الإثنين, نوفمبر 18, 2024
مقالاتظاهرة تراجع معدلات الولادة في الأحواز : التحديات والأسباب والتداعيات المحتملة

ظاهرة تراجع معدلات الولادة في الأحواز : التحديات والأسباب والتداعيات المحتملة

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

شهدت الأحواز في العقد الأخير، ولا سيما في السنوات الخمس الأخيرة، ظاهرة فريدة لم يسبق للشعب الأحوازي أن شهد مثلها، وتتعلق هذه الظاهرة بتراجع معدلات الولادة وانخفاض عدد الأطفال الذين يولدون للأزواج. وفقًا لآخر الإحصاءات التي نشرتها منظمة السجل المدني، فقد شهدت المنطقة الشمالية من الأحواز (خوزستان) تراجعًا واضحًا في معدلات الولادة، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح مقارنة بالفترتين الزمنيتين السابقتين من الثمانينيات والتسعينيات وحتى الألفية الجديدة. وهذه الظاهرة التي يمكن أن تكون لها العديد من الأسباب والتداعيات، سنحاول الإشارة إليها هنا.

 

نظرة عامة على المواليد

فيما يتعلق بالسجل المدني لشمال الأحواز (خوزستان)، فإن آخر الإحصائيات الصادرة عن هذه المنظمة تعود إلى تصريحات رئيسها قبل عامين، حيث تم توفير إحصائيات شاملة نسبياً للمواليد والوفيات، والتقلص في الحجم مقارنة بالسنوات السابقة. بعد دراسة عدد المواليد في العام الماضي والأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، يمكننا تقديم هذه الإحصائيات.

ذكر رئيس منظمة السجل المدني أن 19,819 فردا وُلدوا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي 2023 (1402 إيراني)، بينما بلغ عدد الوفيات 5,859 شخصًا. توزعت نسبة المواليد بنسبة 73% في المدن و27% في القرى، وبلغ عددهم في القرى 5,599. كما كشف المتحدث أن متوسط عمر الأمهات عند الولادة بلغ 25 عامًا، في حين بلغ عمر الآباء 28 عامًا. بينما بلغ عدد المواليد في العام 2022 (1401 إيراني) 80,945 شخصًا، منهم 59,327 من سكان المدن، و21,618 من سكان القرى.

في تصريحات سابقة قبل عامين، كشف رئيس السجل المدني عن أحدث إحصائيات المواليد في شمال الأحواز. وأفاد الإحصائيات الأخيرة للعام 2016 (1395 الإيراني) بأن عدد السكان في خوزستان شمال الأحواز بلغ 5 ملايين و97 ألف نسمة، حيث يسكن 3 ملايين و851 ألف و450 شخصًا في المدن ومليون و246 ألف شخصًا في القرى. كما بلغت نسبة النمو السكاني في هذه المنطقة من الأحواز 1.23 بالمئة في عام 2021 (1399 الإيراني)، ويشكل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا 25 بالمئة، بينما يتراوح 60 إلى 70 بالمئة من السكان بين 15 و65 عامًا.

أفاد المسؤول المذكور في فقرة هامة من تصريحاته، بأن معدل النمو السكاني انخفض بشكل مطرد طول السنوات الماضية، حيث بلغ في العام 1997 (1375 الإيراني) 5.8 بالمئة، وهبط إلى 3.7 بالمئة في العام 2017 (1395 الإيراني). بالنظر إلى حجم المواليد في منطقة الأحواز خلال الثلاثة عقود الماضية، فقد بلغ في العام 1987 (1365 الإيراني) 147 ألف و184 مواليد، ليشهد انخفاضًا مستمرًا وصل إلى 97 ألفًا و132 في العام 2020 (1397 الإيراني). كانت التوقعات تشير إلى زيادة عدد المواليد بعد بلوغ مواليد عام 1987 الثلاثين من العمر، ولكن الواقع أظهر العكس. وبلغ عدد المواليد في عام 2021 (1399 الإيراني) 89 ألفًا و386، وهو ما يشير إلى انخفاض نسبته 8.99 بالمئة مقارنة بالعام السابق. 

