لا يكون الحديث عن المستوى العمراني في الأحواز إلا حديث نقائض: فمن طرف تزخر المنطقة هذه بكل الثروات الطبيعية من نفط ووفرة مياه وأراض زراعية خصبة ومعادن ثمينة إلخ، ومن جهة أخرى تشتد على أهلها بالفقر والتهميش والتلوث إلخ. وقد اعتاد الشعب الأحوازي كل ذلك البؤس رغما عنه، حتى نزل به مصاب جديد، هذه المرة، استهدف الأطفال وبراءتهم، بحفر خاصة بالصرف الصحي تحولت إلى آبار موت يسقط فيها الأطفال بمجرد سهوهم عنها عند لعبهم ومرحهم.
كل شيء ابتدأ من الضواحي المهمشة الواقعة في قلب الأحواز، تلك الأحياء التي جعلت المدن الأحوازية الكبيرة، نظير الأحواز العاصمة وعبادان والخفاجية والسوس وعسلوية ، تشبه جزرا تطوقها المياه. فالجزر هنا هي الأحياء الخاصة بالمستوطنين، مستقلة تماما عن المياه التي تحوطها وهي الأحياء العربية. فهذه المستوطنات الفارهة تتمتع بكل شيء، بكل ما يلزم الحياة المدنية وأهاليها، على عكس تلك الأحياء والضواحي التي تأسست على أطرافها، فصارت تلقائية التأسيس ليس لأحد شأنا بها.
مجاري الموت”، هذا هو المسمى الحقيقى لمجاري الصرف الصحى التى تزهق أرواح الأبرباء بشكل مستمر بسبب إهمال المسئولين وتراخيهم عن أداء عملهم في حماية المواطنين، إلا أن هذه الكارثة ازدادت بشكل ملحوظ فى الفترة الأخيرة في الأحواز والمدن الأحوازية بشكل لا يمكن التغاضى عنه، وكانت آخر هذه الكوارث، غرق الطفل “علی جاسمی سرحانی” فى مجاري للصرف الصحى مفتوحة في الحي السرحانیه في مدینة المحمرة. وأعرب المواطنون عن استيائهم الشديد من الإهمال الذي يحدق بالمنطقة، وطالبوا القضاء بمحاسبة ومحاكمة وإقالة المسئولين المعنیین في هذا الشأن.
وقد تركت الحكومة الإيرانية، وبلديتها ومحافظيتها وجميع أذرعها التنفيذية، تركت هذه الأحياء لحالها تضبط شؤونها بنفسها؛ فأصبحت هكذا ضواحي عشوائية غير جميلة، تنعدم فيها أبسط مستلزمات الحياة البشرية، ناهيك عن الحياة الإنسانية الكريمة: فلا مياه صالحة فيها، ولا كهرباء مستمرة، ولا مدارس للتعليم، ولا مشافي للعلاج إلخ .
على أن الأمر لا ينحصر في هذا الحد المتدني من إمكانيات الحياة، بل تجاوز إلى مرحلة حزينة، لا يمكن تبريرها. مرحلة تحول فيها انعدام الإمكانيات المدنية الضرورية من انعدام يعكس الحرمان والبؤس، إلى انعدام يعني الموت والقتل. هذه هي المرحلة الراهنة التي تشهدها المدن الأحوازية عندما أخذ يشكل التدني العمراني خطرا على حياة الناس في الشوارع العامة، خاصة الفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة، والأطفال والعجزة. أمر بات يعبر عن رخص الحياة في الأحواز بعيون مسؤلي النظام الإيراني.
ولأن الأنظمة الشمولية تستهدف دوما الفئات الأكثر ضعفا، فإن المستهدف الأول كان في الحياة الأحوازية هم الأطفال الذين راحوا ضحايا استخفاف بالحياة البشرية، وفساد إداري ممأسس، وتعمد عنصري يفهم الحياة على أساس عرقي.
ولكن بعد تحول هذه الأحياء إلى بؤر الثورات والانتفاضات، عمد النظام إلى تدوين خطط عمرانية وتنفيذ برامج تنموية، سماها «تحديث الأحياء قليلة الإمكانات[1]» كان مصيرها كلها الفساد والفشل والتهرب من المسؤلية، ومزيد من الانعكاسات السلبية ليس على المستوى العمراني هذه المرة فحسب، بل انعكاسات أتت على حياة أهلها فسلبتها.
