الخميس, ديسمبر 19, 2024
مقالاتتدهور النظام التعليمي في الأحواز : تقييم للأوضاع وتحديات التحسين

تدهور النظام التعليمي في الأحواز : تقييم للأوضاع وتحديات التحسين

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

 

 

 لا شك أن صورة التدهور الحضاري التي منيت به الأحواز جراء الاحتلال الإيراني تتمظهر على كافة المستويات، سواء من حيث الدراسة والثقافة والعلم، أو من حيث الاقتصاد والبيئة والاجتماع إلخ، ولذلك سنحاول هنا اختيار النظام التعليمي لنبرز حجم التدهور والعبث الحاصل فيه من السياسات الإيرانية. وسنركز القول في هذا التقرير على النظام التعليمي في الأحواز.

صورة عامة عن النظام التعليمي في الأحواز

وفقًا للإحصاءات الرسمية في النظام الإيراني، تشير إلى تأخر شمال الأحواز في التعليم مقارنةً ببقية المحافظات الإيرانية، حيث احتلت المنطقة المرتبة الأخيرة، الـ31، في فئة التعليم والتطور الدراسي، وفقًا لتصريح نائب مدينة الأحواز العاصمة. وبينما تفيد البيانات الرسمية الإيرانية بأن نسبة التعليم في هذه المنطقة بلغت 94 بالمئة، وبذلك تحتل المرتبة 21 بين المحافظات الـ31 في ما يتعلق بعدم الأمية بين سكانها.

عند النظر إلى تقييم الأوضاع التعليمية في الأحواز، يمكن اعتبار أن نسبة الأمية هناك أعلى بشكل كبير من الإحصائيات الرسمية التي قدمتها السلطات الإيرانية، ويمكن أن تصل إلى أكثر من 20%، أي أكثر من 750,000 شخص غير متعلم من مجموع 6 ملايين شخص يعيشون في شمال الأحواز. الرئيس الحالي للنظام التعليمي في شمال الأحواز (خوزستان) أدلى ببيانات مضللة تفيد أن مستوى التعليم هناك يبلغ 4.9 في حين أن المعدل في إيران يفوق 5.2. ومع ذلك، تقول مصادر إن عدد طلاب المدارس في شمال الأحواز يبلغ ما يقرب من 1.1 مليون طالب، في حين يقدر عدد الكادر التعليمي والإداري بِحَوالي 67 ألف فرد، يتضمن المعلمين والبيروغراطيين، موزعين في كافة مدُن اقليم الأحواز.

على الرغم من محاولات السلطات الإيرانية إخفاء حجم الأمية في الأحواز، وتقديم تصوير مغلوط للأضرار التي لحقت بالنظام التعليمي، فإن المحافظ السابق عبدالحسن مقتدائي صرح بأن هناك 90 ألف طالب أحوازي متخلف عن الدراسة بمجرد سنة واحدة دراسية، أو حتى لم يدخلوا المدارس على الإطلاق. إذا استمر عدد المتخلفين عن الدراسة بنفس الوتيرة لبضع سنوات، فسيتعرضون للأمية بشكل خطير، وبنسبة قد تشمل نصف العدد السكاني للمواليد البالغين السن الدراسي. وهذا يعني تراجعًا حضاريًا وثقافيا مهم لأحوازيين. يشير هذا العدد إلى 9% من مجموع الطلاب في الأحواز، الذي يبلغ مليون طالب، وبالتالي إذا افترضنا أن هذا العدد يتضمن المستوطنين والعرب، فالنسبة الحقيقية لترك الدراسة بين الطلاب العرب في الأحواز يمكن أن تصل إلى 30-40% من مجموع الطلاب في الإقليم. هذا التقدير الأولي ينبئ بمدى الكارثة التعليمية في المنطقة.

بالإضافة إلى كل ذلك، يعاني نظام التعليم في الأحواز من طلب متزايد للهجرة بين الموظفين والمدرسين إلى مناطق أخرى في إيران نتيجة النقص الحاد في المحفزات المادية والمعنوية للكوادر التعليمية. وقد تسبب هذا الوضع في هجرة 3000 معلم سنوياً من الأحواز إلى مناطق أخرى، وليس هناك سوى 500 معلم ينضمون إلى السلك التعليمي سنوياً. ويعد فقدان المعلمين من أكبر الظواهر التي تؤثر على نظام التعليم في المدارس في الاقليم.