وفقًا للمتحدث، يتم ولادة أول مولود للأزواج بعد عامين من الزواج لدى 39 بالمئة منهم، في حين أن المولود الثاني يولد عادة بعد ثلاث سنوات من الزواج لدى 61 بالمئة من المتزوجين. ويقوم 81 بالمئة من المتزوجين بالاقتراب من الإنجاب بعد مرور خمس سنوات ليأتي المولود الرابع. كما يتراوح عمر الأمهات عند ولادة أول طفل بين 28 بالمئة من الحالات. وتتمتع منطقة كوت عبدالله بمعدل أعلى من الولادات بينما تعد منطقة الباوية أقل إنجابًا.

  

ماذا يعني هذا التقرير الإحصائي  

أولا: إن الإحصائيات الرسمية تُظهر انخفاض حجم الإنجاب في الأسر الأحوازية الشمالية بشكل ملحوظ، وهذا يتوافق مع بيانات السنوات السابقة المتاحة. كما يمكن تعميم هذه الحالة على محافظة إيلام، وذلك بسبب الاتصال الحثيث بين المناطق الأحوازية الشمالية، وهو ما يعني تقلص تكاثر السكان الأحوازيين بصورة لافتة، حيث يصل عددهم (حجم المواليد) إلى 60 ألف نسمة، وهذا اقل بكثير من المعدل العالمي المعروف للإنجاب.

ثانيا: تؤكد الإحصائيات على تقلص حجم المواليد في القرى مقارنة بالمدن، ويمكن لهذا الأمر أن يرتبط بالتفاوت الكبير في عدد السكان بين القرى والمدن، وليس بسبب الفروق العرقية، كما يتوفر في المدن خليط متنوع من المستوطنين الوافدين، و الأحوازيين، بينما يسود العرب بشكل مطلق في القرى المحيطة بالأحواز العاصمة.

ثالثا: يجب وضع الواقع الأحوازي في اتصاله بواقع النظام الإيراني لفهم الإحصائيات، حيث تتأثر الأحواز بالوضع السائد داخل إيران بشكل مباشر، سواء على المستوى الاقتصادي، أو الثقافي، أو السياسي، الخ. وقد أدى هذا الواقع لتقلص المواليد في جميع أنحاء إيران، وبالتالي، تصدر الأحواز للإنجاب يأتي في إطار تراجع المواليد العام في إيران، مما يعني تقلص المواليد في الأحواز شمالا.

رابعا: تشير الإحصائيات إلى تراجع حجم الزواج في الأحواز، وقد تسبب هذا التراجع في تقلص حجم المواليد بشكل عام. وتعد أسباب الزواج في الأحواز العربية معقدة ومتعددة. حيث تشير المعلومات الرسمية إلى امتناع الشباب عن لأسباب سنذكرها في يلي.

خامسا: من الضروري الاستناد إلى واقع الأحواز ضمن الإيران الفعلي لقراءة الإحصائيات بشكل سليم، حيث يصعب فهم الحالة الأحوازية منعزلًا عن الواقع العام في إيران. و يمكن القول أن تصدر الأحواز للإنجاب يلزمه اتصاله بالتراجع العام في عدد المواليد في إيران، والذي يشمل جميع المناطق الجغرافية. على الرغم من استمرار الأحواز في التصدر كمنطقة بأعلى معدلات الولادات بعد بلوشستان في إيران، إلا أن هذا الصدارة قد تفرعت من انخفاض عام في جميع المناطق. على سبيل المثال، عندما نقرأ في الصحف عن تربع “خوزستان” الشمالية على عرش الإنجاب، فإن ذلك يعني أن هذا التصدر لم يكن دائمًا كذلك، بل جاء بعد فترات من الانخفاض في المجمل، مما يتسبب في تراجع أعداد الولادات في الأحواز الشمالية على المدى الطويل.

