المقدمة
تشهد الأحواز في جميع مناطقها تكرار ظاهرة خطيرة تتجلى في ارتفاع حوادث المرور على جميع الطرقات. ظاهرة تخطف أرواح المئات وتخلف جرحى وضحايا، من الأسر، ما لا يمكن عده واحصاؤه. وهنا في هذا التقرير ننوي القاء الضوء على هذه الظاهرة المتعددة الأوجه، بغية استجلاء بعض أعدادها المهولة من الضحايا من جهة، والإشارة إلى أبرز مسبباتها المباشرة من جهة أخرى.
وفي القسم الأول نحاول القاء الضوء بشكل توثيقي على أبرز حوادث السير وأكثرها حصدا للأرواح، خلال السنوات الأخيرة؛ لنلفت النظر، في القسم الثاني إلى أبرز أسباب هذه الحوادث المتكررة التي نصر على تسميتها ظاهرة القتل عبر حوادث السير في الأحواز. ظاهرة تعكس، مرة أخرى، السياسات الإيرانية التي لم تدع مجالا عاما للأحوازيين إلا طالته فعبثت به وحولته من حياة عامة إلى موت عام.
توثيق عدد القتلى والجرحى بحوادث السير
نحاول في هذه الفقرة الإشارة إلى أمثلة مختارة من حوادث السير المتكررة، لنثبت تكرار هذه الظاهرة، ونشير إلى ما يذهب فيها من عدد مخيف من القتلي والجرحى. إن هذه الفقرة اختارت بعض حالات مختصرة جدا للإشارة إلى موضوع ضحايا السير فقط، ليقترب القاريء عن طريق ذلك إلى صورة ما يجري في الأحواز.
- 13 جريحا و5 قتلى: صرح المتحدث باسم الطوارئ في صبيحة يوم بوقوع حوادث سير قال أن عدد ضحاياها بلغ 5 قتلى و13 جريحا. وكان أول هذه الحوادث قد وقع في الطريق الواصل مدينة عبدالخان بمدينة الأحواز العاصمة، عند ما اصطدمت مركبة بحافلة نقل مسافرين، إثر تجنب المركبة من عثرة في وسط الطريق السريع، أدى إلى فقدان السائق سيطرته عليها ومن ثم اصطدامه المحتوم بالحافلة. وتفيد معلومات هذا الحادث بأن 3 من القتلى هم من الرجال وإمرأتين، تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 35، حسب تصريحات المسؤلين.
إلى جانب ذلك أفاد المسؤل المذكور بحادث سير آخر، هذه المرة في الخفاجية في البردية بالتحديد، أدى إلى جرح ستة آخرين، منهم بنت صغيرة عمرها ثلاث سنوات.
أما الحادث الآخر، في اليوم ذاته، فقد حصل في طريق المحمرة إلى معشور، سجل من جهته، ثلاثة جرحى، أحدهم أصيب بشلل دائم.
ولعل السبب الرئيس في وقوع هذا العدد الكبير من الضحايا، بين قتيل وجريح، هو تباطئ الطورائ والإسعاف في الوصول إلى محل الحادث، خاصة أن الحادث قد وقع في منطقة تفتقد إلى مراكز طوارئ كافية، فضلا عن انعدام الكفاءة في الكادر الطبي العامل أصلا.
لابد من الذكر أن ذروة الحوادث عادة ما تكون في المناسبات التي تفرضها السلطات الإيرانية؛ مناسبات تخلف عددا هائلا من الضحايا. ففي هذه الأيام، مثلا، التي يمر فيها الأربعين الحسيني، كان نصيب الأحواز أيضا مضاعفا من القتلى. فبناء على الإحصائية التي كشف عنها المسؤل العمراني في شمال الأحواز (محافظة خوزستان) بلغ عدد الضحايا في هذه الطقوس، في العام المنصرم، 88 قتيلا أكثرهم من الأحواز، ما يعني أن هذا العام الذي لم تُنشر بعد إحصائيته قد يشهد عدد قتلى مماثل أو أكثر؛ على الرغم من أن كثرة التردد على الحدود الإيرانية العراقية لزيارة الأربعين يشهد مرور الفرس من باقي المحافظات الإيرانية للوصول إلى المعابر الحدودية بين الأحواز والعراق.