تزداد صورة النظام التعليمي السيئ في الأحواز سوءًا مع التفكك العمراني وتدهور البنية التحتية. فالعديد من المدارس في الأحواز لا تملك الصفوف الكافية للاستيعاب، وتعاني من نقص الخدمات والأجهزة اللازمة، مثل تكييف الهواء وورش التعليم. كما يفتقر بعض المناطق النائية إلى المدارس بشكل كامل. فيما يتعلق بوضع المدارس، ظهرت منطقة العنافجة مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي كنموذجٍ للوضع الكارثي، حيث يواجه طلابها صعوبة في الوصول إلى مدارسهم الواقعة على الضفة الأخرى من النهر، بسبب فقدان الجسر الذي يربطهم بها.

 

منطقة العنافجة: اختصار البؤس

قال أستاذ أحوازي في حوار مع “معهد الحوار للأبحاث والدراسات” إنّ الأطفال في الأحواز يواجهون صعوبة في الوصول إلى مدارسهم بسبب الظروف الصعبة التي يعيشونها. حيث يعانون من الفيضانات والعواصف الترابية و السير في مسافات طويلة و تحت أشعة الشمس الحارقة للوصول إلى مدارسهم. وأضاف الأستاذ الأحوازي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن “قضاء العنافجة” يعاني من حالة مأساوية بسبب إغلاق الجسر الرابط بين مدينة ملاثاني و 51 قرية أخرى في القضاء، بعد الفيضانات التي شهدتها المنطقة في عام 2019. ويشعر الأطفال في الأحواز بالقلق ليس فقط بسبب وسيلة الوصول إلى مدارسهم، بل أيضًا لتحقيق أحلامهم من خلال الحصول على التعليم الذي يطمحون إليه.

وأكد: “بينما ينشغل ملايين الطلاب والطالبات، حول العالم بالاستعداد للعودة إلى المدارس، مشغوفين بشراء الزي المدرسي والأدوات المكتبية، لا يكتنف أطفال الأحواز لبدأ العام الدارسي الجديد إلا قلق يتعلق بوسيلة وصولهم إلى مدارسهم، بعد فرض معاناة عليهم تبدأ من الظروف الطبيعية والمناخية التي أدى العبث بها إلى مصائب كبيرة، وتنتهي بفرض السير مسافات طويلة وسط مياه الأنهر، أو العواصف الترابیه الشديدة، أو تحت أشعة الشمس الحارقة. وذلك من أجل تحقيق أحلامهم اليسيرة بتغيير واقعهم البائس إلى آخر أفضل بعد حصولهم على تعليم يطمحون إليه». وأضاف إن ” قضاء “العنافجة هو أكبر المناطق اختصارا لهذا الواقع البائس، حيث يعيش أهالي هذا القضاء من توابع مدینة ملاثاني شمال مدينة الأحواز العاصمة، البالغ عددهم نحو سبعة عشر ألف نسمة، في حالة مأساویة بعد إنقطاع الجسر الوحید الرابط بین مدينة ملاثاني و 51 قریة أخرى، بعد الفيضانات المفتعلة من قبل النظام الحاكم في عام 2019”.

 

 

 

انعدمت قدرة الطلاب وأسرهم على الانتقال بين مركز القضاء ومدينة ملاثاني منذ عام 2019، وسط إهمال واضح من السلطات المسؤولة. يشكل هذا الأمر رحلة مفزعة لأولاد هذه القرى المدرسية، حيث تتربص بهم المخاطر من كل جانب، وقد ينتج عن أدنى خطأ وفاة أحدهم. يضطر الطلاب لإتقان فنون التوازن والمشي على حبال يشبها الحبل العالي في السيرك، حتى يستطيعوا الوصول إلى مدرستهم التي تقع على بعد 3 أميال عن قريتهم. يمر طريقهم عبر جسر متهالك يهدد بالانهيار بأي لحظة، وهو الوسيلة الوحيدة للوصول لمدرستهم، والذي لم يتحمل الأمطار الغزيرة والفيضانات الشديدة التي ضربت المنطقة عام 2019. يجبر هؤلاء الصغار على اجتياز هذا الجسر المتآكل مرتين يوميًا، يعلونه بأجسادهم النحيلة ومتشبثين بالحبال المتآكلة على الأطراف الخطرة، في محاولة للحفاظ على سلامتهم وتجاوز المخاطر التي تشكل تهديدًا لحياتهم.

