الإثنين, نوفمبر 18, 2024
دراساتالاستقلال الأمني الإداري في الجهاز الحكومي في الأحواز

الاستقلال الأمني الإداري في الجهاز الحكومي في الأحواز

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المدخل

كثيرا ما شهد الفرد الأحوازي في حياته اليومية في نظام الاحتلال الإيراني، شهد ممارسات رسمية حكومية، أمنية وإدارية وعمرانية إلخ، تتميز باستقلال مرجع اتخاذ القرار بشكل مطلق، في قراراته التي يتخذها دونما التزام بنصوص قانونية أو مراسيم حكومية، عند تعامله مع الفرد الأحوازي والشعب الأحوازي، وكل ما يتعلق بهم من شؤون حياة عامة؛ وذلك على خلاف النظام الأمني البيروغراطي في باقي الأقاليم أو المحافظات الإدارية الإيرانية، التي تشهد البيروغراطية فيها مسحة من الالتزام بالقانون ومسؤولية الموظفين على المستوى الأمني والخدمي.

ويتجلى هذا الاستقلال الأمني الإداري في مظاهر انفلات عن القانون عديدة: سواء تعلق الأمر بالاعتقال على قيد التحقيق الذي يطال الأحوازيين فيبقيهم في التوقيف لفترات قد تطول سنوات دون أي مسوق قانوني ولا سند دستوري، بل على النقيض من الدستور والقانون؛ أو تعلق بالتوظيف  في الجهاز البيروغراطي الذي يحرص، كل الحرص، على إبعاد الأحوازيين من التوظيف واشغال المناصب العليا؛ أو من حيث العمراني ومنع الميزانيات المخصصة للبلدية من الصرف في الأحياء والمدن العربية، وتوجيهها إلى المستوطنات علانية دون أية خشية قانونية.

وتجاه كل ذلك يثار السؤال القائل: لماذا تشهد الأحواز ظواهر في تسيير شؤون الحياة العامة على يد الجهاز الحكومي، بمختلف أجهزته، طابعها المشهود الاستقلال عن القانون؟ وتحرك المحافظ أو مدير الأمن العام أو رئيس إدارة كبيرة إلخ، تحركهم كلهم في حرية تامة لا تخشى أية محاسبة قانونية، ناهيك عن الالتزام بالقانون أصلا.

وإجابتنا عن هذا السؤوال الذي نحاول في الفقرات التالية البرهنة عليه هو: إن النظام المركزي الإيراني في طهران أوكل مهمة إدارة شؤون الأحواز، في كافة الأصعدة، إلى المديرين المحليين، ومنحهم الاستقلال المطلق في التصرف واتخاذ القرارات. وذلك بمبرر أن هؤلاء المديرين المحليين هم أعرف من المركز بشؤون هذه المنطقة الحدودية الخطيرة، ولذلك أي تباطئ عبر انتظار المركز للبت بالأمر يفقد الجهاز المحلي قدرة التعامل مع الشؤون الطارئة، ويربك السيطرة على أوضاع الأحواز العامة وأمنها، ما من شأنه التسبب بأضرار خطيرة على النظام الإيراني برمته.

 

مفهوم الأمننة ومعناه في الحالة الأحوازية

وإذا ما أردنا اسناد البحث هنا، كعادة معظم الدراسات، بمرجعية فكرية، أمكننا حينها استدعاء مفهوم الأمننة وإظهار ما يجليه في الواقع الأحوازي عند تطبيقه عليه. ويعد هذا المفهوم من المفاهيم الرئيسة التي أتاحته مدرسة كوبنهاكون في العلاقات الدولية ونسبتها المجتمعية، وفق الصياغة التي أتى بها باري بوزان. حيث يشرح هذا الكاتب بأن الأمننة هي تعميم النظرة الأمنية على كافة الموضوعات المجتمعية والسياسية، وجعل النظرة الأمنية هي الزاوية التي من خلالها يُنظر لجميع القضايا. فهنا تحتم المقاربة هذه تحويل كافة القضايا إلى مشكلة أمنية، ويتم احتساب الأمن ذريعة ومبررا لجميع السياسات والخطوات التي تقوم بها السلطات، وقد تكون متضمنة فتكا أو تصديا عنيفا.

على أن هذا المفهوم لا يعني سريانه بين السلطات بهدف التنفيذ فحسب، بل هو يتعدى ذلك بكثير: فلكي تكون المقاربات الأمنية نافذة، يتم بثها بين الجماهير والفئات المجتمعية، حتى تقترب إلى نوع من المعايير المقبولة والواجبة، وتتحول إلى قيمة مجتمعية يجب التقيد بها سواء كان لذلك التقيد مبررا واقعيا أو موهوما. والواقع هو أن الأمننة ممارسة تحكمها القواعد، تلك القواعد التي يتم بثها بين الدوائر المجتمعية والحكومية، على حد سواء، ليتقولب الفاعل الفردي والجماعي بناء عليها. يقول بوزان إن الأمننة لا تعني مجرد تحركات أمنية، بل تصبح من خلالها القضايا مؤمننة عند ما يتقبلها الجمهور[1].

