الإثنين, ديسمبر 23, 2024
دراساتتشويه التاريخ والهوية: مصادرة المعالم الأثرية الأحوازية

تشويه التاريخ والهوية: مصادرة المعالم الأثرية الأحوازية

التاريخ:

إشترك الآن

اشترك معنا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد.

المقدمة

تستند عملية تزوير هوية المعالم الأثرية في الأحواز، على يد النظام الإيراني، على الهيمنة الثقافية. والهيمنة الثقافية التي عرضها الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، تشير إلى سيطرة ثقافية تفرضها مجموعة معينة على آخرين. تتضمن الهيمنة الثقافية فرض المعتقدات والقيم والتقاليد على المجموعات التي تخضع للطرف المهيمن، وتعزز هذه الهيمنة بالقوة السياسية والاقتصادية.

من هذه الزاوية يمكن النظر إلى تدمير إيران المعالم الأثرية والاستيلاء على الأماكن التاريخية في الأحواز كجزء من محاولتها تعزيز هيمنتها الثقافية على  الأحواز. من خلال تدمير هذه المواقع أو تزوير حقيقتها لصالح الثقافة الفارسية، تسعى إيران إلى النيل من الهوية الثقافية الأحوازية، وتراث الشعب الأحوازي، بالإضافة إلى طمس التاريخ العربي في  الإقليم.

وتتم هذه العملية بواسطة النظام الايراني من خلال التحكم في سرد التاريخ، والتلاعب بالأدلة المادية لماضي الإقليم، بغية تعزيز إيران نفوذها وسيطرتها على الأحواز بشكل كامل. وعلى الرغم من جهود النظام في تدمير التراث الأحوازي وتزويره، فإنه لا يزال يفتقر إلى أدلة علمية وموضوعية تسعفه، مما جعله أمام صعوبة تزوير الأماكن التاريخية في الأحواز والاستيلاء عليها.

بالرغم من ذلك، منذ بسط النظام الإيراني الهيمنة على الأحواز، بدأ بعملية واسعة للاستيلاء على المعالم الأثرية وتحريفها لصالح رواية معينة. هدف هذه الرواية هو ربط المعالم الأحوازية الأثرية بتاريخ الحضارة الفارسية. ولكن، بالإضافة إلى هذه العملية، كان هناك وجه آخر للتدمير يدمر تلك المعالم عند استحالة تحريفها أو إذا احتوت على رموز عربية صريحة لا تقبل التأويل.

منذ ذلك الحين، تشهد المنطقة الأثرية الأحوازية صراعا متواصلا بين الشعب الأحوازي الذي يكافح من أجل الحفاظ على تلك المعالم وتاريخها العربي، وبين الجامعات وأعضاء هيئة التدريس والطلاب المستوطنين الذين يسعون للاستحواذ على التراث التاريخي والهوية الأحوازية، ويحظون بدعم قوات النظام والدعم اللوجستي الكبير المقدم لهم. ورغم المقاومة العربية  في الأحواز، غالباً ما ينجح النظام في المصادرة والهيمنة على تلك المعالم وتسجيلها لصالح الفرس باعتبارها جزءا من حضارتهم.

 

الهوية والتاريخ

تأسست في العقد العشرين من القرن الماضي “الدولة الفارسية الإيرانية” المركزية. وقد كانت هذه الدولة الجديدة حصيلة عملية عسكرية أخضعت عدة شعوب، مستخدمة العنف والتزوير لصناعة دولة موحدة أطلقت على نفسها اسم إيران. ومما كانت هذه الدولة بحاجة إليه، في البداية، إثبات وجود أمة. ولذلك، قامت بعملية واسعة النطاق لتحويل الشعوب المغلوبة والمحتلة في تلك الجغرافيا إلى شعوب متجانسة.  وكان تزوير المعالم الأثرية ومصادرتها، الطريق المؤدي لانجاح العملية الهادفة إلى استحالة الشعوب غير الفارسية، مثل إقليم الأحواز.