ومما يثبت تردي المرور هو ذلك التصريح الحديث الذي أفاد به رئيس المرور بزيادة حوادث السير بنسبة 12 بالمئة مقارنة بالعام الماضي؛ والغريب في تصريح هذا المسؤل الأمني هو تأييده لأن انعدام الكفاءة في إسعاف الجرحى وإهمال التعمير العمراني وتعبيد الطرق في المناطق العربية، هو من أبرز أسباب زيادة القتلى وارتفاع عدد الضحايا، حيث قال: إن أكبر المسببات في زيادة حوادث المرور هي عدم الإنتباه لإشارات المرور، ثم إهمال النقاط التي تشهد تكرار حوادث مماثلة. ولا تتوفر خوزستان (حسب وصفه) على طريق واحد سليم ولا تمتلك هذه المحافظة إلا 1 في المئة من الطرق المعيارية.
على أن الجدير بالذكر هو أن مسؤلا آخرا كان قد صرح بأن نسبة زيادة القتلى في حوادث السير في الأحواز بلغ 16 في المئة في العام المنصرم، مقارنة بالعام الذي قبله، ما يعني أن احصائيات النظام هذه تثبت، مرة أخرى، محاولاتهم تلك الرامية إلى خفض نسبة تردي الأوضاع العامة. وهذا الأمر، نعني به التضارب في الاحصائيات، هو ما اعتاده كل متتبع للشأن الأحوازي كلما أراد توثيق الحالات بناء على ما تتيحه الإحصائيات القليلة الخارجة من أجهزة النظام الإيراني.
- 27 قتيلا: ولعل ما يثير التساؤل حقا هو خبر حفلت به الصحف الإيرانية والمواقع الإخبارية، كشف عن حصيلة لقتلى حوادث السير حوالي ثلاثة أيام فقط، بلغ عددها 27. فهذه الحوادث أيضا وقعت بالأسباب المشابهة ذاتها، بين اصطدام بحواجز وضعتها شرطة المرور، وبين سقوط في جدول مياه لعدم وجود حفاظ حولها، وبين وقوع في حفرة كبيرة لم يصرح الإعلام سبب وجودها على مقربة من طرق عام يربط بين مدينتين في الأحواز. على أن المحصلة في كل ذلك هو عدد مهول من القتلى والجرحي، ما يزال الإعلام الإيراني يحتفظ بأسمائهم، والأسباب التي أدت إلى قتلهم، دون أي مساءلة لمسؤلين يحتلون مواقع عمرانية معنية، أو مساءلة الجهاز الشرطي المقصر في إرشاد الناس على الطرقات؛ إذ تكاد تخلو الطرقات العامة عن أية سيطرات شرطية، أو مواقع إرشادية عند المواقع الطارئة.
- 5 قتلى و6 جرحى: وفي سلسلة الحوادث هذه أفاد رئيس مركز الطوارئ في الأحواز، هذه المرة، بحادثين سير قتْلاهما 5 والجرحى 6. فقد كان هذا الحادث المروع وقع في مدينة السوس، وأدى إلى إصابة 5 نساء بجراح خطيرة، توفيت إحداهن متأثرة بشدة جراحها. وعلى مقربة من مدينة السوس كان قد حدث اصطداما آخرا حصد روح بنت عمرها عامين، إلى جانب ثلاث نساء في عمر 29 و39 و50 عاما. ثم يضيف المسؤل بأن يوما واحدا في الأحواز سجل حصيلة ضحايا حوادث السير بنسبة 61، معظمهم من الشباب والنساء، من طلاب وطالبات وعاملين في مراكز صناعية يضطرون السير يوميا من بيوتهم إلى أماكن عملهم الواقعة في المدن المجاورة.