والواقع هو أن أمننة موضوع معين لا يعني بالضرورة أنه يهدد جوهر بقاء الدولة المعنية، وهي هنا الفارسية، بل يعني قبل ذلك أن فاعلا ما قد نجح في جعل موضوع ما مشكلة وجودية. وبنا على ذلك إذا ما أردنا النظر إلى هذا المفهوم في المجتمع الأحوازي في سياق علاقته بالنظام الإيراني، قلنا حينها أن عملية الأمننة التي نفذها نظام الاحتلال صنعت من العنصر العربي، والشعب الأحوازي عموما، صنعت منه مشكلة وجودية لبقاء الدولة الإيرانية، ثم على هذا الأساس بثت ثقافة بين المستوطنين وكافة الشعب الفارسي بأن أولى الواجبات للحفاظ على هذه الدولة، هو التصدي لهذا الشعب ومنعه من الإضرار بالدولة، قبل أن يتمكن من ذلك.

وإذا ما استذكرنا هنا ما يفيده بوزان بأن الأمننة تتجلى في مستويات خمس، سهل علينا عند ذكرنا العثور على مصاديق جلية لها لما يجري على الشعب الأحوازي.

ألف: الأمن العكسري: وهو حالة تنتج عن وضع تدابير وقائية تتضمن حالة من الأمان ضد تأثيرات عدائية استباقية أو واقعية.

 ب: الأمن السياسي: الذي يعني الحفاظ على الوحدة السياسية والهوية السياسية والقضاء على أية هوية سياسية مناقضة.

ج: الأمن الاقتصادي.

د: الأمن المجتمعي.

هـ: الأمن البيئي.

ومن هذه الزاوية نحاول أن نبين سريان هذا المفهوم في مختلف التصرفات الحكومية الإيرانية في المجتمع الأحوازي.

 

مظاهر الاستقلال الأمني الإداري

يعني الاستقلال المشار إليه في المدخل، بالإضافة إلى كل ذلك، استقلالا مزودجا؛ أي أنه استقلال وانفلات عن القانون مضاعف. وذلك لسببين أساسيين: أولا لأن تكوين النظام الإيراني تم من منطلقات فكرية عنصرية تقول بتفوق العنصر الآري الفارسي على العرب[2] شعب الأحواز، وقامت من هذا المنطلق بتفريس الشعب الأحوازي منذ ساعة احتلالهم للأحواز؛ مما أفضى إلى ممارسات أقلها هو التمييز الممنهج في الأجهزة الحكومية، والبطش الأمني عند أقل توجس من توجه عروبي في المنطقة هذه؛ وثانيا لأن النظام الأمني الإداري في الأحواز هو نظام تحت سيطرة وإدارة المستوطنين.

وفيما يخص المستوطنين فإن اختيار النظام لهم كان اختيارا ذكيا، حيث قام بجلب أكثر القوميات الإيرانية الفارسية بغضا للعرب وللأحواز وهم الـ«لر»، ومنحهم حصرا الشأن الأمني والإداري والاقتصادي والعمراني إلخ. ونظرا لحقد هؤلاء النفسي على العرب، فإن تصرفهم جاء خاضعا تماما لهذا البغض، ليس على المستوى الحكومي فحسب، بل على مستوى التعامل اليومي.

وبهذا المعنى جاء الاستقلال الأمني الإداري استقلالا مزدوجا ومضاعفا، لأن النظام من جهة يسمح بتهميش الأحوازيين وكبتهم، ومن جهة أخرى فإن الأخلاق والتربية الخاصة بالمستوطنين هي متقولبة على أساس العداء للعرب، ما يجعل البطش بهم عند التعامل الأمني، والتوظيف الإداري، والتفقير الاقتصادي إلخ، أمرا تلقائيا هو حصيلة تلك الأخلاق والنشأة.

ومن أبرز مظاهر هذا الاستقلال المنفلت عن أية قيود قانونية وأخلاقية هي الأمور التالية:

 

الاستقلال الأمني

إن الذي دعانا، في الدرجة الأولى، إلى كتابة هذه الدراسة هو تناول هذا الجانب الأمني من الاستقلال الأمني قبل كل شيء، لأنه جانب خطير جدا يتعلق بأرواح الأبرياء والمدنيين، وهو جانب يشهد أكثر مظاهر الاستقلال، والإنعتاق من القانون، والتصرف المستهتر بالأرواح والأبرياء وصحتهم وسلامتهم إلخ؛ مثلما سنرى.

وهذا الجانب له تمظهرات عديدة، نظرا لطابع النظام الإيراني الشمولي القائم على أساس تحكم النظرة الأمنية على كافة الساحات الاجتماعية والسياسية والثقافية إلخ. ومن أكبر تمظهراته هو الاعتقالات التعسفية، والتعذيب حتى الموت، وقتل المشتبه بهم في الطرقات، واستغلال تهم «الإنفصالية» ضد كل من يعد تهديدا من الموظفين أو النواب أو النشطاء السياسيين أو الطلاب والكتاب إلخ.

 

الاعتقالات التعسفية

ففي جانب الاعتقالات التعسفية يظهر تماما أن النظام الأمني، والاستخبارات الخاصة بالحرس الثوري، الذي إليه يعود ملف الأمن القومي في الأحواز، لا تتقيد بأية من المواد القانونية وقانون الجزاء ومبادئ الدستور الإيراني الراهن التي لا تمنع أية من هذه التصرفات التعسفية فحسب، بل تصرح بنص قانوني صريح على منع وتجريم القيام بها.