رغم أن هناك محاولات من الأهالي مطالبين بالجيش الإيراني (لكون الجسر هو من أملاك الجيش الإيراني والذي تم نصبه لتردد اليات الجيش على طرفي نهر كارون) بإصلاح الجسر الا ان المطالب باءت بالفشل وبالتالي هذه المحاولة كانت ضمن سلسلة من المحاولات الفاشلة التي لم توفر حلولاً جذرية لمشكلة انقطاع الجسر المتكرر، وما يترتب عليها من سقوط الأطفال في النهر ووفاتهم. توثق مقاطع الفيديو والصور الشديدة الواقعية معاناة سكان المنطقة والخوف الواضح على وجوههم خاصة بالنسبة للأطفال. في هذه الأوضاع التي يغيب فيها الجهود الإدارية المسؤولة، يتحمل الأشخاص المعنيون المسؤولية الأخلاقية والإدارية القانونية لإنهاء هذه الأزمة المخيفة التي تتحول إلى شأن يومي للحياة ومصدر لأسفها.

 وفي نهاية المقابلة، تحدث المعلم معرباً عن ألمه العميق بسبب الوعود الكاذبة التي أطلقتها النظام الإيراني بشأن بناء جسر جديد أو ترميم الجسر القديم، وهي وعودٌ باءت بالفشل. وفي بداية العام الدراسي الجديد، اشتعلت المخاوف بين الأهالي على أطفالهم الذين يذهبون إلى المدرسة عندما يتصلح الجسر القديم ولا يعودون. قائلا “رغم التداول الواسع الذي حصدتها صور هؤلاء الصغار وتصدرها السوشال میدیا وهم يعبرون الجسر نحو المدارس في الضفة الأخرى من النهر، واحتفال صفحات مواقع التواصل بها، ظلت وعود  النظام الایرانی في بناء جسر جديد، أو اصلاح الجسر المتهالك هذا ، أمنية فحسب، وإنْ بدء العام الدراسي الجديد، وبدت معه مخاوف الأهالي على طفل قد يخرج للمدرسة فلن يعود”.

  

الأسباب التي جعلت النظام التعليمي في الأحواز متخلفا متهالكا

يعد هذا التقرير مرجعاً شاملاً يجيب عن السؤال بأربعة جوانب مختلفة، وهي الاقتصادية والعمرانية والثقافية والطبيعية. وصياغة الإجابات عن هذا السؤال تنم عن الكشف عن بعض تحديات النظام التعليمي في المنطقة، ويجمع التقرير بين التحليل والوثائقي لأهم المظاهر والأحداث التي تؤثر على العملية التعليمية في شمال الأحواز زالتي تعد الأهم سكانياً وتمتاز بالأهمية الكبيرة.

 

العوامل الاقتصادية

 

التفقير

تعاني مناطق الأحواز من الفقر الذي يعتبر جزءًا من العملية الاستراتيجية الممنهجة التي تنفذها الحكومة الإيرانية منذ بدء احتلالها للمنطقة. يهدف هذا النهج إلى إفقار السكان في الأحواز وإجبارهم على العيش في ظروف صعبة، تجعلهم يكافحون لتحصيل لقمة العيش اليومية، ويمنعهم من التطور في مختلف المجالات الثقافية والعلمية. وتكشف صور التفقير عن وضع سكني متدهور ونهب لموارد الأراضي الزراعية وإتاحة فرص العمل المحدودة بطرق ترتكز على التمييز الواضح في المجتمع.

بالنسبة للتعليم والدراسة، يظهر الفقر في عدم توفر الموارد الضرورية للطلاب لتحصيل حقهم في التعليم، مثل شراء الكتب والمستلزمات التعليمية والملابس اللازمة للأطفال. كما انتشرت أيضًا العمليات التي تفرضها المدارس الحكومية المطالبة بتكاليف إضافية على الطلاب رغم التزام الدستور الإيراني بتوفير تعليم مجاني للجميع.

ثم إلى جانب ذلك ، يتميز النظام التعليمي الإيراني بوجود نوعين من المؤسسات التعليمية، حيث تتمثل المؤسسات الحكومية في مدارس ذات مستوى تعليمي منخفض ومتردي، بينما تتمثل المؤسسات الخاصة في مدارس متقدمة تتوفر فيها خدمات تعليمية عالية الجودة والثمن الباهظ، حيث تتوجه هذه المدارس بشكل أساسي إلى أبناء المستوطنين الأثرياء.