 

لماذا تشهد شمال الأحواز، المنطقة العربية الممجدة لكثرة المواليد هذا التقلص؟ وتسجل خروجا عن الثقافة العربية التي تعد كثرة الأبناء، خاصة الأولاد، من علامات الرزق، ومهابة الرجل، وحفظ السلف على يد الخلف إلخ؟

إننا فيما يلي نسجل أبرز مسببات هذه الظاهرة الخطيرة وفق أهميتها.

 

الهجوم الثقافي على الأحوازيين

تدفقت القنوات التلفزيونية المحلية في الأحواز ببرامج دعائية تستهدف بشكل منهجي الحد من الإنجاب وتقليص نسبة المواليد بين العرب، وذلك منذ عام 2020. استضافت هذه البرامج خبراء ومستشارين في شؤون الأسرة تظاهريًا، إلا أن الهدف الحقيقي كان التركيز على أهمية إنجاب عدد أقل من الأطفال. وكان شعارهم المتداول بالفارسية “فرزند كمتر..زندگی بهتر”، والذي يعني “اطفال أقل..حياة أفضل”. وفي المقابل، كلما انخفض عدد أطفال الأسر الأحوازية، كان المستقبل لهم ولأطفالهم أفضل، ويتمتعون بأحوال اقتصادية وظروف معيشية أفضل.

تهدف البرامج التلفزيونية التي تستهدف المشاهدين الأحوازيين إلى إقناعهم بأهمية إنجاب عدد أقل من الأطفال. ولجعل هذه الرسالة أكثر قابلية للتفاعل، تتضمن هذه البرامج الدعوة إلى العائلات الفرس المستوطنة التي تحصل على دعم من الحكومة الإيرانية وتتمتع بوظائف أفضل وتسهيلات بنكية لشراء الشقق والمنازل. تدعم الأسر المستوطنة فكرة أن قلة الأطفال هي مفتاح السعادة والنجاح، والحصول على التعليم و المنزل الخاص ووظائف ممتازة، بالإضافة إلى إمكانية الترفيه والسفر. وبطريقة مثيرة للقلق، تستخدم هذه البرامج تصويراً سلبياً ومهيناً للأحوازيين، عبر إدخال الافتراض بأن عدد اطفالهم هو مؤشر على مدى تخلفهم وعدم تحضرهم. تأثر العديد من العائلات الأحوازية بتلك البرامج و قررت الامتثال لنداء الانخفاض في عدد الأطفال. ولكن هذا التأثير لم يتوقف عندما يختار الأسر تقديم اولوية للغة الفارسية على العربية او حتى طمس الهوية العربية وتغييرها للغة الفارسية، حتى لا يتعرضوا للعنصرية والإذلال الذي يرافقهم. لم تكن هذه الأخيرة تستهدف فقط القضاء على ولادة الأطفال في الأحواز، بل تهدف أيضًا إلى نشر الذل بين سكان الأحواز وإلقاء اللوم على ثقافتهم العربية، والمحافظة على صورة تعرضهم كأشخاص فقراء وعاجزين ومحرومين، وهذا جعل الكثيرين من سكان الأحواز غير مدركين للسياسات العنصرية الإيرانية الهادفة للصهر في الثقافة الفارسية واستبدال لغتهم العربية.

 

الأزمة الاقتصادية الخانقة

يُعدّ انخفاض الولادات في شمال الأحواز من الظواهر الهامة التي تتأثر مباشرة بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها إيران. فالأزمة هذه لم تؤثر على الشعب الأحوازي فحسب، بل طالت شعوب غير الفارسية التي تخضع للحكم الفارسي، بما فيها الفرس أنفسهم. ومع ذلك، فإن الأزمة تتركّز بشكل أكبر على الشعب الأحوازي بسبب عوامل كثيرة، أبرزها الفساد الذي ينخر النظام الإيراني، الذي أشبع قياداته بالثراء والنفوذ على حساب خيرات الأحواز وثرواتها النفطية. ولولا ثراء الأحواز، لما استطاعت الطبقة الحاكمة في إيران الاستمرار في النهب والتدبير الفاسد للموارد العربية.