وبينما تشير المادة 239 من قانون الإجراءات الجنائية، في النظام الإيراني، إلى ضرورة تقيد الاعتقال على قيد التحقيق بشروط مستدلة صريحة تتكفل حق النقض وطلب إعادة الإستيناف، بيد أن كل بنود هذه المادة تُضرب جانبا على يد القوات الاستخبارية ومعتقلاتهم المجهولة العنوان. إلى جانب ذلك يصرح الدستور الإيراني علانية في الأصل أو المادة 32 إلى أن «لا يمكن أعتقال أي أحد إلا وفق حكم وطريقة يحددها القانون. وعند الاعتقال يجب مباشرة شرح التهم للمتهم بوضوح مع ذكر أسبابها، وتفهيمها له، بصورة مكتوبة، ثم إرسال الملف الأولي إلى الجهات القضائية الصالحة، تمهيدا لإقامة المحكمة، في أسرع وقت. إن أية جهة لا تلتزم بهذه المادة تستجوب العقاب القانوني». ويبدو أن قراءة هذه المادة على مواطن أحوازي عادي، ناهيك عن المعتقلين أو الأسرى أو الفارين من الاستخبارت إلخ، سيثير مباشرة سخريته وضحكه الممض، لبعد تصرفات القوات الأمنية والمحاكم الثورية عن الالتزام بهذه البنود القانونية قيد أنملة.

وصحيح أن قانون الإجراءات الجنائية يسمح بالإعتقال على ذمة التحقيق، بيد أن المادة 242 من هذا القانون تصرح بأن فترة هذا الاحتجاز لا يجوز أن تمتد لأطول من عامين، وحصرا لتلك التهم المتعلقة بسلب الأرواح: «إن فترة اعتقال المتهم لا يمكن أن تتجاوز الحد الأدنى من العقوبة الخاصة بالجرم [حال ثبوته] وعلى أية حال فبالنسبة للجرائم المستوجبة سلب الحياة لا يمكن أن تتجاوز فترة الاعتقال على ذمة التحقيق العامين، أما في باقي الجرائم فلا يمكن لها التجاوز عن عام».

وفيما يتعلق بـ«الجرائم السياسية» فإن هذا الالتزام بالمعاملة المنصوصة في القانون تتحول إلى فتك قاشم، على الرغم من مرسوم الجرائم السياسية الذي تبناه البرلمان الإيراني في تاريخ 20 من شهر أرديبهشت لعام 1395، الذي يذكر في المادة الرابعة تحت حرف ث وج وج [بالتلفط الفارسي القريب من حرف H الإنكليزي] حقوق المعتقل السياسي، فينص على حقه في منع الحبس الإنفرادي وحقه في مراسلة ذويه وحقه في الحصول على الكتب والصحف إلخ، فإن أيا من هذه الحقوق اليسيرة لا تطبق قط على المعتقل السياسي الأحوازي، على عكس المعتقل السياسي الفارسي.

وهنا حقيقة غريبة أخرى لا بد من الإشارة لها وهي أن المعتقل الأحوازي هو معتقل متهم بالإنفصالية، على خلاف المعتقل السياسي الفارسي الذي يطالب بمطالب تتعلق بالحريات السياسية في أحسن الظروف؛ ومن هذه النقطة تلك المفارقة الكبيرة الظاهرة في أن المعتقل السياسي الفارسي هذا ذاته، يتصدى للمعتقل الأحوازي الإنفصالي التحرري، وربما لو كان بدل النظام لفتك بالطريقة ذاتها به، أو هي أعنف. وذلك أن الإنفصالية هي تهمة مجتمعية أكثر منها تهمة سياسية بحتة، مجتمعية لأن المجتمع الإيراني قد تقولب هوويا على تقدم الوحدة الإيرانية، وإنْ على حساب الأرواح والفتك بالمطالبين بالتحرر والإنفصال من جميع القوميات، وفي مقدمتهم العرب[3].

وتتجلى صور الاستقلال وعدم المساءلة بخصوص الاعتقالات التعسفية هذه في قضية مكان الاعتقالات حيث يجهل جهلا باتا مكان إعتقال الأسير السياسي، الذي على قيد التحقيق، ولا تعطي السلطات الأمنية المعنية، سواء الشرطة أو «ستاد خبري» أو وزارة الاستخبارات أية معلومات عن مكان المعتقل. وهذا فضلا عن  كونه مخالفة صريحة للقانون، يخلف حربا نفسية كبيرة على ذويه، ويتيح للاستخبارات نقطة قوية عند الاستجواب تتمثل في الضغط على المعتقل بأهله وأسرته الذين يجهل هو بدوره أية معلومات عنهم. وعادة ما يقال له إن أسرته، هي الأخرى، أعتقلت إثره، وتعيش نفس الظروف التي يعيشه هو، وأن اعترافه سينقذهم.

وهذا الأمر ليس له مثيل في باقي الأقاليم أو المحافظات الإيرانية، خاصة في المحافظات الفارسية مثيل العاصمة طهران وأصفهان ومشهد وشيراز وكرمان إلخ. يصرح قانون الحدود الإسلامية الإيراني، في المادة 572 (قانون مجازات إسلامي) الفقرة ب بـ«يمنع الحفاظ على السجين دون وثيقة سجن صادرة عن الجهات القانونية المخولة» كما يمنع، بناء على الفقرة ج، «الاحتفاظ بالسجين والاجتناب عن تسليمه للجهات» القانونية المعروفة. كما يشير قانون الإجراءات المدنية، في المادة 514، إلى أنه «يُمنع الحفاظ على المحكومين والمتهمين في مكان ما» خارج الأماكن المعروفة، كالسجن ومراكز الشرطة، ومعتقلات المحاكم. كما «يلزم على رئیس السجن أن يعلن عن أي نقل للسجين إلى سجن آخر، أو نقله إلى جهات قضائية أخرى، كما يلزم عليه الإعلان عن عودته دون أي تعلل أو بطئ».