وبالرغم من أن هذه الوضعية تعم مختلف مناطق إيران، إلا أن الأحواز تتميز بوضع خاص يجعل العرب الفقراء غير قادرين على تحمل تكاليف التعليم في هذه المدارس الخاصة التي يرسل إليها أبناء المستوطنين الأثرياء الأصحاء مادياً.

تترتب على الأحوازيين عواقب وخيمة بسبب الفقر، إذ يجد الأبناء أنفسهم مضطرون للعمل لسد احتياجاتهم الأساسية وتكاليف دراستهم، ويدفع الآباء للعمل أيضاً لتوفير متطلبات أسرهم. يرتبط هذا التحدي بظاهرة تفقير الشعب الأحوازي، فالكثيرون من الأسر ينشغلون بشكل كامل في التجارة اليومية لكسب لقمة العيش. وأصبحت الدراسة في هذه الحالة، مجرد هدف ثانوي للمحظوظين الذين يملكون الوضع المالي الجيد. وبسبب الفقر، اشتهرت بظاهرة “التبسيط”، حيث يجلس الأفراد على الشوارع ويبيعون بضاعتهم اليومية للمارة، وتبعها ظاهرة أطفال العمل الذين يجمعون القمامة من الحاويات العامة أو يقومون بمهام أخرى للحصول على كمية قليلة من المال.

 

 سوء التغذية في مدارس الأحواز

حذّر خبراء التغذية من تزايد ظاهرة سوء التغذية بين الطلاب في منطقة الأحواز، وطالبوا مؤسسة الرعاية الاجتماعية بضرورة التدخّل. تشير التحليلات إلى أن الفقر والحرمان والبطالة، إلى جانب تجاهل وعي الأسر بأهمية التغذية السليمة وضرورتها لتطوّر الأطفال، والرحلة إلى المدرسة دون تناول وجبة الفطور، كلها مسبّبات لضعف بنية الطلاب وصغر حجم أدمغتهم وزيادة صعوبة التركيز في الحصص الدراسية، إلى جانب توقّف دورة الحياة الطبيعية. تترتب على ذلك مشاكل صحية مثل انخفاض مستواهم الطاقي والكسل وتشتّت الاهتمام وعدم الحيويّة، نتيجة النقص في المواد الغذائية الأساسية مثل البروتينات والفيتامينات، بالإضافة إلى الحراك البدني المحدود وغياب الحصص الرياضية والمدرّبين المؤهلين في هذا الجانب، بالإضافة إلى غياب المرافق الترفيهيّة التي تحفز الطلاب على النشاط البدني. جميع هذه العوامل تؤثر سلبًا على العملية التعليمية بشكل واضح.

 

التمدين

ساهم التمدين في تعزيز عملية التفقير الممنهجة، وزاد على ذلك ارتفاع نسبة الإنجاب بين الأحوازيين. ورغم انخفاض هذه النسبة في التقرير المقبل، فإن ذلك لم يمنع انعكاسات هذا الارتفاع على المجتمع العربي، نتيجة لانفخاض الدخل الشهري واليومي، حتى أصبح الإنجاب يعني للعرب مزيدا من الفقر والحرمان. ولعل هذا التساوق بين التمدين وتعميق الفقر أولى مسببات انفخاض الإنجاب اليوم.

وقد شهدت الأحواز زيادة في عدد السكان عقب الحرب الإيرانية ضد العراق، وهذا ما جعل الأسر العربية تدرك أن هذا الأمر يؤدي إلى فقدان مقومات الحياة التي يجب أن تتوزع على عدد أكبر من الأفراد، وتوصّل الفرد الأحوازي إلى الحزمة الملموسة في الواقع، فأدرك أن زيادة الأبناء تؤدي إلى الفقر والحرمان، بينما قلة المواليد تعني توفير مزيد من المال. وهذا ما جعل بعض أبناء الأسرة الكثيرة العدد يلتحقون بالمدارس والجامعات في العقود الأخيرة.

وبالإضافة إلى ذلك، قام النظام الإيراني باستخدام عملية التمييز لإيقاف الأحوازيين في المناطق الهامشية في الأحواز، مما أدى إلى تعرضهم لصعوبات متواصلة في تحمل تكاليف المعيشة الباهظة في المدن، نظرًا لانعدام فرص العمل وتمييز الإدارات الحكومية والمصانع والشركات ضدهم وعدم التوظيف لهم.