ومن أكبر هذه المشاريع كان تخطيط شبكة صرف صحي، عمد النظام إسناد مهمة القيام به لمقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري . فأقدمت هذه المؤسسة، بمساندة شركات تابعة ومتعاونة، بأمر الصرف الصحي، وأخذت تجري عمليات حفر واسعة في هذه الأحياء، بدعوة تخليص «المواطنين» من همِّ المياه الملوثة والمتكومة في الشوارع. بيد أن مصير هذه المشاريع كان كمصير باقي المشاريع تُركت على حالها، وتُرك الأهالي معها تعالج مشكلة الحُفَر والمياه الملوثة والنفايات السامة إلخ.
وحينها لم يكن أحد يعرف أن الحفر المتبقية من المشاريع هذه ستتحول يوما إلى شرك للأطفال تصطاد حياتهم. فهذا مسؤل رفيع في شركة المياه الأحوازية يتحدث عن وجود 73 نقطة خطيرة تضم حفر شبكة الصرف الصحي ، مؤكدا تولي إدارته شأنها، متجاهلا تماما ما يمكن أن تؤدي إليه من كوراث على حياة الأطفال والعجزة.
وما هي إلا أياما معدودات حتى لاحت أولى بوادر المصاب: أطفال صغار تتساقط في أعماق الحفر، في لحظة من اللعب والطيش الطفولي، في غفلة من عيون أهليهم، فيموتون غرقا فيها واختناقا وتكسرا وتأخير إسعاف إلخ. صورة كئيبة، من دون شك، تركت لأهلها صدمة كبيرة قالت إحدى التقارير عنها: إنها صدمة لا يمكن التعافي منها إلا بمرور عقود عليها ثلاث.
هذه رواية كل مصاب، على حدة، نقصُّها من الأقرب إلى الأبعد زمنيا.
- الطفل علي جاسمي سرحاني: خرج الطفل علي، البالغ من العمر 4 أعوام، في تاريخ 25 تموز يوليو(3 مرداد 1402) من بيته راكضا إلى الساحة العامة، في حيه حي السرحانية في المحمرة؛ وقد اعتاد أطفال الحي الركض حول نهر من مياه الصرف الصحي الواقع في قلب الساحة العامة هذه، يخالونه نهر كبير يطوفون عليه. وفي لحظة من الغفلة زلت قدم علي في تطوافه المعتاد فسقط داخل النهر هذا، حتى سحبته أيادي الموت في نهر مليء بالوحل والطين. ولما افتقد والدا علي ابنهما علِما من صريخ الأطفال بسقوطه، فهرعا إلى المطافي والشرطة والطوارئ ومإذنة المسجد إلخ يستنجدون بهم. ولكن أيا من الطوارئ والمطافي والشرطة لم يصل إلى مكان الحادث، ليتحقق بذلك التأخر الموت المحقق لعلي. وهكذا طويت صحيفة حياة لم تبدأ بعد. ولكن مع ذلك كله، ومع أن الموت بهذه الطريقة هو بحد ذاته مصاب كبير، بيد أنه لم يشفع لعلي للحصول على عناية بجثته، بعد رخص حياته من جانب النظام الإيراني، بل وصل هذا العبث بالحياة والممات، الممارس في مثل هذه الأنطمة، وصل إلى جثة علي الصغيرة. فبعد إيداع جثته في ثلاجات الموتى، تبين أنها خالية من التبريد، لتتفحم هكذا جثة علي فصارت داكنة منتفخة. أما ذووا علي فلم يجدوا ناصرا يعينهم على مصابهم المضاعف هذا، إلا نشر ما حدث للجثة وما تعرضت له لعدم الاحتفاظ بها صحيحا استعطافا للرأي العام ومطالبة مبطنة لكف سياسة قتل الأطفال والتنكيل بهم. ونتعذر عن إرفاق الفيديو الخاص بالجثة في هذا التقرير حفاظا على مشاعر القراء.