ومن بين العوامل التي تؤثر سلباً على الشعب الأحوازي في هذه الأزمة، يأتي في المقدمة الفساد الذي طغى على نظام إيران، حتى أصبح النهب والسرقة لخيرات الأحواز وثروتها النفطية، ممارسة شائعة ومستمرة، حيث تجد قيادات النظام الإيراني ثغرات فيها للتخصيص الشخصي، بينما تساءل الأحوازيون عن مصير أموالهم المنهوبة التي تحوَّلت لتصب في جيوب طبقة الحكم، وتُودِع في حساباتهم البنكية بالخارج، ولولا ثروة الأحواز لم يسمح النظام الإيراني بتفسير البعض بالمال الخاص الذي يدخل لتدعيم حاكميته والحفاظ عليها، ولكن يتضح عكس ذلك إذا تعرض اقتصاده للعقوبات الدولية التي أصابته بتلفيات جسيمة، وأجبرته على اتخاذ سبل غير شرعية للتعامل، ليلتحق بها قطاع من الطبقة الحاكمة في محاولة للاستفادة وإغناء زخمها المالي. الاقتصاد الذي يستند على العقوبات هو نوعٌ مشوهٌ من الاقتصاد يضرب بسلبيته جميع شعوب البلدان المقيدة به، إلا أنه يحقق أرباحًا وفوائدًا للحرس الثوري الإيراني الذي يسيطر على الاقتصاد عبر استيراد البضائع بطريقة غير شرعية، وبعد مرورها عبر عدة وسطاء، أي “السماسرة” فيصل سعرها إلى إيران بأسعار مضاعفة. تعاني الشعوب في إيران من تدهور القدرة الشرائية مع وجود تضخم في الأسواق مع وفرة مختلف البضائع. إضافةً إلى الحقائق المعروفة لدى مستكشفي الاقتصاد الإيراني، فإن الحالة الاقتصادية في الأحواز مليئة بالخطورة، حيث تتجلى في سياسة التهميش الاقتصادي والنسيان الاجتماعي. يتم إحراج شعب الأحواز من قبل الجهاز الإيراني المصرفي المعاون للمستوطنين المحليين، الذين يحاولون تنفيذ هذه السياسة التي تهدف إلى إفقارهم.

يتضح بوضوح التمييز الاقتصادي ضد الأحوازيين في العديد من الجوانب، مثل: عدم تعيين الأحوازيين في الإدارة، مما يعرقل تحقيق دخل مستقر ويهدد الاستقرار الشخصي والإنجاب والرغبة فيه، وعدم إعطاء الأحوازيين الفرصة في الحصول على القروض المصرفية، وحرمانهم من شغل المناصب الإدارية الكبيرة التي تدير الشؤون العامة، وتقليل دخل الفرد للأحوازي لمنعهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية من الطعام والشراب، مما يؤثر على صحتهم وخصوبتهم. وتوجد أيضًا سياسات تخصيص المساكن للأحوازيين بالهامش وفي المناطق العشوائية، بينما تفتح المجال أمام تجار المخدرات وتعرض المواد الأفيونية والمخدرات بقوة في المناطق العربية، وتترك مجالًا الحرية لتجار المخدرات، وتأخذ الإيرادات منهم، بينما تحرم الأحوازيين من العمل والنجاح في تمويل حياتهم. ويمكن الحديث بشكل موسع عن التمييز الاقتصادي المتعدد الأوجه بشكل عام.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد صدرت عدة قوانين من قبل النظام الإيراني، تنص على أن الأسر التي تمتلك أربعة أطفال أو أكثر، لن تتمكن من الوصول إلى التأمين الطبي لاكثر من ثلاثة اطفال، وبالتالي ستتحمل تكاليف العلاج الطبي والاستشفاء ورعاية أطفالهم كاملًا. ومن هذا المنطلق، فإن هذه السياسة تضغط بصورة كبيرة على الأسر الأحوازية، التي تعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية شديدة وعجز عن العثور على فرص عمل، مما يجعلها تفكر أكثر من مرة قبل إنجاب ثلاثة أو أربعة أطفال.

