السياقات الدولية والإقليمية التي مرت بها حركة التحرير أنها متأثرة في أبعد الحدود بهذه الظروف، وأنها كانت في تعاط معها، تارة يكون تعاطيا إيجابيا وتارة سلبيا، كما هو الشأن في جميع القضايا الإنسانية والمظاهر الاجتماعية. ومهما يكن من كيفية التعاطي هذا، فإنه يترك تبعات على رأسها، أولا: الإقرار بإنحسار الحراك التحرري في الخارج، دونما كبير حضور له في الداخل، خاصة على مستوى التواجد التنظيمي، والمقر الرسمي، والقيادات المعلنة المسؤلة. ما يعني أن الحركة التحررية الأحوازية، هنا بجبهتيها، هي حركة وليدة الخارج وأن تعاطيها مع الداخل هو الاستثناء يتمظهر على شكل إدارة مظاهرة أو تهييج خروج أو تنفيذ عملية، على عكس نشاطها في الخارج الذي نزل هنا منزلة الأصل؛ وثانيا: وهو وليد الأمر الأول تماما، فإن هذا التواجد الخارجي الملحوظ ولدّ حاجزا بين المناضلين هؤلاء ممن ينشد التحرير، وبين قاطبة الشعب الذين يؤمنون بنفس المعتقد ويبتغون غاية التحرير، فضلا عن النخب في الداخل الذين ينأون بأنفسهم عن المناضلين في الخارج خشية أمور كثيرة ليست هي موضوعنا[2]؛ وهذا يعني من جهته أن الحركة التحررية هذه، كأنها آتية من خارج الجسم الأحوازي، داخلة عليه من الخارج. وهذا بدقيق العبارة هو سر هذا الضعف المستديم في الحركة التحررية الأحوازية.
ومن أجل ذلك بالتحديد، من أجل هذا التأثير الكبير من الساحة الدولية، بات الحراك التحرري الأحوازي منشطرا على جبهتين وواقعين: الجبهة التي ما زالت تجعل الحراك المباشر العسكري سبيلا لها لنيل المبتغى، غير آبهة بكل التبعات التي تكابدها من الوضع الدولي، والبلدان المستضيفة، فضلا عن صعوبة العمل في الداخل الأحوازي؛ وجبهة ابتعدت عن العمل المباشر وأصبحت تنادي بطَرْق أساليب أخرى، تراها حديثة تتمتع بتعامل له دينامية مع الوضع الدولي والإقليمي أكثر من أساليب الجبهة الأولى على حد وصفها.
وإذا كانت الحالة هي منشطرة على ذلك، فإنه من البدهي أن تكون أساليب الثورة المنشودة، وطرق تحرير الأحواز من الاحتلال، مغايرة عن بعضها. وبما أن الأساليب مختلفة، فإن تصور ثورة التحرير المنشودة هو تصورين: الثورة الجماهيرية الشاملة؛ والدعوة إلى تكوين كتلة تاريخية من النخب هي التي تقود المرحلة، وتتبنى العمل التحرري، وترسم الخطوط العامة والمراحل الثورية. وفي القسمين التاليين نخصص القول إلى شرح هذه الطرق، وأهم نقاطها وتصورها من التحرير، مردفا بأبرز النقاط النقدية التي يمكن تسجيلها على كل طريقة.
في معنى الثورة الجماهيرية
تعني الثورة الجماهيرية، كما يظهر من اسمها، الحراك الشعبي الشامل الذي يتوخى قلب النظام القائم، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، بالدرجة الأولى؛ قلب نظام يترك أثرات ثقافية وتشريعية عميقة من دون شك. وهذا التعريف الذي يسرده دعاة الثورة الجماهيرية الشاملة في الأحواز، هو التعريف ذاته الذي يطبق عليه علماء السياسة والثورات[3]، تكون فيه المجاميع البشرية الثائرة مصدر التغيير ومن يقود المرحلة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحالة الأحوازية القائمة على أساس وجود احتلال أمكننا حينها القول إن الثورة الجماهيرة لتحرير الأحواز، في عيون دُعاتها، هي إلى الثورة الجزائرية أقرب، مع فارق جوهري هو سلوك الطريق السلمي بدل العسكري على عكس الشأن في ثورة الاستقلال تلك[4].