وربما ما له دلالة كبيرة في هذا السياق، سياق الحديث عن جهل ذوي المعتقل بمكان اعتقاله، هو أن معظم المعارضة الإيرانية، في الداخل والخارج، لم تولي اهتماما كبيرا بهذا الشأن، لا لشيء، فقط لأنه نادرا ما يحدث للمعارضين الفرس ومعتقليهم، على عكس سيطرته التامة في الأحواز وعند التعامل مع كافة المعتقلين.

 

الموت تحت التعذيب

ومن باقي مظاهر الاستقلال الأمني والإنفلات من المعاقبة والمساءلة، هو أمر خطير للغاية، يتعلق هذه المرة بطريقة التعامل مع المعتقلين. فإذا ما كان المعتقل مجهول المكان، لا يعلم ذويه عن مكان اعتقاله، ولم تصرح أو تعترف الجهات القانونية، قانونيا وموثوقا، بالجهة التي ألقت القبض عليه والمكان الذي يتواجد فيه، فإن الطريق من هنا إلى التعامل الفتاك مع السجين ممهدا ومتاحا، والفتك يصبح مضاعفا لأن مكان الفرد المعتقل، ومن ثم الجهة المعتقلة، مجهولين، وهذا يعني وفق عقلية العناصر الأمنية جواز التعامل المميت معه، ونزع الاعترفات منه، أكان أتي به فعلا أو لم يعمله، وإنْ على حساب القضاء على حياته.

يشير الدستور الإيراني الراهن، في المادة 38، إلى أن «يمنع أي نوع من التعذيب لنزع الاعتراف أو انتزاع معلومات. لا يجوز إجبار الفرد على شهادة، أو اعتراف، أو قسم. ولا قيمة ولا اعتبار لمثل هذه الشهادة أو الاعتراف أو القسم». وصحيح أن الدستور وقانون الاجراءات المدنية الإيرني لم يتم تحديد معنى التعذيب، بيد أن البرلمان الإيراني شرع مصاديق تعد من ضمن مفهوم التعذيب، هي أي نوع من التعذيب البدني لنزع الاعتراف؛ أو فرض السجن الانفرادي؛ أو تقيد عيون السجين؛ أو الاستجواب الليلي.

وغني عن القول أن جميع هذه الأعمال سائدة في جميع المعتقلات، ليس في الجانب الأحوازي فحسب، بل في جميع السجون الإيرانية. بيد أن الفرق بين الحالة الأحوازية والحالات الأخرى، هو أن هذه التصرفات هي السائدة في الأحواز، ودون ذلك، فهي حالات استثائنية. وبعبارة أخرى إنه إذا ما كانت كل هذه التصرفات لا تنفذ إلا على بعض المساجين في السجون الإيرانية، وهم المساجين المعادين للنظام، فإن هذه التصرفات في الأحواز تطال الجميع، نساء ورجالا، متهمين وبراء، المعتقلين السياسيين وأهل الجنح الصغير. وإن كان النصيب الأعظم مخصص للأسرى السياسيين قبل الجميع.

ولعل من أكبر الأمور التي لها دلالة في الحالة الأحوازية، هو أن بعض المعتقلين الناجين من الموت تحت التعذيب، إلى جانب أسرهم وأقربائهم، يعرفون الجهات التي قامت بهذه الأعمال معرفة تامة، بالإضافة إلى معرفتهم بالأشخاص بالاسم والمنصب الأمني، وفي حالات أخرى يعرفون أماكن خدمتهم من حيث الجهة الإدارية الأمنية؛ ورغم ذلك كله فإنهم لا يتمكنون من إقامة دعوى ضدهم، أو مطالباتهم بتعويضات معنوية أو مادية، وما إلى ذلك، وذلك لأن القيام بأي من هذه الأعمال، قد يعيد السجين المحرر إلى السجن، أو يتسبب بمشاكل أمنية أخرى.

ولتبيين هذه الجزئية لا بد من الشرح بأن المعتقل أو الأسير الذي تم إطلاق سراحه، بعد سنوات من الاحتفاظ به على قيد التحقيق، أو إدانته بجرائم لم يكن له علما به، ناهيك عن القيام بها، ذلك المتهم إن تم إطلاق سراحه، وأراد أن يستعيد مرافعته، أو أراد التظلم، فإنه سرعان ما يهدد من قبل الجهات الأمنية، والمحاكم بالدرجة الأولى بإعادته إلى السجن وتوجيه تهم جديدة ضده، إذا ما أراد القيام بأية من هذه الأعمال. ولعل الكلمة الفارسية المعروفة في هذا السياق له دلالة صريحة لدى الأحوازيين، ولها دلالة مؤكدة لثبيت الفرضية هنا التي تقول بالاستقلال الأمني عند النظام الإداري الأمني الأحوازي: الجملة تقول«أحمد ربك لأننا أطلقنا سراحك».