- 3قتلى و7 جرحى: وفي مدينة السوس، مرة أخرى، وقعت حادثة مماثلة، مات سائقها على الفور بعد اصطدامه بحجر كبير ألقي على وسط الطريق أدى إلى إنقلاب سيارته فراح جثة هامدة بعد أن تحولت سيارته إلى كومة من حديد. وهنا لا بد من أن نذكر بالمستوى الصناعي الإيراني: فهذه المركبات التي ينتجها النظام الإيراني باتت محل سخرية العامة، في كل يوم، فهي أشبه ما تكون بتابوت للموت من أنها مركبة للركاب. وذلك أن تردي معايير الأمان فيها، ورداءة القطع المصنوعة منها، وهي صفائح معدنية مرنة، تتحول سريعا إلى أكبر مسببات هذه الحصيلة الكبيرة في كل حادث؛ ولعل ما يثبت ذلك هو أن الاصطدامات التي تقع للمركبات الأجنبية الصنع، ممن لا يمكن توفرها إلا للمستوطنين الفارهين، لا تترك الحصيلة من الجرحى والقتلى كما تتركها المركبات الإيرانية الصنع، بل يبقى سائقها وركابها على قيد الحياة لا تحدث لهم إلا جراحات يسيرة. هذا بينما أدنى حادث للمركبات الإيرانية التي يمتلكها جل الأحوازيين العرب من غير المستوطنين، تتحول إلى كومة حديد يرجع على صاحبه فيقطع أشلائه.
وفي اليوم ذاته وفي المدينة نفسها، وقع حادث آخر أدى إلى موت طفل، وجرح سبعة آخرين. ثم لحقه حادث آخر مات فيه سائق شاحنة. والغريب في هذا الأمر أن التقرير الذي تناول الخبر هذا حاول عزو أسباب الحادث إلى الركاب ذاتهم، عبر الإشارة إلى قصورهم في القيادة، بينما القصور في الإسعاف كان هو السبب في موت سائق الشاحنة المشار إليه. وهذا هو حال الكثير من المواقع الإخبارية التي جعلت التنصل عن نقد المسؤلين طريقة للوصول إلى مكاسب فردية.
- 5 قتلى و41 جريحا: ربما ينصطدم القارئ إذا لاحظ عنوان هذه الفقرة وعددها الكبير من الضحايا، حتى ليتصور كأنه في حرب تقع في منطقة الأحواز. وبالفعل تثير هذه الأرقام الصدمة وتبعث على التساؤل عن المسؤلية الإدارية والأمنية، وفوق هذا وذاك الأخلاقية، التي تسمح بتكرار مثل هذه الحوادث. إنها بالفعل أرواح رخيصة لا أهمية لها.
ففي هذا الحادث من السير الذي وقع في الطريق الواصلة بين مدينة رامز وباب هاني (بهبهان) اصطدم قطار من السيارات ببعض، وصار اللاحق منها يصطدم بالسابق، هكذا حتى وصل عددها إلى خمسين، احترقت ثلاث منها وتصاعد لهيب النيران فيها، ومات ركابها بين قتيل وجريح محترق بالنيران والوقود. وبعد الضجة الإعلامية التي أثارها الحادث هذا، خرج النظام بمسؤليه كدأبهم المتكرر حتى ألقوا التقصير على الطبيعة، وأن الضباب الشديد هو الذي حجب رؤية الركاب وجعلهم يصطدمون ببعض؛ في تجاهل تام لتغيب شرطة المرور وعدم علمها بهذا الأمر، ووصولهم للحادث بعد ساعتين منه، بشهادة الضحايا أنفسهم. أما الإسعاف فما كان له أن يسعف هذا العدد المهول من الجرحى، وقد قلنا عنه أنه متهالك منعدم الكفاءات والأجهزة.