لذا، منذ نشوء “الدولة الإيرانية”، تم تنفيذ عملية شاملة في الأحواز تهدف إلى إزالة هوية هذه المنطقة العربية، من خلال تدمير المعالم الأثرية. ونظرا لطول مدة هذه العمليات، استمرت هذه العملية حتى الآن، تزداد شدتها في بعض الأوقات وتتراجع في أخرى.

وكانت بداية عملية التزوير الاستيلاء على آثار الحضارات العربية القديمة التي مرت بهذه المنطقة، مثل الحضارة العيلامية التليدة والحضارة الميسانية المجاورة لحضارات وادي الرافدين.

 

تزوير المعالم الأثرية الأحوازية

يهدف النظام الإيراني من الاعتداء على المعالم الأثرية في الأحواز تمزيق صلة الأرض الأحوازية بعروبتها، وإضعاف الهوية  الأحوازية في أرض الأحواز، الواقعة في جنوب وجنوب غرب الجغرافية الإيرانية الحالية، وقد تم تقسيمها إلى عدة محافظات. وبتبع ذلك،  بات يروج النظام الإيراني إلى أن  الأحواز هي أرض غير عربية، كما يروج لرواية تاريخية تنص على أن الأحوازيين الذين يعيشون هناك لا يشكلون سوى نصف السكان، وينتمون إما للمهاجرين من العراق أو للعرب الذين استعربوا جراء مجاورتهم للعراق والخليج العربي وتحولت لغتهم إلى العربية.

لذا، قام النظام بمصادرة المعالم الأثرية التي تؤكد على وجود العروبة في تلك المنطقة. وتمت عملية التزوير على مستويات مختلفة، بدءًا من الأساس الفكري القومي والعقائدي الذي يستند إلى المعتقدات التي تدعم التزوير، وصولاً إلى الأساس الوجودي- الهووي الذي ينكر وجود الأحوازيين بالمطلق: سواء كان ذلك الوجود يتعلق بالحضارات القديمة، أو بالدول والإمارات الأحوازية المتأخرة. سنوضح هذا أكثر في الفقرة التالية.

 

الف)  تزوير التراث الأحوازي  على الأساس الفكري – الهووي

إذا كانت مصادرة المعالم الأثرية تستند في أساسها الفكري إلى القومية الفارسية العنصرية، كانت عملية التزوير تتركز على إزالة العناصر العربية والتأويلات العربية من هذه الآثار. وبالتالي، يعتمد التزوير على العقائد القومية، التي هي بالطبع عقائد عنصرية، للتركيز على القومية الفارسية ورفض جميع أشكال الوجود العربي في  الأرض الأحوازية. ونتيجة لهذا التركيز على الجانب القومي الفارسي، يتم في بعض الحالات تجاهل الجوانب الأثرية الأخرى التي قد تكون ذات طابع متصل بالمذهب أو ما شابه ذلك، وهي لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا أو كبيرًا بالقومية. ويمكن الإشارة إلى أبرز مظاهر التزوير والتدمير المستندة على هذا الأساس ضمن الفقرات التالية:

 

تدمير قصور الشيخ خزعل في المحمرة[1] والأحواز وباقي المدن[2]

نظرا لمكانة الأمير خزعل الرمزية في الوعي القومي الأحوازي، فقد أثار تخريب قصره في عاصمة حكمه المحمرة غضبا قوميا كبيرا في جميع أنحاء الأحواز. لذلك حاول النظام الإيراني، في البداية، احتواء هذا الغضب، عبر السماح لإدارة التراث في المحمرة، بالتعاون مع قائم مقام المدينة، السماح لهما بتنظيم دعوة قضائية ضد الجهة التي قامت بتدمير قصر الأمير. وقد تبين أن جهة عسكرية هي التي نفذت عملية التدمير حسبما ورد في بيان الدعوى القضائية التي تم نشرها إعلاميا[3]. على أن النظام الإيراني كان قبل ذلك مهد الأرضية للهدم، عندما قام بحملة إعلامية نشرت أخبارا كاذبة عن تهديم القصر، لجس نبض الشارع، ومعرفة حجم ردود الأفعال الشعبية. واستمرت هذه العملية لعدة أشهر.