 

القتل على الطرقات

ولعل من المظاهر الكبرى التي تشكل ذروة الإنفلات القانوني والاستقلال الأمني والإداري، هو هذه الظاهرة الغريبة التي لا يمكن العثور لها على مثيل، وهي إطلاق نار الجهات الأمنية والعناصر الشرطية والاستخبارية على كل شاب أو سيارة أو متهم أو مظنون إلخ بمجرد عدم امتثاله لأوامر يسيرة من عنصر الأمن، نظير الامتناع عن أيقاف السيارة أو الدراجة، أو الامتناع عن فتح باب البيت عن التفتيش، أو مجرد الصراخ بوجه العنصر الأمني ونحو ذلك.

فهنا عادة ما يقوم عنصر الأمن مباشرة بسل السلاح والقيام بإطلاق النار مباشرة على الأماكن العليا من الجسد، أو على أية منطقة من المركبات أو البيت. وعند ذلك لا يبالي هذا العنصر بما إذا كان المستهدف مدانا أو برئيا أو طفلة أو مسن.

ويكفي في إثبات قيام عناصر الأمن الفرس المستوطنين بذلك، دون عناصر الشرطة العرب، أن نشير إلى واقع مجتمعي يثبت الفرضية هنا بأفضل صورة: إن النظام القائم في جميع الأحواز، بخصوص المظالم والمخاصمات، هو النظام القبلي الذي يقضي بين الأحوازيين، ويفيد إلى أن أي عدوان يصدر من فرد ينتمي إلى قبيلة ما لا بد أن يصاحب بقيام القبيلة المتجاوز عليها بالرد مهما كان الثمن، ولا فرق بأن يكون المتجاوز العربي محافظا أو عنصر شرطة أو من عامة الناس. ولذلك يعرف العنصر الأمني العربي بأنه إنْ قام بإطلاق النار العشوائي وأدى إلى إصابة مجرم عربي آخر، ناهيك عن برئ أو طفل أو مسن، فإن ذلك سيجلب له ولقبيلته انتفاضة القبيلة المعتدي عليها، وذلك قد يعادل القصاص. وهذا هو أكبر وزاع ورادع أمام العربي المنتمي للأمن من الفتك أو ممارسة هذه التصرفات.

وفي ظل هذه الحقيقة المسالم عليها، يبق المستوطن وحده هو من لا يخشى مثل هذه الأعراف والتقاليد، والاحتمالات، لأن أية مطالبة له في مثل هذه الأحوال ستجعله يستقوي بالدولة، دولته الفارسية هو، لأن الدولة هذه تتعصب له كلها، وتصبح المعادلة كالتالي: الدولة بجيشها وجهازها الأمني والقضائي وثروتها، وقبيلة وحدها محدودة المصادر والعدد، سرعان ما تخضع لأمر الواقع ولا تتطالب بحقها، في طلب قصاص المقتول من أبنائها أو أي ضرر لحق بها من طيش المستوطن عنصر الأمن المتحرر من قيد القانون المتمع باستقلال التصرف بالعرب.

وإذا ما قرأنا قانون استخدام السلاح، بناء على منشور مركز دراسات البرلمان الإيراني[4]، تبيين حينها أن العناصر الأمنية، الاستخباراتية والشرطية على وجه الخصوص، لا تلتزم تقريبا بأية من بنود هذا القانون المنشور في صحف النظام الإيراني الرسمية. ولا نجد مبررا لذلك خيرا من مبرر هذا الجواز بالتصرف الفردي دون مراعاة القانون، المتاح لدى التعامل مع الحالات الطارئة في الأحواز، وبين الشعب الأحوازي.

فتشير التبصرة الثالثة من المادة العاشرة، إلى اتخاذ الخطوات التالية قبل التسديد نحو الأبدان، على رأسها إطلاق أعيرة في الهوى؛ الأمر الذي يكاد يكون مغيبا في الأحواز، لأن أولى الطلقات للتعامل مع «المتهم» عادة ما تكون هي الطلقات التي استقرت في جسمه، وأردته قتيلا أو جريحا.

وإذا ما أردنا بيان كيفية تنصل العنصر الأمني القاتل من العقاب، في حالات نادرة جدا يتابع ذوي المقتول قضيتهم قانونيا، عبر المراجعة إلى العاصمة ولدى مركز السلطة القضائية في طهران، فإن طلب الملف من جانب السلطات العليا في المركز يواجه بملف مرتب ومفبرك كليا، تجعل المشتكي هو صاحب الذنب. وذلك أن شأن الشرطة والتقارير الخاصة بشرح الحادث تتم بطريقة مزورة وتقلب الحقائق وترتيب الحوادث، بصورة تجعل العنصر الأمني بريئا، بل ومعرض للقتل أو التهديد المباشر، ما جعل تصرفه هذا يستحق التقدير بدلا عن العقاب.

فهنا عند ما يذهب أقارب المجني عليه إلى المرافعة قضائيا، سرعان ما يواجهون مستمسكات تدينهم، وتصنف ضحيتهم خارجا عن القانون. وفي الحالات التي لا يمكن مثل هذا التلاعب، فإن باب التنصل واسعا: ففي حالات القتل ووجود الرصاصة في جسم المقتول، تقوم العناصر الأمنية باستبدالا رقم السلاح الذي نُفذت به الجريمة، أو أنها تخرج تقرير بعدم إمكان تحديد السلاح وعشرات من الحيل التي تعرفها عناصر الأمن، كلها تصب في صالح الجريمة الممنهجة، التي تهدف إلى استمرار تنفيذ الجرائم، وضمان التنصل للنعاصر التي تقوم بها.