يقول حامد كناني، صحفي و باحث أحوازي في لندن، في حديثه مع معهد الحوار للأبحاث والدراسات، “لقد تنوعت أسباب الوفيات في الأحواز، تارة بسبب الإصابات بأنواع الأمراض السرطانية نتيجة تلوث الهواء والمياه وردائة كيفية المواد الغذائية، وتارة أخرى بسبب الارتفاع الصادم في معدل الانتحار و الادمان علي انواع المخدرات بين الشباب جراء الفقر والضغوطات الاجتماعية والنفسية، وتزايد الحوادث المرورية التي تحصد أرواح الآلاف سنويا، ساحتها كافة الطرق في الأحواز، فضلا عن الإعاقات الجسدية التي تخلفها مثل هذه الحوادث. على أن جل الناجين من هذه الحوادث يبقون تحت تأثيرها يعيشون بإعاقات جسديه ترافقهم مدى الحياة، ناهيك عن التكاليف الطبية الباهظة ، في ظروف يتدهور فيها كثيرا القطاع الصحي، وتشهد فيها المراكز الصحية قلة الأطباء والاجهزة المتطورة ناهيك عن حرمان معظم المواطنين الأحوازيين من التامين الصحي.”
أبرز أسباب الحوادث المرورية
إننا إذا كنا تعمدنا في سرد أمثلة عن الأخبار التي تروي عدد القتلى، فإن ذلك كان يهدف إلى لفت الإنتباه فقط، وجعل الكلام في هذا التقرير ملموسا لدى القارئ، وكذلك جعله يستشعر بخطورة الحالة، واستمرارها يوميا. وبعد ذكرنا لهذه الأمثلة التي توخينا منها إثارة انتباه المتلقي لما يجري في الأحواز من موت على الطرقات، نتطرق فيما يلي إلى أبرز الأسباب التي جعلت حوادث السير تكون ظاهرة كبيرة من ظواهر المجتمع الأحوازي.
-
النقل الصناعي
لقد حول النظام الإيراني، كما هو معروف، الأحواز إلى منطقة صناعية تستخرج منها الثروات المعدنية والنفطية والبتروكيماوية والصلب إلخ. وهذا من دون شك يتطلب عملية نقل كثيفة ومستمرة. ولأن السكك الحديدية بطيئة بين الأحواز وباقي المناطق الإيرانية لا تتوفر على خزانات للنقل مثلا، ونظرا لتكلفة النقل الجوي وصعوبته، فإن الثقل الكبير في عملية النقل الصناعي والمعدني وقع على عاتق النقل البري، وهو أمر انعكس على كثافة المرور في طرقات الأحواز المختلفة، خاصة تلك المتصلة بالمناطق الإيرانية مباشرة.
وإذا عرفنا بأن ضعف البنى التحتية في الأحواز جعل من الطرق قليلة وضيقة، فإن طريق النقل الصناعي ذلك، بكل ما فيه من تردد يومي لشاحنات النقل وحمل البضائع والمنتوجات والمواد الخام إلخ، لا بد أن يمر عبر الطرقات العامة الخاصة بالمرور المدني، وهذا بالتحديد هو ما زاد خطورتها من جهة، وتسبب بزيادة الضحايا عند وقوع الحوادث من جهة أخرى.
-
عملية انتقال العمال
وإلى جانب كل ذلك فإن جلب العمال إلى المصانع الكبيرة هو الآخر خلق عملية مرور كثيفة يومية. فنظرا لإتيان العمال الناشطين في المصانع والمصافي والمعادن المختلفة الكثيرة، إتيانهم من مختلف المدن إلى المجمعات الصناعية التي تطوق المدن الكبيرة، نظير الأحواز العاصمة وعبادان ومعشور، باتت هذه الطرقات الصغيرة أصلا تشهد حدة في المرور وتكدسا يوميا.