لكن بمجرد أن تم احتواء الغضب الشعبي في الأحواز بسبب هذا الحادث، عاد النظام لتدمير ما تبق من المعالم الأثرية، وهذه المرة طال التدمير قصور الأمير عبدالحميد، نجل الأمير خزعل، في الأحواز حيث تعرضت قصوره للتدمير. ولكن هذه المرة تم تكليف تاجر إيراني يدعى “مهديان” لتنفيذ المهمة، وتحويلها إلى قضية فردية، لتجنب توجيه الاتهام مباشرة إلى النظام. وهذه إحدى الطرق التي يستخدمها النظام لتجنب تحمل المسؤولية مباشرة[4].

 

 إهمال المعبد زيغورات

  أملا في انهياره تدريجيا[5] والتجنب من صيانته، يُهمل معبد زيغورات بشكل مقصود. على الرغم من أنه يُعتبر واحدًا من أبرز المعالم القديمة المتبقية ويعود إلى حضارة عيلام السامية العربية بشكل خاص، إلا أنه لا يتلقى الاهتمام الكافي. ورغم تسجيله في قائمة التراث الإيراني لكنه يعاني من غياب الصيانة ويتعرض للتدنيس من قبل الزوار الذين يتجولون في باحاته وساحاته. وفي الوقت الراهن تتولى دائرة التراث في مدينة القنيطرة إدارة هذا المعبد وصيانته.

 

مصادرة شلالات مدينة تستر

تم انتساب شلالات مدينة تستر للإخمينيين[6] بالتزوير خلال  الحكم البهلوي المحتل بهدف تزوير الهوية الأحوازية. وهذا يعد نوعا آخر من الاستيلاء والتلاعب بالتاريخ، حيث تستخدم المصادرة لصالح الفرس. قام المؤرخ الإيراني بعملية كبيرة وموسعة لتزوير التاريخ وترويج عودة هذه المعالم إلى الفرس، مستخدمًا أيضًا وثائق مزورة لإثبات هذا الادعاء. وتبعا لذلك تأثر علماء غربيين بالرواية الإيرانية ومزاعمهم، تارة بالمال وتارة بعرض مستندات ووثائق مزورة. أدت النزعة  القومية إلى خوض عملية واسعة من التزوير والتدمير للتراث الأحوازي وهويته، حيث طالت العديد من المعالم التاريخية التي ترجع الى قبل الميلاد وصدر الإسلام.

ولكن عندما يكون الأساس الفكري لهذه العملية هو البعد العقائدي، كما هو الحال في الجمهورية الإسلامية، فإن مصادرة المعالم وتدميرها يتم بناءً على قاعدة مذهبية.  وأبرز المعالم التي دمرت أو صودرت بناء على هذا الأساس هي المعالم المذكورة في الآتي:

 

العدوان على المعالم الأثرية السنية

التقى المد القومي الإيراني مع المد المذهبي في “مدينة عسكر مكرم” الأحوازية: فبينما ينسب القوميون الفرس هذه المدينة الأثرية إلى الساسانيين، مبعدينها عن العرب، تحاول الفئات المذهبية الفارسية تدميرها بدوافع دينية- شيعية لأنها مدينة تنتمي إلى التاريخ السني الأحوازي، في القرون الإسلامية الأولى. ومن هذا المنطلق دمرت المعالم الأثرية الإسلامية -السنية في موضع عسكر مكرم الأثري.[7] وتعد هذه المدينة من أقدم المناطق المأهولة في الأحواز، حيث تم تأسيسها كمدينة في بداية العصر الإسلامي، تقع بالقرب من قرية “الجليعة” ونهر “مسرقان”. في هذه المدينة الأثرية، واجهت مصالح القوميين الايرانيين تحديات من الجانب رجال السلطة الشيعة: فبينما يقوم القوميون الفرس بالسعي لتعزيز صلتها بالحضارة الساسانية عن طريق التلاعب بالتراث الأحوازي، تحاول الفئات المذهبية – الشيعية الفارسية تدميرها بدوافع  التوجهات الدينية الشيعية، نظرًا لكونها مدينة ذات تاريخ سني أحوازي قديم[8].