ويستمد هذا التواصل في الجريمة لسببين رئيسين: أولا إجرائي: يظهر من خلال ضمان التنصل دوما، كما قلنا، وذلك أن الكثير من الحالات[5]،  التي تم فيها القتل في الساحات العامة أو السجون، لم تشهد أية متابعة قضائية ولا مرافعة قانونية من جانب ذوي المقتول، لأسباب منها التسبب بتبعات كبيرة، أمنية ومعيشية إلخ، على الأقرباء من الأخوان والأخوات؛ وثانيا أخلاقي: يعود إلى قولبة الأخلاق الفارسية للمستوطنين حيث أن هذه القولبة، وإذا شئتم قلنا هذا التمفصل الأخلاقي الهووي، قد تم على أساس عد العرب بمنزلة إنسانية أسفل من الفرس، أو عدهم على أنهم أعداء للفرس وسبب تخلف الفرس وسبب جميع مصائبهم[6].

 

استغلال تهم الإنفصالية

ولا بد لهذا البطش المباشر أن يجد مسوقا أخلاقيا وفكريا، وتنفيذيا. فالمسوق الأخلاقي الفكري هو ما تطرقنا له سريعا، مراعاة لطريقة الكتابة في هذه الدراسة، وقلنا بأنه ينبع من المتفصل الهووي، والقولبة الأخلاقية للفرس المستوطنين في الأحواز، حيث يحتم عليهم ذلك الاستخفاف بالدم العربي، وعد العرب من  «أنصاف البشر» الذين يجب القضاء عليهم عند أدنى خطأ إلخ. أما الجانب التنفيذي فهو المتعلق بإمكانية التنصل، وهو ما أشرنا له، ويتعلق أيضا بأمر تنفيذي أكثر إجرائية، يأتي من تهمة معدة على الدوام هي تهمة الإنفصالية.

فبموحب هذه التهمة التي تمنح المسوق والإذن بالقتل والفتك والتمييز إلخ، والتبرير اللازم لذلك، يتم توجيه تهمة للفرد الأحوازي، أو لجماعة منه، أو لحزب، أو مكتبة تعرض الكتب، أو مؤسسة ثقافية، أو شركة تجارية، أو كل ما يظهر على الساحة المجتمعية من مظاهر، ليكون ذلك الاتهام تمهيدا لجواز التصرف الحر  في التصدى لها.

فتهمة الإنفصالية تعني نية كل تلك الجماعات العمل على تحرير الأحواز واقتطاع «خوزستان أو جنوب إيلام أو بوشهر أو هرمزكان» من الأراضي الإيرانية، ولا جريرة أكبر عند المجتمع الإيراني عموما، والمستوطنين خصوصا، أكبر من هذه. ولذلك يجب أن يكون الرد مناسبا لعظم هذه «الجريمة» وعادة ما يساوي القتل أو المؤبد أو الاقصاء الإداري والتفقير الشديد.

وإذا ما أردنا استبيان هذه التهمة في النظام الإداري الإيراني، واستغلالها في البيروغراطية الأحوازية الدائرة على يد المستوطنين، شرحنا سريانها من أدنى الأمور إلى أعلها: فإذا ما صادف المستوطن الفارسي معلما، مثلا، أو موظفا أو عاملا أو فراشا، في دائرته التي يعمل بها ينافسه أو لا يطيق معاشرته، راح مباشرة عند المسؤل الخاص بهذه الإدارة، وقال أن العربي ذاك لديه ميول إنفصالية«تجزيه طلب»، ثم أتى المستوطن بشاهد على ذلك، هي كوفية حمراء، أو الاستماع إلى فنان يعرف بنضاله، أو جريدة عربية إلخ أو أدنى من هذه الأمور، ليتم بعدها التعامل معه بهذا المنطق، وتوجيه تهم له على ذلك الأساس. وتصبح المعادلة بعدها بهذا الشكل: إما أن ترتضي بمكانتك الدنيا، ولا تطالب مزيد مكانة، أو تابعنا تهمة الإنفصالية ضدك، ليتم بعدها ليس إعفاءك من العمل، وإنما إيداعك السجن، وترك أهلك يبحثون عن مكان اعتقالك لسنوات، وصرف كل ما ادخرته من أموال رشاوى لعناصر الأمن تخفيفا من تعذيبك.

هذا على المستوى البيروغراطي الأسفل، لكننا نشاهد ذلك أيضا على مستوى أعلى الرتب في قيادة «المحافظات» الأحوازية، حيث يبق اتهام الإنفصالية سيفا مصلتا على جميع نواب البرلمان الأحوازيين الذين يظهر عليهم إرادة نصرة قضية عربية، أو المساعدة في الحراك الثقافي العربي، أو مخالفة لتدمير البيئية، أو من يعكس إعلاميا التهميش العمراني والإداري للأحوازيين، أو من يناصر تهميش أهل السنة في الشمال الأحوازي (وهم نواب، على كل حال، قليلون جدا).