-
الطرق الثنائية
وهذا التردد الكثيف لم يجد له حلا من قبل المستوطنين المسؤلين، بمستواهم المهني المتدني، إلا تحويل الطرقات ذات الاتجاه الواحد إلى طرقات ذات اتجاهين، مما انعكس على ضيقها، وزيادة خطورتها بشكل مخيف، حيث إن أي انحراف أو إهمال لثواني من قائد المركبة، كفيل بوقوع حادث اصطدام مميت يودي بحياة الركاب. والجدير بالذكر هو أن معظم الطرقات في الأحواز هي من هذا النوع الثنائي الاتجاه التي تمر السيارت من قرب بعضها على مسافة نصف متر أو متر بسرعة كبيرة.
وفي هذا الصدد يقول محسن التميمي، أحد المواطنين في مدينة معشور، في مقابلة له مع معهد الحوار للأبحاث والدراسات، “إن الطرق التي تصل المدن الأحوازية ببعض، ضيقة لا تخلو من مطبات وعثرات. وعادة ما تستخدم الشاحنات الكبيرة أيضا هذه الطرقات بكثافة، وتزيد من استهلاكها وخرابها. وتنشط هذه الشاحنات في نقل المواد البتروكيماوية الخطيرة من شركات البتروكيماويات في مصافي معشور وعبادان والعميدية.”
ويضيف الناشط المذكور بأن “هذه الشاحنات عادة ما تسير في الطرق الضيقة، وهي بذلك تزيد إحتمال الاصطدام مباشرة بالمركبات الصغيرة، خاصة عند ملتويات الطرق. ولا يوجد في هذه الطرق ممر جانبي آمن يعمل على تجنب الاصطدام المباشر، وهذا من شأنه أن يزيد من ضحايا الحوادث حتى الصغيرة منها. ولأن هذه الشاحنات المخصصة للنقل عادة ما تأتي من باقي المناطق الإيرانية، فإن جهلها بالطرقات وطبيعتها إلخ، يجعلها تزيد من عدد الحوادث المرورية، وهو ما انعكس على وقوع عشرات القتلى.”
“وعلى الرغم من انتفاع الحكومة الإيرانية بعملية النقل، وعلمها بحجم الدمار والقتل الذي تخلفه، لكنها لم تتخذ أية خطوات ملموسة من أجل التخفيف من وطأة هذه الخسائر بالأرواح والأبدان. فقد كانت أولى متطلبات الحد من الخسائر البشرية أن يقوم النظام الإيراني بتخصيص طرق منفصلة تتحرك الشاحنات الكبيرة عبرها، وتخصيص ميزانيات من محل المصادر النفطية والثروات الطبيعية لذلك الغرض، وتمهيد هذه الطرق التي تعد شريانا حيويا لضح ملايين الدولارات من النفط الأحوازي وصناعة البتروكيماويات العملاقة.”
-
عدم إضاءة الطرق
ثم فاقم الأوضاع سوء القصور في إضاءة الطرقات العامة بين المدن. وذلك أن هذه الطرقات الضيقة تتحول بالفعل إلى ممرات ضيقة مظلمة في كثير من مسافتها، تجعل السير فيها مخيفا، وحفيلا في كل لحظة بإمكان وقوع حادث، لأن مدى الرؤيا ينخفض بإستمرار، ولا يمكن لقائد المركبة أن يتحقق من المطبات التي تقع أمامه، أو من منعطف يحول طريقه، أو حيوان يمر من وسط الطريق، ونحو ذلك.
-
كثرة استخدام الدرجات النارية:
وهنا لا بد من ملاحظة ذلك الجانب المهم في المرور المتعلق بكثرة استخدام الدراجات النارية في الأحواز، حتى بات مشهد ركوب أسرة كاملة، بالأطفال والأولاد، على دراجة واحدة تجوب الطرقات مشهدا معتادا.
إن عملية تفقير الشعب الأحوازي تظهر بوضوح وبمختلف أبعاد الحياة في موضوعنا هنا، في جزئية اضطرار الشعب على استخدام الدرجات الأقل ثمنا مقارنة بالسيارات، حتى تحولت الدراجة إلى وسيط نقل للأسر. وغني عن القول أن أدنى وقوع في مطب الطرق الوعرة هذه، كفيل بالتسبب في جراح بالغة، وربما الموت بالنسبة للأطفال.