ويعني ذلك بصريح العبارة أن على الشعب الأحوازي، آحادا وجماعات، أن يكون هو المبادر، في جميع المدن الأحوازية التي يجب عليه تقديرها خطوط التماس بينه وبين المحتل، يحولها في ثورته إلى ساحة مواجهة سلمية مع الاحتلال وجميع ما أتى به: فهنا، وعلى سبيل تقريب الصورة إلى الأذهان، يجب على الأحوازي بالضرورة، أن لا يتعامل في إطار ثورته الجماهيرية هذه، مع المستوطن الفارسي شراء وبيعا وأخذ وعطاء إلخ، كما يجب عليه بناء مجتمعات أحوازية مستقلة عن سلطة الاحتلال ومستوطنيها الفرس الذين جلبتهم للوطن المغتصب؛ حركة ثورية قوامها القوة الذاتية دونما توقع من الحركات المنظمة أو القوى الكبرى أو الدول العربية إلخ مساندة أو حث على الانتفاض، بل المعول الأول والأخير عليه هو، وهو الذي عليه تهيأة العدة الفكرية والعملية اللازمة للبدأ بالثورة الجماهيرية للتحرير الأحواز.
ويستند دعاة هذه الفكرة على رصيد ثوري هائل، يسعفهم في إيضاح فكرتهم عن الثورة الجماهيرية الشاملة، وإمكانيتها بل ووجوبها. و تجد الفكرة هذه صداها البليغ وصياغتها الناصعة لدى المفكر الألماني إريش فروم، يقول في مستهل كتابه الثوري المائز عن العصيان: «لقد بدأ التاريخ الإنساني بفعل عصيان، وليس من المستبعد أن ينتهي بفعل إذعان… تغير كل شيء عندما عصيا، آدم وحواء، أمرا. بتحطيم تلك القيود مع الأرض والأم، بقطع ذلك الحبل السري انبثق الإنسان من مرحلة ما قبل البشرية المتناغمة، وأصبح قادرا على اتخاذ الخطوة الأولى في طريق استقلاليته وحريته. إن فعل العصيان الذي قام به آدم وحواء جعلهما أحرارا وفتح أعينهما… لقد شكل بداية التاريخ»[5]. أجل من نقطة العصيان هذه، ومن اللحظة الثورية المنشودة يدخل الشعب الأحوازي إلى التاريخ، ويبدأ التاريخ الأحوازي في الحركة.
وهكذا تتسلسل ثورة التحرير الجماهيرية وفق الصياغة التالية:
- أسريا: تبتدأ الثورة أولا من البيوت عندما يعمد الأبوين إلى المواظبة في تعليم اللغة العربية للأبناء بدل الفارسية لغة التعليم الرسمي المفروض، ويلقن كل منهما الأبناء على وجود حالة من الاحتلال ظفر بها الفرس على العرب، فتصرفوا معهم تصرف المتغلب على المغلوب: فأنزلوا بذلك عليهم شتى صنوف الإذلال. على الأحوازي منذ الصغر أن يتجنب كليا من فتح صداقة مع أقرانه الفرس من المستوطنين، في المدارس والشوارع والأحياء وفي كل أَيْن، والابتعاد عن استخدام لغة الفرس.
- علميا: أما على الشبان والشواب في الجامعات خوض سجالات كبيرة مع الفرس الطلاب، سواء المستوطنين أو الموفدين للدراسة من المحافظات الإيرانية، يثبتون فيها عروبة الأرض الأحوازية حصرا، دون أية لوثات فارسية، وهو سجالا علميا يرى النور عبر تأليفات وكتب وصحف إلخ، تأخذ على عاتقها بث هذه الروح من الثورة والعصيان في سبيل إيصال الشعب إلى اللحظة التاريخية الحاسمة التي فيها تتفجر الثورة المنشودة.
- ثقافيا: وبفضل هذه الحملة العلمية الطلابية المعرفية نتحول إلى مرحلة السجال الثقافي عند ما يصر العربي على الحديث بالعربية، في المدارس والجامعات وفي جميع الجهاز البيروغراطي، وجميع ربوع الوطن، متحديا تبعات ذلك من النظام الإيراني ، مستخدما أسماء عربية للمدن التي وضعت عليها أسماء فارسية مزيفة، في محاولة شاملة لتزييف تاريخ الأحواز، ليتدرج ذلك بالمطالبة بحق التعليم باللغة الأم، والتأكيد من وراء ذلك على وجوب الاعتراف بالثقافة الأحوازية، وتغايرها التام وثقافة الدولة المحتلة الفارسية، لأنها ثقافة الأحواز الأرض العربية تاريخا وحاضرا ومستقبلا.
- اجتماعيا: وبعد هذه الممهدات الطويلة الأمد، أسريا وعلميا وثقافيا، توضع المرحلة الثورية على أعتاب الاندلاع. لتظهر تجلياتها اجتماعيا في الإصرار على العادات العربية والأسماء العربية المؤكدة عروبة الوطن، بدأ من ارتداء الزي العربي في الجامعات والدوائر وجميع المحافل العامة، وصولا إلى الارتقاء بالمجتمع من مجرد مجتمع قبلي ديني إلى مجتمع قومي أي إلى شعب عربي قوامه العيش المشترك والتاريخ المشترك. وهذا هو النضال المجتمعي.