 

تدمير مقام الملك محسن المشعشعي

 تم تعرض ضريح الملك محسن المشعشعي الأحوازي لعملية تدمير انطلاقا من اعتباره رمزا عربيا مخالفا ومنافسا للدولة الصفوية، و من ثم الجمهورية الإسلامية[9]. وهذا يعد مثالًا آخر على سياسة تدمير الهوية التاريخية في الأحواز. والأمير محسن بن محمد بن فلاح هو ثالث أمراء الدولة المشعشعية، سمي بالملك محسن، وكتبت باسمه الكتب وبنيت الأثار والمعالم وأطاعته الأمصار. شهدت فترة حكمه إزدهار الدولة الصفوية وسطوة ملكها الأكبر عباس الصفوي. وبسبب توجهاته العربية ومعارضته للدولة الصفوية ذات الطابع الشيعي-الفارسي- الصفوي، كان ولايزال الفرس يعتبرون هذا الملك خطرا عليهم حيث تم تدمير قبره قبل عدة سنين من قِبل النظام الإيراني بحج البناء وتجدد مقامه.

على الرغم من تسجيل الكثير من المواقع التاريخية في قائمة التراث الإيراني ، فإن نظام الجمهورية الإسلامية لم يسمح بتسجيل قبر الملك محسن في هذه القائمة، بهدف تدميره دون مواجهة النظام اعتراضا من اليونسكو. وقد تم تدمير المقبرة من قبل المركز الثقافي الفني التابع لمدينة الحميدية بعد الحصول على إذن من دائرة التراث والثقافة والجهات المعنية الأخرى[10].

كما ان النظام الإيراني يستخدم سياسات أخرى ملتوية للتلاعب والنيل من التراث الثقافي. على رأس هذه الطرق تجنيد مجموعة من الأشخاص للاعتداء على المواقع الأثرية وسرقة المقتنيات الثمينة التي تحتوي عليها، بالإضافة إلى إلحاق أضرار جسيمة بها تفقدها جماليتها أو تدمرها تمامًا. لقد تعرضت العديد من المواقع الأثرية لهذا المصير المروع، بما في ذلك:

 

سرقة الأثار الأحوازية[11]

نمط شائع في الأماكن الأثرية يعرف بـ “سرقة الأثار الأحوازية”. تأتي هذه السرقات نتيجة لإهمال المعالم والأماكن الأثرية، أو تعمد النظام في تدميرها عن قصد باستخدام هذه الطرق. وبما أن هذه الحالات شائعة للغاية، فإنه يجب أن نذكر أن هذه السياسة أدت الى نهب الكثير من النقود والقطع، مثل الآنية والأدوات والأحجار الكريمة، وأي شيء يمكن نقله عن طريق الأفراد.

 

تصديرها إلى الخارج[12]

تم تصدير التحف الأثرية إلى الخارج نظراً لعدم قدرة الأفراد المحليين على شرائها وعدم وعيهم بها. وغالباً ما يتم نقلها خارج البلاد دون أية عوائق من السلطات الإيرانية، وربما يهدف ذلك لتشجيع المخربين على تكرار أعمالهم المدمرة.