على أن ضحايا الدراجات من الفقراء سيكونون أمام خطورة كبيرة عندما يكون مسيرهم بين المدن القريبة، حين يسلكون طريقا تتردد فيها شاحنات، الشاحنات المحملة بالمنتوجات البتروكيماوية.
وتشير احصائيات النظام الإيراني إلى أن الشعب الأحوازي هو أكثر المناطق استخداما للدراجات النارية، حتى يمكن القول، بناء على الاحصاءات هذه، بأن معظم الأسر الأحوازية تعتبر وسيلة نقلها الأولى هي الدراجة النارية.
-
المهربون “الشوتي”
وبالإضافة إلى كل ذلك فهناك نحلة معيشية شاذة تساهم مساهمة كبرى في تحويل طرقات المرور إلى طرقات موت، هي ظاهرة تهريب البضائع الاستهلاكية اليسيرة، من قبل المشروبات الكحولية والملابس والأجهزة الكهربائية ونحو ذلك، على يد شباب من بلوش وأكراد، تبدأ مسيرتهم من ميناء عبادان والأحواز العاصمة متجهين إلى المناطق الكوردية والفارسية. والواقع هو إن المشكلة ليس بهؤلاء وبضائعهم المهربة، بل بطريقة التهريب بالذات. فإذا نظرنا إلى طريقة قيادتهم وجدناها تتميز باستخدام أقصى السرعة هربا من يد الشرطة. وعلى الرغم من خطورة هذه القيادة السريعة وما تشكله من ارتباك المرور، لكن الخطورة تكمن في مغامرة الشرطة الإيرانية في اللحاق بهم ومطاردتهم بأي ثمن، في حالة مطاردة تشبه أفلام سينمائية، يتلذذ فيها الشرطة، وربما هؤلاء المهربين ممن يسمى “شوتي”. وبين هذا وذاك تكون الأسرالأحوازية هي وحدها ضحية هذا السلوك من انحراف عن طريق، أو هروب من المهربين وقصوى سرعتهم، أو رصاص طائش من الشرطة تجاه سيارات شوتي. وابل رصاص لا يفرق بين طفل أو امرأة أو شيخ أو رجل.
وإذا كان بإمكاننا التماس أعذار لهؤلاء المهربين الفقراء الذين رمى بهم الفقر في أحضان مهنة التهريب المحفوفة بالمخاطر والموت، فإن سلوك الشرطة الظاهر في المطاردات وإطلاق الرصاص لا يمكن قط العثور له على عذر، سوى رخص الدماء الأحوازية على طول الطرقات. وما يؤكد ذلك هو أن وقوع عشرات الشهداء الأبرياء الذين أردتهم رصاصات الشرطة والأمن الإيراني لم يتسبب بفتح ملفات أمنية قانونية للعثور على الجناة، لغاية الان، أو لم يفضي إلى محاكمة شرطي أو عنصر أمن قتل طفلا أو إمراءة أو شابا. وهذه المعلومة، افلات الشرطة القاتلين من المحاكمة والعقاب، هي من الوثوق والانتشار ما يجعل التشكيك بها غير ممكن.
-
العبث بالبيئة
وفي ختام المسببات التي تكثر من حوادث المرور لا بد من التطرق لتلك الظاهرة الشاملة التي تخضع حياة الأحوازيين جميعا إلى تأثيراتها، وهي في صلب العوامل البشرية التي عبثت في الحياة العامة الطبيعية والمدنية معا: إنها ظاهرة العواصف الرملية. فمنذ العام 2002 وتجتاح مختلف المناطق الأحوازية ظاهرة العواصف الرملية، حيث تغطي هذه العواصف الترابية سماء مختلف المدن، وتحول لونها إلى اللون البني. وبسبب كثافة هذه الأتربة والكثبان ينخفض مدى رؤية السائق بشكل شبه كامل، مما يؤدي إلى حوادث مميتة.