- سياسيا: وهو تتويج النضال المجتمعي: ذلك النضال الذي لا يكتمل إلا بالحركة من المجتمع القومي إلى دولة أحوازية بالضرورة، تتحصل عبر النضال السياسي الجماهيري الظاهر على مواجهة نظام الإيراني على صعيد خوض إضرابات عمالية ومهنية وتسيير مظاهرات سلمية شاملة، تفضح جميع التصرفات العنصرية من النظام وحشود المستوطنين الذين جلبهم معه. على أن الجانب السياسي هنا يأخذ الموضع القيادي حيث أن كل تلك الأعمال الاجتماعية والاقتصادية التشريعية إلخ، تتوزع على شكل لجان شعبية تنسيقية هي التي تقوم بإنتظام العمل، ويكون على رأسها لجنة سياسية هي التي تأخذ على عاتقها تسيير العمل الثوري بشكل رسمي، لها مقبوليتها لدى قاطبة الشعب.
- اقتصاديا: إن بلوغ المستويات الحضارية العليا إنما يتم بما تتوفر عليه الأحواز من خيرات عظيمة، زراعية وبحرية وبترولية إلخ، هي المستند في بناء دولة عظيمة فارهة. بيد أن هذه الدولة لا تتم إلا إذا سبقها اقتصاد نضالي يعمد الشعب بموجبه إلى الابتعاد عن أية تعاملات مع النظام الإيراني والمستوطنين الفرس في أرض الوطن، بالإضافة إلى رفض تسديد الضرائب والإيداعات المالية إلى البنوك الفارسية والاستنكاف من أخذ القروض ومحاولة بناء اقتصاد سوق حر لا تطاله يد دولة الاحتلال وأذنابهم المستوطنين.
- تشريعيا: وكل ذلك يتطلب بكل توكيد خوض كفاح تشريعي سنده القوانين الدولية وحقوق البشر المتفق عليه عالميا، من أجل إثبات حق الشعب الأحوازي في تقرير مصيره وأحقيته في أرضه وحدود دولته المنشودة، وإقامة المستندات القانونية التشريعية التي تثبت وقوع حالة الاحتلال، وتثبت العلاقة بين النظام الإيراني القائم ودولته المزعومة المعترف بها دوليا، وبين باقي الشعوب غير الفارسية الواقعة تحت هيمنتها، علاقة دولة محتلة لشعب محتل، لا دولة شرعية.
كيف السبيل إلى اتمام كل تلك الخطوات التمهيدية للبدء بالثورة الاجتماعية والسياسية؟ هل يمكن لشعب قوامه طبقات مختلفة وفئات متبانية أن يأتي بكل ذلك متسقا متكاملا؟
لا شك أن هذه الفكرة الداعية إلى ثورة جماهيرية شاملة، وفق الصياغة الموجزة أعلاه، لها مبرراتها وموضوعيتها، وهي قد حدثت في شعوب كثيرة في ثوراتهم، على رأسهم الشعب الجزائري والليبي سابقا، ولذلك فهي ممكنة الوقوع تماما في الحالة الأحوازية أيضا. لكنها بالرغم من ذلك تثير عدة ملاحظات لا بد من الإجابة عنها:
- إن أول ما تثيره يتعلق بأولى شروطها القاضية بوجود شعب مستعد للقيام بهذه الثورة، وخوض خروج شامل بطابع سلمي بحت. ومن أجل ذلك فإن السلمية هذه تتطلب وجود مستوى عال من ضبط النفس من قبل المنتفضين، خاصة إذا استذكرنا مواجهة النظام الإيراني العنيفة لها بالسلاح. ثم إلى جانب ذلك هذا الاستعداد على كافة المستويات قد لا يتم بشكل متزامن، فيصدف أن يكون الشعب مستعدا اجتماعيا لخوص ثورته الاجتماعية، بالمعنى المشروح أعلاه، ولا يكون بالوقت ذاته مستعدا لخوضها سياسيا أو اقتصاديا.