 

التمييز الإداري

يحدث في الأحواز ظاهرة تتجدد يوميًا، حتى بدأ بعض المستوطنين يحذرون منها ومن تأثيرها الخطير على المجتمع. يمنع النظام الإداري الفارسي المستوطن في الأحواز توظيف الأحوازيين أو منحهم مناصب إدارية، مما يؤدي إلى شكل نظام إداري مكون من 96٪ من المستوطنين و 4٪ من العرب. هناك تبعات كثيرة لهذه الظاهرة، بما في ذلك الفقر، الذي ينعكس سلبًا على التعليم. وعلى الرغم من هذا الوضع، فإن الأحوازي يعاني من تضخم مستمر وفقدان المقدرة الشرائية بسبب العقوبات التي تنطبق على النظام الإيراني. تتأثر التداعيات على الفقراء في الأحواز بشكل خاص، حيث أصبحوا غير قادرين على توفير اللحوم، ولا يمكنهم تحمل تكاليف الدراسة أو العلم.

 

العوامل العمرانية

وبينما وضعت العوامل الاقتصادية صورة عامة عن التردي الاقتصادي في الأحواز، ودوره الخطير في التردي الدراسي، والتخلف عن تأمين التكاليف الدراسية، فإن العوامل العمرانية سترتكز أكثر على موضوع التردي الدراسي، في الجانب العمراني البنيوي للمدارس.

 

تأثير الحرب الإيرانية على الأحواز

أثّرت الحرب التي شنتها إيران ضد العراق سلبًا على العديد من المجالات، بما في ذلك التعليم في الأحواز. حيث قامت الحرب بتحويل جميع المدارس الواسعة والكبيرة الموجودة في الأحواز إلى ثكنات عسكرية، بغية المساهمة في التفريس وتشجيع المستوطنين على الاستيطان. تسبّبت الحرب أيضًا بإجبار الجيش والحرس الثوري على تسيير شؤون الحرب في تلك المدارس، مما أدى في نهاية المطاف إلى عدم إعادتها إلى وزارة التعليم والسلك التعليمي بعد انتهاء الحرب. بالنسبة إلى الكوادر التعليمية، فرحّل الكثير من المعلمين المأهولين باحتياجات المنطقة، مما تسبب في هجرة واسعة من المعلمين الأكفاء إلى خارج الأحواز، واستبدالهم بالمعلمين الذين ينقصهم المهارات والخبرة اللازمة.

 

فقدان المعلمين

واحدة من أكبر الأسباب التي أدت إلى تدهور التعليم في الأحواز هي الحاجة إلى حوالي 14 ألف معلم لتأمين كوادر التعليم في جميع المدارس العامة في المنطقة، بالإضافة إلى الحاجة إلى بناء مدارس جديدة وتشغيل مزيد من المعلمين. وبدلاً من العمل على توفير كوادر تعليمية تستوفي معايير التدريس والتعليم، اعتمدت وزارة التعليم على إلى توظيف أعداد كبيرة من خريجي الحوزات العلمية وخريجي مختلف التخصصات من التيار الولائي الداعم للنظام، ليعملوا في المدارس دون حصولهم على أية تأهيلات تعليمية أو علمية ملائمة لهذا الغرض.

 

فقدان البنى التحتية

يعكس غياب المدارس في مختلف مناطق الأحواز نقصًا حادًا في البنية التحتية اللازمة للتعليم. وبسبب هذا النقص، يزداد عدد الطلاب في الصف الواحد إلى مستويات قياسية مرتفعة تصل إلى ثلاثين أو أربعين طالبًا. وبالتالي، يواجه المعلمون صعوبات كبيرة في إدارة الصفوف، ومن ضمنها نقل المعرفة، اكتشاف المواهب الفردية بين الطلاب، ومتابعة الواجبات والمهام اليومية.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني معظم المدارس في الأحواز من نقص حاد في البنية التحتية الخدمية، مثل عدم توفر دورات المياه النظيفة والنظافة العامة للمباني والمرافق، وعدم وجود أنظمة تكييف للتغلب على درجات الحرارة الشديدة خلال فترات الصيف التي تمتد لثمانية شهور في الأحواز، وعدم توفر المكتبات العامة و ورش العمل الخاصة بالطلاب.