فهنا يكون هذا الإتهام آتيا من نائب فارسي مستوطن، حيث هو من يسارع إلى اتهام زميلة، الذي يتبنى مسحة من القضايا العربية، بأنه يثير النعرات الإنفصالية، وأنه ذو توجه قومي عربي، ليكون مصير هذا النائب بعد ذلك التهميش والإبعاد عن الساحة السياسية، أو شراءه بالمال، وتحويله إلى ثري يتخلى عن القضايا العربية التي كان يتبناها لمال فُتن به، وسمعة راحة أدراج الرياح، كما حصل لنواب، لا نريد ذكر أسمائهم.

وأخطر وجوه هذا الإنفصال فهي تتمظهر في تنفيذ هذه الخطة، خطة التخويف بتهمة الإنفصالية، على الفئات المثقفة من معلمين وكتاب، ومن يجب أن يكون من صناع الفكر والوعي.

فما من معلم يقوم بجهود تهدف إلى تحسين المستوى الدراسي للطلاب الأحوازيين، عبر التدريس الخاص المجاني مثلا، والذهاب إلى المناطق المهمشة للتدريس إلخ، إلا وُجهت ضده من زملائه المستوطنين الفرس تهم الإنفصالية والتوجهات العروبية التي يسمونها «بان عرب»، لا لتمنعه من هذه النشاطات فحسب، بل لتضع عراقيل كبيرة وموجعة أمامه، تجعله عاجزا أمام تسيير الحياة اليومية، أمنيا واقتصاديا، فما بالك عن استمرار بمثل تلك النشاطات.

أما المؤسسات الثقافية فهي تصنف في الجهاز الأمني الإيراني بوكر الإنفصالية وهي صاحبة النصيب الأكبر والأعتى من بطش النظام الإيراني. فعدد المؤسسات الثقافية التي فتك بها النظام في الأحواز لا يعد ولا يحصى، ومصير النخب التي قادة هذه المؤسسات، النخب الفكرية والأخلاقية المخلصة، كان ما بين إعدام ومؤبد وسجن طويل والهجرة القسيرة والمنفى. ولعل الضربات التي سددها النظام الإيراني للشعب الأحوازي لا تكن صائبة بقدر إصابتها في استهداف النخب العاملة في هذا المجال. لا لأنها نخبا علمية متحصلة على مستويات كبيرة من العلم والمعرفة حسب، بل لأنها نخب أخلاقية بالدرجة الأولى، كان يعني بقاءها بين فئات المجتمع، واستمرار عملها، كان يعني ظهور فئة من المتعملين والمثقفين يبثون أخلاق الوطن، وأخلاق الالتزام بالمبادئ العليا والتوجس بقضايا الأمة العربية الأحوازية، وإظهار أمثلة من الشخصيات تصنع أمما وتاريخا ونضالا.

ثم إلى جانب ذلك كانت هذه التهمة أيضا هي المعوق الكبير والأوحد أمام المجلات العلمية والمواقع الثقافية التي ظهرت في العقدين الأخيرين، أو قبلهما، في الأحواز، إذ تعطل معظم نشاط هذه المجلات والمواقع لسبب يسيير ووحيد: الإنفصالية. وبينما كان الجهاز الأمني هو الذ يتصدى لهذه المجلات، ويجمع الموضوعات التي تتطرق لها، ظهرت في الآونة الأخيرة مؤسسات يديرها المستوطنين في الأحواز، هم من يقوم بمقرابة نشاط الكتاب الأحوازيين، ويقوم مباشرة بتكبير الموضوعات، والعمل على بثها على مقاس واسع، ليجر الأمن إلى تناولها، وهكذا يقع الكاتب في أيادي الأمن، بين اعتقال وتعذيب ومؤبد.

إن هذه الظاهرة الخطيرة، ظاهرة الرقابة التي يفرضها المستوطن على النشاط الثقافي الأحوازي، لا تشبه السجال الفكري السليم وصراع الأفكار، حتى ندعو إلى التعامل معها تعاملا كفريا، بل هي ظاهرة أمينة إرهابية، تهدف إلى عرقلة العقل الأحوازي، وجعله مقيدا يسير في نطاق خطوط حمراء تعسفية، لا معيار لها سواء أهواء المستوطنين، لأن الكاتب العربي هنا ما إنأتى باجتهاد فيما يكتبه لا يروق المستوطن الذي يتابع المنشورات العربية والفارسية (على وجه الخصوص  المكتوبة من قبل الشعب الأحوازي) حتى أخذ يشير لها في وسائل التواصل، ويعمل على بثها بتأويله هو، من زاوية موضع الكتاب من الإنفصالية، تمهيدا لوضع الكاتب لقمة سائغة في فك الأمن.

وعلى سبيل المثال لم يكن نشاط المثقف الأحوازي، كتابة ومجلات، محل رصد كبير من قبل الأمن، أولا لأن العناصر الأمنية المستوطنة في الأحواز، لم ترتقي إلى مستوى تفهم به مضمامين الكتاب الفكرية، وثانيا لأن جانبا من الكتابة كان يتم باللغة العربية. ولكن بعد ظهور ظاهرة المستوطنين الذين بلوروا دعوات عريضة بنفي عروبة الأحواز وتعلقها بإيران ونفيهم الاحتلال، من جهة، ومراقبتهم للكتاب الأحوازيين والنشاط الثقافي الأحوازي من جهة أخرى، بات هذا النشاط مهددا بالإنكفاء والسبات، وبات الكاتب الأحوازي أمام خطر محدق من القوات الأمنية التي أخذت تجعل كتابات المستوطنين، وتهمهم، ضد الكتاب العرب الإثبات الأوحد لألقاء القبض عليهم. وإذا ما استذكرنا حالة الكتاب الأحوازيين الضعيفة، اقتصاديا وعمرا (تبلغ أعمار الكتاب ما بين 30 إلى 45 ما يعني أن أي القاء قبض عليهم سيعني لهم مزيدا من خسارة الشباب وقتل إمكانية تحسين ظروف حياتهم عبر فرص التوظيف ما يعني الفقر والتهميش وانعدام إمكانية الزواج لكبر السن وباقي المظاهر التي تعكس الواقع المعيشي الأحوازي المزري المهمش والمفقر) واجتماعيا، فإن هذا الخوف المستشري من معادلة الكتابة الاعتقال، سيعني قتل الساحة الثقافية وإيقاف الانتاج الفكري الضروري للتقدم القومي الأحوازي.