- وإلى جانب ذلك فإن الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية، وهذا الشمول الثوري الطاغي، لا بد أن يتم بعد مرور الأوقات الطوال عليه، وهو مما لا يمكن توقعه في فترة زمنية قصيرة؛ فضلا عن أن المعطيات الراهنة، وجميع الانطباعات الخاصة بالشعب الأحوازي، تثبت فقدان الاستعداد التام لديه لخوض مثل هذه الحركة الثورية الجماهيرية الجامعة. ثم إلى جانب كل ذلك فإن مرور الوقت سيعني مزيد استحالة للشعب الأحوازي، وسقوط فئات وجماهير كثيرة إلى الشعب الفارسي وتحولهم إلى فرس. كما قد يعني مرور الأوقات حدوث انفتاح في النظام الإيراني، سياسيا واجتماعيا ودينيا واقتصاديا، من شأنه اجتذاب مزيد من القوة، سواء من قبل انتماء الشعوب غير الفارسية له ممن يبحث عن رقيد عيش وليس الحرية، أو من جانب النظام الدولي، مما يعني تعزيز موقف النظام واستصعاب مواجهته بالطرق السلمية، فضلا عن انعدام إمكانيتها أصلا.
- ثم إن الحديث عن تكوين لجان جماهيرية ثورية تنسق العمل الثوري يجعل الفكرة برمتها تعاني من مفارقة في جوفها: فإما أن تكون الثورة هذه جماهيرية بالفعل، تندفع فيها الجماهير إلى العمل الثوري والعصيان التام، وإما أن تكون ثورة تقودها اللجان الثورية ومن ثم النخب التنسيقية. على أن قيام فكرة اللجان التنسيقية لا يبعد من الاحتمال حصر هذه اللجان في العمل التنسيقي البحت، والقضاء على اعتراض وجود مفارقة في الثورة الجماهيرية.
- ولكن هذا الشرح أعلاه، الدال على حصر عمل اللجان التنسيقية في توحيد العمل الثوري، لا تبعد من الوجود السؤال عن فكرة القيادة: كيف يمكن لحركة ثورية أن تنجح من دون وجود قيادات معروفة نخبوية هي التي تقود المرحلة، وتتعاطى بشكل سريع مع المواقف والأحداث المتسارعة التي تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة في وقت قصير، أحداث لا تخلو أية ثورة منها. إن معاينة تاريخ الثورات، التحررية على وجه الخصوص، يظهر دورا ممتازا للقيادات الثورية الكاريزمية لا يمكن الاستغناء عنه، بل إن التعويل على ظهور مثل هذه القيادات هو الذي يلهم الجماهير العزيمة، ويوفر عليها التنسيق، لأن موقفا واحدا من القيادة الكاريزماتيك كفيلا بجعل الاصطفاف يتم حولها، بعيدا عن اللجان التنسيقية التي ربما يتطلب عملها الوقت الكثير.
- وفي الأخير فإن الدعوة إلى تنفيذ إضرابات اجتماعية واقتصادية، تتبق حبيسة العمل الفردي، ولا يمكن تصور قيام فرد بارتداء الزي العربي في الجامعة أو الإدارة كفيلا بانجرار كافة الأحوازيين، أو فئات كبيرة منها للعمل ذاته، ما يعني أن أيا من هذه الأعمال هي في حقيقتها فردية، وليست جماعية حتى يمكن إدراجها في مدرج العمل الجماهيري. ثم يبق السؤال قائما على حاله لكل فرد يخاطر بماله أو وظيفته أو دراسته: من الذي سيضمن لي اتباع الآخرين من الخطوة ذاتها، من الخطوات الثورية المشار إليها، التي سأقوم بها أنا. وهذا هو تعارض الفردي والجماعي الذي طالما أرق علماء السياسة قديما وحديثا.
- ثم إن هذه الثورة الجماهيرية يبدو أنها مخصصة لما قبل التحرير، ولا تمتلك فكرة لما بعده: فإذا حصل التحرير وأنتج فراغا تغيبت فيه السلطة فكيف يمكن إذن ضبط هذه الجماهير التي اعتادت العصيان وباتت ترفض كل سلطة عليا؟ ثم ما هي مالآت البنى القديمة في المجتمع الأحوازي حال تغيب القوة الفائقة، خاصة البنية القبلية التي تعارض جميع الكيانات والبنى الحديثة؟
في معنى الكتلة التاريخية الثورية
لا بد في البداية من الإشارة إلى أن مفهوم الكتلة التاريخية هو من وضع المفكر الكبير أنتونيو غرامشي، وقد لاقى في الوسط الثقافي العربي رواجا كبيرا، خاصة بعد ما استخدمه محمد عابد الجابري ووظفه في إنتاجاته الفكرية، حتى بات بعده حديث الجميع من الكتاب يعيدون الدعوة إلى ما دعى إليه الجابري من ضرورة تكوين كتلة تاريخية في الوطن العربي تأخذ على عاتقها بناء مجتمع عربي جديد من صفاته راهنيته، أو يرفضون العملية الابتسارية التي أجرها الجابري عند توظيفه المفهوم هذا. ومهما يكن من ذلك فإن هذا الاستخدام الكبير للمفهوم قد أفرغه من محتواه وجعل انتسابه إلى غرامشي، خاصة عند النظر إليه من زاوية عربية، يزيده غموضا أكثر من استيعابه[6]. ومن أجل هذا بالتحديد فإن ما نشرحه هنا هو مفهوم الكتلة التاريخية وفق تصور دعاة تحرير الأحواز له.