كما أن المدارس في بعض المناطق تعاني من تدهور الأحوال الجوية، حيث يتعرض المشي إلى المدرسة للعديد من العراقيل، مثل الطرق المتوسخة التي تأسفلها المركبات غير الصالحة للسير، بالإضافة إلى عدم وجود الجسور والمرتفعات التي تصعب الوصول إلى المدارس في بعض الأحيان. يُعتبر قرية العنافجة أحد الأمثلة الواضحة على هذه المشكلة.

 

التوزيع البيروغراطي التعليمي القائم على عنصرية قومية

إذا كنا نريد توضيح سبب التخلف الدراسي في الأحواز، يجب علينا أن نتذكر التمييز الإداري ضد العرب وتمكين المستوطنين. نظام التعليم في الأحواز يفضل المستوطنين على حساب العرب في تعيين الأساتذة والمناصب الإدارية العليا. هذا التوزيع يؤدي لتركيز الأساتذة العرب في المناطق غير المهمة بينما يتم توظيف المستوطنين في المناصب الرئيسية. باختصار، يمكن أن ينخفض عدد الأساتذة العرب إلى أقل من 10٪ في المدارس، ويُحصر وجودهم في المناطق العربية الهامشية، بينما يسيطر المستوطنون على المناطق الرئيسية. تتعدد محاولات العائلات العربية المتزايدة لتسجيل أبنائهم في المدارس الموجودة في تلك المناطق، نظرًا للمستوى العالي للتعليم فيها ولتوفر العديد من الأجهزة والمعدات وورش العمل، بخلاف المدارس المهمشة الواقعة على الأطراف.

 

العوامل الثقافية

وإلى جانب تلك العوامل فلا يمكن إهمال الجوانب الثقافية التي تعصف بنظام التعليم في الأحواز، وانعكاس ذلك سلبا على الطلاب الأحوازيين، وتردي مستواهم العلمي. ومن أبرز العوامل الثقافية نكتفي بالإشارة إلى عاملين رئيسين:

 

التعليم بغير اللغة الأم

منذ احتلال النظام الإيراني، فُرضت اللغة الفارسية كلغة قومية واحدة، مهملًا باقي القوميات. جعل النظام التعليمي هذه اللغة الوحيدة، وأداة لبثها وتجذيرها، محاولًا دحر باقي اللغات، بما في ذلك اللغة العربية، التي تستخدمها الأحواز شمالًا وجنوبًا. يؤدي التعليم بلغات غير اللغة الأم في الأحواز إلى انشطار عقلي وتفكيري لدى الطلاب، وصعوبة في التعبير والاستماع، مع إنشطارهم في الإدراك للعالم بين لغتهم الأم واللغة المفروضة عليهم في المدارس. هذا الأمر أحدث تلك الظاهرة المنتشرة جدًا بين الأحوازيين، وهي التلعثم، الذي يؤدي إلى جهلهم باللغتين، بدون أي عيب في مستوى الإدراك أو الاستيعاب، لكن بسبب الإرتباك الناتج عن العربية والفارسية في التعليم.

تُعَدُّ اللغة الأم ركنًا هامًا للهوية الفردية والاجتماعية والثقافية لكل شخص، فالتعليم باللغة الأم يلعب دورًا أساسيًا وحاسمًا في تطوير الأطفال، حيث يساهم في زيادة ثقتهم بأنفسهم، وتقديرهم لذواتهم، وتحسين أمنهم النفسي. إن اللغة الأم ليست مُجَرَّد وسيلة للتواصل، بل تُعَدُّ منصة للتعبير عن المشاعر وتكوين الذاكرة والانتماء الثقافي.

تجاهل الحكومة الإيرانية للغة الأم في التعليم للشعب الأحوازي أثار عدة مشاكل وتحديات كالجهل والأمية والتخلف وانتشار الإدمان والنزاعات غير المنظمة والسلوكيات الخاطئة ومشكلات كثيرة أخرى. وتشير الإحصائيات الحكومية إلى أنَّ نسبة الأمية في الأحواز مرتفعة جداً، وتستهدف الحكومة الفئات العمرية من 10 إلى 49 سنة. وإذا نظرنا للأمور بمنظور أوسع، فإنَّ الوضع يصبح أكثر تدميراً وفجيعة.

كما يعاني المعلم في المدارس الإبتدائية، التي تعتبر من مراحل التعلم الأساسية، من صعوبة بناء علاقة قوية وودية مع الطلاب بسبب عقبات اللغة. يتأثر الطلاب في هذه المرحلة بالعواطف والمشاعر التي يصعب فهمها بسبب فقدان المعلم اللغة الأم لدى الطلاب. وعلاوة على ذلك، تعتبر اللغة الأداة الأساسية في عملية التعلم وتكون مهمة لتحقيق العلاقة الحميمة والصحية بين المعلم والطالب.