- جنان: ولعل غرابة حادث جنان هو غرابة تاريخ ميلادها ووفاتها. فتاريخ مولد جنان، وفق التاريخ الإيراني، هو التاسع من شهر تاسع لعام تسعة وتسعين، بعد ألف وثلاث مئة: 1399.9.9 ووفاتها فكان عند يوم 1402.2.2(22 نيسان إبريل 2023). ويزداد الأمر استغرابا بموتها عشية عيد الفطر في طريق عودتها من السوق لشراء ملابس العيد رفقة والديها. يقول الشاهد العيان: إن أبا جنان كان قد انتهى من التبضع رفقة زوجه وابنه وبنته في سوق كوت عبدالله، فركبوا كلهم سيارتهم، لكن الأب تفطن إلى نسيانه شيئا في محل من محلات السوق، فنزل مسرعا عن السيارة لجلب ما نسي. ولم يبتعد أمتارا من مركبته حتى سارعت جنان إلى فتح باب السيارة فترجلت فمشت خطوات ثم تغيبت. فقد كانت لجنان حفرة بالمرصاد، سقطت فيها إلى عمق أربع أمتار. والغريب هو أن هذه الحفرة كانت مغطاة كلها بحاجز اسمنتي، ليس فيه إلا ثغرة بحجم نصف متر، كأنها خصصت لطفل بعمرها. ولكن ضيق المكان الذي سقطت منه جنان داخل الحفرة والغطاء الإسمنتي، أكملا دورهما، فأخرا عملية الإنقاذ، ليستغرق الأمر أربع ساعات كوادر الإطفاء لإزالة الإسمنت، ما كان بعدها إلا أن أخرجوها جثة هامدة، وسط ذهول أمها التي عجزت عن الحركة والكلام ولا يُعلم حالها الآن في تعتيم إعلامي لا يروي سوى الحدث، ويترك تبعاته ومآلاته ومساءلة المسؤل عنه. وهذا أمر باتت مكررا مما يثير استفهامات كثيرة حول العمل الصحفي المهني في الداخل الإيراني. فهذه القضية هي ليست من القضايا التي يصنفها النظام الإيراني في تصنيف الأمن، مما يعني وجود حيزا لتعاطيها وتداولها، فما هو السر وراء ذلك التعتيم عليها وإهمالها، طلبا للحق ومسعى لتجنب تكرار مثل هذه الحوادث المؤلمة.
- حادثة حي العبارة: وبطلة القصة، بل ضحيتها، بنت أخرى، لا نعلم اسمها وقد تجنب الإعلام الإيراني الذي تناول الحدث تسجيل الاسم، ربما خشية من ذويها لتبعات التشهير الإعلامي عليهم أمنيا، وتجنبهم لذلك تسجيل اسم ابنتهم. حكاية هذا الطفل أيضا هي حكاية حزن آخر ومصيبة كان تفاديها ممكنا تماما لو عمل الجهاز البلدي في الأحواز بوظائفه والتزم بمسؤليته الأخلاقية الإنسانية. فهنا سقط طفل ليلا، عند 1402.2.1(21 نيسان إبريل 2023) داخل حفرة عمقها ست أمتار، وتارة أخرى لم تتمكن قوات المطافيء والطوارئ من تدارك الحالة إلا بعد مرور ساعتين، فلم تكن النتيجة بعد ساعتين إلا الخروج بجثة الطفل هامدة ميتة. ولعل في هذا الخبر الذي ننقله هنا إلى العربية عن لسان الصحف الإيرانية، ما يثير حفيظة كل فرد: فبدل تحمل المسؤلية من جانب جهاز الطوارئ والإطفاء راح مسؤل عملية الإنقاذ يلقي باللوم على الناس الذين تجمعوا حول مكان الحادثة، وأخذ يعلل تأخيرهم وسوء كفاءتهم بتعثرهم بجموع الناس الحاضرين. ثم أضاف المتحدث هذا بفخر أن جهازه استطاع إنقاذ شخص من الناس سقط أثناء عملية الإنقاذ داخل الحفرة ذاتها، حفرة الموت هذه التي ما إنْ يقترب منها أحد حتى اجتذبته داخلها لتروي ضمأها للقتل والموت.