 

تعامل المسؤلين مع لصوص للإضرار بالأماكن الأثرية وسرقتها[13]

 وفي معرض الإشارة إلى نماذج هذه الطريقة، فقد تمت معالجة جريمة تدمير معلم أثري في مدينة إيذج، من قبل موظف مسؤول عن الحفاظ عليه، بمبرر جنون الموظف المسؤل. وذلك عند رد مسؤول دائرة تراث المدينة على هذه الحادثة بالقول إن الموظف يعاني من مشاكل نفسية. هذا بينما كان يحمل الموظف شهادة في علم الآثار، وأن دافعه كان قومياً. فبعد ما اقتنع بعروبة هذه المعالم التي تثبت عروبة مدينة إيذج. مدينة جعل منها النظام مستوطنة غير عربية بنقله عشرات الالاف من اللالوار لها، حيث تحولت إلى مدينة غير عربية بنسبة تفوق 90٪ تقريباً [14].

تتعدد الطرق الملتوية لعملية التزوير إلى  ما لها نهاية. فعلى سبيل المثال قام النظام الإيراني في منطقة باب هاني (بهبهان بالفارسية)، التي تحتفظ بالعديد من المعالم الأثرية العيلامية، قام بتنفيذ مشروع عمراني استخدم فيه الحفر كذريعة لإيصال أنابيب مياه الشرب للمدينة،  عبر المنطقة الأثرية. ولم يكن ذلك إلا ذريعة تهدف التخلص منها، بمبررات عمرانية تستوجب الحفر. يتمثل هذا المشروع الذي نفذته بلدية باب هاني في تمرير الأنابيب من مركز الساحة التراثية العيلامية 15.

 

ب) تزوير المعالم الأثرية الأحوازية: المنطلق الوجودي

من منظور فكري، فإن الهجوم على المعالم الأثرية يتم بناءً على أسس مختلفة. ومع ذلك، فإن النظام الإيراني يهاجم التراث الأحوازي بغية القضاء على معالم وجود العروبة هناك. يتم رفض الهوية الأحوازية في هذه المرة بغض النظر عما إذا كانت الهوية عيلامية سامية أو إسلامية عربية أو شيعية مشعشعية؛ فجميعها مرفوضة ومعادية من منظور إيراني.

وهكذا يتم تقسيم التراث التاريخي الأحوازي الذي يتعين حمايته على فترات زمنية مختلفة، بما في ذلك الحضارة العيلامية والميسانية في فترة ما قبل الإسلام، وفترة ما بعد الإسلام التي تشمل الفترة السنية ما قبل المشعشعية، والفترة المشعشعية، والفترة الكعبية.

لقد تعرضت الفترة العيلامية لأكبر عدد من عمليات التزوير والمصادرة، نظرًا لأهمية هذه الحضارة والحروب التي خاضتها ضد الدولة الفارسية المعادية. يبدو أن التاريخ يشير بوضوح إلى نزاع الأحواز المستمر مع إيران منذ القدم وتأثر الحياة العربية في الأحواز بذلك على مر العصور. على الرغم من أن تاريخ الحضارة العيلامية يسبق تاريخ إيران بآلاف السنين، إلا أن التعامل معها كان يقتصر على ضمها إلى تاريخ الدولة الفارسية دون أدلة علمية أو أثرية موضوعية، أو محاولة محو تلك المعالم التي لا يمكن تزويرها أو تأويلها.

 

مصادرة المعالم الأثرية في إيذج

 المعالم الأثرية العيلامية في مدينة إيذج تعاني حاليًا من الاهمال وتعرضت للتأثر بالأمطار والغبار والتآكل الطبيعي، دون أي اهتمام يليق بها[15]. تقع هذه المعالم الأثرية في تلال وجبال المنطقة وتحمل نقوشًا أثرية قديمة، بالإضافة إلى صخور محفور عليها تصاوير قديمة.

 

مصادرة المعالم المجهولة الهوية

في حين أُعلن عن العثور على تابوتين يحتويان على جثتي امرأتين من الحضارة العيلامية والعديد من النقود الفضية والذهبية في منطقة جوبجي الأثرية، وتناقلت وسائل الإعلام الرسمية للنظام هذا الخبر بشكل واسع، لا يزال مطان هذه الآثار مجهولا، ولم يتم عرضها في أي متحف في الأحواز [16].