يؤدي التعليم باللغة الأم إلى الإستيعاب الجيد للمواد الدراسية وتعزز المعرفة للفرد بشكل كولوجي. تساعد اللغة الأم في تعزيز التواصل الإجتماعي في المجتمع والإندماج في بيئته الإجتماعية. ترتبط اللغة الأم بالثقافة والهوية الفردية، وتساهم في تنمية المهارات العاطفية وتقليل الانفصال العاطفي. يعمل تعليم الطلاب باللغة الأم على زيادة كمية ونوعية التعاملات والتجارب الإنسانية، وتساعد في تزويد الطلاب بأداة تفكير رئيسية، وهي التعامل والتواصل في بيئة المدرسة.

يحاول النظام الإيراني بطريقة علمية قمع المطالب المشروعة بالحلول المناسبة، بدلاً من التعامل معها بحلول الأمل. وقد حذّر مدير الشؤون الاجتماعية والثقافية في الأحواز، مهرداد موسوي، من الوضع السيء لشباب الأحواز، حيث أن أكثر من 30 ألف طالب تركوا الدراسة بسبب صعوبة اللغة. وألقى المسؤول اللوم على الوالدين، الذين يعلمون أبنائهم اللغة الأم العربية، مؤكدًا جاهدًا على ضرورة محاربة اللغات الأجنبية وتعزيز الاستخدام الحصري للغة الفارسية في الأحواز.

 

عنصرية التعليم الإيراني

تسعى الأنظمة الإيرانية المتعاقبة بكل جهودها إلى تعزيز الهيمنة الإثنية ودعم الفارسية على حساب حقوق الشعوب الأخرى، بما في ذلك الأحوازيين. منذ تأسيس الدولة الفارسية، اتبعت الحكومة سياسات عنصرية تستفيد منها الأجهزة الأمنية في تطبيق القمع والتمييز ضد الشعوب غير الفارسية، فيما يؤدي ذلك إلى إذلالهم. وجاءت هذه السياسات في إطار روايات كاذبة وسرديات تستخدم لتعزيز هذه الممارسات. ومن خلال صراع تاريخي بين العرب والفرس، نفذت تلك الأنظمة عمليات تغييب كبيرة للهوية العربية ترتكز على مفاهيم مثل “الأعراب” و”المستعربين” والتي زادت من حدة الأحقاد الموجودة في الكتب المدرسية تجاه العرب.

يعد قرار وزارة التعليم الإيرانية بفرض التعليم المبكر للأطفال في الخامسة من العمر جيدًا لرفع الكفاءة في لغة الفارسية، ولكن هذا القرار يندرج ضمن عملية الدمج القسري التي تشمل تغيير لغة الأطفال الأحوازيين الأصلية. ومع ذلك، فإن هذا القرار لا يؤثر على نسبة كبيرة من الأسر الأحوازية التي تحتفظ بلغتها الأم، وتعلم أطفالها الفرسية فقط في المدرسة. وهو ما يؤدي إلى تشكيل بنية تعليمية عدوانية لدى الطفل، حيث ينتهك حقه في الحفاظ على لغته الأم وهويته، ويتعرض للاستفزاز والعصبية من المدرسين الفرس. غالبية الأسر لا تستخدم اللغة الفارسية في البيت أو في الشارع، مما يؤدي عادةً إلى إنشاء نمط تعليمي عدواني لدى الأطفال؛ حيث يتم تجاهل لغتهم الأم وهويتهم. ومع ذلك، فإن الممارسات العنصرية والعصبية ضد الفرس من قبل بعض المدرسين لا تزال تحدث بشكل مستمر.

أكد المراقبون الدوليون مخاطر السياسة الجديدة المقترحة من قبل وزارة التعليم في إيران، واعتبرت المحامية الأمريكية والناشطة في حقوق الإنسان، إيرينا تسوكرمان، أن تصنيف الأطفال الذين لا يتحدثون الفارسية بطلاقة ضمن ذوي الإعاقات يشكل انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، وأن الإرغام على تعلم الفارسية لمدة عامين قبل الدخول إلى المدرسة يهدف إلى محاربة الانتماء إلى الهوية الثقافية وإبقاء الأطفال بعيدين عن التواصل والتفاعل الثقافي. حيث قالت: “أن تصنيف الأطفال الذين لا يتحدثون الفارسية بطلاقة، ضمن الأطفال من ذوي الإعاقات، يشكل انتهاكا سافرا لحقوق الإنسان، وأن إرغام هؤلاء الأطفال على تعلم الفارسية لفترة سنتين قبل دخول المدرسة يهدف إلى محاربة الانتماء إلى الهوية الثقافية ومنع التواصل والترابط الثقافي”.