 

انفخاض خصوبة الرجال والنساء جراء التلوث البيئي

على الرغم من أن قلة المواليد بين الأسر الأحوازية يرجع إلى العامل الاقتصادي، الذي يترك للأفراد بعض الاختيار، إلا أن التلوث البيئي سيحتل الصدارة في المستقبل ويقتل خصوبة الأفراد بشكل كامل، من دون إرادتهم. وقد أظهرت دراسات محلية لنشطاء أحوازيين، مثل الأطباء والمختصين، أن الأزواج الأحوازيين قد عانوا في السنوات الأخيرة من عجز أحد الزوجين عن الإنجاب وتوجهوا لطلب المساعدة من الأطباء الخبراء في هذا المجال. وتشير المشاهدات الميدانية إلى تردد كثير من الأخبار عن عجز الأزواج عن الإنجاب وتوجههم للعلاج في خارج الأحواز، ولكن بسبب الدخل المحدود للأحوازيين، فإنهم يتعذر عليهم تكاليف الإنجاب، مما يؤدي إلى الحرمان من الأبناء وزيادة نسبة الطلاق ومشاكل أسرية.

يُعزى التلوث البيئي في الأحواز إلى التدخُّل غير المسؤول في الطبيعة المحلية، فقد تمَّ منع تدفُّق المياه من المصادر إلى الأنهر الأحوازية، مثل نهر كارون والكرخة والجراحي، بالإضافة إلى جفاف أهوار الأحواز التي تُعدُّ رئة المنطقة، ولا سيما هور الحويزة وهور الفلاحية؛ ما أدَّى إلى ظهور الكثبان التي أحدثت أمراضًا سرطانية ورئوية، وتراجع الخصوبة لدى الرجال. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ تصرفات النقب عن النفط والتصنيع الإستعماري، وترك الكثير من المواد السامة النفطية يسيلون في مياه الأحواز، تسبَّبت في تلوُّث المياه. وعلى الرغم من أنَّ صناعة الصلب تحتاج إلى مياه تحلية، فإنَّ ترك الملوثات في مياه الأحواز تسبَّب في تلويثها كذلك. وقد انتقلت الملوثات من خلال الأسماك والطيور إلى جسد الإنسان، وبالتالي كوَّنت خطرًا صحيًا يهدِّد أرواح البشر.

 

عملية القيصرية

تشير الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية إلى أن 60 في المئة من النساء الألفية في الأحواز يفضلن الولادة القيصرية لأول طفل لهن. يرجع ذلك إلى رغبة بعضهن في تجنب آلام المخاض أو المضاعفات المحتملة لولادة طبيعية، أو للتخطيط لوقت الولادة. ومع ذلك، يحذر أطباء النساء والتوليد من أن الولادة القيصرية ليست دائمًا الخيار الأمثل للنساء اللواتي يرغبن في الإنجاب العديد من الأطفال، حيث يزداد خطر حدوث مضاعفات خطيرة في الحمل المستقبلي كلما كثر عدد الولادات القيصرية. يتم تشجيع النساء الأحوازيات المتزوجات على خضوعهن لهذه العملية الجراحية من قبل مراكز الرعاية الصحية، الأمر الذي يمنعهن من الإنجاب المزيد من الأطفال، حيث يمكن أن تجرى العملية القيصرية للمرأة لا يتجاوز عددها مرتين بالحالة الأفضل.