 

إهمال المعالم الأثرية في المناطق العربية

 تعاني مدينة الحميدية من وجود معالم أثرية يهملها النظام بصورة متعمدة. فقد ترك الحبل على القارب في هذه الأراضي التي تم تحديدها كموقع تراثي تاريخي يضم بقايا أثرية. ونتيجة لذلك، بدأ أهل القرى المجاورة من الأطراف المحيطة في المدينة يسعون للاستيلاء على تلك المعالم جراء الفقر الذي يعانون منه، وبعد ما جردهم النظام الايراني من أراضيهم السكنية والزراعية، حتى أصبحت تلك المنطقة جبهة للنزاعات بين الفقراء من الشعب الأحوازي. بالرغم من وجود النظام ودائرة التراث في الأحواز ومشاهدتهم للأضرار الناجمة عن هذا الوضع، إلا أنهم لم يتخذوا أي إجراءات لحماية هذه المعالم الثمينة[17].

اندثرت الحضارة الميسانية في الأحواز بعد ثماني سنوات من الحرب الإيرانية ضد العراق. كانت المناطق الأثرية الرئيسية في الحويزة والخفاجية وميسان والبصرة التي احتضنت الحضارة الميسانية مهملة ومهجورة، ذلك كان أحد أسباب اهمال المواقع الأثرية والتراث الميساني وبالتالي  كان بعيدا عن اليات النظام ولصوصها. ومع ذلك، فإن اكتشاف حقول النفط في هذه المنطقة جعلها محورًا للتوسع النفطي وثروته في نظام إيران، وأدى إلى جلب الانتباه إلى الثروات المدفونة تحت الأرض مما باتت محل اهتمام مهربي هذه التراث من رجال النظام.

وكما هو الحال في حضارة عيلام وميسان قبل الإسلام، فإن التاريخ الإسلامي، أو ما بعد الإسلامي، في المنطقة لم يكن في أفضل حال. استغل النظام الإيراني نفس الطرق المزيفة والتلاعب لتشويه الحقائق التاريخية. بالنسبة لهم، لا فرق بين ما قبل الإسلام وما بعده، فهدفهم هو فقط محو الهوية العربية والوجود الأحوازي وتأثيرهم وتاريخهم ودينهم.

بالتالي هذه السياسة تحولت إلى استهداف الباحثين الأحوازيين الذين يحاولون دراسة تاريخ الإقليم. يتعرض أي باحث أحوازي في التاريخ لمشكلات أمنية واقتصادية إذا أراد التركيز على هذه الفترة في البحث والدراسة.

 

تلال الدحيمي في مدينة السوس

تم تدمير الموقع التاريخي بالكامل بواسطة السلطات الإيرانية التي حوّلته إلى مزرعة. في عام 1960، اكتشف العالم الآثار الأمريكي، مك آدامز، هذه المنطقة، ولكن النظام لم يقم بصيانتها بعد أن تم الكشف عن جذورها العربية والإسلامية [18]. تعتبر تلال الدحيمي أقدم التلال التاريخية التي تضم قصوراً تاريخية من ذلك الوقت، وتحتوي على أدوات وآثار قديمة لم يتم الكشف عنها بعد.

تم تدمير معظم المعالم الأثرية التابعة للعهد المشعشعي،  حيث كانت تناهض الدولة المشعشعية العربية الدولة الصفوية في بلاد فارس آنذاك وشنت حروب ضدها. وبالتالي جعلت رمزية العهد المشعشعي في تاريخ الأحواز، جعلته يتعرض للتدمير والعداء من قِبل الأنظمة الإيرانية المتعاقبة، سواء كانت الملكية أو الجمهورية الإسلامية [19].