إن الكتلة التاريخية، في السياق الأحوازي، تعني أول ما تعنيه، بناء على تصريحات دعاتها والكتابات القليلة عنها، هي دلالتها على هرمية مجتمعية تدل على نظرة نخبوية: فهنا تعني الكتلة التاريخية تكوُّن فئات من المثقفين متوحدة على هدف واحد، يسمح بتوحدها في مجموعة متسقة واحدة، منظمة أو حركة، تأخذ على عاتقها قيادة المجتمع برمته من جهة، ومواجهة النظام الإيراني المحتل من جهة أخرى. فهذه الحركة الشاملة، لا بد لها أن تتجسد على شكل هيكل تنظيمي تراتبي واضح التسلسل، يتكون من أعضاء تبتدئ رتبهم من عليا إلى دنيا، بينهم تواصل بيروغراطي، ودستور مؤسس يشرح معتقدات المجموعة، شرحه الوضع الراهن، يشتمل على طريق مستقبلي يحدد خطوات التحرير.
ومن هذه النقطة بالتحديد تتميز الكتلة التاريخية هذه بعرضها الأفكار التي قلنا عنها معتقدات تشرح الماضي والحاضر بغية تغيير المستقبل: إنها بكلام واحد الإيديولوجيا. وبالإيديولوجيا بالتحديد تتميز الكتلة التاريخية هذه عن نظيراتها من المنظمات والحركات التحررية، لأن الإيديولوجيا هذه تعمل كجامعة شاملة تتوحد فيها مختلف الفئات والمعتقدات والبنى القديمة والحديثة في سبيل نيل الغاية. وبالإيديولوجيا بالتحديد ينفصل مفهوم الكتلة التاريخية عن سياقه الذي وضعه فيه غرامشي، فإذا كان الرجل يريد تكوين كتلة تاريخية للمضي في تهديم الهيمنة الجارية في المجتمع المدني[7]، فإن الكتلة التاريخية هنا، في الأحواز، لا تنطلق من المنطلق المجتمعي بل إنها تنطلق من منطلقات قيمية تحررية، وسياسية موضوعية، عززها الواقع المعبأ بالهيمنة والظلم، من أجل إزاحة دولة وبناء أخرى على أنقاضها.
على أن علاقة الكتلة التاريخية بالإيديولوجيا هي علاقة جدلية، فمن جهة الإيديولوجيا هي التي تساعد في نهوض الكتلة التاريخية ونشؤها، ومن جهة أخرى هي التي تنشيء هذه الإيديولوجيا وتحافظ عليها وتكون الممثل الأوحد لها ومرجع تأويلها. إن هذا التعاطي الجدلي بين الفكر والعمل فهو من سماة دعاة الكتلة التاريخية والداعمين لجعلها السبيل إلى التحرير. وبناء على ذلك تبتدئ عملية التحرير لدى أصحاب الكتلة التاريخية وفق الصياغة التالية.
- أسريا: لا يمكن التعويل كثيرا على جميع الأسر الأحوازية في الوضع الراهن، وانتظارها بلوغ الوعي القومي الذي يمنحها استيقاظا بسوء حالها مما يجرها إلى النضال ضد الاحتلال. بل إن هذه الاحتمالية تكاد تكون منعدمة في الوضع الأحوازي الراهن، خاصة في ظل تعالي الأصوات التي تحذر من استحالة الكثير من الأسر في التفريس، وتعمدها استخدام الفارسية في البيوت، بمبررات عديدة خافتة، ونبذ العربية والاستحياء من استخدامها. وبينما الكثير من الأسر وقعت في بوتقة التفريس فانصهرت به، فإن الأمل إنما ينعقد في تلك الأسر المفعمة بتاريخ نضالي كبير، وهي التي قدمت أبناءها في سبيل النضال، ومنها يجب انتقاء العناصر القيادية ونخب اللحظة الثورية. إن هذا الانتظار لتكوين أسر كثيرة تمنح العدد لخوض الثورة يبتعد كثيرا عن الواقعية، ويفقتد المبررات الداعمة.