المحصلة النهائية
لم نرد في هذا التقرير إحصاء جميع حوادث السير في الأحواز، لأنه أمر متعذر لا يمكن الخروج بمحصلة نهائية دقيقة منه، أولا لكثرته، وثانيا لأن الإحصائيات التي ينشرها النظام الإيراني غير موثوقة لا يمكن الاعتماد عليها. ولكن الهدف الأساس من هذا التقرير كان لفت الإنتباه إلى صورة أخرى من رخص الدماء الأحوازية، وخطورة الحياة في نظام يتنوع بالموت ويجيد توليد الخيارات التي تفضي بالقتل للمواطنين، إيما إجادة.
فبموجب تصريح شبه رسمي تداولته المواقع المعارضة، وبحسب أحد المسؤولين في الأحواز في حديثه مع معهد الحوار، لقي أكثر من 25 ألف شخص أحوازي حتفهم في حوادث مرورية، بالإضافة إلى عدد كبير من الجرحي منذ 2006 لغاية 2023.
أما بناء على آخر الإحصائيات التي كشفها مسؤل معني في الأحواز بشكل شبه رسمي، وهو المدير العام للطب العدلي في شمال الأحواز ( خوزستان)، فإن حصيلة الضحايا من حوادث السير للعام 2023، ، بلغ حجم 4 ألف و938 شخص، مسجلة نسبة زيادة عن العام الماضي تجاوزت 28 في المئة، حيث كان إجمالي الضحايا 3 ألف و877. وإذا استذكرنا الاحصائيات المقدمة سابقا في هذا التقرير عن لسان مسؤلين آخرين، تبين مستوى الموثوقية بهذه الأرقام المتضاربة، بين مقلل ومكثر. ويفيد المسؤل هذا بأن من بين هذا العدد من الضحايا، بلغ عدد الموتى نسبة 258، 217 من رجال و41 من النساء.
أما عدد الضحايا الخاص بالشهور الأولى من هذا العام، ففي حصيلة إجمالية صرح بها مسؤل كبير في النظام الإيراني بلغ الإجمالي فيها 510 قتيلا.
وفي محاولة منا لإنعكاس تهافت تصريحات المسؤلين وكذبهم بشأن الإحصائيات، نرفق إحصائية أخرى لعدد الضحايا من حوادث السير هنا، مرفوقة بمصدرها، لتتبين محاولات النظام المستهترة التي تحاول حجب الحقيقة عن عدد الضحايا. يفيد المدير العام للطب العدلي في الأحواز بأن حجم الضحايا في الشهور الثلاثة الأولى من العام الإيراني الراهن، 1402، بوقوع 5 ألف و394 جريح في حوادث السير، منهم 3ألف و999 رجلا، وألف و395 إمراة. وهو عدد، على حد وصفه، يشير إلى زيادة بنسبة 10 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي الذي سجل 4 ألف و938 جريح. وقد بلغ حجم القتلى 258، منهم 217 رجلا و41 إمراة .
ولإكمال الصورة لا بد في الختام من التذكير بأن حجم الطرقات في الأحواز والعمران الذي فيها، بات عاجزا عن استيعاب هذا المد السكاني الذي فيها، مد سكاني ليس نابعا عن التكاثر الطبيعي للأحواز، في شمالها، بل هو حصيلة التوافد الإستيطاني المهول الذي تعمل على تعاظمة الدولة الإيرانية تحت جميع الظروف. فالطرقات في الأحواز وتقارب المدن فيها، لا يسمح إلا باستعياب أهلها، بينما عمل تعاظم وجود المستوطنين على مثل هذه المشاكل في السير التي تودي بحياة الأحوازيين، مشاكل نتجت عن زيادة حجم السيارات وما يرافق ذلك من خلل في المرور.
احسنت بارك الله