استمرت عملية التدمير حتى تم الاستيلاء على المباني التي كانت متواجدة في فترة الإمارة الكعبية، وتم هدم قصور ومباني مثل “سراي عجم” وتحويلها إلى مرآب للسيارات. تم أيضًا هدم سوق عبد الحميد والغرف المتبقية منه وقاعة فنية ذات سقف مدور تحمل الطابع المعماري لتلك الفترة، وهو مزيج من العمارة الإسلامية والاستعمار البريطاني.

 

الختام

في الختام، يمكننا أن نسأل عن الأسباب التي تقف وراء اعتداء النظام الإيراني على التراث العربي الأحوازي، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. ما الذي يهدف إليه النظام بهذه الحملة؟ أليس التراث الموجود في الأحواز تراثًا إنسانيًا يجب الحفاظ عليه من قبل جميع البشر كمساهمة إنسانية وتجلي للحضارات القديمة؟

إن هذا الاعتداء لا يكتسب معناه الحقيقي إلا عندما يتم وضعه في سياق الحرب الحالية التي تخوضها إيران للقضاء على وجود الهوية العربية في الأحواز، وينظر في ضوء الأوضاع الراهنة وكل ما يتصل بها من تاريخ وهوية وأرض ووطن وفن وتحف أثرية.

تهدف جهود المحتل في تدمير المعالم الثقافية في الأحواز إلى محو الهوية الأحوازية بأكملها، سواء قبل الإسلام أو بعده، سواء كانت عيلامية سامية أو عربية سنية أو شيعية. يتسبب تدمير هذه المعالم في فقدان الفرد لانتمائه لأرضه ووطنه، ويمكن اعتبار ذلك محاولة لإنشاء إنسان بلا جذور يحوم في أرض لا يحق له أن يكون فيها ولا تاريخ يربطه بها. اغتراب المواطن الأحوازي من موطنه وأرضه ليس إلا خطوة أولى نحو سلب هذا الوطن منه والاستيلاء على الأحواز بشكل نهائي، وبالتالي منع الإنسان الأحوازي من أن يملك في هذا الوطن شيئا يتمسك فيه، أو حتى منعه من تطويره ذاته، والمساهمة في بناء وطنه. حيث إذا أصبح الإنسان بلا هوية وفقد ما يعزز انتماءه لهذه الهوية، فإنه يفقد قيمته الإنسانية. وهذا هو ما يريد الاحتلال الإيراني أن يحققه في ذات كل مواطن أحوازي.

بينما ينتمي الأحوازيون إلى أسلاف عظماء ساهموا في الحضارة البشرية وتركوا تراثًا إنسانيًا يتفوق ويضاهي باقي الأمم في العمران والتاريخ؛ يحاول الفرس منذ احتلال أرض الأحواز، ان يبرزوا أنفسهم بأنهم أفضل من الأحوازيين الساميين عن طريق ربط التراث الأحوازي بالتاريخ الفارسي. وبالتالي للوقوف بوجه هذا التزوير، هناك ضرورة للتعاضد والتكاتف من قبل الأحوازيين للحفاظ على الإرث التاريخي في وطنهم.

بالتالي، إن توعية الشعب الأحوازي بالحضارات التي نشأت فوق أرضه في فترات سابقة، من جهة، وتوعيته بأن هذه الحضارات جميعها عربية، فإن ذلك يعني بشكل مباشر قبول عقيدة تناقض عقيدة النظام الفارسي المحتل. وهذا يتطلب ثورة فكرية وانتفاضات وحراك انساني لتغيير هذا الواقع القائم الذي فرضته إيران على الشعب الأحوازي  من أجل إرجاع أو إعادته التاريخ إلى أصله، إلى عروبته المتصلة على طول التاريخ بدون انقطاع.