- علميا: وهذه النخب الثورية هي التي تميزت، بتأثير من تركتها الأسرية والتاريخية، بنتاجها العلمي: فبينما يتمتع الشعب الأحوازي، خاصة في العقود الأخيرة، بوفرة كُتّاب على درجة عالية، فإنه لا يمكن عد أيا منهم كاتبا عربيا، بله كاتبا منضالا، لأن الكثير منهم لا يكتب إلا بالفارسية بالتزامن مع جهله العربية، بينما تبنى البعض منهم قضايا فارسية تناصر الفرس ضدا على العرب، وهؤلاء هم أشد وطأة على الشعب الأحوازي. ومن أجل هذه الحقيقة التي يسالم عليها جميع الشعب الأحوازي لا يمكن الاعتداد إلا بالكتاب الذين جعلوا العربية لغة لهم، كتابة ونطقا، ثم تبنوا القضايا العربية وعلى رأسها تحرير الوطن المغتصب[8].
- ثقافيا: إنه على الرغم من باقي أبعاد الثقافة من ملبوس ومنحوتات وفن ورسم، بيد أن العروبة والعربية تحتل في البعد الثقافي النضالي محل القلب (ومن هنا يقترب دعاة التحرير بتكوين الكتلة التاريخية إلى الحركات القومية أكثر) وعلى أساس العربية يجب أن يدور العمل الثقافي في الداخل الأحوازي وخارجه، ثم بعد تركيز الحراك الثقافي على هذا الأساس، يمكن أن تتفرع العناية بباقي الجوانب الثقافية، والحراك الثقافي الذي يجري في الأحواز. على أن الملاحظ في هذه الدعوات هو التحذير الصارم من التمادي في الحراك الثقافي، وترك الجانب النضالي المحتدم مع الاحتلال بدعوى عدم حلول الوقت المناسب؛ إن العمل الثقافي، وجميع الأعمال النضالية الأخرى، بعيون هذا التصور لها مبررها، بيد أنها إذا أخرت اللحظة الثورية فإنها تتحول إلى الخذلان وتجري في سياق الاحتلال من تخدير الشعب عن القيام بالثورة، من حيث تدري أو لا تدري.
- اجتماعيا: إن أول اعتراف لا بد أن يتم في الحالة الأحوازية، هو تكوين المجتمع الأحوازي من قبايل ودين، ولذلك فبدل تضييع الوقت على الدعوات المختلفة: التي تدعو تارة لتبني القبيلة ونبذ القبلية، أو تحث تارة أخرى على الإصرار على التشيع أو على التسنن، يجب التعامل، بدل كل تلك الدعوات، مع جميع الحقايق بمنطق مصلحي براغماتي يصب لصالح تفجير الثورة، ثم بعد نصرها تتم معالجة مختلف القضايا. ومن هنا جاء التبني لعملية تسنن الشعب الأحوازي لأنه، في رأي النخب هذه، يصب في صالح القضية الأحوازية عبر جهيتن رئيستين: إحداث تشقق ديني كبير بين الفرس والأحوازيين، تشقق يشحذ حدة التنافر بين المحتل والمحتل؛ ويجلب من جهة أخرى الدعم الخليجي وتعزيز التشابه الأحوازي الخليجي والقضاء على التخوف الاستراتيجي لهم من قيام دولة شيعية أحوازية لا يكون نظام حكمها وراثي تقليدي.
- سياسيا: ولعل أكبر الاختلاف بين الجبهتين يبرز في هذه النقطة، فبينما السلمية هي السبيل الأمثل للأولى، فإن الثانية تدعو بما لا لبس فيه إلى خوض الحراك العسكري، مصرحة بقناعتها التامة بأن النضال لا يبدأ إلا بعد إطلاق أول رصاصة في صدور الاحتلال وكامل وجود. وسبيل الكفاح في الجانب السياسي المباشر يجب أن يتم البحث عن حلول لمواجهة أبرز القيادات النظامية، من جنرالات، ثم القيادات القضائية من قضاة ومحامين، ثم الأدنى فالأدنى من جهاز شرطة وعملاء ومستوطنين تجار منفذين لمشاريع استيطانية أو مديرين شركات كبيرة يجلبوا المستوطنين عبر منح مختلف المحفزات. ومهما يكن من طرق تنفيذ فإن لا سبيل للتحرير إلا بخوض هذا العمل المباشر إلى أبعد حدوده وأوسع نطاقة. ثم إن هذا العمل المباشر لا يعني أبدا نزوعا هستيريا نحو العنف، بل له موضوعية جد كبيرة: فهو أولا يقتصر الوقت ويضع حد للمعاناة، ثم ثانيا يمنح وعيا قوميا شاملا سرعان ما يتوطد في النفوس خاصة الأجيال الشابة، وثالثا هو الوحيد الذي يفرض على الوضع الدولي التداول والسعي في إيجاد حلول له، كما أنه رابعا حقا مكفولا لشعب يحتله شعب آخر[9]. ثم إلى جانب كل ذلك فإن النقطة الجوهرية في العمل السياسي هو إدارته من قبل نخب فكرية وسياسية، لأن التاريخ هو صنيعة العمل النخبوي، ولم يسطر التاريخ على يد شعب بكليته إلا إذا اصطف خلف قيادات تاريخية هي التي تقوده إلى بر الأمان وتنال به الغايات العامة المرجوة. وصحيح أن مكانة الشعب هي الفيصل في التاريخ، بيد أن الشعب هنا يتحول من قيادة الوضع إلى سند لمن يقودون الوضع الراهن والمستقبلي.