- ميثم شاوردي: طفل بعمر 8 سنوات، لقى حتفه عند 1400.1.10 الموافق 30 آذار مارس2021 في حي خروسي، قبيل أيام من عيد الفطر أيضا، كما هو الشأن مع جنان. ولكن تفاصيل حكاية ميثم كما جاءت عن لسان أبية وعمه، وهما من أخرجاه من الحفرة، حكاية مؤلمة أكثر. فعند الثلاثة ظهرا لما شعرت أمه بغيابه، أخبرت والده، فراح هو يخبر بني عمه وقرابته، معلنين عن ضياع ميثم. وبمرور أية ساعة من غياب ميثم كان الأب يصاب بشلل والأم تقترب من الجنون. يقول عمه: ولأن أخي بات عاجزا عن الحركة، أخذت أنا بعد البعث في كل مكان ألقي بضوء جهاز الهاتف على مجاري الصرف الصحي حتى وصلت إلى الحفرة تلك، فلم أصدق رؤيتي حذاء ميثم الذي كنت أنا أهديته له. ولما صرخت من خشية أن يكون ميثم في الحفرة، هرع الأقرباء إلي وأولهم أخي. فأخذنا ندخل أيادينا داخل الحفرة وإذا بجسد ميثم عالقا في الوحل داخلها. سارعنا إلى الإسعاف والمطافي نجدة بهم، لكننا وجدنا كادر الإسعاف والمطافيء يخشون الدخول إلى الحفرة التي يبلغ عمقها 4 متر، وهذا ما جعلني وأخي نلقي بأنفسنا في مهواة الحفرة وأخرجنا ميثم من بين الوحل بعد أن علق كل منا لمرات كادت أن يؤدي بنا خنقا. ولعل الأمر في هذه الرواية هو ما قاله عم ميثم من أن الطبيب أخبرهم بعدم أمكان إنعاشه لأن ذلك سيؤدي إلى انفجار جسم ميثم المليء بالمياه والوحل. فقد أخرج أبو ميثم ابنه جثة هامدة متخشبة متعفنة من كثرة الوحل .
- فارس حيدري: فارس هذا لم يكن تجاوز عاما واحد بعد، ولم يكن أحكم المشي تماما بعد، بل كانت حركته تتوسط بين الحبو والمشي، بيد أن آلة القتل هذه لا تفرغ بين من يحبو للموت كفارس، ومن يذهب إليه مسارعا كجنان. وفي كتابة هذا التقرير كثيرا ما وجدنا، عند عملية التنقيح، كثيرا ما وجدنا عبارة «قصة هذا الطفل أمرّ» تتكرر في كل رواية. وهنا دعونا نكرر القول: إن قصة هذا الطفل أمر فعلا، ليس لحدث سنه البالغ عاما واحدا فقط، بل لأنه لم يسقط في حفرة عمقها أمتار، وإنما تهاوى فارس في مجاري الصرف الصحي التي لا تبلغ عمقا سوى نصف متر أو أقل من ذلك. فجثة فارس الصغيرة، وركاكته على الوقوف، جعلته في أول سقوطه في المجرى يحبو على أرجله ويديه، وأخذ الطفل البريء يحبو في الوحل ويزحف فيشرب من المياه الملوثة، حتى عميت عيناه، وصار منتفخا من كثرة ما شرب، حتى فارغ الحياة عميا وانتفاخا واختناقا. ولما هرعت الصحافة الإيرانية للقاء والدي فارس، كمادة إعلامية دسمة، وجدت الأب منهارا وقد تحصل على فيديوه يعود لكامرة مراقبة وثقت لحظات موت طفله، وهي رصدته قرابة ثلاثين دقيقة يصارع الموت حبوا وبراءة. تظهر هذه اللحظات الموثقة كيف يدنو فارس من باب بيت أهله، وهو يعلب بكل براءة، ثم تظهر كيف انزلقت يده اليمنى، حتى جعلته يقع في المجرى هذا، ثم الموت المعبأ في هذه الحفر.