 

الثقافة الأبوية

في ظل تعنت النظام الإيراني بعدم السماح ببلأحولزيين بتاسيس موسسات ثقافية،  تركت الثقافة التقليدية على الثقافة الأحوازية أثرا كبيرا وخاصة على الفتيات الأحوازيات اللواتي يواجهن صعوبة في الذهاب إلى المدارس أو الجامعات بسبب اصرار أسرهن على الاعتقاد ببعض القيم الأبوية التقليدية. هذا الاعتقاد يتعارض مع مفهوم المساواة بين الرجال والنساء في التعليم. على الرغم من أن الوضع قد تحسن بشكل كبير في الأحواز، إلا أن بعض الأعراف التي تم اتخاذها في الماضي مازالت قائمة مما يؤدي إلى فرص محدودة للنساء فيما يتعلق بالتعليم. هذا يمثل عقبة حقيقية في المجتمع الأحوازي. ومن المهم ملاحظة أن هذه الآراء لا تعكس سوى طيفًا ضيقًا من المجتمع الأحوازي.

 

العوامل الطبيعية

وللعوامل الطبيعية أثرها البليغ في تردي الدراسة في الأحواز، خاصة على ضوء تردي الأجهزة الحكومية للنظام الإيراني في أداء واجباتها في الإسعاف، أو التعامل المهني مع الحوادث الطارئة، أو عرض البدائل.

 

السيول

شهدت ظاهرة السيول تعطيلًا تامًا في المدارس التي جرفتها، وتوقفت الدراسة لفترة طويلة بسبب عدم توفر مدارس بديلة أو إعادة تعمير المدارس التي تضررت. وفي حين كانت الإحصائيات تشير إلى تضرر أكثر من 500 مدرسة في مختلف المدن الأحوازية، فإن النتيجة كانت حرمان الطلاب من فرصة التعليم وإكمال دراستهم. وبعد ذلك، جاءت جائحة كورونا، وتحوّل التعليم إلى نظام إلكتروني، وعجزت أسر الأحواز عن توفير التكاليف اللازمة للأجهزة الحديثة مثل الهواتف الذكية، الأيباد، واللاب توب، مما أدى إلى تعطيل الدراسة في المنطقة وجعلها أولى المناطق التي توقف فيها التعليم في جميع المناطق التي تحتلها إيران.

 

ظاهرة الكثبان الرملية

بينما الجائحة والسيول يمكن النظر إليها على أنها ظواهر طبيعية، فإن الكثبان الرملية هي نتيجة لعبث يتم في البيئة الأحوازية بشكل متعمد. وهذه الظاهرة تسببت في تبعات لا حصر لها، مثل إجبار الأهالي على منع أطفالهم من الخروج للذهاب إلى المدارس، وتعطيل المدارس بشكل متكرر من قبل السلطات. وبينما يمكن تبرير السيل بسبب تخزين المياه بشكل غير علمي، فإن الكثبان الرملية هي نتيجة صناعية للعبث في البيئة.

بعد جفاف أحوازها وأنهارها، تحولت مساحات الأهوار والأنهر إلى مصادر لانبعاث التربان والجزيئات الكثبانية. ونتيجة لذلك، يعاني الناس من حالة من سوء الطقس والهواء، مما يؤدي إلى الإختناق والإصابة بالأمراض، ويجبرهم على البقاء في المنازل وإغلاق المدارس.

 

الختام

في النهاية، قمنا في هذا التقرير القصير بوصف الظروف الدراسية المتدهورة التي تواجهها الأحواز، مع التركيز على الإرتباك الحاصل في تعليم الأطفال في مدارسهم. كما قدمنا تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تثبت هذا التردي. كما قمنا بتحليل الأسباب الكامنة وراء ذلك، وصنفناها في أربعة عوامل الثقافية واقتصادية والعمرانية، ونهينا بالخلاصة المتمثلة في العوامل الطبيعية الناتجة عن العبث في البيئة الأحوازية.

 

 

فريق الرصد

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!