- اقتصاديا: لا يعير هذا التوجه إلى الاقتصاد شأنا كبيرا، بل تقتصر نظرته على توفير الدعم اللازم للمضي بالسياسات العامة، من جهة، والإضرار بمكامن القوة الاقتصادية للنظام الإيراني، وعلى رأسه إرباك عمليات التنقيب عن النفط، وتصديره، من جهة أخرى. ومن أجل هذا الاهمال للجانب الاقتصادي عادة ما تعاني الحركات المتبنية لهذا التصور من الجانب المالي، ومن ثم ارتباك العمل التنظيمي بكليته.
- تشريعيا: تؤكد الجبهة هذه على وجوب تمخض المطالبات الخاصة بالتحرير من موقف القوة حيث يضطر الجانب العربي، والنظام الدولي، على التعامل التشريعي مع القضية الأحوازية، ويمنح لها حيزا تفسر به الحالة مع النظام الإيراني، ويمنح لها مساحة تروي عبرها التاريخ من منظورها، التاريخ الفاصل بين الشعب الأحوازي والشعب الفارسي ودولته.
هل توجد كتلة تاريخية في الأحواز حقا فيها نخب مسؤلة تقود اللحظة الثورية؟ فإذا كانت هذه النخب موجودة فلماذا لم يفلح الأحواز بخوض حركة ثورية شاملة واحدة رغم تاريخ طويل من الاحتلال؟
ومما لا شك فيه أن كل هذه الأطروحات التي تعرضها جبهة الكتلة التاريخية النخبوية تبدو أقرب للموضوعية التاريخية لأنها قائمة على أساس جماعات قليلة العدد يمكن أن تجمعها الظروف في أية لحظة من التحولات التاريخية، خاصة أن الغاية بينهم جميعهم موحدة، والمطلب متضح. ومهما يكن من أمر فهناك ملاحظات نقدية يمكن تسجيلها وفق الآتي:
- إن هذا التفكير القائم على أساس قيادة نخبة للأكثرية ينافي الروح الديمقراطية التي تقر بكون الشعب هو مصدر السلطات وله الكلمة العليا والقول الفصل.
- ثم إن الدعوة هذه إلى جانب نفيها مبدأ الأكثرية والقول به، فإنها تفتح الأبواب مشرعة من أجل قيام نخبة متسلطة، طريقها إلى الاستبداد بالحكم طريقا معبدا، لأنها قد تظن بنفسها صاحبة الانجاز التاريخي الذي ارتقى بالقضية، أو نال التحرير لها، ما يعني أنها هي التي يجب أن تبقى أبدا في القيادة وعلى رأس الهرم السياسي والمجتمعي إلخ.
- وبما أن هذه النخب، هي نخب كان جامعهم الأول الوحدة في الهدف، فإن الاختلاف على الهدف، سواء عبر نيله أو تبدله، سيعني بث التفرقة فيما بينهم، ولأن أسباب الوحدة لم تأتي على حساب عملية طويلة الأمد من الاتفاقيات والسجالات الفكرية، بل الموحد هو الغاية في عداء الاحتلال، فإن ترخم هذا الأمر يعني ترخم الوحدة وتحول الاختلاف إلى سيد الموقف.
- ثم إن التاريخ العربي يثبت بما لا لبس فيه فشل جميع الحركات النخبوية التي قادت الثورات في يوم من الأيام في بلدانها، مما يجعل الدعوة إلى العمل النخبوي والكتلة التاريخية، بمفهومها الأحوازي، دعوة يتخلخلها الكثير من الشكوك والتوجس.