- صديقة/ريتاج حيدري: ذات الربيع الواحد أيضا. أما حكايتها فحكاية بؤس وحرمان وتهميش: ساحتها حي صياحي، المحاذي للملاشية وحي الثورة. كان البدء مع أم ريتاج التي تركت بنتها تلهو في ساحة بيت صغير أجروه قبيل شهور، لتذهب سريعا لبيت الجار تستعير منهم دقيقا للعشاء، مودعة الطفل ريتاج عند أخيها البالغ ثلاث عشر عاما. ولما غفل الأخ للحظة عن ريتاج، حتى هرع لأمه مسارعا يصرخ ويبكي ريتاج… ريتاج… فهرعت أمه معه وهي لا تدري إلى أين تسير بإبنها أو أبنها يسير بها، فوصلا إلى مجرى الصرف الصحي، الواقع أمام بيتهم وبيوت الحي كلها، عمقه 40 سنتي متر، وهي كافية لخطف أرواح ريتاج ونظارئها. ولكن العثور على ريتاج في ظلمات الحي هذه لم تكن بالعملية السهلة، لأن انعدام الإضاءة العامة فيها تجعل من لياليها دامسة، يضطر المرء استخدام مصباح متحرك للعثور على طريقة، أو الإضاءة بجهاز هاتفه؛ ولكن يد ريتاج البيضا الصغيرة هي التي سهلت المهمة، فكانت تلمع من دون جثتها التي كانت مغطاة بالوحل، يد تمتد كأنها كانت تستنجد من يسحبها من جوف مجرا وظيفته صناعة الموت. وهكذا في ليلة من الليالي المظلمة هذه راحت البنت الصغيرة على طول هذا المجرى، تاركة حزن كبيرا على قلب أبيها وأمها وقد كسرتهما الحياة من شدة المسغبة والفاقة، حتى بدى وجه الأب، الذي لم يبلغ الخمسين بعد كأنه شيخا هرما جاوز السبعين. أما أم ريتاج فلم يستطع أحد سماع صوتها وقد بح من كثرة الصراخ على بنتها، وهي تنعاه في التقارير بأسلوب النعي عند أمهاتنا وجداتنا في الأحواز، يرثين عزيرا باستحضار أبيات شعرية دارجة، يردننها بصوت شجي كله دموع وحزن لا يقوى أحوازي على سماعها إلا بكى وانتحب، واستذكر ما ألمّ به في حياة قوامه الجواع والموت والإذلال.
أسماء عدد من ضحايا حفر الصرف الصحي من الأطفال
وبعد هذه الحوادث المتكررة التي كان مسرحها الحياة وكان أبطالها الأطفال وموضوعها الموت، تسارع الإعلام الإيراني لتغطية مثل هذه الأخبار ضمن الأحداث اليومية، وسارع إلى توجيه أسئلة للمسؤلين في النظام الإيراني في الأحواز، تراوحت بين التنديد تارة، وبين محاولة التبرير أغلب الأحيان، وبين إبعاد الشبهة عن مسؤلية الدولة تارة أخرى. ففي قضية ميثم شاوردي تقاذف بالتهم كل من شركة المياه والكهرباء في الأحواز، وبلدية الأحواز، حتى استجلب الأمر تدخل المدعي العام الأحوازي فإصدار حكم بالقبض على مقاول في شركة المياه سرعان ما ألقي سراحه وتغيبت القضية عن التداول الإعلامي كليا.
وإذا كان هذا التبادل بالتهم يعكس العبث بحياة الأطفال، فإن من مسببات الحوادث المتكررة هذه هي التنفيذ المتباطئ لمثل هذه المشاريع. فجل المشاريع العمرانية المنفذة في الأحواز، لا ترى النور والإنجاز في الفترة المحددة لها فحسب، بل إنها تُترك نهائيا وتظل هكذا على أحوالها من دون تتبع ولا مساءلة؛ وهو أمر تكرر كثيرا في الحفر التي تركت من جانب الشركة المتكفلة بها فشكلت بؤر موت للأطفال. على أن المساءلة تصبح مستحيلة بخصوص هذه الشركات المقاولة إذا تعلق الأمر هذه المرة بالشركات المدعومة من الحرس نظير خاتم الأنبياء التي تتموضع فوق القانون.
وفي الختام لا يسعنا سوى مناشدة منظمة اليونيسف التابعة للأم المتحدة إلى التدخل السريع لإنقاذ حياة الأطفال في الأحواز، وإلى التعامل مع النظام الإيراني بوصفه دولة تنقض اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة: تنص المادة السادسة من هذه الاتفاقية على أن «لكل طفل الحق في الحياة. على الحكومات أن تتأكد من بقاء الطفل على قيد الحياة كي يكبر بأفضل طريقة.» كما تنقض الدولة الإيرانية هذه الاتفاقية بسياستها التمييزية الممنهجة: تقول المادة السابعة والعشرين «من حق الأطفال الحصول على الأكل والملابس ومكان آمن للعيش». وكل تلك الحقوق المسالم عليها عالميا، مفقودة في تلك الأحياء التي ذكرت أعلاه، وهي أحياء تزخر بالموت لأطفال الأحواز.
المصدر
[1] . نوسازي محله هاي كم برخوردار