ويكفي في تأييد هذه الخشية وهذا السيف المسلط من المستوطنين المسنودين بالأمن، أن نشير إلى أن أكثر الكتابات الأحوازية تداولا، ولا نريد ذكر أسمائها هنا، قد صدرت على يد كتاب كبار السن، تقاعدوا عن أعمالهم، ثم أقدموا بنشرها بعد ذلك[7]. لا لشيء سوى لأنهم أدركوا تماما بأن أي نوع من الكتابات سيعادل لهم الاعتقال أو الطرد من العمل، أو باقي الأمور الأخرى التي لا يمكنهم التنبؤ بها.

 

الاستنتاج

لقد حاولنا في هذه الدراسة التحليلية الصحفية، التي ابتعدنا فيها قليلا من التناول البحثي، حاولنا الإشارة إلى ظاهرة جد خطيرة، هي ظاهرة الاستقلال الأمني والإداري في النظام الحاكم على المناطق الأحوازية. ظاهرة قلنا عنها أن التعامل الأمني الأحوازي يشهد استقلال العنصر فيها، منفلتا عن القانون وعن الأخلاق معا. هو منقلت عن القانون لأن لا محاسبة لخروجه عنه، سواء كان ذلك الخروج يتمثل بقتل فرد أحوازي، أو قتل معتقل تحت التعذيب، أو القضاء على نشاط علمي بتهمة الإنفصالية.

وكنا نطمح من خلال هذه الدراسة أولا أن الوصف الدقيق، تقريبا لها المتاح ضمن دراسة بعدد كلمات محددة، ثم كنا نميل بالدرجة الأكبر إلى التحذير من هذه الظاهرة الهدامة، والإشارة إلى ضرورة التعامل معها، وواجب التصدي الأمثل لها يجميع السبل المتاحة.

وفي الأخير يبدو مناسبا في هذا المكان التطرق إلى حالة مجتعمية سائدة في الأحواز يمكن تسميتها الخوف الذاتي، النابع من داخل الفرد دون وجود مصداق خارجي واقعي له في أرض الواقع، وهو خوف الضحايا من متابعة الأمر قضائيا وقانونيا. وإذا كان ذلك الخوف مبررا لأن الفتك عند المراجعة سيصبح مضاعفا على الأسرة؛ بيد أن تكرار حالات المراجعة القانونية والقضائية من أجل الإبلاغ عن حالات مماثلة، ذكرناها أعلاه، سيجعل صانع القرار في المركز، وليس في المناطق الأحوازية التي لا يمكن رجاء تغيير منها بمثل هذه الأعمال، أجل إن كثرة المراجعات سيجعل المركز في العاصمة متوجسا تجاه هذه الأعمال اللاقانونية والتصرفات الهمجية، ما من شأنه التخفيف من وطأة هذا الاستقلال الهدام والفتاك الذي جعل الحياة الأحوازية، في مختلف تمظهراتها الأمنية والاقتصادية والبيرغراطية، والعلمية، وفوق هذا وذاك جعل الروح والنفس الأحوازية مهدورة مباحة، دون أدنى رقيب ولا وجود حسيب.

 

 

عدنان التميمي

 

المصادر  

[1] . باري بوزان وآخرين، جارجوبي تازه براي تحليل امنيت، ترجمه عليرضا طيب، بزوهشكده مطالعات راهبردي، تهران1395.

[2] . رضا ضيا ابراهيمي، بيدايش ناسيوناليسم ايراني: نزاد وسياست بي جاسازي، ترجمه حسن افشار، نشر مركز، تهران 1397.

[3] . كاميل احمدي، از مرز تا مرز: بزوهشي جامع در باب هويت وقوميت در ايران، كتاب إلكتروني.

[4] .www.https://rc.majlis.ir/fa/law/show/92500. قانون به كاركيري سلاح توسط مأمورين نيروهاي مسلح در موارد ضروري.

[5] . حالات القتل في الأماكن العامة والطرقات، على طول الأحواز، التي نوعد بتوثيقها على شكل كتيب سيصدر عن معهد الحوار في بضعة شهور مقبلة.

[6] . راجع في ذلك: مؤلفات ميرزا آقا خان كرماني، نظير تاريخ إيران باستان، و سه مكتوب، وراجع مؤلفات سيد جواد طباطبايي كأحدث المنظرين القوميين المتشددين الفرس.

[7] . أنظر كتاب الأستاذ عبدالرضا نواصري، وأيضا كتابات الأستاذ عبدالنبي قيم، وأيضا تأليفات

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!