وأخيرا، ليست عملية تدمير المعالم الأثرية واستيلائها نابعة من تصرف عشوائي أو مجرد كراهية، بل هي ضرورة منطقية للاحتلال الإيراني تهدف إلى تعزيز الرواية الفارسية للنظام الإيراني التي تُزعم بأن الأحواز فارسية. إذا قبل النظام العروبة في الحضارة العيلامية، ثم الميسانية والدبيسية والمشعشعية وغيرها، فإن ذلك يثير تساؤلًا حاسمًا حول مكانة هذه الحضارات والدول ومدى امتدادها الجغرافي، ويثير أيضًا تساؤلًا حول الهوية القومية لهذه الحضارات والدول. وكل ذلك يعني إسقاط الرواية الايرانية والتبرير التي يحاول النظام إقامتها.

 

 

رحيم حميد باحث في معهد الحوار للأبحاث والدراسات، مصطفى حتة باحث في معهد الحوار للأبحاث والدراسات

 

 

 

المصادر

[1] . فارس نيوز، 16 آبان 1389، رفع دعوة من دائرة التراث ضد المؤسسة العسكرية التي أهدمت قصر الشيخ خزعل: https://www.farsnews.ir/news/8908161281%

[2] . سلام نو، أجمل قصور الأحواز 14 شهريور 1402، https://www.salameno.com/news/55461728/

  https://www.achiq.info/olaylar18/08.htm  [3]

[4] https://amp.dw.com/fa-ir/%D8

[5]. كجارو:6أسفند1401، سرقة الألبان الأثرية في زيغورات وتدميرها: https://www.kojaro.com/news/195081-theft-destruction-antiquities/

[6] . ويظهر هذا المقال طريقة مصادرة المعالم الأثرية الأحوازية لصالح الحضارات القديمة الفارسية: إيسكانا نيوز، عدوان لصوص المعالم الأثية على التراث الفارسي في مدينة رامز 27 مرداد 1395: https://www.iscananews.ir/news/670441/

[7] . خبرآنلاين 1 تير 1394، ممانعة التجاوز على ساحة عسكر مكرم التاريخية: https://khabaronline.ir/news/428751/

[8] . https://www.sedayemiras.ir/%D9%BE%

[9] . نادي الصحفي الشباب16 دي 1397، رد دائرة تراث ميسان على تدمير ضريح الملك محسن: https://www.yjc.ir/fa/news/6787942/

[10] بايكاه خبري تحليلي انتخاب 22 دي 1397، تدمير مقبرة بعمر 500 عام للسيد محسن المشعشعي، https://www.entekhab.ir/fa/amp/news/450224

[11]. إيرنا 5 مرداد 1398، القبض على 50 سكة أثرية في ساحة الجريمة في الخلفية: https://www.irna.ir/news/83412645/

[12] . إلينا 31 خرداد 1402، سرقة الأثار الأحوازية لتصديرها إلى الخارج عبر مطار إمام خميني: https://www.ilna.ir/%D8%D

[13] . إيرنا 1 مرداد 1402، التراث الأحوازي بحاجة إلى قوات حماية: https://www.irna.ir/news/85177385/

[14] . راديو فردا 12 آذر 1402، هروب حارس قاعدة إيذج الأثرية بعد هدمه المعالم الأثرية فيها، https://www.radiofarda.com/a/stonebroken-izeh-/29010174.html

[15] . إيسنا 30 فروردين 1401، مشاهد تآكل المعالم الأثرية العائدة إلى ما قبل 4700 عام: https://www.isna.ir/news/1401013018349/

[16] فارس، إهمال الأوضاع العامة للتراث الأحوازي بفعل الجائحة: https://www.farsnews.ir/news.13991212000669/

[17] . اشكان نيوز، 2 اسفند 1399، وصول النزاعات على الأراضي إلى الساحة التاريخية في الحميدية: https://www.ashkannews.ir/news/4787/

[18] . إيرنا، 1 مرداد 1402، المعالم الأثرية الأحوازية وجوب الحماية الشخصية: https://www.irna.ir/news/85177385/

[19] . فارس، 12 مهر1394، ضرورة الحفاظ على معالم التاريخ الخاص بالفترة المشعشعية: https://www.farsnews.ir/news/13940712000569/

"الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع معهد الحوار للأبحاث والدراسات"



error: Content is protected !!