 

انعدام الأمل بالحياة

يتمحور هذا الموضوع العالمي حول تقييم جودة الحياة البشرية، وتأثره بالعوامل النفسية والسياسية والاقتصادية. ومن هذا المنظور، فمن الضروري السؤال عن الآفاق المستقبلية للفرد أحوازي الذي يعاني من الاحتلال، فقره، وعدم استغلاله لثرواته الطبيعية. هذا الفرد يصارع الحياة يوميًا، ويعاني من التمييز والتهميش بسبب قوميته،لغته، لونه، شكله ووجهه، وثقافته غير متاح له العمل رغم حصوله على شهادات عليا ولديه مهارات كبيرة. بيئته الطبيعية المحببة تتحول إلى بيئة ملوثة ومدمرة. يضطر إلى شرب مياه ملوثة، مما يعرضه للعديد من الأمراض والسرطانات. ما هي الآمال المستقبلية لهذا الفرد؟ ماذا سيورث لأبنائه من هذه المشاكل المستمرة؟

على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية تبين مدى وجود الأمل في حياة المواطن في الأحواز، إلا أن أول تجليات فقدان الأمل تتجلى في ارتفاع معدلات الإنجاب ورغبة العديد من الدارسين والمثقفين في الهجرة والفرار من الأحواز. هذا إلى جانب تراجع النشاط السياسي والثقافي في المجتمع، الذي كان يعتبر موجودًا في الماضي. ويجيب الكثيرون من المتتبعين المجتمعيين والسياسيين في الأحواز عما إذا كان هذا الهدوء والخمول المجتمعي هو نتيجة لفقدان الأمل في الحياة أم لسبب آخر. وربما ليس من الخطأ أن يكون هذا الخمول جزءًا من عدم الأمل في الحياة.

 

كثرة الاختلاط

وعن أسباب انخفاض معدل الإنجاب في الأحواز، يمكن الإشارة إلى أن العصر الحديث والحياة المدنية المعقدة تلعبان دورًا كبيرًا في هذا الأمر. يرتبط ذلك بإمكانية الاختلاط بين الجنسين، والذي يُعَدُّ أحد أهم النتائج له هو تأخر الزواج وعدم إقبال البعض عليه. ويرجع ذلك إلى أن الاختلاط يوفر للفرد الحاجة الجنسية والتبادل العاطفي والحياة الفردية الكاملة دون الحاجة للارتباط الزوجي الذي يتطلب التزامات كثيرة وكلفة اقتصادية واجتماعية عالية. ويفضل بعض الفرد الأحوازي هذا النوع من الاتصال البسيط والغير ملزم بالتزامات كثيرة.

 

تعاطي المخدرات

كما ذكرنا سابقاً، فإن سياسة الأمن الإيراني تشجع على تعاطي المخدرات في الأحواز، خاصة في مناطق الأحياء العربية، حيث يحظى تجار المخدرات بدعم الشرطة مقابل المال. وعلى الرغم من مخاطر تعاطي المخدرات، فإنه يؤثر أيضاً على الزواج والأسرة، حيث يتعذر على النساء الزواج من المدمنين ويلجأون إلى تجنب مثل هذه الزيجات، ويمكن أن يؤدي كشف إدمان الزوج بعد الزواج إلى تحديد إنجاب الزوجة نظراً لعدم قدرة الزوج على تأمين الحياة العائلية. هذا بالإضافة إلى أزمات الصحة التي يمكن أن يواجهها الأطفال الذين ينجبهم المدمنون.

يختتم هذا التقرير بتحذير من الظاهرة الخطيرة لانخفاض معدل الولادات التي تفضي إلى توقف الحياة، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا لشعب الأحواز ويزعزع استقراره ونموه؛ إذ إن تفاقم الأزمات المتعددة التي يشهدها الشعب الأحوازي يجعله يواجه تحديات جسيمة لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال الإدراك العلمي المتقدم لهذه الأزمات وتحليلها بدقة تسمح بالتعامل الفعال معها وتخفيف آثارها السلبية.

 

فريق الرصد

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!