الاستنتاج
لقد بينا في هذه الدراسة الوجيزة أهم التصورات السائدة والرائجة بين أبناء الشعب الأحوازي ونخبه، حول كيفية التحرير، وخوض ثورة تحرير الأحواز المنشودة، وهي في الواقع تصورين: التصور الذي يقول بوجوب خوض الثورة الجماهيرية سبيلا لتحرير الأحواز، والتصور الذي يقول بالعمل النخبوي. وقد تبين أن كل من هذه التصورات يستجلب معه طرقا للعمل مختلفة، وأساليب متباينة عن بعضها، يكون اشتقاقها حصيلة القناعات الفكرية المتبناة. وعند التركيز الخاطف على هذين التصورين، وعرض تسلسل الأحداث وفق رؤيتهما، سجلنا أبرز النقاط النقدية التي يمكن تصريحها بخصوص هذه التصورات. وسبيلنا في كل ذلك هو الوقوف موقف الحياد تجاه التصورات هذه، ومساءلة المتبنين لها مساءلة موضوعية، في سبيل المساهمة المتواضعة، على قد دراسة وجيزة، في تحسين ظروف العمل النضالي.
أما السبل الأخرى التي يمكن عدها سبلا لنيل التحرير فهي التي لم نخصص القول فيها هنا، لأن الكلام لا يمكن أن يستوفي الجميع، فضلا عن أن تلك الدعوات والسبل ليست من اهتماماتنا ولا نرى موضوعية في أطروحاتها، كما يظهر عملها تغيبا عن الواقع، وتخلفا عن المسؤليات تجاه الشعب الأحوازي إلخ، ومن أجل ذلك جاء الكلام مختصرا على ما جاء عليه.
سالم جاسم
المصادر والهوامش
[1] . ويعني الإنسان عندهم هنا بالدرجة الأولى الإنسان السالب: أي الإنسان المتحرر من «القومية المفروضة» و«الدین المفروض» و«الانتماء الجبري» إلخ. إنها بتعبير مؤرخ الفلسفة الشهير آيزايا برلين الحرية السالبة أو السلبية التي لا يتم فيها فرض شيء على الإنسان والفرد ولا يكون هو إلا متحررا عن جميع القيود وأبيا عن قبول أي شيء. والحرية السلبية هي لا حرية كما هو مشهور. ووفق هذا الفهم يكون الفرد الأحوازي عند قدومه على الحرية الموجبة أو الإيجابية، أي الحرية التي يختار فيها ما يراه مناسبا له من منطلق عقله الفرد، يكون أمام خيارات تقتصر على المأكول الوفير وباقي الغرائز وعدم المساس بحرية الضمير وما في معنى ذلك، خلوا عن أي مسؤلية اجتماعية: على رأسها التحرير القومي، والعناية بوجود تاريخ طويل من التغلب وما لحقه من نهب وتدمير، ظهر في الحالة الإيرانية على شكل غلبة الأمة الفارسية للأمة العربية الأحوازية، وجعْلها تحيى حياة الذل والمهانة لعقود. هذه في عقلانيتهم شعارات متطرفة لا موضوعية لها ولا قيمة فيها. راجع في ذلك: آيزايا بيرلن، الحرية، ترجمة معين الإمام، مسقط2015.
[2] . معهد الحوار للأبحاث والدراسات، معوقات النشاط التنظيمي الأحوازي: الحركات والأحزاب الداخلية والخارجية، واشنطن2023.
[3]. Crane Brinton, the Anatomy of Revolution, Vintage Books, New York 1965.
[4] .حفناوي بعلي، الثورة الجزائرية في المسرح العربي المعاصر: دراسة نقدية تحليلية، دار الأيام للنشر والتوزيع 2020.
[5] . إريش فروم، عن العصيان ومقالات أخرى، ترجمة يوسف نبيل، روافد للنشر والتوزيع، القاهرة 2016، ص:9.
[6] . راجع في ذلك مثلا هذا المصدر الأكثر توفرا: عبدالله جناحي، الكتلة التاريخية: من غرامشي إلى الجابري وملائمتها للبحرين، دار الكنوز الأدبية، بيروت2004.
[7] . أنتونيو غرامشي، قضايا المادية التاريخية، ترجمة فواز طرابلسي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت1971.
[8] .سعيد إسماعيل،هل ما نكتبه بالفارسية يعد أدبا أحوازيا: قراءة نقدية في هوية الأدب المكتوب بالفارسية، مجلة النوابت العدد الرابع، الأحواز 2020.
[9] . ماركارت مك ميلان، جنك ها جكونه ما را تغيير مي دهند؟ ترجمه سودابه قيصري، نشر كتاب بارسه، تهران1402.
شکرا علی مقاله ارجو استمرار
احسنتم بارك الله
عشت وعاش قلمك الحر..بارك الله بجهودك
احسنت
دراسة كاملة و اسلوب واضح احسنتم
بارك الله فيك
🌹🌴🌹🌴
عاشت الايادي